کتاب النکاح

اشارة

سرشناسه : اراکی، محمدعلی، 1373 - 1273

عنوان و نام پديدآور : کتاب النکاح/ الاراکی

مشخصات نشر : قم: موسسه فرهنگی انتشاراتی نورنگار، 1377.

مشخصات ظاهری : ص 800

شابک : 964-6677-07-X15000ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : زناشویی (فقه)

رده بندی کنگره : BP189/1 /الف4ک2 1377

رده بندی دیویی : 297/36

شماره کتابشناسی ملی : م 77-8052

[القسم الأوّل في النكاح الدائم]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد اللّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 9

كتاب النكاح و أقسامه ثلاثة:

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 11

«القسم الأوّل «1»: في النكاح الدائم، و النظر فيه يستدعي فصولا، الأوّل في آداب العقد و الخلوة و لو أحقهما، أمّا آداب العقد» إلى قوله: «الثاني في آداب الخلوة بالمرأة».

و لم نتعرّضهما لاشتمالهما على السنن و المكروهات، إلى أن قال قدّس سرّه:

[الفصل الأول في آداب العقد و الخلوة و لواحقهما]

[الثالث في اللواحق]

[الأول في النظر إلى المرأة]
اشارة

«الثالث: في اللواحق، و هي ثلاثة:

الأولى: يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها و إن لم يستأذنها، و يختصّ الجواز بوجهها و كفّيها، و له أن يكرّر النظر إليها، و أن ينظرها قائمة و ماشية، و روي جواز أن ينظر إلى شعرها و محاسنها و جسدها من فوق الثياب».

و كذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شرائها و إلى شعرها و محاسنها، و يجوز النظر إلى أهل الذمّة و شعورهنّ، لأنّهنّ بمنزلة الإماء، لكن لا يجوز ذلك لتلذّذ و لا لريبة.

و يجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته، شيخا كان أو شابّا، حسنا أو

______________________________

(1) الشرائع: كتاب النكاح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 12

قبيحا، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذّذ، و كذا المرأة. و للرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطنا و ظاهرا و إلى المحارم، ما عدا العورة، و كذا المرأة.

[المقامان جواز النظر إلى الأجنبيّة لمريد التزويج]
اشارة

اعلم أنّ الكلام في مسألة جواز النظر إلى الأجنبيّة لمريد التزويج يكون في مقامين:

الأوّل: في الأصل المقرّر عند اليأس عن الدليل الخاصّ.

و الثاني: في ما يستفاد من أدلّة خصوص الباب.

أمّا الأوّل

في الأصل المقرّر عند اليأس عن الدليل الخاصّ

فلا إشكال في أنّ الأصل حرمة نظر كلّ من الرجل و المرأة إلى الآخر إلّا ما استثني، و الدليل عليه عموم قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ. «1».

تقريب الاستدلال أنّ المنساق إلى الذهن من هذا الخطاب هو الغضّ عن خصوص أشياء يلتذّ الإنسان من النظر إليها و يهيّج الشهوة، فلا نحتاج في دعوى العموم إلى التشبّث بذيل حذف المتعلّق في الآية و أنّه يفيد العموم، غاية الأمر خرج ما خرج و بقي الباقي، حتّى يستشكل علينا أوّلا بأنّه خلاف المتفاهم عرفا من مثله، و ثانيا بأنّ ذكر الفروج عقيبه بقوله تعالى وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «2» شاهد على إرادة خصوص الفروج.

بل نقول كما مرّ: أنّ المنساق المتبادر إلى الذهن من الخطاب المتوجّه إلى اثنين أحدهما رجل و الآخر امرأة بقولنا: غضّ كلّ منكما بصره عن صاحبه، هو الغضّ

______________________________

(1) سورة النور: الآية 30 و 31.

(2) نفس المصدر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 13

عن المواضع الموجبة لهيجان الشهوة، و لا يختصّ بخصوص الفرج، بل يعمّ الوجه و الصدر و الساق و اليد و الثدي و جميع الجسد، هذا مضافا إلى ما ورد في الأخبار من أنّ زنا العين هو النظر.

و على كلّ حال، لا إشكال ظاهرا في كون الأصل في الباب هو الحرمة، مع كونه من المسلّمات،

فيقع الكلام في

المقام الثاني [: في ما يستفاد من أدلّة خصوص الباب]
اشارة

فنقول و على اللّه التوكّل، و بأوليائه صلوات اللّه و سلامه عليهم التوسّل:

إنّ أخبار الباب بين مطلق في جواز النظر إلى أيّ موضع شاء، و هو الصحيحة أو الحسنة بإبراهيم بن هاشم، حيث قال محمّد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة ينظر إليها؟ قال عليه السّلام: نعم، إنّما يشتريها بأغلى الثمن «1».

و

بين ما اقتصر فيه على الوجه و المعاصم، و هو الصحيحة أو الحسنة بابن هاشم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها» «2» و المعصم موضع السوار من الساعد «3» على ما في مجمع البحرين.

و بين مقتصر على خصوص الوجه و الخلف، و هو رواية الحسن بن السري

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 2.

(3) و هذا كما ترى لا يساعد على ما اشتهر من التخصيص بالوجه و الكفّين، فإنّ المعصم فوق الزند، فيدخل في محلّ الجواز مقدار من الساعد أيضا. منه عفي عنه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 14

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يريد أن يتزوّج المرأة يتأمّلها و ينظر إلى خلفها و إلى وجهها؟ قال: نعم، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ينظر إلى خلفها و إلى وجهها» «1».

و بين مقتصر على ذكر الشعر و المحاسن، أو خصوص الأوّل، أو خصوص الثاني، و هو أخبار، و هي و إن كان بعضها مرسلا و بعضها ضعيفا، إلّا أنّ بعضها موثّق، و هو ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن سنان «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد أن يتزوّج المرأة، أ ينظر إلى شعرها؟ فقال: نعم، إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» «2»، فإنّ هذه الرواية على ما رواه الشيخ ضعيف، و لكن بإسناد الصدوق موثّق.

و بين ما اشتمل على احتجاز المرأة و قعودها لينظر الرجل، و الرواية موثّقة ظاهرا، و هو

ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن الحسن (و الظاهر أنّه ابن فضّال) عن محمّد بن الوليد و. جميعا عن يونس بن يعقوب «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة و أحبّ أن ينظر إليها؟ قال عليه السّلام: تحتجز ثمّ لتقعد و ليدخل فلينظر، فقال: قلت: يقوم حتّى ينظر إليها؟ قال: نعم. قلت: فتمشي بين يديه؟ قال عليه السّلام: ما أحبّ أن تفعل» «3».

و الاحتجاز على ما يستفاد من المجمع شدّ الإزار على الوسط، فيستفاد من الرواية جواز عرائها و إبراز تمام جسدها، غير أنّها تشدّ الإزار على وسطها.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 7.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 15

و روى الصدوق بطريق موثّق عن يونس بن يعقوب، «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد أن يتزوّج المرأة، يجوز له أن ينظر إليها؟ قال: نعم، و ترقّق له الثياب، لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» «1».

و هذا لا يدلّ على كون الثياب حاكية عمّا وراءها، غاية الأمر كونها رقيقة، و لعلّ في جعل الثياب رقيقة خصوصيّة تظهر بها بعض محاسنها، و كيف كان فهذه جملة ما وقفت عليه من أخبار الباب.

و حينئذ نقول: قد يقال بناء على اختيار جواز النظر إلى الوجه و الكفّين في مطلق الأجنبيّة: ما وجه تخصيص إرادة التزويج بالذكر؟

و قد يجاب بأنّه في ذاك المقام مكروه، و هنا جائز غير مكروه.

و قد يجاب أنّه هناك محلّ الخلاف، و هنا محلّ

الوفاق.

و الأحسن أن يقال: إنّ الفرق أنّ النظر هناك مقيّد بعدم الريبة و عدم كونه مهيّجا للشهوة، و هنا مطلق من هذه الجهة، فإنّ التقييد بذلك هنا يوجب لغويّة الرخصة، لأنّه يوجب سدّ باب النظر، فإنّه قلّما ينفكّ النظر الاختباري في مقام إرادة التزويج المقصود منه استلام قابليّة المرأة لكمال الاستمتاع منها، و عدمه عن هيجان الميل و الشهوة.

نعم، قد يكون الداعي الأوّلي هو التلذّذ، و بعد حصوله ربما يريد تزويجها، فهذا غير مستفاد من الأخبار جوازه، و أمّا إذا كان الداعي الأوّلي إرادة التزويج، ثمّ يحصل في الأثناء التلذّذ و الميل فهذا ما قلنا: إنّه مستفاد من الأخبار هنا و ممنوع في غير مقام إرادة التزويج، هذا.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 11.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 16

و الأهمّ صرف التوجّه إلى وجه الجمع بين نفس أخبار الباب من حيث الاختلاف في تحديد ما ينظر، فإنّ ذكر الخاصّ بعد الشرط يفيد كونه معلولا بخصوصيّته، لهذا الشرط و بعد تسبّب الخاصّ من الشرط لا يعقل تسبّب العامّ منه، فإنّه قد تقرّر في الأُصول أنّ المطلق و المقيّد المثبتين لا مانع من الجمع بينهما و القول بكونهما تكليفين، لكن هذا ما لم يحرز وحدة الملاك كما هنا، فإنّه قد ذكر السبب الواحد و هو إرادة التزويج، و معلوم أنّ هذه العلّة إمّا علّة لخصوص الوجه و المعصم، و إمّا الأعمّ منهما و من سائر الجسد ما عدا موضع الإزار، و إمّا للأعمّ منهما و من الشعر، و إمّا للأعمّ منهما و من سائر ما يعدّ محاسن المرأة من الصدر و الرأس و الرقبة، و الشعر أيضا داخل في المحاسن،

و لا يمكن كون شي ء واحد علّة للأعمّ و الأخصّ.

كما لا يمكن طرح غير الطائفة الأُولى بضعف السند و لا بإعراض الأصحاب، و ذلك لقوّة السند في بعضها كما عرفت و وجود القائل بها بين الأصحاب، فراجع كتب الاستدلال.

فلا محيص عن معاملة التباين و الرجوع إلى عموم القرآن، و هو مع ما عيّن الوجه و الكفّين، لأنّهما المتيقّن من البين.

إلّا أنّ يقال: إنّه لا بدّ حينئذ من الرجوع إلى عموم دليل الجواز مطلقا، و القدر المتيقّن من تخصيصه ما يستر بالإزار عند شدّه على الوسط، و الباقي محلّ تعارض الأدلّة المقيّدة، فيكون دليل الجواز فيه مرجعا أو مرجّحا.

أو يقال: غاية ما سلّمنا من التقرير السابق ظهور كون الخاصّ بخصوصيّته معلولا و مسبّبا من الشرط، و ليس بصريح، و هذا بخلاف ما دلّ على جواز أزيد، فإنّه صريح في جواز الأزيد و ظاهر في نفي ما عداه، و هكذا إلى أن يصل إلى جميع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 17

الجسد غير موضع شدّ الإزار، فمقتضى جمع نفس الأدلّة الخاصّة هو الحكم بالجواز في المقدار الأوسع الأزيد.

ثمّ هل الأمر هنا واقع عقيب الحظر فيفيد الإباحة، أو أنّه يستفاد منه الندب؟

لا يبعد الحكم بالاستحباب نظرا إلى تعليله في بعض الأخبار بقولهم عليهم السّلام: «ليودم المودّة في ما بينهما» «1» و من المعلوم أنّه أمر مرغوب مطلوب، فإنّه بملاحظة هذا التعليل لا يبعد دعوى ظهور الأمر في الندب، و هذا واضح.

[احتمالات في المراد بإرادة التزويج التي علّق عليها جواز النظر]
اشارة

ثمّ هل المراد بإرادة التزويج التي علّق عليها جواز النظر ما ذا؟ هنا احتمالات بحسب مقام التصوّر و الثبوت.

الأوّل [احتمال إرادة تزويج شخص المرأة كائنا ما كان]

أن يكون المراد ما هو ظاهر كلمة «يريد تزويجها» من إرادة تزويج شخص المرأة كائنا ما كان، غاية الأمر أنّه بالنظر يعلم كونه معيوبا أو لا، و إلّا فعلى أيّ حال هو مريد للتزويج، و هذا المعنى مع تعليلات الأخبار بقولهم: «هو مستام» أو «أنّه يشتريها بأغلى الثمن» غير ملائم، فإنّ الظاهر منها أنّه ينصرف عن تزويجها لو كرهها بعد النظر.

الثاني: أن يكون المراد حصول مقدّمات الإرادة بالنسبة إلى تزويج الشخص من الميل و الرغبة

، و لكن لم يقيّد بحدّ لم يمنعه مانع، بل يكون قابلا لصرف الصارف، كما يقال في العرف بعد الانصراف: إنّا أردنا التزويج، و لكن لوجود أمر كذا انصرفنا، فيطلقون الإرادة على مقدّماتها القريبة و هو المقتضي مع قطع النظر عن المانع، و هذا لا يبعد إرادته من الأخبار، لأنّ فيه حفظا لظهور التعليلات مع قولهم:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 13.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 18

«يريد تزويجها» حيث إنّ ظاهره حصول العلاقة بالنسبة إلى تزويج الشخص، دون الكلّي مع استواء الأفراد في نظره.

و

الثالث [حصول الإرادة بالنسبة إلى الكلّي دون الشخص]

ما أشرنا إليه من حصول الإرادة بالنسبة إلى الكلّي دون الشخص، و إنّما المقصود أنّه لو مال إليها بعد النظر عزم على تزويجها، و إلّا فلا، بدون حصول ميل فعلا بالنسبة إليها زيادة عمّا عداها من سائر النسوان.

و

الرابع: أنّه لم يكن عازما على كلّي التزويج أيضا

، و إنّما ينظر بغرض أنّه إن ارتضاها عزم على أصل التزويج و يزوّجها.

و هذا الأخير يمكن الجزم بعدم إرادته من الأخبار، و كذا الثالث على ما قوّاه الأستاذ دام ظلّه في مجلس البحث، نظرا إلى حفظ ظهور كلمة: «يريد تزويجها» في كون العلاقة بالنسبة إلى الشخص متحقّقة، و فرق ظاهر بين «أراد تزويجها» أو «أراد تزويج جنس المرأة».

اللّهمّ إلّا أن يقال: يكفي في صدق المستاميّة و الاشتراء كونه قاصدا بالنسبة إلى أصل التزويج، كما يظهر بالمقايسة إلى باب الشراء و البيع.

هذا كلّه في نظر الرجل إلى المرأة، و هل يجوز نظر المرأة إلى الرجل عند إرادة تزويجه إيّاها؟ ربما يقال: نعم، نظرا إلى تعليل الجواز في طرف الرجل بأنّه يشتريها بأغلى الثمن، فيقال: المرأة أيضا بائعة نفسها و بعضها و هو أغلى مثمن، لكن فيه أنّ مقتضى تشبيه الرجل بالمشتري كون المرأة بائعة، و لا بدّ من دفع غررها من ثمن متاعها و هو المهر، و هو غير ما نحن فيه، فإنّ المعاوضة ليست بينها و بين الشخص، فالتعدّي يكون قياسا، و لا وجه لرفع اليد عن أصالة الحرمة.

إن قلت: فما تقول في التعليل بإدامة المودّة، فإنّه مشترك بينهما؟

قلت: كلّا، فإنّ الرجل بيده الطلاق، فلنظره دخل في الإدامة، بخلاف المرأة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 19

من المستثنيات من حرمة النظر دوران الأمر بين الأهمّ و المهمّ

و لا ينظر «1» الرجل إلى الأجنبيّة أصلا إلّا لضرورة، و يجوز أنّ ينظر إلى وجهها و كفّيها على كراهيّة فيه، و لا يجوز معاودة النظر، و كذا الحكم في المرأة، و يجوز عند الضرورة إذا أراد الشهادة عليها، و يقتصر الناظر منها على ما يضطرّ إلى الاطلّاع عليه، كالطبيب إذا احتاجت إليه للعلاج و لو إلى العورة دفعا

للضرر.

اعلم أنّه كما أنّ من المستثنيات في باب النظر إلى الأجنبيّة صورة إرادة التزويج و قد مرّ، كذلك منها صورة دوران الأمر بين الأهمّ و المهمّ، مثل ما إذا توقّف حفظ النفس المحترمة على النظر إلى الأجنبيّة، مثل الأخذ بيدها أو رجلها و إنقاذها و نحو ذلك، و هذا لا إشكال فيه.

و إنّما الإشكال في صورة أخرى من المستثنيات و هي صورة الاضطرار مع عدم محرّم في البين، مثل أن يدور الأمر بين أن يصبر على داء ضرسه مثلا، أو بقاء مرضه إلى شهر، و بين أن يرجع إلى الطبيب المتوقّف على النظر إلى جسدها، فإنّ

______________________________

(1) الشرائع: كتاب النكاح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 20

تحمّل داء الضرس و بقاء المرض ليس بحرام، بخلاف ترك الإنقاذ في الصورة المتقدّمة.

و الأخبار في خصوص المقام شاهدة بالجواز لكلا الطرفين، أعني: المرأة و الطبيب.

و لكنّ المناسب التكلّم في كلّي باب الإكراه و الاضطرار بالنسبة إلى المحرّمات و أنّه ما الفرق بين توعيد المكره بمثل الضرب أو الشتم في الملإ، حيث يرتّبون عليه رفع الأثر في بيع الدار، و لا يجوّزون بمثله ارتكاب الخمر أو الزنا، و هكذا لو اضطرّ إلى رفع مرضه من دون خوف هلاكه، و كان متوقّفا على قتل نفس، ككون علاجه بكبد صبيّ مثلا لا يجوّزون له القتل، و المفروض أنّ أدلّة الاضطرار و الإكراه مخصّصة لأدلّة المحرّمات كالمعاملات بلسان الحكومة.

و أجاب عنه شيخنا الأستاذ أطال اللّه بقاه بأنّ التخصيص قد يكون بملاحظة أنّ الصلاح الذي أوجب حكم تحريم الخمر مقيّدا واقعا بصورة وجود القيد الكذائي، و قد يكون لا لأجل ذلك، بل الصلاح تامّ لا نقص فيه، و إنّما الشارع لاحظ و راعى جانب هذا

الصلاح التامّ في ترك شرب الخمر مع الحرج أو الضرر المتوعّد به في حقّ المضطرّ أو المكره، و رأى أنّ مصلحة الترخيص أغلب من مصلحة المنع و الإلزام على الترك، فلهذا رخّص، و الأدلّة الواردة في البابين الظاهر كونهما من قبيل الثاني.

و على هذا ففي مورد نشكّ أنّ مصلحة الواقع أرجح أو مصلحة الترخيص؟

نأخذ بعموم الدليل بعد فرض صدق عنوان الاضطرار و الإكراه، و أمّا إذا علمنا أنّ صلاح الواجب أو الحرام الذي وقع ترك الأوّل أو فعل الثاني تحت الإكراه أو الاضطرار أهمّ، و لا يصلح صلاح الترخيص لأن يغلب عليه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 21

فحينئذ و إن كان عموم اللفظ صادقا، و لكنّا نخصّصه بالتخصيص العقلي، و ذلك لفهم الملاك و أنّه غير موجود في البين، أعني: أقوائيّة ملاك الترخيص، فالأمر بناء على هذا دائر مدار العلم بأقوائيّة ملاك الحرمة أو الوجوب، فلا أثر للإكراه أو الاضطرار، و العدم فلهما الأثر.

و لا اختصاص لهذا بباب التكليف، و لعلّ في الوضعيّات أيضا يمكن فرض العلم بأهميّة ملاك الوضع، مثل حرمة المرأة الموطوءة في العدّة لو أكرهه مكره بالإيعاد بالشتم أو الضرب، فإنّه لا شبهة في أنّ الدخول لا يحلّ تكليفا، و أمّا أثره الوضعيّ لو ارتكبه عصيانا فمن الممكن القول بترتّبه أيضا.

و بالجملة، الأمر دائر مدار العلم المذكور و عدمه، من غير فرق بين الوضع و التكليف، هذا بحسب الدليل العامّ، و لكن لا يخفى أنّ اضطرار المرأة لا يصير بحسب الأدلّة العامّة سببا لجواز نظر الطبيب إليه.

اللهمّ إلّا أن يقال بصرف جواز الإظهار للمرأة بدون جعل الجواز للرجل المعالج لا يدفع الاضطرار، و لكن هذا لو كان دليل خاصّ فحسن، و أمّا في

الدليل العامّ فمحلّ نظر.

و الدليل الخاصّ موجود، و هو ما رواه في الكافي على ما في الوسائل بسنده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليهما السّلام «قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها، إمّا كسر و إمّا جرح في مكان لا يصلح النظر إليه، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أ يصلح له النظر إليها؟ قال عليه السّلام: إذا اضطرّت فليعالجها إن شاءت» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 130 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 22

و ربما يقال: إنّ حكمة دفع الاضطرار مقتضية لجعل الإيجاب على الطبيب على تقدير مشيّة المرأة، فإن جعل الجواز لا يفيد، فإنّه ربما لا يقدم.

و لكنّه مدفوع بأنّه بعد فرض كونه طبيبا معدّا لمعالجة المرضى فالمقتضي في حقّه تامّ، و إنّما المقصود في جهة المانع، فاللازم رفع المنع الشرعي، فلا يستفاد من صيغة «فليعالجه» و إن كان أمرا، أزيد من الإباحة و رفع المنع دون الوجوب عند المشيّة.

ثمّ بعد ثبوت الدليل على حرمة النظر بعنوان الشهوة و التلذّذ أو تصوّر العمل القبيح الذي هو المعبّر عنه في كلماتهم بالريبة على ما هو الظاهر من كلماتهم- حيث يظهر تسالمهم على الحرمة بهذين العنوانين مطلقا- فلا إشكال في استفادة الإطلاق في المقام بالنسبة إلى ذلك، إذ لو قصر النظر الجائز على ما انفكّ عن ذلك فلا بدّ من الاقتصار على صورة كون الطبيب من غير أولي الإربة، أو كون المرأة عجوزة.

و أمّا عند كونهما شابّين فالظاهر عدم انفكاك النظر- خصوصا في ما إذا كان في بعض مواضع الجسد- عن كونه مهيّجا للشهوة و موجبا لتصوّرات قبيحة، و هو أمر قهري الحصول، فيلزم الاقتصار

على الفرد النادر، و هو بعيد عن مساق الدليل و عن حكمة التشريع، أعني: دفع الاضطرار، و إذن فلا وجه للاقتصار على صورة عدم حصول الأمرين و عدم الجواز معهما.

ثمّ إنّ النسخ في ألفاظ الرواية مختلفة، ففي الجواهر هكذا: أ يصلح له أن ينظر إليها إذا اضطرّت إليه؟ فقال عليه السّلام: إذا اضطرّت إليه فليعالجها إن شاءت، و على ما تقدّم كما في نسختي من الوسائل يكون بلا زيادة قول السائل: إذا اضطرّت إليه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 23

و على كلّ حال فعلى نسخة لم يكن هذه الزيادة فالأمر واضح؛ لأنّه فرض السائل كون الرجل أرفق بالعلاج، و أجاب الإمام عليه السّلام بأنّه مع الاضطرار لا بأس، و صرف الأرفقيّة الغير البالغة حدّ الاضطرار غير نافع.

و أمّا على نسخة وجود الزيادة- كما في نسخة الجواهر- فيمكن أن يكون المراد بالأرفقيّة مع فرض الاضطرار أن يكون علاج الرجل أسرع، و يكون المكث الذي مع طبابة المرأة صعب التحمّل، بحيث يصدق الاضطرار، أو يكون المراد أنّهما معا في مقدار واحد من الزمان يعالجان، و لكنّ الفرق أنّ الرجل عند وضع الدواء و رفعه و هكذا بحسب نفس الدواء يكون أرفق، و التألّم معه أقلّ، و تكون الزيادة الحاصلة مع علاج المرأة صعب التحمّل، بحيث يصدق الاضطرار، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه إذا كان المفروض ما ذكرت من البلوغ حدّ الاضطرار إليه أي إلى الرجل للعلاج فالمعالجة جائزة إن شاءت.

ثمّ هل من مجوّزات النظر إلى الأجنبيّة أيضا مقام تحمّل الشهادة أو أدائها إذا توقّف على النظر، خصوصا في مثل تحمّل الشهادة على الزنا أو الولادة، حيث يحتاج إلى النظر إلى فرج الزانيين و أنّهما كالميل في المكحلة، أو

فرج المرأة الوالدة؟

قد يقال: نعم، لأنّه وسيلة إلى إقامة حدّ من حدود اللّه، و لما في المنع من عموم الفساد.

و فيه أنّ عموم الفساد قد كفاه الشارع بإنشاء تحريم الزنا، فمن الجائز أن يكون الحدّ متوقّفا على حصول النظر اتّفاقا للشاهد و شهادته، و ما ورد في الرواية المرويّة في الفقيه على ما في الوسائل بإسناده عن عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام «قال: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة، إذا عرفت

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 24

بعينها أو حضر من يعرفها، فأمّا إذا كانت لا تعرف بعينها و لا يحضر من يعرفها، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها و على إقرارها دون أن تسفر و ينظرون إليها» «1» لا دلالة فيه على الجواز، إذ ليس فيها كما ترى إلّا عدم جواز الشهادة بدون النظر و جوازها معه، و لا دلالة في هذا على أنّه يجوز النظر، فمن المحتمل كونه غير جائز، و لكن لو اتّفق النظر جاز الشهادة.

مضافا إلى أنّه إذا قلنا بجواز النظر إلى الوجه و الكفّين من الأجنبيّة في حال الاختيار مع عدم الحاجة أصلا، فهذا لا يدلّ على جواز أزيد منه، لحصول المعرفة برؤية الوجه، هذا.

و لكنّ الإنصاف أنّه لو لم نقل بالجواز في مطلق الأجنبيّة بالنسبة إلى الوجه و الكفّين فنفس الرواية جواز الأسفار للمرأة و النظر للشاهد، لكن لا يتعدّى من موردها.

و أمّا الأدلّة العامّة الواردة بوجوب تحمّل الشهادة إذا دعي إليها، و في بعضها أنّه المراد بآية وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «2»، كما أنّ قوله تعالى وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «3» مخصوص بما

بعد الشهادة و مقام أدائها.

فأوّلا: لا دلالة فيها إلّا على وجوب التحمّل عند الدعوة كوجوب الأداء بعد التحمّل، و أمّا أنّه بسببه يحلّ المحرّم الاتّفاقي من النظر إلى فرج الزانيين لأجل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 43 من أبواب الشهادات، الحديث الأوّل.

(2) سورة البقرة: الآية 282.

(3) سورة البقرة: الآية 283.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 25

تحمّل الشهادة على الزنا، و فرج المرأة حال الولادة لأجل تحمّل الشهادة على الولادة، و ثدي المرأة المرضعة لأجل تحمّل الشهادة على الرضاع، فهي من هذه الجهة ساكتة، كما أنّ دليل حرمة النظر من هذه الجهة أعني: الابتلاء بمزاحمة تحمّل الشهادة ساكتة.

و السرّ أنّ الأدلّة في أبواب الواجبات و المحرّمات إنّما هي مطلقة من حيث الحالات الواردة على موضوعاتها مع قطع النظر عن الحكم المترتّب شرعا على تلك الموضوعات، و حالة الابتلاء بالواجبين كالغريقين، أو الواجب و الحرام كما نحن فيه من جملة الحالات الطارئة بعد الأحكام، و الأدلّة من هذه الجهة متعرّضة للحكم الحيثي، فالمقام مقام المزاحمة، لا المعارضة، فيدخل تحت حكم العقل، و هو التخيير عند عدم العلم بأهميّة أحدهما و ترجيح الأهمّ معه.

و ثانيا: على فرض ثبوت الإطلاق لها فهي معارضة بإطلاق أدلّة حرمة النظر، و ليس المقام مقام اجتماع الأمر و النهي، و ذلك لعدم المندوحة في شي ء من الطرفين و كون الطبيعة فيهما بالوجود الساري تحت الأمر أو النهي.

ثمّ إنّه لا فرق في النساء المستثنيات من حرمة إبداء الزينة في قوله تعالى:

أَوْ نِسٰائِهِنَّ «1» بين كونها حرّة أو أمة، و لكن قد ورد في رواية رواها الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري، وثقة الإسلام عن علي بن إبراهيم عن أبيه و عن محمّد بن إسماعيل عن

الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهوديّة

______________________________

(1) سورة النور: الآية 31.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 26

و النصرانيّة، فإنّه يصفن ذلك لأزواجهنّ» «1».

و لا يخفى أنّ هذه الرواية لا تصلح مستندا للتحريم، كما ربما يظهر من المحكيّ عن الحدائق، حيث قال ما معناه على ما حكي: أنّ «لا ينبغي» هنا للتحريم، لأنّ النهي عن الغضّ للتحريم؛ فإنّه خروج عن الاستدلال بالرواية إلى التمسّك بالآية.

فالإنصاف أنّ الرواية غير ظاهرة في التحريم، بل ربما يشعر التعليل بالكراهة، فإنّه و إن كان من الممكن كون التفات الكفّار إلى زينة المسلمات مبغوضا تحريميّا للشارع، فلهذا حرّم لأجله إبداء الزينة للمرأة الكافرة، إلّا أنّ الإشعار الذي ذكرنا حاصل.

و على كلّ حال فاللائق التكلّم في أنّه هل يستفاد من عموم المستثنى منه حرمة هذا الانكشاف، أعني: لدى اليهوديّة و النصرانيّة أو لا؟

فنقول: قد يقال: النكتة في إضافة النساء إلى الضمير لأجل كونهنّ من الخدمة و المملوكات، و هذا يبعّده ذكر أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ «2» بعد أَوْ نِسٰائِهِنَّ.

و قد يقال: إنّه الأعمّ من الخدمة و من المنسوبات إلى المرأة سببا أو نسبا، و فيه أنّه لا يظهر وجه حسن لتخصيصهنّ بالذكر مع عموم الحكم لسائر النساء.

و قد يقال: إنّه مطلق النساء اللاتي يكون محلّ ابتلاء للمرأة، و يتّفق الخلطة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 98 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث الأوّل.

(2) سورة النور: الآية 31.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 27

و الصحبة لها معهنّ، سواء كانت خدمة أم منسوبة، أم أجنبيّة، و فيه أنّه لا يصحّح الإضافة جامع كون الشخص

قد يتّفق الصحبة للإنسان معه في معاملة واحدة أو ملاقاة واحدة، فلا يقال لمن يتّفق ملاقاتك له من الأشخاص الساكنين في بلدك و الواردين فيه من سائر البلدان و يتّفق رؤيتك لهم في أثناء الطريق مرّة واحدة:

أنّهم رجالك.

و يظهر من هذا، الخدشة في ما يتوهّم من كون المراد من يشترك المرأة في صنف الأنوثيّة، فإنّه لا يصحّح الإضافة مجرّد الاتّحاد الصنفي، و إلّا لزم كون جميع رجال الدنيا رجالك.

فإذن فالأنسب من بين المحتملات الذي يكون ما عداه بالنسبة إليه مرجوحا، فيكون هو المتعيّن من بينها، أن يكون المراد بنسائهنّ هي النساء اللاتي يشتركن مع المؤمنات في جامع الإيمان، فيكون المستثنى من حرمة إبداء الزينة خصوص النساء المؤمنات، فيبقى غير المؤمنة تحت عموم النهي في المستثنى منه.

و على هذا يصحّ عطف أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ على نِسٰائِهِنَّ حتّى على تفسيره بخصوص الإماء، فإنّه يعمّ الإماء المؤمنات و الكافرات، فيكون كلّ من الإيمان و ملك اليمين عنوانا مستقلا للجواز.

بقي الكلام في عموم قوله تعالى أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ للرجال المملوكين أو اختصاصه بالإماء المملوكات.

أمّا الآية بحسب ظاهرها لا إشكال في عمومها لكلّ من الرجال و النساء، و ليس فيها ما يشهد بالاختصاص بالنساء المملوكات.

أمّا بحسب الروايات، فروى الشيخ بإسناده عن الصفّار عن محمّد بن عيسى عن القاسم الصيقل قال: «كتبت إليه (قيل: الظاهر أنّه الهادي صلوات اللّه عليه) أمّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 28

عليّ تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم، و قالت له: إنّ شيعتك اختلفوا عليّ، فقال بعضهم: لا بأس، و قال بعضهم: لا يحلّ؟ فكتب عليه السّلام: سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فإنّ ذلك مكروه» «1».

و

في رواية قرب الإسناد عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يقول: «لا ينظر العبد إلى شعر سيّدته» «2».

نعم في رواية معاوية بن عمّار الذي هو وجه في أصحابنا كبير الشأن، عظيم المحلّ، ثقة، على ما قاله النجاشي و العلّامة قدّس سرهما، و كان أبوه عمّار مكنّى بأبي معاوية ثقة في العامّة وجها كما قالاه أيضا، قال: «كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام نحوا من ثلاثين رجلا إذ دخل أبي، فرحّب به- إلى أن قال:- فقال له: هذا ابنك؟ قال: نعم، و هو يزعم أنّ أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحلّ لهم، قال: و ما هو؟ قال: المرأة القرشيّة و الهاشميّة تركب و تضع يدها على رأس الأسود و ذراعها على عنقه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا بنيّ، أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: اقرأ هذه الآية:

لٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبٰائِهِنَّ وَ لٰا أَبْنٰائِهِنَّ حتّى بلغ وَ لٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ، ثمّ قال:

يا بنيّ، لا بأس أن يرى المملوك الشعر و الساق» «3».

و هذه الرواية يستشمّ منها رائحة التقيّة؛ فإنّ عمّارا كما عرفت كان من عظماء العامّة، و النساء القرشيّات و الهاشميّات اللائي كنّ يصنعن ما ذكر معلوم أنّهنّ من العباسيات اللاتي كانت السلطنة في بيوتهنّ يومئذ، و معاوية كان من

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 124 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 7.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 124 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 8.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 124 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 29

أجلّاء الشيعة، و قد كان زعم عدم حلّية ذلك، و الإمام عليه السّلام فرّع على ما قرأ من

الآية الشريفة قوله عليه السّلام: لا بأس أن يرى إلخ، مع عدم وضوح هذا التفريع، لعدم ما يشعر بهذا التخصيص في الآية، فهذه كلّها أمارات التقيّة.

فيبقى روايتان أخريان، إحداهما: ما رواها الصدوق بإسناده عن إسحاق ابن عمّار «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ ينظر المملوك إلى شعر مولاته؟

قال عليه السّلام: نعم و إلى ساقها» «1».

و الأخرى: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن يونس بن عمّار و يونس بن يعقوب جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي ء من جسدها إلّا إلى شعرها غير متعمّد لذلك»، و قال في رواية أخرى: «لا بأس بأن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا» «2».

و الظاهر أنّ المراد بعدم التعمّد أن لا يكون النظر بداعي هذا المطلب أعني:

رؤية الشعر، كما أوضحه في الرواية الأخرى بقوله: إذا كان مأمونا، و في روايتين أخريين عن أبي عبد اللّه تجويز الشعر، و في إحداهما مع الساق.

و يمكن أن يقال: إنّ الرواية المتقدّمة عن الهادي صلوات اللّه عليه المتضمّنة للنهي بقوله: لا تكشفي رأسك بين يديه، متأخّرة عن هذه الروايات، لأنّها كما عرفت مرويّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و الروايتان إذا تعارضتا فالعمل على المتأخّرة منهما صدورا، كما أمروا بهذا في بعض الأخبار العلاجيّة، فراجع.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 124 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 6.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 124 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 1 و 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 30

و أمّا الآية الشريفة فقد ذكر شيخ الطائفة أنّه روى أصحابنا أنّ المراد به الإماء دون

العبيد الذكران، و نحن و إن لم نجد في رواياتنا ذلك، إلّا أنّ هذه الرواية المرسلة من الشيخ عن أصحابنا لا بدّ من الأخذ بها و رفع اليد بسببها عن عموم الآية، فيقع المملوك تحت عموم النهي في المستثنى منه.

مسألتان:

الأولى: هل يجوز للخصيّ أن ينظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبيّة؟

قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الأظهر، لعموم المنع، و ملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء.

الثانية: الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة؛ لأنّه عورة، و لا يجوز للمرأة النظر إليه؛ لأنّه يساوي المبصر في تناول النهي.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 31

[الثاني في مسائل تتعلّق بهذا الباب]
اشارة

الثانية (يعني من اللواحق) في مسائل تتعلّق بهذا الباب، و هي خمسة:

الأولى: الوطي في الدبر، فيه روايتان، إحداهما الجواز، و هي المشهورة بين الأصحاب، لكن على كراهة شديدة.

الثانية: العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد و لم تأذن، قيل: هو محرّم و يجب معه دية النطفة عشرة دنانير، و قيل: هو مكروه و إن وجبت الدية، و هو أشبه.

الثالثة: لا يجوز للرجل أن يترك وطي امرأته أكثر من أربعة أشهر.

الرابعة: الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعا محرّم، و لو دخل لم تحرم على الأصحّ، لكن لو أفضاها حرمت و لم تخرج من حباله.

أقول: الأخبار الواردة في هذا الباب بحسب المضمون على أصناف:

أحدها: ما اشتمل على النهي عن الدخول بالجارية قبل تسع سنين، و لم يتعرّض لما يترتّب على عصيان هذا النهي.

ثانيها: ما تعرّض إلى حكم وطئها قبل تسع سنين و أنّه يوجب ضمان عيبها لو عابت، و لم يتعرّض لشي ء آخر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 32

ثالثها: ما فصّل في الإفضاء قبل التسع بين صورة الإمساك حتّى تموت، و الطلاق، ففي

صورة الإمساك حتّى الموت لا شي ء عليه، و في صورة الطلاق يغرم دية المرأة، لأنّه أفسدها و عطّلها على الأزواج من غير تعرّض للحرمة الأبديّة للوطي، بل لعلّ ظاهره جواز الوطي بعد التسع، كما أنّ صريحه عدم بطلان الزوجيّة بنفس الوطي فضلا عن الإفضاء، و ظاهره أيضا أنّه في صورة الإمساك لا ضمان أصلا لا للدية و لا لغيرها.

رابعها: ما رتّب على الدخول قبل تسع سنين التفريق بينهما و أنّها لا تحلّ له أبدا، من غير تعرّض للإفضاء، بل ظاهره أنّ هذا يتحقّق بصرف الدخول قبل التسع.

خامسها: ما رتّب على الدخول بالجارية مع الإفضاء الإجراء عليها ما دامت حيّة من غير تعرّض لكونه قبل تسع سنين أو بعدها، و لا لثبوت الدية و للحرمة الأبديّة أو البينونة.

و أنت خبير بأنّ مقتضى الطائفة الرابعة حصول البينونة؛ لأنّه الظاهر من قوله: فرّق بينهما، و لكنّ الجمع بينها و بين الطائفة الثالثة التي عرفت صراحتها في بقاء العلقة و عدم انقطاعها هو الحمل على التفريق في المضجع و الحرمة الأبديّة للوطي مع بقاء أصل الزوجيّة.

و لكن مقتضى الثالثة كما عرفت أنّه مع إمساكها و عدم طلاقها ليس على الزوج شي ء أصلا، مع أنّ القول بهذا التفصيل لم ينقل من أحد إلّا من ابن الجنيد.

و أيضا مقتضى الرابعة أنّ حكم تحريم الوطي أبدا مرتّب على صرف الدخول قبل التسع و لو لم يوجب الإفضاء، و نقل عن العلّامة التوقّف في تحريره، و عن الشهيد الثاني الميل في مسالكه، و نسب إلى ظاهر الشيخ و ابن إدريس.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 33

كما أنّ مقتضى الطائفة الثانية الحاكمة بضمان العيب أنّه لو افتضّها و رفع بكارتها من دون إفضاء وجب عليه

الأرش، كما يظهر ذلك من عبارتي نهاية الشيخ و سرائر الحلّي المحكيّتين في الجواهر، فلاحظ.

فالمتحصّل من الأخبار مع قطع النظر عن الأقوال أنّ هنا ثلاثة أحكام مرتّبة على صرف الدخول بالزوجة الغير البالغة تسع سنين، و لو لم يصل إلى حدّ الإفضاء.

الأوّل: أنّ نفس هذا الدخول محرّم تكليفا.

الثاني: أنّه سبب لحرمة دخول هذا الزوج بهذه الزوجة في ما بعد أبدا.

الثالث: أنّه سبب لضمان عيب ورد بها بسبب هذا الدخول و لو كان ارتفاع بكارتها و جراحة موضعها، و لخصوص الدخول قبل التسع البالغ حدّ الإفضاء حكم و هو ثبوت دية نفس المرأة التي هي نصف دية الرجل في الحرّة و قيمتها ما لم يتجاوز دية الحرّة في الأمة، لكن في خصوص صورة طلاقها و عدم إمساكها، و أمّا مع الإمساك حتّى تموت المرأة فلا دية، هذا مع بقاء الزوجيّة في كلتا الحالتين أعني: مع الإفضاء و عدمه.

بقي الكلام في ما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا على ما في الجواهر من حكمهم في إفضاء الصغيرة بالوطي بثبوت الإنفاق عليها ما دامت حيّة و إن طلّقها و تزوّجت بغيره، مضافا إلى الدية الكاملة لنفسها، و لم نجد لهذا في الروايات أثرا إلّا في الرواية الأخيرة من الروايات المتقدّمة، و هي أيضا لا تنطبق على ما قالوا؛ لاختصاص ما قالوا بالصغيرة، بحيث لا يجري في من بلغ سنّها تسعا، فضلا عن الزيادة، و إطلاق الرواية لا فرق فيه بين التسع و ما قبله، بل و ما بعده إلى حدّ يصدق عليها الجارية، و على هذا فالاحتياط بمراعاة ذلك في كلتا الحالتين لا ينبغي تركه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 34

فرع حكم ما إذا شكّ في إكمالها تسع سنين

إذا شكّ في إكمالها تسع

سنين لا يجوز له وطئها؛ لاستصحاب الحرمة السابقة، فإنّه يقال: هذه المرأة كان وطؤها محرّما، و الآن كما كان، و الموضوع بحسب العرف باق، فإن وطئها مع ذلك فأفضاها و لم يعلم بعد ذلك كونها حال الوطي بالغة أو لا، لم تحرم أبدا و لو على القول بها؛ لعدم إحراز كونه قبل التسع، و الأصل لا يثبت ذلك، نعم يجب عليه الدية و النفقة عليها ما دامت حيّة، هذا ما أفاده سيّدنا الطباطبائي في العروة الوثقى.

و ربما يوجّه ما أفاده بأنّ الأحكام الثلاثة الأخر، أعني الحرمة و وجوب الدية و النفقة ما دامت حيّة مرتّبة على وطي المرأة حال كونها قبل تسع سنين بحسب ما يستظهر من أدلّتها، لا الوطي المقيّد بكونه قبل التسع، و من المعلوم أنّ الموضوع على الوجه الأوّل ممكن الإحراز باستصحاب كون المرأة غير بالغة تسعا، فيحكم بأنّ وطئها حرام و موجب لكذا و كذا، كما نستصحب خمريّة هذا المائع فنرتّب عليه حرمة شربه.

و هذا بخلاف ما إذا كان على الوجه الثاني، فإنّ استصحاب حال المرأة و أنّها غير بالغة بعد لا يثبت كون وطئها مقيّدا بما قبل التسع حتّى يترتّب عليه أحكامه.

و إذن فالأحكام الثلاثة بواسطة الاستصحاب الموضوعي و كون موضوعها من قبيل الأوّل مرتّبة على المرأة المشكوكة الحال.

و أمّا حكم الحرمة الأبديّة فحيث إنّ الدليل عليها على حسب ما قالوه من اختصاصها بخصوص الدخول الموجب للإفضاء لا مطلق الدخول غير موجود، بل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 35

هو منحصر في إجماعهم لو تمّ، فلا يمكن استكشاف الحال في كون موضوعها من القسم الأوّل أو الثاني، فيكون مشكوك الدخول تحت دليل الاستصحاب، هذا غاية توجيه مرامه قدس سرّه على ما

بيّنه الأستاذ الاعتماد دام ظلّه.

و لكن أورد عليه بأنّ الظاهر عدم الحاجة إلى تبيين الحال من هذه الجهة و عدم الفرق في جريان الاستصحاب الموضوعي بين التقديرين، فإنّ لنا على التقدير الثاني أن نجري الاستصحاب في مجموع هذا العنوان المقيّد، أعني: الوطي المقيّد بما قبل التسع، فنقول: وطي هذه المرأة سابقا كان مصداق الوطي قبل التسع، فالآن باق على ما كان.

لا يقال: هذا مبنيّ على الاستصحاب التعليقي في الموضوع؛ لأنّه يقال: وطي هذه المرأة لو وجد كان وطيا مقيّدا بما قبل التسع، و الآن أيضا كما كان.

لأنّا نقول: مضافا إلى صحّة ذلك الاستصحاب كما قوّيناه «1» في محلّه لا نحتاج إلى ضميمة الوجود إلى الماهيّة، بل نقول: ماهيّة وطي هذه المرأة كان في السابق وطي كذا، و الآن كما كان، فكما أنّ الوجود يطرأ على ماهيّة الوطي، كذلك يطرأ على ماهيّته المقيّدة بكذا.

مثلا كما أنّ ماهيّة الخمر لا دخل لها بوجوده بحيث يطرأ الوجود على الخمر، كذلك ماهيّة شرب الخمر أيضا لا ربط لها بوجوده، و الوجود يطرأ على هذه الماهيّة، فيصحّ أن يقال: شرب هذا المائع بحسب عالم الماهيّة كان في السابق تحت عنوان شرب الخمر، و الآن كما كان.

______________________________

(1) لا يخفى أنّ الأستاذ دام ظلّه و إن قوّى ذلك في بحث فقهه في باب الشروط في البيع، إلّا أنّه رجع عنه في بحث أصوله ببيان أنّ اليقين التقديري غير مستفاد من أخبار الاستصحاب، منه عفي عنه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 36

و كذلك في ما نحن فيه وطي هذه المرأة بحسب عالم الماهيّة مع قطع النظر عن طريان الوجود عليه بل على المرأة كان داخلا تحت عنوان الوطي الخاصّ، و الآن كما كان.

فإنّ قلت:

لا ربط لهذه بهذا الشخص من الوطي الواقع حال الشكّ، و لا يصحّح حاله و أنّه من أيّ القسمين واجد الخصوصيّة أو فاقدها.

قلت: بعد ما أحرز حال الماهيّة المعروضة للوجود شرعا و أنّها ماهيّة خاصّة فالوجود يطرأ على الماهيّة المحكومة شرعا بكونها ماهيّة كذا، فيقال: الماهيّة المحكومة شرعا بكونها واجدة الخصوصيّة صارت موجودة، فلا محالة يترتّب عليه أحكامه، نظير ما يقال: هذا كان إذا غلى تنجّس، و الآن أيضا كذلك فيتعدّى إلى غليانه الخارجي.

و بالجملة، كما أنّ التعدّي من الغليان الكلّي إلى مصداقه شائع، لأجل أنّه من لوازم الأعمّ من الحكم الواقعي و الظاهري، و مثله ليس من الأصل المثبت، فما نحن فيه أيضا كذلك، فإنّ الحكم سواء ظاهريّا أم واقعيّا متى لزم الماهيّة و ترتّب عليها فعند الوجود يكون المترتّب عليه الحكم موجودا، و لازمه فعليّة الحكم و اقتضائه العمل على وفقه.

لا يقال: على ما ذكرت فلا حاجة إلى تجشّم تصحيح الاستصحاب التعليقي في الموضوع بما قرّرته في محلّه، بل بهذا الوجه يمكن تصحيح الاستصحاب الموضوعي فيه، فيقال: هذا الماء الواقع في الحوض مثلا الذي قد نقص عنه كاسة مثلا و المنضمّ معه من منّ ماء كان بحسب الماهيّة قدر كرّ، و بعبارة أخرى: الماء المتّصل الحاصل من هذين المائين كان كرّا في عالم الماهيّة، و الآن كما كان.

و قد أسقطنا ما بقي من هذا الفصل و تمام الفصل الثاني اقتصارا على الأهمّ، فنقول

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 37

[الفصل الثالث في أولياء العقد]

اشارة

الفصل الثالث في أولياء «1» العقد، و فيه طرفان: الأوّل: في تعيين الأولياء.

لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب و الجدّ للأب و إن علا، و الوصيّ و الحاكم، و هل يشترط في ولاية

الجدّ بقاء الأب؟ قيل: نعم، مصيرا إلى رواية لا يخلو من ضعف، و الوجه أنّه لا يشترط.

و يثبت ولاية الأب و الجدّ للأب على الصغيرة و إن ذهبت بكارتها بوطي أو غيره، و لا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين، و كذا لو زوّج الأب أو الجدّ الصغير لزمه العقد، و لا خيار له مع بلوغه و رشده على الأشهر.

و هل يثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها و ثبوت الولاية لنفسها في الدائم و المنقطع، و لو زوّجها أحدهما لم يمض عقده إلّا برضاها، و من الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع، و منهم من عكس، و منهم من أسقط أمرها معهما فيهما.

و فيه رواية أخرى دالّة على شركتهما في الولاية، حتّى لا يجوز لهما أن

______________________________

(1) الشرائع.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 38

يتفرّدا عنها بالعقد، و أمّا إذا عضلها الوليّ و هو أن لا يزوّجها من كفو مع رغبتها فإنّه يجوز لها أن يزوّج نفسها و لو كرها إجماعا.

[أقوال في ولاية الأب و الجدّ البالغة الباكرة الرشيدة]

اشارة

اعلم أنّه بعد عدم الخلاف ظاهرا في ثبوت ولاية الأب و الجدّ له على الصغيرة الغير البالغة بمعنى نفوذ نكاحهما و عدم الاختيار لها بعد البلوغ، و كذلك في عدم ثبوت الولاية لهما في البالغة الثيّبة، اختلفوا في البالغة الباكرة الرشيدة على أقوال:

أحدها: عدم الثبوت و كونها مستقلّة في أمرها، و نسب هذا القول إلى المشهور.

و الثاني: ثبوت الولاية للأب و الجدّ، بمعنى استقلالهما، و حكي عن الشيخ في أكثر كتبه و عن الصدوق و العماني و ظاهر الفاضل، و جنح إليه كثير من متأخّري المتأخّرين كصاحبي المدارك و الحدائق و صاحبي الكفاية و الوافي.

الثالث: التفصيل بين المتعة و

الدوام باستقلال الباكرة في الأوّل و ثبوت الولاية لأبيها في الثاني، حكي عن الشيخ في التهذيبين بناء على كون ذلك فتوى له، لا مجرّد جمع بين الأخبار.

الرابع: عكس هذا الذي نسبه المصنّف قدّس سرّه إلى بعض الأصحاب.

الخامس: التشريك بين الجارية و أبيها في الإذن، بمعنى عدم جواز عقد أحدهما إلّا مع إذن الآخر، كما هو المحكيّ عن المفيد و الحلّي و الحرّ العاملي قدّس سرّهم.

و العمدة هو التعرّض لأخبار المسألة و أنّ المستفاد منها ما ذا و إن كان مخالفا لجميع تلك الأقوال؛ فإنّ الأخبار مأخوذ بها، و إنّما الاختلاف في الاستظهار منها و هو منوط بنظر الفقيه.

[الأخبار في المسألة]
اشارة

فنقول و باللّه الاستعانة: أدلّ ما في الأخبار على استقلال الأب في نكاح

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 39

الباكرة الرشيدة ما رواه في الوسائل عن الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن الصلت «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، لها أمر إذا بلغت؟ قال عليه السّلام: لا ليس لها مع أبيها أمر، قال: و سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء، أ لها مع أبيها أمر؟

قال عليه السّلام: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب» «1».

و في رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام «قال عليه السّلام: لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر، و قال عليه السّلام: يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب» «2».

و أدلّ ما في الأخبار على استقلال الباكرة ما رواه في الوسائل عن الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم و زرارة و بريد بن معاوية كلّهم

عن أبي جعفر عليهما السّلام «قال: المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و لا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز» «3».

و من العجب الخدشة في هذا الخبر بأنّ هذه الكبرى غير معلومة التطبيق في المقام، فهو بالنسبة إليه شبهة في الموضوع، فلا يجوز التمسّك، و ذلك لأنّ الكلام فعلا في كون المرأة بعد البلوغ خارج عن عنوان كونها مولّى عليها أو باقية تحته.

و أنت خبير بأنّ من الواضح الذي لا يليق أن تعتريه شبهة أنّ المراد أنّه إذا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب أولياء العقد، الحديث 3.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب أولياء العقد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 40

صار أمور الباكرة إلى نفسها، و هو بعد البلوغ، حيث لم يكن قبله إليه اختيار في أمورها، فهي بالنسبة إلى النكاح مختارة، يعني أنّ مختاريّتها في النكاح ثابتة لها عند كونها مختارة و والية لنفسها في سائر أمورها، و إلّا فكيف يمكن أن يكون المراد أنّ المرأة متى خرجت عن حدّ عدم الاختيار إلى الاختيار في جميع الأمور حتّى النكاح، فنكاحها جائز، فإنّه منسلك في سلك توضيح الواضحات.

في بيان معنى قوله «ليس لها مع أبيها أمر»

و إذن فنقول: لو كنّا و هذان الصنفان من الأخبار لحكمنا بأنّه ليس لها مع أبيها أمر، يعني أنّه ليس لها معارضة أبيها عند وجود أمر من أبيها و رأي، و أمّا إذا عزل نفسه و قال: لا أدخل في أمرها فلها استقلال في أمرها، فكلّ منهما مستقلّ، إلّا أنّ الأب مقدّم عند التعارض، و ذلك لأنّ قوله: «ليس لها مع أبيها أمر» ذو احتمالين، أحدهما: أنّه ليس لها مع

وجود الأب اختيار أصلا، و هذا لا يلائم مع ما ذكرنا، و الثاني: أنّه ليس لها مع أمر الأب أمر، كما يقال: ليس لي معكم أمر، يعني عند أمركم لا أمر لي، و لا ينافي وجود الأمر في صورة عدم الأمر له.

و هذا الاحتمال إمّا في عرض الأوّل، و إمّا مرجوح في الجملة منه، و لكن مع ملاحظة الخبر الآخر يصير راجحا، فيكون حالهما حال الأب و الجدّ، حيث إنّهما مستقلّان، و لكن اختيار الجدّ مقدّم عند تعارض الاختيارين، و لا ضير في عدم وجود القائل بهذا المعنى بين الأقوال المتقدّمة، فإنّك عرفت أنّ الأخبار معمول بها، و بعد ذلك ففي مقام الاستفادة، الأمر راجع إلى نظر كلّ فقيه، هذا.

و لكنّ العمدة وجود المانع من هذا الحمل و الجمع، و هو ما ورد في الأخبار من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 41

أنّ نكاحها لا يجوز إلّا بأمرها و رضاها.

فقد روى في الوسائل عن الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن العبّاس، عن صفوان، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: تستأمر البكر و غيرها، و لا تنكح إلّا بأمرها» «1».

و هذا كما ترى مفيد لاستقلالها و عدم استئمار أبيها و أنّه لا رأي معها لأبيها، فلا يجامع ما قلنا من ولاية أبيها و تقدّمه عليها، فهل ينتهي الأمر عند هذا إلى معاملة المتعارضين بين هذه الأخبار، أو أنّ الجمع الدلالي موجود؟

فقد يقال: إنّه يمكن أن يحمل الأخبار الأوّل الدالّة على أنّه ليس لها مع أبيها أمر على الاستحباب، و أنّه لمّا يكون الأب أبصر بشأنها و صلاح حالها فيستحبّ أن لا يكون لها مع أبيها بحث و إنكار، و

أن تكون له سلمة غير معترضة لما ارتضاه لها، و الأخبار الثانية على بيان ما هو المعيار في الصحّة و الفساد شرعا، فيكون المتحصّل ثبوت الاستقلال للبكر بدون مدخليّة للأب بحسب الحكم الشرعي و إن كان يستحبّ لها أن لا تتخطّى عن ما يراه أبوها لها صلاحا، بل لا تتخطّى عن المشاورة معه، فيطابق مع القول المشهور الذي هو أوّل الأقوال المتقدّمة.

و لكنّ الإنصاف عدم ملائمة الأخبار المتقدّمة لهذا الحمل؛ فإنّ مقتضاها أنّه و إن كانت كارهة، بل في بعضها التصريح بذلك، يكون تزويج الأب نافذا عليها.

فهذا الجمع كالجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على استقلال البكر بصورة عدم

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب أولياء العقد، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 42

الأب، و ما دلّ على استقلال الأب بصورة وجوده، فإنّ كلّ ذلك ممّا يأبى عنه سياق الأخبار.

فالذي يمكن أن يقال: ما تقدّم من الحمل على استقلال كلّ منهما، لكن مع رعاية تقدّم الأب عند وجودهما معا، يعني مع تصرّف الأب لا نفوذ لعقد البنت، و لكن مع عدم عقد الأب فعقد البنت نافذ، بأن يكون المراد من قولهم عليهم السّلام:

«لا أمر للبنت الباكرة مع أبيها» عدم الأمر و الاختيار مع صدور عمل و تصرّف في حقّها من ناحية الأب، لا أنّه لا اختيار لها أصلا مع وجود نفس الأب.

و الذي يؤيّد هذا المعنى وقوع هذه الكلمة بعينها في الجواب عن السؤال عن الصغيرة التي زوّجها أبوها، إلها أمر إذا بلغت؟- كما تقدّم- قال عليه السّلام: ليس لها مع أبيها أمر، ثمّ سأل عن البالغة فأجابها بهذه الكلمة، فإنّ من المعلوم أن ليس المراد في الصدر أنّه مع حياة الأب و

وجوده لمعلوميّة عدم مدخليّة حياته، بل المعيار عقده الصادر قبل بلوغ الصغيرة و لو كان ميّتا بعد بلوغها، فالمقصود أنّه مع دخالة أبيها في أمرها و عقده إيّاها قبل بلوغها لا حقّ لدخالتها و اعتراضها على ما فعله أبوها في حقّها، و هذا مقرّب جدّا لما ذكرنا في الفقرة الثانية.

فيكون الجمع بينها و بين ما دلّ على أنّ الباكرة المالكة لأمرها في أموالها مالكة لتزويجها، كون الاختيار بيدها و يد أبيها كلّ مستقلا مع تقدّم الأب، هذا حال هذين الخبرين.

بقي حالهما مع ما دلّ على أنّه لا تنكح البكر إلّا بأمرها، و كذلك ما دلّ على أنّه «لا تتزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ»، و كذلك ما دلّ على أنّ لها في نفسها نصيبا أو حظّا، فإنّ الأوّل بمفاد الحصر، و الثالث ينافي مع استقلال الأب، و الحصر في الثاني ينافي مع استقلال البنت، فيمكن أن يقال بالاستحباب في كلّ من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 43

الطرفين، أعني: عدم الاكتفاء بإذنه و لا بإذنها، بل يراعى إذنهما و إن كان يصحّ الاكتفاء بإذن واحد مع عدم علم الآخر، هذا.

و لو فرض أنّ ما ذكرنا أيضا ليس جمعا بين الأخبار فلا بدّ من ملاحظة علاج المتعارضين، و حينئذ نقول: لا يخفى أنّ الأصل في المسألة لا شكّ في كونه استصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ، و من المعلوم أنّ الصغر و الكبر غير مغيّرين للموضوع عرفا فما في الجواهر من ضرورة تغيّر الموضوع، و في مقام آخر: لا وجه لاستصحابها كما هو واضح، في غير محلّه.

و لهذا يكون هو العمدة في إثبات الولاية بعد الكبر إذا بلغ الولد سفيها أو مجنونا، كما لعلّه يأتي الكلام

فيه إن شاء اللّه تعالى في محلّه.

و لكن لا يصحّ جعله في المقام لا مرجّحا و لا مرجعا، أمّا الأوّل فلأنّ المرجّحية شأن ما هو حجّة من باب الطريقيّة، لا ما هو حكم في موضوع الشكّ.

و أمّا الثاني فهو و إن كان مطابقا للقاعدة بعد تعارض الدليلين و تساقطهما بالنسبة إلى المدلولين المطابقيين و إن لم يسقطا بالنسبة إلى نفي الثالث، و لكنّ الأخبار العلاجيّة منعتنا عن ذلك.

و حينئذ فقد يقال: إنّ الترجيح مع أخبار استقلال البكر، لكونها مخالفة لمذهب جمع من كبار العامّة.

و الإنصاف أنّه في مثل المقام الذي نقل اختلاف العامّة فيه و لا نعلم أنّه في زمان صدور الخبر أيضا كان إلى أيّ من الأقوال قضاتهم أميل، لا يمكن لنا الترجيح بهذا الوجه، فإنّه قد نقل القول باستقلال الأب حتّى في البنت عن أبي حنيفة.

و قد يقال: إنّ المرجع حينئذ عمومات الكتاب من قبيل فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 44

فِيمٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «1»، فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ. «2»،

وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ «3»، فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ «4».

و الإنصاف أنّ كلّ ذلك قضايا اقتضائيّة، من قبيل أحلّ لكم ما وراء ذلكم.

لا يقتضي أنّه يجوز ذلك بلا شرط و اعتبار أمر أصلا، و هذا واضح.

و الذي رجّحه الأستاذ الاعتماد أدام اللّه علينا فيض أنفاسه القدسيّة أن يكون المرجع بعد تساقط الأخبار في المسألة العمومات التي وردت في جواب السؤال عن أنّ اليتيم متى يجوز أمره؟ فأجاب عليه السّلام: إذا بلغ أشدّه، فسئل: ما بلوغ الأشدّ؟

فأجاب: إنّه الاحتلام. بعد ظهور أن لا خصوصيّة للصبيّ في هذا الحكم، و اشتراك الصبيّة معه، و أنّ المراد من ذكر الاحتلام هو

المثال، و إلّا فالميزان هو البلوغ.

فكأنّه قال عليه السّلام: ميزان خروج الطفل صبيّا كان أم صبيّة عن ولاية الغير و صيرورته واليا لاموره وصوله إلى حدّ البلوغ الذي هو في الصبيّ يعرف بالاحتلام و سنّ الخمس عشر، و في الصبيّة بالحيض و سنّ التسع.

فإن قلت: هنا وجه جمع آخر بين أخبار الباب أحسن ممّا ذكرت، و هو أنّ النسبة بين الأخبار في جانب استقلال الأب و بين الأخبار في طرف استقلال البنت هو الإطلاق و التقييد، بمعنى أنّ الأولى مقيّدة بقيدين، أحدهما البكارة، و الآخر

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 240.

(2) سورة البقرة: الآية 232.

(3) سورة النور: الآية 32.

(4) سورة النساء: الآية 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 45

وجود الأب، و أمّا في الطرف الآخر فليست إلّا إطلاقات بدون تصريح بوجود كلا القيدين، بل إمّا لا يكون فيها كلاهما، و إمّا أنّ الموجود أحدهما، فيمكن تقييدها بقرينة تلك الأخبار بصورة فقدان أحد القيدين، و مع وجود القيدين كما هو محلّ البحث، أعني الباكرة ذات الأب، فنأخذ بأخبار استقلال الأب، فإنّ المتعرّض من بين جميع تلك الأخبار للقيدين خبران:

أحدهما: الخبر الحاكي لقصّة الجارية البكر التي أتت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كان لها أب و مقتضاها استقلال البنت.

و الآخر: رواية سعدان بن مسلم «قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» «1».

و الأوّل: مرسل عامّي، و الثاني ضعيف؛ لأنّ سعدان بن مسلم مجهول.

و بالجملة، الأخبار الكثيرة المعتبرة الاسناد صريحة في استقلال الأب مع التصريح بالبكارة و وجود الأب، فراجع الوسائل.

و أمّا أخبار استقلال البنت، فبين قوله عليه السّلام: «تستأمر البكر و غيرها، و لا ينكح إلّا بأمرها» «2»

و هذا خال عن ذكر الأب.

و بين قوله عليه السّلام: «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و لا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز» «3»، و هذا لا تصريح فيها بأحد القيدين.

و بين قوله عليه السّلام: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشتري و تعتق و تشهد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب أولياء العقد، الحديث 4.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب أولياء العقد، الحديث 10.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب أولياء العقد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 46

و تعطي من مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، و إن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها» «1» و هذا لا تصريح فيه بقيد البكارة، فمن الممكن أن يراد به الثيّب، كما جعل البكر مقابلا له في مقام آخر بقوله عليه السّلام:

«الجارية البكر التي لها الأب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها، و قال عليه السّلام: إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت متى شاءت» «2».

و بين قوله عليه السّلام: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها» «3»، و هذا و إن صرّح بالقيدين، إلّا أنّ السند فيه ضعيف.

و على هذا فبين معتبر من حيث السند، و لكنّه مطلق، و بين مقيّد، لكنّه غير معتبر.

و أمّا الأخبار الأخر فالمعتبر سندا و المقيّد بكلا القيدين موجود فيها كثيرا، و مقتضى القاعدة هو الأخذ بتلك المقيّدات و رفع اليد عن تلك الإطلاقات، و أمّا الأخذ بإطلاقها و التصرّف في هيئة المقيّد، فعلى خلافه جرت طريقة أرباب الاستدلال.

قلت: أمّا قوله عليه السّلام: «تستأمر البكر. إلخ» فهو و إن كان مطلقا بخلاف قوله عليه

السّلام: «لا تزوّج البكر ذات الأب إلّا بإذن أبيها» و لكن صرف الإطلاق لا يوجب التصرّف بحمل المطلق على المقيّد إلّا إذا كان المقيّد كان المقيّد نادرا، بحيث لم يلزم من الإطلاق نقض غرض، أو كان شائعا، و لكن مع هذا لم يلزم نقض الغرض، كما

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب أولياء العقد، الحديث 6.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب أولياء العقد، الحديث 7.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب أولياء العقد، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 47

إذا قال: أكرم العالم أو العلماء، و كان إكرام خصوص زيد مستحبّا.

و أمّا مثل مقامنا فالبكر غير ذات الأب و إن كان فردا شائعا، و لكن ذات الأب أيضا شائع، بل أشيع، و سوق الإطلاق في هذا المقام مع كون المراد خصوص غير ذات الأب موجب للوقوع في خلاف المراد كثيرا، فإذن من القريب جدّا تقوية هذا الإطلاق.

و أمّا قوله: «المرأة التي قد ملكت. إلخ» و كذلك قوله: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها. إلخ» فهو أيضا و إن كان بصورة الإطلاق من حيث البكارة و الثيبوبة، و لكنّ المفهوم منهما إعطاء الملاك و المناط، و أنّ مناط مالكيّة النكاح مالكيّة الأمر من الجهات الأخر، بحيث يأبى عن التقييد بقيد الثيبوبة.

سلّمنا كلّ ذلك، و لكن تكفينا الرواية الأخيرة، فإنّها و إن كان الراوي فيها مجهولا أو مردّد بين الموثّق و من لم يذكر توثيقه في كتب الرجال، إلّا أنّ العلماء تلقّوه بالقبول و لم يطعنوا في سندها، و لهذا حمله شيخ الطائفة قدّس سرّه على صورة عضل الأب تارة، و على المتعة أخرى.

و حينئذ نقول: بعد صراحة هذا في الجواز مع القيدين،

المعارض لها طائفتان:

الأولى: ما كان بمضمون أنّ العقد الذي صدر و مضى أمره ناشئا من الأب فليس للبنت الاعتراض بما فعله الأب في حقّها، كما قلنا: إنّه المتيقّن من قوله عليه السّلام:

«ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب» بقرينة كونه في سياق هذه الكلمة الواردة في حقّ من زوّجها أبوها قبل بلوغها.

و الثانية: ما كان بصدد ابتداء الحال و تعيين الوظيفة حال الإقدام على التزويج بمثل: «لا تزوّج إلّا بإذن أبيها».

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 48

أمّا الطائفة الأولى فغاية ما ثبت بها أنّه لو صدر من الأب عقد لم يبق للبنت بعده اختيار، و لا منافاة بينه و بين مضمون الرواية السابقة؛ فإنّ مضمونه جواز النكاح الصادر بإذن البكر و إن لم يكن بإذن الأب، فنقول: إنّ البنت نافذ التصرّف، و لكن في تقدير عدم تصرّف الأب، و الأب مقدّم عليها عند التزاحم.

و أمّا الثانية فالجمع بين: «لا بأس بالتزويج بغير إذن الأب» و «لا تزوّج إلّا بإذن الأب» هل يكون إلّا بالحمل على الاستحباب؟

نعم حمل الطائفة الأولى على الاستحباب، كما يظهر من شيخنا المرتضى قدّس سرّه، الظاهر عدم الموقع له، و إباء الأخبار عنه و أنّها على رغم أنفها ملزمة بالقبول، و لا حقّ لها بالاعتراض، و لو أبت تجبر على القبول، و بالجملة، نفسها أنّ التزويج الماضي صحيح و لا بدّ لها من ترتيب الأثر.

و أمّا قوله عليه السّلام: «لا ينقض النكاح إلّا الأب» «1» فهو دليل على صحّة تصرّف الجارية، و إلّا لم يصدق النقض، كما لا يصدق لو تصرّف غير المالك، فلا يقال للمالك: نقض هذا التصرّف، فلو أمكن العمل بظاهره قلنا بأنّ للأب اختيار الفسخ في عقد الجارية على

نفسها، و لكنّه خلاف الإجماع، فيمكن حمله على أب الزوج، و المقصود أنّه يجب على الزوج الطلاق إذا أمره أبوه بذلك.

و بالجملة، فالمتحصّل- و إن كان لا قائل له، إلّا أنّه حكي عن صاحب المستند- هو رجحان القول باستقلال كلّ منهما، و لو فرض عدم جرأتنا من جهة عدم القول فاللازم معاملة التعارض، و قد مرّ أنّ مخالفة العامّة ليست بمرجّحة هيهنا.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 49

[الآيات]

بقي عموم الآيات مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «2» و فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «3».

أمّا ما عدا الآية الأولى، فالتعجّب من شيخنا المرتضى كيف اعتمد على صحّة عمومها مع أنّه المؤسّس للأصول، و معلوم أنّ الآيات بمقام حكم آخر، إمّا الحلّيّة في مقابل التحريم الأبدي، و إمّا رفع الحرمة الجائية من قبل العدّة، من غير نظر إلى الحلّيّة الفعليّة، و إلّا فليس مفادها الحلّيّة هكذا من دون احتياج شي ء في البين أصلا.

و أمّا آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فالعلماء رضوان اللّه عليهم و إن تمسّكوا بها في أبواب المعاملات، و لكن بعد تفسير العقد بالعهد، و معلوم عدم صدق العهد بين المعاملة بين كسرة الخبز و الفلس، و هكذا لا يطمئنّ النفس بالركون إليها.

و أمّا عموم (الناس مسلّطون على أموالهم و أنفسهم) فأوّلا حكي أنّه في الأموال ثبت، و أمّا في الأنفس لم يثبت كونه رواية، و على فرض كونه معقد الإجماع فالتمسّك به غير جائز في الشكّ في دخالة شرط في العقد، كما لا يتمسّك في الأموال عند الشكّ في دخالة أمر، فإنّه حكم

حيثي، يعني بعد تماميّة جميع جهات المشروعيّة وضعا و تكليفا إذا دار الأمر بين المالك و غيره، فالأوّل أولى.

فلم يبق إلّا عموم ما ورد في باب أنّ الصبيّ متى يلي أمره، كما تقدّم.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 1.

(2) سورة النساء: الآية 24.

(3) سورة البقرة: الآية 234.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 50

و أمّا عموم: «أنت و مالك لأبيك» «1» فهو و إن استشهد به الإمام عليه السّلام في مجلس بعض الأمراء، و لكن ليس لنا التمسّك به إلّا في خصوص مورد تمسّك الإمام عليه السّلام؛ لأنّه عمومه بظاهره غير معمول به. هذا تمام الكلام في البالغة الرشيدة.

الكلام في أنّ الصبيّ و الصبيّة هل لهما الخيار بعد البلوغ أو لا

و أمّا الصبيّ و الصبيّة الغير البالغين فلا إشكال في ولاية الأب و الجدّ على تزوجهما، إنّما الكلام في ثبوت الخيار لهما بعد البلوغ أو لا؟

مقتضى ما تقدّم من صحيحة عبد اللّه بن الصلت حيث قال: إلها أمر إذا بلغت؟ «قال: لا ليس لها مع أبيها أمر» «2» عدم الخيار.

و كذا مقتضى صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر عليهما السّلام و فيها: «قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن يدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية»، و نحوها صحيحة ابن بزيع و صحيحة عليّ بن يقطين.

نعم، في صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليهما السّلام عن الصبيّ يزوّج الصبيّة؟ قال عليه السّلام: إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، و لكن لهما

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب أولياء العقد، الحديث 5.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 51

الخيار إذا أدركا، فإن رضيا بعد ذلك فإنّ المهر على

الأب.» «1».

و قد يقال: إنّ الخيار هنا ذو احتمالين، الأوّل: بمعنى نقصان العقد و احتياجه إلى متمّم و هو إجازة البنت أو الابن بعد البلوغ، فيكون عقد الأب فضوليّا، و يكون التعرّض لخصوصه لأجل دفع توهّم اختصاصه عن غيره، الثاني: بمعنى اختيار الفسخ، كما هو الشائع في باب المعاملات.

و أنت خبير أنّه لا وجه لاحتمال الأوّل في قوله عليه السّلام: إن كان. إلخ؛ فإنّه بذاك المعنى لا حاجة إلى هذا الشرط، و أيضا فما معنى قوله عليه السّلام: فنعم جائز، فالخبر صريح في الاحتمال الثاني، لكن يبقى معارضته مع الأخبار الأول.

و الذي ينبغي أن نتكلّم فيه هو قوله: ليس لها مع أبيها أمر، و إلّا فغيره واضح الجمع مع هذا الخبر.

و أمّا هو فقد يقال: إنّ معنى عدم الأمر أن لا يكون لها أصلا اختيار في ما فعله أبوها.

و لكن قال شيخنا الأستاذ دام علاه: تارة يكون تصرّف الأب في إفادته الأثر و نفوذه محتاجا إلى إمضاء البنت، فهذا مناف مع صريح الخبر، و اخرى يكون تصرّفه نافذا تامّا صادرا من أهله في محلّه، و لكن يمكن أن يصير موضوعا لحكم الشارع بجواز الفسخ، كما لو ابتاع لطفله شيئا و كان فيه خيار السنة، فمات الأب و بلغ الطفل قبل انقضاء السنة و ظهر أحد تلك العيوب، ففسخ الابن حينئذ لا يسمّى نقضا في تصرّف الأب، و لو فرض فالمقصود أنّه وجه جمع بينه و بين الصحيحة المصرّحة بثبوت الخيار و عدم انتهاء الأمر إلى المعارضة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 52

و ليعلم أنّ الخبر في طرف الخيار منحصر بهذه الصحيحة؛ إذ خبر يزيد الكناسي

و إن كان مشتملا على الخيار في الصبيّة و الغلام كليهما بعد الإدراك، إلّا أنّ السند فيه ضعيف، و أمّا رواية أبان و موثّقة الفضل بن عبد الملك: «إذا زوّج الرجل ابنه فذاك إلى ابنه، و إذا زوّج الابنة جاز» «1» فهو مطلق لعدم ذكر قيد الصغر فيه، و أخبار الطرفين ممّا عداه مقيّدة به، فيمكن تقييده بحال الكبر، و يقيّد الابنة بالبكر، و لكنّ الخبر كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في باب المهور في مسألة تزويج الأب ولده الصغير مصرّح بقيد الصغر في صدره.

و حينئذ فالظاهر حمله على أنّ الابن له المفرّ ممّا فعله أبوه بعد كبره بأن يطلّق المرأة، و أمّا الابنة فليس لها إلّا الثبات و البقاء على فعل الأب؛ إذ ليس الطلاق إلّا بيد من أخذ بالساق.

و إذن فبحسب الأخبار الموجودة في كتب الفقهاء في هذا المقام يكون مقتضى الجمع الدلالي ثبوت الخيار لكلّ من الصغيرين مع نفوذ تصرّف الأب و الجدّ و إن كان لم يظهر قائل بهذا القول في ما بينهم.

نعم، نقل عن دعائم الإسلام خبر صريح في نفي الخيار لهما بعد البلوغ، فإن كان أصل كتاب الدعائم معتمدا تحقّقت المعارضة بينه و بين الصحيحة.

ثمّ على تقدير المعارضة إمّا بالقول بصراحة الخبر السابق النافي للأمر عن الصبيّة في نفي الخيار أيضا، و إمّا بحجّيّة كتاب الدعائم فهل المرجّح مع أيّهما؟

لا يمكن أن يكون المرجّح للأخبار النافية للخيار استصحاب بقاء العلقة بعد الفسخ؛ فإنّه لا يعدّ من السنّة التي اعتبر موافقتها مرجّحة؛ لعدم إفادته الكشف كما أشير

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 53

إليه سابقا.

و قد يقال: إنّ المرجّح

حينئذ عمومات أو إطلاقات أدلّة ولاية الأب في أمور الصغير و الصغيرة؛ فإنّ مقتضاها أنّ الوالي هو الأب، و الطفل ليس له دخالة في أموره.

لا يقال: إنّ الولاية لا ينافي مع اختيار الولد للفسخ عند كبره.

لأنّا نقول: قد يكون الخيار بمقتضى طبع العقد، كالعقد الغبني و الغيبي و العقد على الحيوان، بحيث لو كان الوليّ متّصفا بالولاية أيضا تصدّى هو الفسخ، فهذا لا منافاة له مع الولاية، و قد يكون لا لذلك، بل يكون للصغير حال كبره بملاحظة أنّه عقد عقده وليّه و هو صغير و الآن قد كبر، و هذا مناف مع ما دلّ على ولاية الوليّ؛ فإنّ معناها أن لا يكون للولد دخل و اختيار بعد الكبر.

فالإنصاف أنّ الروايات لو تعارضت و كان لنا عموم دالّ على ولاية الأب في أمور الولد الصغير صار هذا العموم مرجّحا، كما أنّ الإنصاف أنّ الجمع الدلالي الذي ذكرنا سابقا ليس بجمع مرضيّ لدى العرف، فإنّه لا يفهم من قولهم: ليس للصبيّة مع أبيها أمر إذا بلغت. أنّه لا دخل لها في أمورها التي تصدّاها أبوها حتّى بنحو خيار الفسخ بحيث لا يقبل هذا الحمل بعد ملاحظة المعارضة أيضا، فلا محيص إلّا من معاملة المعارضة بين صحيحة محمّد بن مسلم و صحيحة عبد اللّه بن الصلت.

و لا يخفى أنّه لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى المرجّحات أو التخيير؛ لأنّه فرع واجديّة كلا الطرفين جهات الحجّيّة الذاتيّة، و هنا غير موجودة في صحيحة محمّد بن مسلم، فإنّها و إن كانت صحيحة السند، و لكن أصالة الجهة فيها مخدوشة لذهاب المعظم- بحيث لا يظهر مخالف- إلى خلاف مفادها في الصبيّة، فقالوا بعدم الخيار لها بعد الكبر، فتكون صحيحة عبد

اللّه بن الصلت سليمة عن المعارض

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 54

المعتبر، فإنّ الصحيحة هذه حالها، و رواية يزيد الكناسي غير معتبرة أيضا؛ للخدشة في سندها.

و الرواية المفصّلة بين الابن و الابنة حيث قال: ذاك- أعني أمر التزويج الذي أوقعه الأب- إلى الابن، و لكن بالنسبة إلى الابنة جائز، لا دلالة فيها بالنسبة إلى الابن الصغير الذي كبر بعد تزويج الأب، فيمكن حملها على الابن الكبير، و كذا الابنة، كما تقدّم.

فإذن لا يبقى في البين بالنسبة إلى الصغير و الصغيرة إلّا القول بنفوذ تزويج الأب و لزومه عليهما بعد الكبر، أمّا بالنسبة إلى الصغيرة فلصحيحة عبد اللّه بن الصلت و فيها: ليس لها أمر مع أبيها، و قد مرّ الكلام فيه.

و صحيحة ابن بزيع «1» و فيها: يجوز عليها تزويج أبيها بعد سؤال السائل:

أ يجوز عليها تزويج الأب أو الأمر إليها؟ و من المعلوم أنّ كلمة «يجوز عليها» واضح الدلالة على سقوط الاختيار من طرفها، بحيث لا يقبل الحمل على الخلاف.

و صحيحة عليّ بن يقطين «2»، و فيها السؤال عن حال الجارية إذا بلغت فلم ترض؟ فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليّها، و دلالتها أيضا واضحة.

و أمّا بالنسبة إلى الغلام فمضافا إلى أصالة اللزوم بعد سقوط صحيحة محمّد بن مسلم عن الاعتبار بواسطة الإعراض و ضعف رواية الكناسي يدلّ عليه أيضا رواية أبي عبيدة الواردة في باب توارث الصغيرين اللذين زوّجهما وليّاهما، و في

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب أولياء العقد، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 55

آخرها: قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل

أن يدرك؟ قال عليه السّلام: يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية، و في صدرها و إن ذكر اسم الوليّ و ذكر ثبوت الخيار بعد الكبر، و لكن من الذيل يعلم أنّ المراد به الوليّ العرفيّ مثل الأخ و العمّ و الأمّ و نحو ذلك.

و أمّا رواية الحلبي الواردة في ذلك الباب من الوسائل و في آخرها:

«قلت: فإن ماتت أو مات؟ قال عليه السّلام: يوقف الميراث حتّى يدكر أيّهما، بقي، ثمّ يحلف باللّه ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح و يدفع إليه الميراث»، و قد فرض في أوّله أنّ النكاح صدر من أب الغلام، فهي أجنبيّة عن مسألتنا، كما يعلم من مراجعة صدرها، فإنّه سأل أوّلا عن طلاقه قبل الكبر، فأجاب بأنّه يحبس عليه امرأته حتّى يدرك، فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرّ بذلك و أمضاه فهي واحدة بائنة. إلخ.

ثمّ سأل عن أنّه لو مات أو ماتت، و الظاهر أنّ مراده السؤال عن موت أحدهما في هذا الحال الذي صدر الطلاق من الصغير، فأجاب عليه السّلام على حسب الحكم الذي حكم به سابقا من كفاية إمضاء الطلاق الصادر حال الكبر و إن كان غير معمول به، بأنّه أيّ من الصغير و الصغيرة بقي فأمضى النكاح، أمّا الصغيرة فلأجل أنّ العقد بالنسبة إليها فضولي، و أمّا الصغير بملاحظة صدور الطلاق منه يحلف بأنّه ما دعاه إلى ذلك إلّا الرضا بالنكاح لا الميراث، ثمّ يدفع الميراث إليه، فلا ربط له بما نحن فيه.

ثمّ على تقدير تسليم تماميّة جهات الحجّيّة الذاتيّة و انتهاء الأمر إلى المعارضة بين صحيحتي ابن مسلم و ابن الصلت و عدم عموم دالّ على ولاية

الأب حتّى يصير مرجّحا فقد يقال: إنّ الأمر حينئذ ينحصر في التخيير، و لا يجوز الرجوع إلى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 56

الأصل العمليّ أعني: الاستصحاب، فإنّه و إن كان مقتضى القاعدة الأوّليّة ذلك، لتساقط الخبرين في المدلول المطابقي، و لكن قوله: إذن فتخيّر أحدهما، يمنع من ذلك.

و لكن يشكل هذا بما أشار إليه شيخنا المرتضى قدّس سرّه باختصاص دليل: إذن فتخيّر أحدهما، بما إذا لم يتولّد منه التنازع، كما في مقامنا، حيث إنّ الأمر بين اثنين أعني: الزوجين، فيأخذ أحدهما بخبر اللزوم و الآخر بخبر الجواز، كلّ على حسب ميله، و بعد معلوميّة أنّ غرض الشارع رفع التشاجر، فلا يجوز أن يكون مراده التخيير حتّى في مثل هذا المقام.

نعم، يمكن جعل التخيير حينئذ للمجتهد، فيفتي هو بمضمون ما اختاره من أحد الخبرين كلا الزوجين، فيكون المخاطب بالتخيير هو المجتهد دون المقلّد أو الأعمّ منهما، و لو فرض تقليد كلّ لمجتهد فيمكن تخصيصه بالحكم و القاضي، فهو يختار أحد الخبرين و يفصل الخصومة بينهما على حسبه.

و لكن ليس على شي ء من هذين الوجهين دليل في مقام الإثبات؛ فإنّ خطاب: إذن فتخيّر أحدهما. كخطاب: صلّ و صم و حجّ نسبته إلى المجتهد و المقلّد سواء، غاية الأمر أنّ فهم مفاد الخبرين و التعارض و العلاج مخصوص بالمجتهد، و لكنّ العمل الخارجيّ الذي هو مدلول الخطاب لا فرق فيه بينهما، فلا وجه لتخصيص الخطاب بالمجتهد، و قد فرضنا أنّ العموم لا يشمل في هذا المقام للمقلّد، للمحذور السابق.

و حينئذ فلا يجوز أن يشمل المجتهد أيضا؛ فإنّ وظيفة المجتهد ليس إلّا تفهيم المقلّد مضمون الخطاب المتوجّه إليه، و قد فرضنا أنّه خارج عن تحت الخطاب، و المفروض أنّه

لا عمل بالنسبة إلى نفس المجتهد أيضا، فيكون هو أيضا خارجا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 57

عن عموم الخطاب.

لا يقال: يكفي في عمله الإفتاء، و بعبارة أخرى: فهم المجتهد حجّة على المقلّد و كلّ ما كان هنا باب فهم للمجتهد يصير هو موضوعا لوجوب الإفتاء، و المقلّد موضوعا لوجوب التقليد، فالمجتهد بملاحظة هذا التكليف يصير مشمولا لخطاب التخيير، و بعد اختياره أحد الخبرين يفتي بمضمونه الصغيرين، و كذا الحال في الحاكم.

ألا ترى أنّ المجتهد يفتي المقلّد بالحكم الاستصحابي مع عدم كون المقلّد موضوعا للاستصحاب، لعدم اليقين السابق و الشكّ اللاحق في حقّه، و المجتهد أيضا ربما لا عمل لنفسه، كما لو كان المسألة من مسائل الحيض، و قد صحّحت الحال هناك في الأصول بأنّ عمل المجتهد هو الإفتاء، فيصير بهذه الملاحظة مشمولا لخطاب:

لا تنقض، و بعد الإفتاء يصير موضوعا لوجوب التقليد، فهذا الكلام يجري في هذا المقام حرفا بحرف.

لأنّا نقول: الشأن أن تجيب عن الإشكال حلا، و إلّا فالنقض بمجرّده لا يثمر، و بحسب الحلّ الظاهر صحّة المطلب، فإنّ وظيفة المجتهد إفهام المقلّد في ما كان له و في حقّه خطاب، و المفروض عدم الخطاب بالنسبة إلى المقلّد و عدم العمل بالنسبة إلى المجتهد.

نعم، يمكن أن يكون فهم المجتهد تعبّدا موضوعا لوجوب العمل في حقّ المقلّد ابتداء مع قطع النظر عن تعلّق الفهم بالخطاب المتوجّه إلى المقلّد، و لكن ليس عليه دليل، إنّما الثابت أنّ الخطابات التي توجّهت إلى المقلّد واقعا مع قطع النظر عن فهم أحد يكون فهم المجتهد فيها حجّة على المقلّد، و أمّا إذا أريد إثبات الخطاب من نفس الفهم مع عدمه مع قطع النظر عنه فالحجّيّة أمر ممكن بلا دليل.

كتاب النكاح

(للأراكي)، ص: 58

و إذن فالخبران المتعارضان داخلان في ما هو مقتضى القاعدة الأوّليّة مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة، و هو مرجعيّة الأصل العملي، و هو في المقام استصحاب اللزوم و بقاء العلقة بعد فسخ الصغيرة، و لعلّ هذا مراد شيخنا المرتضى قدّس سرّه حيث حكم في هذه المسألة بعد تعارض الخبرين بالرجوع إلى أصالة اللزوم، فلا يرد عليه الإشكال بأنّ مرجعيّة الأصل قد سدّ بابها الأخبار العلاجيّة، نعم في العامّين من وجه بقيت بحالها، لكنّ المقام من المتباينين كما هو واضح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 59

[الفصل الرابع في أسباب التحريم]

[السبب الثاني الرضاع]

اشارة

فصل البحث في السبب الثاني من أسباب التحريم و هو الرضاع، و العمدة ها هنا التكلّم في أمرين:

الأوّل: في مقدار مفاد قولهم عليهم السّلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «1»، و قولهم: «الرضاع لحمة كلحمة النسب»، و تحقيق أنّه هل يستفاد منه عموم المنزلة الذي قال به بعضهم أو لا، بل يختصّ بالمحرّمات بالعنوان الأوّلي دون العناوين الثانوية الملازمة في الوجود مع العناوين الأوّليّة للمحرّمات النسبيّة.

و الثاني: في ما استفيد حرمته من خارج هذه القاعدة من سائر الأدلّة.

أمّا الأوّل: فاعلم أوّلا أنّه قبل ملاحظة التنزيل الشرعي و الحكم شرعا بتحريم نظير العناوين المحرّمة النسبيّة بواسطة الرضاع لو أرضعت امرأة ولد غير فحلها، أعني: غير من يكون لبنها متسبّبا من مائه، يصدق عرفا أنّ هذا الولد ولد هذه المرأة و هي أمّه، و ذلك الفحل أبوه و بنات ذلك الفحل و بنوه إخوته و أخواته

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1، 3، 4 و 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 60

و هكذا، و العرف حاكمون بهذه التنزيلات.

و بعد هذا فنقول:

معنى الكلمة الشريفة أنّ كلّ ما يحرم من العناوين بسبب النسب مثل عنوان الامّ و الأب و الأخت و الأب و نحو ذلك، فنظير هذه العناوين تصير محرّمة بواسطة الرضاع، لا أنّ تلك العناوين بأنفسها يحرم بالرضاع، بل نظائرها، بمعنى أنّ تلك العناوين التنزيليّة المتولّدة بنظر العرف بواسطة الرضاع محكومة عند الشارع بحكم حقيقيّات تلك العناوين من الحرمة الأبديّة، و هكذا قولهم: لحمة كلحمة النسب، أعني: علاقة و قرابة كتلك القرابة في الحكم عند الشارع، يعني تلك العلاقة التنزيليّة العرفيّة محكومة بحكم الحقيقيّة.

و على هذا فيقع النظر في كلّ من طرفي الرضاع و النسب إلى العناوين المحقّقة قبل هذا الحكم، و هي العناوين الأوّليّة المحكوم عليها في طرف النسب بالحرمة، فهي وقعت في طرف الرضاع في هاتين القضيّتين محكومة بالحرمة أيضا.

فلا يمكن استفادة عموم المنزلة، بمعنى أنّه لو لم ينطبق العنوان الأوّلي المتولّد من الرضاع مع أحد من العناوين الأوّليّة للمحرّمات النسبيّة، بل انطبق على عنوان آخر ملازم مع أحدها في الوجود فلا يستفاد التحريم، فالفروع التي بنيت على استفادة عموم المنزلة يظهر من هنا أنّ الأقوى فيها عدم الحرمة.

و أيضا يظهر الكلام في العنوان الذي اجتمع فيه جهتان حكم فيه بالحرمة، أعني: النسب و المصاهرة معا كأمّ الزوجة، فإنّ مجموع الأمرين من النسب و الزوجيّة اقتضى الحرمة، فيحكم فيه بالحرمة إذا حصل هذا العنوان من الرضاع مع وجدانيّة الجهة الأخرى أعني: الزوجيّة.

و دعوى اختصاص النسب بالنسب في ما بين المحرّم و المحرّم عليه، و ها هنا يكون في ما بين المحرّم و الزوج المحرّم عليه خلاف الإطلاق، كما أنّ دعوى ظهور

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 61

«من» النشويّة في العلّيّة التامّة، فلا يشمل ما

إذا كان النسب علّة ناقصة، أيضا خلاف الإطلاق، مع أنّه لا يجري في قولهم: لحمة كلحمة النسب.

نعم، قد يراد التنزيل في أمّ الزوجة بالنسبة إلى تصحيح جهة زوجيّتها مع وجدانيّة جهة الأمومة، كما إذا أريد الحكم بحرمة المرأة التي أرضعت بنتها ولد رجل على هذا الرجل بملاحظة تصحيح عنوان الزوجيّة في مرضعة ولدها، حتّى يحكم في أمّها بالحرمة من باب صيرورتها أمّ زوجته.

فيرد عليه أنّ الدليل لا يفيد أزيد من الإلحاق الحكمي بالمحرّمات بسبب النسب، و أمّا الإلحاق بالمصاهرة و الزوجيّة فلا يستفاد، و ليس عليه دليل آخر أيضا، فيبقى الإلحاق في تلك المسألة بلا دليل، فيبقى تحت أصالة الحلّ.

و أمّا إذا كان زوجيّة رضيعة حقيقيّة وجدانيّة لرجل فأرضعتها امرأة فالحكم بحرمة هذه المرضعة على الزوج يمكن استفادته من الدليل المذكور، فيقال: هذه الأمومة الحاصلة بالرضاع لتلك الزوجة الصغيرة الحقيقيّة محكومة بحكم الأمومة الحقيقيّة النسبيّة، فكما أنّها تؤثّر في الحرمة مع ضميمة زوجيّة البنت، فكذا هذه، فيكون أحد جزئي علّة التحريم محرزا بالوجدان و هو زوجيّة المرتضع للرجل، و الآخر بالتعبّد و التنزيل، و هو أمومة المرضعة للمرتضعة.

و هكذا لو أوقب بغلام، فأمّه و أخته و بنته الرضاعيّات تصير محرّمة على الموقب بناء على ما ذكرنا.

ثمّ إنّا لو كنّا و هذه القضيّة لكنّا حكمنا بنشر الحرمة متى صدق عنوان الرضاع عرفا، من غير فرق بين أن يكون ذلك بالدرّ من غير وطي، أو كان بتوسّط الوطي، و من غير فرق في الوطي بين كونه صحيحا كما في الزوجة و ملك اليمين، أم غيره، بلا عذر كالزنا، أو معه كوطي الشبهة، و بلا فرق أيضا بين تحقّق الولادة أم قبلها بعد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 62

صيرورة الحمل جنينا أم قبله، و سواء اتّحد الفحل أم تعدّد.

و الحاصل: كلّ ما شككنا فيه في هذه الموارد فلنا إطلاق يصحّ كونه مرجعا، نعم بعض موارد الشكّ لا يصحّ فيه الرجوع إليه، لعدم تحقّق الإطلاق، كما في صورة عدم الامتصاص من الثدي، بل كان بالوجور في الحلق، فإنّ عنوان الرضاع إمّا معلوم عدم صدقه، أو مشكوك الصدق، كما أنّه منصرف عن بعض الفروض النادرة، مثل ما لو صار الرجل ذا لبن في ثديه، أو اجتمع اللبن في إصبع المرأة.

و

محصّل ما ذكروه شرطا و قيدا في هذا المقام بين طائفتين:
اشارة

الأولى: ما هو شرط لأصل تحقّق الرضاع المحرّم، بحيث مع فقده، الرضاع كالعدم في أنّه لا تأثير له أصلا، و ذلك مثل اشتراط أن لا يكون اللبن حاصلا من الزنا؛ فإنّ الحاصل منه يكون الرضاع منه كالعدم.

و الثانية: ما يكون شرطا في خصوص بعض الموارد، لا في أصل الأثر، بحيث لا يكون بلا أثر صرف، مثل اتّحاد الفحل؛ فإنّه شرط في ما بين الرضيع و الرضيعة من لبن امرأة واحدة، بمعنى أنّه لو أرضعت الغلام من لبن فحل، و الصبيّة من لبن فحل آخر، لا يثبت التحريم في ما بين الصبيّة و الصبيّ، و أمّا في ما بين الصبيّ و المرأة و الفحل صاحب اللبن حين إرضاعه، و كذلك في ما بين الصبيّة و المرأة و فحلها حال إرضاعها فلا إشكال في ثبوت التحريم.

أمّا

الطائفة الأولى [ما هو شرط لأصل تحقّق الرضاع المحرّم]
اشارة

فهي أمور:

الأوّل: أن لا يكون بدرّ اللبن لا عن وطي أصلا

، و يدلّ عليه ما دلّ على اعتبار كون اللبن من الفحل، مثل صحيحة بريد العجلي «1» «كلّ امرأة أرضعت من

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 63

لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و هل يعتبر انفصال الولد، أو يكفي الحمل؟ وجهان، بل قولان، اختار أوّلهما في التحرير و ثانيهما في القواعد، و مستند الاعتبار صحيحة عبد اللّه بن سنان «1» «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل؟ قال عليه السّلام: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى، فهو حرام» بدعوى عدم صدق الولد على الحمل، و خصوصا في أوائل انعقاد النطفة.

و يمكن الخدشة بأنّ التقييد بقوله: إمرائك من لبنك و لبن ولدك، من الممكن أن يكون من باب الغالب، بملاك كون اللبن من الفحل على الوجه الصحيح و حيث إنّ الفرد الغالب منه صورة كونه بالامرأة و الولد ذكر ذلك، و إلّا فمن المعلوم عدم مدخليّة الزوجيّة و تحقّق الحرمة في ملك اليمين أيضا، فالأخذ بإطلاق الخبر الأوّل الذي لم يعتبر في اللبن إلّا وجود الفحل من غير فرق بين وجود الولد و عدمه محكّم.

لا يقال: يمكن الخدشة في إطلاقه لما ذكرت في الخبر الثاني؛ فإنّ الغلبة كما أوجب سقوطه عن إفادة التقييد، يوجب سقوط الأوّل عن إفادة الإطلاق.

لأنّا نقول: الغلبة و إن كانت قد تصير بدرجة توجب التوقّف عن الإطلاق، بل و الانصراف، لكن وصولها في المقام بهذه الدرجة ممنوع، نعم يمكن صيرورتها وجها للتقييد، بمعنى أنّ اللبن الذي

له الفحل بحسب الغالب منطبق على صورة وجود الولد، بحيث يكون تحقّقه في أوقات الحمل نادرا، كما أنّ الغالب في الوطي الصحيح

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 64

الوطي للزوجة، و الوطي لملك اليمين فرد نادر، فكما صار تلك الغلبة نكتة لذكر لفظ امرأتك في الخبر مع أنّ الملاك أعمّ، و المقصود كون الوطي صحيحا في مقابل الزنا بالأجنبيّة، كذلك من الممكن أن تكون النكتة في التقييد بقيد من لبن ولدك، أيضا هي الغلبة المذكورة، و إلّا فالمقصود كون اللبن حاصلا من الفحل لا بالدرّ بلا توسّط الفحل.

و الحاصل: يمكن منع دعوى الانصراف في مطلقات اعتبار الفحل مع دعوى سقوط ما ذكر فيه التقييد بالولد عن التقييد، و على فرض التسليم فالمرجع كما عرفت إطلاق قولهم: يحرم من الرضاع. إلخ، لما عرفت من صدق عنوان الرضاع عرفا.

و الذي يرشدك إلى ما ذكرنا من محكّميّة إطلاق قوله في صحيحة العجلي كونه في مقام التحديد و بيان كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و مقتضى مقام بيان المراد اللبيّ ذكر تمام ما اندمج ذكره في تلك القضيّة، و لو كان قيد الولادة في قبال الحمل معتبرا لكان إخلالا في مقام البيان، و هو في غاية البعد.

و هذا بخلاف قوله في صحيحة ابن سنان: «من لبنك و لبن ولدك» فإنّ ظاهره الأوّلي و إن كان اعتبار الولادة و عدم كفاية الحمل فضلا عن الدرّ بلا وطي، و لكن من الممكن كون الإتيان به لأجل الاحتراز عن خصوص الدرّ دون الحمل، فيكون جمعا بينه و بين الصحيحة الأولى، كما أنّ قيد امرأتك أيضا هكذا، يعني و

إن كان ظاهره الأوّلي خاصّا بخصوص الزوجة الدائميّة دون المنقطعة فضلا عن ملك اليمين و المحلّلة، و لكن من المعلوم أنّ الغرض هو الاحتراز عن المحرّم وطيها، كما أشار إلى ذلك في صحيحة العجلي بإضافة الفحل إلى ضمير المرأة.

و من هنا ظهر وجه اعتبار كون اللبن من الوطي الصحيح، ليخرج ما كان عن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 65

الزنا، بل ما كان عن وطي بالشبهة، و ذلك بواسطة إضافة الفحل، و قوله عليه السّلام:

امرأتك، بعد القطع بعدم اعتبار خصوص الزوجيّة الدائميّة، فيبقى كونها محلّلة الوطي، فيخرج ما كان محرّما؛ لعدم تحقّق الإضافة، كما أنّه لا فرق بعد عدم كونه حلا لها و عدم كونها امرأة له بين كونهما معذورين في الوطي و العدم.

فمن القويّ القريب القول بعدم نشر الحرمة في الرضاع من اللبن الحاصل من وطي الشبهة فضلا عن الزنا، و اللّه هو العالم بحقائق أحكامه.

الثاني: أن يكون بالامتصاص من ثدي المرأة

، فلا يكفي الوجور في الحلق، وجه ذلك وجود لفظة «الرضاع» و هي- على ما صرّح به صاحب القاموس- عبارة عن المصّ من ثدي المرأة، و هو و إن لم يكن له بهذا الوجه لفظ مرادف في الفارسيّة بحيث يؤدّي هذا المعنى مفردا إلّا أن ينضمّ ألفاظ متعدّدة؛ إلّا أنّه ليس من البعيد أن لم يوضع في اللغة الفارسيّة بإزاء خصوص هذا المعنى لفظ و وضع في العربيّة، كما أنّ مثله غير عزيز.

و هذا ليس من إثبات اللغة بقول لغوي واحد، فإنّه يكفي في الاشتراط الاحتمال، فإنّه مع الاحتمال يصير اللفظ مجملا مفهوميّا، فيرجع إلى عمومات حلّيّة النكاح مثل قوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ «1» الآية، و إن كان قوله تعالى:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «2» مجملا

أيضا؛ فإنّه إذا كان قوله تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ «3» مجملا حسب ما ذكرنا، يسري الإجمال

______________________________

(1) سورة النور: الآية 32.

(2) سورة النساء: الآية 24.

(3) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 66

إلى قوله في الذيل وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ لكونه إشارة إلى ما ذكر في الصدر، هذا.

مضافا إلى إمكان دعوى الانصراف إلى الامتصاص من الثدي، و لو فرض كونه بحسب اللغة للمعنى الأعمّ الشامل للجور الذي يرادفه في الفارسية (شير دادن) أو (شيرخوردن) لكن على هذا يمكن التمسّك في عدم النشر بالوجور بذيل أُحِلَّ لَكُمْ أيضا؛ لأنّ الانصراف بمنزلة القيد اللفظي، فما وراء ذلك يشمل الوجور.

هذا، و لكن روى في الوسائل عن الفقيه أنّه روى مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «و جور الصبيّ بمنزلة الرضاع» و حكى أيضا بهذا المضمون رواية مسندة في مستدرك الوسائل عن رسالة الجعفريّات، و هذه الرسالة قد اعتمد عليها المحدّث النوري قدّس سرّه و ذكر أمارات على اعتبارها، و يمكن تأييد السند أيضا بعمل المشهور؛ فإنّ كون استنادهم إلى إطلاق لفظ الرضاع بعيد، كما تقدّم.

و لكن يمكن معارضة هاتين الروايتين برواية زرارة «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن الرضاع؟ فقال: لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين».

و هذه الرواية مشتملة بظاهرها على خلاف الإجماع من جهتين:

الاولى: من حيث اشتمالها على قيد (حولين كاملين) و قد أجابوا بحمله على الظرفيّة، أعني في حولين كاملين جمعا بينه و بين سائر الأخبار.

و الثانية: من جهة اشتمالها على قيد ثدي واحد، و ظاهره أنّه كما يعتبر في نشر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح،

الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 67

الحرمة اتّحاد الفحل يعتبر أيضا اتّحاد المرضعة، بحيث لو ارتضعا من ثديين لامرأتين لكن من فحل واحد فلا تحريم، مع أنّه خلاف الإجماع و الأخبار.

و الظاهر انحصار الجواب عن هذا بحمله على أنّ المقصود من هذا القيد كون الارتضاع من الثدي لإخراج الوجور، لكن لمّا كان إبقاء الثدي بحاله بلا تقييده بالوحدة مورثا لفساد المعنى؛ فإنّ اللازم حصول الحرمة بين كلّ من ارتضع من الثدي و لو من أشخاص مختلفين، احتيج إلى تقييده بقيد الوحدة، يعني ليس كلّ ارتضاع اثنين من الثدي موجبا للرضاع المحرّم إلّا ما كان من الثدي الواحد، يعني ما كان واحدا فحله و لو كان متعدّدا امرأته.

و هذا الحمل و إن كان خلاف الظاهر، لكنّه ليس ببعيد، خصوصا بعد ملاحظة أنّه ليس المراد وحدة نفس الثدي، و إلّا لزم عدم النشر باختلافه و لو من امرأة واحدة بأن أرضعت غلاما من الثدي اليمنى و جارية من اليسرى، و لا يقول به أحد، فلا بدّ أن يراد الوحدة باعتبار من أضيف إليه الثدي، و كما يمكن أن يجعل من أضيف إليه هي المرأة، يمكن جعله الفحل الذي يكون اللبن منه.

و على هذا تصير الرواية نصّا في نفي الوجور؛ إذ بعد انحصار أمر الرواية في معنيين لا ثالث لهما و كان أحدهما خلاف الإجماع، صارت في المعنى الآخر، و إن كان خلاف الظاهر الأوّلي نصّا فيعارض نصّ الروايتين المتقدّمتين بعد اعتبار سندهما بما عرفت.

و حينئذ يمكن ترجيح جانب هذه الرواية بمخالفته للعامّة و موافقتهما لهم، و مع الغضّ عن ذلك يمكن ترجيح تلك أيضا بعمومات الحلّ، أعني: قوله تعالى:

وَ أَنْكِحُوا.

الآية.

الثالث: أن تكون المرأة حيّة حال الامتصاص من ثديها
اشارة

، و التمسّك لإثباته

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 68

بقوله تعالى أَرْضَعْنَكُمْ حيث إنّ ظاهر الإسناد أن يكون بالتفات منهنّ و اختيار، مخدوش، كما ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه بأنّ من المعلوم كون المقصود حصول الرضاع من غير مدخليّة قصد العنوان، و لهذا لو سعى الطفل إلى ثدي المرأة في حال نومها و ارتضع كفى في الحرمة قطعا.

و الذي ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه مدركا لهذا الشرط وقوع التعارض بين الصدر و الذيل في الآية الشريفة، فيرجع إلى عمومات الإباحة، أعني قوله تعالى:

وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ حيث إنّه بعمومه الأفرادي شامل لهذين الأيمين.

وجه التعارض أنّ صورة وقوع تمام الرضعات الخمسة عشر من ثدي المرأة الميّتة خارجة عن الصدر أعني وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ لانصراف الرضاع و الإرضاع إلى ما كان تمامه من ثدي الحيّة، فيبقى داخلا تحت وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ و يلحق بها في الحلّ و عدم النشر بها صورة وقوع بعض العدد من الميّتة و بعضه من الحيّة بالإجماع المركّب و عدم القول بالفصل.

و أيضا مقتضى كون صورة وقوع أربع عشر من الرضعات من الحيّة و الأخيرة من الميّتة داخلة تحت عموم وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي «1» الآية إلحاق صورة وقوع التمام من الميّتة بها في النشر بالإجماع المذكور، فيقع التعارض بين عموم الصدر و عموم الذيل بملاحظة الإجماع المذكور، و بعد تساقطهما نرجع إلى عموم:

وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ بالتقريب المتقدّم.

هذا ما أفاده قدّس سرّه.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 69

في اعتبار غلبة الاستعمال في تحقّق الانصراف الذي يعدّ من الدلالات اللفظيّة

و قال شيخنا الأستاذ دام ظلّه: تحقيق المقام أنّ الانصراف الذي يعدّ من الدلالات اللفظيّة و بمنزلة القيد المذكور في الكلام أمر وراء غلبة الوجود و

عدم دخول الغير في الذهن.

مثلا لفظة الإنسان لا يدخل في الذهن عند سماعها الفرد الذي له عشر رؤوس، و لكن ليس بمنزلة القيد المذكور، و كذلك لا يدخل في الذهن من سماع لفظة الماء ما كان طعمه حامضا، و لكنّه من باب عدم الوجود في الخارج، لا من باب التضييق في الموضوع، كما هو الحال في التقييد، نعم يصير قدرا متيقّنا.

و بالجملة، قد يصير اللفظ بواسطة كثرة الاستعمال منصرفا إلى الخاصّ، و هذا بمنزلة التقييد، و لكن قد لا يكون في البين كثرة استعمال و انصراف معدود من أنواع الدلالات، بل المتحقّق صرف ندرة الوجود و عدم الدخول في الذهن بواسطة عدم رؤيته في الخارج.

فإن كان المتحقّق في مقامنا هو القسم الأوّل صحّ القول بالتعارض، فإنّ المنصرف إليه ما لم يكن تمام الرضعات أو أكثرها من الميّتة، فيبقى ما كان جزئه الأخير مثلا من الميّتة تحت المنصرف إليه، و بهذه الملاحظة يتحقّق التعارض، كما مرّ تقريبه.

و أمّا إن كان المتحقّق هو الثاني- كما لعلّه الظاهر- فإنّ غاية الأمر ندرة الوجود حتّى في ما كان بعض الرضعات و لو الأخيرة من الميّتة، بل لعلّ بعض

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 70

الأقسام من الممتنع عادة.

فحينئذ إمّا أن نقول في الأخذ بالإطلاق في الألفاظ المطلقة بما ذهب إليه السلطان من الرجوع إلى المقدّمات، و إمّا أن لا نقول بذلك و أنّ الأخذ بالإطلاق غير محتاج إلى المقدّمات.

فإن قلنا بالثاني فواضح أنّ المتّبع إطلاق قوله تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي الآية، فيكون الرضاع من الميّتة بجميع أقسامه محكوما بنشر الحرمة.

و إن قلنا بالأوّل فاللازم هو التوقّف، لعدم الإخلال بالغرض على فرض كون المراد الرضاع الذي كان تمام عدده من ثدي

الحيّ، فيكون الصدر مجملا كالذيل، فحينئذ نرجع إلى عموم وَ أَنْكِحُوا الآية، إلّا أنّه ليس من باب تعارض الدليلين، بل من جهة عدم الدليل و إجمال الصدر و الذيل.

الرابع من الشروط: أن لا يكون الارتضاع بعد تجاوز الحولين

اللذين جعلهما اللّه تعالى وقتا للرضاع في قوله تعالى وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ «1».

و الدليل عليه ما رواه مولانا الصادق صلوات اللّه عليه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ما رواه في الوسائل «2»، «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا رضاع بعد فطام، و لا وصال في صيام، و لا يتم بعد احتلام، و لا صمت يوم إلى الليل، و لا تعرّب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح، و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية،

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 233.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 71

و لا يمين في قطيعة».

و الفطام و إن كان ظاهرا في الفعلي، لكن بملاحظة رواية أخرى وردت في تفسيره بعد سؤال الراوي عن الفطام قال: «الحولين الذي قال اللّه عزّ و جلّ» محمول على زمانه و أوانه، يعني: لا رضاع بعد مضيّ زمان الفطام و إن فرض عدم الفطام الفعلي بعد أو فرض تحقّقه قبل الحولين.

و بعد ذلك تكون في الرواية ثلاثة احتمالات: الأوّل: أن يراد ذلك بالنسبة إلى خصوص المرتضع.

و الثاني: أن يراد بالنسبة إلى خصوص ولد المرضعة الذي يكون اللبن من ولادته.

و الثالث: أن يراد الأعمّ.

و الظاهر هو الأوّل، و مع فرض الإجمال يمكن تأييد

الأوّل بما حكي عن المستدرك من رواية قد طبق هذه الكلّيّة فيها على المرتضع، فيكون بملاحظة ذلك نصّا في المرتضع و مجملا في ولد المرضعة، فنرجع من جهته إلى عمومات نشر الحرمة بالرضاع.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا رضاع» لا شبهة أنّه نفي حكم الرضاع بين المرتضع و المرضعة أو أحد من حواشيها، و على كلّ حال يكون المرتضع منظورا إليه، فمن البعيد أن يكون المقصود من الفطام فطام غير هذا الرضيع، بل الظاهر أنّه كما أريد بالرضاع رضاع المرتضع بالمعنى المذكور، كذلك يراد بالفطام فطامه، و إلّا صار المعنى كأن يقال: لا رضاع بين زيد و هند بعد فطام عمرو.

هذا مضافا إلى ظهور الرواية الواردة في تفسير الفطام بأنّه الحولين الذي قال اللّه عزّ و جلّ؛ فإنّ الآية الشريفة بيان لحدّ رضاعة الطفل الرضيع، لا لحدّ إرضاع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 72

الوالدة المرضعة؛ فإنّه سبحانه قال وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ يعني إتمام رضاعة المرتضع بإكمال الحولين من ولادته، فلو لم يمض من ولادته حولان لم يتمّ الرضاعة، و إن كان مضى الحولان من ولادة ولد المرضعة.

و بعد استظهار دخول المرتضع، دخول ولد المرضعة يحتاج إلى أن يكون المراد هو الأعمّ من الفطامين، و لا يخفى أنّه بعد إرادة الحولين من افطام لا بدّ من أن ننظر إلى مبدء، و لا يمكن إبقائهما مطلقا، فإنّه لا يعلم من أيّ مبدء أراد، من مبدأ هبوط آدم، أو هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مثلا، أو غير ذلك.

و إذن فوقوع اللحاظ إلى كلا المبدئين أعني: من ولادة الرضيع و ولد المرضعة

يحتاج إلى وجود جامع في ما بينهما، و عنوان أحدهما معناه تعدّد اللحاظ؛ فإنّه تارة يؤتى في اللفظ كلمة من ولادة أحد من الولدين، فحينئذ لا إشكال في تعدّد اللحاظ، و اخرى يكتفى في القيد بصرف الوجود اللحاظي و لا يؤتى له بلفظ، فحينئذ لا بدّ من وقوع النظر إلى الجامع بين الأمرين لو كان هو المعتبر، و لا يمكن وقوعهما بخصوصيّتهما بعد فرض وحدة اللحاظ، و هل هو إلّا اجتماع اللحاظين في لحاظ واحد.

مثلا قوله: «كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» إمّا يكون النظر في قوله:

«طاهر» إلى أصل الثبوت أو إلى البقاء مع الفراغ عن أصل الثبوت، و لا يمكن جمعهما في اللحاظ؛ لتباينهما و عدم الجامع بينهما، و الحال أنّه بمكان من الإمكان أن يؤتى بلفظ أفاد كليهما، كأن يقال: طاهر بحسب أصل الثبوت و بحسب البقاء بعد أصل الثبوت.

و الحاصل: كلّما أدرج في الكلام شي ء بمئونة اللحاظ بدون أن يؤتى بقبالة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 73

لفظ، فلا يمكن تعلّقه بشيئين متباينين ما لم يكن بينهما جامع حتّى يكون هو الملحوظ، فإنّه مع عدم الجامع يقع النظر إمّا إلى هذا فيمتنع إلى ذاك أو بالعكس، و إلّا لزم اجتماع اللحاظين.

و حينئذ ففي ما نحن فيه بعد أن وقع نظر المتكلّم إلى مبدء للفطام الذي أريد به زمانه و هو الحولان، فإمّا يقع إلى خصوص ولادة الرضيع، فلا يشمل الحولين من ولادة ولد المرضعة، و إمّا بالعكس، نعم لو كان هنا جامع منطبق على كلتا الولادتين بحيث كان جامعا و مانعا أمكن القول بوقوع النظر إليه ثمّ الحكم بإطلاق الفطام و شموله للفردين، و لكن لم نتصوّر الجامع، و مطلق الولادة ليس

مانعا، و الولادة الكائنة بينهما محتاجة إلى تعدّد اللحاظ، أعني: إلى شخص هذا و شخص ذاك.

و على فرض تصوير جامع بعيد في البين فليس بحيث يساعده المتفاهم العرفي؛ فإنّه معنى دقّي، و اللفظ محمول على متفاهم العرف، و ذلك المعنى بعيد عن أذهانهم قطعا، فلا يصحّ حمل اللفظ عليه.

ثمّ المراد بالحولين هما الهلاليان؛ فإنّ الهلالي هو المتعارف في لسان الأخبار، فيشمل الشهر و الحول عليه لا على الشمسي، نعم في خصوص باب الخمس يمكن أن يقال على خلاف المذاق المشهور بأنّ سنة المئونة هو الشمسي لا الهلالي، بملاحظة أنّ قوله: «الخمس بعد المئونة» ظاهر في المئونة التي يحتاج إليها الإنسان في كلّ سنة، و هي باختلاف الفصول الأربع، فبحسب كلّ فصل تختلف المئونة و يحتاج إلى ما يناسب ذلك الفصل، فإذا قيل: بعد إخراج المئونة يحسب خمس الفائدة ينصرف الذهن إلى تلك المئونة المحتاج إليها، و هو منطبق على السنة الشمسيّة.

و الحاصل: أنّ العشرة الزائدة في الشمسي على الهلالي بناء على الهلالي لا بدّ من احتسابها في السنة الثانية، و أمّا بناء على الشمسي فتحسب من الاولى، و ذلك

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 74

لانصراف لفظ المئونة إلى ذلك، و ليس في اللفظ كلمة «السنة» أو الحول أو العام حتّى يقال بأنّه خلاف الظاهر من جهة تلك الألفاظ.

و بالجملة، فذلك الباب غير سائر الأبواب، ففي كلّ موضع وقع لفظ الحول و الشهر و ما أفاد مؤدّاهما يحمل على الهلالي، و هذا من المسلّم في ما بينهم و لا كلام في هذا، كما أنّه لا شبهة في ما إذا صادف أوّل الولادة أوّل الشهر الهلالي، فإنّ ختام الحولين هلال الشهر الخامس و العشرين.

إنّما الكلام في صورة

وقوعها في غير الأوّل من الشهر، فهل اللازم حينئذ تكميل الناقص من الشهر الثاني ثمّ احتساب الثاني من ذلك الموضع من الشهر الثاني و تكميله ثلاثين من الثالث و هكذا، أو أنّه يحتسب ثلاثة و عشرون شهرا واقعة في البين بأنفسها، ناقصة كانت أم كاملة، و يحتسب الرابع و العشرون عن ما قبل الثلاثة و العشرين و ما بعدها، فالتلفيق إنّما هو في شهر واحد؟ الظاهر الثاني؛ لأنّه المنساق في نظائر المقام.

ألا ترى أنّ ثلاثة الحيوان و ثلاثة الحيض و عشرة الحيض و عشرة الإقامة يكون الحال فيها ذلك؟ بمعنى أنّ اليومين المتوسّطين بنفسهما يعدّان يومين بلا تلفيق و يعمل التلفيق بالنسبة إلى اليوم الواحد.

و هل التلفيق في الشهر الواحد الذي قلنا يكون بإكمال الثلاثين، أو يكفي إكمال ما بقي من الشهر المتقدّم على الثلاثة و العشرين، فإن كان ناقصا يكفي إكمال التسعة و العشرين؟

قال الأستاذ دام ظلّه: الظاهر الثاني أيضا، لما مرّ في مثال اليوم؛ فإنّ المرسوم في ما بينهم في تلفيقه أنّه يلاحظ أيّ مقدار مضى من طلوع الشمس، فيكمل هذا من اليوم الرابع، فإن كان ساعة واحدة يحتسب من اليوم الرابع ساعة واحدة ممّا بعد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 75

طلوع الشمس، و إن كان اثنتان فاثنتان، و هكذا. فبناء على هذا يعامل في الشهر أيضا هكذا، فمع الشروع في نصف الشهر الأوّل الذي فرض ناقصا و هو أربع عشر و نصف يوم يختم إلى أربع عشر و نصف من الخامس و العشرين و إن كان كاملا.

الخامس من الشروط: أن لا يكون اللبن مخلوطا

بما يخرجه عن صدق الاسم، فإنّ الرضاع عبارة عن شرب اللبن من الثدي، فإذا وضع في فم الصبيّ مثل الدقيق ثمّ وضع الثدي في فمه

بحيث صار اللبن في فمه مع الدقيق مخلوطا و خرج عن اسم اللبنيّة فلا نشر.

إن قلت: المعيار صدق الرضاع و هو شرب اللبن بالامتصاص، و قد يكون نفس الشي ء غير صادق و مع ذلك يصدق شربه، مثل شرب الشاي؛ فإنّ الموجود ماء و لون الشاي، و هكذا شرب السمّ يصدق على شرب ماء صبّ فيه سمّ قليل، فلم لا يجوز أن يكون مقامنا من قبيل ذلك؟

قلت: نعم يصدق شرب الشاي و السمّ في ما ذكرت مع عدم صدق نفس الشاي و السمّ، و لكن هذا بواسطة تعارف شربهما هكذا، فالتعارف أوجب ظهور كلمة الشرب المضاف إليهما إلى المتعارف المعهود، و هذا بخلاف المقام، فإنّه لا يتعارف في شرب اللبن جعل شي ء فيه، بل المتعارف شربه خالصا.

السادس: التقدير بأحد الأمور الآتية
اشارة

، فلا يكفي مسمّى الرضعة، و الأخبار بهذا المعنى متواترة ظاهرا، نعم في تعيين الحدّ الذي يعتبر بلوغه وقع الاختلاف فيها.

ففي بعضها: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 76

و في آخر: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات» «1».

و الكلام هنا تارة في أنّ هنا حدّا واحدا، أو كلّ ممّا ذكر حدّ برأسه؟ و اخرى في وجه الجمع بين اختلاف أحاديث الباب من حيث اشتمال بعضها على خمس عشرة رضعة، و آخر على عشر رضعات.

أمّا الأوّل فالظاهر أنّ الحدّ واحد و هو إنبات اللحم و شدّ العظم، و الآخران أمارتان عليه.

و يتفرّع على ذلك أنّه لو علمنا بتخلّف الخمس عشرة أو رضاع اليوم و الليلة عن الإنبات و الشدّ المذكورين فلا

تأثير، كما إذا رضع ثمّ خرج من حلقه بالقي ء أو من دبره بالإسهال و لا يستقرّ في بطنه حتى يحصل الإنبات، أو استقرّ و لكن علم أنّه إنّما صار بدلا لما تحلّل و لم ينبت لحما زائدا، بناء على أنّ المراد بالإنبات ذلك.

و على كلّ حال موضع استفادة ما ذكرنا من الروايات أمران: الأوّل: صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه «قال: قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال عليه السّلام: ما أنبت اللحم و شدّ العظم، قلت: فيحرم عشر رضعات؟

قال عليه السّلام: لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات» «2» فإنّه ظاهر في أنّ المعيار منحصر في الإنبات و الشدّ، و العدد إنّما يعتبر من جهة إيصاله إليه، فكلّ عدد لم يوصل إليه فهو غير مفيد، و هكذا الزمان.

الثاني: ملاحظة الجمع بين الحصرين المتقدّمين، أعني: قولهم عليهم السّلام:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 14.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 77

«لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت. إلخ» و قولهم: «لا يحرم الرضاع أقلّ. إلخ» فإنّه بناء على كون كلّ منها حدّا مستقلا يصير كلّ من الحصرين إضافيين.

و أمّا لو جعلنا المعيار واحدا و الباقي أمارة و معرّفا إليه تعبّدا عند الشكّ، صار الحصر حقيقيّا، أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأجل انحصار الطريق فيهما بحيث يتعذّر أو يتعسّر الاطلاع على الإنبات و الشدّ بطريق آخر قبلهما، و الظاهر كون المعيار هو الإنبات و الشدّ، لا أنّ المعيار أمر آخر لا نعلمه و الثلاثة أمارات له، فإنّ الحصر و إن كان بناء عليه أيضا

حقيقيّا، و لكنّه خلاف الظاهر، خصوصا بملاحظة الصحيحة المتقدّمة.

في عدم صحّة الرجوع إلى العمومات عند الشكّ

و أمّا الكلام في الجهة الثانية، أعني: وجه الجمع بين ما دلّ على خمس عشرة رضعة، و ما دلّ على عشر رضعات، فلا بدّ أوّلا من التكلّم في المرجع الذي يكون المعوّل عند التعارض.

فاعلم أنّا ذكرنا في صدر المبحث أنّ قولهم عليهم السّلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أو أنّ «الرضاع لحمة كلحمة النسب» و كذلك قوله تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ «1» يصلحان للمرجعيّة عند كلّ شكّ يتّفق لنا في الباب.

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 77

و لكنّ الحقّ أن نقول بعدم صلاحيّتهما لذلك من جهتين، إحداهما عامّة لغير

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 78

المقام، و الأخرى خاصّة بالمقام.

أمّا العامّة، فلأنّ القيود الواردة على هذا الكلام حسب ما عرفت في ما مضى من جهة كثرتها يوجب وهن إرادة العموم و الإطلاق من الكلام و أنّه كان في مقام أصل التشريع.

و أمّا الخاصّ بالمقام فلأجل أنّك قد عرفت أنّ الرضاع يتحقّق بسببه عند العرف أيضا منزلة و عنوان شبه ما يتحقّق بالنسب، مثلا عند الدهري و المشركين أيضا للأخت و الأخ و الأمّ و الأب الرضاعيّين و نحوهم تحقّق و ثبوت، و يطلقون هذه العناوين على من شربوا من لبنه أو لبنها، فلهذا يكون هذا الكلام أعني: «يحرم من الرضاع. إلخ» إشارة إلى ذلك المتفاهم العرفي و الثابت المتحقّق عندهم، فيفهمون أنّ الأخ الرضاعي محرّم كالأخ النسبي، و الأخت الرضاعيّة كالأخت النسبيّة و هكذا.

و لا شبهة أنّ تحقّق العنوان محتاج

إلى مقدار خاصّ، و إلّا فمثل الرضعة الواحدة مثلا غير موجبة لشي ء أصلا، كما أنّ الشهر مورث قطعا، و أمّا ابتداء الحدّ فمشكوك، فلهذا تصدّى الشرع الشريف لتعيين هذا الحدّ، كما تصدّى لتعيين حدّ السفر الذي هو أيضا مفهوم عرفي.

و على هذا فالشكّ الذي يتحقّق في هذا المقام من اختلاف الأخبار الواردة في تحديد أوّل الرضاع المحرّم لا يصير ذلك الكلام مرجعا فيه، و إنّما يصلح للمرجعيّة مع الغضّ عن الكلام الأوّل في ما إذا فرغ عن تحقّق العنوان النظير للعنوان النسبي، كما لو شكّ في اعتبار اتّحاد الفحل مع فرض اتّحاد الأمّ أو بالعكس، أو في اعتبار كون الوطي حلالا، فإنّ صدق العنوان في هذه المقامات عند العرف لا كلام فيه، فيصلح للمرجعيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 79

و أمّا سائر الأخبار مثل قوله عليه السّلام: «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى. إلخ» «1» فهي أيضا غير صالحة للمرجعيّة؛ إذ من المعلوم كونها بصدد الإطلاق من جهة خاصّة مع السكوت و الإهمال من سائر الجهات.

إذا عرفت ما ذكرنا علمت أنّ المرجع في المقام على فرض تعارض الأخبار هي أدلّة الإباحة أعني وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ. الآية.

فنقول: نحن و إن سلّمنا أنّ أخبار العشر جامعة لجهات الحجّيّة سندا وجهة و أنّه لا يستشمّ من أنفسها رائحة التقيّة فلا شبهة أنّ المعارض لها من الطرف الآخر النافي للنشر عن العشر موجود، و هو موثّقة زياد بن سوقة «2»، فإنّها صريحة في نفي النشر عن العشر المتوالي، فتكون معارضة بنصّها مع ما دلّ على كفاية العشر المتوالي بالنصوصيّة، و هي ثلاث روايات:

مضمون إحداها أنّه: لا يحرم من الرضاع إلّا المجبورة أو خادم أو ظئر ثمّ يرضع

عشر رضعات يروى الصبي و ينام، و لا يخفى أنّ قيد المجبورة لأجل إفادة التوالي؛ فإنّه إذا كانت المرأة مجبورة و مقيّدة بإرضاع الطفل يتحقّق في حقّها التوالي الناشر، و أمّا إذا لم تكن كذلك، بل أرضعته اتّفاقا فلا يحصل لها الداعي إلى التوالي، فلا طريق إلى إثبات التوالي.

و مضمون الآخرين الحكم على العشر بعدم التحريم إذا كانت متفرّقة، و في إحداهما وقع هذا جوابا عن السؤال عن العشر.

و الإنصاف أنّ أخبار العشر في نفسها قاصرة عن الحجّيّة بملاحظة أنّ في

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 80

واحد منها- و هو غير الثلاثة المتقدّمة- يسأل الراوي عن الإمام عن الذي ينبت اللحم و الدم؟ فيقول عليه السّلام: كان يقال: عشر رضعات، ثمّ يقول الراوي: فهل تحرم عشر رضعات؟ فيجيب عليه السّلام بقوله: دع ذا. فإنّ الإنسان يفهم أنّه عليه السّلام تجنّب عن الجواب و هو أمارة التقيّة، و أيضا جوابه عليه السّلام عن سؤال العشر بعدم التحريم إذا كانت متفرّقات غير مطابق للسؤال، فإنّ حقّ الجواب أنّ يقول: نعم، لكن بشرط كذا، فالعدول عن جواب السؤال بما هو جواب سؤال آخر شاهد على التقيّة.

و إذن فالأقوى أنّ العشر رضعات غير ناشرة للحرمة، و أنّ الناشر هو الخمس عشرة رضعة.

ثمّ إنّه

يعتبر في الرضعات الخمسة عشر أمور.
أحدها: أن تكون متوالية

غير مفصولة برضعة من امرأة أخرى، فلا يكفي المتفرّقات المفصول بينها برضعتها.

و الدليل ما في رواية زياد بن سوقة «قال: قلت لأبي جعفر عليهما السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال عليه السّلام: لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة،

أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها».

و الظاهر منها عدم إضرار الفصل بالاغتذاء بغير الرضاع، بل قال شيخنا المرتضى قدّس سرّه: ينبغي القطع بعدم قدحه، و حكي عن الحدائق دعوى الاتّفاق عليه.

نعم لو علم باستناد الإنبات و الشدّ إلى الغذاء فقط، أو إليهما معا بحيث لا يصدق على الرضاع أنّه أنبت اللحم و شدّ العظم فمقتضى ما تقدّم عدم الاكتفاء به

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 81

في نشر الحرمة، لكن مع الشكّ و اشتباه الحال يحكم بالنشر، فإنّ عنواني الإنبات و الشدّ ليسا مأخوذين قيدين للرضعات حتّى يجب التوقّف مع الشكّ لكونه شبهة موضوعيّة، بل أخذا ملاكين للحكم على الرضعات، و مقتضاه الأخذ بإطلاق الكلام في مورد الشكّ في تحقّق الإنبات و استكشاف كونه متحقّقا.

الثاني: أن يكون كلّ من الرضعات كاملة

، فلا يكفي الرضعة الناقصة.

و الدليل عليه مضافا إلى ما في مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتّى يتضلّع و يتملّى (يمتلئ خ ل) و ينتهي من نفسه» «1» انصراف الرضعة إلى الكاملة، كما يعرف بمراجعة العرف، و بهذا الوجه نقول: إنّ المعتبر في الرضعة الفاصلة أيضا هو الكمال، فلا يضرّ تخلّل الرضعة الناقصة.

لا يقال: ظاهر قوله عليه السّلام: متواليات، إلى قوله عليه السّلام: لم تفصل بينهما رضعة. إلخ، أنّ النظر إلى محفوظيّة التوالي و عدمها، و لا شكّ في زواله بتخلّل الناقصة أيضا، فيكون قرينة على إرادة مطلق الرضعة، لا خصوص الكاملة المنصرف من اللفظ لو خلّي و نفسه.

لأنّا نقول: المفروض أنّا رفعنا اليد عن ظاهر كلمة «التوالي» و إلّا لكنّا قائلين بإضرار تخلّل

مطلق المأكول و المشروب غير الرضعة من الامرأة المرضعة الأولى، فالذي أوجب رفع يدنا عن هذا المعنى بالنسبة إلى مطلق المأكول و المشروب غير الرضعة هو بعينه موجود بالنسبة إلى الرضعة الناقصة من امرأة أخرى.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 82

و وجه الكلّ أنّ قوله عليه السّلام: «لم يفصل. إلخ» جي ء به لنكتة إفادة مطلب جديد و شرح المراد من قوله عليه السّلام: متواليات، فاللازم علينا اتّباع الظاهر من هذا الشرع و تحكيمه على ظاهر المشروح.

الثالث: أن يكون تمام العدد من امرأة واحدة

، فلا يكفي من اثنين و لو كان الفحل واحدا، فلو أرضعت إحدى امرأتي الرجل غلاما عشر رضعات مثلا، و أرضعته ضرّته خمسا لا تصيران أمّه و لا ذلك الرجل أباه، و ادّعى شيخنا المرتضى ظهور عدم الخلاف، و عن التذكرة أنّ عليه علمائنا أجمع.

[القول في اعتبار وحدة المرضعة و الفحل]

و اعلم أوّلا أنّ اعتبار وحدة المرضعة و الفحل نتكلّم فيها في مسألتين:

الأولى: مسألتنا هذه، و هي إناطة أصل الأمومة و الأبوّة الرضاعيّتين بالوحدة المذكورة، فمع التعدّد إمّا في المرضعة، و إمّا في الفحل، الرضاع كلا رضاع، و هو ما إذا حصل العدد من مجموع المرأتين و إن كان فحلهما واحدا، أو مجموع الفحلين و إن كانت المرضعة واحدة، فإنّ للمرتضع نكاح المرضعة و فحلها.

الثانية: المسألة الآتية، و هي إناطة الاخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين بوحدة الفحل، فلو أرضعت إحدى الضرّتين غلاما تمام العدد، و الأخرى جارية كذلك تصير تلك الجارية محرّمة على ذلك الغلام، و أمّا لو أرضعت امرأة واحدة من لبن فحل غلاما تمام العدد، ثمّ انطلقت و تزوّجت بفحل آخر و ولدت فأرضعت جارية تمام العدد من لبن الزوج الثاني، فلا تصير تلك الجارية محرّمة على ذلك الغلام و إن كانت الأمومة و الأبوّة الرضاعيّتان محقّقتين في كلا الفرضين.

و هذه المسألة أعني: اعتبار وحدة الفحل في الإخوّة بين المرتضعين هي المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالى، و الذي يهمّنا الآن هو المسألة الأولى، فاعلم أنّه إن ثبت الإجماع على الاعتبار فهو، و إلّا فلا بدّ من التماس الدليل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 83

فنقول: أمّا اعتبار وحدة الأمّ و عدم كفاية حصول العدد من أمّين فقد استدلّ عليه بموثّقة زياد بن سوقة: «قال: قلت لأبي جعفر عليهما السلام: هل

للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتهما امرأة أخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرّم نكاحهما».

و يمكن الخدشة في الاستدلال بأنّ الظاهر من الصدر و إن كان اعتبار كلّ من الأمور الأربعة، و لكن بملاحظة التفريع الذي ذكره بقوله: فلو أنّ امرأة. إلخ، يقرب أن يكون ذكر المرأة الواحدة توطئة لوحدة الفحل، فإنّه لو كان مجرّد تعدّد المرضعة كافيا في نفي التحريم لما كان لقوله عليه السّلام: من فحل آخر، وجه و ذكر المرأة الأخرى أيضا يكون توطئة للفحل الآخر، بملاحظة ندرة تعدّد الفحل مع وحدة المرضعة.

و الحاصل أنّ ملاحظة الذيل توهن دلالة الرواية على اعتبار وحدة الامّ، و يؤيّد كون ذكر وحدة الامّ توطئة لوحدة الفحل ذكر وحدتها في أخبار اشتراط الفحل الواحد في الإخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين، كما هو المسألة الآتية مع عدم اشتراط وحدة الامّ فيها قطعا.

و أمّا صحيحة بريد العجلي «1» في حديث: «قال: سألت أبا جعفر عليهما السلام عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فسّر لي ذلك، فقال عليه السّلام: كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 84

الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»، و صحيحة عبد اللّه بن سنان «1» «قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل؟ قال عليه السّلام: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام» حيث استدلّ بهما على اعتبار وحدة الامّ بتقريب أنّه بعد تقييد الإرضاع فيهما بما يبلغ خمس عشرة يصيران دالّين على اعتبار وحدة الأمّ، ففي الاستدلال بهما أيضا نظر بملاحظة أنّ من القريب أن يكون المراد من امرأتك جنس الامرأة المضافة إليك، فلا ينافي التعدّد، و يكون الغرض من ذكره الاحتراز عن الأجنبيّة و لو كان من لبنك، و مثل هذا الكلام في الصحيحة الأولى، فإنّ من المحتمل أن يكون الكلام بصدد اعتبار وحدة الفحل و الكون من نكاح صحيح، فلا ينافي تعدّد المرأة.

هذا حاصل ما ذكره الأستاذ في الخدشة على الأدلّة المثبتة للشرط المذكور.

و أمّا ما ذكر في جانب نفي اعتباره فمنه بعض الإطلاقات.

و منه عموم التعليل في مضمرة سماعة «قال: سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كلّ واحدة منهما غلاما، فانطلقت إحدى امرأتيه، فأرضعت جارية من عرض الناس «2»، أ ينبغي له أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال: لا؛ لأنّها أرضعت بلبن الشيخ» «3». هذا على ما في نسخة الوسائل الموجودة عندي، و أمّا على ما نقله شيخنا المرتضى قدّس سرّه فهكذا: «أ ينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال عليه السّلام:. إلخ».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

(2) عرض الناس، أي: عامّتهم.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 85

قال الشيخ قدّس سرّه في مقام الاستدلال: دلّت بعموم التعليل على أنّ كلّ من أرضع بلبن الفحل سواء حصل الرضاع المعتبر من إحدى زوجاته أو

من أكثر يحرم على أولاده، انتهى موضع الحاجة.

و لكنّك خبير بعدم صحّة الاستدلال على تقدير صحّة ما نقله قدّس سرّه، إذا لا يخلو إمّا يراد من الابن في «لابنه» خصوص ما ولدته المرضعة من الشيخ، أو خصوص ما ولدته ضرّتها منه، أو الأعمّ.

فعلى الأوّل لا معنى للتعليل المذكور، فإنّ المرتضعة محرّمة على من ولدته المرضعة مطلقا، سواء أرضعتها من لبن أب ذلك الولد، أم من لبن زوج آخر لها، كما هو واضح، و لا يناط الحرمة بكونه من لبن أبي الغلام، فلا معنى للتعليل.

و على الثاني كان التعليل صحيحا، إذ الفرض تعدّد أمّ الغلام و مرضعته الجارية، فلو تعدّد الفحل أيضا فلا وجه للحرمة، و لكن لا يرتبط بمسألتنا، بل هو مربوط بمسألة أخرى و هي اعتبار هذا الشرط و عدمه في الإخوّة الرضاعيّة التي هي منفكّة عن الأمومة و الأبوّة الرضاعيّتين أحيانا، بمعنى حصولهما و عدم حصولهما.

و أيضا يمكن منع العموم، فإنّ المفروض كون العدد بتمامه حاصلا من المرضعة الواحدة، فالجزء الأخير للعلّة هو الكون بلبن شيخ واحد، فصار اللائق التعليل به، و إلّا فاللازم الاكتفاء بوحدة الشيخ و لو لم يتمّ العدد، أو لم يكن في الحولين، و الحاصل: لا نظر له إلى الجهات الأخر.

نعم بناء على النسخة الموجودة من الوسائل عندي و مع الغضّ عن عدم الإطلاق من الجهات الأخر كان الاستدلال تامّا سليما عن الإشكال الأوّل، كما هو واضح، هذا حاصل الإيراد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 86

و يمكن الجواب بأنّه يمكن تصحيح الاستدلال من الإشكال الأوّل حتّى بناء على ما نقله الشيخ قدّس سرّه أيضا؛ فإنّ الكلام بعد ما فرض من كونه بصدد الإطلاق من الحيثيّات الأخر يكون في قوّة أن

يقال: إنّ الإرضاع متى كان بلبن الشيخ موجب للتحريم في ما بين الغلام و الجارية، من غير فرق بين غلام المرضعة أو غلام ضرّتها و لو فرض أنّ بعض العدد حصل من إحدى زوجات الشيخ و الباقي من الأخرى، فإنّه متى حصلت الاخوّة الرضاعيّة بهذا الوجه فالامومة و الأبوّة بطريق أولى.

نعم، إشكال عدم الإطلاق لا محيص عنه، و قد اعترف به شيخنا المرتضى قدّس سرّه أيضا.

بل يمكن الجواب عنه أيضا بأنّ تعليل الحكم بالإرضاع بلبن الشيخ ظاهر في كونه علّة تامّة و أنّ استقلال المرضعة الواحدة بتمام العدد و إن كان حاصلا غير دخيل، فإنّ التعليل بأحد الحاصلين بدون ذكر الآخر دليل عدم دخالة الآخر، و هذا معنى ما ذكروا من أنّ العبرة بعموم العلّة، لا بخصوص المعلّل، و منه يظهر تماميّة الاستدلال على نسخة الوسائل أيضا.

و على هذا يكون التعارض بين ظهور هذا التعليل في نفي الدخالة عن استقلال الامّ الواحدة، و بين ظهور موثّقة زياد على فرض تسليمه في دخالته، تعارض التباين، و يكون المرجع إطلاقات الرضاع؛ فإنّ عنوان الأبوّة حاصلة عرفا لو اختلفت الامّ و الجدّ و الفحل، كما أنّ الأمومة حاصلة في صورة العكس، لكنّ الظاهر عدم الخلاف في اعتبار وحدة الأمّ في هذه المسألة، فالمستند في المسألة منحصر في ذلك.

ثمّ إنّ الشروط الثلاثة الأخيرة المعتبرة في العدد أعني: التوالي و وحدة الامّ و الفحل معتبرة في اليوم و الليلة أيضا، إلّا أنّ التوالي في اليوم و الليلة يراد به عدم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 87

فصل غير لبن المرضعة سواء كان لبن مرضعة أخرى، أم من جنس مأكول أو مشروب آخر، فإنّ الظاهر من كون الرضاع في يوم و ليلة

كون الوقت في هذا الظرف منحصرا في الرضاع و هو واضح.

و أمّا الشرط الثاني فواضح التصوير و المدرك، فإنّه متّحد مع العدد تصويرا و مدركا.

و أمّا الثالث، أعني: وحدة الفحل فتصوّر التعدّد في العدد كان واضحا، لما مرّ من عدم مضريّة الفصل بغذاء آخر، فيمكن أن يرضع الطفل بلبن فحل عشرة، ثمّ انطلقت و زوّجت بآخر و حملت منه و أكمل البقيّة من لبنه، و كان قوت الطفيل في البين غذاء آخر.

و أمّا في التقدير الزماني فتصوّر أيضا ممكن، لكن في فرض نادر، و هو أن تكون المرأة ذات لبن من زوجها، فانطلقت و بقي اللبن إلى أنّ تزوّجت بآخر و حملت منه، و كان الباقي من البن الأوّل مقدار يوم فأرضعت طفلا بهذا المقدار الباقي، ثمّ تجدّد في ثديها من أوّل الليلة لبن الثاني فأرضعت طفلا الطفل في الليلية بلبنه.

هذه خلاصة الكلام في شروط نشر الحرمة بالرضاع، بحيث لو انتفى شي ء من هذه الشروط الستّة لم ينشر الحرمة بين المرتضع أو أحد من أصوله و فروعه و حواشيه، و بين الفحل و المرضعة، أو أحد من أصولهما و فروعهما و حواشيهما.

و هنا

شرط آخر في حصول الاخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين
اشارة

، لا بين المرتضع و أولاد المرضعة أو صاحب اللبن نسبا، و هو اشتراط وحدة الفحل، فلو أرضعت بلبن فحل غلاما تمام العدد، ثمّ أرضعت جارية بلبن فحل آخر كذلك، صارت هي أمّا له و لها و الفحل الأوّل أبا للغلام و الثاني للجارية، و لكن لا يحصل الأخوّة بين الغلام و الجارية، لعدم اتّحاد الفحل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 88

و هذا بخلاف ولد المرضعة من النسب، فإنّها لو ولدت غلاما من فحل و أرضعت جارية من فحل آخر تحقّقت الاخوّة

بين الغلام و الجارية و إن لم ترضع الجارية بلبنه.

و كذا لا يشترط وحدة الأمّ في المرتضعين بلبن فحل واحد، فإذا أرضعت إحدى زوجات رجل غلاما تحقّقت الاخوّة بين هذا الغلام و أولاد ذلك الرجل من زوجاته الأخر نسبيّا كانوا أم رضاعيّا، و هذا معنى قولهم اللبن للفحل.

و خالف الطبرسي صاحب التفسير في اعتبار هذا الشرط و اكتفى بوحدة واحد من المرضعة و الفحل، تمسّكا بعموم قوله تعالى وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ «1» و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» و شبه ذلك، و خصوص رواية محمّد بن عبيدة الهمداني «2» «قال: قال الرضا عليه السّلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون: اللبن للفحل حتّى جاءتهم الرواية عنك أنّك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك، قال: فقال عليه السّلام: و ذلك أنّ أمير المؤمنين سألني عنها البارحة، فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل و أنا أكره الكلام، فقال لي: كما أنت حتّى أسألك عنها، ما قلت: في رجل كانت له أمّهات أولاد شتّى، فأرضعت واحدة منهنّ بلبنها غلاما غريبا، أ ليس كلّ شي ء من ولد ذلك الرجل من أمّهات الأولاد الشتّى محرّم على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى، قال: فقال أبو الحسن عليه السّلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل و لا يحرم من قبل الأمّهات، و إنّما الرضاع من قبل الأمّهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرم».

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 89

و لكن هذه الرواية ليست خاصّة ناصّة على المطلب، فإنّ المقيس

عليه تحريم الأولاد النسبيّة للفحل على المرتضع، ففي جانب المقيس أيضا يدخل تحريم الأولاد النسبيّة للامّ المرضعة على المرتضع، و من المعلوم عدم اعتبار وحدة الفحل فيه، كما تقدّم غير مرّة.

و بالجملة، الرواية و إن كانت بالعموم دالّة على مساواة الطرفين مطلقا حتّى بالنسبة إلى المرتضعين، و لكن ليس ذلك بطريق النصوصيّة، فتقبل بواسطة الأخبار الخاصّة الناصّة على الاشتراط في المرتضعين، الحمل على المساواة في خصوص الاخوّة مع الأولاد النسبيّة للامّ المرضعة دون الرضاعيّة.

و أمّا ما دلّ على الاشتراط فصحيحة الحلبي «1» «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام، أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ فقال عليه السّلام: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ، فإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك».

و موثّقة عمّار الساباطي الراوي عنه ابن محبوب بواسطة هشام بن سالم «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غلام رضع من امرأة، أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاع؟ فقال عليه السّلام: لا، فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة، قال: فيتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ قال: فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك؛ إنّ أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان فلا بأس» «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 90

و صحيحة «1» بريد بن معاوية العجلي في حديث «قال: سألت أبا جعفر عليهما السّلام عن

قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فسّر لي ذلك، فقال عليه السّلام: كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و إنّما هو سبب من ناحية الصهر و رضاع، و لا يحرم شيئا و ليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم «2».

ثمّ اعلم أنّ اعتبار اتّحاد الفحل إنّما هو بين المرتضع و بين الأولاد الرضاعيّة للمرضعة، و أمّا النسبيّة فلا يعتبر في إخوتهم لولدها الرضاعي اتّحاد فحلهما، و ذلك لدلالة عمومات الكتاب و السنّة، مضافا إلى خصوص موثّقة جميل بن درّاج بأحمد ابن فضّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا ارتضع الرجل من لبن المرأة حرم عليه كلّ شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي أرضعته بلبنه» «3» و هي

______________________________

(1) قال في الجواهر: العجلي في الصحيح أو الحسن سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً فقال: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم من الماء العذب، و خلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه، فجرى بذلك الضلع سبب و نسب، ثمّ زوّجها إيّاه، فجرى بسبب ذلك بينهما صهر، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ نَسَباً وَ صِهْراً فالنسب يا أخي

بني عجل ما كان من سبب الرجال، و الصهر ما كان من سبب النساء، فقال: فقلت له: أ رأيت قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يرحم من الرضاع. إلى آخر ما في المتن.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 91

صريحة في المطلوب.

فلا تعارضها صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليهما السّلام و فيها: «قلت له:

فأرضعت أمّي جارية بلبني؟ قال: هي أختك من الرضاعة، قلت: فيحلّ لأخ لي من أمّي لم ترضعها أمّي بلبنه، يعني ليس بهذا البطن، و لكن ببطن آخر؟ قال:

فالفحل واحد؟ قلت: نعم هو أخي لأبي و أمّي، قال عليه السّلام: اللبن للفحل، صار أبوك أباها و أمّك أمّها» «1».

فإنّ استفصال الإمام عليه السّلام عن اتّحاد الفحل نصّ في تغاير حكمه مع صورة التعدّد، و لكن قول السائل: «فتحلّ لأخ لي من أمّي لم ترضعها أمّي بلبنه» ليس بصريح في الأخ النسبي، بل يقبل الحمل على الرضاعي، بحيث لا بدّ للجمع بينها و بين الموثّقة الصريحة في نفي الاشتراط في الولد النسبي من حملها عليه تحكيما لنصّ تلك على ظاهر هذه.

بقي هنا شي ء و هو أنّه حكي عن العلّامة في القواعد أنّ أمّ المرضعة من الرضاع أو أختها منه أو بنات أخيها منه لا يحرمن على المرتضع؛ لأنّ الرضاع الحاصل بين المرضعة و المرتضع بلبن فحل، و الحاصل بينها و بين أمّها أو أختها أو أخيها بلبن فحل آخر، فلم يتّحد الفحل فلا نشر.

و مثله عن المحقّق الثاني في شرح هذه العبارة من القواعد، و زاد على فروض المتن عدم تحريم

عمّة المرضعة و خالتها من الرضاع على المرتضع، ثمّ نسب التحريم إلى القيل تمسّكا بعمومات الكتاب و السنّة، و أجاب بأنّ ما دلّ على اعتبار اتّحاد الفحل خاصّ، فلا حجّة في العامّ.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 92

و فيه أنّه إن كان مدرك هذا الكلام و إن كان خلاف صريح المحقّق الثاني قصور العمومات عن شمول مثل هذه الأفراد- بملاحظة أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» إنّما يفيد حرمة كلّ ما يحرمه النسب، و الأمومة النسبيّة يحرم بسببها الامّ و أمّها و أختها و بنات أخيها و عمّتها و خالتها النسبيّات لا الرضاعيّات- فهو في غير المحلّ، فإنّ الكلام المذكور يفيد أنّ كلّ علاقة يحدث بالرضاع شبه العلاقة النسبيّة و كانت شبيهة في النسب محكومة بالحرمة، فهي في الرضاع أيضا محكومة بها، و أخت الأمّ في النسب يحدث علاقة بواسطة النسبين، و في مقامنا أخت الأمّ علاقتها تحدث بالرضاعين، كما أنّه فيما إذا كانت الأخت نسبيّة للامّ الرضاعيّة تحدث بنسب و رضاع.

و إن كان المدرك ورود مخصّص دالّ على أنّ كلّ ارتباط حاصل بين مرتضعين، سواء في الإخوة أم غيرهم فلا بدّ في نشر الحرمة بينهما من اتّحاد الفحل، فهو إلى الحال لم يصل إلينا؛ إذ ما وصل إلينا خاصّ بالأخوة الرضاعيّة بين المرتضعين، و ليس فيه عموم تعليل يشمل هذه الفروض.

إذا ظهر ذلك فاعلم أنّه إذا حصل الرضاع المعتبر صارت المرضعة و الفحل أبوين للمرتضع، و فروعه أحفادا لهما، و أصولهما أجدادا و جدّات، و فروعهما له إخوة و أولاد إخوة، و من في حاشية

نسبهما عمومة و خؤولة.

و تفصيل القول في ذلك يحصل ببيان اثنتين و ثلاثين مسألة حاصلة من ملاحظة كلّ من المرتضع و أصوله و فروعه و من في حاشية نسبه أو رضاعه مع كلّ من المرضعة و الفحل و أصولهما و فروعهما و من في حاشيتهما، و قبل ذكر أحكامها لا بدّ من بيان ضابطة للتحريم في الرضاع.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 93

الكلام في عموم المنزلة

فنقول: إنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «1» إمّا يراد من الموصول فيه العنوانات الحاصلة بالنسب مثل الامّ و الأخت و الأب و الأخ و أمثال ذلك، و إمّا يراد الأشخاص المعنونون بتلك العنوانات.

و على الأوّل إمّا يراد خصوص الحقيقيّات من تلك العنوانات، و لا بدّ حينئذ من تقدير لفظ النظير أو ما يؤدّي مؤدّاه في الكلام، فيكون المعنى أنّه يحرم بسبب الرضاع نظائر الأب و الامّ و الأخ و الأخت الحقيقيّة التي يحرم بسبب النسب، و نظائرها عبارة عن الأب و الامّ و الأخ و الأخت المجازيّة الحاصلة من الرضاع، و إنّما احتيج إلى تقدير النظير لأنّ نفس العنوان الحقيقي المحرّم بسبب النسب لا يحرم بسبب الرضاع.

و إمّا يراد القدر المشترك الجامع بين حقيقيّات تلك العناوين و مجازياتها، مثلا في ما بين الأمّ الحقيقيّة و الامّ المجازيّة قدر جامع و هو مطلق الامّ الأعمّ من الجهتين، فيراد بالموصول هذا المعنى الجامع، و ليس في الكلام لفظ تلك العناوين حتّى يقال:

إنّه ظاهر في الحقيقيّ، بل الموجود هو الموصول و لا مجاز فيه بإرادة الجامع، كما هو واضح.

و على هذا لا حاجة إلى تقدير النظير؛ إذ يصير المعنى أنّه يحرم بواسطة الرضاع كلّ ما يحرم من

العناوين الجامعة الكلّيّة بواسطة النسب، مثلا عنوان الامّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1، 3، 4 و 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 94

الجامع بين الحقيقيّة و المجازيّة يحرم بواسطة النسب في ضمن فردها الحقيقي، فكذلك يحرم بواسطة الرضاع، غاية الأمر في ضمن فردها المجازي، و هكذا.

و على الثاني، أعني: إرادة الأشخاص الخارجيّة يحتاج إلى تقدير النظير؛ إذ نفس الأشخاص المحرّمين بالنسب لا يحرّمون بالرضاع، بل نظائرهم، و هذا واضح.

و على كلّ واحد من هذه الاحتمالات الثلاثة لا يستفاد من الكلام إلّا تحريم نفس العناوين الخاصّة النسبيّة، سواء كان النسب بين المحرّم و المحرّم عليه، أو بينه و بين غيره، كما في أمّ الزوجة.

أمّا على إرادة العنوان من الموصول بكلا وجهيه فواضح، فإنّ أمّ الأخت ليست محرّمة بسبب النسب، بل أمّ نفس الشخص، فلا يستفاد تحريم هذا العنوان في الرضاع ما لم ينطبق عليه عنوان الامّ لنفس المحرّم عليه.

و أمّا على إرادة الأشخاص فكذلك، فإنّه و إن أشير بالموصول إلى شخص الأب و الامّ و الأخ و الأخت مثلا بخارجيّتهم، و قيل: إنّ نظائرهم في الرضاع محرّمة، و لكن بواسطة الصلة أعني: قولنا يحرم بالنسب حصل التضييق في دائرة الموصول، فكأنّه قيل: الأشخاص الموصوفين بالنسب الخاصّ الموجب للتحريم و الشخص المتّصف بأمومة الأخت مع عدم اتّصافها بأمومة نفس الشخص ليس نظيرا للشخص الخارجيّ الموصوف بأمومة نفس الشخص، و قد فرض أنّا حكمنا بحرمة نظيره.

فقد تحقّق أنّ القول بتعميم التحريم إلى العناوين الملازمة للعناوين النسبيّة مثل أمّ الأخت الأبويني و أمثالها إن كان مستندا إلى الفهم من العبارة المذكورة فلا طريق إلى فهمه، و إن كان مستفادا من محلّ آخر

فلا بدّ من بيانه.

كما أنّه لا شبهة ظاهرا في أنّه لا وجه لتوهّم اختصاص الحرمة بما إذا كان

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 95

النسب علّة تامّة للتحريم و عدم التعدّي إلى مورد كان جزءا للعلّة، كما في أمّ الزوجة، فلو فرضت الزوجيّة التي هي الجزء الآخر محقّقة و تحقّقت الأمومة للزوجة المحقّق الزوجيّة بالرضاع حصلت الحرمة بينها و بين الزوج؛ لأنّها أمّ رضاعيّة لزوجته، كما أنّ الأمّ النسبيّة لها محرّمة على الزوج، فكذلك الرضاعيّة، لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و حاصل الكلام أنّه إذا حصل بالرضاع عنوان مستلزم في النسب لأحد العناوين المعلّق عليها الحرمة مثل عنوان أخت البنت حيث إنّه ملازم مع عنوان البنت في النسب، و لكنّه لا يلازمه في الرضاع؛ فإنّه إذا ارتضعت بنت الشخص من امرأة ذات بنت من فحلها التي ولدت تلك البنت منه، صارت البنتان أختين رضاعيين من أب و أمّ، و لكن لا ربط بين تلك البنت النسبيّة للمرضعة و بين الشخص، إلّا أنّها أخت بنته من الرضاعة.

فعلى ما قلنا لا وجه للحكم بتحريمها؛ لأنّ أخت البنت في النسب إنّما يحرم لأجل البنتيّة للشخص، لا لأجل الأختيّة للبنت، و قد فرض أنّ كلمة «من» في قوله صلّى اللّه عليه و آله: من النسب نشويّة، يعني من ناحية النسب و من أجله، و الموصول إمّا عبارة عن العنوان، أو الأشخاص.

فعلى الأوّل يصير المعنى أنّ نظير العنوان الذي ينشأ حرمته من النسب يحرم من الرضاع، و من المعلوم أنّ أخت البنت لا يحرم من جهة النسب؛ فإنّ هذا العنوان ليس موضوعا للحرمة، بل عنوان البنت.

و على الثاني يصير المعنى أنّ

كلّ من يحرم من جهة النسب فنظيره يحرم من جهة الرضاع، و شخص أخت البنت محرّم، لكن لا من جهة أنّه أخت البنت، بل من جهة أنّه بنت، و نظيره لا بدّ أن يكون متّصفا بالبنتيّة حتّى يصير مشابها له،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 96

و بالجملة، كلمة «من النسب» على ما هو ظاهرها من السببيّة يورث تقييدا في الشخص المراد من الموصول.

و أمّا احتمال أن يكون مفاد العبارة هو التنزيل منزلة العلائق النسبيّة فكأنّه قيل: الرضاع يوجب التنزيل منزلة المحارم النسبيّة، فإذا أرضعت زوجتك صبيّة لغيرك فهذه الصبيّة بمنزلة بنتك، و أنت بمنزلة أبيها، و فهكذا بالنسبة إلى المرضعة.

و الحاصل: العبارة بصدد إيجاد نفس العلائق بلسان التنزيل، فهو كلام في غير المحلّ، بل الظاهر من العبارة هو الحكم على العلائق المجازيّة الحادثة بالرضاع الشبيهة بالعلائق النسبيّة بالحرمة، فهي غير متعرّضة لكيفيّة حدوث العلاقة مجازا أو تنزيلا، بل متعرّضة للحكم، و فرق بين العلاقة التنزيليّة و بين العلاقة المجازيّة، فالأولى لا حقيقة لها إلّا الحكم، مثل: «الطواف بالبيت صلاة» و أمّا الثانية فلها واقع و نفس أمريّة و راء الحكم مثل نفس أمريّة و واقعيّة العلاقة النسبيّة.

ألا ترى أنّه تعالى رتّب الحرمة في الآية الشريفة على ذوات العلائق النسبيّة، ثمّ قال تعالى وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ «1» و هذان العنوانان كسائر ما سبقهما من النسبيّات أمور واقعيّة محفوظة مع قطع النظر عن حكم «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ» كيف و هي موضوع لذلك الحكم، و لا بدّ للموضوع أن يكون له تحقّق، مع قطع النظر عن حكمه.

فتحقّق أنّ احتمال استفادة أصل المنزلة فضلا عن عمومها من عبارة النبويّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

في غاية الضعف.

نعم، يبقى الكلام في التعليل الوارد في مسألة منع نكاح أبي المرتضع في

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 97

أولاد صاحب اللبن و في أولاد المرضعة ولادة التي قلنا: لا يمكن استفادته من النبويّ صلّى اللّه عليه و آله، فقد علّل المنع في الخبر بأنّها صارت بمنزلة ولدك، و هو ما رواه الشيخ قدّس سرّه على ما في الوسائل بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن عبد اللّه بن جعفر عن أيّوب بن نوح «قال: كتب عليّ بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السّلام: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السّلام: لا يجوز ذلك (لك خ ل) لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك» «1».

و مثله ما ورد في تحريم أولاد صاحب اللبن على أبي المرتضع، و هو: صحيحة علي بن مهزيار «قال: سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السّلام إنّ امرأة أرضعت لي صبيّا، هل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال عليه السّلام لي:

ما أجود ما سألت، من ههنا يؤتى أن يقول الناس: حرّمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا هو لبن الفحل لا غيره، فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها، فقال عليه السّلام: لو كنّ عشرا متفرّقات ما يحلّ لك شي ء منهنّ و كنّ في موضع بناتك» «2».

و الإنصاف عدم إمكان التعدّي عن مورد هذا التنزيل، فكيف يجوز لنا بمحض أنّ الشارع قال: «إخوة ولدك من الرضاعة بمنزلة ولدك» الذي لا حقيقة لهذا القول و التنزيل إلّا صرف الحكم بالحرمة أن نتعدّى و نقول: إخوة العمّة من الرضاعة عمّات، و

هل هو إلّا القياس؟

نعم، لو كان مرجع الكلام إلى إفادة شي ء وراء صرف الحكم بلسان التنزيل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 98

بمعنى أنّه كشف عن واقع محجوب، و إنّكم في عدم حكمكم بنبوّة إخوة الابن مخطئون، بل العلاقة الابنيّة حادثة.

فحينئذ لعلّه كان لقائل أن يقول: يستفاد من هذا الكلام العموم في المقامات الأخر أيضا؛ لعدم الفرق، و لكن بعد ما فرض أنّه صرف حكم تعبّدي على موضوع إخوة الولد، فلا يجوز التعدّي من مورده، بل الظاهر عدم إمكان التعدّي من أب المرتضع إلى امّة أيضا، فإنّ التنزيل منزلة الولد للرجل لا يلازم التنزيل منزلة الولد لزوجته، لعدم الملازمة بين نفس الأمرين في الواقع فضلا عن التنزيلين، فليس الحال كما إذا ورد التنزيل بابوّة شخص لشخص، حيث يلازم التنزيل لبنوّة الشخص الثاني للأوّل، هذا.

بل نقول: لو كان التعبير في الخبر بقولنا: لأنّهم إخوة أولادك، لم يجز أيضا التعدّي؛ إذ المستفاد حينئذ و إن لم يكن صرف التنزيل و الحكم، فإنّ إخوّتهم للأولاد أمر واقعي، غاية الأمر مجازي، لكن كان المستفاد من التعليل أنّ عنوان أخوّة الولد أيضا عنوان مستقلّ للتحريم في عرض الولد، غاية الأمر هما متلازمان في النسب، و أين هذا من إخوة العمّة و الخالة و إخوة الأخت و الأخ و نحو ذلك؟

نعم، ينتج على هذا التعبير الحكم بنشر الحرمة في الأولاد الرضاعيّة للمرضعة، حيث إنّهم إخوة لولد أبي المرتضع بالرضاع، و قد فرض أنّ هذا العنوان محرّم بالنسب في عرض البنات، و أمّا على تعبير: «لأنّهم بمنزلة أولادك» لا

يتمّ هذا الإلحاق، فإنّ المنزلة إنّما كانت في الأولاد النسبيّة للمرضعة، فلا وجه لتسريته إلى الأولاد الرضاعيّة لها كما هو واضح.

اللهمّ إلّا أن يقال على هذا الوجه أيضا بإمكان التسرية، نظرا إلى أنّ ولد المرضعة بمقتضى الخبر المتقدّم و ولد الفحل بمقتضى صحيحة عليّ بن مهزيار صارا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 99

موردين للحكم بالمنزلة و ثبوت الحرمة، فهذان العنوانان كعنوان أمّ الزوجة يكون النسب فيهما جزءا للعلّة، و قوله عليه السّلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» يلحق الولادة الرضاعيّة بمنزلة النسبيّة، كما يلحق الأمومة الرضاعيّة للزوجة بمنزلة النسبيّة.

و لكن فيه أنّ هذا إنّما يتمّ إذا استفيد تعلّق المنزلة بعنوان البنتيّة للمرضعة و للفحل، و هو غير معلوم، و المعلوم أنّ بنات المرضعة و الفحل مورد لسؤال السائل و جواب الإمام، و هو غير وقوعها ابتداء تحت الحكم حتّى يستفاد منه الموضوعيّة و السببيّة للعنوان، و المفروض أنّ مفاد قوله: يحرم من الرضاع. إلخ، هو الحكم على الرضاع بالسببيّة في كلّ موضع كان النسب سببا للحرمة، فمن المحتمل أن يكون حكم الحرمة في أولاد المرضعة و الفحل مسبّبا عن عنوان ملازم، لا لنفس بنوّتهما لهما، و الحاصل أنّ استفادة العموم من هذين التعليلين في غاية السقوط و الوهن.

فإن قلت: لا نحكم بعموم المنزلة من هذين التعليلين، و لكن من عموم الموصول في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «1» فإنّا نقول: الامّ النسبيّة للولد النسبي للبنت النسبيّة لا إشكال في أنّها بنت للشخص، و كلّ بنت محرّمة، فيصدق أنّ أمّ الولد للبنت محرّمة في النسب، و عموم الموصول يفيد أنّ كلّ شي ء حكم عليه بالحرمة سواء

كان بعنوانه الأوّلي أم بعنوانه الثانوي و من باب انطباق العنوان الأوّلي عليه فنظير هذا الشي ء محرّم إذا حصل الرضاع، فالمحرّم بالعنوان الأوّلي هو البنت، و بالعنوان الثانوي و من باب الانطباق هو أمّ ولد البنت.

فكما أنّه لو حصل بالرضاع عنوان البنت يحكم عليه بالحرمة، كذلك لو

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1، 3، 4 و 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 100

حصل بسببه عنوان أمّ ولد البنت و لو انفكّ عن عنوان البنت، لما مرّ أنّ هذا العنوان أيضا صار محكوما بالحرمة في النسب من باب المصداقيّة لعنوان البنت و انطباق ذلك العنوان عليه، و تخصيص الموصول بخصوص ما إذا كان العنوان محكوما بالحرمة بما هو هو، لا بما هو تحت عنوان آخر تخصيص بلا وجه.

قلت: قد مضى في ما سبق أنّ الموصول إمّا عبارة عن العناوين المحرّمة بالنسب، و إمّا عبارة عن الأشخاص، فعلى الأوّل لا وجه لتوهّم العموم بالنسبة إلى العناوين الملازمة، فإنّ الحرمة لم تتعلّق بتلك الملازمات أصلا، بل بما يلازمها، فهذا نظير قول من قال عند سقوطه من السطح: لم نسقط من السطح، بل سقط الفراء و نحن في جوفه.

ففي ما نحن فيه لم يحرم في دليل من الأدلّة عنوان أمّ ولد البنت بما هو هذا العنوان، بل حرم البنت و كان العنوان المذكور مقارنا معه أحيانا، و في بعض الأوقات.

و أمّا على الثاني و هو كون الموصول عبارة عن الأشخاص المحرّمة النسب، فلا شكّ أنّ نفس تلك الأشخاص بأعيانهم غير محرّمين بالرضاع، فلا بدّ من إرادة نظائر تلك الأشخاص، و لا شبهة أيضا أنّ المراد بكلمة «من» في من، النسب هو النشوء و

السببيّة.

و حينئذ نقول: شخص أمّ ولد البنت صارت محرّمة في النسب بحكم الصغرى و الكبرى الأوليين، و لكن لا يصير شبيهتها في الرضاع محرّمة، لعدم صحّة الصغرى و الكبرى الثانيتين، أعني قولك: فأمّ ولد البنت محرّمة في النسب، و كلّ ما يحرم من النسب يحرم شبيهه في الرضاع؛ لأنّ حدّ الوسط غير مكرّر، فإنّ شخص أمّ ولد البنت لم يجي ء تحريمها من قبل هذا العنوان العارضي، كيف و هي محرّمة قبل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 101

استيلادها و صيرورتها أمّ ولد، بل جاء من قبل بنتيّتها لأبيها، نعم حرمتها على ولدها جاءت من قبل امّيّتها لذلك الولد، و لكن المقصود حرمتها على أبيها.

فصار المحصّل أنّ هذا الشخص إنّما حرّمت بسبب البنتيّة لهذا الرجل، فشبيهه أيضا يحرم بسبب الرضاع، و شبيهه ليس إلّا الشخص الذي صار بنتا رضاعيّا، و أمّا أمّ الولد الرضاعيّة للبنت النسبيّة فلا شباهة لها، لعدم بنتيّتها للرجل.

و بالجملة، لا نقول: لا يعقل إرادة العموم، بل هو بمكان من الإمكان بأن كان المراد من الموصول هو الأشخاص، و أريد أشباهها و لو بالعناوين الملازمة للعناوين الأوّليّة في باب محرّمات النسب، و لكنّ الدعوى أنّ هذا مع إمكانه خلاف الظاهر، بل الظاهر إرادة أشباهها في الجهة التي صارت سببا لحرمتها.

و لا نقول في أمّ ولد البنت أنّ هذا الشخص قد حرّمت من جهة هذا النسب أعني: كونها أمّ ولد البنت حتّى يقال: شبيهها أعني مرضعة ولد البنت أيضا يحرم من جهة هذا الرضاع، بل نقول: حرّمت من جهة نسب بنتيّتها لأبيها، فشبيهها أيضا لا بدّ أن يكون بنتا رضاعيّا للأب حتّى يقال إنّها أيضا حرّمت من جهة البنوّة الرضاعيّة شبه البنوّة النسبيّة.

و بالجملة، كما

نقول في قضيّة: «لا تنقض اليقين بالشكّ» أنّ إرادة العموم بحيث يشمل موارد ثبوت الحكم لما يلازم المتيقّن أو لما يستلزمه عقلا ممكن عقلا، و لكنّه خلاف الظاهر، و الظاهر اختصاصه بما إذا كان الأثر ثابتا لنفس المتيقّن حتّى يكون ترتيبه في اللاحق إبقاء له عملا، و عدمه نقضا كذلك، كذلك نقول هنا أيضا:

تعميم الدائرة بالنسبة إلى ما يندرج تحت العناوين الأوّليّة للمحرّمات النسبيّة و لما يندرج تحت العناوين الثانويّة ثمّ إرادة شبيه كلّ منهما في جانب الرضاع كما توهّمه السائل و رتّب الصغرى و الكبرى ممكن، و لكنّه خلاف الظاهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 102

ثمّ إنّه على القول بعموم المنزلة ترتّب فروع كثيرة، كما لا يخفى، فلا حاجة إلى شرح القول في كلّ واحد واحد منها بعد بيان حال أصلها و أنّه لا منشأ لتوهّمه من الحديث الشريف.

نعم هنا فروع أخر قد يتوهّم استفادتها من تنزيل أولاد الفحل و المرضعة منزلة أولاد أبي المرتضع، فيتوهّم ذلك بالنسبة إلى أمّ المرتضع أيضا، و كذا في أولاد أبي المرتضع و امّه بالنسبة إلى الفحل و المرضعة.

و كذا يتوهّم ثبوت الاخوّة تنزيلا في ما بين أولاد الفحل و المرضعة و بين أولاد أبي المرتضع، إمّا لتوهّم عينيّة اخوّة الابنين مع رجوعهما إلى أب واحد أو أمّ واحدة، و الفرض في ما نحن فيه اتّحاد الأب، فإنّ أب المرتضع أبو أولاده حقيقة، و أبو أولاد الفحل و المرضعة تنزيلا، و إمّا لتوهّم الملازمة بين تنزيل أولاد الفحل و المرضعة منزلة أولاد أبي المرتضع، و بين تنزيلهم منزلة إخوة أولاده.

و مجمل القول في المقام أمّا بالنسبة إلى ما عدا الفرع الأخير فهو أنّه لو كان وجه تنزيل أولاد الفحل

و المرضعة منزلة أولاد أبي المرتضع كونهم إخوة ولده- كأن قيل لأبي المرتضع: إخوة أولادك بمنزلة أولادك، بحيث فهم منه أنّ إضافته إلى المخاطب ملغى و أنّ التنزيل جار في مطلق إخوة الأولاد لأيّ شخص كانوا- كان لتوهّم التسرية إلى أولاد أبي المرتضع و امّه بالنسبة إلى الفحل و المرضعة و كذا إلى أولاد الفحل و المرضعة بالنسبة إلى أمّ المرتضع وجه.

مع أنّ فيه أيضا كلاما قد مرّ في التسرية إلى أولاد الفحل و المرضعة من الرضاع، من أنّه لم يعلم كون العنوان عنوانا للحكم، أو إشارة إلى مصداق موضوعه، و لكنّ الأمر على خلاف ما ذكرنا؛ إذ ليس في الخبرين المتقدّمين إشارة إلى الوجه المذكور.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 103

فمن الممكن أن يكون رضاع المرتضع سببا لأمرين في عرض واحد، أحدهما: الاخوّة في ما بين المرتضع و بين أولاد الفحل و المرضعة، و الثاني: كون أولاد الفحل و المرضعة محكومين بحكم الولديّة لأبي المرتضع، من دون تفرّع للثاني على الأوّل، و على هذا فلا وجه للتعدّي منه إلى غيره من المذكورات.

و أمّا مسألة الأخوّة في ما بين أولاد أبي المرتضع و بين أولاد الفحل و المرضعة و فهمها بمجرّد الحكم بكون أولاد الفحل و المرضعة أولادا لأبي المرتضع بملاحظة أنّ أبا المرتضع يصير أبا لهم تنزيلا، و المفروض كونه أبا لأولاده حقيقة، و لا معنى لأخوّة الاثنين إلّا اتّحاد أبيهما أو أمّهما، أو أنّ الملازمة ثابتة بين التنزيلين.

ففيه أنّ ما ذكر بالنسبة إلى الأبوّة و الاخوّة الواقعيّين حقّ، فإنّ من كان ولدا لشخص، يصير أخا لأولاده، من غير فرق بين النسب و الرضاع، فإنّ الرضاع أيضا علاقة واقعيّة و ارتباط حقيقي تشبه الارتباط النسبي،

و لهذا تسمّى باسمه مجازا بعلاقة المشابهة، و أمّا التنزيل فليس إلّا صرف الحكم على أحد بالمعاملة معه معاملة الولد لشخص، فأيّ ملازمة، فضلا عن العينيّة لهذا المعنى مع الحكم بالمعاملة معه معاملة الإخوّة لأولاد ذلك الشخص، و بالجملة، فالحقّ عدم استفادة العموم في هذا الفرع أيضا.

فرع لو أرضعت الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة

لو أرضعت الزوجة الكبيرة الزوجة الصغيرة، فإمّا أن يكون بلبن هذا الزوج، أو بلبن زوجها السابق، و على كلّ تقدير إمّا يكون بعد الدخول بالكبيرة و إمّا قبله، فإن كان بلبن هذا الزوج فالنكاح بالنسبة إليهما لا يمكن بقائه؛ إذ كما أنّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 104

النكاح لا يمكن أن ينعقد على الامّ و البنت معا دفعة، كذلك لا يمكن أن يبقى، و هذه الرضيعة بسبب إكمال العدد تصير بنتا لهذه المرأة، و هي أمّا لتلك الرضيعة، فلا يبقى النكاح بالنسبة إليهما، و بقائه بالنسبة إلى واحدة معيّنة ترجيح بلا مرجّح، و بالنسبة إلى الواحدة الغير المعيّنة.

بل لا فرق في ما ذكرنا بين جميع الصور الأربع، ففي الجميع لا بدّ من القول بفساد النكاحين و بطلانهما، لعين ما ذكرنا من حصول البنتيّة للمرضعة، و الامّ و البنت كما لا تجتمعان في الزوجيّة لواحد في زمان واحد ابتداء، كذلك استدامة و بقاء.

إنّما الكلام في التحريم الأبدي، فنقول: لا إشكال في حصوله بالنسبة إلى الرضيعة في الصورة التي ذكرنا من كون اللبن لهذا الرجل، فإنّها تصير بنتا له أيضا و هي محرّمة أبديّة.

و أمّا الكبيرة المرضعة فصيرورتها محرّمة أبديّة مبنيّة على صدق أمّ الزوجة عليها، بحيث اجتمع وصف الزوجيّة للرضيعة، و الأمّيّة لهذه المرأة متقارنين و في زمان واحد، فإنّه لو لم يتقارن الزمانان بأن كان الزوجيّة متقدّمة على

الأمومة بني على القول بصدق المشتقّ على ما انقضى عنه المبدأ على وجه الحقيقة- و قد اخترنا في محلّه عدمه- فلا محيص عن التقارن الزماني.

و حينئذ نقول: لا إشكال في تقارن الأمرين في الرتبة الواحدة، و أمّا في الزمان الواحد فلا، أمّا الأوّل فلأنّ علّة ارتفاع الزوجيّة عن الرضيعة حصول البنتيّة، ففي رتبة حصولها، الزوجيّة محفوظة، و الأمومة أيضا تحدث مع البنتيّة في آن واحد، و لكن هذا الاجتماع في مجرّد الآن، و لا يندرج في الزمان، و يمكن منع الاكتفاء في صدق المشتقّ على وجه الحقيقة بمثل ذلك عند القائل باشتراط فعليّة المبدأ، فإنّه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 105

يقول بالفعليّة العرفيّة، فأمّ الزوجة لم يتحقّق فعليّته بمجموعه بحيث أشير إليه بكلا جزئية في زمان واحد، و المعتبر هو حصول هذا.

و لكنّ الظاهر منهم التسالم على الصدق في هذا الفرع و أنّ الابتناء على القولين في المشتقّ إنّما هو في فرع آخر، و هو ما لو أرضعت إحدى الكبيرتين الزوجة الصغيرة، ثمّ بعد كمال العدد المعتبر أرضعتها الكبيرة الأخرى، فقالوا: حرمة الأخيرة مبنيّة على مسألة المشتقّ.

و الحقّ ما عرفت من جريانه في الفرع الأوّل أيضا، هذا كلّه مع كون اللبن لهذا الشخص، سواء كان قبل الدخول بالكبيرة أم بعده.

أمّا لو كان اللبن من زوج قبله، فإن كان قبل الدخول فلا حرمة أبديّة للرضيعة، لفرض عدم الدخول بأمّها الرضاعيّة، و أمّا المرضعة فالكلام فيها ما تقدّم حرفا بحرف من ابتناء الحرمة على القول بكفاية هذا المقدار من التحقّق الآتي الرتبي المتحقّق في الفصل و الوصل في صدق المشتقّ و عدمه.

و إن كان بعده فالحال في المرضعة أيضا هو الحال، و أمّا الرضيعة فالظاهر عدم الإشكال

في حرمتها الأبديّة، و لا يجري فيه نظير ما قلنا في أمّ الزوجة، فإنّ ربيبة الزوجة لا يعتبر فيها صدق اجتماع العنوانين في زمان واحد اتّفاقا، فلو فرض تحقّق الزوجيّة للامّ لشخص في زمان ثمّ تولّد البنت بعد انقطاع الزوجيّة، تصير تلك البنت محرّمة على ذلك الشخص.

في حكم المهر بعد بطلان النكاح:
اشارة

بقي الكلام في المهر و أنّها بعد بطلان نكاحها بالرضاع هل يستحقّ المهر على الزوج أو لا؟ لا بدّ أوّلا من الإشارة إلى ما هو قضيّة القاعدة في أمثال المقام من كلّ موضع حكم بارتفاع النكاح طارئا على وقوع العقد الصحيح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 106

فنقول: مقتضاها الفرق بين الفسخ الطارئ و البطلان الطارئ، بعدم الاستحقاق في الأوّل و ثبوته في الثاني، من غير فرق في الصورتين بين ما قبل الدخول و ما بعده.

أمّا الأوّل فلأنّ الفسخ حلّ العقد، و كما أنّ المعقود الأوّلي الأصلي أعني:

الزوجيّة يرتفع بالفسخ، فكذا التبعي الضمني، أعني: ما شرط فيه؛ لأنّ الحلّ يتعلّق بالعقد بما اشتمل عليه من جزء أو شرط، فلا يمكن انحلال بعضه و بقاء بعضه، و الفرع لا يزيد على أصله، فإذا انحلّ أصل القرار و المعاهدة في ما بين الاثنين فالشرط الذي فيه ينحلّ بتبعه.

و هذا لعلّه واضح حتّى في مثل ما إذا كان الشرط في ضمن العقد من قبيل النتيجة، مثل ملكيّة المال أو البراءة من الدين، فاللازم من الفسخ زوال الملك إلى المالك الأوّل و عود الدين إلى ذمّة المديون.

ففي مقامنا إذا فرضنا بواسطة أحد العيوب الموجبة للفسخ فسخ أحد الزوجين عقد النكاح فاللازم عدم ملكيّة الزوجة للمهر و عوده إلى الزوج، إلّا أن يدلّ دليل بثبوت المهر أو بعضه، فيقتصر على مقدار مدلوله، من غير فرق

في ما ذكرنا بين وقوع الفسخ قبل الدخول أو بعده.

في الفرق بين الفسخ و حصول القاطع و المنافي للزوجيّة

و أمّا الثاني أعني: الاستحقاق مع البطلان الطارئ، كما لو ارتدّ أحد الزوجين، أو طلّق الزوج زوجته، أو تحقّق الرضاع المحرّم، فإنّ كلّ ذلك مشترك في عدم التعرّض فيها للعقد، و إنّما هي مؤثّرة في قطع علقة الزوجيّة عمّا بين الزوجين.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 107

و فرق واضح بين وقوع الفسخ و الحلّ على العقد المؤثّر في الزوجيّة و بين طروّ أحد القواطع للزوجيّة و المنافيات معها التي يمتنع وجودها مع أحدها، فإنّ العقد في الثاني ما انحلّ حتّى يرتفع استحقاق المهر، فالسبب للاستحقاق ثابت و لم يزل، و الذي زال هو الزوجيّة في هذه القطعة من الزمان، و لا ملازمة بين زوالها و زوال المهر، فإنّ المهر لم يلاحظ فيه العوضيّة للبضع مقسّطا على أبعاض الزمان، بل لم يقع النظر إلى قطعات الزمان أصلا، و ورد التمليك على البضع و على المهر من غير نظر إلى الزمان، فإن حصل فسخ لهذا التمليك و القرار فلا بدّ من زوال المسبّب و المعلول له أيضا من حين زوال السبب.

و أمّا إذا ارتفعت الزوجيّة بواسطة حدوث أحد المنافيات لها كالبنتيّة الرضاعيّة للزوجيّة بالنسبة إلى الزوج فإنّها كما تنافي الزوجيّة في أصل الانعقاد، فكذلك في مرحلة البقاء، فلا وجه لسقوط المهر الذي فرض تحقّق السبب المملّك له و عدم زواله، من غير فرق أيضا في ما بين ما قبل الدخول و ما بعده.

و لكنّ المحكيّ منهم قدّس أسرارهم خلاف ما سطر في كلا البابين، فإنّهم على ما حكي حكموا في كليهما بالتفصيل بين ما قبل الدخول، فلا شي ء، و بين ما بعده فالمسمّى ثابت، فإن كان لأجل نصّ

و صلّ إليهم فهو، و إلّا فعلى القواعد لا ينطبق ما ذكروه.

في معنى قوله عليه السّلام «لها المهر بما استحلّ من فرجها»

أمّا باب الفسخ فحكمهم بثبوت المهر بعد الدخول يمكن أن يكون استنادا إلى عموم التعليل الوارد في بعض أفراد المسألة، و هو ما لو ظهر بالزوجة أحد العيوب و قد دلّس غير الزوجة، فإنّه حكم بثبوت المهر بعد الدخول بقوله عليه السّلام: «لها المهر بما

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 108

استحلّ من فرجها» «1» و المراد بالمهر بقرينة تصريح بعض الأخبار الأخر خصوص المهر المسمّى، فيستفاد منه أنّ استحلال الفرج الذي هو كناية عن الدخول علّة لثبوت المهر المسمّى، و إن فرض الفسخ فيحكم بذلك في جميع موارد الفسخ.

و أمّا باب البطلان الطارئ فقد حكموا في ارتداد الزوجة بعدم المهر قبل الدخول، مع أنّ المتحقّق هو البطلان لا فسخ العقد أو انفساخه، و مقتضاه ثبوته، و لعلّه كان لفحوى ما دلّ على سقوط المهر في نصرانيّة أسلمت تحت زوجها النصراني قبل أن يدخل بها، حيث قال عليه السّلام: «قد انقطعت عصمتها منه، و لا مهر لها و لا عدّة عليها منه» «2».

فإنّه إذا أوجب إسلام الزوجة سقوط مهرها بواسطة اختلاف ما بينها و بين زوجها في الإسلام و الكفر، فمع العكس أعني: إذا ارتدّت الزوجة تحت الزوج المسلم فبالطريق الأولى يحكم بالسقوط؛ فإنّ الإسلام حاله ليس بأسوإ من الكفر، فيمكن دعوى الفحوى القطعي في خصوص ارتداد الزوجة، و أمّا سائر موارد البطلان الطارئ التي منها مسألة الرضاع و مسألة ارتداد الزوج فلم نعثر على سقوط المهر قبل الدخول فيها بدليل بعد مقدار من التتبّع، هذا تمام الكلام في مسائل الرضاع.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 5.

(2) الوسائل: كتاب النكاح،

الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 109

[السبب الثالث المصاهرة]

اشارة

السبب الثالث من أسباب التحريم المصاهرة و أمّا السبب الثالث من أسباب التحريم فهو المصاهرة، و هي تتحقّق مع الوطي الصحيح، و يشكل مع الزنا و الوطي بالشبهة و النظر و اللمس، فالبحث حينئذ في الأمور الأربعة.

أمّا النكاح الصحيح، فمن وطي امرأة بالعقد الصحيح أو الملك حرّم على الواطي أمّ الموطوءة و إن علت، و بناتها و إن سفلن تحريما مؤبّدا، و لو تجرّد العقد عن الوطي حرّمت الزوجة على أبيه و ولده، و لم يحرم بنت الزوجة عينا، بل جمعا، و لو فارقها جاز له نكاح بنتها.

و هل تحرم أمّها بنفس العقد؟ فيه روايتان، أشهرهما أنّها تحرم، قد يكون منشأ التوهّم أنّ قوله تعالى مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ «1» راجعا إلى كلتا الفقرتين، أعني أمّهات نسائكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم.

و هو مضافا إلى أنّه خلاف الظاهر- فإنّ كلمة «من» بناء على الرجوع إلى الربائب ابتدائيّة نشويّة، و بناء على الرجوع إلى النساء في «أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ» بيانيّة،

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 110

و إرادة الجامع خلاف الظاهر- قد فسّر في رواية العياشي على ما رواه في الوسائل باختصاصه بالربائب.

و أمّا أخبار المسألة فبعد التعارض و تسليم تكافؤهما من جهة السند و عدم أرجحيّة أخبار التحريم كان المرجع أو المرجّح فيها الآية الشريفة المسطورة، بل يمكن دعوى أنّه لو كان في البين أخبار عدم التحريم مع صحّة السند و لم يكن أخبار التحريم، كانت الآية الشريفة أيضا دليلا على التحريم بواسطة الأخبار الدالّة على طرح الخبر المخالف للكتاب، فإنّه ليس ظهور الآية في التحريم من باب صرف

الإطلاق بعد عدم ظهور القيد في الرجوع إلى الفقرة الأولى حتّى يقال: إنّ تقييد إطلاق الكتاب بالسنّة ليس داخلا في المخالفة و لا يشمله أخبار طرح الخبر المخالف، بل هو قسم من الموافقة، بل ظهور الآية أقوى من الإطلاق، و يكون كالنصّ في عدم تقييد حرمة أمّ الزوجة بالدخول بها؛ فإنّه بعد تقييد حرمة بنت الزوجة بالدخول لو كان حرمة الأمّ أيضا مقيّدة و لم يصرّح به كان ركيكا.

ألا ترى لو قلت: أكرم زيدا و أكرم عمرا إن جاءك، كان كالصريح في عدم تقييد إكرام الزيد بالمجي ء، و إلّا لكان تخصيص ذكر القيد بالزيد بلا وجه، فإذا صارت الآية كالنصّ، فالأخبار الدالّة على التقييد داخلة في عنوان ما خالف الكتاب، فمع فرض عدم المعارض أيضا كان ممّا أمرنا بضربه على الجدار، هذا.

مضافا إلى الخدشة في نفس أخبار التقييد، فإنّ منها: حديث جميل بن درّاج، و قد اختلف نقله، فبعض نقله هكذا: «الامّ و البنت سواء إذا لم يدخل بها، يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فإنّه إن شاء تزوّج أمّها و إن شاء ابنتها» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 111

و الظاهر عدم كون التفسير من الإمام عليه السّلام، فإنّه التعبير بيعني بصيغة الغائب لا يناسب صدوره من المتكلّم، و إن كان تعارف في الفارسيّة، و لكن لم يعهد في العربيّة.

و بعض آخر نقل الحديث بلا زيادة هذا التفسير، و إذن فمن المحتمل أنّ المعنى كون الامّ و البنت سواء في الإباحة ما لم يدخل بالأمّ، فإن شاء دخل بالأمّ، و إن شاء طلّقها و تزوّج بالبنت.

نعم، رواه الصدوق مع

زيادة لا يصلح لهذا المعنى، فإنّه نقله هكذا: «عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، هل تحلّ له ابنتها؟ قال عليه السّلام: الامّ و الابنة في هذا سواء، إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأخرى». لكن من المحتمل أنّه أيضا أخذ التتمّة من التفسير السابق، و الحاصل: ما يوثّق بكونه كلاما من المعصوم لا دلالة فيه، و ما فيه دلالة لا وثوق بكونه كلام المعصوم عليه السّلام.

و منها: حديث منصور بن حازم، و دلالته على مذهب المشهور من عدم التقييد أقوى، فمن العجيب التمسّك به لخلافه، فإنّه «قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أ يتزوّج بأمّها؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قد فعله رجل منّا، فلم نر به بأسا، فقلت له: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلّا بقضاء عليّ عليه السّلام في هذه الشمخيّة التي أفتاها ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك، ثمّ أتى عليّا عليه السّلام فسأله، فقال له عليّ عليه السّلام: من أين أخذتها؟ قال:

من قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ «1» فقال علي عليه السّلام: إنّ هذه مستثناة و هذه

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 112

مرسلة و أمّهات نسائكم، إلى أن قال: فقلت: ما تقول فيها؟ فقال عليه السّلام: يا شيخ، تخبرني أنّ عليّا عليه السّلام قضى بها، و تسألني ما تقول فيها «1».

فأنت خبير بأنّ الظاهر منها كون المطلب من المسلّمات عند الشيعة، بل تفخر بها، حيث رئيس العامّة لم يفهم من القرآن

ما هو كالنصّ فيه، حتّى أفهمه الأمير عليه السّلام، و أيضا يظهر من صدره أنّ الإمام استنكف عن الجواب، و هو أمارة التقيّة. و بالجملة، الظاهر أنّ المسألة ممّا لا ريب فيها.

و تحرم المعقود عليها و إن لم يدخل بها على أب العاقد و إن علا؛ لعموم وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ، لوضوح صدق حليلة الابن على معقودته و إن لم يدخل بها، و لا فرق بين ابن الابن و ابن البنت، و قوله تعالى مِنْ أَصْلٰابِكُمْ ليس لأجل إخراج ابن البنت، بل على حسب بعض الروايات هو أيضا ولد الرجل للصلب، و لهذا أنّ الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلبه، و القيد إنّما هو لإخراج الأدعياء.

و تحرم أيضا على ابنه و إن نزل، لقوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ «2» فإنّ النكاح ظاهر في العقد لا الوطي، كما في أنكحت و نحوه، فيستفاد منه الحرمة بعد العقد و لو كان قبل الدخول، هذا كلّه في المعقودة بالعقد الصحيح.

في الوطي بالشبهة و الزنا
اشارة

و أمّا موطوءة كلّ من الأب و الابن بشبهة، فهل يحرم على الآخر مطلقا، أو

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

(2) سورة النساء: الآية 22.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 113

لا تحرم مطلقا، أو فيه تفصيل؟ فإن كان مسبوقا بالعقد بأن وطئ كلّ منهما زوجة الآخر فلا يحرم، و إلّا فالتحريم ثابت.

اعلم أنّه لا نصّ بالخصوص في الباب حتّى ننظر فيه؛ إذ لم ينقل في الكتب المعدّة لذلك مثل الجواهر و الوسائل و الحدائق على ما حكي خبر في المقام.

نعم، قد يتمسّك بأمور واهية، مثل التمسّك لإثبات الحرمة في جانب

موطوءة الأب بقوله وَ لٰا تَنْكِحُوا. فإنّك عرفت التمسّك بها في المعقودة المجرّدة، فكيف في الموطوءة كذلك، و مثل أنّا رأينا الشارع رتّب على الوطي بالشبهة أحكام الوطي الصحيح، مثل لحوق الولد و العدّة، فإنّه صرف قياس و استحسان.

و الظاهر انحصار المدرك في الباب في التعليل الوارد في أخبار إثبات نشر الحرمة من الزنا بالمرأة إلى أمّها و بنتها بالنسبة إلى الواطي قبل العقد، و عدم النشر بعده، و كذا في أخبار زنا الرجل بالنسبة إلى نشر الحرمة إلى أبيه و ابنه بقولهم عليهم السّلام:

«لا يفسد الحرام الحلال» «1» مع تطبيقهم ذلك على ما بعد العقد دون ما قبله في كلا البابين.

أمّا في الباب الأوّل، ففي رواية الكناني «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: إذا فجر الرجل بالمرأة لم يحلّ له ابنتها أبدا، و إن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه، و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها، ثمّ فجر بأمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها، و هو قوله عليه السّلام: لا يفسد الحرام الحلال، إذا كان هكذا».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 114

و أمّا في الباب الثاني، ففي موثّقة عمّار «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل تكون عنده الجارية، فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجدّ، أو الرجل يزني بالمرأة، هل يجوز لأبيه أن يتزوّجها؟ قال عليه السّلام: لا، إنّما ذلك إذا تزوّجها فوطئها، ثمّ زنا بها ابنه

لم يضرّه، لأنّ الحرام لا يفسد الحلال، و كذلك الجارية».

و الاستدلال بهذا التعليل موقوف على جهتين:

الأولى: إصلاح المعارضة بين هذه و بين ما يعارضها بالصراحة بترجيح هذين و طرح ذلك الطرف.

و الثانية: عدم قيام إجماع على بطلان التفصيل بين ما قبل العقد و ما بعده في الوطي بالشبهة بالنسبة إلى نشر الحرمة إلى أب الواطي و ابنه.

فإذا تمّت المقدّمتان أمكن أن يقال بأنّ الحرام أعمّ من الحرام الفعلي الغير المعذور فيه و الفعلي المعذور فيه، فالوطي بالشبهة مصداق واقعي للحرام، فينطبق عليه قوله عليه السّلام: إنّ الحرام لا يفسد الحلال، و بضميمة تفسيره بما ذكر في الرواية- من أنّ المراد أنّ الحرام إذا سبقه حلال و هو العقد و الوطي لا يفسد ذلك الحلال السابق، يعني: إذا لم يسبقه فهو بحسب طبعه يوجب امتناع التزويج، غاية الأمر لا يقاوم أن يعارض مقتضى التحليل، فمع سبقه بمقتضى التحليل يكون الأثر لمقتضى الحلّيّة، و أمّا بدونه فالمقتضي للحرمة يؤثّر أثره بدون مزاحم- يتمّ المطلوب.

و المورد و إن كان في كلا البابين خصوص الزنا، و لكنّ العبرة بعموم التعليل، لما عرفت من جريانه في وطي الشبهة أيضا؛ لكونه مصداقا للحرام واقعا، هذا.

و لو فرض عدم تماميّة إحدى المقدّمتين فإن قلنا بترجيح الطائفة الأخرى،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 115

قلنا بمقتضاها في وطي الشبهة، و إن فقد الترجيح و رجعنا إلى التخيير الخبري كان أيضا في النتيجة كالسابق، أعني: ترجيح الطائفة الأخرى، و هو ما كان مفاده الحلّيّة المطلقة، من غير تفصيل بين الصور، و هذا أيضا مقتضى الأصل الأوّلي؛ فإنّ الأصل الأوّلي هو الحلّيّة في الوطي بالشبهة

و في الزنا، سواء بالنسبة إلى نشر حرمة الأمّ و البنت إلى الواطئ أم بالنسبة إلى نشر حرمة الموطوءة إلى أب الواطي و ابنه و سواء بالنسبة إلى ما قبل العقد أم ما بعده.

أمّا بالنسبة إلى ما بعده فواضح في جميع الصور المزبورة؛ فإنّ الأصل بقاء الحلّيّة الكائنة قبل حدوث وطي الشبهة أو الزنا.

و أمّا بالنسبة إلى ما قبله فاستصحاب بقاء الحرمة الفعليّة الثابتة قبل وقوع العقد و إن كان في حدّ ذاته جاريا، و لكنّه محكوم لاستصحاب صحّة العقد الواقع عليها الثابتة قبل وقوع وطي الشبهة أو الزنا، كما هو الحال في كلّ استصحاب فعلي على خلافه استصحاب تعليقيّ، مثل استصحاب طهارة العصير الزبيبي الثابتة قبل الغليان، و استصحاب نجاسته على تقدير الغليان الثابتة له قبل طروّ حالة الزبيبيّة.

أمّا المقدّمة الثانية فهي حاصلة؛ لعدم الإجماع في المسألة، كما يظهر بمراجعة الجواهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 116

الكلام في نشر الحرمة بين أصول و فروع الزاني و المزنيّ بها

و أمّا الأولى فنقول: إن زنى الرجل بالمرأة فإن كان بعد العقد فلا إشكال في عدم النشر، لا بين أصول و فروع الزاني و بين المزنيّ بها، و لا بين أصول و فروع المزنيّ بها و بين الزاني، و الأخبار أيضا متوافقة من هذه الجهة لا اختلاف بينها.

و إنّما الاختلاف بين العلماء قدّس أسرارهم فيما قبل العقد، و منشأه اختلاف الأخبار، و لا يخفى أنّ في كلا الطرفين أخبارا صحاحا صراحا أو كالصراح بحيث ليس فيما بينها جمع عرفي، فإنّ مضمون إحدى الطائفتين الحكم بجواز تزويج ابنة المزنيّ بها للرجل الذي فجر بامرأة أو أتى المرأة حراما على حسب اختلاف تعبيرها، و في بعضها التعليل بأنّ الحرام لا يفسد الحلال، و مضمون الأخرى الحكم في عين ذلك الموضوع

بعدم التزويج مع التصريح بعدم فساد العقد الواقع على بنت المزنيّ بها أو أمّها قبل الزنا، ثمّ قال: و هو قوله: لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا.

و أنت خبير أنّه ليس بين هذين المضمونين جمع عرفي، و حمل الفجور في الطائفة الاولى و الإتيان حراما على غير الجماع، أو حمل قوله: يزوّجها، على إبقاء التزويج، من التوجيه الذي لا يرضى به صاحب الكلام، و بالجملة،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 117

فالجمع العرفي غير موجود.

و أمّا السند ففي كليهما بالغ حدّ الاعتبار لوجود العمل على طبق كلّ، بحيث لو كان ضعف صلح لجبره، مع أنّ الظاهر وجود الصحيح أو ما هو كالصحيح مع قطع النظر عن هذا أيضا في كلا الطرفين.

و أمّا حمل أخبار الحلّيّة المطلقة بقرينة قوله في بعضها: و لقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة. إلخ، و قوله: و هو قوله: لا يفسد الحرام الحلال، حيث يشعر بأنّ الحديث النبويّ قد فهمه العامّة على غير هذا النحو، فأراد الإمام التنبيه على سوء ما فهموه و خطاه، على التقيّة، ففيه أوّلا: أنّ احتمال التقيّة مرجوح في نفسه في مثل الفروع الغير الراجعة إلى المسائل المذهبيّة.

و ثانيا: أنّ المرجّح السندي أعني: موافقة الكتاب مقدّم على الجهتي، أعني:

مخالفة العامّة، كما قرّر في محلّه، و لا يخفى موافقة هذه الطائفة أعني: ما ذكر فيه الحلّيّة مطلقا مطبقا عليها قوله: لا يفسد. إلخ، لعموم الكتاب و هو آية وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «1».

لا يقال: نعم، لكنّه يبعّده أنّه يلزم خلاف الظاهر في هذه العبارة أعني: قوله:

لا يفسد. إلخ؛ فإنّ الظاهر من الحرام و الحلال هو الفعليّان دون التقديرين، فإذا أريد منه الأعمّ ممّا قبل العقد و

ممّا بعده فلا محيص عن إرادة الحلال التقديري، فإنّ الوطي بالبنت أو الأمّ حلال على تقدير العقد، فلا يحرّمه الوطي الحرام بالمرأة، و إن أريد العقد، أعني: لا يحرّم العقد، ففيه أنّ الظاهر وحدة الصنف فيما بين الحرام و الحلال، فإذا كان الحرام عبارة عن الوطي المحرّم فالمراد من الحلال أيضا هو

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 118

الوطي المحلّل، و أيضا فالظاهر من الحرام و الحلال هما التكليفيّان، لا الوضعيّان، و العقد حلال وضعي.

لأنّا نقول: أمّا ظهورها في الفعلي فمسلّم، و أمّا في التكليفي و الصنف الواحد فممنوع.

أمّا الأوّل فلأنّ الحلّيّة ظاهرة في عدم المانع في الشي ء، غاية الأمر في مقام التكليف، المانع يمنع عن الوجود، و في مقام الوضع، المانع يمنع عن التأثير.

و بعبارة أخرى: يعبّر عن الحلّيّة في الفارسيّة ب (گذرايى) و عن الحرمة ب (گيردارى) فحرمة كلّ شي ء بحسبه، فمثل البيع ممّا يترقّب منه الأثر يكون حرمته عدم ترتّب أثره المترقّب منه، و مثل الأكل و الشرب يكون حرمته ترتّب العقوبة على إتيانه، و بالجملة، هذان العنوانان متى أطلقا كانا ظاهرين في الجامع فيما بين الوضع و التكليف.

و أمّا الثاني فلأنّ خصوص المورد و إن كان في جانب الحرام هو الوطي، و لكنّ العبرة بعموم الكبرى و هو نفس الحرام و الحلال من حيث هما هما، من غير نظر إلى ما انطبقا عليه، فالحرام و إن كان اتّفاقا في المقام هو الوطي، لا يحرّم الحلال الذي هو الوطي في موضع، و العقد في آخر.

و الحاصل: لا يلزم خلاف ظاهر على كلّ من التقديرين في هذه العبارة، مع أنّ الباب باب تعارض النصّين، لما عرفت من أنّ قوله: لا

تتزوّج معلّلا بأنّ قوله:

الحرام لا يفسد الحلال، محلّه في ما بعد العقد، و قوله: نعم يتزوّج، معلّلا بأنّ الحرام لا يفسد الحلال، لا بدّ من معاملة التعارض فيما بينهما، و هي في المرتبة الأولى الرجوع إلى عمومات الكتاب و السنّة، و قد عرفت تحقّقه في الطائفة الثانية.

و أمّا توهّم معارضته بتحقّق موافقة السنّة في الاولى من جهة موافقتها مع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 119

ظاهر قوله: لا يفسد الحرام الحلال، حيث يظهر من بعض الروايات و من الجواهر كونه رواية مستقلّة بناء على ظهوره فيما يوافق الاولى.

ففيه أنّ ظهوره في الموافقة مبنيّ على التوهّم السابق من تبادر التكليفي و الصنف الواحد مع فعليّة العنوانين، و قد عرفت ضعفه، و على فرض التسليم، موافقة السنّة التي جعلت من المرجّحات لا تشمل مثل هذه، أعني: ما إذا كان تعارض المتعارضين في تعيين معنى تلك السنّة، فلا يجعل فهمنا للسنّة مع قطع النظر عنهما مرجّحا لأحدهما، و هذا واضح.

ثمّ على كلا التقديرين، أعني: ترجيح كلّ من الطائفتين يمكن استفادة حكم الوطي بالشبهة من عموم الكبرى، لما مرّ من التقريب المتقدّم، لكونه مصداقا للحرام بحسب الواقع، و أمّا في الظاهر فهو صرف معذوريّة عقليّة، لا رخصة و حلّيّة شرعيّة، مع أنّه لو فرض تحقّق وطي الشبهة مع الحلّيّة الظاهريّة، كما لو قامت البيّنة على كونها غير أمّ الزوجة فتبيّنت أمّها، كان الحكم أيضا كالصورة السابقة، لأنّ الوطي بعنوان كونه مشتبها و إن كان حلالا، و لكن بعنوان نفسه حرام، فلا يخرج عن مصداقيّة الحرام، و عموم التعليل يقتضي أنّ جنس الحرام لا يحرّم الحلال، من غير فرق بين كونه مصداقا للحلال أيضا بعنوان آخر و عدمه، مع أنّه لا

يبعد دعوى ظهور الكلام في الحلّ و الحرمة الواقعيّتين الثابتتين للأشياء بعناوينها الأوّليّة.

و على هذا فإن رجّحنا الطائفة المفصّلة بين الحالين، قلنا في وطي الشبهة أيضا بالتفصيل، و إن قلنا بترجيح الطائفة المحلّلة مطلقا قلنا بذلك في وطي الشبهة أيضا، بواسطة الدليل الاجتهادي، و إن كان على فرض عدمه كان مقتضى الأصل الأوّلي أيضا هو الحلّيّة المطلقة، فالقول بخلاف الأصل محتاج إلى ترجيح الطائفة الأولى، كما ذكرنا سابقا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 120

ثمّ على تقدير ترجيح هذه الطائفة المفصّلة، فبين نفسها اختلاف من جهة أنّ في بعضها التصريح ببعديّة العقد و الدخول في عدم تحريم الزنا بالمرأة أمّها و بنتها و أنّه مع قبليّة أحد الأمرين تحصل الحرمة، و هذا روايتان:

إحداهما: موثّقة عمّار، و الأخرى: رواية أبي الصباح الكناني، و قد تقدّمتا، و الباقي ساكت عن بعديّة الدخول.

و لكنّ من الواضح أنّ النسبة بينهما الإطلاق و التقييد، مع أنّ المطلقات مشتملة على كلمة «امرأته» و تقييد هذا بالمدخولة لا يحتاج إلى كثير مؤنة كما لا يخفى، و بالجملة، الجمع العرفي يقتضي اعتبار كلا الأمرين في التحليل لاعتبار السند في المقيّد، فإنّه لو فرض اشتراك محمّد بن فضيل في رواية أبي الصباح، و لكن رواية عمّار موثّقة.

و لكن المانع من هذا أنّ العلماء قدّس اللّه أسرارهم لم يعلموا بذلك، و لم يوجد بينهم قائل باعتبار كلا الأمرين غير ابن الجنيد على ما نقله في الجواهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 121

[الكلام في النظر و اللمس]

و أمّا النظر و اللمس فما يسوغ لغير المالك كنظر الوجه و لمس الكفّ لا ينشر الحرمة، و ما لا يسوغ لغير المالك، كنظر الفرج، و القبلة، و لمس باطن الجسد بشهوة، فيه تردّد. أظهره أنّه

يثمر كراهيّة، و من نشر به الحرمة قصّر التحريم على أب اللامس و الناظر و ابنه خاصّة، دون أمّ المنظورة و الملموسة و بنتيهما.

أمّا مسألة النشر إلى الأب و الابن فالروايات متعارضة، و لا بدّ أوّلا من تحقيق مفاد ما دلّ على النشر و أنّ الضابط فيه ما ذا، ثمّ التكلّم في علاج التعارض بينه و بين ما دلّ على عدم النشر.

فنقول: من أخبار النشر صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع «قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل تكون له الجارية فيقبّلها، هل تحلّ لولده؟ قال عليه السّلام:

بشهوة؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام: ما ترك شيئا إذا قبّلها بشهوة، ثمّ قال عليه السّلام ابتداء منه عليه السّلام: إن جرّدها و نظر إليها بشهوة حرّمت على أبيه و ابنه، قلت: إذا نظر إلى جسدها؟ فقال عليه السّلام: إذا نظر إلى فرجها و جسدها بشهوة حرّمت عليه» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 122

مقتضاه أنّ النظر إلى مطلق الجسد و لو كان الكفّ و الوجهين إذا كان بداعي الشهوة محرّم، و أمّا النظر إلى العورة فهذه الرواية من هذه الجهة يمكن إجمالها، بملاحظة احتمال اختصاص قوله: بشهوة، في الفقرة الأخيرة قيدا لقوله: جسدها دون فرجها، حتّى يكون المعيار في التحريم أحد الأمرين، إمّا النظر إلى العورة، و إمّا إلى الجسد إذا كان بداعي الشهوة.

و الحاصل: يمكن أن يقال في صورة استفادة معياريّة أحد الأمرين من روايات أخر أنّه ليس في هذه الرواية ما ينافيه.

و الذي يدلّ على كون النظر إلى العورة مطلقا سواء كان بداعي الشهوة أم بداعي غيرها محرّما، حسنة جميل بن درّاج «قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل ينظر إلى الجارية يريد شراءها، أ تحلّ لابنه؟ فقال عليه السّلام: نعم، إلّا أن يكون نظر إلى عورتها» «1».

و نظر المريد للاشتراء ليس لداعي الشهوة، بل بداعي الفحص، و لو فرض حصول الهيجان كان حاصلا قهرا، لا لداع إليه، و بالجملة، مفاد الرواية أنّ النظر الشرائي إلى أيّ موضع من البدن كان غير محرّم، إلّا إذا كان إلى العورة، فيمكن جعل هذه الرواية شارحة لإجمال السابقة و أنّ قيد الشهوة راجع إلى الجسد لا الفرج.

و بهاتين الروايتين يقيّد رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا جرّد الرجل الجارية و وضع يده عليها فلا تحلّ لابنه» «2» بصورة حصول

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 123

أحد الأمرين.

و تدلّ على معياريّة أحد الأمرين و لو بملاحظة ما سبق، صحيحة عبد اللّه بن سنان «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل تكون عنده الجارية يجرّدها و ينظر إلى جسمها نظر شهوة، هل تحلّ لأبيه؟ و إن فعل أبوه هل تحلّ لابنه؟ قال عليه السّلام: إذا نظر إليها نظر شهوة و نظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه، و إن فعل ذلك الابن لم تحلّ للأب».

فنقول بقرينة ما سبق: إنّ الواو هنا بمعنى «أو» و المراد بما يحرم على غيره خصوص العورة، فإنّ ما سواها لا يختصّ جواز النظر إليه به؛ فإنّ للمحارم النظر إلى تمام الجسد إلّا العورة، فالذي يكون حراما على غير المالك بقول مطلق هو العورة فقط،

فينطبق مضمونها مع ما استفيد من الروايات المتقدّمة.

و هاهنا روايات أخر مطلقة لا بدّ من تقييدها بمقتضى الأخبار المتقدّمة بصورة حصول أحد الأمرين:

منها: رواية العيص بن القاسم «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال عليه السّلام: أدنى ما تحرم به الوليدة تكون عند الرجل على ولده إذا مسّها أو جرّدها».

و منها: رواية عبد اللّه بن سنان «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل تكون عنده الجارية، فتنكشف فيراها، أو يجرّدها لا يزيد على ذلك، قال عليه السّلام: لا تحلّ لابنه».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 124

و منها: خبر داود الأبزاري «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سألته عن رجل اشترى جارية فقبّلها؟ قال عليه السّلام: تحرم على ولده، و قال عليه السّلام: إن جرّدها فهي حرام على ولده».

و منها: خبر عبد الرحمن بن الحجّاج البجليّ و حفص بن البختري و عليّ بن يقطين «قالوا: سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في الرجل تكون له الجارية أ فتحلّ لابنه؟ فقال عليه السّلام: ما لم يكن جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس» «2» هذه روايات جانب النشر.

و أمّا ما يعارضها و يدلّ على حلّيّة الملموسة و المنظورة لكلّ من الأب و الابن على الآخر و لو كان مع الشهوة، أو للعورة، فموثّقة علي بن يقطين «3» «عن العبد الصالح عليه السّلام، عن الرجل يقبّل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج، أ تحلّ لابنه أو لأبيه؟ قال

عليه السّلام: لا بأس».

و الرواية كما ترى كالنصّ في صورة حصول الشهوة بحصول لا يقبل على صورة عدم الشهوة.

كما أنّ حملها على جارية الغير بناء على اختصاص الحكم بجارية الأب و الابن المملوكة لها في غاية البعد.

و الجمع فيما بينهما و الروايات المتقدّمة بالكراهة بشهادة خبر الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «قال: سألته عن رجل تكون له جارية، فيضع أبوه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 4.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 125

يده عليها من شهوة و ينظر منها إلى محرّم من شهوة، فكره أن يمسّها ابنه» «1» في غاية البعد أيضا. فإنّ الجمع بين النهي بصيغة لا تفعل و مثل لا بأس و إن كان بالحمل على الكراهة، و لكن مثل: لا تحلّ، و حرام، و حرّمت، فليس قابلا للحمل على إرادة النهي التنزيهي الكراهي.

و أمّا رواية: فكره أن يمسّها ابنه، فعلى فرض ارتباطها بمسألتنا بأن فرض كون الجارية للوالد، فلا تدلّ على الكراهة المصطلحة، بل المراد أنّه عليه السّلام أظهر بغضه و تنفّره و اشمئزازه عن هذا.

و بالجملة، الظاهر أنّ الباب باب التعارض مع اعتبار السند في كلا الطرفين، مع عدم الجمع العرفي، فلا محيص عن الرجوع إلى المرجّحات السنديّة.

فنقول: إنّ كثرة عدد الأخبار في طرف النشر موجبة لأوثقيّة المضمون، فإن قلنا بمذاق شيخنا المرتضى قدّس سرّه من التعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى مطلق رجحان أحد المضمونين و حصول الظنّ به، كان الترجيح حينئذ مع أخبار النشر لما ذكر.

و أمّا بناء على

عدم التعدّي و عدم كون صفات الراوي من المرجّحات- كما اخترنا ذلك في الأصول فليراجع ثمّة- فالترجيح مع خبر عدم النشر؛ لكونه موافقا لعموم الكتاب، أعني: قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ هذا كلّه بالنسبة إلى نشر الحرمة إلى الأب أو الابن.

و أمّا بالنسبة إلى حرمة بنت الملموسة و المنظورة على اللامس و الناظر، ففي صحيحة محمّد بن مسلم «2» عن أحدهما عليهما السّلام «قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 126

فنظر إلى بعض جسدها، أ يتزوّج ابنتها؟ قال عليه السّلام: «إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها».

و لكن تعارضها صحيحة العيص بن القاسم «1» «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باشر امرأة و قبّل، غير أنّه لم يفض إليها، ثمّ تزوّج ابنتها؟ قال عليه السّلام: إن لم يكن أفضى إلى الأمّ فلا بأس، و إن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها» و الجمع بينهما بالحمل على الكراهة.

ثمّ إنّك عرفت في ما سبق أنّ الزنا الطاري لا يوجب فساد العقد الواقع من الزاني على أمّ المزنيّ بها، أو بنتها، و إنّما الخلاف في صورة سبق الزنا.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 127

في الزنا بالعمّة أو الخالة

فاعلم أنّه استثني الزنا بالعمّة و الخالة، فإنّ الزنا السابق فيهما محرّم لبنتيهما على الزاني أبدا، بمعنى أنّه إن اخترنا في تلك المسألة ثبوت الحرمة فالحال واضحة، و إن اخترنا الحلّيّة فيها فلا بدّ

أن نختار في هذه المسألة الحرمة.

و النصّ مخصوص بالخالة، و هو صحيح محمّد بن مسلم «قال: سأل رجل أبا عبد اللّه- و أنا جالس- عن رجل نال من خالته في شبابه، ثمّ ارتدع، يتزوّج ابنتها؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: إنّه لم يكن أفضى إليها، إنّما كان شي ء دون شي ء، فقال عليه السّلام: لا يصدق و لا كرامة» «1».

و الخدشة فيه من حيث إنّ تكذيب القائل بعيد عن شأن الإمام، مدفوعة بأنّه و إن كان من البعيد ابتناء ذلك على علم الغيب الذي كان للإمام عليه السّلام، حيث يعرض أعمال رعيّته عليه السّلام عليه، و لكن جعل هذا العلم مبنى للفتوى بعيد.

إلّا أنّه من الممكن أن يكون ذلك إشارة منه عليه السّلام إلى ما قامت عليه الأمارة العرفيّة، فإنّ الرجل الشابّ الذي صار بصدد القبيح مع الخالة يحصل الاطمئنان بأنّه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 128

لا يبالي عن ذلك العمل و لا يقنع بالمقدّمات، فكلامه عليه السّلام مبنيّ على حسب هذه الأمارة، و على كلّ حال لا إشكال في الحكم بالنسبة إلى الخالة.

و أمّا العمّة فإن كان إجماع على ثبوت الحكم فيه، و إلّا فمع فرض القول بعدم نشر الزنا السابق يشكل الحكم بالنشر فيها.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 129

مسألة [في من زنى بامرأة غير ذات بعل]

من زنى بامرأة غير ذات بعل لم يحرم عليه نكاحها و إن لم تتب، كما عن المشهور، و قيل: يشترط التوبة، و المنشأ اختلاف الأخبار، ففي بعضها التصريح بالجواز بلا ذكر شرط، و في الآخر بشرط التوبة.

فمن الأوّل صحيحة الحلبي «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال عليه السّلام: أيّما رجل فجر

بامرأة ثمّ بدا له أن يتزوّجها حلالا، فإنّ أوّله سفاح و آخره نكاح، و مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما، ثمّ اشتراها بعده، فكانت له حلالا» و قريب منه خبر أبي بصير، و خبر هاشم بن المثنّى، و خبر زرارة.

و من الثاني موثّقة عمّار بن موسى «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن الرجل يحلّ أن يتزوّج امرأة كان يفجر بها؟ قال عليه السّلام: إن أنس منها رشدا فنعم، و إلّا فليراودها على الحرام، فإن تابعته فهي عليه حرام، و إن أبت فليتزوّجها».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 130

و قريب منه خبر إسحاق بن جرير، و خبر محمّد بن مسلم، و خبر أبي بصير «1»، و حمل الأوّل على الثاني بأن كان المراد من الأوّل عدم الحرمة الأبديّة العينيّة، و من الثاني إثبات الحرمة الفعليّة قبل التوبة و كون توبتها شرطا في انعقاد زوجيّتها و إن كان ممكنا، و لكنّه خلاف الظاهر.

ثمّ هذا كلّه في تزويج نفس الزاني للزانية.

و أمّا تزويج غيره لها أو تزوّج غير الزانية للزاني فهل يجوز مطلقا، أو لا يجوز كذلك، أو يفصّل بين المشهور و المشهورة، فلا يجوز، و بين غيرهما فيجوز؟

احتجّ للمنع في المشهور و المشهورة بقوله تعالى الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «2». تقريب الاستدلال أنّ المراد- و اللّه العالم- من صدر الآية هو كشف حال الزناة بحسب النوع و أنّ خباثة طبعهم تدعوهم إلى

المواصلة و عقد المزاوجة مع من يشاكلهم، و أنّ التناسب و الاشتراك في هذه الرذالة أدعى إلى سكون نفسهم و حصول الألفة في ما بينهم.

و المراد من الذيل- و اللّه العالم- بيان الحكم الشرعي، أعني: أنّ هذا الذي يفعلونه الزناة جعله اللّه محرّما على المؤمنين، و حيث إنّ إنكاح الزاني المؤمنة غير محرّم إذا لم يكن مشهورا بالاتّفاق ظاهرا، مع أنّ في الباب روايات خاصّة ناصّة بأنّ المراد من الآية ليس مطلق الزاني و الزانية، بل خصوص المشهورين

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4، 5 و 7.

(2) سورة النور: الآية 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 131

و المشهورات، فهذا يوجب تقييد إطلاق الآية بخصوص هذين. ففي خبر زرارة «1» «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قال عليه السّلام: هن نساء مشهورات بالزنا و رجال مشهورون بالزنا قد شهروا بالزنا و عرفوا به، و الناس اليوم بذلك المنزل، فمن أقيم عليه حدّ الزنا أو شهر بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتّى يعرف منه التوبة».

و في خبر محمّد بن مسلم «2» عن أبي جعفر عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

الزّٰانِي. إلخ، «و هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مشهورين بالزنا، فنهى اللّه عزّ و جلّ عن أولئك الرجال و النساء، و الناس اليوم على تلك المنزلة، من اشتهر بشي ء من ذلك أو أقيم عليه حدّ فلا تزوّجوه حتّى يعرف توبته».

و لا يعارض ذلك بما دلّ على جواز مناكحة

الفاجرة مع تحصينها و إغلاق الباب عليها، مثل ما رواه زرارة «3» عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سأل رجل أعجبته امرأة، فسأل عنها، فإذا النساء تنبئ عليها في شي ء من الفجور، فقال عليه السّلام: لا بأس بأن يتزوّجها و يحصّنها».

و رواية عليّ بن يقطين «4» «قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: نساء أهل المدينة؟

قال عليه السّلام: فواسق، قلت: فأتزوّج منهنّ قال عليه السّلام: نعم».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(4) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 132

و رواية زرارة «1» «قال: سأله عمّار و أنا حاضر، عن الرجل يتزوّج الفاجرة متعة؟ قال عليه السّلام: لا بأس، و إن كان التزويج الآخر فليحصّن بابه».

و رواية علي بن رئاب «2» «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الفاجرة يتزوّجها الرجل المسلم؟ قال عليه السّلام: نعم و ما يمنعه؟ و لكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد».

فإنّه من الجائز أن يكون الحرمة و فساد النكاح مشروطا بشرطين: عدم التوبة، و عدم إمكان التحصين.

و أمّا الحمل على الكراهة فقد عرفت أنّه في مثل هيئة «لا تفعل» لكثرة شيوعها في غير المانع عن النقيض و ضعف ظهورها في المانع، جمع عرفي، و أمّا في مثل التحريم كما في المقام فليس جمعا عرفيّا و إن فرض أنّه قد يطلق مسامحة لفظة الحرام و نحوها في المكروه بقرينة.

و الحاصل: أنّ المستفاد من مجموع الآية و ما ورد في تفسيرها

و هذه الروايات أنّ شرط مناكحة المشهور هو التوبة، و المشهورة إمّا هي و إمّا التحصين، و بدون الأمرين يكون النكاح فاسدا.

فإن قلت: غاية ما ذكرت استفادة الحرمة في قبال الكراهة، و أمّا أنّها الوضعيّة دون التكليفيّة النفسيّة، فيمكن منعه، فإنّ نواهي المعاملة و إن كانت ظاهرة في الإرشاد إلى الوضع و عدم الوقوع، و لكن في خصوص تمكّن الدغدغة في هذا الظهور، أو دعوى ظهور النفسيّة، بملاحظة أن يكون الملحوظ في هذا النهي

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 133

هو مبغوضيّة الزنا و مبغوضيّة صاحبه عند الشارع، و لا يمكن بعد فرض كون النهي تكليفيّا نفسيّا استفادة الفساد منه؛ لأنّ الملازمة إنّما هي مسلّمة حسب الإجماع الذي ادّعاه بعض الأساطين في صورة لم يكن الملحوظ في النهي إلّا نفس عنوان نكاح المشهور و المشهورة مثلا، لا أن يكون حرمة هذا العنوان بلحاظ حرمة الزنا.

و بعبارة اخرى: إنّ الإجماع له قدر متيقّن و هو خصوص النهي النفسي الغير الملحوظ فيه الغير، مثلا إذا نهى نفسيّا عن البيع وقت النداء و لكن كان الحكمة فيه ملاحظة الحضور للصلاة فلا دليل على إفساده.

قلت: لو سلّمنا هذا الإجمال أو الظهور و كون المتيقّن من الإجماع ما ذكر، و لكن لنا أن نتمسّك بعموم ما دلّ على أنّه متى كانت المعاملة بعنوانها عصيانا للربّ فهي فاسدة، فإنّه بناء على كون الملحوظ هو الغير أيضا يتحقّق المعصية، لأنّه أيضا قسم من النفسي، و ليس مقدّميّا لا عقاب على مخالفته.

نعم هذا كلّه في الابتداء، و أمّا الاستدامة فلا

دليل على زوال النكاح السابق بعروض هذا العنوان في الزوج أو الزوجة، و الآية أيضا لا تدلّ عليه، كما هو واضح، مضافا إلى خبر عبّاد بن صهيب «1» عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام «قال عليه السّلام:

لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني، و إن لم يقم عليها الحدّ فليس عليه من إثمها شي ء».

نعم، ورد في زنا كلّ من المرأة و الرجل قبل الدخول و بعد التزويج أخبار غير معمول بها، مثل أنّه بعد زنا الزوج قبل الدخول «لم تحلّ الزوجة له؛ لأنّه زان

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 134

و يفرّق بينهما و يعطيها نصف الصداق» «1» و في آخر: «يجلّد الحدّ و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفى سنة» «2».

و في طرف زنا الزوجة قبل الدخول ورد أنّه «يفرّق بينهما و تحدّ الحدّ و لا صداق لها» «3» و لو لا إعراض الطائفة عنها أمكن أن يحمل التفريق على الطلاق و أنّه يباشر ذلك الإمام و الوالي، و أنّ ذلك أيضا من العقوبة و الحدّ الذي قرّر لزناه، و أنّ هذا الزنا ليس من غير المحصن محضا حتّى يكون حدّه الجلد فقط، و لا المحصن المحض حتّى يكون حدّه الرجم، بل برزخ بين الأمرين، و لكنّ العمدة عدم العمل بها.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب القضاء و الشهادات، الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 135

تحريم أخت الزوجة:
اشارة

و من توابع المصاهرة

تحريم أخت الزوجة لأب و أمّ أو لأحدهما جمعا، لا عينا.

و هذا ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال فيما إذا وقع العقد على الأختين دفعة أو على التعاقب، و لنقدّم حكم صورة التعاقب.

فنقول: إنّه حسب القاعدة لا فرق بينها و بين صورة الدفعة؛ فإنّ عنوان الجمع مسبّب عن كليهما، غاية الأمر عن وجود أحد العقدين حدوثا و عن وجود الآخر بقاء، فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، لكنّ المتّبع هو النصّ، و قد دلّ على صحّة ما وقع أوّلا و بطلان ما وقع أخيرا.

و هو صحيح زرارة بن أعين «1» «قال: سألت أبا جعفر عليهما السلام عن رجل تزوّج امرأة بالعراق، ثمّ خرج إلى الشام فتزوّج امرأة أخرى، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق؟ قال عليه السّلام: يفرّق بينه و بين المرأة التي تزوّجها بالشام و لا يقرب المرأة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 136

العراقيّة حتّى تنقضي عدّة الشاميّة، الحديث».

و لا تعارضها صحيحة أبي بكر الحضرمي «1» ظاهرا «قال: قلت لأبي جعفر عليهما السلام: رجل نكح امرأة ثمّ أتى أرضا فنكح أختها و لا يعلم؟ قال عليه السّلام:

يمسك أيّتهما شاء و يخلّي سبيل الأخرى، الحديث» فإنّها ظاهرة في أنّ الاختيار إليه بلا توسيط أمر آخر، و لكنّ الأولى نصّ في ورود الفساد على عقد الثانية، فتحمل الرواية الثانية على أنّه إمّا يطلّق الاولى ثمّ يعقد على الثانية، و إمّا يمسك الاولى بلا حاجة إلى عقد جديد، و لا طلاق للثانية.

و الحاصل أنّه لم يحرم عليه إحداهما بواسطة هذا العقد الثاني عينا، فالمسألة خالية عن الإشكال مع العلم بتأريخي العقدين.

الكلام في مجهولي التأريخ

و أمّا في صورة

العلم بأحدهما و الجهل بالآخر فيمكن أن يقال بصحّة المعلوم التأريخ بأصالة عدم العقد على الأخرى المجهولة التأريخ إلى حين وقوع المعلوم، و هذا كاف في صحّته و لا يحتاج إلى إثبات عنوان التأخّر للعقد الثاني، فهو باق على المشكوكيّة، و لكنّه محكوم بالفساد من جهة أصالة عدم ترتّب الأثر، و أمّا أصالة الصحّة فهي معارضة بمثلها في جانب معلوم التأريخ، و بعد تعارضهما و تساقطهما نرجع إلى الاستصحابين المذكورين.

لا يقال: ما ذكرت من معارضة أصالتي الصحّة في العقدين أوّلا ثمّ الرجوع

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 137

إلى الاستصحابين إنّما يتمّ بناء على حكومة أصالة الصحّة على الاستصحاب، كما على القول بأماريّتها، و أمّا على القول بأصليّتها و أنّها إنّما تقدّم في موارد مخالفتها للاستصحاب لعدم لزوم اللغويّة، و إلّا فمع المطابقة كلاهما جاريان، فيقع التعارض بين الاستصحاب و أصالة الصحّة في جانب المعلوم، و بين أصالة الصحّة في جانب المجهول.

لأنّا نقول أوّلا: إنّ الظاهر أنّ أصالة الصحّة متقدّمة على الاستصحاب في جميع مواردها، سواء المطابق مع الاستصحاب، أم المخالف، لا في خصوص الثاني، بمعنى أنّ مخالفة أكثر موارد أصالة الصحّة مع الاستصحاب يكشف عن أنّ الشارع لم يعتن في جميع موارد هذا الأصل إلى الاستصحاب، حتّى إذا كان موافقا أيضا، فلم يستند الحكم إليهما معا، بل إلى خصوص هذا الأصل، و بالجملة، لم ينظر مع هذا الأصل إلى شي ء آخر، فيكون مقدّما على الاستصحاب رتبة، فرتبة الاستصحاب بعد سقوطه بالتعارض.

و ثانيا: إنّ المستند لأصالة الصحّة في أبواب المعاملات ليس دليلا لفظيّا، فإنّ الدليل اللفظي لم يرد إلّا في خصوص باب الصلاة و

الطهارات الثلاث، و لم يثبت فيه عموم يشمل أبواب المعاملات، فالعمدة في المعاملات بناء العقلاء و عدم الردع من الشارع، و حينئذ فيمكن أن يقال: إنّ بناءهم مخصوص بالشكوك البدويّة، أو أنّ القدر المتيقّن من بنائهم، فلا يجري في أطراف العلم الإجمالي الذي منه ما نحن فيه.

و على كلّ حال فالحكم بصحّة معلوم التأريخ، الظاهر أنّه لا إشكال فيه.

يبقى الكلام في صورة جهل التأريخين، و قد يقال حينئذ بالرجوع إلى القرعة في تعيين أنّ أيّهما السابق.

و التحقيق أن لا مجرى للقرعة؛ لاختصاص موردها بما إذا انحصر المخلص

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 138

و طريق التخلّص بها، فإنّه المتبادر من المشكل، و أمّا إذا كان هناك طريق عقلي أو شرعي للتخلّص عن المحذور، فلا يصدق المشكل، فلا موقع للقرعة، أمّا أنّه مع التخلّص لا موقع للقرعة فواضح، و أمّا أنّه يكون هنا تخلّص فلأنّ الإشكال إمّا يكون من جهة تعيين أنّ أيّتهما زوجة و أيّتهما أجنبيّة، و هذا سهل التخلّص، فإنّه يمكن بطلاق من كان منهما زوجة له واقعا، ثمّ يعقد على أيّتهما شاء بعد انقضاء العدّة.

و أمّا من جهة المهر و أنّه ملك لأيّتهما فنقول: قد يفرض ذلك قبل الدخول، و قد يفرض بعده، و قد يكون المهر دينا، و قد يكون عينا، و على كلّ حال إمّا أنّ المرأتين عالمتان بالمتقدّم و المتأخّر، و إمّا كلتاهما شاكّتان، و إمّا إحداهما عالمة و الأخرى شاكّة.

فعلى تقدير كونه عينا و كونهما عالمتين و كان قبل الدخول، فنصف العين المذكورة حسب إقرار إحداهما ليس ملكا لها، و الأخرى مدّعية لها بلا معارض، فيدفع إليها.

و كذا لو كان المهر دينا، فإنّ العالمة بالتأخّر معترفة بعدم استحقاقها النصف، و

الأخرى مدّعية للاستحقاق، فيتحقّق البراءة بالدفع إلى من يعلم تقدّمها.

و كذا لو كان إحداهما عالمة بالتقدّم و الأخرى شاكّة، فإنّ الشاكّة حسب الأصل الظاهري الجاري في حقّها غير مستحقّة لشي ء.

و إن أبيت عن هذا فنقول: إنّ الإقباض المعتبر في براءة ذمّة المديون ليس إلّا رفع المانع من قبله و إحضار الدين عند الدائن، فإذا أحضر الزوج مقدار المهر الذي في ذمّته عند المرأتين و مكّنهما من الأخذ فقد برئت ذمّته، و لا يشترط عدم المانع من الأخذ من طرف الدائن أيضا؛ فإنّه غير مربوط بالمديون، و ليس على عهدته.

و منه يظهر الكلام فيما إذا كانتا شاكّتين؛ فإنّ طريق التخلّص للزوج هو الوضع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 139

عندهما، هذا كلّه مع عدم الدخول بواحدة منهما.

و أمّا مع الدخول بكلتيهما، فإن قلنا في وطي الشبهة بثبوت تمام المهر المسمّى؛ لقوله في بعض الأخبار: «إنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها» «1» فلا كلام، فإنّه يعطي كلا منهما مهرها المسمّى، و إن قلنا بثبوت مهر المثل فمع مطابقته لمهر المسمّى أيضا لا كلام، و مع التفاوت يجعل ما به التفاوت فيما بينهما، و يتخلّص بذلك كما تقدّم.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام فيما إذا دخل بإحداهما دون الأخرى؛ فإنّه على تقدير استحقاق الموطوءة بالشبهة لتمام المهر المسمّى يعطى المهر لتلك المدخولة، و أمّا الأخرى فيشكّ في اشتغال الذمّة بالنسبة إليها و الأصل البراءة.

و إن قلنا بعدم استحقاقها إلّا مهر المثل فمع تطابقه مع المهر المسمّى فالكلام كما تقدّم، و مع التخالف يجعل مقدار التفاوت فيما بينهما ليأخذه من كان مستحقّا، و بالجملة، لا يحصل إشكال للزوج في شي ء من الصور.

نعم، يقع الكلام حينئذ في ما بين المرأتين في

الصور التي يجعل المال فيما بينهما، و حكمه حكم كلّ مورد دار أمر المال بين شخصين من الصلح القهري، كدرهم الودعي، أو القرعة، فكلّ ما قلنا في ذلك الكلّي نقول به في هذا المقام الذي هو من أحد جزئيّاته.

في تزويج الأختين دفعة:
اشارة

بقي الكلام فيما إذا وقع العقد على الأختين دفعة إمّا في عقد واحد، أو عقدين متفرّقين، و فيه قولان: بطلان نكاحهما؛ لأنّ الجمع ممتنع، و الواحد المعيّن ترجيح

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 140

بلا مرجّح، و أحدهما لا بعينه يستحيل كونه موضوعا للصحّة، فيتعيّن البطلان، و صحّة نكاح إحداهما، و يتخيّر هو أيّتهما شاء، و هو مضمون ما رواه الصدوق قدّس سرّه بإسناده عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل تزوّج أختين في عقدة واحدة قال عليه السّلام: يمسك أيّتهما شاء و يخلّي سبيل الأخرى» و قال عليه السّلام في رجل تزوّج خمسا في عقدة واحدة «قال عليه السّلام: يخلّي سبيل أيّتهنّ شاء» «1».

و هذا الطريق صحيح و إن كان طريق الكليني حسنا، فإنّه قدّس سرّه روى عن عليّ ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهما السّلام أنّه عليه السلام قال في رجل تزوّج أختين في عقدة واحدة «قال عليه السّلام:

هو بالخيار يمسك أيّتهما شاء، و يخلّي سبيل الأخرى» «2».

و أنت خبير بأنّ الرواية من حيث السند و الدلالة تامّة غير مخدوشة، فإن كان زوجيّة أحدهما بلا عنوان و بنحو الإبهام أمرا معقولا ممكنا غير محال عقلا، فلا محيص عن القول به أوّلا عقلا،

و ثانيا من جهة هذه الرواية.

فنقول: لا شكّ أنّ الأعراض الخارجيّة مثل السواد و البياض يحتاج إلى محلّ معيّن، و لا يكفي فيها الواحد اللّامعيّن و الكلّي، و أمّا عرض الزوجيّة فقيام أمثالها من المأموربهيّة و الملكيّة بالواحد الغير المعيّن غير عزيز، كما في ملكيّة الصاع الكلّي و الفرد المنتشر أيضا متصوّر، غاية الأمر أنّ البيع لا يقع عليه لمانع فيه، و إلّا ففي الوصيّة بأحد العبدين مثلا لا إشكال في دخول الفرد المنتشر في

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 141

ملك الموصى له.

و على هذا فقيام الزوجيّة أيضا ممكن؛ لأنّها أيضا من قبيلها، فلا يمكن دعوى احتياجها إلى أزيد ممّا يحتاج إليه العلاقة الملكيّة أو إضافة المأمور بهيّة.

و حينئذ نقول: بعد ما فرضنا أنّ كلا من العقد على شخص هذه الأخت و شخص تلك مقتض و سبب لحصول علاقة الزوجيّة في شخص متعلّقه، و فرضنا أيضا انعزالهما عن التأثير بالنسبة إلى كلّ من الخصوصيّتين، و الجامع ممكن التلوّن بلون الزوجيّة، و المقتضي لها بالنسبة إلى الخاصّ مقتض لها بالنسبة إلى العامّ أيضا، لعدم انفكاك العامّ عن الخاصّ، و المقسم عن القسم، فلا مانع من نفوذ تأثيرهما في الجامع، لعدم المزاحمة و المعارضة فيما بين المقتضيين من جهته.

نعم لو فرض أنّ تأثّر الجامع بذلك السبب كان مشروطا بتأثّر الخصوصيّة و أنّه مع عدم تأثّر الخصوصيّة لا يتأثّر هو بانفراده، كما لعلّه من هذا القبيل باب البيع، فإذا فرض التساقط بالنسبة إلى الخصوصيّة لا يبقى محلّ للتأثير في الجامع.

و أمّا في المقام فلا

دليل على هذا الاشتراط، بل عموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «1» بعد إخراج عنوان الجمع منه يبقى في عمومه الأحد المبهم، فالأحد المبهم قد وقع تحت إنشاء الناكح بوقوع الخاصّ تحته، و هو أيضا بانفراده داخل في عموم الآية أيضا، فاللازم بحكم العقل عدم سقوط العقدين عن التأثير فيه، و لا أقلّ من أنّه لا وجه لطرح الرواية الصحيحة الظاهرة بعد عدم المحذور العقلي في ظاهرها.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 142

مسألة: لو كان له أمتان أختان

، فوطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتّى تخرج الاولى عن ملكه إجماعا على ما في الجواهر، و هذا ظاهرا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام فيما إذا عصى و جامع الثانية مع وطئه للأولى، ففي المسألة أقوال: أحدها مطابق للقاعدة، و الآخر لأخبار المسألة، و الباقي غير مطابق لشي ء منهما.

و قبل الكلام حسب القاعدة نقول: إنّ أصل استفادة حرمة الجمع بين الأختين في الوطي بالملك من آية وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ «1» مبنيّة على إرادة الجمع في الوطي، و حيث إنّ الوطي هو المنظور و الغرض العمدة من عقد النكاح، دلّت الآية بالالتزام على فساد العقد عليهما أيضا، كما لو قيل: إنّ الملكيّة لا تحصل بالنسبة إلى مال معيّن، فإنّه في قوّة أنّ البيع له فاسد.

و بالجملة، في هذا المعنى يمكن الجمع بين عدم اجتماعهما في العقد، و عدم اجتماعهما في الوطي، و عدم اجتماعهما في وطي إحداهما و تزويج الأخرى.

و لكن يرد على هذا أنّه يلزم بناء عليه عدم جواز وطي إحدى الأختين حتّى بعد موت الأخت الأخرى، فإنّ الجمع بين الوطئين بعد عدم الإمكان في الآن الواحد يراد به الجمع في الدنيا، و في

الفرض المذكور يلزم ذلك، و إن أريد الاستعداد و الإعداد له فيلزم عدم جواز الجمع في الملكيّة؛ إذ بالملك يحصل الاستعداد، فلا بدّ أن يقال: إنّ المراد هو الجمع بينهما في النكاح، فلا يستفاد من الآية حرمة الجمع في

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 143

الوطي، و لا في الوطي و النكاح، بل الدليل على هذين هو الإجماع، و هو أيضا ثابت.

ثمّ بعد ثبوت الحرمة المذكورة بالإجماع نقول: مقتضى القاعدة تخصيص الحرمة بالثانية؛ فإنّ عنوان الجمع الذي هو الحرام يتوقّف على إتيان كلا الوطئين، فما دام لم يؤت بأحدهما يحرم تخييرا أحدهما و يجب تخييرا ترك أحدهما، و بعد اختيار فعل الوطي في إحداهما يتعيّن الحرمة في الأخرى، كما قرّر ذلك في مقدّمات الحرام، و بعد صيرورة هذا الوطي الثاني متّصفا بالحرمة نتكلّم في الموطوءة الاولى و أنّ وطئها من بعد هذا جائز أو لا؟

فنقول: مقتضى عموم قوله عليه السّلام: «لا يحرّم الحرام الحلال» و قوله تعالى:

أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ جواز الوطي الأوّل بعد ذلك، و مقتضى عموم دليل حرمة الجمع حرمته؛ إذ حاله بعد الوطي الثاني حال الوطي الثاني بالنسبة إلى الوطي الأوّل؛ لأنّه أيضا محقّق للجمع مع الوطي الثاني، و النسبة عموم من وجه، مضافا إلى أنّ مقتضى أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ جواز الوطي بعد ذلك حتّى للثانية أيضا، و هو مقطوع العدم، فإنّ الدليل و إن كان لبّيا، و لكنّا نقطع بعدم جواز الجمع في وقت من الأوقات، و بعد تساقط هذه الأدلّة بالتعارض نرجع إلى استصحاب حلّيّة الاولى و حرمة الثانية إلى أن تموت الأولى أو تخرج عن الملك، هذا مقتضى القاعدة.

و أمّا بحسب الأخبار الخاصّة فنقول: هي

بين وظائف:

فمنها: صحيحة أبي الصباح الكناني «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «قال:

سألته عن رجل عنده اختان مملوكتان، فوطئ إحداهما، ثمّ وطئ الأخرى؟

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 144

فقال عليه السّلام: إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتّى تموت الأخرى، قلت:

أ رأيت إن باعها؟ فقال عليه السّلام: إن كان إنّما يبيعها لحاجة و لا يخطر على باله من الأخرى شي ء فلا أرى بذلك بأسا، و إن كان إنّما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا».

و قريب منها صحيحة الحلبي، و صحيح ابن مسلم، و خبر أبي بصير، و خبر علي بن أبي حمزة.

و منها: خبر عبد الغفّار الطائي «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في «رجل كانت عنده اختان، فوطئ إحداهما، ثمّ أراد أن يطأ الأخرى؟ قال: عليه السّلام: يخرجها عن ملكه، قلت: إلى من؟ قال عليه السّلام: إلى بعض أهله، قلت: فإن جهل ذلك حتّى وطئها؟

قال عليه السّلام: حرمتا عليه كلتاهما».

و منها: صحيح الحلبي «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قلت له: الرجل يشتري الأختين، فيطأ إحداهما، ثمّ يطأ أخراهما بجهالة؟ قال عليه السّلام: إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الاولى، و إن وطئ الأخيرة و هو يعلم أنّها عليه حرام حرمتا عليه جميعا».

و مورد افتراق هذه الأخبار أمور: أحدها: أنّه لم يحكم في الأوّل إلّا بحرمة الاولى، و في الأخيرتين حكم بحرمتهما جميعا.

و الثاني: أنّه جعل في الأولى للحرمة غاية، و أطلق في الأخيرتين.

و الثالث: أنّه لم يفصّل في الأولى بين الجهل و العلم، و فصّل بينهما في الأخيرة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب

ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 145

و الرابع: أنّه حكم في الثانية في الجهل بحرمتهما جميعا، و في الأخيرة بعدم حرمة الاولى.

أمّا الجهة الأولى فيمكن رفع التعارض بأنّ عدم التعرّض في الأولى لحرمة الثانية من باب عدم حاجتها إلى البيان؛ لأنّ المحتاج إليه هو الاولى.

و أمّا الثانية فيعامل معاملة المطلق و المقيّد، بحمل الأوّل على الثاني، فيقال بحرمتهما جميعا، إلّا إذا أخرج الأولى أو تموت، أو إذا أخرج الثانية لا للعود إلى الأولى، أو تموت.

و أمّا الثالثة فيعامل أيضا تلك المعاملة، فيقال: بأنّ الحرمة المغيّاة بما ذكر إنّما هي مع العلم بالحكم و الموضوع، و أمّا مع الجهل بأحدهما أو كليهما فلا نشر للحرمة.

و أمّا الرابعة فيمكن رفع المعارضة بحمل قوله: «فإنّ جهل ذلك حتّى وطئها» على جهل الحيلة التي علّمها الإمام عليه السّلام من النقل إلى بعض الأهل، و إلّا فهو عالم بحرمة وطء الثانية موضوعا و حكما، فيرتفع المنافاة عن البين رأسا.

و يصير محصّل الجميع التفصيل بين الجهل و العلم، فمع الجهل لا نشر للحرمة من هذا الوطي إلى الأخت الأولى، فهي على حلّيّتها الأوّليّة، و الثانية على حرمتها كذلك، و مع العلم تنشر الحرمة إلى الأولى، فتصيران كلتاهما محرّمتين إلى أن تموت إحداهما، أو تخرج عن ملكه، لكن بشرط أن لا يكون إخراج الثانية بنيّة العود إلى الاولى.

و من جملة ما يتوهّم معارضته مع ما تقدّم، خبر معاوية بن عمّار «1» «قال:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 146

سألت أبا عبد اللّه عن رجل كانت عنده جاريتان

اختان، فوطئ إحداهما ثمّ بدا له في الأخرى؟ قال عليه السّلام: يعتزل هذه و يطأ الأخرى، قال: قلت: فإنّه تنبعث نفسه للأولى؟ قال عليه السّلام: لا يقربها حتّى تخرج تلك من ملكه»، حيث إنّ مقتضى خبر الطائي المتقدّم، الحكم في مثل هذا المفروض للسائل بالإخراج عن ملكه و لو إلى بعض أهله.

و بمضمونه خبر عبد اللّه بن سنان، و في هذا الخبر الحكم بكفاية الاعتزال في تجويز وطي الأخيرة و أنّه لا حاجة إلى الإخراج عن الملك، و لهذا حمله بعض على إرادة الإخراج من الاعتزال، و لكنّ الظاهر أنّه لا داعي إلى ارتكاب خلاف الظاهر، بل يمكن حمله على ظاهره من محلّليّة نفس الاعتزال، أعني: البناء العقلي على الترك الدائمي، لا الترك الخارجي الدائمي.

لكن نقول: إنّ لوطي الثانية حكمين: أحدهما: حرمة نفسه من حيث تحقّق عنوان الجمع به، و الثاني: كونه موضوعا لحرمة الوطي بالنسبة إلى الأولى إلى أن تخرج الثانية عن ملكه، لا لأجل العود إلى الأولى.

فالحكم الأوّل حسب الجمع بين خبر الطائي و ابن سنان، و بين هذا الخبر مغيّى بإحدى الغايتين، أعني: أنّ الوطي للثانية إنّما يحلّ بأحد الأمرين: إمّا إخراج الأولى عن الملك و لو إلى بعض الأهل، و إمّا الاعتزال عن الاولى و البناء القلبي على ترك وطئها و لو لم يخرجها عن ملكه، فهذا أيضا يوجب حلّيّة وطئ الثانية، غاية الأمر أنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم من الأخبار ثبوت الحكم الثاني لهذا الوطي، أعني: كونه محرّما لوطي الاولى، بل في نفس الخبر أيضا تصريح بذلك، فلا يجوز بعد وطي الثانية وطي الأولى، إلّا أن تخرج الثانية عن ملكه لا لأجل العود إلى الاولى.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 147

و

ممّا يتوهّم أيضا منافاته لما تقدّم، خبر علي بن يقطين «1» «قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن أختين مملوكتين و جمعهما؟ قال عليه السّلام: يستقيم و لا أحبّه لك، و سألته عن الامّ و البنت المملوكتين؟ قال عليه السّلام: هو أشدّهما و لا أحبّه لك» حيث إنّ مقتضى ما تقدّم عدم جواز الجمع بين الأختين، و مقتضاه جوازه.

و لكن يمكن دفع المنافاة بحمل هذا على الجمع في الملك، فإنّه لا مانع منه في الأختين، و الذي هو المحذور جمعهما في الوطي، و الذي يشهد لهذا الحمل- مضافا إلى أنّه ليس في الرواية إلّا لفظ الجمع القابل بقرينة الأخبار المتقدّمة على الملك المجرّد عن الوطي- ما في ذيل هذا الخبر من حكم الامّ و البنت، فإنّه لا بدّ من حمل الجمع بالنسبة إليهما على مجرّد الملك، و إلّا فوطئهما معا محرّم بلا إشكال.

ثمّ هذا تمام الكلام في جمع الأختين في الوطي بالملك، و قد عرفت أنّه إذا وطئ إحداهما بالملك فلا يجوز وطي الأخرى به و إن جاز ملكها.

و هل يجوز تزويج الثانية و وطئها بالتزويج و الحال أنّه وطئ أختها بالملك، و هل يصحّ هذا التزويج، أو يفسد؟

يمكن أن يقال: الذي ثبت الدليل على حرمته جمع الأختين في الوطي، و كذا في العقد، و أمّا جمعهما في الوطي و العقد بأن وطئ إحداهما و عقد الأخرى- كما هو المفروض- فلا دليل على حرمته.

و إذن فيبقى عقد الثانية تحت عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ فيحكم عقدها بالصحّة و حصول علاقة الزوجيّة، و الأولى أيضا باقية على حلّيّة وطئها، و أمّا الثانية فحيث إنّ الوطي بالنسبة إلى الأولى قد تحقّق، فينحصر ترك الجمع بترك

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 148

وطئ الثانية، فيصير واجبا، فيحرم عليه وطي الثانية، لأجل أن لا يتحقّق منه عنوان الجمع، و هذا التحريم الموقّت بما دام عنوان الجمع نظير التحريم ما دام الحيض لا ينافي صحّة عقد المزاوجة المقصود منه الوطي، و الذي ينافيه الحرمة الأبديّة.

و أمّا ما يوجد في بعض الكلمات من أنّه بعد اجتماع المقتضيين للوطي في الأختين و فرض عدم تأثيرهما فعلا، و لزوم سقوط أحدهما عن الفعليّة، فاللازم سقوط ما كان منهما أضعف، و هو في المقام الملك؛ لأنّ الغرض الأصلي منه الماليّة لا الوطي، بخلاف النكاح، فإنّ الغرض الأصلي منه الوطي، و حكموا لذلك بحرمة وطي الاولى أعني: الموطوءة بالملك ما دامت الثانية في حباله.

ففيه أنّه لا ينطبق على قاعدة شرعيّة و لا برهان عقليّ، بل هو صرف استحسان لا يصلح جعله مدركا للحكم الشرعي، فلا محيص عمّا ذكرنا من صحّة المزاوجة، و لكن يحرم الوطي ما دامت الاولى في ملكه، فإذا انتقلت جاز له الوطي، فيكون حال تزويج الثانية حال ملكها بلا فرق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 149

مسألة تزويج بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة

لا يصحّ تزويج بنت أخت الزوجة و بنت أخيها إلّا برضا الزوجة، و حينئذ فإن أذنت صحّ، و إلّا فلا.

و المسألة بحسب الأخبار خالية عن الإشكال، فإنّها مستفيضة في العمّة و الخالة بصحّة عقدهما على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير رضاهما، و بعدم صحّة تزويج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير رضاهما.

نعم في الوسائل «1» نقل عن العلّامة في المختلف و غيره عن ابن أبي عقيل أنّه روي «عن علي بن جعفر قال: سألت

أخي موسى عليه السّلام عن رجل تزوّج المرأة على عمّتها أو خالتها؟ قال عليه السّلام: لا بأس؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ».

و من المعلوم وجه الجمع بينه و بين الأخبار السابقة، فإنّه في مقام نفي الحرمة العينيّة بدليل استشهاده عليه السّلام بالآية الشريفة، فإنّ الآية ساكتة عن الأسباب، فليس مدلولها الحلّيّة المطلقة، و لو بدون العقد، بل المراد الحلّيّة بأسبابها، و أمّا أنّ السبب

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 150

ما ذا؟ فالأخبار المتقدّمة مصرّحة بدخالة إذن العمّة و الخالة في صحّة التزويج على ابنة الأخ و ابنة الأخت.

كما أنّ ما رواه في الوسائل «1» عن شيخ الطائفة قدّس سرّه بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة و عمّتها، و لا بين المرأة و خالتها» محمول بقرينة الأخبار السابقة على الجمع بغير الوجه الذي رخصته؛ لأنّ النسبة هو الإطلاق و التقييد.

و بالجملة، المسألة خالية عن الإشكال، و المحكيّ عن جميع من خالفنا أنّهم يرون الجمع بين ابنة الأخ و العمّة و ابنة الأخت و الخالة مطلقا غير جائز، كالجمع بين الأختين، و جعلوا الضابط أنّه كلّما لو فرض إحدى المرأتين رجلا كان نكاحه للأخرى محرّما، فالجمع بينهما في التزويج غير جائز، و عن المسالك أنّه ضابط حسن، و لم نعلم وجه حسنه، و على كلّ حال فالحقّ ما تقدّم.

و لو تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت و لم يطّلعهما على ذلك

فمقتضى إطلاق الأخبار صحّته، فإنّ اشتراط إذن العمّة و الخالة إنّما هو في صورة تزويج ابنة الأخ و ابنة الأخت عليهما، لا العكس، فيكون العكس باقيا تحت إطلاق ما دلّ على جواز تزويج العمّة و الخالة عليهما؛ فإنّه شامل لصورة عدم اطّلاع العمّة و الخالة أيضا بزوجيّة المدخول عليها، و هذا أيضا خال عن الإشكال.

إنّما الإشكال في أنّه لو تزوّج ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير إذن العمّة و الخالة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 151

عليهما، فهل العقد يقع باطلا بحيث لا يثمر في صحّته لحوق الرضا، أو أنّه يقع موقوفا على الرضا كالفضولي.

و هنا قولان آخران لا ينطبقان على شي ء من القواعد.

أحدهما: وقوع العقد صحيحا و ثبوت الخيار للعمّة و الخالة في فسخه و فسخ عقد أنفسهما، بمعنى أنّ لهما فسخ أيّ من العقدين شاءا.

و الثاني: وقوعه باطلا و للعمّة و الخالة الخيار في فسخ عقد أنفسهما.

و أنت خبير بأنّهما غير منطبقين على القاعدة، فالأمر دائر بين البطلان و الوقوف على الإجازة.

أمّا وجه الأوّل فهو أنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «لا تزوّج ابنة الأخ و ابنة الأخت على العمّة و الخالة إلّا بإذنهما» «1» مدخليّة إذنهما في العقد، و ظاهر كلمة «الباء» هو المصاحبة و المقارنة، كما في قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلّا بطهور» فلا يستفاد منه شرطيّة الأعمّ من اللاحق و المقارن.

و أمّا باب الفضولي فمضافا إلى ورود الدليل الخاصّ فيه نقول: إنّه لا فرق عند العرف في تحقّق البيع المسبّبي أعني: النقل و الانتقال بين صدوره من المالكين، أو من مأذونهما، أو من الأجنبي، ثمّ إذا اطّلعا رضيا و

أمضيا ما فعله الأجنبيّ؛ فإنّهم يرون بيع الدار في الصورة الأخيرة متحقّقا من حين حصول الإمضاء، كما في الصورتين الأوليين، فهذا يوجب دخوله في إطلاق قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و أمّا قوله تعالى تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فبواسطة هذا الارتكاز لا ينسبق إلى أذهانهم ما يعطيه ظاهر لفظة «عن» النشويّة، بل يفهمون مدخليّة الرضا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 152

على نحو ما يكون معتبرا عندهم من عدم الفرق بين السابق و اللاحق، فالآية بمقام إعطاء أصل اشتراط الرضا في قبال التصرّف العدواني، و أمّا خصوصيّة سبق الرضا فغير منظور إليه، و لعلّ ذكره لنكتة الغلبة، و هذا المعنى مفقود في مقامنا.

اللهمّ إلّا أن يفهم من قوله عليه السّلام: «إلّا بإذن العمّة و الخالة» أنّ للعمّة و الخالة أيضا ولاية على العقد نحو ولاية الطرفين، فلهذا العقد ثلاثة أولياء، فإنّه ينصرف الذهن حينئذ إلى الاكتفاء بالأعمّ، كما في باب الفضولي بلا فرق، و لكنّ الشأن في إثبات ظهور الكلام في إعطاء الولاية.

نعم، في بعض المقامات يفهم بقرينة المقام، كما لو قيل: لا تزوّج البكر البالغة ذات الأب إلّا بإذنها أو بإذن أبيها، فإنّ المقام مقام ولاية الأب و ولاية الشخص على نفسه.

و أمّا في مقامنا فليس المقام مقام إعطاء الولاية و السلطنة للعمّة و الخالة، بل المنظور رعاية جانبهما و عدم تكدّر خاطرهما و احترامهما، و هو لا يقتضي إلّا شرطيّة رضاهما و عدم نفوذ العقد، مع كراهة نفسهما، و أنّى له من كونهما صاحبا اختيار و ولاية في العقد كسائر ذوي الولايات الذين إليهم النظر و الصلاح و رؤية جهات العقد.

و بالجملة، فظهور

كلمة «الباء» في المصاحبة و المقارنة لا وجه لرفع اليد عنه، و على هذا فيخصّص عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و عموم أدلّة صحّة النكاح.

مضافا إلى ما رواه في الوسائل، عن شيخ الطائفة بإسناده عن محمّد بن أحمد ابن يحيى، عن بنان بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال: سألته عن امرأة تزوّج على عمّتها أو خالتها؟

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 153

قال عليه السّلام: لا بأس، و قال عليه السّلام: تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت؛ و لا تزوّج بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة إلّا برضى منهما، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل».

هذا كلّه في تزويج المرأة على عمّتها أو خالتها أو العكس.

و أمّا صورة تقارن العقدين فهل يحكم بالحلّ أو الحرمة؟

قد يقال: مقتضى صحيح أبي الصباح المتقدّم هو المنع من الجمع مطلقا، خرج منه صورة إدخال العمّة و العكس مع الإذن، بقي الباقي و منه صورة التقارن، فيحكم فيها بالتحريم مطلقا حتّى مع الإذن، اللهمّ إلّا أن يقال بالجواز مع الإذن بدعوى تنقيح المناط، لكنّه أيضا مشكل.

و على كلّ حال فالإطلاق المذكور شامل له، مضافا إلى تنقيح المناط الحاصل من ملاحظة أخبار المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالى من تزويج الأمة على الحرّة و بالعكس، حيث إنّ الأخبار وردت بعدم جواز الأوّل و جواز الثاني، و أنّها في الثاني لو لم يطّلع على الحال أوّلا ثمّ اطّلعت كان لها الفسخ، و ورد أيضا أنّه لو عقد على الحرّة و أمتين مملوكتين بعقد واحد يصحّ بالنسبة إلى الحرّة و يبطل بالنسبة إلى الأمتين؛ فإنّه يقال: ملاك الحكم في كلا البابين

احترام الداخلة و مهانة المدخول عليها، حتّى أنّه من جهته يمكن الحكم هنا أيضا في صورة دخول العمّة و الخالة باعتبار رضاهما، هذا ما يقال.

و لكنّه مشكل من كلتا الجهتين، أمّا الجهة الاولى أعني: التمسّك بإطلاق صحيح أبي الصباح، فلأنّ غاية تقريبه أنّه لو ورد مطلق و مقيّد متوافقان، و لكن كان مفاد المقيّد إثبات القيد في بعض الأحوال، فاللازم الرجوع إلى إطلاق المطلق في غير ذلك الحال.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 154

مثلا لو ورد: اغسل الميّت ثلاث غسلات بالماء، ثمّ ورد: اغسله ثلاث غسلات بالماء و ليكن في الماء شي ء من السدر في الاولى و شي ء من الكافور في الثانية إن تمكّنت من السدر و الكافور، و علم أنّ قيد التمكّن قيد شرعي، لا أنّه اتي به تقرير الحكم العقل فاللازم الحكم بأنّ المطلوب مقيّد مع التمكّن و مطلق مع العجز، و ليس المطلوب بالنسبة إلى جميع الأحوال مطلقا، و لا بالنسبة إلى جميعها مقيّدا، و إلّا لزم سقوطه مع العجز عن القيد.

و كذلك لو ورد الأمر بالأجزاء الصلاتية على وجه الإطلاق، ثمّ ورد الأمر بالستر حالها إن أصبت ساترا، حيث يحكم بأنّ الصلاة مطلقة من حيث الستر عند عدم إصابة الساتر، و مقيّدة به عند إصابته.

و لا يلزم الإشكال بلزوم الجمع بين لحاظي الإطلاق بالنسبة إلى حال و التقييد بالنسبة إلى آخر في دليل المطلق؛ لأنّ هذا إنّما يلزم لو كشف المقيّد عن التصرّف في مقام الجعل للمطلق، و أمّا إذا كشف عن أنّه بحسب الجعل مطلق و التقييد بحسب عالم اللبّ، فلا يلزم ذلك؛ فإنّه لاحظ الإطلاق بالنسبة إلى جميع الحالات لأجل ضرب القانون، لئلّا يتحيّر العبد في مورد من الموارد.

فنقول في

مقامنا أيضا: ورد دليل بحرمة الجمع على وجه الإطلاق، و دليل آخر بحرمة الجمع الغير المأذون فيه في حال تقديم العقد على العمّة، و بحلّيّة الجمع مطلقا في حال تقديم العقد على بنت الأخ، فنقول: إنّ المطلق محفوظ بوجه الإطلاق بالنسبة إلى ما سوى الحالين.

فيتحصّل من ملاحظة الثلاثة، التحريم المطلق و هو صورة التقارن، و الجواز المطلق، و هو في صورة تقديم عقد بنت الأخ، و الحرمة المقيّدة، و هو في صورة تقديم عقد العمّة، هذا غاية تقريب الاستدلال.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 155

و لكن فيه أنّ الفرد الذي يصحّ سوق المطلق بصورة الإطلاق لأجل حفظه بعد خروج ما خرج إنّما هو الفرد الذي لم يكن نادرا و قليل الوجود جدّا، و إلّا فسوق المطلق لأجل بيانه ليس في محلّه، و من هذا القبيل ما نحن فيه؛ إذ الفرد الشائع للجمع فردان:

أحدهما: تقديم عقد العمّة و الخالة، و الآخر: العكس، و له فرد نادر، و هو عقدهما في زمان واحد بعقدين، أو بعقد واحد، فالفردان الشائعان أحدهما محكوم بلا يحلّ، لكن مقيّدا بعدم الإذن، و الآخر محكوم بيحلّ، و ليس شي ء منهما محكوما بيحلّ مطلقا، فالذي يبقى للمطلق حتّى يحكم عليه بلا تحلّ مطلقا منحصر في ذلك الفرد النادر، و حيث لا يصلح سوق المطلق لأجل محض هذا الفرد بندرته.

فاللازم إمّا حمل الصحيح على التقيّة، و إمّا عدم كونه في مقام البيان، بل بصدد الإهمال، و على كلّ حال لا ينفع لما نحن بصدده، فنرجع في حكمه إلى العمومات، أعني عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيحكم بجواز كلا النكاحين.

و أمّا الجهة الثانية فتماميّتها مبنيّة على حصول هذا القطع من تلك الأخبار، و لا كلام مع حصوله، إنّما

الشأن فيه بأن لا يحتمل أعظميّة الأمر في جمع الحرّة مع الأمة من المقام و إن كان الملاك في كليهما الإجلال و الاحترام.

و بالجملة، فمع حصول هذا القطع فهو الحجّة، و إلّا فلا محيص عن مقتضى الظواهر و القواعد، فنقول: مع تقديم عقد بنت الأخ و بنت الأخت بالجواز و لو مع كراهة العمّة و الخالة، و كذا مع جمعهما في عقد واحد، أو نكاحهما في زمان واحد بعقدين.

ثمّ إنّ الموجود في الأخبار كلمة التزويج و النكاح، و هما عبارة عن عقد

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 156

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 156

المزاوجة، فلا يتعدّى عن هذا الموضوع في تخصيص القواعد و العمومات، نعم لا فرق بين التزويج الدائم و المنقطع، و أمّا جمعهما في الوطي بالملك أو أحدهما بالملك و الآخر بالعقد، أو أحدهما بالعقد و الآخر بالتحليل، أو كليهما بالتحليل، أو أحدهما بالملك و الآخر بالتحليل، فكلّ هذا باق تحت العمومات و لا مخرج لها عنها.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 157

مسألة عقد الحرّ على الأمة
اشارة

قيل: لا يجوز للحرّ العقد على الأمّة إلّا بشرطين: عدم الطول، و هو عدم المهر و النفقة، و حذف العنت، و هو المشقّة من الترك.

و لا بدّ قبل الشروع في بيان أدلّة الرخصة أو المنع من بيان الأصل الذي هو المرجع عند تعارض أدلّة الطرفين، و أنّه هل يكون لنا عموم يقتضي الترخيص و الجواز أو لا؟

فنقول: لو قلنا بصحّة التمسّك بأوفوا بالعقود في أبواب المعاملات فلا شكّ أنّ عمومه مقتض لصحّة العقد في ما نحن فيه؛ لصدق العقد عليه فيحكم عليه بوجوب الوفاء و

هو معنى الصحّة.

و أمّا لو لم نقل بذلك و قلنا بأنّ الآية غير مرتبطة بالمعاملات المتداولة في أيدي الناس من البيع و الصلح و الهبة و النكاح و غير ذلك؛ إذ لا يصدق عرفا على طرفي المعاملة أنّهما تعاهدا و عقدا عهدا في ما بينهما، فيكون مساق الآية للعهود التي جرت في ما بين المخلوق مع الخالق.

و بالجملة، فعلى هذا قد يتوهّم أنّ المرجع عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 158

ذٰلِكُمْ «1».

و فيه أنّ الآية ليس بصدد الحلّيّة الفعليّة الغير المنتظرة لشي ء أصلا، بل في مقام إعطاء الحلّيّة الحيثيّة الذاتيّة في قبال المحرّمات التي عدّت في الآية قبل هذه الجملة، فالمقصود أنّ سائر النسوان ليست بمثابة المذكورات، حتّى أنّ الأخت الثانية التي عقدت أختها و وقعت تحت حبالة الشخص ليست خارجة عن الحلّيّة المذكورة و إن كانت محرّمة بالفعل.

كما أنّ المرأة الأجنبيّة قبل إيقاع العقد مستجمعا لشرائطه و فاقدا لموانعه محرّمة بالفعل، و لا منافاة مع الحلّيّة المزبورة المستفادة من الآية.

و بالجملة، فالذي يفيده الآية و هو الحلّيّة الذاتيّة المجتمعة مع اشتراط فعليّتها و لو بألف شرط مقطوع به في المقام؛ إذ لم يحتمل أحد أن يكون من جملة المحرّمات العينيّة الغير القابلة رأسا للمزاوجة هو الأمة بالنسبة إلى الحرّ، و الذي هو المهمّ و المشكوك لنا و هو توقّف الفعليّة على الشرطيّة أو إطلاقها من جهتهما تكون الآية غير متعرّضة لنفيه و إثباته.

و قد يتوهّم أيضا أنّ المرجع عمومات تشريع النكاح، نظير ما يتمسّك في باب البيع من عموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2».

و فيه أنّ الفرق بين البائن أنّ البيع ليس عند كلّ قوم على طريقة خاصّة و كيفيّة مخصوصة،

بل هو نظير حجّيّة ظواهر الألفاظ لا يختصّ به فرقة دون اخرى، و أمّا النكاح فهو و إن كان أصله مشتركا بين جميع فرق الناس، لكنّهم

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

(2) سورة البقرة: الآية 275.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 159

مفترقون في كيفيّته، فما يكون نكاحا عند قوم، ليس بنكاح، بل سفاح عند غيرهم.

وجه عدم جريان المعاطاة في النكاح دون البيع

و هذا هو السرّ في عدم جريان المعاطاة هنا، مع جريانها في باب البيع؛ فإنّه لو كان هذا الباب أيضا كالبيع لا يحتاج إلى أزيد من تراضي الطرفين مع مظهر خارجي إمّا فعلي و إمّا قولي، لكانت المعاطاة أيضا كافية، فهذا يكشف عن أنّ باب النكاح أمره أعظم، و المداقّة فيه أشدّ، حتّى لا يكتفى فيه بمجرّد التراضي مع الإظهار اللفظي، بل لخصوص المظهر أيضا مدخل، و هو مختلف حسب اختلاف تواطؤ كلّ قوم.

و حينئذ فلا محيص عن الرجوع إلى الشرع في تعيين تلك الخصوصيّة، و لا يمكن التمسّك بإطلاق كلامه الوارد في حلّيّة النكاح لدفع الخصوصيّات المحتملة الدخل، كما كنّا نفعل ذلك في باب البيع بواسطة قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1».

فيتحقّق من ذلك أنّا لو آيسنا عن أدلّة خصوص المسألة و لم نستفد الجواز منها فليس لنا عموم أو إطلاق حاكم بالجواز، فيكفي في الحكم بعدم الجواز إلّا مع الشرطين، الشكّ و عدم الدليل؛ لقضيّة الأصل.

فالعمدة النظر في أدلّة الباب، فنقول و باللّه الاستعانة في كلّ باب: أدلّة الباب

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 275.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 160

مركّبة من الآية و الرواية.

أمّا الآية: فقد قال اللّه تبارك و تعالى في سورة النساء بعد آية تحريم الأمّهات و سائر المحرّمات، إلى أن قال تعالى بعد الفراغ عن ذكر المحرّمات وَ

أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «1» إلى آخر الآية ممّا يتعلّق بتتميم ذلك، ثمّ قال تعالى وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ «2» إلى أن قال تعالى بعد ذكر جمل أخر من أحكام نكاح الإماء:

ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3».

تقريب الاستدلال أنّ قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يفيد بمقتضى المفهوم أنّ نكاح الإماء بدون الشرط أعني: عدم استطاعة نكاح الحرائر غير جائز، و كذلك مقتضى قوله تعالى أخيرا ذٰلِكَ لِمَنْ. أنّه يشترط مضافا إلى عدم الطول و الاستطاعة على نكاح الحرّة، الخشية على نفسه بالعنت و الوقوع في الإثم لو ترك نكاح الأمة، فيستفاد من مفهوم الآية أنّه مع انتفاء كلا الأمرين أو أحدهما يكون نكاح الأمة للحرّ غير جائز.

لا يقال: استفادة عدم الجواز إنّما هو لو علمنا أنّ المحذوف في الآية مثل قولنا:

فيحلّ له ممّا ملكت، فإنّ المفهوم حينئذ نفي الحلّيّة، و أمّا إذا لم يعلم أنّه ذلك أو الرجحان أو الوجوب، فغاية المفهوم حينئذ نفي الرجحان أو الوجوب مع عدم أحد الأمرين، و أمّا الجواز فلا.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

(2) سورة النساء: الآية 25.

(3) سورة النساء: الآية 25.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 161

لأنّا نقول: قد عرفت أنّ الآية مذكورة عقيب ذكر حلّيّة نكاح ما عدا المحرّمات، و هذا قرينة على كونه تتمّة للكلام السابق، فكأنّه قيل: تلك الحلّيّة التي أشرنا في خصوص الإماء مشروطة فعليّتها بشرطين.

و قد يقال: إنّ قوله تعالى وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ دليل على إرادة أصل الجواز من الصدر، و إلّا فكيف يمكن استحباب الفعل أو وجوبه و

خيريّة تركه و الصبر عن فعله؟

و لكن فيه أنّ مراتب الخشية متفاوتة، و ربما تبلغ مرتبة يقطع مع الترك بالوقوع في الحرام، و ربما تبلغ درجة يحصل الاطمئنان بذلك، و من المعلوم أنّ إطلاق أَنْ تَصْبِرُوا. لا يشمل هاتين الصورتين، فيختصّ مورده بما إذا حصلت الخشية، و لكن لم تكن الرغبة بمثابة لا يطمئنّ من نفسه بالقدرة على الكفّ عن الحرام، بل يقدر على المجاهدة و توطين النفس بالرياضة و الصبر حتّى تزول عنه الخشية.

و إذن فلا منافاة بين رجحان اختيار نكاح الإماء مع البقاء على تلك الحالة الشهوية و أرجحيّة دفع تلك الشهوة عن نفسه بالمجاهدة و الرياضة، لا أنّه في موضوع بقاء الشهوة بحالها يكون ترك النكاح أرجح من فعله، حتّى ينافي مع رجحان الفعل.

و بالجملة، لا دلالة في ذيل الآية على تعيين المقدّر في صدرها، فالعمدة ملاحظة وقوعها عقيب آية الحلّ، هذا هو الكلام في الآية.

و أمّا الرواية:

فعدّة منها مشتملة على أنّه «إذا اضطرّ إليها فلا بأس» و غاية ما يورد عليها أنّ البأس المستفاد من المفهوم أعمّ من الحرمة و الكراهة، مؤيّدا بلفظة «لا ينبغي»

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 162

الواقعة في الأخبار الأخر.

و يمكن دفعه بما عرفت من أنّ البأس الكراهي مع الاضطرار أيضا ثابت؛ لقوله تعالى وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ «1» فالذي يكون منفيّا مع الاضطرار و ثابتا مع عدمه إنّما هو البأس التحريمي.

مضافا إلى قوله في بعض الأخبار بعد سؤال السائل: يزوّج؟: «لا، إلّا أن يضطرّ إليها» و أمّا لفظة «لا ينبغي» فغاية الأمر عدم ظهورها، لا ظهورها في الكراهة في لسان الأخبار.

هذا غاية تقريب الاحتجاج للمنع، و لكنّ الإنصاف عدم تماميّة شي ء من التقريبين، لا تقريب

الآية و لا الرواية.

أمّا الأولى، فلعدم الاطمئنان و عدم الظهور بتعلّق الآية بما تقدّم و كونها تتمّة لمسألة حلّيّة ما وراء المحرّمات؛ لعدم شي ء في اللفظ دالّ على هذه الإشارة، و ليس إلّا مجرّد ذكر هذه الآية عقيب تلك الآية، و هو غير كاف، فمن الممكن كونه جملة مستقلّة في بيان حكم مستقلّ، أعني: وجوب نكاح الإماء، أو رجحانه مع الخشية و أرجحيّة الصبر على تقدير القدرة على إزالة الصبر، فلا يستفاد من الآية على هذا حال نكاح الإماء مع عدم الشرطين، نعم يعلم عدم رجحانه، بل أرجحيّة تركه، و أمّا أنّه بدرجة الحرمة فلا، هذا حال الآية.

و أمّا الرواية؛ فليس فيها إلّا أوّل درجة الظهور، و ليس بمثابة الظهور الذي ندّعيه إن شاء اللّه تعالى في الأخبار الآتية، أعني: أخبار عدم جواز تزويج الأمة على الحرّة، و هي بين طائفتين:

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 163

الأولى: ما دلّ على اشتراط ذلك بإذن الحرّة، و هو روايتان و إن كان ظاهر الجواهر أكثر من روايتين.

الأولى: صحيحة محمّد بن إسماعيل «قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام، هل للرجل أن يتمتّع من المملوكة بإذن أهلها و له امرأة حرّة؟ قال عليه السّلام: نعم إذا رضيت الحرّة، قلت: فإن أذنت الحرّة يتمتّع منها؟ قال عليه السّلام: نعم» «1».

و الثانية: رواية حذيفة بن منصور «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج أمة على حرّة لم يستأذنها؟ قال: يفرّق بينهما، قلت: عليه أدب؟ قال عليه السّلام:

نعم اثنا عشر سوطا و نصف ثمن حدّ الزاني و هو صاغر «2».

و الثانية: المطلقات الدالّة على عدم جواز نكاح الأمة على الحرّة و جواز العكس، وجه الاستشهاد

بالثانية أنّه لو كان في نفس تزويج الأمة محذور لكان التعليل به أولى من الجهة العرضيّة، أعني: كونها ضرّة على الحرّة؛ فإنّها ظاهرة في الحكم الفعلي.

و إن أبيت عن تعرّضها للفعلي، و أنّها فقط بمقام إظهار مانعيّة التزويج على الحرّة مع السكوت عن سائر الجهات، نتشبّث بذيل الطائفة الاولى و نقول: إنّ ترك الاستفصال فيها دليل العموم، و حملها على صورة وجود الشرطين بأن لم يكفه الحرّة الواحدة حمل على الفرد النادر.

هذا مقتضى ما ذكر في الأخبار.

نعم روى في الوسائل عن الصدوق في الخصال بسنده عن إبراهيم بن

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 164

عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السّلام عن أبيه جعفر بن محمّد عليهما السّلام «قال عليه السّلام:

سئل أبي صلوات اللّه عليه عمّا حرّم اللّه عزّ و جلّ من الفروج في القرآن، و عمّا حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سنّته؟ قال عليه السّلام: الذي حرّم اللّه عزّ و جلّ من ذلك أربعة و ثلاثون وجها، إلى أن قال عليه السّلام في مقام التعداد: و تزويج الأمة على الحرّة، ثمّ بعد فقرتين: و تزويج الأمة على من يقدر على تزويج الحرّة» «1»، و ليس في ما عدّ عليه السّلام في رديف هذين مكروه، و هذا تامّ الدلالة على التحريم، فلو سلم سنده عن الضعف كان حجّة في المسألة.

ثمّ إنّ هنا مسائل:

الاولى: لو تمكّن من تزويج الحرّة، و لكن كانت منحصرة في الرتقاء، أو من لا يمكن وطئها، فالظاهر دخوله في من لم يستطع؛ فإنّه و إن استطاع من إجراء

العقد و إعطاء المهر، و لكن معلوم أنّ الاستطاعة المذكورة مقدّمة للقدرة على بضع الحرّة المفروض انتفائها في المقام.

الثانية: هل المراد بالعنت هو المشقّة البدنيّة الحاصلة من ترك الفراش و العزوبة، أو مشقّة الابتلاء بالمعصية؟ الظاهر من الكلمة لو خلّيت و نفسها هو الأوّل، كما ذكر في عنواني الحرج و الضرر، حيث يخصّان بما كان حرجا و ضررا عرفا مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، و لكن ينافيه قوله تعالى:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 165

وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ «1»؛ فإنّه لا خيريّة مع انجرار الصبر إلى الوقوع في مرض و علّة بدنيّة، فالمناسب لهذه الفقرة إرادة مشقّة المعصية بدون الضرر البدني.

الثالثة: هل قوله تعالى ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ «2» مع قوله مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ. «3» شرط واحد، فلو تمكّن من ملك اليمين و التحليل و إن كان لا يتمكّن من نكاح الحرّة لم يجز له نكاح الأمة، أو أنّهما شرطان، فالمعتبر خوف الإثم و عدم الدافع من جنس نكاح الحرّة، فلا يكفي وجوده من جهة ملك اليمين و التحليل؟

الظاهر من الآية هو الثاني، حيث جعل عنوان عدم الاستطاعة من نكاح الحرّة أصلا و موضوعا للحكم، فلا يمكن جعله غير دخيل رأسا.

الرابعة: المراد بعدم الاستطاعة هو الاضطرار و عدم القدرة العرفي، لا العقلي، فلو تمكّن عقلا من إعطاء المهر للحرّة، و لكن يوجب ذلك كلفة شديدة، يصدق عرفا أنّه لا يتمكّن من نكاح الحرّة، كما أنّ هذا هو المعتبر في باب الوضوء و التيمّم بالنسبة إلى التمكّن من الماء و عدمه.

و على هذا فإن أقدمت الحرّة على التزويج بمهر مثلها أو دونه،

أو ما زاد عليه، و لكن كان مجحفا بحال هذا الشخص و موجبا للكلفة عليه فهذا خارج عن عنوان الاستطاعة العرفيّة، كما أنّه لو تمكّن من شراء الماء للوضوء بثمن المثل

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 25.

(2) سورة النساء: الآية 25.

(3) سورة النساء: الآية 25.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 166

أو أزيد أو أنقص، و لكن كان الثمن مجحفا بحاله، خرج عن عنوان المتمكّن للماء عرفا.

و أمّا في صورة عدم الإجحاف بالحال و حضورها بمهر المثل أو أدون، فلا إشكال في كونه ممّن يستطيع و إن كان مالا خطيرا، كما أنّه في هذه الصورة، أعني: الشراء بثمن المثل للماء إذا كان مالا خطيرا متمكّن من الماء، و لا مجال لدليل لا ضرر هنا؛ لأنّ المفروض أنّ المال الخطير يوازي ماليّة الماء في ذلك الباب، و بضع الحرّة في هذا الباب.

فإيجاب هذا في باب الوضوء و تحريم الأمة في مقامنا لا يتولّد منه ضرر، و هو غير ما إذا توقّف وجدان الماء على ذهاب مال و سرقته و أخذ ظالم إيّاه، فإنّه ذهاب مجّاني و هو ضرر، و أمّا إذا كان في مكانه عوض مالي مساو له فلا ضرر، و لا يلاحظ وجود الثواب و عدمه، فالفارق بين المقامين هو القاعدة لا النصّ، كما حكي عن الشهيد قدّس سرّه.

إنّما الكلام في ما إذا توقّف على بذل الزيادة عن مهر المثل هنا، عن ثمن المثل هناك، فلا إشكال في صدق الوجدان و التمكّن، و لكن قاعدة لا ضرر هناك محكّمة للانتقال من الوضوء إلى التيمّم إن لم نفهم من الرواية الواردة في باب الوضوء شمول هذه الصورة، و إلّا يكون تخصيصا لقاعدة لا ضرر. و كذلك القاعدة في مقامنا

حاكمة بجواز تزويج الأمة بتقريب أنّ تحريم الشارع تزويج الأمة في هذا الفرض غير خال عن أحد الضررين، إمّا المالي، و إمّا البدني، فالمالي بذل الزيادة عن مهر المثل، و البدني ما يرتّب على العزوبة من المشقّة البدنيّة، كما يقال في باب الوضوء:

إنّ إيجاب الوضوء و الحال هذه حكم ضرري.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 167

الخامسة: لو لم يكن له مال فعلي، و لكن الحرّة رضيت ببقاء المهر على ذمّته تطالبها عند القدرة و الاستطاعة، فهو و إن كان غير واجد للمهر عرفا، و لهذا لا يتحقّق الاستطاعة في الحجّ بالتمكّن من الاستدانة بهذا الوجه، و لكن قد عرفت أنّ الاستطاعة المذكورة لا موضوعيّة لها، بل أخذت مقدّمة للوصول إلى الحرّة، و هذا الشخص عرفا قادر و واصل اليد إلى الحرّة.

و لو قالت له: لا أطالبك إلى شهر، فإن كانت ممّن لا تتعدّى عن الموازين الشرعيّة من إنظار المعسر، فلا توجب هتك عرض له في رأس الشهر، كان مستطيعا، و إلّا بأن كانت عاصية و هاتكة لعرضه و مورثة لافتضاحه، فيصدق عرفا أنّه غير مستطيع، و إن كان في الحال قادرا، لكن بملاحظة المستقبل يصدق عليه فعلا أنّه غير قادر.

و من هنا يعلم أنّه لو لم يكن ذا مال فعلا، أمّا لو تكسّب كسبا لائقا بحاله [و] أمكنه صدق عليه المستطيع.

و أيضا لو كان واجدا للمهر من غير إجحاف بحاله، لكنّ المرأة كانت متمرّدة بحيث توجب من جهة النفقة افتضاحه و لا تقنع بالقانون الشرعي من أنّه مع الوجدان ينفق و مع العدم يبقى في الذمّة إلى زمان التمكّن، فإن كان في هذا الفرض غير واجد للنفقة كان غير مستطيع فعلا بملاحظة حاله في المستقبل، و

إن كانت قانعة بحكم الشرع صدق عليه المستطيع و إن لم يكن مالكا للنفقة.

السادسة: لو ادّعى وجود الشرطين و لم يكن من بقبالة فلا كلام، و لو كان مكذّب، فإن كان مولى الأمة جاز له طرح هذه الخصومة، و أمّا إن كانت الحرّة التي تزوّج الأمة عليها و قد فرض أنّها أذنت بذلك و قد يقال إنّ لها أيضا تكذيبه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 168

و الترافع معه، و لكن يشكل بأنّ مجرّد أنّ عدم تزوّج الأمة يرجع إليها نفعه، لا يثبت لها حقّا في الخصوصة، و إلّا جاز لها في شراء الأمة عليها أيضا، و كذا في دين لأحد أقارب الشخص على ثالث، فيجوز للقريب الترافع لأجل قريبة.

و بالجملة، مجرّد وجود نفع و رفاهيّة للشخص بدون حقّ شرعي له في البين لا يصحّح له طرح المرافعة.

السابعة: في الشبهة المصداقيّة للشرطين، كما لو شكّ مع الاستدانة للمهر إلى رأس شهر مثلا في أنّه يملك في رأس الشهر مقدار المهر، أو لا، يتفاوت الأصل في المسألة على حسب اختلاف المبنى، فإنّ بني على صرف الحرمة التكليفيّة كان الأصل الجواز و البراءة عن الحرمة، و إن بني على الحرمة الوضعيّة كما هو الحقّ، كان الأصل الفساد و عدم الجواز.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 169

مسألة نكاح المرأة المعتدّة
اشارة

لا يجوز نكاح المرأة دائما و لا متعة في العدّة رجعيّة كانت، أو بائنة، عدّة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع.

فمن تزوّج امرأة في عدّتها عالما بالحكم و الموضوع عامدا حرمت عليه أبدا بمجرّد العقد، و كذا إن جهل العدّة و التحريم أو أحدهما و دخل بها قبلا أو دبرا حرّمت عليه أيضا، و لو لم يدخل بطل ذلك العقد و

كان له استئنافه بعد انقضاء العدّة.

و تدلّ على جميع ما ذكرنا الأخبار المعتبرة سندا و دلالة السليمة عن المعارض مثل حسن الحلبي أو صحيحة، عن أبي عبد اللّه «قال عليه السّلام: إذا تزوّج الرجل المرأة في عدّتها و دخل بها لم تحلّ له أبدا، عالما كان أو جاهلا، و إن لم يدخل بها حلّت للجاهل و لم تحلّ للآخر» «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم صلوات اللّه عليه «قال:

سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة، أ هي ممّن لا تحلّ له أبدا؟

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 170

فقال عليه السّلام: لا، أمّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها، و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك، فقال: بأيّ الجهالتين يعذر، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه، أم بجهالته أنّها في عدّة؟ قال عليه السّلام: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأنّ اللّه حرّم ذلك عليه، و ذلك بأنّه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت:

و هو في الأخرى معذور؟ قال عليه السّلام: نعم، إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها، فقلت: فإن كان أحدهما متعمّدا و الآخر بجهل؟ فقال عليه السّلام: الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبدا» «1».

و غير ذلك من سائر الأخبار السالمة عن المعارضة إلّا بوجه الإطلاق و التقييد.

و إذن فالمسألة خالية عن الإشكال.

إنّما المهمّ التكلّم في فقه حديث ابن الحجّاج، حيث إنّه عليه السّلام علّل أهونيّة الجهالة بالحرمة من الجهالة بالعدّة بعدم القدرة على الاحتياط معها، و معناه أنّه يقدر على الاحتياط مع الأخرى.

فيشكل بأنّه ما وجه التفكيك؛ فإنّ

الجهل بمعنى الترديد المجامع مع الالتفات في كليهما يقدر معه على الاحتياط، و الجهل بمعنى الغفلة أو اعتقاد الخلاف في كليهما لا يقدر معه على الاحتياط، و حمل كلمة الجهالة في أحد الموضعين و هو الحرمة على الغفلة و في الآخر و هو العدّة على الترديد خلاف الظاهر.

و هذا الإشكال أشار إليه شيخنا المرتضى قدّس سرّه في رسائله، و قال: فتدبّر فيه و في دفعه.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 171

في نقل كلام عن الميرزا الشيرازي

و حكى شيخنا الأستاذ دام ظلّه عن سيّد أساتيده الميرزا الشيرازي أعلى اللّه مقامه جوابا، و حكى عن بعض أعاظم تلامذته «1» ارتضائه و مبالغته في وضوحه، و بعض آخر من أعاظم تلامذته «2» أيضا حكاه في حاشيته على الرسائل.

و هو أنّ الجهالة في كلا المقامين بمعنى واحد، و هو عدم العلم المجامع مع الترديد و مع الغفلة، و لكن في كلّ موضع يكون الغالب منه خارجا قسما خاصّا ففي جهل الحرمة التي هي الشبهة الحكميّة يكون الغالب هو الغفلة، و إلّا فمع الالتفات قلّ أن يتّفق حصول الشكّ و الترديد فيه، لكون الحكم ضروريّا بين المسلمين، أعني: أصل مشروعيّة العدّة و كون معناها حرمة تزويج الغير في هذه المدّة و تربّص المرأة عن التزويج، فالغالب من الجهل في هذا الحكم هو الغفلة.

و أمّا الشبهة الموضوعيّة فعلى العكس من ذلك، بمعنى أنّه بعد كون الكبرى مركوزة في الأذهان أعني ثبوت العدّة للمرأة في الطلاق و الوفاة لو أراد الإنسان تزويج امرأة فهو قلّ أن يتّفق أن لا يحدث في ذهنه أنّ صغرى تلك الكبرى هل هي متحقّقة في حقّها أو لا، فالجهل بالنسبة

إلى موضوع العدّة بحسب الغالب جهل ترديدي، فلهذا قال عليه السّلام أنّه مع جهالته بحكم العدّة لا يقدر على الاحتياط، و مع جهالته بموضوع العدّة يقدر على الاحتياط، حملا للجهل في كلّ من الموضعين على

______________________________

(1) هو آية اللّه المرحوم الصدر الأصفهاني، أعلى اللّه مقامه.

(2) هو آية اللّه المرحوم الحاج آقا رضا الهمداني، أعلى اللّه مقامه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 172

عدم العلم بملاحظة فرده الغالب.

و أجاب شيخنا الأستاذ دام ظلّه بوجه آخر، و هو أن يحمل الجهل في أحدهما بالحكم التكليفي، و في الآخر بالحكم الوضعي، و هو صيرورة التزويج سببا للحرمة الأبديّة، فقوله: «بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه» يعني من حيث كونه فاعلا لفعل حرام، و معنى احتياطه من هذه الجهة حفظ نفسه عن الوقوع في مخالفته، و قوله:

«أم بجهالته أنّها في عدّة» يعني من حيث إيراث ذلك للحرمة الأبديّة، و معنى احتياطه من هذه الجهة حفظ نفسه عن هذه الحرمة الأبديّة، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه من حيث التكليف أعذر منه من جهة الوضع، و ذلك لأنّه لا يمكنه الاحتياط بترك المخالفة، و لا يمكن تغيير ما وقع عمّا وقع عليه، فهو من هذه الجهة قد خرج الاختيار عن يده، فيكون أقرب إلى المعذوريّة.

و أمّا الوضع فأمره غير خارج عن يده؛ لأنّه متمكّن من أن يتجنّب عن تزويج هذه المرأة أبدا رعاية لذلك الحكم الوضعي.

و بالجملة، التزويج الواقع على المرأة جهلا بكونها في العدّة فيه جهة حرمة و صاحبه مبتلى بارتكاب الحرام، و جهة وضع و هو الحرمة الأبديّة، فالأمر من جهة الأوّل و قد خرج عن الاختيار و لا يمكن الرعاية من جهته و الاحتياط من حيثه؛ لأنّه قد مضى، و أمّا

من جهة الثاني فالاختيار محفوظ، هذا ما ذكره دام ظلّه.

فإن قلت: هذا مناف مع سؤال السائل ثانيا: «فهو في الأخرى معذور؟» فإنّ الإمام عليه السّلام قد أجابه، فما وجه السؤال ثانيا؟.

قلت: السؤال الأوّل كان مبهما لم يتعيّن فيه الحال، فسأل ثانيا بعد جواب الإمام عليه السّلام بالمعذوريّة عن أنّ الجهل ينحلّ إلى جهلين: جهل بالتكليف، و جهل بالوضع، فبأيّهما هو معذور في أن يتزوّج المرأة بعد انقضاء العدّة؟ فلمّا أجابه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 173

الإمام عليه السّلام بأنّ جهله بالتحريم حيث لا يقدر من جهته على الاحتياط، أهون من الجهل الآخر، احتاج إلى السؤال عن أنّه لو فرض وجود الجهل الآخر مع حصول العلم بالتكليف، فهل يكون معذورا أيضا في التزويج بعد انقضاء العدّة؟

فأجاب عليه السّلام: نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يتزوّجها.

بقي الكلام في ذيل الرواية، و هو قوله: «فقلت: فإن كان أحدهما متعمّدا و الآخر بجهل؟ فقال: الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبدا» فقد يتوهّم أنّ المراد عدم حصول الحرمة الأبديّة بالنسبة إلى الآخر الجاهل، فإنّه الظاهر من تخصيصه عليه السّلام المتعمّد بالذكر، و الحال أنّ الزوجيّة أمر لا يقبل بحسب واقعها التبعّض، نعم يمكن بحسب الظاهر التعبّد بترتيب آثارها من أحد الجانبين و التعبّد بالخلاف من الجانب الآخر، و لكن بحسب الواقع غير ممكن.

و يمكن أن يقال: إنّ مراده عليه السّلام حكم صورة لم يعلم الجاهل بالحال، أعني:

بعلم صاحبه، فإنّه و إن لم يتحقّق الزوجيّة واقعا، لكنّه بحسب حاله في ما بينه و بين ربّه معذور، و العالم غير معذور، لكن هذا ما دام جاهلا، فمتى انقلب جهله إلى العلم بالوقوع في العدّة و كون

صاحبه عالما بذلك لا يحلّ له أيضا، فحكمه على الجاهل بالعذر حكم ما دام العنوان.

فما في بعض الكلمات من أنّ الحرمة بعد تبيّن الحال و تبيّن كون أحدهما عالما من باب الإعانة على الإثم، فيه ما لا يخفى، فإنّ نفس الحرمة على أحد الطرفين كاف في الحرمة و الفساد بالنسبة إلى الآخر، كما أنّه يكتفى في فساد العقد على الأمّهات توجّه الخطاب إلى الذكور بقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ «1» فلا يقال

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 174

بصحّة العقد بالنسبة إلى الأمّهات و فساده بالنسبة إلى الأولاد.

و بالجملة، فلا محيص عمّا ذكرنا، و حاصله أنّه إذا وقع عقد في عدّة من جاهل و عالم، ثمّ علم الجاهل أيضا و أنّ العقد فاسد، فإن علم بعلم صاحبه لا يجوز له تجديد العقد ثانيا؛ لما ذكرنا من عدم تعقّل حصول الزوجيّة من طرف واحد مع كونه بين اثنين، و إن جهل بذلك فالأمر بحسب الواقع أيضا كذلك، أعني: أنّ العقد الثاني فاسد، و لكنّ الجاهل ما دام جاهلا يرتّب عليه آثار الصحّة، و إذا تبيّن له علم صاحبه حال العقد الأوّل اعتزل عنه و بان له فساد العقد الثاني.

في بيان فقه الحديث

ثمّ إنّك قد عرفت سابقا احتمالين في فقه الحديث الشريف، فاعلم أنّه بناء على الأوّل منهما و هو حمل الجهل في الحكمي على الغفلة، و في الموضوعي على الترديد إشكال، و هو أنّ الشكّ الموضوعي له فردان:

الأوّل: أن يكون موضوعيّا اصطلاحيّا، و هو أن يكون منشأ الشكّ، الأمور الخارجيّة، بأن علم مقدار العدّة بحسب الكبرى، و لكن شكّ في هذا الموضوع المعيّن بواسطة الشكّ و مبدأ التاريخ أنّه كم بقي من العدّة.

و الثاني: أن

يكون حكميّا اصطلاحيّا، و هو أن يعلم بأصل مشروعيّة العدّة، و لكن تردّد بين المقدار الأنقص و الأزيد بحسب الكبرى بدون شكّ له في الخارج، مثلا يعلم بوضع الحمل و عدم انقضاء أربعة أشهر و عشرا، و لكن يشكّ أنّ أيّهما غاية العدّة، فلهذا يشكّ أنّ المرأة في العدّة أو لا.

فإن كان الجهل من الأوّل فهو بحسب الاستصحاب محكوم ببقاء العدّة و يرتّب

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 175

عليه أحكامها، فليس موضوعا لأصالة الحلّ على ما هو مقتضى الحديث الشريف، حيث حكم بمعذوريّته من باب مطلق الجهل و أنّه يعذّر الناس بما هو أعظم من ذلك، و الحاصل: يعلم منه أن لا خصوصيّة للمقام على سائر المقامات و أنّه من باب عذريّة مطلق الجهل، فلا يتوهّم أنّه لعلّ الحكم هنا مبنيّ على تخصيص الاستصحاب، أو على موضوعيّة الجهل و إن كان لم يكن عذرا.

و إن كان من الثاني فقبل الفحص لا مجرى للبراءة أيضا؛ لأنّه شبهة حكميّة كما عرفت، و لا مجرى للبراءة فيها قبل الفحص، و بعد الفحص و إن كان لا يجري الاستصحاب الموضوعي أعني: كونها في العدّة- على ما قرّر في محلّه من عدم جريانه في مثله، خلافا لشيخنا المرتضى قدّس سرّه، حيث أجرى استصحاب عدم الغروب عند التردّد بين كونه الاستتار أو الذهاب- و لكنّ الحكمي جار بلا إشكال، فلا يكون أيضا مجرى للبراءة.

و حينئذ فيمكن أن يقال: إنّ المراد من لفظة «الجهالة» في كلا المقامين هو الغفلة، و يراد ما ذكر سابقا من الاحتمال الأخير، أعني: الغفلة عن التكليف و الغفلة عن الوضع، و لا إشكال حينئذ في عذريّته.

و يعلم منه أنّ المعيار في رفع الحرمة الأبديّة عن التزويج في

العدّة هو الجهل الذي كان صاحبه معذورا، فيدخل فيه المتردّد الذي كان معذورا، كما في الشبهة الحكميّة بعد الفحص و إن قلنا: إنّه نادر الوجود.

و على هذا فإن علم الحرمة التكليفيّة و لم يعلم بالحرمة الأبديّة، فهو غير معذور، لأجل علمه بالحرمة التكليفيّة، فيترتّب عليه الحرمة الأبديّة، و على هذا فيكون هذه الصحيحة شارحة للمراد من لفظ الجاهل الواقع في سائر الأخبار، فيبقى المتردّد الغير المعذور موضوعيّا كان، أم حكميّا ملحقا بالعالم؛ لأنّ العالم بما هو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 176

غير معذور قد حكم عليه بالحرمة الأبديّة على حسب ما هو المستفاد من هذه الصحيحة.

ثمّ هل المعتبر في الدخول الذي يوجب الحرمة الأبديّة في صورة الجهل كونه في العدّة، أو يكفي وقوعه بعدها؟ قد يقال بالثاني، نظرا إلى إطلاق الرواية.

و استشكل بأنّه لا أقلّ من أنّ قيد «في العدّة» صالح للقرينيّة، و مع وجود ما يصلح لا يبقى إطلاق، بل يكون الكلام مجملا، و إذن فمع الجهل و الدخول بعد العدّة نحكم بفساد العقد دون الحرمة الأبديّة، هذا تمام الكلام بالنسبة إلى المعتدّة، رجعيّة أم بائنة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 177

في تزويج المزوّجة (ذات البعل)

و هل المزوّجة بحكم المعتدّة في هذا الحكم؟ أعني: من تزوّجها ففيه التفصيل المتقدّم بين حالتي العلم و الجهل، و في الجهل بين حالتي الدخول و العدم، فيحكم علاوة على فساد العقد في الأوّلين بالحرمة الأبديّة على المتزوّج، و في الأخير أعني:

الجهل مع عدم الدخول بفساد العقد مع عدم الحرمة الأبديّة؟

قال في الجواهر بعد أن ذكر أنّ فيه وجهين ينشآن من أولويّة حرمة الزوج، التي هي حكمة الحكم المزبور فيها من ذات العدّة، و من الاقتصار في ما خالف الأصل على المتيقّن، إلّا

أنّ الأوّل كما ترى، قال: و الأولى الاستدلال عليه بأنّه من ذات العدّة الرجعيّة قطعا، التي قد صرّح بها في خبر حمران السابق، و قد اتّفق النصّ و الفتاوى على أنّها بحكم الزوجة، فيعلم منه أنّ حكم الزوجة مثل حكمها، كما هو واضح، انتهى.

و لا يخفى إجمال العبارة، و لا يبعد أن يكون فيها سقط، و على تقدير أن يكون المراد أنّ المطلّقة الرجعيّة حيث نزّلت بمنزلة الزوجة، فاللازم أن يحكم على الزوجة أيضا بما حكم على المطلّقة الرجعيّة.

ففيه ما لا يخفى، فإنّه ليس حمل الزوجة على المطلّقة الرجعيّة بأقوى من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 178

الحمل الحقيقي، فلو فرضنا أنّها كانت زوجة حقيقة لا حكما، و لكن لا يلازم أن يكون حكمها ساريا إلى الزوجة، لجواز اختصاص هذا القسم بحكم دون المقسم في سائر أقسامه، فالحمل على وجه التنزيل ليس حاله بأقوى من هذا.

نعم يتصوّر أن يقال: زيد عمرو، بمعنى أنّ الشخصين متساويان في جميع الأحكام، لكنّه خلاف الظاهر، بل الظاهر كما يعلم من ملاحظة النظائر مثل:

الطواف بالبيت صلاة، و مثل: ماء الحمّام بمنزلة الجاري هو تنزيل الموضوع منزلة المحمول في أحكامه لا بالعكس، و هذا واضح.

و كيف كان فالمهمّ صرف التوجّه إلى نصوص المسألة، فنقول و باللّه الاستعانة: إنّ نصوص الباب بين أربعة أقسام:

الأوّل: ما دلّ على أنّ التي تزوّج و لها زوج يفرّق بينهما، ثمّ لا يتعاودان أبدا، و هو مطلق من حيث العلم و الجهل و الدخول و عدمه.

الثاني: ما دلّ على أنّ الرجل إذا تزوّج امرأة و علم أنّ لها زوجا فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا، حيث إنّ الظاهر كون «الواو» في قوله: «و علم» حاليّة، فيستفاد كونه

عالما بالحال حين عقد التزويج، فيستفاد بمفاد «إذا» الشرطيّة أنّ الحكم غير جار مع الجهل.

الثالث: ما ورد في رجل تزوّج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم، فطلّقها الأوّل أو مات عنها، ثمّ علم الأخير، أ يراجعها؟ قال عليه السّلام: «لا حتّى تنقضي عدّتها» «1» و لا يخفى أنّ حمل هذا الخبر على ما قبل الدخول حمل على الفرد النادر، حيث إنّ الغالب مقارنة التزوّج مع الدخول في غير الأبكار.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 179

و أصرح منه رواية أخرى صرّح فيها بالدخول، إلّا أنّه عليه السّلام قال في الجواب: «ما أحبّ له أن يتزوّجها حتّى تنكح زوجا غيره» «1»، و قوله عليه السّلام:

ما أحبّ. إلخ، محمول على الكراهة، و بعد هذا فهو مع سابقه متوافقان في عدم الحرمة الأبديّة في حال الجهل مع الدخول، لكنّ الأوّل لم يصرّح باسم الدخول، لكنّه كالصريح، و الثاني صرّح به.

الرابع: ما ورد في امرأة فقد زوجها أو نعي «2» إليها، فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها؟ قال عليه السّلام: «تعتدّ منهما جميعا ثلاثة أشهر، عدّة واحدة، و ليس للآخر أن يتزوّجها أبدا» «3» و هذا صريح في الدخول بقرينة قوله: «تعتدّ منهما»؛ إذ لا عدّة مع عدم الدخول.

إذا عرفت هذا فنقول: النسبة بين القسمين الأوّلين هو الإطلاق و التقييد، فتقييد إطلاق القسم الأوّل بواسطة قيد الثاني، و أمّا الأخيران فهما متعارضان، فإنّ في معاملة الإطلاق و التقييد بينهما إشكالات:

الأوّل: عدم جريانه في الخبر الثاني من خبري القسم الثالث؛ فإنّه صريح في حصول الدخول.

الثاني: إنّ التقييد في الخبر الأوّل بعدم الدخول تقييد بالفرد النادر.

الثالث: إنّ الإطلاق

منصرف إلى الدخول، كما يشهد به الخبر الرابع، حيث لم يذكر السائل قيد الدخول، و مع ذلك قال الإمام عليه السّلام: تعتدّ منهما.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(2) نعي من باب منع: أخبر بالموت.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 180

الرابع: إنّ المقيّد بواسطة اشتماله على وحدة العدّة قيل: إنّه خلاف الإجماع، لكن هذا لا يضرّ؛ لوجود خبر آخر بمضمونه خال عن هذا المطلب، و هو الذي رواه الصدوق بإسناده عن البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام، و ذكر توثيق عبد الكريم في الرجال، و على هذا فيقع التعارض بينه و بين القسم الثالث في الجهل مع الدخول، فمقتضاه الحرمة الأبديّة، و مقتضى القسم الثالث عدمها.

فإن خدش في سند هذا، و المفروض كون الخبر الأوّل مشتملا على خلاف الإجماع، تعيّن العمل بالأوّلين، و الحكم بعدم الحرمة الأبديّة، فيصير حال المزوّجة أخفّ من ذات العدّة.

و إن لم يخدش، أو لم يثبت الإجماع المذكور، تعيّن معاملة التعارض، و هو الرجوع إلى عموم قوله في القسم الأوّل: «ثمّ لا يتعاودان أبدا» أو جعله مرجّحا و الحكم بالحرمة الأبديّة مع الجهل و الدخول، فتساوى مع ذات العدّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 181

في تزويج المرأة التي مات زوجها قبل بلوغ الخبر

بقي الطلاق في تزوّج المرأة التي ما تزوجها قبل بلوغ الخبر، فإنّها غير داخلة في ذات البعل و لا ذات العدّة، فلا تشملها الأدلّة السابقة في العنوانين، فتكون باقية تحت القواعد.

و مجمل الكلام على حسبها أنّ العقد محكوم بالصحّة بناء على عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» لأمثال المقام، و أمّا على العدم فالعقد

فاسد، و لكن لا دليل على الحرمة الأبديّة في شي ء من أقسامه، فيرجع في نفيها إلى عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «2». اللهمّ إلّا أن يستفاد من الأخبار الواردة في أنّ عدّتها من حين بلوغ الخبر أنّ المراد كون ابتداء عدّتها من حيث الحداد و ما يشبهه ذلك، لا مطلقا، و إلّا فهي في نفس الأمر من أوّل موت زوجها في العدّة إلى أربعة أشهر و عشرا بعد بلوغ الخبر و إن بلغ المدّة ما بلغ، فإنّه على هذا يندرج المرأة المذكورة في ذات العدّة، فيشملها أخبارها.

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 1.

(2) سورة النساء: الآية 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 182

و يمكن أن يقال بفساد العقد و لو قلنا بتماميّة العمومات و إن لم يفد الحرمة الأبديّة، بتقريب أنّ الشارع أوجب على المرأة احتراما لزوجها الأوّل أن تعتدّ بعد بلوغ الخبر أربعة أشهر و عشرا، و هذا ليس لأجل استبراء الرحم، بل الملحوظ فيه احترام الزوج و أن تأتي المرأة بالحداد و ترك الزينة لأجل موت الزوج، و بالجملة، فهذا الحكم لأجل رعاية حقّ الزوج السابق.

و يمكن دعوى القطع من مذاق الشارع الحاكم بهذا الحكم بعدم حكمه بصحّة تزويجها بالغير، فإنّه لا هتك لحرمة زوجها أقوى من تزويجها بالغير، فلا يرضى الحاكم بالحداد و ترك الزينة الذي لم يرض بلبس المرأة لباس التجمّل و الزينة و تزيّنها بسائر الزينة و الحلّي في بدنها، بتزويجها بطريق أولى.

ثمّ هل الحكم أعني: الحرمة الأبديّة جار في من تزوّج المرأة في عدّتها من وطي الشبهة؟ لا يبعد دعوى انصراف الأدلّة عنه.

مسألة في حكم ولد المرأة التي تزوّجت في العدّة

إذا تزوّجت المرأة في العدّة و دخل بها فحملت، فإن كان جاهلا لحق به الولد قطعا إن

جاءت بالولد بستّة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل من دخوله، و لأقصى الحمل من وطي الأوّل، كما أنّه يلحق بالزوج الأوّل قطعا إن جاءت به لأقلّ من ستّة أشهر من وطي الثاني، و بستة فصاعدا إلى أقصى الحمل من وطي الأوّل، و ينتفي عنهما رأسا لو جاءت به لأقصى الحمل من وطي كليهما.

إنّما الإشكال في ما إذا جاءت به لستّة أشهر مثلا من وطي الثاني، و لتسعة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 183

مثلا من وطي الأوّل، حيث يمكن كون الولد من كلّ منهما، و قاعدة الفراش بالنسبة إليهما على السواء، و مجرّد كون أحدهما فراشا حقيقيّا و الآخر مجازيا لا يجدي بعد تنزيل الشارع للمجازي أيضا بمنزلة الحقيقي؛ فإنّ الوطي بالشبهة الذي من أفراده مقامنا ملحق بالوطي بالنكاح الصحيح في لحوق الولد.

لكنّ الأقوى لحوقه بالأخير، لمرسلة «1» جميل عن أحدهما في المرأة تزوّج في عدّتها؟ «قال عليه السّلام: يفرّق بينهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعا، و إن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، و إن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأوّل» فإنّ إطلاق قوله: «جاءت بولد لستّة أشهر. إلخ» شامل لصورة إمكان كونه من الأوّل.

ثمّ هل المرأة المسطورة تتداخل عدّتاها، أعني: بقيّة عدّتها من زوجها الأوّل و عدّتها لوطي الثاني، أو يجب عليها استئناف عدّة كاملة للثاني بعد إتمام عدّة الأوّل؟

الأخبار في هذه المسألة مختلفة «2»، و كلاهما معتبر من حيث السند، و صريح من حيث الدلالة، و احتمال أن يكون المراد من المشتمل على وحدة العدّة وحدتها نوعا بعيد في الغاية، بحيث لا تخرج بسببه الرواية عن الصراحة، و في بعض روايات الوحدة أنّ القول بالتعدّد للعامّة، و أنّ

أبا جعفر عليهما السّلام أبي ذلك و قال: «تعتدّ ثلاثة

______________________________

(1) قد تعرّض لهذه الرواية و روايات أخر صاحب الجواهر في ذيل السبب الأوّل من أسباب التحريم، و هو النسب من فروع أنّ النسب كما يسقط بالنكاح الصحيح يثبت بوطي الشبهة قبل مسألة الرضاع، فراجع ثمّة.

(2) أخبار المسألة مذكورة في تتمّات العروة في مسألة 11 من المسائل المتعلّقة بالعدّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 184

قروء و تحلّ للرجال».

و قد تحمل الروايات الدالّة على التعدّد بقرينة هذا الخبر على التقيّة، و لكن فيه أنّه يبعّده ذهاب جلّ الأصحاب رضوان اللّه عليهم لو لا الكلّ، بل قال صاحب الجواهر قدّس سرّه: يمكن تحصيل إجماعهم على العمل بأخبار التعدّد.

ثمّ لو شككنا أنّ عليها عدّتين أو تتداخل العدّتان و قطعنا النظر عن الرواية الخاصّة فمقتضى القاعدة في باب الأسباب المتعدّدة على ما قرّر في محلّه هو التداخل، و على فرض الشكّ من هذه الجهة أيضا فمقتضى الأصل العملي استصحاب بقاء أحكام العدّة في حقّها في ما عبد إتمام عدّة الثاني من حين وطيه، أعني: حرمة تزويجها و فساده و إيراثه للحرمة الأبديّة و إن كان لا يمكن استصحاب كونها في العدّة؛ لأنّ الشكّ مفهومي لا خارجي، كما قرّر في محلّه من عدم جريانه في مثله.

لكنّ الاستصحاب من حيث الأثر الأخير أعني الحرمة الأبديّة محكوم الدليل الاجتهادي، أعني: عموم أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ و أمّا من حيث أثر فساد العقد فقد يقال بعدم الجريان من جهته أيضا، للعلم بأنّ العقد الجديد عليها بعد انقضاء العدّة المستأنفة لغو غير مؤثّر أثرا؛ لأنّ المرأة إمّا محرّمة أبدا، فالعقد الأوّل فاسد، و الثاني أيضا لغو، و إمّا غير محرّمة كذلك، فالعقد الأوّل صحيح،

فهذا العقد أيضا لغو، و هذا نظير من توضّأ بالمائع المردّد بين الماء و البول، حيث يحكم عليه بطهارة بدنه من الخبث و بقاء حدثه بالاستصحاب، فيقال بأنّ استصحاب الحدث غير جار؛ للعلم بلغويّة الوضوء الثاني؛ لأنّه إمّا على وضوء، فلا يؤثّر هذا فيه أثرا، و إمّا تكون أعضاء وضوئه نجسة، فيبطل وضوءه.

و يمكن أن يقال بأنّ الاستصحاب جار، و يمكن التخلّص عن اللغويّة بالطلاق

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 185

الاحتياطي في مسألتنا، و بإحداث الحدث في مسألة الوضوء «1».

في حكم مهر المرأة التي تزوّجت في العدّة

ثمّ لا إشكال في ثبوت المهر لها مع جهلها و الدخول، لا مع علمها؛ إذ لا مهر لبغيّ، و لا مع عدم الدخول؛ لفساد العقد، و ما في بعض الأخبار من ثبوت نصف المهر، غير معمول به، أمّا في صورة الجهل مع الدخول فالأخبار ناطقة بثبوت المهر، إنّما الكلام في أنّ الثابت مهر المثل أو المسمّى، و أنّ المراد بقوله عليه السّلام: «فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها» ما ذا؟

في بيان احتمالات «لها المهر بما استحلّ من فرجها»: فنقول: فيه احتمالات:

الأوّل: أن يكون المراد جنس المهر، فكأنّه قيل: البضع لا يصير بلا عوض، فينصرف إلى مهر المثل.

و الثاني: أن يكون المراد أنّ المرأة المذكورة من حيث المهر يعامل معها معاملة المنكوحة بالنكاح الصحيح، فكما أنّ المنكوحة قد ثبت لها المسمّى، و هو في ما إذا

______________________________

(1) اللهمّ إلّا أن يخدش في استصحاب فساد العقد بأنّ عموم أُحِلَّ لَكُمْ. كما يرفع الشكّ بالنسبة إلى استصحاب المحرّميّة، كذلك يرفعه بالنسبة إلى استصحاب الفساد، للعلم بالملازمة بين عدم الحرمة الأبديّة و عدم الفساد، و الدليل الاجتهادي حجّة في الملازمات أيضا، من محرّرة عفي عنه

و عن والديه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 186

ذكر لها مهر في العقد على الوجه الصحيح، و قد يثبت لها مهر المثل، و هو في ما إذا كانت مفوّضة البضع و دخل بها، أو ذكر لها مهر فاسد، فكذا هذه المرأة، فإن كان المذكور في عقدها مهر يحكم بصحّته لو كان العقد صحيحا ثبت لها ذلك المهر، و إن ذكر مهر يحكم بفساده كذلك، أو كان مفوّضة البضع فالثابت لها مهر المثل.

و الثالث: أن يكون «اللام» إشارة إلى المهر المذكور في ضمن ذلك العقد، فإنّ فرض الفساد أو كونها مفوّضة المهر فرض نادر لا ينصرف إليه الإطلاق، فمفاد الكلام أنّ المهر المسمّى ثابت لها.

و الظاهر من هذه الاحتمالات هو الأخير؛ لظهور اللام في العهد و الرجوع إلى المسمّى.

و اعلم أنّه لا يستفاد من عموم قوله عليه السّلام: «بما استحلّ من فرجها» حكم جميع أفراد الشبهة حتّى مثل ما إذا تخيّل الأجنبيّة زوجته فوطئها، فإنّه لا يقال: إنّه استحلّ فرج هذه المرأة، و إنّما استحلّ فرج امرأته، فلا بدّ في إثبات المهر فيه من التماس دليل آخر، هذا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 187

مسألة وطي الزوجة قبل بلوغ تسع سنين
اشارة

يحرم وطي الزوجة قبل بلوغ تسع سنين، و لو عصى و دخل قيل: يحرم عليه أبدا و تحصل البينونة، و قيل: لا يترتّب على مجرّد الدخول شي ء، بل يحرم الوطي أبدا بدون البينونة لو دخل فأفضاها، و قيل: بل لو أفضاها أيضا لا يترتّب عليه شي ء من الحكمين، و العمدة النظر في أخبار المسألة.

فنقول: منها: موثّقة حمران «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سئل عن رجل يتزوّج جارية بكرا لم تدرك، فلمّا دخل بها افتضّها فأفضاها فقال عليه السّلام: إن كان دخل

بها حين دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه، و إن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين افتضّها فإنّه قد أفسدها و عطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، و إن أمسكها و لم يطلّقها حتّى تموت فلا شي ء عليه».

و هذا نصّ في عدم حصول البينونة؛ إذ معها لا موقع للطلاق، بل و لا فيها دلالة على حرمة الوطي أبدا، و قريب منها رواية بريد بن معاوية العجلي.

و منها: مرسلة يعقوب بن يزيد «2» عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 188

«قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا» و ظاهرها، لو لا صريحها حصول الفرقة و البينونة و الحرمة الأبديّة بمحض الدخول و لو لم يفضها.

و قد يجمع بين هذه و السابقة بحمل ظاهر كلّ على نصّ آخر، فالأولى نصّ في بقاء الزوجيّة، و الثانية ظاهر في انقطاعها، فيرفع اليد عن هذا الظاهر لأجل ذلك النصّ و يقال بأنّ المراد الفرقة الخارجيّة كناية عن عدم الوطي، لا عن عدم الزوجيّة، و كذلك المراد بقوله عليه السّلام: «و لم تحلّ له أبدا» أنّ وطئها محرّم عليه أبدا، فلا منافاة فيها مع بقاء الزوجيّة، و هذا نصّ في حرمة الوطي أبدا، و تلك ظاهر في عدمها من جهة عدم التعرّض في مقام البيان، فيرفع اليد عن هذا الظاهر لأجل ذلك النصّ، و يقال: إنّ

عدم ذكر هذه الجهة لأجل أنّه لا حاجة إليه، لسقوط المرأة عن معرضيّة الوطي، هذا ما قد يقال في وجه الجمع.

لكنّ الإنصاف عدم قبول الرواية الثانية لهذا الحمل، فإنّ قوله عليه السّلام: «فرّق بينهما» قد تكرّر استعماله في الأخبار، كما يظهر بأدنى تتبّع في مواضع كثيرة و أريد منه فساد النكاح، فلو لم يكن في نفسه بمعنى الفساد، لكنّه بواسطة هذا الشيوع صار بحيث لا يقبل الحمل على غيره، فيمكن عدّ الرواية بهذه الملاحظة نصّا في حصول البينونة و الانقطاع و الحرمة الأبديّة، فتعارض الاولى الصريحة في عدم زوال العلقة، و المرسلة قد عمل على طبقها بحيث ينجبر ضعفها بعمل الأصحاب، فلا يجوز طرحها.

لكن يمكن أن يقال- مع ذلك- بعدم لحوقهما بباب التعارض، بل هما عند العرف إذا وضع أحدهما في جنب الآخر يحملهما العرف على بقاء الزوجيّة، و أنّ الفرقة إنّما هي في الوطي، و لا يحلّ له ذلك أبدا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 189

ثمّ ظاهر الرواية المتقدّمة أنّه لو أمسكها و لم يطلّقها فلا دية لها، كما أنّه لو كان الإفضاء بالزوجة البالغة حدّ التسع فلا دية لها، و بذلك يخصّ ما دلّ على ثبوت الدية في مطلق الإفضاء، و هو صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ قال عليه السّلام: الدية كاملة» «1».

فيقال بثبوت الدية في الأجنبيّة المفضاة، سواء كان بشبهة أم بزنا، و في المتمتّع بها بناء على خروجها عن الرواية السابقة بقرينة الطلاق. و أمّا الزوجة فإن كانت صغيرة و لم يمسكها زوجها فكذلك، و إلّا إمّا بأن كانت كبيرة أو صغيرة و

أمسكها الزوج فلا دية لها.

لا يقال: إنّه لا يظهر من الرواية السابقة نفي الدية، و إنّما القدر المتيقّن أنّه لا شي ء عليه، يعني: لا إثم عليه من جهة هذا الإمساك، كما يظهر من رواية العجلي، حيث ذكر بعد قوله عليه السّلام: «لا شي ء عليه»: «إن شاء أمسك و إن شاء طلّق» «2».

لأنّا نقول: نعم، لو حصل الإجمال فحينئذ و إن لم يكن إثبات الدية من هذه الرواية، و لكن نرجع في إثباتها إلى إطلاق الصحيح المذكور آنفا، و لكنّ الحقّ أنّه لا إجمال في رواية حمران و إن قلنا بظهور رواية البجليّ في نفي الإثم أو إجمالها، فإنّه قد ذكر في صدر الرواية أنّه إن دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه، و معلوم أنّ المراد بهذا النفي نفي الدية.

فالظاهر أنّ قوله في ما بعد في من لم تبلغ التسع: «و إن أمسكها و لم يطلّقها

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الديات، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 190

حتّى تموت فلا شي ء عليه» «1» أيضا يراد به نفي الدية، و على هذا فيكون الخارج عن إطلاق صحيح سليمان موردين: بل نقول بتوقّف سقوط الدية على الإمساك حتّى تموت الزوجة، فلو مات الزوج قبل الزوجة يكشف عن استحقاقها الدية من أوّل الأمر، فلا بدّ من دفعها من تركته، و يؤيّده أنّه من البعيد أن تكون الزوجة المزبورة لو فرض موت زوجها عن قريب باقية على تعطيلها على الأزواج و فساد حالها بدون أن يلاحظ الشارع جبرانا لها.

فتحصّل أنّ الزوجة الصغيرة الدائمة إن أمسكها الزوج إلى أن تموت فلا

دية لها على الزوج، و إنّما الثابت هو المهر و نفقة الزوجيّة ما دام الحياة، و أمّا لو طلّقها أو مات الزوج في حال حياتها فحينئذ يكشف عن أنّها مستحقّة الدية من أوّل الأمر، و لا حقّ له باسترجاع ما أنفق عليها؛ لأنّه من باب الزوجيّة على ما عرفت من عدم ارتفاعها. هذا حال الزوجة الصغيرة الدائمة.

في دية الكبيرة إذا أفضاها:

و أمّا الكبيرة فقد عرفت نصّ الرواية بعدم استحقاقها الدية، و لكن يمكن إثبات حقّ الإجراء عليها على الزوج بواسطة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع عليها فأفضاها؟ قال عليه السّلام: عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة» «2».

و الدليل على اختصاصه بالكبيرة أمران: أحدهما: انصراف التزويج إلى

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الديات، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب الديات، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 191

الكبيرة، لعدم تعارف تزويج الصغيرة، و الثاني: عدم ذكر الدية فيها أصلا، مع أنّ الصغيرة يستحقّ الدية، كما عرفت، و مقتضى إطلاقها أنّ حقّ الإجراء ثابت لها ما دامت حيّة، سواء بقيت في حبالته أم خرجت، و سواء تزوّجت بالغير أم لا، بل إن مات الزوج في حال حياتها يكون حقّ الإنفاق لها في تركته، لكونه من جملة الديون، فإنّه و إن لم يقع في عهدته المال أعني الطعام و اللباس، بل الإطعام و الكسوة، و لكنّه أيضا غير خارج عن اسم الدين، فلو لم ينفق عليها يوما ثبت في عهدته يطالب به، هذا حال الزوجة الدائمة، صغيرة و كبيرة.

و أمّا المتمتّع بها و الأجنبيّة المفضاة إمّا بوطي الشبهة أو بالزنا أو الزوجة الدائمة، صغيرة أو

كبيرة، و لكن فرض إفضائها بغير الوطي، مثل الإصبع و نحوه، فحيث إنّ ما ذكر من الأحكام خلاف القاعدة، يقتصر فيها على مورد النصّ، نعم إثبات الدية في غير القسم الأخير، أعني الإفضاء بالإصبع و نحوه يكون على طبق إطلاق صحيح سليمان بن خالد.

و أمّا غيره من تحريم الوطي أبدا على الواطي و ثبوت الإجراء ما دامت حيّة، فالدليل قاصر عن شمولها حتّى بالنسبة إلى المتمتّع بها؛ إذ لا أقلّ من الشكّ في اندراجها تحت عنوان التزوّج المذكور في الروايات.

و أمّا الإفضاء بالإصبع و نحوه، فلا يمكن فيه إثبات شي ء منها حتّى الدية، فإنّ المراد بها الدية الكاملة، أعني: دية النفس، فليس فيه إلّا دية الجراحة.

لا يقال: قوله عليه السّلام في رواية حمران «1»: «فإنّه قد أفسدها و عطّلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرّمه ديتها» بمنزلة التعليل، فيستفاد منه أنّه كلّما حصل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 192

هذا المعنى أعني: التعطيل على الأزواج فالدية ثابتة.

لأنّا نقول: لا يمكن الأخذ بهذا العموم، و إلّا فلو أشربها الزوج دواء فصارت رتقاء أو ذات مرض آخر من الأمراض الموجبة لتعطيلها على الأزواج، فاللازم أن يقال بثبوت الدية الكاملة لها، و لا أظنّ أحدا يلتزم به، فهذا يكشف عن عدم إرادة التعليل من الكلام المذكور، بل مجرّد تقريب إلى الذهن و ذكر حكمة، فلا يمكن التعدّي إلى غير مورده إلّا بمقدار إطلاق رواية سليمان.

لا يقال: إنّ ما استظهرته من خبر حمران من قوله عليه السّلام: «إن أمسكها و لم يطلّقها حتّى تموت فلا شي ء عليه» «1» من عدم الدية في هذا التقدير خلاف الظاهر؛ إذا الأمر

بحسب الثبوت يدور بين احتمالات كلّها بعيدة.

الأوّل: أن يقال بثبوت الدية بالإفضاء و سقوطها بالعزم على الإمساك.

و الثاني: ذلك مع سقوطها بنفس الإمساك المستمرّ حتّى تموت.

و الثالث: ذلك مع كشف الإمساك المذكور عن سقوطها بعد الثبوت آنا مّا.

و الرابع: كشف الإمساك عن عدم ثبوت الدية بالإفضاء رأسا و أنّ الطلاق جزء المقتضي لثبوتها، و لا يخفى بعد ذلك كلّه عن الرواية، و الذي يرجّح على هذه الاحتمالات أن يقال بثبوت الدية بنفس الإفضاء، إلّا أن يصالح الزوجة الزوج عليها بالإمساك المذكور، فالمقصود من قوله عليه السّلام: «و إن أمسكها» هو الإمساك بعنوان المصالحة عن الدية.

لأنّا نقول: سلّمنا بعد جميع الاحتمالات، لكن هنا احتمال آخر لا بعد فيه، و هو أن يكون الثابت بالإفضاء على عهدة الزوج أحد الأمرين: إمّا الدية، و إمّا الإمساك حتّى تموت، هذا.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 193

مسألة من زنى بامرأة خليّة

من زنى بامرأة خالية عن الزوج لم يحرم عليه نكاحها و إن لم تتب، وفاقا للمشهور شهرة عظيمة على ما في الجواهر، و أخبار الباب بين طائفتين:

إحداهما مطلقة في الجواز من غير قيد التوبة، و في بعضها التمثيل بالنخلة إذا سرق الرجل من ثمرتها ثمّ أراد شراءها، و أنّه كما يكون هذا جائزا فكذا إذا زنى الرجل بامرأة ثمّ أراد نكاحها فهو له جائز أوّله سفاح و آخره نكاح.

و الأخرى مقيّدة للجواز بصورة توبة المرأة، و في بعضها تعليم الطريق لفهم توبتها، و أنّه يدعوها إلى العمل، فإن امتنعت و استغفرت ربّها عرف توبتها.

فذهب بعضهم بواسطة ذلك إلى تقييد تلك المطلقات بهذه المقيّدات، فقالوا بحرمة التزويج مع عدم التوبة، هذا ما قالوا.

و

لكنّ الإنصاف بعد ما ذهبوا إليه؛ فإنّ المطلقات الواردة في مقام البيان و الحاجة كيف يجوز سوقها مع أنّ الواقع تحريم بعض الأفراد؛ فإنّه يوجب وقوع المكلّف في الحرام في برهة من الزمان، لا نقول بأنّه غير ممكن، بل لا يضايق إمكانه لمصلحة، لكن لا بدّ في التزامه من وجود نصّ محكم، و أمّا مجرّد ورود ما ظاهره التحريم مع قابليّته للحمل على الكراهة فبعيد جدّا تقديم الظاهر على

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 194

ظهور المطلق في الرخصة.

نعم إذا كان المطلق مانعا و المقيّد مرخّصا كان رفع اليد من الإطلاق حينئذ أسهل منه في العكس، مع إمكان أن يقال فيه أيضا بأنّ التصرّف في هيئة المقيّد إمّا أهون، أو في عرض التصرّف في المادّة، كما لو ورد: لا تكرم الفاسق، و ورد:

لا تكرم الفاسق المتهتّك، فإنّ رفع اليد عن الإطلاق في مثله غاية ما يلزمه أن يصير جائز متروكا برهة من الزمان إلى حين ورود الخاصّ المبيّن للقيد إمّا من ذلك الإمام عليه السّلام، أو من الإمام المتأخّر، و هو أسلم من لزوم كون حرام معمولا به في صورة كون المطلق مرخّصا و المقيّد مانعا، خصوصا إذا تأخّر المقيّد عن المطلق بسنين عديدة.

و التزام النسخ أيضا مشكل جدّا، و حمل المطلق على عدم الورود في مقام البيان و كونه واردا مورد حكم آخر كبيان أصل الرخصة في مقابل المنع الكلّي أيضا بعيد غايته.

و بالجملة، يدور الأمر بين هذه الأمور البعيدة و بين التصرّف في هيئة المقيّد بحملها على الكراهة و إن كان هو مثل «لا يحلّ» و «لا يجوز» فإنّ غايته كونه خلاف الظاهر؛ لكنّه أهون من تلك المخالفات للظاهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 195

مسألة الزنا بذات البعل

و لو زنى بذات بعل أو في عدّة رجعيّة حرمت عليه أبدا في قول مشهور، على ما قاله المحقّق قدّس سرّه في الشرائع، و عن بعض دعوى الإجماع، و لم أعثر على رواية في الباب غير ما عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا صلوات اللّه عليه: «و من زنى بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثمّ طلّقها زوجها، أو مات عنها، و أراد الذي زنى بها أن يتزوّج بها لم تحلّ له أبدا» «1».

و عن الرياض عن بعض متأخّري الأصحاب أنّه قال: روي أنّ من زنى بامرأة لها بعل أو في عدّة رجعيّة حرمت عليه و لم تحلّ له أبدا.

فإن تمّ الإجماع فهو، لكن دونه- مع ما عرفت عن المحقّق قدّس سرّه من النسبة إلى المشهور- خرط القتاد، كما أنّ الاستناد إلى رواية الفقه المذكور و مرسلة البعض أيضا مع عدم جامعيّتها لشرائط الحجّيّة غير ممكن، و مقتضى القاعدة هو الحكم بالحلّ، لما عرفت من محكّميّة قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «2» في مثل هذا

______________________________

(1) المستدرك: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8.

(2) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 196

الشكّ الذي في الحرمة الذاتيّة، لا في اعتبار أمر زائد في العقد، لكنّ الفقيه لا يتجرّى على الفتوى، و إذن فالاحتياط في ترك العقد، كما أنّه لو عقد فالاحتياط أن يطلّقها.

و على فرض القول بالحرمة فلا إشكال في لزوم الاقتصار على مورد الإجماع و هو الزنا، فلا يعمّ الوطي بالشبهة، نعم لا فرق في المرأة بين كونها عالمة أم مشتبهة.

و لو شكّت المرأة في كون الرجل عالما أو مشتبها أو شكّ الثالث الذي يريد تولّي

عقد النكاح في ما بينهما بعد طلاق الزوج أو موته في ذلك، فهل يجوز لهما الإقدام في التزويج و ترتيب آثار الصحّة من الزوجيّة و لحوق الولد و غير ذلك أو لا؟ الظاهر نعم؛ لأصالة بقاء الحلّيّة الذاتيّة الثابتة قبل الوطي، بمعنى أنّها و إن كانت ذات بعل أو في العدّة، و لكنّها كانت بحيث لو طلّقها زوجها و خرجت عن العدّة و عقد عليها شخص الواطي كانت له حلالا، و الآن نشكّ في بقاء ذلك، فالأصل يقتضي بقاؤها على ما كانت.

و قد يتمسّك بأصالة الصحّة في إقدام الواطي على قبول التزويج، أو أصالة الصحّة في وطيه، و في كليهما ما لا يخفى، فالمتعيّن التمسّك بالاستصحاب الذي قلنا، و هو مقدّم على استصحاب الحرمة الفعليّة، كما في كلّ مقام، و بسببه نحكم بترتّب آثار الزوجيّة الصحيحة فتدبّر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 197

مسألة حرمة أمّ الغلام الموطوء و أخته و بنته
اشارة

من أوقب غلاما حرم أبدا على الواطي العقد على أمّ الموطوء و أخته و بنته، و قد ورد بذلك الأخبار، لكن حيث إنّ الحكم على خلاف عموم قوله تعالى:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ. لا بدّ من الاقتصار على مورد اليقين، و في ما عداه الرجوع إلى العموم المذكور.

و موضع الشكّ أمور: منها: أنّه هل يعتبر كون الموقب بالكسر رجلا، فلا يكفي كونه غلاما، أو أنّ الحكم ثابت للأعمّ؟

و منها: أنّه هل يعتبر كون الموقب بالفتح غلاما، فلا يكفي كونه كهلا أو شيخا، أو أنّ الحكم ثابت للأعمّ؟

و منها: أنّه هل يعتبر في الموقب بالفتح كونه حيّا، أو أنّ الحكم يعمّه و الميّت؟

و منها: أنّ الحكم مخصوص باللواط الذي هو كالزنا لا يشمل وطي الشبهة، أو عامّ لوطي الشبهة؟

أمّا الأوّل، فلا يبعد القول بثبوته للأعمّ، بملاحظة

أنّه يصدق بعد الكبر أنّه رجل قد أوقب غلاما، فإنّه لا يعتبر في مثله صدق المشتقّ في ظرف النسبة أعني

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 198

الماضي، ألا ترى صحّة قولنا: رجل شيخ قال كذا في مائة سنة قبل هذا؟ و ليس معناه أنّه كان شيخا منذ مائة سنة.

و يشهد له ذكر الابنة للغلام، فإنّه لو كان الملحوظ ظرف النسبة لما كان له ابنة، بخلاف ما إذا كان الملحوظ رجوليّته فعلا و إيقابه سابقا و الغلاميّة باعتبار زمان الإيقاب، فكأنّه قيل: رجل قد أوقب غلاما في رأس عشرين سنة قبل هذا، و هذا يشمل ما إذا كان في ظرف الإيقاب غلاما أو رجلا.

و أمّا الثاني، فلا شكّ في كونه مسكوتا عنه في الكلام، بمعنى عدم كونه من أفراد المذكور في اللفظ، لكن لا يبعد أيضا دعوى اندراجه في فحوى الكلام، بمعنى أنّ ذكر الغلام ليس لأجل خصوصيّة له في الحكم، بل الحكم لمطلق إيقاب المذكّر، و لو كان شيخنا هرما، و إنّما عبّر بالغلام لأجل عدم تعارف الفعل القبيح في غيره.

و أمّا الثالث و الرابع، فالكلام فيهما واحد، و هو أنّ مادّة الكلام بحسب اللغة يشمل اللواط و وطي الشبهة، كما أنّه يشمل حياة الموقب و موته، لكن قد يدّعى الانصراف بمعنى عدم انسباقهما إلى الذهن من اللفظ المطلق.

و فيه أنّ الانصراف إن صار بحيث أفاد فائدة التقييد المذكور في اللفظ، غاية الأمر أنّ الفهم له هو كثرة الاستعمال، لا لفظ مستقلّ، كان موجبا لرفع اليد عن الإطلاق و الحكم بتضييق دائرة الموضوع، كما أنّه لو صار كثرة الاستعمال إلى مثابة صلحت للقرينيّة أوجبت إجمال الكلام.

و أمّا إذا لم يصل إلى شي ء من الدرجتين فمجرّد كثرة

وجود الخاصّ، بل غلبته و ندرة غيره لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق.

نعم بناء على احتياج الحمل على الإطلاق إلى مقدّمات عقليّة التي عمدتها لزوم نقض الغرض عند عدم إرادة الإطلاق ما أمكن الأخذ مع الغلبة الوجوديّة؛ إذ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 199

لو كان المراد اللبّي خاصّا لا يلزم نقض غرض.

و أمّا إذا بنينا على عدم الحاجة كما قرّر في الأصول و أنّه مقتضى ظاهر تعليق الحكم على نفس الطبيعة، كطبيعة الإيقاب و الثقب في ما نحن فيه، حيث رتّبت عليها الحرمة الأبديّة للأمّ و الأخت و البنت، فإنّ الظاهر كونه حكما مرتّبا عليها ابتداء، لا بتوسّط فرد من أفرادها، و لازم كون الحكم لها ابتداء هو السراية معها حيثما صارت، فلا يصغى حينئذ إلى حديث عدم لزوم نقض الغرض.

و بالجملة، فكلّما شكّ في أنّه كان بصدد الإطلاق أو لا؟ فالأصل هو الإطلاق، إلّا أن تقوم قرينة على كونه واردا مورد حكم آخر، أو احتفّ بالكلام ما يصلح للقيديّة.

و لا يخفى أنّ تداول حياة الموقب و تداول عدم كون الإيقاب على وجه الشبهة ليس من قبيل أحد الأوّلين، فيحكم بثبوت الحرمة الأبديّة في الجميع، هذا.

فروع
الأوّل- هل يحرم على الموطوء أمّ الواطئ و أخته و بنته

كما يحرم على الواطي، المذكورات، يحرم على الموطوء أيضا هي من الواطي، غاية تقريب ذلك أن يقال بإجمال أخبار الباب من حيث مرجع الضمير و أنّه الواطي أو الموطوء، و بذلك يسقط عموم دليل الحلّ بالنسبة إلى كليهما؛ لعروض الإجمال عليه، فيكون المرجع أصالة فساد العقد.

و فيه أوّلا: سلّمنا الإجمال، و لكنّ المرجع استصحاب الحلّيّة السابقة، و لا يضرّه العلم الإجمالي؛ لأنّه في حقّ شخصين، كواجدي المني في الثوب المشترك.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 200

و ثانيا: لا إجمال في

مرجع الضمير؛ إذ الظاهر من وقوع الرجل الموقب في صدر القضيّة أنّ السؤال عن التكليف الثابت عليه، و ليس حرمة ابنته و أخته و امّه على موطوئه تكليفا عليه.

اللّهمّ إلّا أن يقال بأنّ الضمير يرجع في قوله: «ابنته و أخته و أمّه» إلى كلّ واحد من المذكورين، أعني الواطي و الموطوء، و في قوله: «عليه» يرجع إلى الآخر، فكأنّه قيل: يحرم الامّ و البنت و الأخت لكلّ واحد منهما على الآخر.

و فيه أنّه لا شاهد في اللفظ على هذه الكيفيّة في مرجع الضميرين، هذا مضافا إلى وجود مرسلة ابن أبي عمير «1» المعتبرة الناصّة في حرمة أخت الموطوء على الواطي، فلاحظ، فالمسألة لا إشكال فيها ظاهرا.

الثاني هل العقد السابق يبطل بالوطي اللاحق

هل الحرمة مختصّة بالعقد الجديد، فلا يسري البطلان إلى العقد السابق على الوطي، أو تعمّ كليهما؟

و مجمل الكلام أنّه ليس في أخبار الباب إشارة إلى صورة طروّ العقد على الوطي، إذ ليس فيها لفظة «يتزوّج» حتّى يستظهر منه الحدوث، بل التعبير بعدم علّيّة العناوين الثلاثة، و هذا يشمل الحدوث و البقاء.

كما هو الحال في آية تحريم الامّ و الأخت الرضاعيّتين، و في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 201

«يحرم من الرضاع. إلخ» و مجرّد أنّ البنت لا يتحقّق لها مصداق سابق؛ لكون الموطوء غلاما، لا يصير شاهدا على الاختصاص باللاحق؛ إذ عدم الفرد لا ينافي عموم المفهوم، مضافا إلى عدم اجتماع العناوين الثلاثة في خبر واحد، ففي بعضها الأخت فقط، و في آخر الامّ كذلك، و في ثالث الأخت و البنت.

هذا مضمون أخبار الباب، لكن يعارضها عموم قولهم عليهم السّلام: «لا

يحرّم الحرام الحلال» «1» و النسبة عموم من وجه، بناء على ما تقدّم من اختصاص هذا العموم بالحلال الفعلي و هو العقد السابق، فيتساقطان في مادّة الاجتماع، فنرجع إلى عموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ. الآية، بناء على ما تقرّر في محلّه من عدم احتساب العامّ الفوق من أحد طرفي التعارض، بل يصير مرجعا في ما كان المتعارضان عامّين من وجه، كما في المقام، حيث يطرئهما الإجمال الدلالي مع محفوظيّة السند، و يصير مرجّحا لسند ما كان مطابقا له في ما كانا متباينين، حيث يحتاجان إلى مرجّح سندي.

هذا مع تسليم عدم أظهريّة في شي ء من الجانبين، و لكن يمكن القول بأقوائيّة عموم: «لا يحرّم. إلخ» إمّا لكونه آبيا عن التخصيص، و إمّا لكونه أظهر في شمول مادّة الاجتماع من حيث ضعف ظهور أخبار الباب في شموله.

هذا كلّه مع الإغماض عن المرسلة المتقدّم إليها الإشارة، فإنّها نصّ في العقد السابق؛ فإنّها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يأتي أخا امرأته؟ «فقال عليه السّلام: إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة» «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 202

و سند الرواية أيضا معتبر؛ لأنّه رواها الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لكن يظهر من الجواهر انحصار العامل بها في ابن سعيد، فإن لم يقدح من هذه الجهة ضعف في سندها، كانت مرجّحة لأخبار الباب و نحكم بعموم التحريم بالنسبة إلى السابق و اللاحق، و إلّا فنحكم باختصاصه بخصوص اللاحق.

الثالث هل المحرّم منحصر في العناوين الثلاثة بالنسبة إلى الواطي

،

أو أنّه يعمّه و ابنه؟ ليس في الروايات ذكر لغير الواطئ إلّا في مرسلة موسى بن سعدان «1»، فإنّ فيه: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: ما ترى في شابّين كانا مضطجعين، فولد لهذا غلام و للآخر جارية، أ يتزوّج ابن هذا ابنة هذا؟» و في الجواب أمارة الكراهة لائحة، حيث رخّص الإمام عليه السّلام مرّتين، فلمّا صرّح السائل بوقوع المنكر استتر عليه السّلام بذراعه «فقال: إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن يتزوّج، و إن كان قد أوقب فلا يحلّ له أن يتزوّج» «2».

و قال في الجواهر: لم أجد به قائلا، مع أنّه فاقد لشرائط الحجّيّة، فلا بأس بحمله على الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 203

مسألة تزويج المحرم موجب للحرمة الأبديّة
اشارة

إذا عقد المحرم لحجّ أو عمرة عنه أو عن غيره، فرض أو نفل على امرأة عالما بالحرمة حرمت عليه أبدا و إن لم يدخل بها.

اعلم أنّ الأخبار في هذا الباب على ثلاثة أصناف: أحدها: ما دلّ على الحرمة الأبديّة في صورة العلم، ففي خبر زرارة و داود بن سرحان، و خبر أديم بيّاع الهروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «و المحرم إذا تزوّج و هو يعلم أنّه حرام عليه لم تحلّ له أبدا» «1».

الثاني: ما دلّ على الحرمة الأبديّة بالتزويج حال الإحرام من غير تعرّض للعلم و الجهل، ففي خبر أديم بن الحرّ الخزاعي «2» عن الصادق عليه السّلام: «إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا» و مثله

خبر إبراهيم بن الحسن عنه عليه السّلام.

الثالث: ما دلّ على عدم الحرمة الأبديّة، و أنّه بعد الإحلال جاز له تجديد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب الحجّ، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1 و 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 204

العقد عليها، من غير تعرّض فيه أيضا لحالتي العلم و الجهل، ففي خبر محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ «فقضى عليه السّلام أن يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا حتّى يحلّ، فإذا أحلّ خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوّجوه و إن شاؤوا لم يزوّجوه» «1».

فقد يقال في بادي النظر أنّ هذين مطلقان في طرفي المنع و الرخصة، فيرتفع التعارض عمّا بينهما بتوسّط الصنف الأوّل، فيحمل المانع على صورة العلم، و المرخّص على صورة الجهل، فتحرم المرأة في الأولى، سواء دخل بها أم لا، و لا تحرم في الثانية كذلك، فلا تدلّ الروايات على مذاق من ألحق الجهل مع الدخول بحالة العلم هنا كذات العدّة.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ هذا و إن كان جمعا عرفيّا في بعض المقامات كما لو ورد: ثمن العذرة سحت، و ورد أيضا: ثمن العذرة لا بأس به، و ورد ثالثا: ثمن عذرة المأكول لا بأس به؛ فإنّه مقتضى حمل الظاهر على النصّ، و لكن لا يتأتّى هذا في المقام، فإنّ حمل المطلق المانع على صورة العلم حمل للمطلق على الفرد النادر؛ إذ قلّما يتّفق أن يكون الشخص في حال الإحرام و مشتغلا بمثل عبادة الحجّ و العمرة و ملتفتا بحرمة عمل كذا، و مع ذلك

تعمّد بارتكابه؛ فإنّه كشرب الخمر في أثناء الصلاة، حيث إنّه أمر نادر الوقوع و لو كان الشخص في غاية الفسق، و إذن فالتعارض بحاله، إذ كلا المطلقان كالنصّ في حال الجهل، و أحدهما مرخّص، و الآخر محرّم.

و يمكن أن يقال في وجه الجمع أنّ المحرّم ناظر إلى صورة حصول الاجتماع الفراشي في ما بين المتزوّجين، بقرينة قوله عليه السّلام: «فرّق بينهما» فإنّ التفريق ظاهر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الحجّ، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 205

في سبق الاجتماع، و المرخّص ناظر إلى غير تلك الصورة؛ إذ ليس فيه إلّا أنّه ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فيقبل الحمل على ما إذا لم يحصل الاجتماع بينهما.

و بالجملة، فيقال بحصول الحرمة مع الدخول، و عدمها مع العدم، كما أنّه بواسطة الخبر الأوّل المتعرّض للفرد النادر يحكم بالحرمة الأبديّة مع العلم، سواء مع الدخول، أم مع عدمه.

فإن قلت: الافتراق الاعتباري في مقابل المواصلة الاعتباريّة حاصل في كلا الفرضين، و الخارجي غير معتبر فيهما.

قلت: الافتراق الاعتباري حاصل من أوّل الأمر، فليس هو المراد من قوله عليه السّلام: «فرّق بينهما»، بل هو نظير ما يقال: يؤخذ و ينزع امرأته من يده، حيث إنّه لا يطلق في مورد كانت المرأة في بيتها و المرء في بيته و لم يحصل بينهما تلاق بعد، نعم الاجتماع الخارجي الفراشي لا يلازم الدخول دائما، لكنّه كذلك غالبا، بحيث يمكن دعوى الانصراف إلى صورة الدخول، و لا أقلّ من الشكّ في اندراج غيره تحت المدلول، فيكون إطلاق دليل الجواز بالنسبة إليه سليما عن المزاحم.

فإن قلت: ليس التزويج مع العلم بالحرمة في حال الإحرام أمرا نادرا؛ فإنّ المراد العلم

بالحرمة النفسيّة و لو جهل الفساد؛ إذ حينئذ ليس إلّا كارتكاب فسق مثل الفحش مثلا في حال الإحرام، و ليس كالزنا في حاله، و هو ليس بقليل الوجود.

قلت: مضافا إلى إمكان دعوى قلّته أيضا، يمكن دعوى قلّة الانفكاك بين حكم الحرمة و الفساد في العلم و الجهل، بمعنى أنّه من النادر أن يعلم بحرمة التزويج و مع ذلك يعتقد الصحّة، فإنّه لا يندرج في أذهان العامّة حرمة تزويج و كونه معصية مع كونه صحيحا مؤثّرا في إفادة الزوجيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 206

و حاصل ما تقدّم إلى هنا أنّ رواية إناطة الحرمة بالعلم بمنطوقها يقيّد رواية الجواز المطلق، و لا ضير فيه؛ لأنّه إخراج للفرد النادر عن تحت المطلق، و بمفهومها حيث تنفي الحرمة مع الجهل لا يمكن أن يقيّد رواية المنع المطلق؛ لأنّه إخراج للفرد الشائع عن تحته و إبقاء النادر، و ليس هذا من الجمع العرفي.

فيبقى معارضتها مع رواية الجواز المطلق، و إذا فرضنا أنّ رواية المنع ظاهرة في الدخول، أو مشكوكة الشمول لغيره، و رواية الجواز المطلق مطلق من هذا الحيث يصير النسبة بينهما من هذه الجهة عموما و خصوصا مطلقا، فيقيّد رواية الجواز بحال عدم الدخول.

و أمّا معارضة رواية المنع مع مفهوم رواية شرطيّة العلم حيث إنّها بإطلاق المفهوم ينفي الحرمة عن الجهل مع الدخول، و هذه يثبتها، فقابلة للذبّ، بملاحظة أنّ المنطوق أظهر من المفهوم، بمعنى أنّه يرفع اليد عن حصر العلّة المستفادة من أداة الشرط، فيقال: إنّها لإفادة نفس العلّيّة خالية عن الأنصار، فيكون المتحصّل منهما أنّ الموجب للحرمة الأبديّة شيئان: العلم و الدخول، فكلّ منهما سبب مستقلّ و لو انفكّ عن الآخر.

فرعان
الأوّل- هل الحرمة مختصّة بالرجل المحرم

أو تعمّ المرأة المحرمة هل الحرمة

مختصّة بالرجل المحرم، أو تعمّه و المرأة المحرمة؟ فلو تزوّجت المحرمة من محلّ حرم عليها أبدا.

قد يقال بالتعميم بأدلّة الاشتراك في التكليف، كما يقال بالنسبة إلى المشافهين

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 207

و غيرهم، و الموجودين في زمن الخطاب و المعدومين.

و فيه: أنّ التمسّك بتلك الأدلّة غير وجيه؛ لأنّه إن علم من الخطاب المعلّق ظاهرا على عنوان الرجل أو المرأة أنّه بالملاك الأعمّ، و ذكر أحدهما من باب المثال- كما أنّ أمثلته غير عزيزة- فهذا ليس تمسّكا بتلك الأدلّة، بل استفادة من نفس الخطاب، و امّا إن احتمل الخصوصيّة للعنوان، كما احتمل بعض في باب القضاء على الولد الأكبر اختصاص ذلك بما فات من صلوات الأب دون الأمّ؛ لأنّ المذكور في الرواية لفظ الرجل و إن احتمل بعض آخر التعميم بملاحظة كون ذلك بعنوان الولد الأكبر و كونه متميّزا من سائر الورثة باختصاص الحبوة، و ذكر الرجل من باب المثال، فحينئذ لا مجال للتمسّك بتلك الأدلّة؛ إذ يجوز أن يكون من الأحكام الخاصّة بعنوان الرجل، أو عنوان المرأة، كما أنّ أمثلة ذلك أيضا غير عزيزة.

و الإنصاف أنّ ما نحن فيه لا يمكن استفادة عموم الملاك فيه، و أنّ هذا حكم الإحرام من غير اعتبار خصوصيّة الرجل، و الشكّ أيضا كاف في عدم الحكم بالتعميم.

الثاني في أمثال هذه المقامات التي رتّب الحرمة على العقد على امرأة كذائية

، الظاهر من لفظ العقد و ما يرادفه ما كان واجدا لشرائط صحّة العقد، و هي غير شرائط فعليّة النفوذ؛ فإنّ بعضها من الأمور شروط للعقد من حيث إنّه عقد، كالعربيّة و الموالاة و نحو ذلك، و بعضها ليس بشرط في العقد من حيث كونه عقدا، كعدم كون

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 208

المرأة في العدّة، أو عدم كون الرجل في

الإحرام.

و من هنا يعلم أنّ ملاحظة صحّة العقد من حيث شروط نفسه لا ينافي مع عدم ملاحظة الأمور التي في عرض عدم الإحرام، كما في خبر مشتمل على عقد محرم على ذات العدّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 209

السبب الرابع: استكمال العدد

اشارة

، و هو قسمان:

الأوّل: إذا استكمل الحرّ أربعا بالعقد الدائم
اشارة

حرم عليه مع وجود الأربع عنده نكاح ما زاد دواما، و هذا الحكم من ضروريات الدين، و يدلّ عليه قوله تعالى:

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ «1».

و في الآية بحث بين صاحب المسالك و شيخنا الأستاذ.

فقال الأوّل ما حاصله: إنّ الواو في الآية بمعنى «أو» لأنّها لو بقيت على معناها اقتضت الآية جواز نكاح الثمانية عشر.

و اعترضه شيخنا الأستاذ دام ظلّه بما حاصله أنّ «واو» العطف لا يقتضي إلّا الجمع في الحكم، أعني: أنّ المتعاطفات مجتمعة في النسبة الحكميّة، و لا يقتضي الحكم بالجمع، فلا داعي إلى جعل الواو في الآية بمعنى «أو» بل هي بمعناها، و لا محذور؛ فإنّ المعنى: انكحوا اثنتين و انكحوا ثلاثا و انكحوا أربعا، و هذه الأعداد لا يمكن

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 210

اجتماعها؛ إذ هي محدودة بحدودها المتنافية بعضها مع بعض، فكأنّه قيل: هذه المراتب الثلاث من العدد مجوّزة في مقام الجمع في النكاح.

ثمّ على فرض قطع النظر عن الحدود و النظر إلى الذوات و قطع النظر عن أنّ الواو لا يقتضي إلّا الجمع في الحكم لا الحكم بالجمع، فغاية ما يلزم اقتضائه الآية نكاح التسع، فعلى كلّ حال لا يتمّ ما ذكره صاحب المسالك قدّس سرّه من اقتضاء الثمانية عشر، مع أنّ المحذور بناء على جعل الواو بمعنى «أو» أيضا لازم على ما يظهر من كلامه من اقتضاء الواو الحكم بالجمع؛ فإنّه يصير المعنى حينئذ إمّا اثنتين و اثنتين، و إمّا ثلاثا و ثلاثا، و إمّا أربعا و أربعا، فيلزم جواز الثمانية.

مع أنّه يمكن منع التكرير في

المثنى و ثلاث و رباع، ألا ترى قولنا: زيد ثلاثي؟ و ليس معناه أنّه سداسي، هذا خلاصة ما ذكره الأستاذ اعتراضا على المسالك، و بعضه مذكور في الجواهر.

فروع
الأوّل- عدم جواز الجمع بين أزيد من أمتين

لا إشكال في أنّ إطلاق جواز الأربع بالنسبة إلى الحرّ مقيّد بالنسبة إلى الإماء، فلا يجوز له الجمع بين أزيد من أمتين، و يدلّ عليه بعد التسلّم و إرساله في كلماتهم إرسال المسلّم، ما رواه في الوسائل عن الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهما السّلام «قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانيّة، له أن يتزوّج عليها يهوديّة؟ فقال عليه السّلام: إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام عليه السّلام، و ذلك موسّع منّا عليكم خاصّة، فلا بأس أن يتزوّج، قلت:

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 211

فإنّه يتزوّج عليهما أمة، قال عليه السّلام: لا يصلح له أن يتزوّج ثلاثة إماء» «1» الحديث.

نعم له أن يتزوّج أمتين و حرّتين و له تمام الأربع الحرائر، و ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر».

فإن قلت: ما وجه العدول عن إطلاق الآية المتقدّمة إلى إطلاق الحديث؟

قلت: الوجه أنّه يغلب على الظنّ عدم كون الآية بصدد الإطلاق إلّا من حيث العدد، و أمّا احتمال أنّ الحرّ يجوز له أصل تزويج الأمة فضلا عن أزيد من واحدة فلا تعرّض له في الآية، و ذلك لرؤية كثرة الخارج عن إطلاقها، مثل الحرّ بالنسبة إلى أزيد من أمّتين، و العبد بالنسبة إلى أزيد من حرّتين، و إلى حرّة و ثلاث إماء، فيغلب من جهة ذلك على الظنّ أنّها من هذه الحيثيّات في مقام السكوت، و لا يبقى لها ظهور.

اللهمّ

إلّا أن يقال: هذا البيان مفيد لإسقاط إطلاق الآية بالنسبة إلى العبد، أمّا بالنسبة إلى الحرّ فنقطع من الخارج بأنّ الأربع حرائر مشمولات لها، و كذلك لا مانع في حقّه من أصل تزويج الأمة مع الشرطين، أعني خوف العنت و عدم الطول من نكاح الحرّة، و كذلك نقطع بجواز الجمع في حقّه بين الأمة و الحرّة مع الشرطين المذكورين، لكن بشرط تقدّم العقد على الأمة.

و إذن فلا يبقى شكّ إلّا من حيث العدد فقط، و الآية من هذه الجهة حسب الفرض في مقام الإطلاق، فيحكم بجواز أربع حرائر و أمتين و حرّتين بالشروط المتقدّمة، و أمة و ثلاث حرائر كذلك، و أمّا الحرّة و الثلاث إماء فقد خرج بواسطة الخبر المتقدّم.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 212

و بالجملة، احتمال المانع في اجتماع ثلاث حرائر غير موجود، و كذلك في اجتماعها مع الأمة، و كذلك في الحرّتين و الأمتين، و الحرّة و الأمة، و الحرّة و الأمتين، فإن احتمل المانع في عدد الأربع و الثلاث و الاثنين يدفعه الآية.

و من هذه البيانات يعلم الكلام في العبد لو شككنا في أنّه يجوز له أن يجمع بين حرّة و أمة، أو أمتين، أو ثلاث إماء، أو لا، فإنّه لا يمكن الرجوع فيه إلى إطلاق الآية.

و تفصيل الكلام أنّ عقد العبد على أربع إماء مصرّح بجوازه في النصّ، و كذلك عقده على الحرّتين، و كذلك عدم جواز الزيادة على الحرّتين شيئا.

ففي صحيح محمّد بن مسلم «1» عن أحدهما عليهما السّلام «قال: سألته عن العبد يتزوّج أربع حرائر؟ قال عليه السّلام: لا، و لكن يتزوّج حرّتين، و إن شاء

أربع إماء».

و أمّا عقده على حرّة و ثلاث إماء، و على أمتين و حرّة، بل و على أمة و حرّة فقد أرسلوا إرسال المسلّم منع الأوّل و جواز الأخيرتين، و أنّ الحرّة في حقّ العبد بمنزلة أمتين، ففي الأوّل يلزم اجتماع الخمس الحكمي، و في الثاني اجتماع الأربع، و في الثالث اجتماع الثلاث، لكن ليس على هذا التنزيل في الأخبار دلالة.

نعم روى الصدوق مرسلا على ما في الجواهر، فقال بعد أن روى عن حمّاد ابن عيسى أنّه «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام كم يتزوّج العبد؟ قال عليه السّلام: قال أبي: قال علي عليه السّلام: لا يزيد على امرأتين» «2»، قال: و في حديث آخر: يتزوّج العبد حرّتين،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 213

أو أربع إماء، أو أمتين و حرّة، و هذا و إن سلم سنده فلا خدشة في دلالته، لكنّه لا يخرج عن حدّ الإرسال ظاهرا.

و اعتماد العلماء عليه غير معلوم؛ لأنّ من المحتمل كون استنادهم إلى التنزيل المتقدّم، و أنّهم استفادوه من الأخبار الدالّة على أنّ له أن يتزوّج حرّتين أو أربع إماء.

و بعد هذا نقول: حكم الفروع الثلاثة غير ممكن الاستفادة على ما عرفت من الآية و لا من الأخبار، و لا من الإجماع، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول، و قد عرفت في ما تقدّم أنّ الأصل في الشكّ في الحلّ و الحرمة الذاتيّتين في باب النكاح هو الحلّ، و في العرضيّتين هو الحرمة، و مقامنا من الثاني.

إلّا أن يقال: نعم، لكن نحكم بالحلّ بمقتضى الاستصحاب،

فإنّ العبد كان له تزويج الحرّة قبل تزويجه الأمة، و يشكّ في جوازه بعد ذلك، و الأصل الجواز، و كذلك بالنسبة إلى بعد تزويجه الأمة الثانية و الثالثة، فيحكم بجواز أمة و حرّة، و أمتين و حرّة، و ثلاث إماء و حرّة، نعم لا يزيد على حرّتين شيئا؛ لأنّه منصوص كما تقدّم، كجواز الأربع إماء.

الفرع الثاني- المبعّض ملحق بالحرّ أو الرقّ

بعد ما تحقّق عدم جواز تزويج الحرّ أزيد من أمتين، و العبد أزيد من حرّتين لو فرض عبد مبعّضا أو أمة مبعّضة، فهل يجري عليهما حكم الحرّ و الحرّة، أو حكم العبد و الأمة؟ حكي عن المسالك أنّه قال بإلحاقهما بالحرّ و الحرّة فيما منعا منه، و بالعبد و الأمة كذلك، فلا يجوز للعبد المبعّض تزويج أزيد من حرّتين و لا أزيد من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 214

أمتين، و كذا لا يجوز للأمة المبعّضة التزويج بالعبد المتزوّج بحرّة و أمة، و لا بالحرّ المتزوّج بأمتين.

و قد يقال: إنّ المرجع إطلاق الآية المتقدّمة؛ فإنّ المتيقّن خروج الحرّ و العبد، و الحرّة و الأمة، فيبقى المبعّض و المبعّضة تحت الإطلاق، فيجوز للأوّل جمع أربع حرائر أو أربع إماء، و للثانية التزويج بحرّ تحته أمتان، أو عبد تحته أمة و حرّة.

و لكن قد عرفت الخدشة في إطلاقها، و على فرضه يمكن دعوى القطع بعدم سلامته بالنسبة إلى المبعّض و المبعّضة، بمعنى أنّ الشارع أجرى عليهما حكم أحد الصنفين، و حينئذ فيسقط الإطلاق عن صحّة الاستدلال بواسطة الإجمال، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول.

و مقتضى العلم الإجمالي هو الامتناع عمّا منع منه الحرّ و الحرّة و العبد و الأمة، لكن مقتضى استصحاب الحالة السابقة إجراء حكم العبد و الأمة عليهما؛ لأنّها قبل التبعيض

كانا محكومين بذلك قطعا، و بعده نشكّ في ارتفاعه مع محفوظيّة الموضوع العرفيّ.

الفرع الثالث- هل يجري التحديد بالأربع في الانقطاع؟

هل عدم جواز الزيادة على الأربع مخصوص بالعقد الدائم، فيجوز الانقطاع أيّ مبلغ بلغ، أو يجري في الانقطاع أيضا التحديد المذكور؟ مقتضى أخبار كثيرة عدم المحدوديّة، و في بعضها: «تزوّج منهنّ ألفا، فإنّهنّ مستأجرات» «1»، و في آخر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 215

بعد السؤال عن كون المتعة من الأربع؟ «قال عليه السّلام: لا، و لا من السبعين «1».

لكن روى الشيخ بإسناده عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام «قال:

قال أبو جعفر عليهما السّلام: اجعلوهنّ من الأربع، فقال له صفوان بن يحيى: على الاحتياط؟ قال عليه السّلام: نعم» «2».

و روى أيضا عنه عن أبي الحسن عليه السّلام «قال: سألته عن الرجل تكون له المرأة، هل يتزوّج بأختها متعة؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: حكى زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام: إنّما هي مثل الإماء يتزوّج ما شاء، قال عليه السّلام: لا، هي من الأربع» «3».

و يمكن الجمع بأنّ الأخبار الأول بصدد بيان الحكم الواقعي، و الثانية بقرينة لفظ الاحتياط- و هو بعيد عن الإمام عليه السّلام في الشبهة الحكميّة- على احتياط المكلّف و تحرّزه عن ضرر المخالفين، و لعلّ الوجه في صيرورة هذا المعنى- أي الاقتصار على الأربع احتياطا لحقن النفس و العرض- أنّ أصل المتعة يمكن الاحتجاج على جوازه بالقرآن و السنّة النبويّة، و لهذا حكي عن ابن عباس القول بها، فيمكن دفع شرّهم و ستر المذهب عنهم بذلك.

و أمّا كونه متجاوزا عن الأربع كعدم الميراث فيه، فمناف لعموم القرآن، و لا محيص فيه من إفشاء المذهب، و إنّا خصّصنا

القرآن لأنّ مخصّصاته مودعة عند أئمّتنا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و يشهد لهذا الحمل كلمة: اجعلوهن من الأربع.

و بمثل ذلك نقول في الرواية الثانية؛ فإنّه بعد ما سأل الراوي عن تزويج أخت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 9.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 11.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 216

امرأته متعة تنظيرا لها بالإماء و أنّها ليست من النكاح قال عليه السّلام: لا، هي من الأربع، يعني أنّه نكاح و يجري فيه حكم الأربع، حتّى لا يعترض أحد من المخالفين أنّا سلّمنا جواز المتعة، لكنّا نقول: لا محالة يكون نكاحا، و النكاح يكون إلى الأربع، فلم تجوّزونه أكثر من الأربع، فأشار عليه السّلام بكونه من الأربع إلى نكاحيّته، فلا يجوز جمع الأختين به، و ليس كملك اليمين، و جعله من الأربع لأجل تقيّة السائل.

الفرع الرابع إذا طلّق واحدة من الأربعة، هل يجوز تزويج الأخرى بلا عدّة؟

من كان له أربعة نسوة، فطلّق واحدة منهنّ فهل يجوز له تزويج اخرى مكانها في ذلك اليوم أو قريبا؟

في المسألة تفصيل؛ لأنّ الطلاق المذكور إمّا بائن لا عدّة فيه، كطلاق غير المدخول بها و طلاق اليائسة، فهذا لا إشكال فيه في الجواز، و قد ورد في غير المدخولة نصّ خاصّ بالجواز، فلاحظ.

و إمّا رجعيّ، كطلاق المدخولة الغير اليائسة في المرّة الأولى أو الثانية في غير الخلع و المبارأة.

و إمّا بائن له عدّة كالطلاق الثالث و الخلع و المبارأة.

فلا إشكال في الأوّل من هذين في عدم الجواز ما دام لم تنقضي عدّة المطلّقة الرجعيّة.

و أمّا القسم الأخير فهل يجوز قبل انقضاء العدّة أو لا؟ مجمل الكلام فيه أنّ

كتاب النكاح (للأراكي)،

ص: 217

الأخبار وردت في من له أربع نسوة فيطلّق إحداهنّ و حكمت بتوقّف تزويج الأخرى على انقضاء عدّة المطلّقة من غير تقييد في الكلام بكونها رجعيّة، و لا استفصال عن ذلك، و من هذه الجهة مال بعضهم رضوان اللّه عليهم إلى القول بالاشتراط في كلا القسمين.

و حاول بعض آخر استفادة التقييد بالرجعيّة من التعليل الوارد في تزويج أخت المرأة المختلعة قبل انقضاء عدّتها، فإنّه عليه السّلام قال: نعم، يعني يجوز التزويج «قد برئت عصمتها منه و ليس له عليها رجعة» «1».

و في آخر في رجل طلّق امرأته، أو اختلعت، أو بانت، له أن يتزوّج بأختها؟

قال: فقال عليه السّلام: «إذا برئت عصمتها و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها» «2».

لكن فيه أنّ قضيّة التعليل هو التعدّي في مثل الحكم المذكور في القضيّة إلى غير المورد، مثل الحرمة إلى غير الخمر من أفراد المسكر، و في المقام نتعدّى في خطبة الأخت إلى سائر موارد برء العصمة، لا التعدّي إلى حكم آخر مثل تزويج المرأة الأخرى في مقامنا، فإنّه غير مقتضى عموم التعليل.

فإن قلت: يستكشف منه أنّ براءة العصمة بعدم الرجعة، فلا يتحقّق الجمع.

قلت: هذا المعنى، أعني: عدم تحقّق الجمع محرز بالوجدان بعد الطلاق و لو كان رجعيّا، و لهذا لو لم تكن هذه الأخبار لحكمنا بجواز الرابعة قطعا، فالشكّ إنّما هو في أنّ التنزيل الذي ورد في المطلّقة الرجعيّة هل ورد في البائنة ذات العدّة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 48 من أبواب العدد، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 48 من أبواب العدد، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 218

أيضا أو لا؟ و هذا الشكّ لا يرفع بمثل التعليل المذكور.

نعم، هنا كلام

آخر و هو منع إطلاق أخبار الباب بالنسبة إلى أفراد المطلّقة البائنة ذات العدّة؛ لأنّ المذكور فيها في كلام السائل رجل طلّق أو يطلّق، و لا يخفى ظهوره في كونه صرف الوجود الغير القابل للتكرّر، نعم لو كان قضيّة مبتدئة مثل:

من طلّق امرأته، أمكن دعوى العموم بالنسبة إلى الأزمان، و لكن ليس هذا التعبير في أخبار المسألة، فراجعها، و على هذا فلا تشمل الأخبار المطلّقة الثالثة.

و أمّا الخلع و المبارأة فالمتعارف في التعبير عنهما لفظهما، لا لفظ الطلاق، و يشهد لهذا وجود مثل هذا الإطلاق في مسألة تزويج أخت المرأة المطلّقة؛ فإنّه عليه السّلام بعد أن سأل الراوي عن رجل طلّق امرأته أ يتزوّج أختها؟ قال عليه السّلام:

لا حتّى تنقضي عدّتها، من غير استفصال عن كونه رجعيّا أو بائنا، و أيضا في ما تقدّم من الخبر عطف قوله: أو اختلعت أو بانت، على قوله: طلّق امرأته، و على هذا فتكون المطلّقة المذكورة مسكوتا عنها، فتبقى تحت إطلاق آية فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ. «1».

ثمّ على فرض تسليم الإطلاق يمكن استفادة الكراهة من بعض الأمارات المذكورة في الأخبار، مثل جعل العدّة للزوج و الحكم به في الموت و المتعة.

الفرع الخامس- إذا تزوّج اثنتين في عقد واحد من كان له ثلاثة

لو طلّق من كان له أربع زوجات إحداهنّ و تزوّج اثنتين في عقد واحد، فهل يبطل العقد بالنسبة إليهما، أو يصحّ بالنسبة إلى إحداهما و يختار أيّتهما شاء؟ لم يرد

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 219

في خصوص هذه المسألة نصّ.

و لكن ورد في من تزوّج خمسا في عقدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه «قال عليه السّلام:

يخلّي سبيل أيّتهنّ شاء و يمسك الأربع» «1» و الرواية معتبرة السند، تامّة الدلالة.

و حينئذ نقول: زوجيّة الغير

المعيّن إن أحرز كونها غير معقول كما هو الحال في السواد و البياض و سائر الأعراض الخارجيّة، فإنّها تحتاج إلى محالّ متميّزة موجودة، فحينئذ لا بدّ من التأويل في الرواية بإرادة العقد الجديد، و أمّا إذا احتمل كونها كالملكيّة حيث تقوم بالجزء المشاع مع أنّه لا تميّز خارجي له و لهذا لا يتّصف بالسواد و نحوه، فحينئذ لا داعي إلى الصرف و التأويل.

و الظاهر كونها من القسم الثاني، أعني من المحتمل اكتفائها بالمحلّ الغير المعيّن، و ظهور النصّ أيضا غير قابل للإنكار، فيحكم بمقتضاه في مورده و هو تزويج الخمس، و بدعوى القطع بعدم الفرق بينه و بين تزويج الاثنين لمن تحته ثلاث الذي مسألتنا نحكم به في ما نحن فيه.

لا يقال: لو كان الأمر كما ذكرت أعني: يكتفى في محلّ الزوجيّة بغير المعيّن، فلم لا يصحّ العقد ابتداء على الزوجة اللامعيّنة كإحدى المرأتين؟

لأنّا نقول: يمكن أن يكون الفساد في العقد الابتدائي لا لأجل عدم قابليّة المحلّ لقيام الزوجيّة به، بل لاشتراط تأثير العقد بتعيين الزوجة إنشاء، و هو حاصل في ما نحن فيه و في من تزوّج خمسا، فإنّ العقد واقع على المرءات المعيّنات، غاية الأمر منع المانع عن التأثير بالنسبة إلى واحد غير معيّن، فيبقى تأثيره في غيره سليما عن المانع، و هذا بخلاف العقد الابتدائي، فإنّه فاقد لهذه الخصوصيّة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 220

[القسم الثاني] في اشتراط تزويج المطلّقة ثلاثا بنكاح زوج آخر
اشارة

القسم الثاني من قسمي استيفاء العدد استكمال الحرّة عدد المطلقات الثلاث، فإذا لم يتخلّل بينها نكاح زوج آخر حرمت في المرّة الثالثة على المطلّق حتّى ينكح زوجا غيره بعقد دوام و يذوق عسيلته، و لا

يختصّ هذا الحكم بالطلاق الرجعي، بل يعمّ جميع أنواع الطلاق، فكلّما توالى ثلاثة أفراد من الطلاق من رجل بالنسبة إلى امرأة فالثالث محرّم لها عليه قبل أن ينكح زوجا غيره.

و يمكن استفادة ذلك العموم من الآية أيضا، أعني: قوله تعالى في سورة البقرة الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «1» إلى أن قال تعالى:

فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا «2».

فإنّ قوله تعالى فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ الظاهر أنّ المراد به أنّه بعد الطلقتين و حصول الزوجيّة الجديدة يدور الأمر بين اثنتين: الإمساك بمعروف و التسريح بإحسان، فإنّ التسريح الذي هو الإرسال و الإطلاق فرع الزوجيّة، فلا يطلق على ترك المطلّقة الرجعيّة بحالها و عدم رجوعها حتّى تنقضي عدّتها.

نعم، لا فرق في حصول الزوجيّة بالرجوع أو بالعقد الجديد، و على كلّ حال

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 229.

(2) سورة البقرة: الآية 230.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 221

فالمسألة خالية عن الإشكال ظاهرا، هذا في الحرّة.

و أمّا الأمة فإذا استكملت الطلقتين حرمت على زوجها حتّى تنكح زوجا غيره، و لا فرق في الحرّة و الأمة في ما ذكرنا بين كونهما تحت حرّ أو تحت عبد، خلافا للعامّة حيث اعتبروا في هذه المسألة بحال الزوج دون الزوجة، هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.

في المطلّقة تسعا

كما لا إشكال في أنّه إذا استكملت المطلّقة تسع طلقات ينكحها ما بينها رجلان حرمت على المطلّق أبدا، لكن في كلام الفقهاء تقييد التسع بكونها للعدّة، و المراد بالعدّي في مقابل السنّي الذي له إطلاقان، أحدهما بالمعنى الأخصّ، و هو ما يقابل العدّي، و الآخر بالمعنى الأعمّ و هو ما يقابل البدعي أن

يطلّق المرأة طلاقا رجعيّا، ثمّ رجعها في عدّتها و قاربها فيها، ثمّ إذا حصل لها طهر لم يواقعها فيه يطلّقها ثانيا طلاقا رجعيّا و يراجعها في العدّة و يواقعها فيها، و إذا طهرت طهرا لم يواقعها فيه يطلّقها ثالثا، ثمّ إذا انقضت عدّتها و تزوّجت زوجا غيره و دخل بها فطلّقها و خرجت من عدّته تزوّجها الزوج الأوّل، ففعل بها مثل الأوّل، و هكذا حتّى تكمل التسع طلقات.

فالطلاق الأوّل و الثاني من كلّ دور يسمّى عدّيا، و الثالث من كلّ و إن كان سنيا، لكن أطلق العدّي على التسع من باب التغليب أو من باب المجاورة، هذا ما ذكروه.

و العمدة النظر في أخبار المسألة، فنقول: هي بين مطلق من جهة هذا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 222

القيد، و مقيّد.

أمّا الأوّل: فهو موثّق زرارة بن أعين و داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: و الذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له، حتّى تنكح زوجا غيره ثلاث مرّات، و تزوّج ثلاث مرّات، لا تحلّ له أبدا» «1».

و قد قلنا: إنّ الطلاق الذي لا يحلّ حتّى تنكح زوجا غيره لا يختصّ بالرجعي فضلا عن العدّي الذي هو فرد منه، بل يتحقّق بالخلع و المبارأة و طلاق غير المدخولة و اليائسة، و مقتضى هذا الحديث أنّ هذا الموضوع الذي فرضناه أعمّ، متى تكرّر ثلاثا يوجب الحرمة الأبديّة، فلا دلالة فيه على اعتبار العدّية.

نعم لو قلنا باعتبار العدّية في الطلاق الذي لا يحلّ حتّى تنكح- كما هو مفاد بعض الأخبار و مختار عبد اللّه بن بكير- كان مفيدا للمدّعى المذكور، و هو اعتبار قيد العديّة في التحريم الأبدي أيضا، لكنّ البناء على ترك العمل بتلك الأخبار

و العمل بما يقابلها من أخبار أخر أكثر منها دالّة على حصول التحريم المغيّا بنكاح زوج غيره بأيّ فرد كان من الطلاق.

نعم، يشترط عدم تخلّل زوج في ما بين الطلقة الاولى و الثانية، و في ما بين الثانية و الثالثة، و لا شرط له غير ذلك و التكرّر ثلاثا، و عليه فالرواية دالّة على الإطلاق كما ذكرنا.

و مثله صحيح إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام:

«إذ طلّق الرجل المرأة فتزوّجت، ثمّ طلّقها زوجها، فتزوّجها الأوّل، ثمّ طلّقها فتزوّجت رجلا، ثمّ طلّقها، فتزوّجت الأوّل، ثمّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 223

لم تحلّ له أبدا» «1».

فإنّ الظاهر أنّ المراد من الطلاق هو المحتاج إلى المحلّل، يعني: إذا صدر منه الطلاق الذي يحتاج إلى تزويج زوج آخر ثلاثا لم يحلّ له أبدا، فيجي ء فيه الكلام المتقدّم في سابقه حرفا بحرف.

و أمّا الثاني، أعني: الخبر المقيّد فهو خبران:

أحدهما مقيّد بكون الطلقات الثلاث الأخيرة من التسع على السنّة، و هو خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألته عن الذي يطلّق، ثمّ يراجع، ثمّ يطلّق، ثمّ يراجع، ثمّ يطلّق، قال عليه السّلام: لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره، فيتزوّجها رجل آخر، فيطلّقها على السنّة، ثمّ يرجع إلى زوجها الأوّل، فيطلّقها ثلاث مرّات و تنكح زوجا غيره، فيطلّقها ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل، فيطلّقها ثلاث مرّات على السنّة، ثمّ تنكح، فتلك التي لا تحلّ له أبدا» «2».

و هذا و إن اشتمل على رجوع المطلّق في العدّة في الاثنتين الأوليين، إلّا أنّه خال

عن قيد المواقعة، و مع ذلك كلام الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى الطلقات المتوسّطة مطلق، و بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة مقيّد بكونها على السنّة.

و طلاق السنّة على ما فسّره أبو جعفر عليهما السّلام على ما في رواية زرارة أن يطلّق الرجل امرأته بشرائطه، ثمّ يدعها حتّى تطمث طمثتين و تنقضي عدّتها بثلاث حيض و قد بانت منه و يكون خاطبا من الخطاب، فهو مقيّد بعدم الرجوع في العدّة الرجعيّة، كما أنّ العدّي مقيّد بالرجوع فيه و الجماع كما تقدّم.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 224

و الآخر مقيّد بكون التسع للعدّة، و هو المرويّ عن الخصال في تعداد المحرّمات بالسنّة «قال عليه السّلام: و تزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات» «1».

و غاية ما يمكن أن يقال أخذا بمفهوم القيد في هذا الخبر الأخير أنّ ما تقدّم عليه إمّا مطلق من هذه الجهة قابل للتقييد، و هو الخبران الأوّلان، و إمّا مشتمل على التقيّد بالسنّة، و لكنّه قابل أيضا للحمل على ما لا ينافي هذا، بحمل السنّة فيه على المعنى الأعمّ، أعني: المطابق للمشروع، فيكون أيضا مطلقا من هذه الجهة، فيتقيّد بمفهوم هذا الخبر.

ثمّ مقتضى هذا الخبر كون الجميع عديّا، و هو لا يتمّ مع عدم التفريق إلّا في ثلاثة عشر تطليقة؛ لأنّ كلّ ثالثة لا محالة غير عديّة، فالتسع مشتملة على ستّ عديّات.

لكن صريح الأخبار الثلاثة المتقدّمة أنّ التسع المحرّم بالتحريم الأبدي مركّب من تكرير الطلاق الذي لا يحلّ حتّى تنكح زوجا غيره ثلاث مرّات، و بعبارة أخرى: هي التسع التي

لم يتخلّل في ما بينها أزيد من زوجين، فينضمّ هذا القيد المستفاد من هذه الأخبار إلى ذلك القيد المستفاد من مفهوم خبر الخصال.

فيصير المتحصّل ما ذكره العلماء من كون الموضوع المحرّم الأبدي هو ما اشتمل على القيدين، فيكون قيد العديّة على هذا معتبرا في ستّ من التسع؛ لأنّه الممكن بعد تعذّر الكلّ، فيكون اللفظ محمولا عليه؛ لأنّه أقرب المجازات بعد تعذّر الحقيقة.

هذه غاية ما يمكن أن يقال في تقوية المذهب المشهور.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 225

و لكن فيه أنّه مبنيّ أوّلا: على أنّ ظهور لفظ العدّة في المعنى المذكور كان أقوى من ظهور لفظ السنّة في المعنى الأخصّ؛ إذ هنا طريق جمع آخر و هو حمل السنّة على المعنى الأخصّ، و حمل العدة على المعنى الأعمّ، أعني كون الطلاق محكوما بالعدّة، لا مثل طلاق غير المدخولة الذي لا عدّة فيه، و إثبات هذا مشكل، فإنّا و إن سلّمنا ظهور لفظ طلاق العدّة في لسان الأخبار في ما ذكر أوّلا، لكن نقول: لفظ طلاق السنّة أيضا ظاهر في المعنى الأخصّ.

و ثانيا: أنّه مبنيّ على قابليّة تلك المطلقات للتقييد بهذا الفرد النادر الوقوع، فإنّه إذا كان الغرض متعلّقا بإبانة الزوجة عنه رأسا، و الفرض أنّه يتحقّق بثلاث تطليقات تخلّل بينها رجعتان في مجلس واحد بلا تخلّل جماع فلا داعي إلى ارتكاب هذا التكلّف، أعني: تطليقها ثمّ مراجعتها و مقاربتها، ثمّ الصبر إلى أن يتحقّق لها طهر بغير مواقعة، ثمّ تطليقها، ثمّ مراجعتها و مقاربتها، ثمّ الصبر إلى زمان الطهر الجديد بغير مواقعة و تطليقها ثالثا.

نعم يمكن أن يكون داعي أحد أن يجعل المرأة محرّمة أبديّة

على نفسه، فارتكب ذلك مقدّمة لتحقيق موضوع ذلك المعنى، و كان هو ممّن يرى اجتهادا أو تقليدا أنّ موضوع ذلك متقيّد بما ذكر، لكن هذا الفرض كما ترى فرض نادر في غاية القلّة و الندرة، فكيف يمكن حمل المطلق الذي في مقام البيان على هذا الفرض و إخراج الكثير من تحته من جميع أفراد الطلاق البائن و من أفراد الرجعي الغير الموافقة مع العدّي.

و قد يحتمل أنّ المقام من قبيل ما إذا تعارض خاصّان، و بعد تساقطهما يرجع إلى العامّ، فإذا تعارض ما دلّ على اشتراط العدّية مع ما دلّ على اشتراط السنّية يتساقطان، فيرجع إلى إطلاق الخبر المطلق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 226

و لكن فيه أنّه في ما إذا كان أحد الخاصّين موافقا للعامّ، و في ما نحن فيه شي ء منهما غير موافق للمطلق، فإنّ كلا من الأخبار الثلاثة من المطلق و المقيّدين إنّما يكون في مقام التحديد، فمفاد الأوّل تحديد المحرّم الأبدي بالمطلق من القيدين، و مفاد الأخيرين تحديده بأحد المقيّدين، و هذا وجه آخر لعدم الجمع العرفي و عدم معاملة الإطلاق و التقييد في ما بين المطلق و المقيّد الصوريين في مقامنا، و الحاصل أنّ الأخبار الثلاثة متباينة متعارضة.

و حينئذ نقول: الخبر الدالّ على اعتبار قيد السنّية في الطلقات الثلاثة الأخيرة يمكن علاج التعارض بينه و بين الخبرين الآخرين بأن يقال: إنّا لو سلّمنا ظهوره في السنيّة بالمعنى الأخصّ، لكن ظهور مدخليّته بهذا المعنى في التحريم الأبدي بملاحظة أمور: الأوّل: أنّ لفظ الطلاق للعدّة في لسان الأخبار لم يعهد وروده بغير معنى الطلاق العدّي، فإنّ كونه بمعنى الطلاق في طهر لم يواقعها فيه و إن احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه هنا و

في الآية الشريفة يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ «1» لكنّه لم يعهد الإطلاق بهذا الوجه في لسان الأخبار.

و هذه الآية في خبر زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام مفسّرة بالطلاق العدّي، و احتمال كونه بمعنى الطلاق المتعقّب بالعدّة أيضا غير معهود، و هذا بخلاف لفظ طلاق السنّة؛ فإنّ له في الأخبار إطلاقين، أحدهما في قبال طلاق العدّة، و الثاني في قبال طلاق البدعة، و بالجملة فظهور لفظ طلاق العدّة أقوى، فيوجب صرف لفظ الطلاق على السنّة إلى معناها المقابل للبدعة.

______________________________

(1) سورة الطلاق: الآية 1.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 227

الثاني: أنّه قد ذكر في الرواية المعتبرة للسنّية هذا القيد بالنسبة إلى طلاق الزوج الآخر الذي يزوّج المرأة بعد ثلاث طلقاتها الاولى، و وجه اعتباره فيه واضح، إذ لو كان عدّيا لم يكن سبيل للزوج الأوّل إلى تزويجها.

و إذن فيحتمل أن يكون لفظ «على السنّة» الواقع عقيب الطلقات الثلاثة الأخيرة التي وقعت عقيب الطلقات الثلاثة الأخيرة التي وقعت عقيب طلاق الزوج الآخر الثانوي أيضا إشارة إلى اعتبار مثل ذلك المعنى في طلاق الزوج الآخر الثانوي، بمعنى أن يكون هذه الطلقات الثلاثة الأخيرة مبتنية على طلاق السنّة الصادر من الزوج الآخر، كما كانت الطلقات الوسطى كذلك، و هذا الاحتمال و إن كان بعيدا لكنّ المقصود إبداء الوهن في ظهور الرواية بكثرة احتمالات خلافه.

الثالث: إنّ الرواية المطلقة في الباب قد عرفت ظهورها في وحدة موضوع الطلقات الثلاثة المحرّمة، حتّى المحلّل، مع موضوع الطلقات التسعة المحرّمة أبدا، و هذا الظهور مع اتّفاق الأخبار في مسألة تعيين موضوع المحرّم حتّى المحلّل على عدم انحصاره في طلاق السنّة، لأنّها بين ما عيّنه في المطلق، و بين

ما عيّنه في خصوص العدّي أقوى من ظهور كلمة «على السنّة» في المعنى الأخصّ.

و بالجملة، ليس المعارض لإرادة المعنى الأخصّ منحصرا في لفظ «للعدّة» الواقع في خبر الخصال، بل الخبر المطلق أيضا بملاحظة الاتّفاق المذكور مناف لإرادته أيضا، فهذه الأمور موجبة لضعف هذا الظهور و حمله على ما لا ينافي لخبر الخصال.

و إذن فتبقى المعارضة في ما بين خبر الخصال و الخبر المطلق، و يمكن أن يقال:

إنّهما في ما توافقا فيه يجب الأخذ بهما؛ لأنّه القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان الطلقات التسع ستّ منها عدّية، فتبقى المعارضة بينهما بالنسبة إلى ما تخالفا فيه، و هو غير هذه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 228

الصورة، فيتحقّق الإجمال، فنرجع في حكمه إلى عموم قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «1».

و ليس المقام من باب الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة؛ لأنّه في ما إذا لم يمكن الأخذ بشي ء من المدلول المطابقي لأحد الخبرين، و أمّا إذا أمكن الأخذ ببعضه في كلّ منهما و إن لم يمكن في بعضه الآخر كذلك، كما في ما نحن فيه، و كما في العامّين من وجه، فلا مجال للرجوع إلى الأخبار المذكورة، هذا.

و لعلّ مقصود صاحب المسالك قدّس سرّه حيث جعل مورد النصّ ما اعتبر فيه القيدان أعني: تخلّل الزوجين بين التسع و كونها عدّية ما ذكرنا، أعني: أنّ المتحصّل من ملاحظة مجموع النصوص و علاج التعارض في ما بينها يكون ذلك، لا أنّ خبرا واحدا مشتمل على ذلك.

و كيف كان ففي غير ما هو المتيقّن ممّا اشتمل على القيدين المذكورين من الصور الآخر لا دليل على التحريم، كما ذكره صاحب المسالك قدّس سرّه، كما لا دليل بالنسبة إلى الأمة، فإنّ خبر

الخصال قد قيّد إطلاقه بما استفيد من الخبر الأوّل الدالّ على اعتبار تخلّل الزوجين في ما بين التسع، فصار المتحصّل منهما أنّ المحرّم الأبدي ما كان واجدا لهما، و هو غير متمشّ في الأمة؛ لأنّه يتخلّل في تسع طلقاتها أربعة أزواج، هذا.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 229

مسألة التحريم الأبدي بعد تسع طلقات عدّيات

أجمع العلماء رضوان اللّه عليهم على أنّ تطليق المرأة بتسع طلقات عدّيات موجب للتحريم الأبدي، و أنّه لا تحريم أبديّ في غير الطلاق العديّ و لو بلغ تسعا أو أزيد، و المراد بالطلاق العدّي على ما فسّر في غير واحد من الروايات المعتبرة أن يطلّق المرأة عند اجتماع الشرائط، ثمّ يراجعها في العدّة و يواقعها، ثمّ يطلّقها بالشروط و يراجع و يواقع في العدّة، ثمّ يطلّقها الطلقة الثالثة مع الشروط، فحينئذ يحتاج في حلّيّتها لهذا الزوج إلى محلّل، فإذا تكرّر هذا العمل ثلاث مرّات بحيث صار عدد الطلقات تسعا، صارت المرأة محرّمة أبديّة.

و المراد بالطلاق السنّي المقابل للعدّي على ما فسّر في غير واحد من الأخبار أن يطلّقها مع الشروط، ثمّ يصبر حتّى تنقضي العدّة، و يصير هو خاطبا من الخطّاب، ثمّ يتزوّجها، ثمّ يطلّقها هكذا، ثمّ يزوّجها، ثمّ يطلّقها ثالثا هكذا، فحينئذ يحتاج إلى المحلّل، فإذا تكرّر هذا العمل ثلاثا بحيث صار عدد الطلقات تسعا لا يؤثّر في التحريم الأبدي.

فالطلاق السنّي مشارك مع العدّي في أنّ ثلاثة يوجب الحاجة إلى المحلّل، و يفارقه في عدم التأثير في التحريم الأبدي عند بلوغ التسع، بل و كذلك الطلاق

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 230

الخارج عن القسمين، مثل الطلاق المتعقّب بالرجوع، ثمّ الطلاق، ثمّ الرجوع، ثمّ الطلاق في مجلس واحد؛ فإنّه خارج عن القسمين، و لكنّه

يحتاج إلى المحلّل، فإذا وقع منه التسع هكذا، لا يؤثّر في التحريم.

و المسألة بحسب الإجماع لا إشكال فيه بكلا شقّيها، أعني: أنّ تكرار كلّ طلاق ثلاث مرّات يوجب الحاجة إلى المحلّل، و أنّ التسع العدّي يوجب التحريم الأبدي دون غيره، و لكن استفادته من الأخبار في غاية الإشكال، حيث إنّ ظاهر بعضها الاختصاص في إفادة التحريم الأبدي بالعدّي، و البعض الآخر بالسنّي، و في ثالث اتّحاد الموضوع في مسألتي الحاجة إلى المحلّل و التحريم الأبدي.

و كشف الحال أنّه اختلف الأخبار في اجتماع الطلقات في طهر واحد يكون بين كلّ واحد و أخته رجعة بغير جماع، و كذا في ما كانت الطلقات في الأطهار المتعدّدة، لكن بدون فصل جماع، ففي بعضها نفي المشروعيّة عنه، و في بعض آخر إثباتها.

و من الأوّل قوله عليه السّلام: «كلّ طلاق لا يكون على السنّة أو على العدّة فليس بشي ء» «1» و قوله عليه السّلام في حكاية فعله عليه السّلام بالمرأة التي لم تكن له بها حاجة، حيث قال عليه السّلام: «أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي» إلى آخر ما قاله، و فيه التقييد بالجماع في ما بين كلّ من الطلقات بعد المراجعة، و من المعلوم أنّه لو لا مدخليّته لما كان داع له عليه السّلام إلى هذا التجشّم، بل يطلّقها ثلاثا في مجلس واحد بتخلّل رجعتين في ما بينها.

و في آخر: «فإن طلّقها على طهر بشهود، ثمّ راجعها و انتظر بها الطهر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 231

من غير مواقعة، فحاضت و طهرت، ثمّ طلّقها قبل أن يدنّسها بمواقعة بعد الرجعة، لم يكن طلاقه لها طلاقا؛ لأنّ التطليقة

الثانية في طهر الاولى، و لا ينقضي الطهر إلّا بمواقعة بعد الرجعة» «1» و في بعض آخر أنّ «الرجعة بالجماع، و إلّا فإنّما هي واحدة» «2».

و في أخرى: «لا يطلّق التطليقة الأخرى حتّى يمسّها» «3»، و في أخرى قال في من طلّق ثلاث تطليقات في طهر واحد أنّه خالف السنّة.

و من الثاني الأخبار الناصّة بوقوع التطليقة الثانية بدون تخلّل الجماع، بل بالمراجعة المجرّدة.

و جمع في ما بين الطائفتين شيخ الطائفة قدّس سرّه بحمل النافية على نفي كونه طلاقا عدّيا، و المثبتة على إثبات كونه طلاقا غير عدّي، و أورد عليه بأنّه تحكّم لا شاهد عليه.

و جمعهما آخر بحمل النافي على الكراهة، و المثبت على أصل الجواز، بتقريب أنّ الطلقات الثلاث في مجلس واحد لمّا يكون ممنوعا في مذهبنا أراد الأئمّة عليهم السّلام تبعيد الشيعة عن تلك الطريقة، و هو يحصل إمّا بطلاق العدّة، و إمّا بطلاق السنّة، و أمّا الطلقات المتفرّقة على الأطهار بلا مواقعة و خصوصا الواقعة في طهر واحد مع تخلّل رجعتين فيشبهان بتلك الطريقة، فكرهوا وقوعها، فلذلك نهوا عنهما.

و ربّما يجمع أيضا بحمل النافية على ما إذا قصد بالرجعة صرف البينونة،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4.

(3) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 232

و المثبتة على ما إذا قصد حقيقة المزاوجة و ندم عن الطلاق، ففي الصورة الأولى يصحّ الطلاق، لكن لا يحسب من الثلاث، أو لا يصحّ أيضا، و في الثانية يصحّ و يحسب.

و هنا جمع رابع و هو أن يقال: إنّ المراد من النفي نفي

كونه من الثلاث، و من الإثبات إثبات أصل الطلاقيّة.

إذا عرفت هذا فنقول: لو بنينا على الجمع الأخير في تلك الأخبار لتوافق أخبار الباب بأجمعها، فإنّه ينحصر المؤثّر في التحريم الأبدي في اثنين: العدّي و السنّي، و قد أشار في خبر إلى واحد، و في آخر إلى آخر، و في ثالث إليهما، و لكنّ الإشكال أنّه لا يناسب الفتوى، فإنّه اتّفقت الفتوى على أنّ الطلاق السنّي لا يؤثّر في التحريم الأبدي، و كذا على أنّ الطلاق متى صحّ فتكراره ثلاثا يوجب الحاجة إلى المحلّل، إلّا أن يتقدّم المحلّل بعد الأولى أو الثانية، فيستقبل العدد من بعده.

فتحصّل أنّه ليس هنا جمع مرضيّ بحسب الفهم من الأخبار و بحسب أقوال العلماء الأخيار.

و الحاصل: إنّ قوله: ليس بشي ء، و لم يكن طلاقه طلاقا، و إنّما هي واحدة، و لا يطلّق الأخرى حتّى يمسّ، و خالف السنّة، ظاهرها الأوّلي هو نفي الطلاقيّة بأحد وجهين: إمّا صحّة الرجوع و كونها زوجته و عدم تأثير الطلاق في البينونة، و إمّا بطلان الرجوع و وقوع الطلاق على المطلّقة، و لكنّ كلّ من هذين الاحتمالين يدفعه نصّ بعض الأخبار.

أمّا الأوّل فصريح بعض الأخبار جواز الطلاق، و أمّا الثاني فصريح بعضها الآخر وقوع الرجعة، فلم يبق إلّا الحمل على النفي بلحاظ الأثر، أعني: إفادة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 233

الحاجة إلى المحلّل، كما يشهد له ذكر هذا الأثر عقيب طلاق العدّة الذي فسّره عقيب قوله: كلّ طلاق لا يكون على السنّة. إلخ.

و يشهد له أيضا رواية الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: الذي يطلّق، ثمّ يراجع، ثمّ يطلّق، فلا يكون بين الطلاق و الطلاق جماع فتلك تحلّ له قبل أن تزوّج زوجا غيره،

و التي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع في ما بين الطلاق و الطلاق» «1».

و الحمل على الكراهة لا يناسبه التعبير بعدم الوقوع، فالحمل الذي ذكرنا في غاية الحسن، و لكن على خلافه الإجماع.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3.

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 234

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 234

[السبب الخامس اللعان]

اشارة

مسألة في اللعان و من جملة المحرّمات الدائميّة، التي يلاعنها زوجها، على تفصيل يأتي إن شاء اللّه في باب اللعان، و بشروطه من وقوع القذف بدعوى المشاهدة و كونه بلا بيّنة؛ فإنّ اللعان يسقط منهما الحدّ و يفرّق بينهما و كذا مع نفي الولد.

و الذي ألحق به في هذه المسألة زيادة الخرساء و الصمّاء، و هو أنّه إذا أوجد سبب اللعان في غيرهما فيهما يوجب ذلك الفرقة فيما بينهما بدون حاجة إلى اللعان، و الرواية قد وردت في خصوص الخرساء، و أمّا الصمّاء إذا لم تكن خرساء فقد ذكرت في رواية أيضا، و لكن أردفها بالخرساء.

و العبارة هكذا: «عن رجل قذف امرأته بالزنا، و هي خرساء صمّاء لا تسمع ما يقال» «1».

و لكن نقل في التهذيب هذه الرواية بعينها بكلمة «أو» فقال: و هي خرساء أو صمّاء.

و على كلّ حال مقتضى استقلال الخرساء بالحكم كما هو مقتضى الأخبار

______________________________

(1) الوسائل: كتاب اللعان، الباب 8، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 235

الأول كون الصمّاء أيضا مستقلّة في الحكم؛ إذ الذكر لها و لو في لسان السائل بضميمة تقرير الإمام عليه السّلام دليل على مدخليّتها في حكم التفريق، غاية الأمر مردّدا

بين تمام الدخالة أو جزئها، لكن يتعيّن الأوّل بملاحظة ما دلّ على استقلال الخرس في التأثير، فإنّ الاحتمالات المتصوّرة هنا ثلاثة:

الأوّل: التقييد، أعني كون هذه الرواية المشتملة على الصمّاء مقيّدة لما اشتمل على الخرساء.

الثاني: الحمل على السبب الآخر الناقص مع كون الجزء الآخر هو الخرس.

و الثالث: الحمل على السبب الآخر التامّ، حتّى يكون كلّ منهما سببا مستقلّا.

أمّا الاحتمال الأوّل، فالرواية غير ظاهرة فيه، و لو فرض عدم ذكر «أو» فإنّه يختلف الحال بكيفيّة التأدية، مثلا قد يقال: لا يضرّك الرمّان و هو حلو حامض، و المقصود اجتماعهما، و حينئذ يضمان في مقام التأدية عربيّا و فارسيّا، و قد يقال عين هذه العبارة و المقصود انفرادهما، و حينئذ يميّزان في مقام الأداء و اللهجة، فالرواية على هذه النسخة أيضا مجملة ليست بصريحة في التقييد، و حينئذ فإطلاق روايات الخرساء حيث إنّها منفصلة يكون محفوظا.

و أمّا الثاني: فلا يجامع مع فرض كون الخرس تمام السبب، فيتعيّن الاحتمال الثالث، و أمّا احتمال عدم دخالة الصمم و إنّما ذكر للتأكيد فبعيد عن الظاهر و لو كان في كلام السائل، فإنّ ظاهره كونه في عرض الخرس في الدخالة، و قد قرّره الإمام عليه السّلام على هذا.

بقي الكلام في أمور:
اشارة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 236

الأوّل: الروايات و إن لم تشتمل على غير لفظ القذف

، و لكن معلوم أنّ الملحوظ هو القذف الخاصّ الذي يوجب اللعان في المرأة السليمة، فإنّ ما كان موجبا للحدّ عليه أو عليها لا إشكال فيه، إنّما المحتاج إلى السؤال الصورة التي يحكم في السليمة بالملاعنة، فإنّه في صورة الخرس يحتاج إلى الاستفسار، و يشهد له السؤال في بعض الأخبار بقوله: كيف يلاعنها، أي الخرساء، و على هذا فيشترط هنا جميع ما يشترط في الملاعنة من دعوى الرؤية إن قلنا باشتراطها و عدم الشهداء، كما هو ظاهر الآية الشريفة، و غير ذلك من الشروط المقرّرة في محلّه.

الثاني: الروايات مشتملة على القذف

، و ليس فيها ذكر نفي الولد، فقد يقال: إنّ رواية محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟

«قال عليه السّلام: يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبدا» «1». يمكن الاستدلال بها على التعميم، فإنّه أوكل أسباب الملاعنة إلى محلّه، و معلوم أنّه أمران: القذف و نفي الولد.

و فيه أنّه يمكن الخدشة في إطلاق هذه الرواية أيضا بملاحظة أنّ إنكار الولد أعمّ من القذف بالزنا، فليس فيه حدّ القذف، و لو أقام البيّنة لا يوجب الحدّ على المرأة، فلا يفيد اللعان فيه درء الحدّ لا بالنسبة إلى الزوج و لا إلى الزوجة، و من الغريب أن يقال إنّ المنساق من روايات الخرساء صورة إفادة اللعان درء الحدّ عنها

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 33 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 237

و عن زوجها، و لا أقلّ من الشكّ في الإطلاق الكافي في عدم جواز الاستدلال، فتبقى المسألة تحت القاعدة من عدم التحريم الأبدي.

الثالث: قد عرفت الحال في صورة خرس الزوجة

، و لو عكس المسألة بأنّ قذفت الزوجة الزوج الأصمّ أو الأخرس، فهل يثبت الحكم أو لا؟ لا إشكال أنّ اللعان مخصوص بقذف الزوج للزوجة، و قد عرفت أنّ أخبار قذف الخرساء ناظرة إلى موضوع اللعان، فلا يشمل صورة العكس، إلّا أنّ هنا رواية في خصوص قذف الزوجة للزوج الأصمّ حاكمة بالتفريق بينهما و الحرمة الأبديّة.

و حكي عن الصدوق قدّس سرّه العمل به و إن أسرى الحكم إلى الأخرس أيضا، و لكنّ الرواية مرسلة، و مرسلها الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الإجماع على ما رواه الكشّي قدّس سرّه.

الرابع: حكم المهر هنا

و في كلّ مورد حكم بالتفريق بين الزوجين، أمّا بعد الدخول فهو استحقاق تمام المهر إلّا في خصوص الفسخ، حيث إنّ مقتضى القاعدة فيه العدم رأسا، لكن مقتضى تعليل بعض الأخبار الحكم بثبوت المهر في الانفساخ ببعض العيوب بقولهم عليهم السّلام: «لها المهر بما استحلّ من فرجها» «1» ثبوت المهر المسمّى في جميع الموارد مع الدخول.

______________________________

(1) تقدّم آنفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 238

و أمّا قبل الدخول فالكلام مبنيّ على تحقيق أنّ استحقاق المهر و ملكيّته للزوجة هل يحدث بتمام التأثير و السببيّة من العقد بلا مدخليّة الدخول، أو أنّ للدخول في استحقاق نصفه مدخليّة أيضا، حتّى يكون المؤثّر هو و العقد مجموعا؟

فإن قلنا بالأوّل، فالقاعدة تمام المهر، و لم يثبت هنا ما ثبت في باب الطلاق قبل الدخول من التعبّد بالتنصيف، و إن قلنا بالثاني، فالقاعدة هو التنصيف، و تحقيق المسألة موكول إلى محلّه، و يأتي إن شاء اللّه تعالى.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 239

مسألة

السبب السادس للتحريم الكفر

اشارة

، و فيه مقاصد:

المقصد الأوّل: لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابيّة
اشارة

من المشركة و غيرها إجماعا من المسلمين، فضلا عن المؤمنين.

و أمّا الكتابية فقد اختلفت الآراء فيها على حسب اختلاف الأخبار إلى ستّة أقوال:

الجواز مطلقا، و المنع كذلك، و منع الدائم فقط دون المؤجّل و ملك اليمين، و منع الدائم و المؤجّل دون ملك اليمين، و تجويز نكاح المستضعفة دواما و مطلق الذمّيّة متعة، و المنع في حال الاختيار دون الاضطرار، و المنشأ اختلاف الأنظار في وجه الجمع بين الأخبار المختلفة.

و الأولى التيمّن بذكر الآيات الواردة في الباب و الإشارة إلى إخباره. قال اللّه تعالى في أواسط الجزء الثاني من سورة البقرة وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لٰا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 240

مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّٰارِ وَ اللّٰهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آيٰاتِهِ لِلنّٰاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «1».

بناء على شمول المشركات للكتابيّة بملاحظة قولهم بالأقانيم الثلاثة و أنّ العزيز ابن اللّه، و أمّا إن قلنا: إنّ ظاهر لفظ المشرك أنّه مقابل الكتابي من الوثنيّين فلا ربط للآية بمقامنا، و استفادة التعليل من قوله تعالى حَتّٰى يُؤْمِنُوا قد أوضح الخدشة فيه شيخنا المرتضى في حديث ماء البئر عند قوله عليه السّلام: «فينزح حتّى يطيب».

و قال تعالى في أوائل سورة المائدة:

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ وَ لٰا مُتَّخِذِي أَخْدٰانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي

الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ «2».

و الآية صريحة في حلّيّة العفائف من أهل الكتاب في عرض العفائف من أهل الإيمان.

و قال تعالى في سورة الممتحنة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ الْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنٰاتٍ فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ مٰا أَنْفَقُوا وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ وَ سْئَلُوا مٰا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا مٰا أَنْفَقُوا ذٰلِكُمْ حُكْمُ اللّٰهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 221.

(2) سورة النساء: الآية 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 241

«1». بناء على أنّ قوله تعالى وَ لٰا تُمْسِكُوا. شامل للابتداء و للاستدامة، كما لعلّه الظاهر من قولك في الفارسيّة: «نوكر بد نگاه ندار».

و أمّا إن قلنا باختصاصه بالاستدامة كما لعلّه الظاهر من سياق الآية فلا ربط له بمقامنا، و لا بدّ حينئذ من حمل نهيه على التنزيه؛ للإجماع على ما قيل على بقاء نكاح الكتابيّة إذا أسلم زوجها.

و من هنا يعلم أنّه على تقدير العموم أيضا يصير الأمر مردّدا بين تقييد مادّة الآية بخصوص الابتداء، أو حمل الهيئة على الأعمّ من التحريم، و الثاني إن لم يمكن متعيّنا بملاحظة إباء مادّة الإمساك من التقييد بالابتداء، فلا أقلّ من المساواة و الإجمال.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّا لو كنّا و هذه الآيات الشريفة لكانت آية المائدة الناصّة على الحلّيّة سليمة عن المزاحم و المعارض.

و لكنّ العمدة ورود الأخبار المعتبرة بمضمون أنّ آية وَ الْمُحْصَنٰاتُ.

منسوخة بآية وَ لٰا تُمْسِكُوا.، و فيها الصحيح، فراجع الوسائل «2»، و في بعضها في كلام السائل أنّها منسوخة بآية وَ لٰا تَنْكِحُوا مع تقرير الإمام

عليه السّلام.

و ورود أخبار معتبرة أخر بمضمون أنّ المائدة آخر القرآن نزولا، و أنّها إنّما نزلت قبل أن يقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهرين أو ثلاثة، و أنّها ناسخة لما قبلها، و لم ينسخها شي ء، بل في خصوص هذه الآية المتقدّمة أعني وَ الْمُحْصَنٰاتُ.

______________________________

(1) سورة الممتحنة: الآية 10.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب الأوّل من أبواب ما يحرم بالكفر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 242

وردت الرواية بأنّها ناسخة لآية وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ و أنّ المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود و النصارى و ينكحونهم حتّى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم من المشرك أو ينكحونه ثمّ قال تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية.

فقال تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.

فأطلق اللّه مناكحتهنّ بعد أن كان نهى، و ترك قوله وَ لٰا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا على حاله لم ينسخه، و هذا المضمون أيضا نقله الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره على المحكيّ من دون إسناد إلى حجّة، و لكنّ الظاهر كونه مأخوذا عنهم عليهم السّلام.

و بالجملة، فالذي أشكل المطلب وجود هذه الأخبار المتعارضة، و إلّا فمع قطع النظر عنها لا إشكال في الآيات، بل و لا في الأخبار الأخر الواردة في المسألة من غير تعرّض للآيات؛ فإنّها بين ما اشتمل على النهي عن مناكحتهم، و ما اشتمل على قوله: «ما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج اليهوديّة و لا النصرانيّة مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر» «1»، و ما اشتمل على قوله: «إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة و النصرانيّة؟

فقال الراوي: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة» «2»، و هذا الخبر صريح في الجواز في حال الاختيار.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 243

و هكذا الطائفة الناهية عن تزويج اليهوديّة و النصرانيّة على المسلمة، و أنّ المسلمة تزوّج عليهما، و في بعضها: إن تزوّج ذمّيّة على مسلمة يفرّق بينهما و يضرب ثمن حدّ الزاني، فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ و لم يفرّق بينهما.

و أمّا الأخبار الدالّة على جواز المتعة بهنّ فلا يستفاد منها التقييد، بل السائل سأل عن التمتّع بهنّ، ففي بعضها أجاب بلا بأس «1»، و في آخر أجاب بقوله: «يتمتّع من الحرّة المؤمنة و هي أعظم حرمة منها» «2»، نعم في بعضها السؤال عن نكاح اليهوديّة و النصرانيّة، فأجاب: لا بأس، ثمّ سأل عن المجوسيّة، فأجاب: لا بأس، ثمّ عقّبه بقوله: يعني متعة «3»، و لا يعلم أنّه من الراوي أو من الإمام.

و الحاصل أنّ مقتضى النظر في سائر الأخبار وضوح حمل أخبار المنع على الكراهة، لصراحة أخبار الحلّيّة و الجواز، و الحمل على الاضطرار أو المتعة غير ممكن مع صراحة أخبار الجواز في الاختيار و الدوام كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، فالعمدة هو إصلاح التعارض في ما بين ما تعرّض من الأخبار عن الآيات.

و ربّما يجمع بينها بأنّ المراد ممّا دلّ على أنّ المائدة لا تنسخ أنّ أحكامها من أصل الجواز لا يتغيّر إلى الحرمة و بالعكس، و أمّا من الجواز

إلى الكراهة مثلا فلا ضير، و آية وَ لٰا تُمْسِكُوا بعد ما تقدّم من الإجمال أو رجحان حملها على الكراهة لا يفيد أزيد من الكراهة، فمعنى ما دلّ على أنّها ناسخة للمائدة أنّ الحلّيّة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1 و 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 244

بمعنى مساواة الطرفين ارتفعت إلى الكراهة، و كذلك قوله وَ لٰا تَنْكِحُوا بناء على تعميمه للابتداء و الاستدامة، كما لا يبعد.

و لكنّ الظاهر عدم قبول الأخبار هذا الجمع؛ إذ الأخبار الدالّة على منسوخيّة المائدة بعضها صريح في الحرمة و عدم الجواز، فراجع، و إذن فلا محيص عن معاملة التعارض في ما بينهما.

و الحاصل: كلّ من وجهي الجمع المذكورين في سائر الأخبار جائيان بحسب التصوّر في هذه أيضا، بمعنى أنّه قد يقال: إنّ النسخ بالنسبة إلى الحكم المطلق كما قد يكون بالنسبة إلى أصله، كذلك قد يكون بالنسبة إلى إطلاقه مع بقاء أصله، نظير ما يقوله بعض الأساتيد بالنسبة إلى مفهوم القضيّة الشرطيّة و أنّه يؤخذ من إطلاق المنطوق مع ملاحظة إطلاقه، فيكون المرفوع في جانب نقيض الشرط القضيّة المطلقة الجزائيّة بوصف الإطلاق.

و هذا و إن كان عندنا غير مرضي في ذاك الباب و كذا في باب النسخ؛ فإنّ الظاهر ورود الرفع في كليهما على أصل الحكم، و لكن من باب الجمع لا بأس به، و حينئذ يجمع بين الطائفتين.

فالمراد من عدم منسوخيّة أحكام المائدة عدم تبدّلها من الأصل، و المقصود من روايات منسوخيّة آية وَ الْمُحْصَنٰاتُ بآية وَ لٰا تُمْسِكُوا

ورود النسخ في إطلاق حلّيّة نكاحهنّ إمّا بالنسبة إلى الدوام، أو بالنسبة إلى الاختيار، أو بالنسبة إلى التزوّج على المسلمة، و المراد من منسوخيّة آية وَ لٰا تَنْكِحُوا بآية وَ الْمُحْصَنٰاتُ أنّه كان من الابتداء حراما، بآية وَ لٰا تَنْكِحُوا ثمّ نسخ الحرمة بالحلّيّة المطلقة بآية وَ الْمُحْصَنٰاتُ، ثمّ نسخ الإطلاق أيضا بآية وَ لٰا تُمْسِكُوا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 245

و قد يقال- كما تقدّم-: إنّ النسخ إذا ورد على الحلّيّة بمعنى مساواة الطرفين كما في سائر الأحكام الخمسة، فقد يرتفع أصل الحكم بالمرّة جنسا و فصلا، و قد يرتفع فصله و يبقى جنسه، كما يقال: إذا نسخ الوجوب بقي الجواز، و هذا أيضا و إن كان خلاف الظاهر ابتداء، لكن ربّما يدّعي إمكان الجمع بين أخبار الباب بسببه كما تقدّم، بأن يقال: إنّ آية وَ لٰا تَنْكِحُوا أفادت التحريم، ثمّ نسخت بآية وَ الْمُحْصَنٰاتُ فتبدّل التحريم بالحلّيّة الخاصّة، ثمّ نسخت الحلّيّة الخاصّة أيضا بالكراهة بآية وَ لٰا تُمْسِكُوا و الإنصاف عدم خلوّ كلّ من الوجهين عن الخدشة.

أمّا الوجه الأوّل، فلأنّ كلا من القيود الواردة في بعض الأخبار يكون في أخبار الجواز التصريح بعدم اعتباره، مثلا نكاح الدوام إمّا مدلول بالخصوص أو أنّه القدر المتيقّن، بل الرواية «1» التي يستشهد فيها بأنّ تحت طلحة كانت يهوديّة على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مصرّحة بالدوام، إذ لا يحتمل إرادة أنّه كانت عنده متعة.

و الاختصاص بحال الاضطرار أيضا منصوص بنفيه في بعضها، مثل الرواية التي يقول الإمام عليه السّلام: ما يصنع باليهوديّة و النصرانيّة؟ فيقول السائل: يكون له فيها الهوى، فيجيب: إن فعل فليمنعها. إلى أن قال: و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة.

و هكذا

التقييد بحال عدم التزوّج على المسلمة؛ فإنّ في الأخبار تصريحا بصحّته أيضا، غاية الأمر أنّه إن لم ترض ضرب ثمن حدّ الزاني و يفرّق بينهما، و إن رضيت، ضرب ثمن الحدّ و لم يفرّق بينهما.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 246

بقي الوجه الثاني الذي يشهد له قوله عليه السّلام المتقدّم: و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة، لكنّه كالأوّل أيضا مبنيّ على عدم عدّ ما دلّ على منسوخيّة آية وَ الْمُحْصَنٰاتُ بآية وَ لٰا تَنْكِحُوا رواية؛ فإنّه منحصر في رواية ابن الجهم، و ليس فيه إلّا قول ابن الجهم و تقرير الرضا سلام اللّه عليه، فمن الممكن أنّه لمّا كان أصل الحكم موافقا للواقع لم ينبّه عليه السّلام على خطأ ما ذكره من ناسخيّة آية وَ لٰا تَنْكِحُوا و أنّ الصواب كون الناسخ آية وَ لٰا تُمْسِكُوا و مرسلة الطبرسي «1» عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليهما السّلام أنّه منسوخ بكلتا الآيتين.

و بالجملة، فإن كان هذا الجمع الأخير مقبولا فهو، و إلّا فلا محيص عن معاملة التعارض، و حينئذ نقول: لا يمكن الترجيح بموافقة الكتاب؛ لأنّ آيات المقام صارت مجملة، للعلم الإجماليّ بأنّ واحدة منها منسوخة، مع عدم تعيين الناسخ من المنسوخ.

و أمّا آية أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ «2» فلا يتعرّض إلّا للحلّيّة الذاتيّة في مقابل التحريم الأبدي، و الكتابيّة لا تحريم أبديّ فيها.

فإن قلت: بل الكتابي أيضا ما دام هذا العنوان محرّمة أبديّة، و ما الفرق في هذه الجهة بينها و بين الجمع بين الأختين؟ فإنّه أيضا متى ترك تزويج إحداهما، صارت الأخرى حلالا، و مع ذلك نقول: عنوان الجمع محرّم

أبدي، فكذا في المقام متى أسلمت يرتفع الحرمة، لكن عنوان الكتابيّة محرّم أبدي.

قلت: فرق بين المقامين؛ فإنّ عنوان الأختين جمعا عنوان ذاتي، نعم عنوان

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 7.

(2) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 247

المريضتين مثلا و أمثال ذلك عناوين عارضيّة، فلو فرض تعلّق التحريم بتلك لا يكون تحريما أبديّا، و هكذا في مقامنا عنوان الكتابيّة ليس من العناوين الذاتيّة الأوّليّة، و إلّا فهل ترى صحّة قولك: إنّ الصغيرة بلا إذن الوليّ محرّمة أبديّة؟ و كذا المجنونة، بمعنى أنّ هذا العنوان العارضي محرّم ما دام العنوان.

و أمّا آيتا فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ «1» و وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ «2» فهما واردتان في غير مقام الإطلاق، بل الاولى في مقام التعرّض من حيث العدد، فلا ينافي مع الاشتراط بألف شرط، و الثانية في مقام رفع توهّم الفقر من اختيار الازدواج.

و أمّا آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» فقد تقدّم الإشكال فيها، و ما في بعض الروايات من إطلاق كلمة العقدة مردّدة بين فتح العين و ضمّها حتّى يطابق ما في الآية المذكور فيها عقدة النكاح.

و حينئذ فلا محيص عن الرجوع إلى الترجيح بمخالفة العامّة، فنقول: إن اخترنا أنّ مطلقات الباب منعا و جوازا غير شاملة للمتعة رأسا كان أخبار المنع مخالفة للعامّة، و صحّ الأخذ بها، فنحكم بالمنع في الدائم و الجواز في المتعة بواسطة الأخبار الخاصّة الناصّة بجوازها.

لا يقال: إنّ في أخبار الجواز ما لا يحتمل التقيّة بواسطة اشتماله على أنّ أهل الكتاب مماليك للإمام ثمّ أعطاها حكم الإماء.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 3.

(2) سورة النور: الآية 32.

(3) سورة المائدة: الآية 1.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 248

فإنّه

يقال: مسألة مخالفة العامّة التي جعلت من المرجّحات لا يرجع إلى التقيّة، بل مخالفة نفس المضمون مع ما يقولونه يكون فيها الرشد، و لا شكّ أنّهم متّفقون على ما قيل على الجواز.

و إن اخترنا أنّ المطلقات في الطرفين شاملة للمتعة أيضا، غاية الأمر أنّها ناصّة في الدوام ظاهرة في المتعة، بحيث لا يقبل الحمل على خصوص المتعة، بخلاف العكس، فحينئذ أخبار المنع تصير مخالفة للعامّة من حيث بعض مدلولها، و موافقة لهم من حيث البعض الآخر.

فإن قلنا بأنّ قولهم: خذ بما خالف العامّة فإنّ الرشد في خلافهم، شامل لمثل هذا أيضا، فنعم المطلوب، و إلّا فربّما يقال: إنّه حينئذ يكون السندان كلاهما بلا مرجّح، فنأخذ بما ورد في بعض الأخبار لمّا سأل الراوي من ابتلائه ببعض المسائل و ليس في البلد أحد من الشيعة حتّى يستفتيه من قوله عليه السّلام: «ائت فقيه البلد و استفته في أمرك، فإذا أفتاك بشي ء فخذ بخلافه؛ فإنّ الحقّ فيه» «1».

و على فرض عدم إمكان الذهاب إلى هذا أيضا بملاحظة أنّه ليس مضمون هذا الخبر معمولا به حتّى في ما لم يكن في البين رواية أصلا؛ فإنّ المرجع هو الأصول العمليّة، و إن كانت مطابقة لما اتّفق عليه أهل الخلاف فحينئذ لا محيص عن الرجوع إلى التخيير.

فنقول بأيّ من الطائفتين أخذنا، سواء مطلقات الجواز أم مطلقات المنع فالأخبار الخاصّة الصريحة في جواز المتعة لا بدّ من الأخذ بها؛ إذ هي مخصّصة لأخبار المنع لو أخذنا بها، و موافقة لأخبار الجواز كذلك، بل الحال فيها هكذا بناء

______________________________

(1) الوسائل: كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 249

على عدم التخيير أيضا، فإنّ المتعارضين أحدهما بلا

عنوان حجّة، و هذه الأخبار الخاصّة لا تحكيم عليها من ناحية ذلك الأحد من غير فرق بين تطبيق ذلك الأحد بواسطة الترجيح أو بواسطة التخيير، و هذا واضح.

هذا تمام الكلام في الكتابيّة، و قد عرفت عدم الإشكال في متعتها، و أمّا الدوام فمحلّ للإشكال.

في نكاح المجوسيّة

و أمّا المجوسيّة، فمن قال بالمنع المطلق في الكتابيّة قال به فيها أيضا، و أمّا من قال بالجواز هناك أمكن أن يقول هنا أيضا به، و لكنّ العمدة هو النظر في الأخبار.

فنقول: الأخبار بين ما ذكر فيه اليهودية و النصرانية، و بين ما ذكر فيه أهل الكتاب، و بين ما ذكر فيه المجوسيّة.

أمّا الطائفة الأولى فغير مربوطة بالمقام.

أمّا الثانية، فالظاهر من هذا العنوان كون الشخص متّبعا لنبيّ كان له كتاب بحيث كان فعلا باقيا على اتّباعه، فلا يكفي صرف كونه أو آبائه في زمان ذلك النبيّ عليه السّلام و طرفا لخطابه، مع عدم سماعه دعوته، كما هو الحال في المجوس.

و لكن في بعض الروايات أنّه قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» «1» و هذا تنزيل لا تحقيق، و المتيقّن منه في خصوص أخذ الجزية لا مطلق الأحكام.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الجهاد، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5، 9 و 1.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 250

و منه يظهر الحال في رواية أخرى مشتملة على كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أهل مكّة لمّا اعترضوا عليه أخذه الجزية من المجوس، مع أنّه قال: ما آخذها إلّا من أهل الكتاب، فأجابهم «1»: بأنّ المجوس كان لهم نبيّ و أتاهم بكتاب في اثنى عشر ألف جلد ثور، فإنّ كونهم من أهل الكتاب حقيقة غير مراد،

فلا بدّ من الحمل على التنزيل، و القدر المتيقّن هو بالنسبة إلى حكم أخذ الجزية.

بقي الطائفة الثالثة، و هي بين طائفتين، الأولى: ما اشتمل على قوله: لا، بعد سؤال الراوي عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسيّة، و في آخر سئل عن التمتّع باليهوديّة و النصرانيّة، فأجاب: «لا أرى بذلك بأسا، قال: قلت: فالمجوسيّة؟

قال: أمّا المجوسيّة فلا» «2».

و الطائفة الثانية ما ورد في خصوص التمتّع بالمجوسيّة من نفي البأس، و من المعلوم وجه الجمع بينهما و أنّه الحمل على الجواز مع الكراهة، و لكنّ السند في الطائفة الثانية المشتملة على «لا بأس» غير سليم؛ إذ هي ثلاثة أخبار، اثنان منها مشتمل على ابن سنان، و الثالث على فضيل بن عبد ربّه، هذا حال الأصناف الثلاثة.

و أمّا سائر أصناف الكفّار و كلّ مورد شككنا في اندراجه تحت عنوان أهل الكتاب بالشبهة المفهوميّة فيمكن القول في جميع تلك الموارد بالرجوع إلى عموم آية وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «3».

و أمّا الخدشة المتقدّم إليها الإشارة من أنّه بعد تيقّن جواز الإمساك فيما إذا

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

(3) سورة الممتحنة: الآية 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 251

أسلم الزوج الكتابي و تحته كتابيّة، تصير الهيئة ساقطة عن ظهورها في التحريم، فيمكن الجواب عنها بأنّ مقتضى الأخبار السابقة أنّ هذه الهيئة للتحريم سواء الطائفة الحاكمة بأنّها ناسخة لآية وَ الْمُحْصَنٰاتُ أم الحاكمة بالعكس، فإنّ كلتيهما مثبتة لهذه الآية إفادة التحريم، غاية الأمر إحداهما تقول: الحلّيّة نسخت بهذا التحريم، و الأخرى تقول: بل هذا التحريم نسخ بتلك الحلّيّة.

و حينئذ نقول: الأمر في نفس الأمر غير خارج عن أحد أنحاء ثلاثة؛ إمّا لا نسخ فيما بين

الآيتين أصلا، بل آية وَ لٰا تُمْسِكُوا عامّ قد خصّص بآية وَ الْمُحْصَنٰاتُ، و إمّا يكون، و حينئذ إمّا يكون آية وَ لٰا تُمْسِكُوا ناسخا، و إمّا آية وَ الْمُحْصَنٰاتُ، فعلى جميع التقادير الثلاثة يصحّ الاستدلال بآية وَ لٰا تُمْسِكُوا لتحريم تزويج جميع أصناف الكفّار الغير معلومة الاندراج تحت أهل الكتاب.

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ العامّ في غير مقدار التخصيص حجّة، و أمّا على الثاني فالأمر أوضح، و أمّا على الثالث فلأنّ الثابت منسوخيّته بالنسبة إلى ذلك المقدار من مدلوله، فيبقى حجّة في ما بقي.

بل نقول: الأمر في النسخ أسهل من التخصيص الفردي؛ فإنّ تخصيص الكثير البالغ حدّ الاستهجان مانع في الثاني، و أمّا في الأوّل فيجوز التمسّك، و لو فرض النسخ في ما عدا الفرد الواحد فيصحّ التمسّك بالعموم بالنسبة إلى ذلك الواحد.

إذا عرفت هذا فنقول: لو شككنا في طائفة من اليهود و النصارى كالحربي منهم أنّهم مشمولون لأدلّة الرخصة، أم هي ناظرة إلى المتعارف في زمان صدورها من اليهود و النصراني القائمين بشرائط الذمّة، فالمرجع عموم الآية الشريفة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 252

و كذا لو شككنا في الطائفة المسمّاة بالصابئة أو بالسامرة في أنّهم مندرجون تحت أحد الاسمين أو لا، و هكذا في سائر موارد الشكوك الحكميّة.

و أمّا الشكّ الموضوعي مثل أنّ هذه المرأة الخاصّة هل هي مسلمة أو يهوديّة أو نصرانيّة، و قلنا بالمنع في الأخيرتين فقد يقال: إنّ صرف قول المرأة بأنّها يهوديّة أو نصرانيّة مقبول كقولها بأنّها مسلمة؛ لأنّه شي ء لا يعلم إلّا من قبلها.

و فيه: منع كون ذلك ممّا لا يعلم إلّا من قبلها، و أيّ فرق بين ملكة العدالة و بين التهوّد و التنصّر، أو التديّن بأحد الأديان،

فكما ليس الأوّل أمرا غير ممكن الفهم إلّا من قبله، فكذا الثاني، و أمّا دعوى الإسلام فوجه مقبوليّتها أنّها كاشفة تعبّدا، و موجبة لترتيب أحكام الإسلام على المدّعي، و لم يثبت هذا التعبّد في سائر الدعاوي.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 253

مسألة لو ارتدّ أحد الزوجين

، فإمّا يرتدّ الزوج أو الزوجة، و على كلّ حال إمّا يكون عن فطرة، أو عن ملّة، و على أيّ تقدير أمّا يكون قبل الدخول أو بعده، فإن ارتدّت الزوجة قبل الدخول حصل الانقطاع و البينونة؛ لما تقدّم من عموم الآية حتّى فيما لو اختارت التهوّد أو التنصّر؛ لأنّ أدلّة الرخصة منصرفة إلى اليهوديّة و النصرانيّة الأصليّة، دون من عرض له ذلك أو لآبائه بعد بعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و لا عدّة لها بلا إشكال، و أمّا المهر فقد قالوا: يسقط، و علّلوه بأنّ الفسخ جاء من قبلها، و فيه أنّ مقتضى الفسخ و إن كان ذلك، لكن لا يختصّ بكونه من قبلها، و أيضا ليس كلّ انقطاع فسخا، فمقتضى القاعدة ثبوت المهر لها إمّا نصفا و إمّا تماما.

اللهمّ إلّا أن يتمسّك بذيل ما ورد في عكس المسألة من إسلام الكافرة تحت الكافر قبل الدخول؛ فإنّه قال عليه السّلام: «قد انقطعت عصمتها منه و لا مهر لها و لا عدّة عليها منه» «1» فإمّا نستكشف أنّ الانقطاع في هذه المقامات فسخ، و إمّا يستفاد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 254

حكم المسألة بطريق أولى؛ إذ الإسلام الذي زادها عزّا إذا كان الحال معه ذلك فالكفر بطريق أولى، و بالجملة، فإن صحّ التمسّك، و إلّا فيشكل الحكم بالسقوط، إلّا أن يكون إجماع.

و

إن ارتدّت الزوجة بعد الدخول قالوا بوقوف الانقطاع و البينونة على انقضاء العدّة، فإن تابت قبل الانقضاء عادت الزوجيّة إمّا قهرا، و إمّا بتوسّط رجوع الزوج و إنشائه، و المهر ثابت لها بتمامه.

و الحكم الثاني مضافا إلى أنّه مقتضى استصحاب استحقاق تمام المهر بالدخول الذي كان ثابتا قبل الارتداد، يمكن إثباته أيضا بما ورد في عدّة مواضع مختلفة وقع الدخول بالمرأة- في بعضها كان العقد فاسدا من الأصل، كالعقد على ذات البعل دواما و متعة، و في بعضها طرأ الفساد عليه- من التعبير بقولهم عليهم السّلام:

«لها المهر بما استحلّ من فرجها» «1» فلو فرض أنّ المقام من باب الفسخ و قضيّته عدم استحقاق شي ء من المهر، إلّا أنّه لا بدّ من القول به بواسطة هذا الكلام الظاهر منه العلّيّة و أنّ مطلق استحلال الفرج موجب للمهر و إن لم يكن عقد أصلا.

و أمّا الحكم الأوّل فلا إشكال بمقتضى ما تقدّم من الآية في ثبوت أصل الانقطاع و البينونة.

و أمّا كونه موقوفا على انقضاء العدّة، فإن انقضت و لم تتب انكشف أنّها بانت من أوّل الردّة، و إن تابت قبل أن تنقضي انكشف عدم الانقطاع رأسا، أو أنّها انقطعت و لكن عادت بعد التوبة بتوسّط إنشاء الرجوع، فلم نعثر له على مدرك.

و هكذا ذكروا في ارتداد الزوج عن ملّة من غير خلاف يعرف منهم، بمعنى أنّه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 255

إن كان ارتداه قبل الدخول حصل البينونة التامّة، و لا عدّة، و إن كان بعده وقفت على انقضاء العدّة، فإن رجع قبل الانقضاء إلى الإسلام و تاب فهي زوجته، و إلّا صار خاطبا من الخطّاب

و المهر لها ثابت تماما.

و يمكن أن يستدلّ للحكم بالوقوف في ارتداد الزوج عن ملّة بعد الدخول برواية الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثا، و تعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإن رجع إلى الإسلام و تاب قبل أن يتزوّج فهو خاطب و لا عدّة عليها منه له، و إنّما عليها العدّة لغيره، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدّة اعتدّت منه عدّة المتوفّى عنها زوجها، و هي ترثه في العدّة، و لا يرثها إن ماتت و هو مرتدّ عن الإسلام».

قوله عليه السّلام: فإن رجع إلى الإسلام، ظاهر في تعقيب الرجوع للعدّة و انقضائها، و قوله عليه السّلام: لا عدّة عليها منه له، تعرّض لحال إسلامه في العدّة بعد ما ذكر حاله بعدها، و ظاهره الأوّلي بعد قوله عليه السّلام: بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثا، أنّه يحتاج حينئذ إلى تزويج جديد، و لكنّ الفرق بينه و بين غيره أنّ غيره لا بدّ أن ينتظر انقضاء العدّة، و ليس عليه ذلك، بل له العجلة بذلك قبل الانقضاء.

و لكن يمنعنا عن هذا الظاهر ما فرّعه عليه السّلام على هذا المطلب، أعني: عدم العدّة عليها له بقوله: فإن قتل أو مات. إلخ، فإنّه صريح في عدم حصول البينونة التامّة المحتاجة إلى العقد الجديد؛ فإنّه عليه السّلام صرّح بأنّه لو قتل أو مات في العدّة فالزوجة ترثه، و لو ماتت الزوجة فهو لا يرثها، لا لأنّه ليس بزوج لها، بل لأنّه مرتدّ، و الوارث المرتدّ لا يرث المورّث المسلم، و هذا صريح في عدم البينونة، و إلّا فإن كانت بائنة من أوّل ردّته

بحيث احتاجت إلى تزويج جديد حتّى لو أسلم في العدّة، لما كان وجه لإرثها منه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 256

فهذا يوجب رفع اليد عن ظاهر قوله: بانت منه، إلى حمله على إرادة التفريق بينهما، بحيث لا يمكن العود ما دام مرتدّا بشي ء من الأسباب كالمطلّقة ثلاثا و إن كانت الزوجيّة باقية إلى انقضاء العدّة، و لكن هذا المعنى لا يجامع مع ما يستفاد منهم من كون الانقضاء كاشفا عن البينونة من أوّل الأمر، فإنّه على هذا ناقل، لا كاشف، و لكن يمكن القول بالكشف الحكمي، بمعنى أنّه بسبب الانقضاء مع عدم التوبة يعامل معاملة البينونة من الابتداء، و يتشبّث في استفادة هذا بذيل ما ورد في المسألة الآتية.

توضيح الحال أنّه يمكن استفادة هذه الأحكام الثلاثة التي ذكروها في مسألة ارتداد أحد الزوجين مطلقا في طرف الزوجة، و عن ملّة في طرف الزوج، أعني:

الحكم بالانقطاع الرأسي من حين الردّة إذا كان الارتداد قبل الدخول، و الحكم بالوقوف إلى الانقضاء إذا كان بعده، و الحكم بعدم المهر إذا كان قبل الدخول من المرأة من الأخبار الواردة في عكس مسألة ارتداد أحد الزوجين المسلمين إلى الكفر التي هي مسألتنا، أعني: مسألة إسلام أحد الزوجين الكافرين، و هذا موقوف على ذكر الروايات الواردة في ذلك الباب المشتملة على الأحكام الثلاثة، حتّى يظهر أنّه يمكن استفادة العموم لما نحن فيه منها أو لا.

فنقول: منها موثّقة السكوني عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن عليّ عليه الصلاة و السلام: «إنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها؟ فقال عليه السّلام: لا يفرّق بينهما، ثمّ قال عليه السّلام: إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك، و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم

ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 257

و منها: معتبرة منصور بن حازم «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه، فأسلم أو أسلمت؟ قال عليه السّلام: ينتظر بذلك انقضاء عدّتها، فإن هو أسلم و أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، و إن هي لم تسلم حتّى تنقضي العدّة فقد بانت منه» «1».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السّلام في نصراني تزوّج نصرانيّة، فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ «قال عليه السّلام: قد انقطعت عصمتها منه، و لا مهر لها و لا عدّة عليها منه» «2».

و حاصل تقريب الاستشهاد بها أن يقال: يستفاد منها أنّه كان من مرتكز السائل اشتراط الكفاءة و التساوي في الإسلام و الكفر في صحّة النكاح ابتداء، و لهذا فرض في جميع هذه الأخبار كون الزوجين من حين انعقاد الزوجيّة على الكفر، لكنّه عرض له الشكّ إذا خرجا عن الكفاءة في الأثناء، فالسؤال راجع إلى مجرّد اختلاف الدين الطارئ على النكاح، هل هو مزيل كما يكون مانعا في الابتداء أو لا، و إن كان ذكر خصوص فرد واحد منه و هو إسلام أحد الزوجين الكافرين، لكن معلوم أنّه من باب المثال، و لا خصوصيّة له، بل يجري في كفر أحد الزوجين المسلمين أيضا، فهو نظير أن يقال: لو لاقى يدي النجسة ماء الكاسة فما حكمه؟ حيث نعلم أنّ خصوصيّة الكاسة هنا غير دخيلة، و الملاك إنّما هو القلّة، سواء كان ماء الكاسة أم غيرها.

و يؤيّد ما ذكرنا أنّه في أحد خبري

منصور بن حازم هكذا: «قال: سألت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 258

أبا عبد اللّه عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت» «1» إلى آخر ما تقدّم في خبره الآخر، فإنّ استثناء السائل أهل الكتاب ليس إلّا لأجل عدم هذا الارتكاز فيهم، حيث ورد الأخبار بجواز مناكحة المسلم نساء أهل الكتاب.

ثمّ ظاهر قوله عليه السّلام: «فإن انقضت العدّة قبل الإسلام فقد بانت منه» «2»، و إن كان حصول البينونة حينئذ، و لكن بقرينة قوله: «فإن أسلم أو أسلمت قبل الانقضاء فهي امرأته» «3» أو «فهما على نكاحهما الأوّل» «4» يحمل على البينونة من الابتداء، فكأنّه قال: إن أسلم قبل الانقضاء فالنكاح من أوّل الأمر باق، و إن انقضت بلا إسلام فلا. يعني البينونة حاصلة من الأوّل.

و من هنا ذهب علماؤنا إلى القول بالكشف، و لمّا يكون الكشف بمعنى مدخليّة الأمر اللحاظي الانتزاعي كما يقوله صاحب الفصول خلاف الظاهر، و لا يلتزمونه أيضا، حتّى أنّه لو علم بالجفر أنّه ستنقضي بلا إسلام يبعد التزامهم بآثار البينونة، بل الظاهر أنّ الدخيل هو الانقضاء بخارجيّته.

فلا محالة يحمل على الكشف الحكمي؛ لعدم معقوليّة الحقيقي، فتكون المرأة زوجته في العدّة حقيقة، و لكن لو انقضت العدّة كانت بحكم البائنة من حين الردّة، يعني لا يحتاج إلى عدّة مستأنفة من هذا الحين الذي هو زمان البينونة حقيقة، و على

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما

يحرم بالكفر، الحديث 5.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(4) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 259

هذا فالحكم بالإرث المذكور في رواية الحضرمي الواردة في المرتدّ مطابق على القاعدة.

و أمّا قوله فيه: «إن ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته» فمحمول على التفريق بينهما في المضاجعة، فينطبق المحصول من مجموع الروايات المذكورة في البابين على ما ذكروه فيهما.

نعم يبقى الكلام في إصلاح المعارضات الواقعة فيما بينها و بعض الأخبار الأخر.

منها: معارضة صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة برواية السكوني المشتملة على عرض الإسلام على زوج المجوسيّة التي أسلمت قبل الدخول و الحكم عليه بعد الإباء بنصف الصداق، و هي منافية مع الصحيحة من جهة أنّ الظاهر منها بقاء الزوجيّة، حتّى احتيج إلى العرض، و من جهة الحكم بتنصيف الصداق، و هي من كليتهما غير معمول بها.

و منها: معارضة الموثّقة و المعتبرة بصحيحة البزنطي «1»، «قال: سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانيّة، فتسلم، هل يحلّ لها أن تقيم معه؟ قال عليه السّلام: إذا أسلمت لم تحلّ له، قلت: فإنّ الزوج أسلم بعد ذلك، يكونان على النكاح؟ قال: لا، يتزوّج بتزويج جديد».

فإنّ مقتضى ما سمعت أنّ الإسلام من أحد الزوجين إذا كان بعد الدخول كما هو المنصرف من الخبرين و من هذه الصحيحة يوجب الوقوف على انقضاء العدّة، و مقتضى هذه أنّه يوجب البينونة التامّة، حتّى لو أسلم في العدّة يحتاج

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 260

إلى تجديد العقد.

و يمكن دفع المعارضة بالحمل على ما بعد

العدّة، لصراحة ما تقدّم في أنّه في العدّة لا يحتاج إلى التجديد.

و منها: أنّ من المسلّم في ما بينهم أنّ زوج الكتابيّة إذا أسلم بقي نكاحهما و إن لم تسلم المرأة، سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده، و سواء كان الزوج قبل إسلامه كتابيّا، أم من سائر أصناف الكفّار، و هذا و إن استدلّ له بذيل رواية يونس الآتية، و لكنّها بواسطة اشتمال صدرها على ما لا يقولون به يشكل الأخذ بها.

فالإنصاف أنّ المدرك في هذه المسألة منحصر في الإجماع، و حينئذ فإن قلنا بجواز نكاح المسلم الكتابيّة ابتداء فهذا الموضوع خارج عن الكلّيّة المستفادة من خبري المنصور، فإنّ الموضوع فيه الاختلاف المانع عن الابتداء، و إن قلنا فيه بالمنع دخل في موضوعها و يكون خارجا عن الحكم بواسطة الإجماع خروجا موضوعيّا.

نعم في خصوص زوج المجوسيّة مقتضى خبري منصور بن حازم إلحاقها بالمشركة في التفصيل المتقدّم، فيختصّ بقاء النكاح باليهوديّة و النصرانيّة، و الإجماع أيضا فيهما، و لم يتحقّق بالنسبة إلى المجوسيّة، و لذا ذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا بعدم إلحاق المجوسيّة بهما.

و أمّا العكس، أعني إسلام زوجة الكتابي، سواء كانت قبل إسلامها كتابيّة أم غيرها، فمقتضى الكلّيّة المشار إليها الإلحاق بالمشرك لو أسلمت زوجته في التفصيل المتقدّم، و لكن ينافيه أخبار:

الأوّل: مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: إنّ أهل الكتاب و جميع من له ذمّة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، و ليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها، و لا يبيت معها،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 261

و لكنّه يأتيها بالنهار» «1».

الثاني: مرسل جميل بن درّاج عن بعض

أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام أنّه «قال في اليهودي و النصراني و المجوسي إذا أسلمت امرأته و لم يسلم؟ قال عليه السّلام:

هما على نكاحهما و لا يفرّق بينهما و لا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة» «2».

الثالث: رواية محمّد بن عيسى عن يونس «قال: الذمّي تكون عنده المرأة الذمّيّة، فتسلم امرأته؟ قال: هي امرأته يكون عندها بالنهار، و لا يكون عندها بالليل، قال: فإن أسلم الرجل و لم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل و النهار» «3».

و حمل هذه الأخبار على ما بعد الدخول و إن كان حسنا لما تقدّم من الانصراف، و على فرض العدم لأجل تقييدها بصحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة، و لكن مفادها بقاء الزوجيّة أبدا لا مؤقّتا بالعدّة، و تقييده بذلك يأباه السياق، فيبقى التعارض بين الكلّيّة المتقدّمة من جريان التفصيل في زوجة الكتابي، أعني أنّه لو كان إسلامها بعد الدخول ينتظر بها إلى انقضاء العدّة، و بين هذا المفاد الذي مقتضاه بقاء الزوجيّة للتالي بلا انتظار حتّى عيّن لهما الدستور المادام العمري.

و ليست النسبة عموما مطلقا حتّى يقال: خرج عن تلك الكلّيّة مطلق الذمّيّين، فإنّك عرفت التصريح بالمجوسي في مرسل جميل، و مورد الكلّيّة و المنصوص

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 262

عليه فيها أيضا هو المجوسي، و أيضا قد صرّح في صحيحة البزنطي المتقدّمة التي عرفت إمكان تطبيقها على تلك الكلّيّة بالزوجة النصرانيّة، و قد عرفت التصريح بالنصراني في المرسل المذكور، فالنسبة

هو التباين.

اللهمّ إلّا أن يحمل النصرانيّة في صحيحة البزنطي، و المجوسي في خبري منصور على الحربي منهما أو المعاهد، و فيه أنّه حمل للمطلق على الفرد النادر، فإذن الجمع العرفي المقبول لدى أهل المحاورة غير موجود في البين، و السند في كلا الطرفين الظاهر وصوله إلى درجة الاعتبار، فإنّ مرسل جميل و إن كان في طريقه عليّ بن حديد المنسوب إلى الضعف، و لكن مرسل ابن أبي عمير الظاهر عدم قدح في سنده.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 263

مسألة قالوا: لو انتقلت زوجة الذمّي إلى غير دينها من ملل الكفر

وقع الفسخ في الحال و لو عادت إلى دينها، بناء على أنّه لا يقبل منها إلّا الإسلام.

و الظاهر أنّ المقصود من هذا الكلام إخراج هذا المورد من الفروع المتقدّمة، يعني لا يحكم عليها عند إسلام زوجها ببقائها على حبالته، كما كان يحكم قبل انتقالها، و لو فرض أنّها عادت إلى دينها في عدّتها.

و كذا لا يحكم عليها بالانتظار إلى العدّة، فإن أسلمت فيها بقي نكاحها و إلّا زال، و كذا لو أسلمت هي لا يحكم ببقاء نكاحها لو أسلم زوجها في العدّة، فالأحكام المزبورة مخصوصة بما قبل الانتقال، و أمّا بعده فلا، فالإسلام من أحد الطرفين أو منهما متى تحقّق فلا محيص عن الافتراق في الحال.

و إطلاق هذا الكلام بالنسبة إلى ما إذا كان النكاح في الدين المنتقل إليه صحيحا، محلّ كلام، فإنّه مندرج تحت الأخبار المتقدّمة، و لا نعلم ما وجه التقييد فيها، و قد يقال: إنّ المقيّد قوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 264

مِنْهُ «1»، و النبوي: «من بدّل دينه فاقتلوه» و فيه من الضعف ما لا يخفى، فإنّ من الواضح عدم ارتباطهما بهذه المسألة الفرعيّة.

______________________________

(1) سورة

آل عمران: الآية 85.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 265

مسألة إذا أسلم الكافر و تحته أكثر من النصاب المعتبر

لكلّ من الحرّ و العبد على حسب اختلافهما فيه، أمسك منهنّ بمقدار النصاب و فارق الباقي، فلو كان حرّا أمسك أربع حرائر أو أمتين و حرّتين، أو ثلاث حرائر و أمة، و لو كان عبدا أمسك حرّتين، أو حرّة و أمتين، أو أربع إماء.

قالوا: و لا فرق في ذلك بين ترتّب عقدهن و عدمه و تعدّده و اتّحاده، و بين دخوله بهنّ و عدمه، و بين الأوائل و الأواخر، و لم ينقلوا في هذا الباب رواية غير ما حكي بطريق العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه «قال صلّى اللّه عليه و آله لقيلان بن سلمة لمّا أسلم و تحته عشر نسوة: اختر أربعا و فارق سائرهن» «1».

و لو كان المدرك منحصرا في هذه أشكل التمسّك به لدفع احتمال الخصوصيات المذكورة و نحوها، مثلا لو احتمالنا اختصاص ذلك بالكتابيات دون غيرهن من سائر الكافرات، أو اشتراط أن لا يكون عقد من يختاره منهنّ واقعا في العدّة أو نحو ذلك من الاحتمالات، فلا إطلاق للرواية يدفع الشكّ من هذه الجهات؛ لأنّها قضيّة

______________________________

(1) سنن البيهقي 7: 182.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 266

في واقعة، فلعلّه صلّى اللّه عليه و آله قد أحرز جميع ما احتملنا اعتباره في تلك الزوجات التي خيّر زوجهنّ في اختيار أربع منهنّ شاء.

نعم يمكن التمسّك بهذه الرواية لدفع احتمال انتظار العدّة بمن يختاره منهنّ، بمعنى أنّه لو أسلمن فيها، بقي نكاحهنّ، و إلّا زال، فإنّه يستفاد من هذه الرواية إبقاء الزوجيّة بالنسبة إلى المختار من غير حاجة إلى ذلك، بل من أوّل زمان الاختيار يرتّب جميع آثار الزوجيّة من جواز الوطي و

غيره، و هذا مناف مع انتظار انقضاء العدّة عليهنّ، فإنّ هذا لا يجامع مع جواز الوطي، بل لا بدّ من التفريق، حتّى إذا لم تسلم المرأة و انقضت العدّة كانت هذه المدّة عدّة لها.

و لا يتوهّم عدم إمكان بقاء الزوجيّة على واحد من الزوجات لو فرض وقوع العقد الواحد على أزيد من النصاب، فإنّه سبب واحد، فإذا بطل تأثيره في الجميع لا وجه لتأثيره في البعض.

فإنّه إذا وقع المعيّن تحت الإنشاء فلا محالة وقع الأحد المبهم تحته أيضا، ضرورة اتّحاد المقسم مع قسمة، فإذا حصل المانع عن التأثير بالنسبة إلى كلّ واحد من المعيّنات لا مانع من تأثيره في ذلك المقسم، غاية الأمر أنّه يحتاج إلى دليل أثبت الخيار للزوج في تعيين هذا الجامع و أنّه بتعيينه يتعيّن، فإذا ورد الدليل بهذا أيضا ارتفع المانع رأسا، و لا يلزم من هذا صحّة العقد على المبهم ابتداء، فإنّه من الممكن بل الواقع في المعاملات الفرق بين الإبهام الموجود في متعلّق الإنشاء و الحاصل بعده مع تعلّقه بالمعيّن، و الحاصل: الفراغ عن مرحلة الإمكان حاصل، و إنّما الإشكال في مرحلة الإثبات و الوقوع.

و قد يقال بالفرق بين ما إذا كان عنوان المفسد باقيا بعد إسلام الزوج، مثل نكاح الامّ و الأخت و نحو ذلك، فيدخل تحت دليل الحرمة، و بين ما إذا كان حاصلا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 267

في حال الكفر عند العقد و زال في حال الإسلام، مثل التزويج في العدّة؛ فإنّ دليل الحرمة في هذا القسم قد صار محكوما بدليل الإقرار و إمضاء نكاحهم لقوله عليه السّلام:

«لكلّ قوم نكاح» «1» و بعد ما صار محكوما لا يتحقّق له عموم بالنسبة إلى ما بعد الإسلام،

و المفروض أنّه يمكن كون حاله في هذا الحال كحاله في زمان الكفر من كونه واقعا محكوما بصحّة عقده الواقع في العدّة، كما كان محكوما واقعا بملكيّته لثمن الخمر، و الحال أيضا كذلك.

فإذا احتملنا ذلك و المفروض سقوط الدليل الأوّل بواسطة حكومة دليل الإقرار، فاللازم الرجوع إلى استصحاب حكم الإقرار من الصحّة و الإمضاء.

و فيه أنّ الفرق بين الصورتين بلا وجه؛ لأنّه في الصورة الأولى أيضا لم يتحقّق للعامّ فرد آخر، فتزويج الامّ مثلا لم يتجدّد له مصداق وراء ما صار محكوما بالإقرار و الإمضاء، و قياسه بما إذا حصلت الأمومة في الوسط بواسطة الرضاع قياس مع الفارق؛ فإنّ المصداق تحقّق في المثال من هذا الحين، و أمّا في المقام فالامّ كان أمّا من حين العقد.

فالحقّ في كلا القسمين أن يقال: إن علمنا من الخارج أنّ الشارع عفى عن هذا المفسد في حقّ هذا المسلم الذي عقد في حال الكفر فلا كلام، و إن علمنا بأنّه لا يرضى بصحّة عقده مع المفسد الفلاني حتّى في حال الاستدامة المذكورة، فلا كلام أيضا، و إن شككنا فيجي ء هنا محلّ المسألة المعروفة من أنّه نرجع إلى استصحاب حكم المخصّص أو إلى عموم العامّ.

و حاصل الكلام أنّ الشكّ قد يحصل لنا من حيث التعدّد مع الفراغ عن

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 83 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 268

الجهات الأخر، بحيث لو لا التعدّد لما كان هناك مانع، فنشكّ في أنّ حكم الاختيار مخصوص بالكتابيّات، أو هو جار فيها و في الوثنيّات إذا أسلمن في العدّة، أو في المركّب منهنّ و من الكتابيّات.

و قد يحصل لنا من الجهات الأخر، أعني: غير جهة التعدّد، مثل

المعقودة في عدّة الغير، أو كون المرأة أمة مع عدم استجماع الزوج شرائط تزويج الأمة، أو كونها أمة معقودة على الحرّة فنشكّ في أنّه مع هذا الحال يبقى نكاحهما إذا أسلمنا أو أسلم أحدهما و الآخر أسلم في العدّة، و مع الزيادة على الأربع يكون له الخيار، أو هذه الأحكام مخصوصة بما إذا كان بينهما الزوجيّة الخاصة عن هذه الموانع.

فلا بدّ لنا من التكلّم في كلّ من هذين الشكّين على حدة، فنقول: أمّا الكلام من حيث الشكّ الأوّل فقد مرّ أنّ الرواية التي في مسألتنا لورودها في موضوع شخصي ليس لها إطلاق بالنسبة إلى غير ما هو المتيقّن من موردها و هو الكتابيّات، أمّا الوثنيّات مع إسلامهنّ في العدّة أو المركّب من الكتابيّات و الوثنيّات مع إسلامهنّ معه أو في العدّة فلا يمكن رفع الشكّ فيها و إثبات التخيير من جهة هذه الرواية.

نعم يمكن بهذه الرواية إثبات عدم الحاجة في الكتابيّات إلى انتظار إسلامهنّ في العدّة.

اللهمّ إلّا أن يتشبّث بذيل ما ورد من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه في مجوسيّ أسلم و له سبع نسوة و أسلمن معه، كيف يصنع؟ «قال عليه السّلام: يمسك أربعا و يطلّق ثلاثا» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 269

فإنّه و إن ذكر فيها السائل إسلام الزوجات مع الزوج الظاهر في المقارنة فلا يشتمل مسألتنا من تأخّر إسلامهنّ، غاية الأمر كونه في العدّة، و لكن يمكن ادعاء أنّ هذه الخصوصيّة غير مأخوذة في نظره قيدا، و إنّما المنظور له صلاحيّة الزوجات من غير جهة التعدّد للمزاوجة معه و كون المانع منحصرا في زيادتهنّ على الأربع.

فسؤاله

راجع إلى أنّه في موضوع لو كنّ أربعا أو أنقص نحكم ببقاء المزاوجة لو فرض في هذا الموضوع زيادتهنّ على الأربع، فما الحكم، فهو و إن ذكر في مقام تأدية هذا المطلب إسلامهنّ مع الزوج، لكنّه من باب التمثيل، لا التخصيص.

و إذن فالجواب محمول على الأعمّ من هذه الصورة و ما إذا صلحن مع قطع النظر عن التعدّد للمزاوجة و إن لم يسلمن معه، و لا شكّ في أنّ الحال في المسألتين هكذا، فيثبت فيهما التخيير هذا.

و قد يقال: يمكن التمسّك لإثبات الصحّة و رفع الشكّ المزبور بذيل الاستصحاب التعليقي و إن فرضنا عدم تماميّة البيان المزبور في رواية عقبة بن خالد، فإنّه يقال: عند إسلام الوثنيّات في العدّة لو كنّ هذه مسلمات في الزمان السابق المقارن لزمان إسلامه فلا إشكال في ثبوت الاختيار له بمقتضى تلك الرواية، أعني:

رواية عقبة، فالحال أيضا يكون الأمر بذلك المنوال، أعني لو أسلمن في هذا الزمان كان له الاختيار ثابتا.

و فيه أنّ المفروض احتمال دخالة قيد المعيّة، أعني: إسلامهنّ مع إسلام الزوج في الحكم، فتكون القضيّة المتيقّنة أنّه لو تحقّق إسلامهنّ معه كان الاختيار ثابتا، و هذا المعلّق عليه لم يحصل بالفرض، و إنّما المتحقّق إسلامهنّ بعده في العدّة لا معه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 270

نعم لو صار ذلك الحكم فعليّا في الموضوع الشخصي، ثمّ عرض الشكّ، كان لنا بحكم وحدة الموضوع و عدم تبدّله بواسطة زوال ذلك القيد المحتمل دخله استصحاب ذلك الحكم في الموضوع الشخصي، لكنّ المفروض عدم صيرورته فعليّا و بقائه على مرحلة التعليق، و معه لا قطع لنا إلّا مع جعل المعلّق عليه هو القيد المحتمل الدخل.

مثلا إذا احتملنا أنّ قوله: الماء المتغيّر نجس، في

قوّة قوله: الماء الملاقي نجس، و أنّ التغيّر غير معتبر قيدا في هذا الحكم، فإذا صار ماء شخصي متغيّرا ثمّ زال تغيّره يمكننا استصحاب نجاسته بالإشارة إلى ذات هذا الماء و القول بأنّه كان في السابق محكوما بالنجاسة، و الآن كما كان.

و أمّا لو لم يتلبّس بالتغيّر في الزمان السابق قطعا، بل لاقى النجس في هذا الزمان، و لكنّه بحيث لو لاقاه في الزمان المتقدّم لكان متلبّسا بالتغيّر قطعا، فهل يصحّ لنا أن نشير إلى ذات هذا الماء و نقول: هذا الماء لو لاقى النجس في الزمان المتقدّم كان نجسا، و الآن كما كان، كلّا و حاشا.

بل الصحيح أن يقول: هذا الماء لو كان متغيّرا في السابق لكان نجسا، و الآن أيضا نقطع ببقاء هذا المعنى فيه، و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّ الإسلام معه معنى بسيط منتزع من الإسلام في زمان إسلامه، مثل الحدوث، حيث إنّه ليس عبارة عن نفس الوجود في زمان و العدم قبله، بل معنى بسيط منتزع منه، و إذن فلو كنّ هذه المرءات مسلمات في تلك القطعة السابقة من الزمان كان الاختيار ثابتا من باب تحقّق عنوان الإسلام معه، لا من حيث ذات الإسلام في تلك القطعة، فإنّه و إن كان نحتمل ذلك واقعا، لكنّ المقطوع لنا إنّما هو مع ذلك القيد.

و بالجملة، فالاستفادة من نفس الرواية بالطريق الذي ذكرنا إن أمكنت فهو،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 271

و إلّا فالتشبّث بهذا الاستصحاب لا ينفع، هذا هو الكلام من جهة الشكّ الأوّل.

و أمّا الكلام من الجهة الثانية فقد مرّ أنّ رواية قيلان من هذه الجهات، بل من غيرها إلّا عدم انتظار الإسلام في العدّة لا إطلاق لها؛ لكونها قضيّة

شخصيّة.

و أمّا رواية عقبة فالظاهر تمحّض النظر فيها في الإصلاح من جهة التعدّد فقط مع الفراغ عن الحيثيّات الأخر، يعني لو فرض أنّ الزوجيّة لا مانع لها من جهات أخر فالتعدّد غير مضرّ، فلا بدّ من إحراز عدم المانع من غير هذه الرواية.

و أمّا روايات بقاء النكاح مع إسلام الزوجين معا أو إسلام أحدهما و إسلام الآخر في العدّة، فيمكن أن يقال: إنّ هذه أيضا لا نظر لها إلّا إلى حيث الاختلاف الديني، و أنّ هذا المعنى لا يضرّ بالكفاءة المعتبرة بين الزوجين، و أمّا أنّه إذا تحقّق هذا فالزوجيّة باقية و لو كانت مصحوبة لموانع أخر، فلا نظر لها إلى هذا.

و بالجملة، حالها حال الأخبار الواردة في جواز نكاح الكتابيّة ابتداء، فهل يجوز لنا بمحض تقديم هذه الروايات على معارضتها القول بجواز نكاح الكتابيّة و إن كان في عدّة الغير، أو كانت أمة مع وجود الطول على الحرّة، أو كانت أمة و يراد تزويجها على الحرّة، أو أنّ المتيقّن القول بعدم النظر لها إلى هذه الجهات.

و هكذا الحال في أخبار استدامة نكاح الكافرين إذا أسلمنا معا، أو أسلم أحدهما و الآخر في العدّة، فإنّه في مقام أنّ الكفاءة حاصلة، لا أنّ الزوجيّة باقية مع أيّ حال كانت.

و أمّا أدلّة إثبات مانعيّة الموانع فشمولها للمقام مبنيّ على تحقيق مقدّمة و هي أنّ المتحقّق في حقّ الكفّار هل هو صرف أنّه لا يتعرّض لهم مماشاة معهم ما داموا كفرة، من دون حصول وضع لهم، فكما أنّهم يشربون الخمر و إذا كان ذلك من دينهم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 272

بمعتقدهم لا ينكر ذلك عليهم و لا يمنعون منه، فكذا إذا تزوّجوا المرأة منهم في عدّة الغير

أو الأمة مع عدم الشرائط إذا كان مجوّزا في دينهم بزعمهم لا يمنعون و لا يجبرون على تركه، و أمّا حصول الوضع فلا.

أو أنّ المتحقّق هو الوضع، كما نقول: إنّ الأموال التي حصّلها من ثمن الخمر يكون بعد الإسلام ملكا له، حتّى يجوز لنا أخذها منه بشراء و نحوه، و أمّا الإجماع على كونهم مشاركين معنا في الفروع فالمسلّم منه في التكليفيّات دون الوضعيّات، حتّى نقول بحرمة التزويج في العدّة عليهنّ تكليفا لا وضعا.

فإن قلنا بالأوّل فلا كلام في إطلاق تلك الأدلّة، و إن قلنا بالثاني فالظاهر عدم الإطلاق لها؛ فإنّ الأدلّة المذكورة متعرّضة لحال إيجاد العقد الكذائي و إحداثه، و أمّا بعد إيقاعه و نفوذه فأثره يبقى إلى أيّ زمان لا تعرّض فيها لذلك، و حينئذ فمن المحتمل بقاء الأثر ما دام كافرا، و زواله من حين الإسلام، و من المحتمل بقاؤه إلى ما بعد الإسلام أيضا، و لا دليل اجتهادي لرفع هذا الشكّ، فيمكن الرجوع إلى استصحاب الزوجيّة السابقة.

لا يقال: هذا في المرأة الواحدة أو المتعدّدة ممّا دون الأربع صحيح، و أمّا في ما زاد عن الأربع فلا؛ لأنّ الاستصحاب منقطع بواسطة العلم الإجمالي بعدم بقاء النكاح على جميع النسوة المفروض زيادتها على الأربع، فالاستصحاب في كلّ معارض بمثله في الآخر.

لأنّا نقول: هذا في الأشخاص، و لكن لنا إجراء الاستصحاب في الكلّي، أعني: كلّي الزوجات الأربع، فإنّه إذا تزوّج زيد بهند فقد تزوّج الزوجة الجامعة، فإذا تزوّج بامرأة أخرى فقد تزوّج بزوجتين مهملتين، و هكذا إلى الأربع، فإذا تعارض الاستصحاب في الفرد نأخذ باستصحاب هذا الجامع لوجود الأثر له، فإذا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 273

استصحابنا هذا الجامع نثبت كون اختيار تعيينه بيد

الزوج بواسطة إطلاق رواية عقبة.

و توضيح المقام أنّ الزوجيّة في كلّ شخص شخص بطلت بواسطة عدم إمكان الاجتماع و الترجيح بلا مرجّح، فيبقى الكلّي على زوجيّته، نظير ما إذا صار الصاع الكلّي في المعيّن ملكا لأحد، فإنّه لا يملك شيئا من الخصوصيّات، و هي باقية على ملك البائع.

فكذا هنا إذا بطلت الزوجيّة في الأشخاص، تبقى بالنسبة إلى الأربع الكلّيّة في هذا المعيّن، ثمّ هذه الأربع الكلّيّة الباقية على الزوجيّة الواقعيّة قد ثبت لها حكم و هو كون اختيار تعيينه و تطبيقه بيد الزوج، فنعمّمه بالنسبة إلى الزوجيّة الاستصحابيّة أيضا، كما هو الحال في جميع الموارد التي ثبت الحكم للموضوع الواقعي، و بالاستصحاب نجرّه على الموضوع الاستصحابي.

و يشكل بأنّه لم يرد في دليل ترتيب حكم الاختيار على زوجيّة الأربع الكلّي حتّى نرتّبه بالاستصحاب، بل الدليل أثبت هذا الأثر للموضوع الخالي عن المانع، و بقاء الزوجيّة بالاستصحاب لا يحرز به خلوّ الأربع الكلّي عن المانع، لاحتمال أن يكون وقوع التزويج الأوّل في العدّة مثلا مانعا عن بقاء الزوجيّة، فإثبات عدم المانعيّة بالاستصحاب لا يمكن إلّا بالأصل المثبت.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذا الاستصحاب في هذه الصورة مفيد للمطلوب بضميمة مطلب آخر، و هو أنّ المفارقة أيضا حقّ مستقلّ، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في المسألة الآتية، و حينئذ فإذا فارق ما زاد عن الأربع يؤثّر في افتراقها، بمعنى أنّه يسقطها عن قابليّة تطبيق الأربع الكلّي عليها، فإذا سقطت عن هذا ينطبق الكلّي على الأربع الباقي قهرا، كما في صاع الصبرة؛ فإنّه إذا تلف جميع الصبرة إلّا صاعا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 274

واحدا ينطبق الكلّي عليه قهرا، فكذا ها هنا؛ فإنّ هذا من اللوازم للأعمّ من

الحكم الواقعي و الظاهري، فلا يكون مبنيّا على الأصل المثبت.

لا يقال: المفروض أنّ الإطلاق بالنسبة إلى صورة وقوع التزويج مثلا في العدّة غير موجود، و إلّا أخذنا به في طرف الاختيار، و حينئذ فكما لا يمكن إثبات الاختيار لا يمكن إثبات حقّ التفريق.

لأنّا نقول: نعم، و لكن بعد التفريق نقطع ببينونة النسوة المتفرّقة إمّا لفساد نكاحهنّ من حين إسلام الزوج، و إمّا بواسطة هذا التفريق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 275

المقصد الثاني الإمساك و المفارقة
اشارة

الإمساك و المفارقة موضوعان عرفيّان يعرفهما العرف، و قد يكونان بالقول، و قد يكونان بالفعل، فلا حاجة إلى إطالة البحث في ذلك، نعم لا يكفي النيّة القلبيّة؛ فإنّهما أمران خارجيّان.

و الذي ينبغي البحث عنه تحقيق أنّ هنا حقّا مؤتلفا مركّبا من الأمرين، بحيث لو انفكّ أحد من الإمساك و المفارقة عن الآخر لا ينطبق الكلّي على الخارج، أو أنّ هنا حقّين: أحدهما بالتطبيق، و الآخر بالمفارقة، أو أنّ هنا حقّا واحدا و هو المفارقة، أو حقّا واحدا و هو الإمساك؟

الظاهر هو الأخير، فإنّ الأشخاص كما عرفت قد بطلت زوجيّتها بواسطة بطلان الترجيح بلا مرجّح و بطلان الجمع، فهي كلّها مفارقات، فلا حاجة إلى المفارقة عنها، بل المحتاج إليه هو التطبيق الكلّي الباقي زوجيّته على أربعة من الأشخاص.

و منه يظهر بطلان الوجوه الثلاثة المتقدّمة كلّها، حتّى أنّه لو أنشأ مفارقة البعض قبل اختيار غيرهنّ فلا وجه لعدم إمكان اختياره لهنّ؛ فإنّ الظاهر أنّه إنّما

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 276

أتى بقوله عليه السّلام: «و فارق سائرهن» تتميما لقوله: «اختر أو أمسك أربعا» «1» فعلى هذا لا تأثير للمفارقة أصلا، إلّا أن يقترن بقرينة دالّة على اختيار غيرهنّ، فيؤثّر حينئذ من هذه الجهة.

و يشكل بأنّ جعل قوله

عليه السّلام: «و فارق سائرهن» من المرتّب القهري على الاختيار خلاف الظاهر، بل الظاهر أنّه أيضا في عرض الاختيار عمل مستقلّ، فكما أنّ له اقتدار التطبيق، له أيضا اختيار التفريق بحيث خرج المورد عن قابليّة التطبيق، و حيث إنّ احتياج التطبيق إلى إنشاءين مرتبطا خلاف الظاهر، يتحصّل أنّ له حقّين، فأيّهما أعمل يكفي و يعمل عمل الآخر، فإنّه إن اختار أربعا يفترق عنه البواقي، و إن فارق البواقي انطبق الكلّي قهرا على الأربع؛ لانحصار الفرد فيه؛ فإنّه مثل أفراد الواجب المخيّر و الفرد البدلي إذا تعذّر إلّا فرد واحد يصير متعيّنا قهرا، بل هو هو، فإنّه في تعيين ذلك الكلّي يكون الأمر مردّدا بين هذه الزوجات بنحو الفرد المنتشر، فإذا خرج غير المصداق الواحد عن القابليّة يخرج عن الإبهام و يصير متعيّنا قهرا، كما في صاع الصبرة بالنسبة إلى مصاديقه.

و على هذا فمسألة الاستصحاب المتقدّم خالية عن الإشكال المتقدّم كما مرّ.

بقي الكلام في أنّه إذا طلّق من النسوة أربعا فقيل: إنّه اختيار لنكاحهنّ ثمّ طلاقهنّ، فيصير البواقي مفترقات باختيار هذه المطلّقات، و كذا هذه أيضا بواسطة الطلاق، و توجيه هذا الكلام يمكن بأحد من وجوه ثلاثة: الأوّل: أن يقال: إنّ في مفهوم الطلاق أخذ عنوان الزوجيّة الفعليّة حتّى لا يمكن إنشاءه جدّا إلّا بعد إنشاء الزوجيّة.

______________________________

(1) سنن البيهقي 7: 182.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 277

الثاني: أنّه و إن لم يكن ذلك مأخوذا في مفهومه، و لكنّه الظاهر المتفاهم منه عند العرف، كالبيع من ذي الخيار، فإنّه ليس المأخوذ في ماهيّة البيع المبادلة عن النفس، و لكن ظاهر العمل وقوعه عن نفسه، فيكون ظاهرا عرفا في أنّه أوجده في ملك نفسه، ثمّ باعه، و كذا ها

هنا أيضا يكون إنشاء الطلاق ظاهرا في إنشاء الزوجيّة أوّلا، ثمّ إيقاع الطلاق على الموضوع المتلبّس بالوصف العنواني.

الثالث: أنّه و إن لم يكن مأخوذا في المفهوم و لا متبادرا عرفا، و لكن يمكن إثبات إنشاء الزوجيّة و إحرازه بأصل الصحّة الجاري في الطلاق، فإنّا نشكّ في صحّته و نفوذه، و إذا لم ينشأ أوّلا الزوجيّة لهذه النسوة فلا محالة صار الطلاق فاسدا، فأصالة الصحّة حاكمة بوقوع الإنشاء المزبور منه مقدّمة للصحّة.

و هذه الوجوه كلّها مخدوشة.

أمّا الأوّل: فإنّه و إن كان مأخوذا في مفهوم الطلاق، لكن بحسب التصوّر، فلا يمكن تصوّر الطلاق بدون تصوّر النكاح، لا بحسب التصديق حتّى لا يمكن إنشاء الطلاق إلّا بعد تصديق الزوجيّة، و إلّا فكيف يمكن الطلاق الاحتياطي و القصد الجدّي إليه، مع أنّه لا تصديق بزوجيّة المرأة، بل هي محتملة؟ نعم لو كان العدم مقطوعا لا يتمشّى الجدّ في القصد؛ لأجل اللغويّة، و فيما نحن فيه لمّا تكون المرأة في عرضة الزوجيّة يمكن تمشّي القصد الجدّي إلى طلاقها، نعم لو كان عالما بأنّها بائنة منه و إنّما تحصل العلاقة بالاختيار فلا يتمشّى منه حينئذ القصد الجدّي إلّا بعد الاختيار.

و أمّا الثاني: فنمنع الظهور العرفي بعد ما كان مقصود المطلّق سلب إضافة المرأة عن نفسه، و هو في هذا المقام، فإنّه يكون إنشاء اختيار النكاح منه لغوا، نعم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 278

لو علم من حاله أنّه عالم بالحكم الشرعي و أنّه صارت المرأة أجنبيّة عنه فلا محالة لا يصدر عنه الجدّ إلى الطلاق إلّا بالاختيار المزبور- كما مرّ- لكن إذا لم يعلم بذلك و كان مشتبها فهذا الشكّ كاف في تمشّي قصده، و لا ظهور في البين في أنّه

أضافها أوّلا إلى نفسه، ثمّ طلّقها، و لا سيّما في إرادة بينونة البواقي.

و أمّا الثالث: فأصل الصحّة أصل عقلائي، و لا أمارة كذلك، فلا يمكن إثبات اللوازم به، مثلا بأصل الصحّة الجاري في الصلاة عند الشكّ في الطهارة حالها يحرز صحّتها، و لكن لا يحرز الطهارة بحيث صحّ الدخول في صلاة أخرى، و كذلك ها هنا يحرز به أنّ الطلاق صحيح، و وقع في محلّ ثبوت النكاح، و أمّا إثبات لازم ثبوت النكاح في هذه و هو بينونة تلك البواقي فلا يمكن بهذا الأصل.

فلعلّ المتّجه حينئذ أن يقال بنفوذ الطلاق و افتراقها، ثمّ يتعيّن الكلّي في البواقي قهرا بواسطة خروج هذه عن قابليّة تطبيقه.

ثمّ لو فرضنا فساد هذا الطلاق فلا إشكال في كونه دالا على الرضا بمفارقتهنّ و كراهة نكاحهنّ، و هذا المقدار كاف في حصول إنشاء الفراق و إظهاره، كما يقال:

إنّ إنكار الطلاق في المطلّقة الرجعيّة رجعة، فإنّه و إن كان كاذبا، لكن صدر منه اللفظ الدالّ على رضاه بنكاحها، و كما لو باع ذو الخيار ما انتقل عنه ببيع فاسد، فإنّه كاشف أيضا عن الرضا القلبي بإعادته في ملكيّته، و من المعلوم أنّ الطلاق المزبور على تقدير فساده و عدم دلالته على الاختيار- كما- مرّ بطلان وجوهه- لا يقصر عن ذلك.

ثمّ لو فرضنا الخدشة في هذا الوجه أيضا، أمكن إثبات صحّة الطلاق المزبور بوجه آخر، و هو أن يقال: إنّه و إن كان ليس إنشاء للاختيار و لا للفراق، فاختياره بالنسبة إلى كلّ من الزوجات سواء المطلّقة أم غيرها محفوظ، و لكنّه إذا اختار نكاح

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 279

تلك المطلّقات و قلنا بالكشف و معناه على ما هو الظاهر منهم في

باب الإجازة في الفضولي ليس اعتبار الأمر الانتزاعي الموجود في علم اللّه من السابق، فإنّه خلاف ظاهر كلماتهم و ظاهر الأدلّة، بل المراد إمّا الكشف الحقيقي، بمعنى التأثير من اللاحق في السابق، و قلب ما كان عمّا كان حقيقة، و إمّا الكشف التعبّدي، بمعنى الثقل الحقيقي و ترتيب آثار الثبوت من السابق.

فاللازم حينئذ على كلّ من المعنيين الحكم بصحّة الطلاق من هذا الحين، لأنّ الزوجيّة إمّا أسريت من هذا الحين إلى ما قبل وقوع الطلاق فوقع الطلاق من هذا الحين على المتلبّس بالزوجيّة، و إمّا يجب معاملة ذلك و البناء العملي عليه، و على كلّ حال يترتّب الأثر على الطلاق المزبور، هذا، و لكن هذا كلّه مبنيّ على القول بالكشف بأحد معنييه في الاختيار في مقامنا.

و يمكن الخدشة فيه بعدم مساعدة الدليل عليه، مضافا إلى عدم معقوليّته بالمعنى الأوّل؛ فإنّ غاية ما يدلّ عليه الدليل أنّه ليس الاختيار كالتزويج المستقلّ، و لكنّه أعمّ من أن يكون بنحو الكشف للزوجيّة في هذا الشخص من الابتداء، و من أن يكون بنحو تطبيق الكلّي الذي كان من الابتداء باقيا على الزوجيّة على الشخص، و المفيد بحال صحّة الطلاق هو الأوّل، و هو خلاف القاعدة.

و الذي تقتضيه القاعدة و يمكن دعوى ظهور الدليل فيه هو الثاني.

و الحاصل: فرق بين إثبات الزوجية في هذا الشخص على وجه تسري إمّا حقيقة و إمّا حكما من الآن إلى السابق، و هذا لا يمكن إثباته من أدلّة المقام، و إن أمكن في باب الفضولي، و بين تعيين الكلّي المتزوّج سابقا على الشخص، فإنّه لا يوجب ثبوت الزوجيّة في هذا الشخص من السابق إمّا حقيقة و إمّا حكما، و هذا مقتضى أدلّة المقام، و

معه لا يمكن الحكم بصحّة الطلاق المرقوم.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 280

و بالجملة، فحال الاختيار حال تشخيص المصداق في مسألة بيع الصاع الكلّي من الصبرة، حيث إنّه لا يؤثّر في ملكيّة هذا الصاع الشخصي من السابق، بل يوجب تعيّن كلّي الصاع المتملّك سابقا عليه، و ليس حاله حال الإجازة في باب البيع الفضولي أو النكاح كذلك، حيث نحكم في الأوّل بصحّة العقود الواقعة على المبيح قبل إجازة المالك الأصلي له من حينها، و نحكم في الثاني بصحّة الطلاق الواقع على المرأة المتزوّجة فضوليّا قبل إجازتها من حينها.

و ممّا ذكر يعلم الحال في الظهار و الإيلاء و القذف، بمعنى أنّه إذا وقع أحدها على بعض النسوة قبل الاختيار، ثمّ اختار هذه البعض لا يحكم عليه حكم ظهار الزوجة أو إيلائها أو قذفها؛ لعدم ثبوت الكشف.

فروع
الأوّل: لو اختار الأربع في ستّة فهل ينفذ أو لا؟

بمعنى أنّه يستفاد من دليل الاختيار مثل هذا الاختيار أيضا، أو أنّ المتيقّن ثبوت الاختيار له في أشخاص أربعة مميّزة، نظير ما يقال في عزل حقّ الفقراء في الزكاة، من أنّ المتيقّن عزل الحقّ في ما يوازيه، لا في ما يبلغ أضعافه مثل تعيينه في صبرة مخصوصة حتّى يسلم سائر الصبرات عن حقّ الزكاة؟ الظاهر في المقام أيضا ذلك، فلا يستفاد من الدليل إلّا اختيار الأربع الممتازة.

نعم قد يكون حصرها في ستّ قرينة على فراق ما بقي، فهو كما إذا فارق واحدة أو اثنتين، حيث ينحصر مورد الكلّي قهرا في ما عداها؛ فإنّه يستفاد من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 281

الرواية إثبات حقّ الفراق في كلّ واحدة واحدة، فمورد كلامنا ما إذا لم يكن الحصر المزبور قرينة على ذلك، مثل ما لو صدر عن الجاهل بعدم إمكان بقاء ما زاد عن

الأربع في زوجيّته، فاختار الستّ بطريق الجزم مع ترديده في فراق الباقي إلى أن يعلم الحال.

الثاني: لو أسلم على ثمانية مثلا

، و أسلمت منهنّ أربع معه مثلا، و بقيت أربع اخرى، فلا إشكال في أنّ دليلا الاختيار لا يجري إلّا بعد إسلام الجميع، و أمّا في حال كفر الجميع أو البعض مع عدم كون البعض الآخر زائدا على النصاب فلا دليل على الاختيار في غير الكتابيّة.

و حينئذ فقد يقال بمقتضى إطلاق الأخبار الدالّة على أنّهما على نكاحهما لو أسلم أحدهما و الآخر في العدّة ببقاء نكاح الأربعة الاولى، ثمّ لو أسلمت الأربعة الأخرى في العدّة فلا مورد لشي ء من دليلي الاختيار أو البقاء على النكاح الأوّل في هذه الأربعة، لأنّ إطلاق هذين الدليلين مخصوص بالمورد القابل، و هذه الأربعة خرجت عن القابليّة بواسطة زوجيّة الأربعة الأولى، فشمول الدليل في الزمان المتقدّم لتلك الأربعة بواسطة عدم مزاحمته بشي ء و وجود الموضوع له أوجب خروج الأربعة الأخرى عن الفرديّة لموضوع ذلك الدليل.

و الحاصل أنّ الأخبار التي دلّت على أنّهنّ لو أسلمن معه أو في العدّة بقي النكاح و إلّا بنّ عن الزوج، إطلاقها بالنسبة إلى المورد القابل محفوظ و لم يخرج منه إلّا صورة إسلام الأزيد من النصاب، و هو أيضا في مقامنا مفقود في حقّ الأربعة الاولى، فلا مانع إذن في شمولها له، و إلّا كان تخصيصا و تقييدا بلا وجه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 282

و هذا بخلاف الأربعة الأخيرة؛ فإنّ القابليّة فيها و إن كانت أيضا محفوظة من غير جهة إسلام الأربعة الاولى، و لكن من هذه الجهة انتفت قابليّتها.

لا يقال: النظر في هذا الدليل ليس إلى القابليّة إلّا من غير قبله، و المفروض تحقّقه هنا من غير ناحيته.

فإنّا

نقول: فكيف تقول في الأصل السببي و المسبّبي بأنّ الأوّل وارد أو حاكم على الثاني، مع أنّه مع قطع النظر عن دليل الاستصحاب مثلا يكون موضوعاهما محقّقين بلا ورود و لا حكومة.

و بالجملة، لو فرضنا طروّ عنوان أمومة الزوجة بسبب الرضاع على أربعة من الثمانية، ثمّ أسلمن في العدّة فلا إشكال أنّ موضوع أخبار بقاء الزوجيّة متحقّق بالنسبة إلى الأربعة الأخرى، دون الأربعة اللائي صرن أمّا للزوجة.

و هكذا طروّ عنوان الخامسة، فإنّه كأمّ الزوجة عنوان مانع، و مجرّد كون حدوثه في ما نحن فيه من نفس الدليل، و هناك من خارجه لا يوجب الفرق، فكلّما دار الأمر بين التخصّص و التخصيص فالأوّل متعيّن، و لا فرق بين تحقّق ذلك من قبل نفس الدليل أو خارجه.

هذا لو قلنا بأنّ الزوجيّة تحصل بالإسلام في العدّة بعد ما تنقطع لو تأخّر حصوله عن إسلام الزوج و إن كان بسبب العقد، كما تعود بالرجعة في المطلّقة الرجعيّة، و تعود الملكيّة بالفسخ بتأثير العقد السابق، فإنّه حينئذ تكون المرأة التي أسلمت زوجة حقيقة، و التي لم تسلم ليست بزوجة حقيقة، فيجري جميع ما تقدّم من الكلام.

و على هذا لو عقد على أخت التي لم تسلم جاز له و صحّ إذا لم يزد على النصاب، ثمّ إذا أسلمت الأخت اخرى جرى فيه الكلام المتقدّم من خروجها عن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 283

القابليّة و قصور الإطلاق عن شمولها حينئذ.

و أمّا لو قلنا بحصول الزوجيّة من الابتداء، غاية الأمر لو بقيت على الكفر حتّى انقضت العدّة يعامل معاملة البينونة، أو قلنا بمراعاة الزوجيّة و العدم على الإسلام في العدّة و العدم، فلا يتمّ التقريب المذكور؛ لأنّ نسبة الزوجيّة إلى كلتا الطائفتين أعني

الأربعة المتقدّمة في الإسلام و المتأخّرة نسبة واحدة، و كلّ منهما تقدّم يوجب خروج الأخرى عن موضوع الدليل. و يمكن أن يقال بترجيح الوجه الأوّل على الأخيرين.

أمّا على القول بالمراعاة، فلما تقدّم من كون الظاهر مدخليّة الأمر الخارجي، لا الانتزاعي العلم إلهي، و أمّا على القول بحصول الزوجيّة من الابتداء؛ فلأنّه لو قلنا بهذا و أسلمت أربعة و لم تسلم الأربعة الأخرى حتّى الانقضاء، فلا بدّ أن نقول ببطلان الزوجيّة من الأشخاص و حصول الاختيار في تعيين الأربع الكلّيّة في أيّ من الأربعين شاء، و أنّ الإسلام في هذه الأربعة لم يوجب تصحيح زوجيّة هؤلاء الأشخاص، بل الكلّي محفوظ بعد على كلّيّة، فله اختيار تعيينه في الأربعة الوثنيّة دون الأربعة المسلمة، غاية الأمر بسبب الانقضاء يحكم بفساد الجميع، أمّا المسلمة فلفرض عدم اختيارهنّ، و أمّا الكافرة الوثنيّة فلفرض كفرهنّ حتّى الانقضاء الموجب للحكم بالمعاملة معهنّ معاملة البينونة و الانفصال الابتدائي.

و هذا كلّه لا ينطبق على ظاهر الدليل؛ فإنّ الظاهر صيرورة نفس أشخاص الأربعة المسلّمات زوجات من حين إسلامهنّ كالمطلّقة المرجوع إليها في العدّة، لا أنّ الزوجيّة مرتبطة بالكلّي الجامع بينها و بين غيرها، كما هو مقتضى ذلك الوجه.

و على هذا لا يبقى مجال لمشموليّة الأربعة الأخيرة؛ لفرض زيادتهنّ على النصاب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 284

و بالجملة، بعد إباء الظاهر عن هذه اللوازم يصير قرينة على تعيّن الوجه الأوّل، و معه قد عرفت أنّ الدوران بين التخصّص و التخصيص، لا التخصّصين، و لا التخصيصين حتّى لا يكون لأحدهما مرجّح حتّى مع السبق الزماني لأحد الفردين، بل الرتبي، كما حقّق ذلك كلّه مشروحا في محلّه.

الثالث: لو اختار أربعا

، ثمّ اشتبهت هذه الأربع بالأربع الأخرى الغير المختارة، أو أسلمت أربعة

أوّلا، ثمّ أسلمت الأربعة الأخرى، ثمّ اشتبهت الأولى بالثانية، فيشكل الحال من حيث المهر و من حيث النفقة، فلو أقرّت أربعة أنّها هي الغير المختارة أو المتأخّر إسلامها فهنّ مأخوذات بإقرارهنّ، فيتعيّن دفع المهر و النفقة إلى البواقي، و لو شككن كلّهن، أو ادّعين العلم أنّهنّ هي المستحقّة للنفقة و المهر فالظاهر برأيه ذمّة الزوج من النفقة بإعطائها بمشهد من الكلّ و تخلّية السبيل لهنّ، و كذا المهر مع التساوي و كونه دينا، و أمّا لو كان عينا أو أزيد و أنقص فمع التصالح و التراضي معهنّ لا إشكال، و مع المماكسة جري قواعد العلم الإجمالي من الاحتياط مع عدم الحرج، و معه الرجوع إلى الظنّ بقاعدة الانسداد.

الرابع: الاختيار قد يكون بالقول

، و قد مرّ شطر من الكلام في بعض مصاديقه، و قد يكون بالفعل؛ لما عرفت أنّه كالعقد و الفسخ و البيعة و القسم و الأمر و النهي، و أمثال ذلك من العناوين التي لا يكفيها القصد الباطني، بل لا بدّ لها من مظهر خارجي، سواء كان هو القول أم الفعل، و هو في مقامنا أن يأتي بعمل يدلّ عرفا على أنّه اختار

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 285

هذه المرأة، لكونه من الأعمال المختصّة صدورها بالنسبة إلى الزوجة، لا غير، كالوطي.

إذا عرفت ذلك فتارة نتكلّم في الوطي مع معلوميّة الحال و كونه صادرا من العالم موضوعا و حكما، بمعنى أنّه لم يشتبه المرأة بنظره بغيرها من محلّل الوطي كالمختارة قبلها، و علم أنّ حكم الشارع عدم جواز الوطي قبل الاختيار، فنتكلّم في أنّه مع هذا الوصف اختيار أو لا؟ و اخرى نتكلّم فيه مع احتمال كونه واطئا بالشبهة و كونه جاهلا بالمسألة و كونه عالما بهما.

أمّا الأوّل

فقد يشكل في حلّيّة هذا الوطي بعد ما عرفت من كونه مقوّما للاختيار المعلّل و أنّه ليس القصد القلبي اختيار كنظائره و حينئذ فإذا فرض عدم سبق الوطي بمقدّمة وجوديّة دالّة على الاختيار فكيف يكون حلالا و يمكن أن يقال إنّه بنفس قول الشارع اختر أو أمسك من شئت يستفاد حلّيّة هذا الوطي بعد كونه فعلا خاصّا بالزوجة و اختيارا عمليّا لها؛ فإنّ اختيار كلّ بحسبه، فاختيار المأكول بأكله و المشروب بشربه و المنكوح بنكاحه، و ليس هذا تخصيصا في حرمة الزنا؛ فإنّ الحرمة الشرعيّة مأخوذة في مفهوم الزنا؛ فإنّه المباشرة بحرام، و على ما ذكرنا يخرج عن هذا الموضوع.

ثمّ لو فرضنا حرمة الوطي فلا إشكال في كونه اختيارا و تأثيره أثره؛ فإنّ النهي في المعاملة غير موجب للفساد.

و أمّا الكلام في الثاني فجعل الوطي أمارة على الاختيار لا وجه له، إلّا الحمل على الصحّة و أنّه لولاه لكان فاعلا للحرام.

و فيه: أمّا على القول بالحرمة مع تبيّن الحال أنّه لا يوجب الحمل على الاختيار حلّيّته، اللهمّ إلّا من حيث الاستدامة، و أمّا على القول بالحلّيّة أنّه من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 286

المحتمل كونه غافلا أو جاهلا مركّبا، و على فرض دوران أمره بين أن يكون مختارا أو فاعلا للحرام فالأصل حينئذ قاصر عن إثبات اللازم، مثل القول المردّد بين السلام و الفحش، حيث لا يثبت بالأصل كونه سلاما حتّى يجب جوابه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 287

المقصد الثالث في مسائل مترتّبة على اختلاف الدين
الأولى: إذا تزوّج الكافر أمّا و بنتا كتابيّتين، ثمّ أسلم
اشارة

، فله أربع حالات: إمّا أنّه دخل بهما، و إمّا لم يدخل بإحداهما، و إمّا دخل بالأمّ فقط، و إمّا بالبنت فقط، فإن دخل بهما أو بالأمّ فالمشهور بل لم يحك فيه الخلاف على الحرمة الأبديّة لكلتيهما،

أمّا الأمّ لكونها أم الزوجة، و أمّا البنت فلكونه ربيبة مدخولا بأمّها.

و إن لم يدخل بهما أو بالبنت فقط، فالمشهور أيضا الحرمة الأبديّة في الأمّ؛ لما مرّ و بقاء عقد الربيبة بحاله؛ لعدم الدخول بأمّها، لكن حكي عن الشيخ قدّس سرّه مخالفة المشهور في فرض عدم الدخول بإحداهما، فقال فيه بالتخيير في إمساك أيّتهما شاء و مفارقة الأخرى.

هل خطابات الوضع كخطابات التكليف شاملة للكفّار؟

و مجمل الكلام في جميع شقوق المسألة أنّه إنّما نقول بأنّ خطابات الوضع شاملة للكفّار، فما يكون فاسدا في حقّ المسلم فهو كذلك في حقّ الكافر، فلا يفيد مثلا عقده على الامّ و البنت زوجيّة، كما في حقّ المسلم، و إمّا نقول باختصاصها بالمسلم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 288

و خروج الكافر عنها، نعم خطابات التكليف مشتركة على كلّ حال.

فإن قلنا بالأوّل فإمّا يكون قد عقد عليهما بعقد واحد، و إمّا مترتّبين.

في الأوّل لم تنعقد الزوجيّة بالنسبة إلى إحداهما، فلم يتحقّق في الأمّ عنوان أمّ الزوجة، و لا في البنت عنوان الربيبة.

و في الثاني يقع المتقدّم صحيحا و المؤخّر فاسدا، فإن كان المقدّم عقد الامّ فعنوان الربيبة يتحقّق في البنت، و لا يتحقّق عنوان أمّ الزوجة في الأمّ، و إن كان المقدّم عقد البنت فبالعكس؛ لأنّ المسلم إذا عقد على الامّ و البنت يكون حاله على هذا المنوال، و الكافر حسب الفرض مشترك معه في هذا الوضع و سائر الأوضاع.

فعلم أنّ ما ذكروه لا يتمّ بناء على هذا المبنى، سواء دخل بهما أو لم يدخل بأحدهما، أو دخل بواحدة منهما، بل له في الفرض الأوّل تجديد العقد على كلّ منهما، و في الفرض الثاني تحرم البنت جمعا و يستقرّ عقد الامّ، و في الفرض الثالث تحرم الأمّ

أبدا و يستقرّ عقد البنت.

نعم، يجي ء هنا محلّ كلام آخر و هو أنّه مع الدخول بهما أو بإحداهما يندرج في مسألة أنّ الزنا بالأمّ ينشر الحرمة في البنت و بالعكس، سواء كان العقد سابقا أم لا حقا، و قد عرفت في ما تقدّم أنّه لا إشكال في عدم النشر مع سبق العقد، و مع عدمه الأقوى أيضا عدم النشر، فراجع، هذا على المبنى الأوّل.

و إن قلنا بالثاني فلا إشكال في تحقّق العنوانين في المرأتين؛ لأنّ المفروض تلبّسهما بالزوجيّة إلى الحال، سواء كان العقد عليهما دفعة، أم متعاقبين، فهل يحكم حينئذ بحلّيّتهما أو بحرمتهما؟ في المسألة إشكال من إطلاق آية أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَ رَبٰائِبُكُمُ «1» الدالّة على ثبوت التحريم على هذين العنوانين حدوثا و استدامة،

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 289

خرج منه حال الكفر و بقي الباقي، فهما محرّمتان أبدا بحكم هذا الإطلاق، و من أنّ هذا الإطلاق قد قيّد بالمسلم، و قد حكم في هذا الفرد من أمّهات النساء و الربائب بالحلّيّة، و بعد ما خرج لا يندرج ثانيا تحت الإطلاق، فلا نظر للدليل إلّا بالنسبة إلى الحدوث لا البقاء، ففي كلّ مصداق من العنوانين يحكم بالتحريم الأبدي، و هذا المصداق خرج و لم يتجدّد هنا مصداق آخر، كما في صورة تحقّق الأمومة للزوجة في الأثناء بواسطة الرضاع؛ فإنّه مصداق جديد له حكم جديد، و أمّا المصداق القديم الذي قد سبق الحكم عليه بالحلّيّة و ثبوت الزوجيّة فلا يكون مشمولا للدليل في سائر الأزمنة.

و بالجملة، فإن رجّحنا وجود الإطلاق ثمّ ما ذكره المشهور من الحرمة الأبديّة فيهما في صورة الدخول بهما أو بالأمّ فقط، و في الأمّ فقط في صورة عدم الدخول،

أو الدخول بالبنت فقط، كما هو واضح.

و إن رجّحنا عدمه- كما مال إليه شيخنا الأستاذ دام بقاه في مجلس البحث- فيكون المرجع هو الاستصحاب، و حيث إنّ الجمع نقطع ببطلانه بمعنى أنّ الجمع بين الامّ و البنت ممنوع حتّى في هذا الحال، فلا يمكن إجرائه في أحد الشخصين، لكونه ترجيحا بلا مرجّح، نعم يمكن بالنسبة إلى الكلّي الجامع بينهما.

و حينئذ فإنّ فهمنا من أخبار: من أسلم على أزيد من أربع، و أخبار: من تزوّج أختين في عقد واحد، مناطا كلّيّا و هو أنّه متى تحقّق مقتضى الزوجيّة بالنسبة إلى الجامع مع عدم إمكان الجمع في الأشخاص فللزوج اختيار تعيينه في أيّ فرد شاء من ذلك الكلّي، نقول به في مقامنا، و إن لم نفهم فلا يثمر الاستصحاب المزبور بالنسبة إلى زوجيّة الشخص.

نعم بالنسبة إلى الجامع و يحتال لتطبيقه على أحد فرديه بما أشرنا سابقا من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 290

تفريق أحدهما، فإنّه يفترق قطعا، إمّا للبطلان الرأسي، و إمّا لأجل هذا التفريق، فيتعيّن الكلّي على الفرد الآخر قهرا، و هذا لازم الأعمّ من الظاهر و الواقع.

و حاصل الكلام أنّه يمكن أن يقال: يستفاد من الخبر الوارد في قضيّة قيلان حيث أسلم على عشر، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: «اختر أربعا و فارق سائرهنّ» «1» و ما ورد في قضيّة فيروز الديلمي حيث أسلم على أختين، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اختر إحداهما، أو طلّق أيّتهما شئت» «2» و ما ورد في مجوسي أسلم على سبع و أسلمن معه، حيث قال عليه السّلام: «يمسك أربعا و يطلّق ثلاثا» «3» أنّه متى أسلم الكافر على جمعيّة لا يمكن جمعهنّ في

النكاح في حقّ المسلم، سواء كان من قبيل الخامسة و السادسة بالنسبة إلى الحرّ و الحرائر، أو العبد و الإماء، أو الثالثة بالنسبة إلى الحرّ و الإماء أو العبد و الحرائر، أم من قبيل الأختين، أم من قبيل الامّ و البنت، فهو مختار في أيّتهما شاء.

و لا فرق في هذه الاستفادة بين كلّ من المبنيين السابقين، فإنّه لو اخترنا المبنى الأوّل أعني: أنّ حال الكفّار حال المسلمين، فإنّه نقول: لا بدّ أن يفرض حاله حينئذ حال من كان ابتداء عقده، فكما أنّه مختار في اختيار أيّتهما شاء، فكذا هذا، غاية الأمر أنّ غير هذا المسلم الجديد الإسلام يختار بالعقد الجديد، و هذا بنفس الاختيار.

نعم يرد عليه أنّ هذا خلاف ظاهر أدلّة التخيير؛ فإنّ ظاهرها أنّ ما اختاره

______________________________

(1) سنن البيهقي 7: 182.

(2) سنن البيهقي 7: 184.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 291

هي زوجته السابقة، لا أنّه تحصل له الزوجيّة بهذا الاختيار كالعقد المستأنف، لكن هذا إيراد على المبنى، و أنّه خلاف ظاهر هذه الأخبار.

و لو اخترنا المبنى الآخر نقول: إمّا أنّ الإطلاق في دليل حرمة أمّهات النساء و الربائب شامل لهذا الفرد، و إمّا لا، فعلى الأوّل يتمّ مذهب المشهور كما تقدّم، و على الثاني فنحن نقطع بحرمة الجمع حتّى في هذا الحال، فيجي ء مورد التمسّك بذلك التخيير الذي استفدناه، الذي قال به الشيخ قدّس سرّه في قبال المشهور.

و لكن لا بدّ أن يفرّق بين الدخول بهما و الدخول بالأمّ، و بين الدخول بالبنت فقط أو عدمه بهما، بالتخيير في الأوّلين و تعيّن البنت في الأخيرين، أمّا تعيّن البنت في الأخيرين فلأنّ الاحتمالات

بين صلاحيّة كلّ منهما للزوجيّة، و بين صلاحيّة خصوص البنت؛ لأنّا نقطع بأنّ البنت لم تصر محرّمة ذاتيّة، بل نقطع بحرمة الجمع و يحتمل الحرمة الذاتيّة في الأمّ، فاستصحاب شخص زوجيّة البنت لا مانع لها؛ للقطع بانقطاع شخص زوجيّة الأمّ؛ لأنّها إمّا محرّمة ذاتيّة، و إمّا صالحة كالبنت، و في هذا التقدير قد تقدّم سابقا أنّا استفدنا من الأدلّة انقطاع زوجيّة كلتا الشخصين، و إنّما بقي زوجيّة الكلّي، فعلى كلّ تقدير انقطعت زوجيّة شخص الامّ قبل الاختيار، فيكون استصحاب زوجيّة البنت سليمة عن المعارض، و استصحاب الكلّي لا يعارضه، كما هو واضح.

و أمّا التخيير في صورة الدخول بالأمّ سواء دخل بالبنت أم لا، فلأنّ الاحتمالات بين صلاحيّة كلّ واحدة منفردة و صلاحيّة هذه دون هذه و بالعكس و عدم صلاحيّة شي ء منهما فالاستصحاب بالنسبة إلى شخص كلّ منهما جار في ذاته معارض بالمثل، و بعد تساقطهما نرجع إلى استصحاب الكلّي، و بعد استفادة تلك الكلّيّة السابقة، من أخبار التخيير يتشخّص ذلك الكلّي بتفريق إحداهما

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 292

كما تقدّم سابقا.

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مذهب الشيخ قدّس سرّه و هو التخيير يمكن القول به، و لكن تخصيصه بصورة عدم الدخول بهما لا وجه له، بل لا بدّ على المبنى الأوّل من التعميم، و على الآخر من تخصيصه بصورة الدخول بالأمّ، سواء دخل بالبنت أم لا.

و ممّا ذكرنا ظهر الحال في عدّة مسائل:

الأولى: إذا أسلم الكافر على أمّ و بنت كتابيّتين.

الثانية: إذا أسلم على أختين.

الثالثة: إذا أسلم الكافر الحرّ على حرّة و ثلاث إماء، أو أسلم على أربع إماء.

الرابعة: إذا أسلم العبد الكافر على أربع حرائر.

فإنّه إن بنينا على المبنى الأوّل، و لم

نستفد الكلّيّة المتقدّمة فلا بدّ من الفرق بين العقد على ذلك دفعة و تدريجا، فمع الدفعة يثبت له التخيير بالعقد الجديد، و مع التدريج يثبت له العقد السابق دون اللاحق.

و إن بنينا على المبنى المذكور و الاستفادة المذكورة كان له الاختيار في جميع المسائل من غير فرق بين الدفعة و التدريج في وقوع العقد.

و إن بنينا على المبنى الثاني و الاستفادة المذكورة كان الحكم كذلك في غير المسألة الاولى، و كذلك فيها في فرض الدخول بالأمّ دون فرض عدمه، كما تقدّم.

و إن بنينا على المبنى الثاني دون الاستفادة فالحكم في المسألة الاولى في فرض عدم الدخول بالأمّ ما تقدّم سابقا من استصحاب زوجيّة شخص البنت، و فيها في غير هذا الفرض، و في سائر المسائل هو أنّ الاستصحاب في الأشخاص معارض بالمثل، و في الكلّي و إن كان جاريا، و لكن لا أثر له من حيث إثبات التخيير؛ لأنّ المفروض قصور أخباره عن استفادة التعميم إلى غير مواردها.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 293

مسائل في لواحق العقد

مسألة- في اشتراط الكفاءة:

لا إشكال في اشتراطها، بمعنى عدم صحّة نكاح المسلمة للكافر، و لا المسلم للكافرة، إلّا في الكتابيّة على كلام فيه قد تقدّم، و إلّا في صورة إسلام الكافر و تحته كافرة، أو كافرة و لها زوج كافر ثمّ لحقت أو لحق في العدّة به أو بها على تفصيل قد تقدّم أيضا، إنّما المهمّ المعقود له هذه المسألة أنّ المساواة في الإيمان بالمعنى الأخصّ أيضا يشترط في حصول الكفاءة أو لا؟ لا إشكال ظاهرا في حصولها مع عدمها إذا أراد الرجل المؤمن تزويج الامرأة المخالفة، فلم يحك القول بالمنع في هذا، و إنّما التنازع و التشاجر وقع بين الأعلام في

عكسه أعني: تزوّج الامرأة المؤمنة من الرجل المخالف.

و قبل الشروع في أدلّة الطرفين ينبغي التنبيه على مقدّمة، و هي أنّ لنا مفهومين: أحدهما: أن يكون لأمر من الأمور دخل في صحّة النكاح، و مع فقده يبطل.

و الثاني: أن تكون الإجابة التي محكومة بالوجوب أو تأكّد الاستصحاب مقيّدة بقيد، فإذا فقد الخاطب ذلك القيد صارت الإجابة جائزة أو مكروهة أو محرّمة، فالمفهوم الثاني لا منافاة فيه مع صحّة النكاح حتّى ما كانت الإجابة فيه محرّمة؛ فإنّ المحرّم ليس نفس الإيجاب و القبول بعنوانه الأوّلي، بل يكون كالبيع وقت النداء قد تعلّق النهي بأمر خارج، فلا يوجب الفساد.

مثلا إذا ورد أنّه إذا خطب إليكم شارب الخمر أو سيّئ الخلق فلا تزوّجوه، فالمفهوم منه المقام الثاني، فلو فرض أنّ هذا النهي كان تحريميّا فإنّما هو بعنوان أن لا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 294

يزيد فرد آخر من الفاسق في الدنيا بواسطة سراية أخلاق الرجل إلى امرأته، كما أنّ النواهي التي وردت في نكاح المسلم مع الكافرة أو العكس ناظرة إلى المقام الأوّل.

إذا عرفت ذلك فلا بدّ من النظر في الأخبار المانعة في مسألتنا و تحقيق أنّه من أيّ القسمين، فإن فهم أنّه من قبيل الأوّل احتجنا إلى المراجعة إلى الطائفة المعارضة لها و ملاحظة العلاج، و إن فهمنا منه الثاني أو صارت مجملات فلا نحتاج إلى الأخبار المرخّصة.

فنقول و على أهل بيت العصمة و الطهارة نعوّل: الأخبار التي استدلّ بها في جانب المنع طوائف:

منها: ما دلّ على أنّ المخالف كافر «1»، و قد ذكر شطرا منها شيخنا المرتضى قدّس سرّه في طهارته، و قد فرغنا و استرحنا عن هذه الطائفة بواسطة الجمع فيما بينها و بين الأخبار الكثيرة

الواردة في تعيين ملاك الإسلام الذي هو موضوع التناكح و التوارث، و أنّه شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، بحملها على الكفر في الأمور الأخرويّة، لا بحسب الآثار الدنيوية، و لا يمكن حمل ما دلّ على أنّ كلّ قائل الكلمتين يجوز مناكحته على خصوص مناكحة الرجل المؤمن مع نسائهم دون نساء المؤمنين مع رجال المسلم بهذا المعنى، فإنّ التناكح صريح في كونه من الطرفين.

و منها: الأخبار الواردة بمضمون أنّ من خطب إليكم فرضيتم دينه و أمانته فزوّجوه، و في بعضها: خلقه و دينه، و في بعضها عقّبه بقوله: إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ «2».

______________________________

(1) راجع الوسائل: كتاب الطهارة، الباب 2 من أبواب مقدّمة العبادات.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 295

و من الواضح بقرينة ذكر الأمانة و الخلق أنّ هذه الأخبار ناظرة إلى المقام الثاني من المقامين المتقدّمين، فلا دلالة لهما على المنع الوضعي، بل يمكن لو لا الإجماع، القول بذلك في تزويج الناصب و الناصبيّة و إن كان حراما نفسيّا، بل يمكن الاستدلال على صحّته وضعا بروايتين رواهما في الوسائل عن الكافي.

إحداهما: عن مالك بن أعين أنّه دخل على أبي جعفر عليه السّلام و عليه ملحفة حمراء، فقال عليه السّلام: «إنّ الثقفيّة أكرهتني على لبسها و أنا أحبّها» إلى أن قال: ثمّ دخلت عليه و قد طلّقها، فقال عليه السّلام: «سمعتها تبرأ من عليّ، فلم يسعني أن أمسكها و هي تبرأ منه» «1».

و الثانية: عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث أنّه كان له عليه السّلام امرأة يقال

لها أمّ علي و كانت ترى رأي الخوارج، قال عليه السّلام: «فأدرتها ليلة إلى الصبح أن ترجع عن رأيها و تولّي أمير المؤمنين عليه السّلام، فامتنعت عليّ، فلمّا أصبحت طلّقتها» «2».

و هاتان الروايتان ظاهرتان أو صريحتان في وقوع الطلاق، و هو فرع الصحّة، و لو كان نكاح الناصبيّة فاسدة لكان النكاح في تلك القضيّة إمّا فاسدا من الأوّل أو في الأثناء، و على كلّ حال لم يكن موقع للطلاق، فهذا شاهد على الصحّة الوضعيّة.

نعم لو تحقّق الإجماع على البطلان- كما ادّعاه بقسميه عليه- فلا محيص على حمل الطلاق فيهما على الإطلاق و تخلية السبيل، كما ورد التعبير بالتخلية في روايتين أخريين.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 8.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 9.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 296

و بالجملة، لو لا مخافة الإجماع يمكن حمل جميع النواهي الواردة عن نكاح الناصب و الناصبيّة على الحرمة النفسيّة للمزاوجة الغير الملازمة مع الحرمة الوضعيّة إذا لم يتعلّق بها نفسها، بل بملاحظة أمر خارج عن ذاتها، مثل تأثير أخلاق أحد الزوجين إلى الآخر.

و يجري هذا المعنى حتّى في خبر «1» الفضيل بن يسار «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لامرأتي أختا عارفة على رأينا، و ليس على رأينا بالبصرة إلّا قليل، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟ قال عليه السّلام: لا و لا نعمة، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ «2».

فإنّه بعد ما قلنا بالحرمة النفسيّة لتزويج الناصب و الناصبيّة صحّ قياسهما بالكافر في هذه الجهة و إن كان لا يصحّ من حيث الوضع، و

احتمال عموم هذه الرواية لكلّ من لا يرى رأي الإماميّة مدفوع بأنّه لم يعلّق الحكم فيه على هذا العنوان، بل قال: ليس بالبصرة ممّن يرى رأيها إلّا قليل، فيكون حكما في قضيّة شخصيّة و لا عموم لها، فلعلّ تمام من في البصرة يومئذ كانوا نصّابا، فالقدر المتيقّن من الرواية هم النصّاب، فتكون دليلا بالنسبة إليهم لا غيرهم، و بالنسبة إليهم أيضا من حيث الحرمة النفسيّة لا الوضعيّة، جمعا بينها و بين وقوع الطلاق المصرّح به في الروايتين المتقدّمتين.

و لا ينافي ما قلناه كفر الناصبي؛ لإنكاره الضروري من الدين، و ما في بعض الروايات «3» من أحبّيّة نكاح اليهودية و النصرانية إليه عليه السّلام من نكاح الناصبيّة؛ فإنّه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

(2) سورة الممتحنة: الآية 10.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 297

يمكن كون هذا الكافر غير سائر الكفّار في صحّة المزاوجة معه دونهم، و كذلك يمكن أن تكون الحرمة النفسيّة في الناصبيّة أشدّ منها في اليهوديّة و النصرانيّة.

و بالجملة، لا صارف عن هذا الذي ذكرنا في نواهي الناصب و الناصبيّة إلّا الإجماع- إن تمّ- فيكون هو دليلا على الحرمة الوضعيّة فيهما، هذا هو الكلام في الناصب و الناصبيّة.

في نكاح المخالف للمؤمنة

و أمّا غيرهما من سائر أفراد المخالف للشيعة الاثنى عشريّة فقد عرفت عدم الإشكال في نكاح المؤمن للمخالفة بهذا المعنى، و الإشكال إنّما في نكاح المخالف بهذا المعنى للمؤمنة، فقد يقال بعدم الجواز فيه أيضا كالناصب؛ لوجهين:

أحدهما: ما ورد في ذيل بعض أخبار الناصب من قوله عليه السّلام: «إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» «1».

و الثاني: ما

ورد من أنّ مطلق المخالف ناصب، ففي خبر المعلّى بن خنيس على ما في الجواهر المرويّ عن العلل: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت؛ لأنّك لا تجد أحدا يقول: أنا أبعض محمّدا و آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و لكنّ الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و أنّكم من شيعتنا» «2».

و عن مستطرفات السرائر من مكاتبات محمّد بن علي بن عيسى لمولانا الهادي عليه السّلام، سأله عن ناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(2) الوسائل: كتاب الخمس، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 298

و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: «من كان على هذا فهو ناصب» «1».

و ما ورد من أنّ «الزيديّة هم النصّاب» «2» و «أنّ الناصب نصب لك و الزيدي نصب لنا».

ثمّ بضميمة ما تقدّم في حكم الناصب و أنّه الفساد، يكون حال غيره أيضا بواسطة هذا التنزيل كحاله، غاية الأمر خرج المخالفة، حيث قلنا بعدم الخلاف في جواز نكاحها المؤمن، فيبقى العكس تحت عموم التنزيل، و كلا الوجهين مخدوشان.

أمّا الأوّل: فلأنّه لا بدّ من حمل هذا النفي على الحصر الإضافي بالنسبة إلى الناصب و التنزيهي بالنسبة إلى غيره لو حمل الحصر فيه على الحقيقي، و ذلك بواسطة الجمع بينها و بين الأخبار الكثيرة الواردة في جواز نكاح المستضعف المؤمنة و بالعكس، مع تفسير المستضعف بمن لم يكن ناصبا و لا عارفا يعني إماميّا اثنا عشريّا، فراجع الوسائل.

فتكون هذه الأخبار مفصّلة بين المستضعف و الناصب، بالجواز في الأوّل و عدمه في الثاني، فهذا

التصريح يقدّم على ذلك الإطلاق، نعم في بعض الأخبار خصّ الرخصة بالذي لا يعرف شيئا الذي هو في عداد المرجين لأمر اللّه، لكن لا ينافي إطلاق المطلق، و هو و إن كان واردا في نكاح المؤمن المستضعفة، و لكن يعلم منها المناط و أنّه الخلوّ عن النصب و عدم اشتراط المعرفة.

ففي رواية الفضيل بن يسار «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال عليه السّلام: لا؛ لأنّ الناصب كافر، قلت: فأزوّجها الرجل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الخمس، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 14.

(2) الوسائل: كتاب الزكاة، الباب 21 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 299

غير الناصب و لا العارف؟ فقال عليه السّلام: غيره أحبّ إلىّ منه» «1».

و في بعض أخبار المستضعفة بعد تفسيرها بأنّها التي لا تعرف ما أنتم عليه و لا تنصب، قال عليه السّلام «قد تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبا العاص بن الربيع و عثمان بن عفّان، و تزوّج عائشة و حفصة و غيرهما» «2».

فيعلم منه أنّ الملاك في الطرفين واحد و هو عدم النصب، فكلّ مخالف غير ناصب يجوز نكاحه للمؤمنة كالعكس بمقتضى هذه الأخبار و إن كان البله الذين لا يعرفون شيئا خيرا من غيرهم.

و أمّا الوجه الثاني ففيه أنّك قد عرفت صراحة الأخبار بجواز تزويج المستضعف، و هو من لم ينصب و لم يعرف، و لو بني على ظاهر هذه الأخبار من كون كلّ معتقد بالجبت و الطاغوت ناصبا، أو كلّ من نصب شيعة آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله لأجل تشيّعه ناصبا، فلم يبق هناك موضوع للمستضعف، و ذلك لوضوح ملازمة كلّ من

العنوانين مع جميع أفراد المخالف، فما من مخالف و إن كان عاميّا أحدا من أبويه إلّا و هو عدوّ للشيعة لأجل تشيّعهم، أعني: تولّيهم و تبرّيهم، و يعتقد بإمامة الجبت و الطاغوت.

كما أنّه ليس أحد من أفراد الشيعة و إن بلغ في قلّة الإدراك ما بلغ إلّا و هو يبغض أهل التسنّن و شيخيهم، بل يظهر في المجانين من الطائفتين آثار هذه العداوة.

و إذن فكيف يسوغ حمل هذه الأخبار التي ورد بعضها لأجل التوسيع على المخاطب في أمر النكاح، حيث إنّه كان مجتنبا عن التزويج؛ لأنّه لم يجد من كان على مذهب التشيّع، فأجابه الإمام عليه السّلام بجواز نكاح المستضعفات و فسّرهن له بأنّهنّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 11.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 14.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 300

من لا ينصبن و لا يعرفن «1»، فيكون مرجع هذا الجواب بناء على ما ذكر أنّه عليه السّلام جوّز له نكاح من لم يكن شيعة و لا سنّيّا، فالمراد من قوله في هذه الأخبار في تفسير المستضعف بأنّه من لا ينصب هو النصب المصطلح، أعني المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السّلام كالخوارج، فإنّ هذه الكلمة في ألسنة الشيعة صارت حقيقة في هذا المعنى، كما صارت كلمة الرفضة في ألسنتهم حقيقة لمن تشيّع.

و حينئذ فنقول: قوله عليه السّلام في الخبر المرويّ عن العلل: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت؛ لأنّك لا تجد» إلى أن قال: «و لكنّ الناصب من نصب لكم» «2» ظاهر في أنّ الموضوع للأحكام الموجودة في سائر الأخبار و تلك التحثيثات و التشديدات في أمرهم لا يمكن أن يكون

هذا الذي لا يجد له فردا واحدا في الخارج، بل لا بدّ أن يكون شيئا شائعا كثير الوجود في الخارج.

و وجه أنّ المراد به ما ذكرنا أنّه لا يستقيم التعليل بكون الناصب ما ذكره بأنّك لا تجد أحدا كان متّصفا بالمعنى الآخر لو لا إرادة ما ذكرنا، و معه يستقيم كما هو واضح.

ثمّ نقول: هذا الكلام يحتمل وجهين: الأوّل: أن يكون عامّا لجميع أفراد المستضعف الذي هو غير الناصب المعلن بالنصب، فيكون الأخبار المتقدّم إليها الإشارة حاكمة في المستضعف بجواز النكاح، و هذا الخبر حاكما بإلحاقه بالناصب المعلن بالفسق في الأحكام التي منها عدم جواز النكاح.

و لكنّ المستضعف له قسمان: الأوّل الخواصّ المطّلعون على التواريخ و أنّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(2) تقدّم آنفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 301

مولانا عليّا عليه السّلام كيف كان في مدّة عمره متسكّتا و متظلّما و معلنا بالمظلوميّة و المغضوبيّة، و كذلك ولده الطاهرون صلوات اللّه عليهم أجمعين، و من المعلوم أنّه مع الالتفات إلى هذا المعنى لو أظهر العداوة شخص بالنسبة إلى محبّ الأئمة عليهم السّلام من جهة كونه مواليا لهم عليهم السّلام، فلا ينفكّ عن بغض فعالهم عليهم السّلام، و بغضهم عليهم السّلام، بخلاف من لم يطّلع، كعوامّهم الذين يتخيّلون أنّ أئمّتنا عليهم السّلام مع الخلفاء كانوا متوادّين و لا نقار بينهم و يرضون كلّ بفعال صاحبه، و إنّما يبغض الشيعة لأجل سبّهم الخلفاء و تخطّيهم في اعتقاد المعاداة في ما بين السلف.

و أمّا إذا كان الشخص من الخواصّ المحرز عندهم هذه المقدّمة أعني المعاداة بين السلف، و مع هذا يبغض محبّ أهل البيت بجهة حبّه لهم لا بجهة بغضه

لأعدائهم فهو لا ينفكّ عن بغض أهل البيت عليهم السّلام، و أمّا غير الملتفت فيخطّئ هذا المحبّ في اعتقاده، و لا منافاة لهذا مع حبّه لتمام السلف، فإنّه يعتقد كونهم متحابّين غير متباغضين «1».

و الحاصل: لا شبهة في الفرق بين القسمين و أنّ أحدهما نصب حقيقي باطني، و الثاني ليس راجعا إليه، فيمكن تخصيص كلا الخبرين الحاكمين في كلا القسمين

______________________________

(1) و هذا هو المراد بالبله في الأخبار، و بعضهم و هم الذين منهم لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا هم المرجون لأمر اللّه، فإطلاق المستضعف وقع في الأخبار على خصوص هذا القسم بالجامع بينه و بين القسم الآخر، أعني: بمعنى أنّه غير ناصب و لا مؤمن، فهو من باب إطلاق الكلّي على فرده، و لا أنّ للمستضعف إطلاقين، كما ربّما يتوهّمه الجاهل، و بعبارة أخرى: مورد كلامه عليه السّلام و إن كان هو البلهاء و البله، و لكن بملاك كونها لا يعرفن و لا ينصبن، فالكلام في قوّة: يجوز نكاح كلّ من لا يعرفن و لا ينصبن، و هو أيضا بملاك أنّه ليس بمؤمن و لا كافر. منه عفي عنه و عن و الدية.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 302

بعدم الجواز بخصوص القسم الأوّل الراجع إلى النصب الباطني بواسطة الأخبار الناصّة بالجواز في القسم الثاني، فيكون الخبران من قبيل العامّ المخصّص.

و لا يتوهّم بشاعة هذا التخصيص؛ لأنّ الخارج منه أكثر من الداخل؛ فإنّ الباقي هو الخواصّ، و هم قليلون بالنسبة إلى الجاهلين بالمطالب؛ فإنّه لا ضير فيه بعد كونه بعنوان واحد، نظير قولك: أكرم جميع أهل البلد إلّا عوامهم. إذا كان الخواصّ منهم عددا معتنى به و لو كان العوام أضعافهم.

الوجه الثاني: و هو

مخصوص بخبر العلل، و غير جار في خبر تقديم الجبت و الطاغوت، و هو أن يكون قوله عليه السّلام: و هو يعلم أنّكم تتولّونا و أنّكم من شيعتنا «1»، علّة للنصب للشيعة، فيكون ناظرا إلى ما تقدّم تفصيله و مشيرا إلى خصوص الخواصّ من العامّة.

و على كلّ حال يتحصّل من الجمع بين الطائفتين التفصيل بين الناصب بمعنى الخارجي و خواصّ المخالفين، فلا يجوز مناكحتهم، و بين عوام المخالفين فيجوز، فإن لم يكن إجماع على بطلان هذا التفصيل بين الخواصّ و العوام فهو، و إن قام الإجماع على المساواة في الحكم جوازا أو منعا فلا بدّ من إرجاع الخبرين إلى التنزيل من حيث الآثار الأخرويّة من دون نظر إلى الأحكام الشرعيّة.

فإن قلت: إنّ ما اعتمدته في الحكم بالجواز من أخبار المستضعف موردها تزويج المستضعفة من المؤمن، و أمّا العكس فلا، بل ورد في الأخبار النهي عن العكس، أعني: تزويج المستضعف للمؤمنة، فكيف أفتيت بالعموم.

قلت: موردها و إن كان كما ذكرت تزويج المؤمن للمستضعفة، لكن من المعلوم أنّه بصدد بيان الملاك لأصل التزويج و التكافؤ المعتبر، من غير فرق بين

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الخمس، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 303

الطرفين، و ذلك بشهادة جعله في بعض الأخبار المستضعف واسطة بين المؤمن و الكافر، فيكون هذه الأخبار بصدد أنّ المستضعف ليس بكافر حتّى يكون ممنوع التزويج و التزوّج.

و أمّا النهي الوارد عن نكاح المستضعف للمؤمنة فهو كالنهي الوارد عن نكاح الشكّاك للمؤمنة إنّما هما ناظران إلى مقام الإجابة إمّا إرشادا و أنّه ينبغي اختيار الرجل المرضيّ دينه، كالنهي الوارد عن تزويج شارب الخمر أو سيّئ الخلق، و إمّا تأسيسا

لحكم التحريم أو الكراهة النفسيّين، من دون منافاة له مع الصحّة الوضعيّة، فإنّه من جهة أمر خارج و هو الموادّة و المواصلة و الرفاقة مع فاسد العقيدة أو فاسد الأخلاق.

هذا حاصل الكلام في الأخبار الخاصّة الواردة في الباب في جانبي الجواز و المنع.

و أمّا الأخبار المطلقة الواردة في خصوص المسلم و أنّه يناط به جواز المناكحة، فالإنصاف أنّ بعضا منها مخدوش، فإنّ الظاهر من بعضها، بل غير رواية واحدة منها أنّها بصدد الفرق في ما بين الظاهر و الباطن و أنّ ما كان في الظاهر هو الإسلام، و ما كان في القلب هو الإيمان، و أمّا أنّ الإسلام الذي يكون إظهاره منشأ للآثار بم يتحقّق؟ بالشهادتين فقط، أو بهما مع الإمامة؟ فلا تعرّض لها من هذه الجهة.

نعم في صحيح ابن سنان: بم يكون الرجل مسلما؟ إلى أن قال الإمام عليه السّلام في جوابه: بالإسلام إذا أظهر «1». و هذا ظاهر في سؤال تعيين ما به يتحقّق الإسلام الذي هو مناط الآثار، و لكنّ الجواب لا يفيد شيئا ينفعنا، فإنّه لم يزد على أن

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 17.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 304

قال عليه السّلام: بالإسلام إذا أظهر، فلعلّ الإسلام مركّب من الشهادتين مع الولاية.

نعم في رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- على ما في طهارة شيخنا الأجلّ المرتضى قدّس سرّه نقلا عن الكافي- قال عليه السّلام: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر

رمضان، فهذا الإسلام، و الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بهما، و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما ضالا» «1».

ثمّ إنّك عرفت ممّا تقدّم عدم جواز مناكحة المسلم للناصب و الناصبيّة، بمعنى فساد النكاح، و أنّ القدر المتيقّن منه الناصب بمعنى المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السّلام، إلّا أنّه يشكل هذا تزوّج بعض المحترمات ببعض النصّاب من هذا القسم في صدر الإسلام، كأمّ كلثوم من عمر، و فاطمة بنت الحسين عليه السّلام من عبد اللّه بن عثمان، و سكينة من مصعب الزبير، و الظاهر أنّه لم يكن في تزويج عبد اللّه و مصعب خوف و إكراه.

الفرق بين التقيّة الاضطراريّة و التقيّة المداراتيّة

و الذي تفصّى به شيخنا الأستاذ دام ظلّه الشريف عن هذا الإشكال: أنّ التقيّة المجوّزة للحرام قد تكون شخصيّة، بمعنى أنّه يخاف من الضرر على النفس المحترمة، أمّا الفاعل و إمّا غيره، و هذه أحد أفراد الاضطرار، و غاية ما يلزم منها التأثير في رفع الحرمة التكليفيّة، و أمّا الوضع فلا، فلو توضّأ فاقدا للشرط خوفا من ظالم فلا يفيد الإجزاء.

______________________________

(1) الكافي 2: 24، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 305

و قد تكون غير شخصيّة، بمعنى أنّه لا يخاف على نفسه و لا على غيره، بل تجوز مع ثبوت المندوحة، بل يجوز جعل النفس بمعرض التقيّة، كأن لا يصلّي في بيته بدون التكفير، بل يخرج إلى مجامع المخالفين و يصلّي في جماعتهم مع التكفير.

و القسم الأوّل لا بدّ فيه من عدم المندوحة، و إلّا فلا اضطرار حتّى يباح الحرام.

و أمّا الثاني فالشارع جوّز لنا مع ثبوت المندوحة، بل رغب و حثّ بإدخال النفس في جماعاتهم و تشييع جنائزهم و عيادة مرضاهم و حسن السلوك و الرفاقة و

الموادّة معهم حتّى يقولوا: ربّاهم جعفر بن محمّد عليهما السّلام بأحسن تربيته.

و بالجملة، فعلى هذا القسم الثاني من التقيّة عن المخالفين يحمل ما ورد في بعض الأخبار من أنّ التقيّة أوسع ممّا بين السماء و الأرض «1»، و ما في بعض الأخبار من أنّ التقيّة في كلّ شي ء إلّا في المسح على الخفّين و شرب المسكر و متعة الحجّ «2»؛ إذ من الواضح أنّ القسم الأوّل متى تحقّق في هذه الثلاثة جوّزتها، و لا يخفى أنّ ظاهر أدلّته الإجزاء أيضا و حصول الوضع علاوة على رفع الحرمة التكليفيّة.

و حينئذ نقول: هذه التقيّة الثانية المغيّرة للتكليف و الوضع معا إنّما يثبت بالنسبة إلى المخالفين بأصنافهم ما دام لهم الشوكة و الاقتدار، فلو فرض زوال شوكتهم قبل قيام الحجّة المنتظر عليه و على آبائه الطاهرين الصلاة و السلام، لم يبق دليل على هذه المعاملات معهم.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: كتاب الأمر بالمعروف، الباب 23 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبها، الحديث 14.

(2) الوسائل: كتاب الأمر و النهي، الباب 25 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 306

و كذا الحال بالنسبة إلى صنف خاصّ منهم كالنصّاب، فإنّهم كانوا في مدّة دولة بني أميّة لعنة اللّه عليهم ذوي شوكة و اقتدار، فلهذا وقعت تلك المزاوجات المذكورة مع وضوح أنّه لم يكن هناك خوف شخصي من ترك مزاوجة بعضهم، كما في قضيّة مصعب و عبد اللّه، فهو من قبيل هذا القسم الثاني من التقيّة الذي قلنا إنّه لا يعتبر فيه عدم المندوحة، و من المعلوم أنّ تلك الأزمنة كانت أزمنة شوكة هذه الفرقة الضالّة.

و بهذا يسهّل الخطب في بعض الروايات التي وردت بطلاق الناصبيّة التي كانت

تحت أبي جعفر الباقر عليه السّلام «1»؛ إذ لعلّه كان في زمن دولة بني أميّة.

نعم ما اشتمل منها على طلاق الخارجيّة التي كانت تحته لا يقبل هذا المعنى؛ إذ الخوارج لم يتحقّق لهم شوكة بعد قضيّة النهروان.

و الحاصل أنّ النصّاب كانوا في تلك الأزمنة كسائر المخالفين موردا لتلك التقيّة الواسعة، و لهذا جازت مناكحتهم و حضور جماعتهم، بل لعلّه كان ذلك مرغوبا فيه، و أمّا بعد انقراض دولتهم- و الحمد للّه- خرجوا عن هذا الحكم، ففي هذه الأزمنة التي لا يوجد منهم شخص واحد لو فرض نادرا وجود شخص يحكم بفساد مناكحته على ما هو مقتضى القاعدة، كما أنّ سائر أقسام المخالفين لو فرض زوال سلطنتهم ما كان دليل على إعمال هذه التقيّة معهم.

فالصلاة مع التكفير في جماعتهم لا دليل على جوازه و إجزائه مع ثبوت المندوحة، فهم و سائر الناس في عرض واحد في أنّه متى تحقّقت التقيّة بالمعنى الأوّل تحقّق الرخصة التكليفيّة لا الوضعيّة، و إلّا فلا.

هذا تمام الكلام في اعتبار الإسلام في الكفاءة، و عدم اعتبار الإيمان.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 307

الكلام في اعتبار اليسار و عدمه

و هل يعتبر فيها التمكّن و اليسار بمقدار النفقة أو لا؟

لا إشكال في عدم اعتبار ذلك في صحّة العقد، بحيث لو تزوّجت امرأة رجلا عالمة بعدم يساره كان العقد فاسدا، كما لو تزوّج كافرا، بل نقل الجواهر عن المختلف الإجماع على صحّة العقد مع علمها، كما أنّ مقتضى قوله تعالى إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ «1» أيضا هو الصحّة و لو مع العدم الرأسي.

و أمّا مع الجهل فالذي يتصوّر أمور ثلاثة:

أحدها: البطلان الرأسي، بحيث

لا يقبل الصحّة بالرضا عند تبيّن الحال.

و الثاني: أن يكون العقد موقوفا حتّى تتبيّن و تجيز المرأة، نظير العقد الفضولي، فلو عقدها الوليّ أو الوكيل و الحال هذه وقع فضوليّا، لا فاسدا خاليا عن الأثر التأهّلي أيضا.

الثالث: أن يكون العقد مؤثّرا أثرا فعليّا، و لكن لها الفسخ عند تبيّن الحال، مثل العيوب الخاصّة الموجبة لذلك كالعنن و نحوه.

______________________________

(1) سورة النور: الآية 32.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 308

و ليعلم أوّلا أنّ عقد الولي حيث يكون منوطا بالغبطة و عدم المفسدة فالحكم بفساده و وقوعه فضوليّا لو صادف المفسدة في عقد المولّى عليها من الفقير خارج عمّا نحن فيه و لا إشكال.

و بعد هذا فنقول: مقتضى الآية الشريفة صحّة العقد و نفوذه و عدم اشتراطه بيسار الزوج، لا في حال علمها و لا في حال جهلها.

و خبر جويبر الذي كان رجلا محتاجا عاريا و قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بأبي أنت و أمّي: من يرغب في؟ فواللّه ما من حسب و لا نسب و لا مال و لا جمال؛ فأيّة امرأة ترغب في؟ معروف، حيث أمره رسول اللّه بالإتيان إلى بعض الأشراف و خطبة ابنته «1».

و أيضا الأخبار الدالّة على أنّ الخاطب إذا اتّصف بالدين و الخلق المرضيّين فزوّجوه «2». شاهدة على المدّعى، نعم في بعضها أنّ الكفوء ان يكون عفيفا و عنده يسار، لكن من المعلوم بقرينة عطفه على العفّة أنّ المراد عدم وجوب الإجابة، لا الكفويّة بمعنى الاشتراط في الصحّة.

و بالجملة، فالمطلب أظنّ أنّه من الواضحات، بل و كذلك ظاهرا عدم ثبوت الخيار للمرأة عند الجهل بفقر الزوج و إعساره، فإنّه أيضا لا دليل عليه، لا في الفقر الثابت قبل العقد، و

لا في الثابت المتجدّد بعده، و مجرّد كونه عيبا، بل أعظم العيوب لا يقتضي ثبوت الخيار؛ إذ لا دليل على ثبوت الخيار في مطلق العيب و إثباته بدليل الضرر و الحرج كما ترى.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 25 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 309

في أنّ للزوجة حقّا بأحد الأمرين النفقة أو الطلاق

نعم هنا مطلب آخر لعلّه يمكن إقامة الدليل عليه، و هو أنّ للزوجة حقّا بأحد الأمرين، إمّا النفقة الواجبة، و إمّا الطلاق، بمعنى أنّه يتعلّق لها حقّ بأحد الأمرين.

أمّا الأوّل فلا يحتاج إلى إثبات، و أمّا الثاني أعني الطلاق، فوجه كونه مورد حقّها أيضا بحيث كان لها المطالبة به أنّه يمكن استظهاره أوّلا من قوله تعالى:

فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «1».

و لا يتوهّم أنّه ناظر إلى حال القدرة و التمكّن من الأمرين؛ لأنّه خطاب تكليفي، و لا تكليف بالنسبة إلى العاجز، فلا يفيد بالنسبة إلى العاجز الذي هو محلّ الكلام شيئا؛ فإنّا نقول: و إن كان الهيئة و الأمر كذلك، و لكن قد ثبت في الأصول إطلاق المادّة بالنسبة إلى القادر و العاجز، فيدفع احتمال اختصاص الحكم بالمتمكّن من كلا الأمرين بإطلاق مادّة هذا الخطاب.

فإن قلت: لكن مع هذا لا يثبت بها إلّا صرف التكليف، و المقصود إثبات الحقّ الذي كان لها مطالبته.

قلت: و إن كان مفاده التكليف ابتداء، لكن يمكن أن يقال في كلّي التكاليف المراعى فيها نفع الغير أنّ العرف ينتزع منها الاستحقاق لذلك الغير على المخاطب بالخطاب.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 299.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 310

و ثانيا: لو سلّمنا أنّ الآية ليست إلّا بمقام التكليف دون الوضع، لكن نقول:

يمكن استفادة

الحقّية من رواية أبي بصير المرادي «قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها، كان حقّا على الإمام أن يفرّق بينهما» «1».

فإنّه شامل لصورة التمكّن و عدم البذل، و لصورة العجز؛ فإنّ العبارة في كلتيهما صادقة كما هو واضح، و أيضا أعمّ من أن يكون العجز حاصلا قبل العقد أو طارئا بعده، بل و في الأوّل علمت المرأة بالحال أو جهلته، و قوله عليه السّلام: كان حقّا على الإمام شاهد على أنّ لهذا الحقّ صاحب يستحقّه على الإمام، و ليس في البين من يصلح لهذه الطرفيّة إلّا الزوجة، فهي مستحقّة، و الإمام عليه السّلام مستحقّ عليه، فيجوز لها مطالبته عليه السّلام بذلك، و هذا ذو وجهين:

الأوّل: أن يكون مورد حقّها ابتداء هو الإمام عليه السّلام، فيكون المطلّق هو الإمام عليه السّلام.

و الثاني: أن يكون مورده ابتداء هو الزوج، و الإمام عليه السّلام إنّما يباشر إذا امتنع الزوج، كما في سائر موارد امتناع من عليه الحقّ عن أداء ما عليه، فيكون المطلّق هو الزوج بإجبار الإمام عليه السّلام.

و في حسنة جميل بن درّاج، قال: «لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد» قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: و المرأة؟ قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه و إلّا طلّقها» «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 311

و ظاهر أنّ هذا أعني قوله: طلّقها. ليس مجرّد تكليف خال عن

الوضع؛ فإنّه لا يفيدها ما لم يكن لها حقّ تطالبه، و لو امتنع أجبره الحاكم عليه، كما يجبر الرجل على نفقة الأبوين و الولد، فكان الكلام في قوّة أنّ الأبوين و الولد حيث لا يمكن سلب عنوان الوالديّة و الولديّة عنهم فلا محالة ينحصر الأمر في الإجبار على النفقة.

و أمّا الزوجة فالطريق لها من جهة أخرى مفتوح، و هو سلب عنوان زوجيّتها، و المناسب لهذا هو الاستحقاق و المرافعة إلى الحاكم، كما في الوالدين و الولد.

لكن قد يعارض هاتين الروايتين موثّقة السكوني المذكورة في الوسائل في كتاب الحجر عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات اللّه و سلامه عليه و على ابن عمّه و حليلته و أولاده الطاهرين «إنّ امرأة استعدّت على زوجها أنّه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه، و قال عليه السّلام: إنّ مع العسر يسرا» «1».

فإنّ ظاهرها عدم استحقاق الطلاق منه، و إلّا اختاره لاستخلاص المرأة و لم يأمرها بانتظار الفرج و اليسر، لكن يمكن دفع المعارضة بأنّ القضيّة شخصيّة و لا إطلاق لحكمها حتّى يؤخذ به، فمن الممكن أنّ المرأة لم تكن حاضرة لمطالبة هذا الحقّ، و إنّما تطالب النفقة فقط، و معلوم أنّ إقدام الإمام عليه السّلام فرع مطالبتها.

و الحاصل: لا يمكن جعل هذا الخبر مقيّدا للخبرين الأوّلين بواسطة اختصاصه بالعسر الابتدائي، كما لعلّه ظاهر قوله عليه السّلام: و كان زوجها معسرا. فيقال بثبوت الإجبار مع العجز الطارئ و عدم الإنفاق مع اليسار، و أمّا مع العجز السابق

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الحجر، الباب 7، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 312

فلا، و ذلك لأنّك عرفت أعمّيّة الأوّلين من جميع ذلك و كون الأخير قضيّة شخصيّة لا

إطلاق لها، فمن الممكن أنّ عدم الإجبار لأجل عدم المطالبة.

و أمّا احتمال اختصاص حقّ النفقة بغير الحال المذكور بواسطة قوله عليه السّلام:

فأبى أن يحبسه، ففيه عدم دلالته على ذلك، فإنّ إبائه عن الحبس إنّما هو لأجل عدم الثمرة فيه، و ذلك لوضوح حاله و أنّه بلا مال، فلا يستكشف بالحبس أمر مجهول، فلا وجه لتقييد مطلقات استحقاق النفقة على الموسر و المعسر بواسطة هذا الخبر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 313

في وجوب الإجابة على الأولياء

و هل المراد به إيجاد المقتضي حتّى يختصّ بالأولياء الشرعيّة بالنسبة إلى الصغيرة و الكبيرة الباكرة بناء على القول بها في البالغة الباكرة، أو مجرّد عدم المنع و المدافعة حتّى يعمّ هؤلاء و الأولياء العرفيّة؟

فالمراد بخطابات: زوّجوه، أنّه لا يجوز لمطلق من له اختيار أمور المخطوبة بنظر العرف سواء كان وليّا شرعيّا أم لا أن يدافع الخاطب بعد اجتماعه القيود المعهودة، كما كان يتعارف ذلك في زمان الجاهليّة، حيث يناقشون الخاطب بأدونيّة نسبه و حسبه.

قد رجّح شيخنا الأستاذ دام علاوة الوجه الأخير، بملاحظة التعليل الوارد في بعض هذه الخطابات بقوله عليه السّلام «إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ» «1».

فإنّ ظاهره الإرشاد إلى حكمة هذا الحكم بما يفهمه المخاطبون، لا بشي ء تعبّدي، و من المعلوم عدم ترتّب هذا الفساد الكبير و الفتنة في الأرض على صرف

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 314

ترك إيجاد المقتضي، بمعنى أنّ من يكون وليّا شرعيّا و رضاه بمنزلة رضاه المرأة شرعا لو ضائق عن إجراء صيغة النكاح بواسطة عدم رؤيته النكاح صلاحا للمرأة بنظره، و لكن لم يقع بصدد الممانعة و المدافعة الخارجيّة مع الخاطب

إذا أراد أن يتزوّج هو مع المخطوبة الكبيرة، فلا يستفاد كونه عاصيا بواسطة هذه المضايقة؛ لأنّ هذه المضايقات لا يترتّب عليها بحسب الغالب مفسدة و فتنة.

و هذا بخلاف صيرورته بمقام المدافعة علاوة على المضايقة عن إجراء الصيغة؛ فإنّه غالبا يورث الفتنة و الفساد، كما هو المرويّ و المحكيّ في الخارج.

هذا مضافا إلى أنّ تخصيص الخطاب بناء على الأوّل بالوليّ الشرعي لا يخفى ما فيه؛ فإنّ الولاية الشرعيّة مخصوصة بالأب و الجدّ في الصغيرة، و غالب أفرادها ليس في ترك مزاوجتها فساد أصلا، و في الكبيرة الباكرة على احتمال، و قد عرفت حالها أيضا.

و أمّا بناء على الأخير فهو غير مخصوص بالأب و الجدّ، بل يعمّهما و غيرهما، و لا بالصغيرة و الباكرة، بل يعمّهما و غيرهما، فهو المناسب لعموم الخطاب و عدم ذكر القيد.

و الحاصل: بعد أنّ المخاطب بخطاب: فزوّجوا في هذه الأخبار هم الأولياء و البنات اللاتي سأل الراوي عن أمرهنّ؛ لأنّه لا يجد مثله، ليست هي الصغيرات، و الكبيرة أيضا ثيّبة و باكرة، و الثيّبة لا ولاية عليها اتّفاقا، و الباكرة محلّ خلاف من حيث استقلالها أو استقلال الأب أو التشريك، و على كلّ حال تخصيصها بالأب و الجدّ، و في الأبكار بناء على القول باستقلالهما دون البنت بعيد، فلا محالة يكون المراد هو التزويج مع حفظ شروطه التي منها رضا البالغة الثيّبة قطعا، و الباكرة على الاحتمالين، و الرضا أيضا ليس شيئا اختياريّا حتّى يمكن القول بأنّه يجب على الوليّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 315

إيجاده في المرأة، نعم الغالب أنّها راضية برضا أبيها من باب أنّها تعتقد ما أعتقده أبوها صلاحا.

و أمّا إذا فرضنا أنّ الزوج رجل في سنّ الشيخوخة أقرع

قبيح المنظر، و لكنّه حسن الدين و الخلق و له يسار بمقدار النفقة فهل يمكن ترضية الباكرة أو الثيّبة القليلة السنّ بتزويج هذا الزوج و إن رضي به الأب أشدّ الرضا؟

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 315

و حينئذ فالذي يكون نصيبا للمخاطبين بهذه الخطابات هو الممانعة، و إذا صار المراد بالنسبة إلى بعض الأفراد هذا فيصير كذلك بالنسبة إلى البعض الآخر أيضا بوحدة السياق و هو الأب و الجدّ في الصغيرة البالغة حدّ ثمان سنين أو تسع بنقيصة أيّام قلائل مثلا.

فنقول: يحرم على هذا الأب أيضا الممانعة، و أمّا عدم الإقدام بواسطة عدم الصلاح فلا يحرم عليه، و الحضور للعقد لا يجب عليه، بل هو تحت القاعدة من لزوم رعايته عدم المفسدة للصغيرة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 316

في ما لو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان كذبه

و لو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان خلافها، فالكلام تارة على حسب القواعد مع قطع النظر عن نصّ المسألة، و اخرى بحسب ما يستفاد من نصّها.

أمّا الأوّل: فاعلم أنّه تارة يكون ذكر القبيلة مرغّبا إلى التزويج بحيث لو علم كذبه لما أقدمت المرأة على التزويج.

و اخرى لا يكون كذلك، بل وجود هذا الانتساب و عدمه سيّان في حصول الرغبة.

و على الأوّل أيضا تارة يكون بوجه الداعي، و اخرى بوجه التقييد، هذا كلّه في التوصيف. و قد يكون بنحو الاشتراط، هذا كلّه مع مباشرة نفس المرأة للتزويج.

و أمّا مع مباشرة الوليّ أو الوكيل، فتجري هذه الأقسام في الوليّ.

و أمّا الوكيل فتارة تحرز نفس المرأة حال الزوج و أنّه من قبيلة كذا، فيصير هذا داعيا لها إلى توكيل رجل في تزويجها، فتوكّله فيه،

و اخرى يقول الوكيل لها: إنّ رجلا منتسبا إلى قبيلة كذا خطب إليك، فتقول المرأة: أنت وكيل في تزويجي من هذا المنتسب، و قد تشترط الوكالة بالانتساب المزبور.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 317

و مجمل القول في هذه الصور، أمّا في الوليّ فهو أنّه في تقدير كون التزويج فيه المفسدة للصغيرة لا نفوذ للعقد لفقدان شرطه، من غير فرق بين جميع الصور المزبورة، بل يقع العقد فضوليّا.

و أمّا الوكيل ففي صورة الداعي للمرأة الموكّلة لا إشكال في الصحّة و اللزوم، و أمّا مع التقييد أو الاشتراط فالظاهر أنّه غير مورد للوكالة، فيقع فضوليّا و هو غير عقد النكاح الصادر من نفس المرأة بالتوصيف أو الاشتراط، حيث نقول: الموضوع العرفي محفوظ، فيكون النكاح بالنسبة إلى هذا الموضوع العرفي الشخصي الفاقد للشرط أو الوصف محقّقا، فلا يمكن أن يقال نظيره في الوكالة، بأن يقال: إنّ الوكالة بالنسبة إلى النكاح من هذا الشخص و لو لم يكن واجدا لوصف محقّقه لمحفوظيّة الموضوع العرفي.

ألا ترى أنّه لو زوّجت نفسها بمهر معيّن- مثل دار معيّنة- فظهر نصفها مستحقّا للغير يحكم بصحّة نكاحها؟ و أمّا لو و كلّ أحدا في تزويجها بتلك الدار، فزوّجها الوكيل بنصف تلك الدار لا يقع التزويج إلّا فضوليّا، و هكذا الكلام في البيع.

مثلا لو اشترى نفس المالك هذا الفرس العربي فبان عجميّا يحكم بالصحّة، و أمّا لو وكّل أحدا في شراء هذا الفرس العربي فشراه الوكيل بدون الوصف لا يكون موردا للوكالة.

و وجهه أنّ البيع و النكاح الصادرين من نفس الموكّل واردان على الشخص المعيّن الخارجي، و هو لا تعدّد فيه.

و أمّا متعلّق الوكالة فهو العقد الواقع على الشخص المعيّن الخارجي، و العقد أمر كلّي و يصير

متعدّدا، بمعنى أنّ العقد على هذا الشخص الخارجي يتعدّد. فالعقد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 318

على هذا الشخص المتّصف بالعربيّة غير العقد على هذا الشخص المتّصف بالعجميّة و إن كان الشخص متّحدا.

و حاصل الكلام أنّ القيد تارة يرجع إلى العقد الموكّل فيه، فيقول: أنت وكيل في العقد المقيّد، فحينئذ حال الوكيل حال الموكّل، فكما كان عقد الثاني منحلا إلى الذات و القيد و يصحّ مع التخلّف مع ثبوت الخيار، فكذا عقد الأوّل.

و اخرى يرجع إلى نفس الوكالة، فيقول: أنت وكيل في العقد على العين الكذائيّة، و هذا لا ينحلّ إلى وكالة في العقد على الذات و في العقد على القيد، كيف و لازمه أنّه لو عقد الوكيل على الذات الفاقدة عالما بالحال بلا ذكر للقيد كان صحيحا لازما، أمّا الصحّة فلفرض الانحلال، و أمّا اللزوم فلفرض عدم ذكر القيد حتّى يوجب تخلّفه الخيار، و لا يلتزم بذلك أحد.

فإن قلت: ما نحن فيه غير ما ذكرت من المثالين، و الذي يشابه ما نحن فيه أن يوكّله في شراء هذا الفرس العربي فشرى الوكيل أيضا هذا الفرس العربي فبان أنّه عجميّ، فإنّا لا نسلّم كونه غير مورد الوكالة، بل هو مع مثال شراء نفسه متّحد الكلام.

ففي ما نحن فيه أيضا وكّلته الزوجة في تزويج هذا الشخص الهاشمي مثلا، فزوّجها الوكيل أيضا من هذا الرجل الهاشمي فبان كذب الزوج و أنّه غير هاشمي.

قلت: نظر الموكّل إلى واقع وجود القيد أو الشرط، لا إلى صورتهما في مقام الجعل و الإنشاء، فإذا فرضنا تحقّق القيد أو الشرط في الإنشاء مع فقدهما واقعا فالعقد المذكور غير مورد وكالته و خارج عن العقد الذي وكّل فيه. نعم لو كان القيد مأخوذا في

العقد الموكّل فيه كان الحال كما ذكرت، هذا حال الوكيل في الصور الثلاثة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 319

و أمّا صور مباشرة نفس المرأة عقد تزويج نفسها فلا إشكال مع الداعي أو عدم المرغّبيّة، و أمّا مع التقييد أو الاشتراط فالنكاح واقع؛ لمحفوظيّة الموضوع العرفي؛ لكونه الشخص المعيّن الخارجي و هو لا يتعدّد بتعدّد وصفه.

و أمّا ثبوت الخيار فهو أيضا مقتضى القاعدة، فإن ثبت أنّ النكاح لا يقبل أمثال هذه الخيارات فهو، و إلّا فالقاعدة تقتضي ثبوته.

هذا تمام الكلام في مقتضى القاعدة في تمام الصور المزبورة.

أمّا الكلام في نصّ المسألة و هو: ما رواه في الوسائل عن محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي في حديث قال: «و قال في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك؟

فقال عليه السّلام: تفسخ النكاح أو قال عليه السّلام: «تردّ» «1».

و أنت خبير بصحّة سند هذا الخبر، و لا يضرّ إضماره؛ فإنّ الإضمار في الأخبار إنّما نشأ من المبوّبين حيث قطعوا الرواية الواحدة المشتملة على الأحكام العديدة و فرّقوها على الأبواب، و كان في صدرها اسم الإمام المسؤول عنه و في البقيّة ذكر الضمير العائد إليه، فعند التقطيع و التفريق صارت البقيّة بصورة المضمرات الغير المعلوم مرجعها، و لكن عند التأمّل لا ينبغي الإشكال فيه.

كما أنّ احتمال كون الضمير راجعا إلى الحلبي، أعني: أنّ حمّادا قال: و قال الحلبي: الظاهر أنّه لا ينبغي، فالإنصاف أنّ الرواية واصلة حدّ الاعتبار.

و حينئذ نقول: الغالب أنّ المتصدّي للتزويج أمّا الوليّ أو الوكيل، بحيث لم يسمع أحد أن تتصدّى امرأة واحدة تزويج نفسها، و كذلك الظاهر من قول

______________________________

(1) الوسائل:

كتاب النكاح، الباب 16 من أبواب العيوب، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 320

الراوي: «فيقول لها: أنا من بني فلان فلا يكون كذلك» أنّ في هذا غضاضة و منقصة للزوجة، و إلّا لما كان وجه للسؤال.

و على هذا فالرواية ظاهرة في عقدي الوليّ و الوكيل مع الفساد للمولّى عليها و فرض كون الوكالة بنحو التقييد؛ لأنّ هذا لازم ما ذكرنا من عدم مباشرة المرأة أمر تزويج نفسها، بل هذا إنّما هو موكول إلى الوكلاء، فإذا قال الوكيل: هذا رجل منتسب إلى قبيلة بني فلان فهي توكّله في نكاح هذا المقيّد، و هذا هو الذي قلنا بأنّه يقع فضوليّا مع تبيّن عدم القيد، كما في الوليّ مع الفساد كما هو المفروض، و إذن فيمكن حمل قوله: «تفسخ النكاح» على ما روي في نسخة اخرى من قوله: «تردّ النكاح» لا على معناه المتعارف في الخيار، فتكون الرواية مطابقة للقاعدة.

و يمكن أن يقال بشمول الرواية لمورد عدم المفسدة في عقد الوليّ و الوصيّ مع كون الوصف داعيا، و يكون المراد بالفسخ حينئذ هو الأعمّ الشامل للردّ في الفضولي و للفسخ في العقد الخياري، و لا تكون الرواية مع هذا مخالفة للقاعدة.

و كذلك هي شاملة لصورة كون القيد داعيا في وكالة الوكيل، و مع ذلك يحكم بفساد العقد؛ لخروجه عن مورد الوكالة، و الحكم بذلك مطابق للقاعدة أيضا.

و الحاصل أنّ الرواية شاملة لعقود الوليّ و الوصيّ و الوكيل في حال مرغّبيّة الوصف بجميع أنحائها من التقييد و الداعي و وجود الفساد و العدم، غاية الأمر أنّ العقد في بعضها باطل فضولي، و في بعضها صحيح خياري، أمّا مع الفساد في الوليّ و الوصيّ أو التقييد فيهما أو في عقد

الوكالة فظاهر، و أمّا مع عدم الفساد و الداعي فيهما و الداعي في عقد الوكالة فالتطبيق على القاعدة محتاج إلى تمهيد مقدّمة.

و هي أن يقال بأنّ الدواعي على قسمين

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 321

الأوّل: الصفات الحقيقيّة الموجودة فعلا في العين، مثل كتابة العبد و نحوها.

و الثاني: الصفات الاعتباريّة التي محتاجة إلى انتزاع معتبر، مثل كون زيد يضرب عمرا فيما بعد، فإنّه أيضا وصف فعلي، و لكنّه يحتاج إلى اعتبار معتبر، و إلّا فليس شيئا محقّقا مع قطع النظر عن الاعتبار.

و القسم الأوّل أيضا على قسمين:

تارة يجرّد في الذهن الموصوف عن صفته و ينظر إليه عاريا عن الصفة كما في مقام الحمل، فنقول: هذا كاتب، و إلّا لم يصحّ الحمل، و كما في مقام عدم الالتزام بتبعات الوصف، كما يقول البائع: أبيعك هذه الذات المجرّدة عن وصف الصحّة، و لا التزم بما زاد على الذات.

و اخرى: ليس في البين داع من هذه الدواعي إلى التجريد.

فحينئذ نقول: لا إشكال في القسمين الأوّلين، حيث إنّ تخلّفهما لا يوجب شيئا، و أمّا القسم الأخير فالمفروض اتّصاف العين بحسب اعتقاد المتعاملين أو بنائهما في المعاملة، و كذلك المفروض كونه مقصودا و متعلّقا للغرض، و حينئذ فما وجه التجريد للعين المتّصفة عن حالها التي هي عليها، بل التجريد محتاج إلى إعمال مؤنة.

ألا ترى أنّك إذا كنت تكرم الشخص لأجل علمه، فعلمه داع لك إلى الإكرام، و لكنّك لا تنظر حين الإكرام إلى الشخص المعرّى عن العلم، بل تراه بما هو عليه من صفته، و بالجملة، لا منافاة بين الداعويّة و القيديّة.

و على هذا ففي موارد الغشّ و التدليس يمكن القول بأنّ الخيار مطابق للقاعدة، و لا يحتاج إلى النصّ الخاصّ،

فإنّ البائع يرى و يظهر أنّ العين واجدة لوصف كذا مرغوب فيه، فيقع البناء المعاملي من الطرفين على الشي ء الموصوف.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 322

و لا يريد النقض بمثل المنافع المقصودة من الأدوية و أمثالها في شرائها إذا فرض عدم ترتّب تلك الخواصّ عليها خارجا؛ فإنّها من قبيل القسم الأوّل الذي عرفت أنّها أوصاف انتزاعيّة، و ليس للتجريد عنها مؤنة، بل توصيفها يحتاج إلى إعمال مؤنة، مثل لحاظ الشي ء بوصف كونه ممّا يترتّب عليه في المستقبل الخاصيّة الكذائيّة، فهذا القسم صرف الداعي القلبي من دون ارتباط له بعالم الإنشاء.

إذا عرفت ذلك نقول في مقامنا: إنّ الحكم بالخيار في الوليّ و الوصيّ مع عدم المفسدة و وجود الداعي مطابق للقاعدة، و كذا الفساد في عقد الوكيل إذا كان الملحوظ هي الداعويّة، و في الحقيقة لا امتياز في البين؛ فإنّ كلّ داع يرجع إلى القيد، و قد عرفت أنّ قوله: «تفسخ» بناء على إحدى النسختين يحمل على المعنى الأعمّ، و أمّا لفظ «تردّ» بناء على الأخرى فأعمّيّته واضحة.

و حينئذ فإن قام إجماع على عدم الخيار بتخلّف الأوصاف المبنيّ عليها العقد، كما قام على عدمه في اشتراط الخيار، فلا بدّ من تخصيص الرواية بالإجماع المزبور، و إلّا فلا مانع من العمل به، و الظاهر عدم الإجماع، فإنّ الظاهر أنّ شرط البكارة إذا تخلّف و بان كونها ثيّبا لم يرد فيه نصّ بالخيار، و إنّما قال العلماء به من جهة القاعدة و اقتضاء تخلّف الوصف المشترط.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 323

المسألة الثانية لو تزوّج امرأة فبان أنّها قد زنت

، فهل يحكم بفساد النكاح من أصله أو صحّته، و على الثاني هل يحكم بالفسخ للزوج أو لا؟ الظاهر عدم الشبهة في صحّته لدلالة الأخبار المعتبرة الصريحة في

صحّة نكاح الفاجرة ابتداء و استدامة.

و ما دلّ بظاهره على الفساد، و هو ما يكون مستندا للصدوق في قوله بالخيار، أعني: قول أمير المؤمنين عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها، قال عليه السّلام:

«يفرّق بينهما، و لا صداق لها، لأنّ الحدث كان من قبلها» «1» غير معمول به، فعلى فرض التعارض يكون المرجّح مع تلك الأخبار، أو يكون من باب معارضة الحجّة مع اللاحجّة.

و أمّا حمل هذا الخبر على الخيار- كما حمله الصدوق على ما نسب إليه- فالظاهر أنّه ليس معناها، فإنّ قوله عليه السّلام: «يفرّق بينهما» معناه التفريق بغير اختيارهما، و أين هو من الفرقة بالفسخ الذي هو تابع لاختيار الزوج و رضاه به و إنشائه له، و إذن فيحتمل أن يكون محمولا على التأديب الذي هو شأن الإمام أو

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 324

نائبه من حيث الولاية العامّة، هذا.

و أمّا إثبات الخيار في المسألة بالطريق المتقدّم في سابقتها بملاحظة أنّ عفّة المرأة أمر مرغوب فيها، و زناها عيب، بل من أعظم العيوب، فكما أنّ الصحّة و السلامة عن العيوب الخلقيّة منظورة قيدا في عالم الإنشاء، فكذا السلامة عن هذا الذي هو راجع إلى العيب الغرضي.

ففيه: أنّ هذا إنّما يتمّ على حسب القاعدة، و لكن عارضها في خصوص باب النكاح بالنسبة إلى عيوب الزوجين أخبار وردت بحصر خيار الفسخ و الردّ في عيوب مخصوصة و أنّه لا فسخ ورد في ما سواها من العيوب، بل بعضها مصرّح بعدمه في المحدود و المحدودة الذي بعض أفرادها بعض أفراد ما نحن فيه.

و دعوى أنّ ما نحن فيه خارج عن باب العيوب، بل

هو من الأوصاف الأخر التي محطّ النظر فقدانها، و أحصر المذكور مختصّ بباب العيوب، فيها ما لا يخفى؛ فإنّه ليس الاشمئزاز عن مزاوجة الزانية إلّا لكون ذلك عيبا فيها، غاية الأمر ليس عيبا في الخلقة، بل في الغرض.

و الظاهر عموم الحصر بالنسبة إلى جميع العيوب، مضافا إلى ما عرفت من التصريح بعدم الردّ في بعضها بالنسبة إلى بعض أفراد المسألة، و هو الزانية المحدودة الذي يعلم منه في غيره بالأولويّة القطعيّة، و إذن فالحقّ في المسألة أنّ النكاح صحيح لازم.

بقي الكلام في أنّه هل للزوج أن يرجع بتمام المهر أو بما زاد على مهر المثل على الذي دلّسه، سواء كان أجنبيّا أم نفس المرأة، أو ليس له ذلك؟

قد يتمسّك في إثبات حقّ الرجوع له بذيل ما ورد في العيوب الموجبة للفسخ من أنّ الزوج بعد ما فسخ يعطي المهر للزوجة بما استحلّ من فرجها، ثمّ يأخذه من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 325

الشخص الذي دلّسه و زوّجه هذه المرأة بملاحظة التعليل بالتدليس، فيحكم بعمومه بأنّ للزوج في مسألتنا أيضا مع عدم الفسخ و بقاء الزوجيّة الرجوع إلى المدلّس بتمام المهر.

و لكنّ الإنصاف أنّ استفادته من عموم التعليل المذكور في غاية الإشكال، و ذلك لأنّ المفروض في مورده فسخ النكاح و خلوّ يد الزوج عن البعض، ففي هذا الموضوع حكم بالرجوع إلى المدلّس؛ لكونه مدلّسا، و أين هذا من مسألتنا التي يكون المفروض فيها بقاء الزوجيّة بحالها، و استفادته بالنسبة إلى خصوص الزيادة عن مهر المثل لو كانت محتاجة إلى تنقيح المناط، و هو غير ممكن على سبيل القطع.

نعم ورد في خصوص مسألتنا خبران:

أحدهما: صحيح معاوية بن وهب سأل الصادق عليه السّلام عن ذلك فقال عليه

السّلام:

«إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها، و إن شاء تركها» «1».

و ثانيهما: حسن الحلبي سأله عن المرأة تلد من الزنا و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أ يصلح له أن يزوّجها و يسكت عن ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال عليه السّلام: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه كان له ذلك على وليّها، و كان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها، و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 326

بأس» «1».

و هما صريحان في الرجوع، لكنّ الكلام في أنّه هل يستفاد منهما جواز ذلك مطلقا من غير فرق بين اختيار الزوج البقاء على هذه الزوجة، و بين طلاقها، أو أنّه خاصّ بصورة الطلاق، الظاهر الثاني، بملاحظة أنّ قوله في ذيل الأوّل:

«و إن شاء تركها» الظاهر كونه عدلا لقوله: «إن شاء أخذ الصداق» ظاهر في إبقاء الزوجة بحالها و عدم طلاقها، و بواسطة المقابلة يصير الأخذ مختصّا بصورة عدم البقاء عليها.

فالمعنى أنّه إن شاء صرف النظر عنها، فيرجع بالمهر على المدلّس، و إن شاء يمسكها، و معنى هذا أنّه مع الإمساك لا حقّ له بالرجوع.

و كذلك الظاهر من قوله في ذيل الثاني: «و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» فإنّ الكلام فيه أيضا ما تقدّم في ذيل الأوّل حرفا بحرف، و حيث لا صراحة و لا ظهور لها في أنّ مقابل الإمساك هو الفسخ أو الطلاق، فلا يمكن رفع اليد

عن ظهور الحصر المتقدّم في عدم الفسخ، بل لا بدّ من الجمع بينهما و القول بأنّ المراد خصوص الطلاق، فيصير المتحصّل منهما بعد هذا الظهور أنّ الزوج له الرجوع إلى المدلّس في فرض الطلاق دون الإمساك.

ثمّ لو فرض كون التدليس لنفس المرأة دون وليّها فهل يستفاد من الروايتين عموم بالنسبة إليها أيضا أو لا، و على تقدير الاستفادة فهل يزاحم هذا مع ما فيهما من الحكم باستحقاقها المهر بما استحلّ من فرجها أو أنّهما غير متزاحمين؟

أمّا الثاني فالظاهر إمكان الجمع، فإنّ هنا سببين اجتمعا في المرأة، أحدهما

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 327

الاستحلال فهو سبب لاستحقاقها المهر، و الآخر هو المجموع المركّب من استحقاقها المهر و طلاق الزوج، و هو سبب لرجوع الزوج إليها بالمهر الذي استحقّته، فهي بأحدهما تملك و بالآخر تضمن، فلا منافاة.

و أمّا الأوّل فمبنيّ على استفادة العموم من قوله في الخبر الثاني: «تأخذ الصداق من وليّها بما دلّس عليه» من جهة التعليل.

و لكن قد يستشكل بأنّ اقترانه بقوله عليه السّلام: «و كان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها» «1» يمنع عن انعقاد العموم، و لا أقلّ من الشكّ و كونه ممّا يصلح للقرينيّة؛ فإنّ من المحتمل حينئذ أن يكون المراد أنّ المرأة لا يرجع إليها بحال بواسطة ثبوت وصف الاستحلال فيها، فلا ربط لها بالأجنبيّ المدلّس، فتدليسها غير تدليسه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذا الاقتران موجود في أخبار العيوب الموجبة للفسخ، و مع ذلك قد صرّحت بعض تلك الأخبار بثبوت الرجوع على الزوجة عند تدليسها، فنعلم بواسطة ذلك أنّ الحال في مقامنا أيضا كذلك لوحدة

السياق فيهما.

______________________________

(1) تقدّم آنفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 329

المسألة الثالثة

قالوا: إنّ خطبة ذات البعض محرّمة تصريحا و تلويحا، و كذلك ذات العدّة الرجعيّة لغير زوجها، و في المطلّقة ثلاثا في زمان عدّتها يحرم التصريح و التلويح من غير الزوج و خصوص الأوّل منه و إن استشكل فيه بأنّه لا وجه لجواز تلويح الزوج قبل المحلّل و في المطلّقة تسعا التي تحرم أبدا على المطلّق لا يجوز في زمان العدّة و لا غير التلويح و لا التصريح من الزوج، و يحرم على غيره خصوص التصريح في زمان العدّة و المعتدّة البائنة من خلع أو فسخ يجوز التعريض من الزوج و غيره، و لا يجوز التصريح إلّا من الزوج، هذا ما ذكروه.

و العمدة النظر أوّلا في ما يستفاد من الآية الشريفة أعني قوله تعالى في سورة البقرة وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسٰاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ «1».

ثمّ النظر ثانيا في ما يستفاد من أخبار المسألة.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 235.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 330

أمّا الأوّل، فنقول: الظاهر من قوله تعالى في ذيل الآية حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ. أنّ موضوع هذه الأحكام ذات العدّة، و الظاهر أيضا من قوله تعالى:

لٰا جُنٰاحَ. أنّه في مقام تحديد مقدار الترخيص من التعرّض لمعتدّة الغير، و الظاهر من أمثاله أنّ المتكلّم يضايق من التعدّي.

ألا ترى أنّه لو قيل لك: لا بأس بأن تنام على صفّة باب دار زيد، أنّه مضايق من الزيادة عن هذا المقدار من التصرّف كالدخول في الدار، و حينئذ فالقيد الموجود

في المقام يكون مفهومه حجّة.

ثمّ نقول: الظاهر من لغة التعريض أنّه مقابل التصريح، و التصريح عبارة عن القول الصريح الواضح المبان، فمقابله ما لا يكون كذلك كالكناية، فيستفاد ممّا قبل قوله تعالى وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ. الآية، أنّ خطبة ذات العدّة على وجه التلويح و عدم التصريح لا بأس به، و مفهومه أنّ تصريح الخطبة فيه بأس.

و أمّا قوله وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً «1» فيستفاد منه المنع من قسم واحد من التعريض أيضا و هو المواعدة بالخلوة لقول غير معروف بأن يدعو المرأة في مكان خلوة ثمّ يذاكر معها بالكناية بألفاظ ركيكة لا يصلح التفوّه بها من غير الأجلاف، كأن يقول: إنّي رجل قويّ قادر على المجامعة الكثيرة، و مثل هذا.

و أمّا لو وعدها في المكان الخالي و يقول قولا معروفا فلا بأس، كأن يقول:

إنّي رجل حسن الفعال بالنسبة إلى زوجاتي، و على هذا فيستفاد من الآية حرمة التصريح و حرمة التعريض بهذا القسم و جواز التعريض بغيره، هذا في ذات العدّة.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 235.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 331

و أمّا ذات البعل فإن أمكن إدراجها في المدلول اللفظي كما في قولك: إن نظرت إلى ظلّ فلان بسوء أفعل بك كذا و كذا، فإنّه من المعلوم أنّ الشارع راعى حفظ حرمة الزوج في العدّة حيث منع من التعرّض لمعتدّته بالتصريح و التعريض القبيح، فيعلم منه الحال في زوجته الفعليّة الكائنة فعلا في حبالته بطريق أولى، و إلّا فاستفادته من تنقيح المناط محلّ إشكال، و كونه في ذات البعل هتكا للحرمة و إيذاء للزوج أيضا محلّ إشكال.

و هذا كلّه بحسب الاستفادة من الآية، و إلّا فالحكم مسلّم ظاهرا في

ذات البعل و المعتدّة الرجعيّة، هذا ما يستفاد من الآية الشريفة.

و أمّا أخبار المسألة فليس فيها خلاف ما استفدنا من الآية الشريفة، بل يستفاد منها أيضا ما ذكرنا.

ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في هذه الآية «قال عليه السّلام: المرأة في عدّتها تقول لها قولا جميلا ترغّبها في نفسك، و لا تقول: إنّي أصنع كذا و أصنع كذا القبيح من الأمر في البضع و كلّ أمر قبيح» «1».

و في رواية عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا «قال عليه السّلام: يقول الرجل: أواعدك بيت آل فلان يعرض لها بالرفث، و يقول اللّه عزّ و جلّ إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً و القول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها و حلّها، وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 37 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 37 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 332

و روي في الحدائق عن عبد الرحمن بن سليمان عن خالته، قالت: دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام و أنا في عدّتي، فقال عليه السّلام: قد علمت قرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حقّ جدّي عليّ عليه السّلام و قدمي في الإسلام، فقلت له عليه السّلام: غفر اللّه لك أ تخطبني و أنا في عدّتي، و أنت ممّن يؤخذ عنك؟ فقال عليه السّلام: أو قد فعلت، إنّما أخبرتك بقرابتي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و موضعي، و قد دخل صلّى

اللّه عليه و آله على أمّ سلمة، و كانت عند ابن عمّها أبي سلمة، فتوفّي عنها، فلم يزل يذكر لها منزلته من اللّه و هو متحامل على يده حتّى أثر الحصير في يده من شدّة تحامله عليها، فما كانت تلك خطبة» «1».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: كتاب النكاح، الباب 36 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 333

المسألة الرابعة إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثا فإن شرطت على المحلّل أن لا يكون بينهما نكاح
اشارة

بعد حصول التحليل فهذا يتصوّر على وجهين:

الأوّل: أن يشترط قصور الزوجيّة من حيث الامتداد إلى هذه الغاية لا أزيد، و هذا يوجب فساد النكاح؛ لأنّه تناقض في القصد؛ لأنّ المفروض أنّها بصدد المزاوجة المطلقة اللامقيّدة بالأجل؛ فإنّها المحلّل ليس إلّا، و مع فرض هذا القصد لا يجامع قصد التقييد بالغاية الخاصّة.

و هو نظير البيع بشرط أن يمتدّ الملكيّة إلى الغد؛ فإنّ معنى البيع الملكيّة المطلقة، أعني: حقيقة الملك بلا تقييد بشي ء من الزمان في العين، و هذا ينافي مع تقييده بجزء من الزمان، فلا يمكن أن يقال بصحّة قصد البيع و يلغو الشرط؛ لأنّ فساد الشرط يسري إلى فساد المشروط.

و الثاني: أن يشترط انفساخ النكاح بنفسه بواسطة التحليل، نظير شرط أحد فروض البيع المشترط فيه الخيار بردّ الثمن؛ فإنّ بعض فرضه أن يشترط انفساخ البيع بسبب الردّ الخارجي، و هذا خال عن التناقض بالنحو الأوّل؛ لأنّ القصد إلى حقيقة الزوجيّة بلا تقييد بأمد يتحقّق مع الشرط، كما في البيع المذكور؛ إلّا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 334

أنّ في المقام خصوصيّة يمتاز بها عن ذلك المقام يمكن أن يقال من جهتها ببطلان النكاح، بملاحظة المنافاة لمقتضى العقد التي هي من مفسدات الشرط و موجب لبطلان العقد.

توضيح ذلك أنّ مقتضى العقد تارة عبارة عن صرف حكم شرعي

مترتّب عليه، و هذا لا إشكال في أنّ اشتراط عدمه إذا كان من آثاره لو خلّي و طبعه غير مفسد لا للشرط و لا للعقد، و على فرض كونه من آثاره المطلقة مفسد للشرط، و في إفساده للعقد الكلام المعروف في كلّي الشرط الفاسد.

و اخرى: يكون أثرا لطبع العقد، بمعنى أنّ طبع العقد يقتضي إيجاد هذا الأثر، نظير الملكيّة في عقد البيع، حيث إنّه بطبعه يكون موجدا لها، فاشتراط نفي مثل هذا مفسد للشرط و العقد بلا إشكال؛ لأنّ مرجعه أيضا إلى التناقض في القصد، لعدم معقوليّة التفكيك بين التمليك و التملّك، فلا يمكن القصد إلى تحقّق الأوّل دون الثاني.

و ثالثة: لا يكون أثرا شرعيّا و لا طبعيّا، و لكنّه من اللوازم العرفيّة الغير المنفكّة بنظر العرف عن العقد، و هذا أيضا لا إشكال في أنّ اشتراط عدمه موجب للفساد في الشرط و العقد؛ لعدم انقداح القصد إلى الأمرين معا بالنظر العرفي.

و حينئذ نقول: إنّ ما نحن فيه من قبيل هذا القسم الأخير؛ فإنّ من الآثار العرفيّة التي لا يرون انفكاكها عن المزاوجة أن تصير هي سببا لحلّيّة الوطي، و ما هذا شأنه لا يدخل في ذهنهم أن يصير الوطي سببا لارتفاعه، فيكون الوطي مفنيا لسبب نفسه، و لا يكون الشي ء بنظرهم علّة لعدم علّته، فلا يجامع هذا القصد أعني: ارتفاع النكاح بعلّيّة الوطي مع قصد المزاوجة بالنظر العرفي.

نعم لو فرض أنّ أحدا قصد الارتفاع مقارنا لزمان التحليل بحيث كان معرّفا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 335

صرفا، لا أن كان هو سببا لا يجي ء فيه هذا الكلام، لكنّه خارج عن محلّ الفرض من كون الوطي بنفسه محطّ النظر و محلّ الفرض، لا أنّه صرف معرّف

و الغرض تعلّق بشي ء آخر.

قال شيخنا الأستاذ دام علاه: لعلّ نظر العلماء حيث أطلقوا هنا الحكم بفساد النكاح بالشرط المذكور إلى أحد هذين الوجهين فيكون للمقام خصوصيّة على سائر الشروط الفاسدة، حتّى أنّ من قال فيها بعدم الإفساد لا بدّ أن يقول هنا بالإفساد.

فقول المسالك على ما حكي عنه- أنّ قول القيل في مسألتنا بصحّة النكاح دون الشرط و إن نسب إلى شيخ الطائفة قدّس سرّه و لكنّه أنسب بابن إدريس و من يحذو حذوه من القائلين بعدم إفساد الشرط الفاسد- في غير محلّه ظاهرا، لما عرفت من عدم الابتناء على المسألة المزبورة.

فإن قلت: لو شرطت الانفساخ بعد مضيّ شهر من حين وقوع الوطي فلا يجي ء فيه ما ذكر من المنافاة العرفيّة.

قلت: بل يجي ء؛ لأنّه يصير حينئذ الوطي جزءا للسبب، و كما أنّ كونه تمام السبب مناف، كذلك جزئيّته.

و إن شرطت المرأة على المحلّل أن يطلّقها بعد التحليل فهذا الشرط حسب القواعد صحيح لازم؛ لأنّه كشرط البيع في عقد البيع، و لكنّ الظاهر أنّه انعقد هنا الإجماع على فساد هذا الشرط، و بعد هذا الإجماع تصير المسألة من أفراد تلك المسألة المعروفة المشار إليها في الفرض المتقدّم من عدم إفساد الشرط الفاسد أو إفساده.

نعم نفس المشروط هنا غير فاسد؛ لعدم كونه مخالفا للمشروع، و إنّما الفاسد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 336

اشتراطه، فلا يكون المشروط لازما، لكنّ مجرّد هذا الفرق غير مجد في اختصاص النزاع بعد اشتراك أدلّة الطرفين بينهما؛ فإنّ القائل بالإفساد يتمسّك بأنّ الرضا لم يحصل إلّا بالمقيّد، و الخالي عن القيد غيره، فلا يكون مرضيّا به، فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع، فيكون فاسدا، و هذا جار هنا.

و القائل

بالصحّة يتمسّك بأنّه يكفي في مقصوديّة الناقص تعلّق القصد بذاته في ضمن التامّ و إن فرض انفكاكه عن التتمّة خارجا، كما يلاحظ في المشي الخارجي إذا قصد مسافة فعاقه مانع في البين عن الوصول إلى الغاية، فإنّ هذا الذي تمشّى منه صدر منه بالقصد و جزئه العدمي الذي به صار ناقصا قبالا للتامّ لا يحتاج إلى قصد جديد، بل يكفيه عدم لحقوق التتمّة خارجا، فيقال: إنّ المشي بمقدار نصف الفرسخ مثلا صدر منه عن قصد و إن لم يتعلّق بعنوان النصف، بل بالفرسخ التامّ، و السرّ ما ذكرنا من أنّ عنوان النصف ينتزع من الأمر العدمي القانع بصرف العدم، فيفترق مسألة الناقص و الزائد عن المتباينين، مثل ما لو قصد إكرام الزيد فبان أنّه عمرو حيث لم يقع إكرام العمرو عن قصده، بل حاله في الحقيقة بالنسبة إلى هذا العنوان كحركة المرتعش.

و أمّا البشرط لا و البشرط شي ء فمرجعهما و إن كان عقلا إلى المتباينين أيضا، و لكنّ الفصل المميّز للبشرط لا إنّما هو العدم، و هو لا يحتاج إلى قصد مستقلّ، بل يكفي في مقصوديّة المحدود بهذا الحدّ العدمي وقوع أجزائه الوجوديّة تحت القصد و عدم تحقّق قصد الزيادة، فيقع المحدود حينئذ عن قصده و اختياره كما مرّ من مثال المشي، و الحاصل أنّ هذا الدليل أيضا جار في كلا القسمين.

و تظهر الثمرة بين القولين في مسألتنا في أمرين:

الأوّل: في المهر، فإنّه على القول ببطلانهما لا إشكال في استحقاق المرأة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 337

بالدخول مهر المثل إذا كانت جاهلة بالتحريم، و إلّا فهي بغيّ فلا مهر لها.

و أمّا على القول بصحّة النكاح فهل يستحقّ مهر المسمّى بتمامه أو مهر المثل؟

قد يقال بالثاني؛

نظرا إلى أنّ الشرط المذكور ضميمة للمهر، و المرأة إنّما رضيت بإعطاء بعضعها بإزاء هذا المجموع، فإذا بطل بعضه و هو الشرط وقع في محلّه مقدار من المهر قد نقص ذلك المقدار لأجل الشرط، و حيث إنّه مجهول فيسري الجهالة إلى الكلّ، فيبطل المسمّى بذلك، فيرجع إلى مهر المثل.

و استشكل عليه شيخنا الأستاذ دام علاه أوّلا بأنّ هذا المقدار المتيقّن الذي هو ضميمة الشرط و قد يكون زائدا على مهر المثل لا وجه لسقوطه؛ لأنّه قدر متيقّن على كلّ حال.

و ثانيا بأن الإشكال مبنيّ على القول بأنّ للشرط أيضا قسطا من العوض في مرحلة الإنشاء و هو فاسد، فإنّ المعاوضة الإنشائيّة وقعت بين أمرين آخرين، و الشرط خارج عن كلا طرفي المعاوضة، فيسقط الإشكال حينئذ من رأسه.

و الأمر الثاني: في حصول التحليل و عدمه؛ فإنّه على القول بالبطلان لا تحليل و لو فرض كون الوطي بشبهة لاعتقادهما الصحّة؛ فإنّ المحلّل هو الوطي الواقع عن عقد صحيح، فلا يكفي وطي الشبهة، و على القول بالصحّة حصل التحليل لكونه وطيا عن العقد الصحيح.

التفصيل بين الشرط الفاسد و مفسديّته

بقي في المقام مطلب آخر و هو أنّ القائلين بالإفساد فرّقوا بين الشرط الصحيح المتخلّف مثل اشتراط العربيّة في الفرس الشخصي فبان عجميّا و بين

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 338

الشرط الفاسد، فخصّوا الإفساد بالثاني، و قالوا في الأوّل بصحّة العقد و عدم فساده و أنّ تخلّف الشرط غير مضرّ بالصحّة، و إنّما هو موجب للخيار، هذا و الحال أنّ الدليل الذي أقاموه للبطلان في الشرط الفاسد جار بعينه في مثل شرط الأوصاف المفقودة في المبيع، فإنّ تقييد الرضا بالشرط مع عدم وجوب الوفاء به مشترك بين المسألتين، غاية الأمر أنّ عدم الوجوب لأجل

عدم المشروعيّة في الأوّل و لأجل عدم التحقّق للموضوع في الثاني، فيجي ء ما ذكر من أنّ العقد الخالي عن الشرط لم يقع تحت الرضا و القصد.

و الحاصل أنّ الفرق لم يظهر وجهه، و ليس المقصود في المقام بيان هذا، بل تحقيق أنّه على مذهب القائلين بالصحّة في الشرط الفاسد هل يمكن الفرق بين مسألة تخلّف الشرط و بين فساد الشرط في ثبوت الخيار و العدم، أو لا فرق بينهما في ذلك؟

و الحاصل: أنّهم بعد قولهم بصحّة العقد هل يقولون بلزومه أيضا، أو أنّ حاله عندهم حال الشرط المتخلّف في ثبوت الخيار للمشروط له؟

قد يقال باللزوم و عدم الخيار؛ نظرا إلى أنّ الخيار من آثار الحقّ العرفيّ الحاصل للمشروط له بشرطه، فمن آثار هذا الحقّ أنّه يطالبه، فإذا لم يجده يكون مختارا على فسخ العقد، فإذا لم يثبت الحقّ لمكان فساد الشرط فلا مجال للخيار.

و لكن يبعّده أنّ الحقّ كيف يتعلّق بالأمر المعدوم؛ فإنّ العربيّة المفقودة لا يعقل صيرورتها متعلّقا للحقّ، كما لا يصير المعدوم ملكا.

و إذن فمن القريب أن يكون وجه الخيار أنّ لزوم الوفاء بالعقد قائم بالطرفين، فإذا خرج أحدهما عنه خرج الآخر أيضا؛ لأنّ نفس العقد كان بين الطرفين، فمتى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 339

لم يف أحدهما بقراره فعدم ترتيب الأثر من الآخر ليس خلفا و خلافا للقول و القرار، و إذا كان هذا هو الوجه فلا فرق بين المسألتين في ثبوت الخيار.

ثمّ هذا مقتضى القاعدة، فإن ثبت في باب النكاح أنّ بناءه على اللزوم و عدم ثبوت الخيار إلّا إذا ورد التنصيص بالخصوص على ثبوته في مورد مخصوص و لهذا لا يثمر اشتراط الخيار فيه كما يثمر في غيره فهو، و

إلّا كما ربما يدلّ عليه قولهم بثبوت الخيار في تخلّف شرط البكارة مع عدم ورود النصّ به، و إنّما ورد بانتقاص المهر، فنعلم أنّ حكمهم يكون مستندا إلى القاعدة، فعدم الخيار يحتاج إلى دليل، فيتحصّل أن مقتضاها في مسألتنا هو الصحّة في اشتراط الطلاق مع الخيار للزوجة.

و غاية ما يمكن أن يقال في وجه الفرق عند القائلين بالإفساد في الشروط الفاسدة بينها و بين الشروط الصحيحة المتخلّفة أنّ الالتزام بمثل عربيّة الفرس، سواء كانت موجودة أم معدومة ليس ممّا تناله يد الجعل من حيث نفس الملتزم، بمعنى أنّه لا يؤخذ العربيّة في الفرس بحكم الشارع: «ف بشرطك» فإذا لم يقبل التصرّف من حيث نفس المفاد الطبعي فلا محالة ينصرف إلى تبعاته و لوازمه، و هو مأخوذيّة الملتزم بالتزامه، فيردّ عليه الفرس عند فقدان العربيّة.

فمعنى قول الشارع: «ف بهذا الشرط» ليس إلّا جعل هذا الأثر، و كذا معنى ف بالبيع الخاصّ، المفروض تخصّصه بهذا الشرط أيضا ليس جعل العربيّة، فدليل أحلّ اللّه البيع لا يفرق مفاده بين صورتي وجود العربيّة و عدمه في كونه تحقيقا للمبادلة مع تعهّد الشارط بالعربيّة، فعلى كلّ حال وقع البيع الخاصّ تحت أحلّ، لا أنّه في صورة وقع الذات فقط و في أخرى وقع الموصوف حتّى يقال في الأوّل أنّ الرضا مقيّد فكيف وقع بلا قيد تحت الحلّيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 340

و هذا بخلاف الحال في مثل الأمور القابلة للجعل، سواء كان تكليفا متعلّقا بعمل التزم به الشارط فعلا أو تركا أم وضعا قابلا للجعل، مثل الخيار و الملكيّة و سائر شروط النتيجة القابلة للجعل، فإنّ مقتضى أحلّ اللّه البيع في مثل ما إذا اندرجت هذه الشروط في البيع كما

يكون جعل المبادلة كذلك يكون جعل هذه الأمور من الإيجاب أو التحريم فيما إذا كان شرط الفعل أو جعل الخيار أو الملك أو نحوهما في ما إذا كان شرط النتيجة.

و بعبارة أخرى: يكون الالتزام الشرطي في مثل هذه بنفس مفاده و أثره الطبعي كالالتزام البيعي واقعا تحت أحلّ، فكما أنّ أحلّ وارد على نفس أثر النقل و الانتقال الذي هو أثر طبعي للمبايعة، كذلك وارد على تحقّق المذكورات التي هي آثار طبعيّة للاشتراط المذكور.

و حينئذ فإذا فرض وجود المانع عن شمول دليل أحلّ لهذه التتمّة بواسطة عدم كونه منجعلا بالشرط مثل شرط شرب الخمر أو شرط الطلاق في ضمن النكاح، أو شرط الخيار فيه، فالدليل قاصر عن الشمول حتّى بالنسبة إلى الالتزام البيعي أيضا؛ لأنّ المفروض أنّ المتحقّق التزام خاصّ، و ليس هنا التزام آخر بالبيع خاليا عن الخصوصيّة حتّى يشمله دليل أحلّ.

و بالجملة، يقع التعارض بين دليل عدم نفوذ الشرط من إجماع أو غيره و بين دليل نفوذ البيع، و حيث إنّ الأوّل مقدّم، فلا محالة يسقط دليل نفوذ البيع، فلا محالة يحكم بفساد أصل البيع.

و لعلّ نظير هذا هو السبب في حكمهم بأنّ من شرط لزوم الشرط وقوعه في ضمن العقد اللازم دون الجائز، مع أنّ دليل لزوم الوفاء بالشرط مطلق، فإذا شرط الواهب على نفسه الخياطة مثلا فيمكن أن يكون استرداد العين الموهوبة له جائزا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 341

و تكون الخياطة عليه واجبة.

و لكن مع ذلك حكموا بعدم اللزوم من باب وقوع التعارض بين دليل جواز هذا العقد من إجماع و نحوه و بين دليل الوفاء بالشرط، فإنّ الأوّل يقتضي الجواز في هذا العقد الخاصّ بخصوصيّة و هو لا يجتمع

مع لزوم الشرط، و حيث إنّ الأوّل مقدّم فلا محالة يكون دليل الشرط مخصّصا.

و حاصل الكلام في ما نحن فيه أنّهم في كلا المقامين يقولون بأنّ البيع خاصّ و لا يمكن التفكيك بينه و بين خصوصيّته، و لكنّ الفرق أنّ دليل أحلّ لا يتصدّى لإيجاد وصف العربيّة و شبهها حتّى يقال عند انتفائها واقعا: إنّه يلزم بطلان البيع، بل الذي يتصدّاه إنّما هو إيقاع التعهّد و اشتغال الذمّة، و هذا المعنى لا يفرّق بين حالتي الوجود و العدم.

و أمّا الخصوصيّات القابلة للجعل و تنالها يد التصرّف فالمجعول بدليل أحلّ نفسها، لا التعهّد بها، فلا محالة يفرق بين ما إذا كانت الخصوصيّات صحيحة قابلة للنفوذ فيصحّ البيع و هذه الشروط، و بين ما كانت غير نافذة فيسري البطلان إلى البيع أيضا؛ لأنّ الخاصّ غير مشمول بالفرض، و الخاصّ الآخر أعني: فاقد الخصوصيّة لم يقع تحت الإنشاء، و المهملة ليست فردا آخر و مشمولا للدليل استقلالا، فلا محيص عن البطلان.

إن قلت: إذا فرض أنّ نفس الخصوصيّة لا تنفذ، فلم لا ينفذ التعهّد بها كالوصف الغير المجعول؟

قلت: هذا نظير أن يقال عند عدم إمكان شمول دليل البيع لنفوذ نفس النقل و الانتقال أنّه ينفذ أثر آخر ثابت للبيع.

إن قلت: القائلون بإفساد الشرط الفاسد لم يقولون بتبعّض الصفقة في ما تبيّن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 342

بعض أجزاء المبيع بالبيع الواحد غير مملوك أو مستحقّا للغير، مع أنّ الوجه الذي ذكرت هنا جار فيه أيضا، لأنّ الخاصّ لا يمكن نفوذه، و الخاصّ الآخر لم يقع تحت الإنشاء، و المهملة ليست بفرد آخر.

قلت: وجه الفرق أنّ دليل أحلّ لا يتعلّق بالإنشاء الذي هو السبب، بل بنفس النقل و الانتقال الذي

هو المسبّب.

و حينئذ نقول: إن كان البائع لاحظ الشيئين أو الأشياء بنحو العامّ الاستغراقي فهنا إنشاءات و انتقالات، فلا تبعّض أصلا، و إن لا حظها على نحو العامّ المجموعي فحينئذ البيع بمعنى الإنشاء واحد، و لكنّ المبيع متعدّد، و قد قلنا إن دليل أحلّ ناظر إلى المسبّب لا السبب، و المفروض أنّ المسبّب في المقام يحقّق له فردان، فإذا لم يدخل أحدهما في العموم لا مانع من دخول الآخر، و هذا بخلاف الحال في الشرط و المشروط؛ فإنّهما أيضا و إن كانا التزامين، لكن لا مستقلّين، بل أحدهما مرتبط بالآخر و خصوصيّة له، هذا غاية ما يمكن أن يقال في الفرق على ما حقّقه شيخنا الأستاذ دام ظلّه في بحثه في يومين.

و لكنّك خبير بأنّ هذه البيانات لا يضرّ بمقالة القائلين بعدم الإفساد، و غايته تصحيح الفرق على مذهب القائلين بالإفساد.

وجه عدم الإضرار أنّا كما قلنا: إنّ بيع هذا الفرس وقع تحت القصد سواء كان عربيّا أم غيره، و وصف غير العربيّة لا يحتاج إلى قصد، بل يكفي انتفاء العربيّة واقعا، نظير الخطّ البالغ نصف الذرع إذا عرض مانع عن رسمه إلى تمام الذرع، كذلك نقول هنا أيضا: بعد مانعيّة دليل عدم نفوذ هذه الخصوصيّة المجعولة عن انجعالها يصير حال شخص المبيع كشخصه عند فقد وصف العربيّة، فنقول: قد وقعت هذه العين الشخصيّة الغير المقرونة بخصوصيّة كذا تحت القصد و الرضا البيعي،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 343

فيشمله دليل أحلّ.

تذييل:

قد عرفت الحال في صورة الاشتراط، فينبغي التكلّم في صورة النيّة المجرّدة عن الذكر اللفظي في متن العقد و عدم القرينة اللفظيّة الدالّة أيضا.

فنقول: أمّا إن كان المنويّ مجرّد الطلاق بمعنى الاطمئنان منهما بوقوعه عقيب التحليل

خارجا فلا إشكال في عدم إضراره.

و أمّا إن كان المنويّ هو الموقّتيّة أو الانفساخ فإن كان ذلك صرف الداعي مع محفوظيّة قصد النكاح كما لو اعتقد أنّ من الآثار الشرعيّة لنكاح المحلّل إذا وقع صحيحا كسائر الأنكحة أنّه يرتفع بنفسه أو بسبب الوطي عقيب الوطي الأوّل فلا إشكال في الصحّة أيضا؛ لأنّ النكاح صار مقصودا بحقيقته، غاية الأمر أنّه تخيّل شيئا آخر و صار هو داعيا له إلى قصد حقيقة النكاح و كان على خلاف الواقع.

و إن سرى النيّة المزبورة إلى قصد النكاح بأن قصد النكاح المقيّد بأحد الوجهين غاية الأمر لم يقم على القيد دلالة لفظيّة فيجي ء ما تقدّم من التناقض في القصد، و عدم إقامة الدلالة إنّما يجدي في الشروط الصحيحة، بمعنى أنّه لا يفيد لزوما في الشرط و لا خيارا في العقد، فوجوده كعدمه، و أمّا في مقامنا فالإضرار مشترك بين الصورتين، أعني: صورة الذكر و النيّة المجرّدة.

و ممّا ذكرنا علم الوجه في ما أفاده كاشف اللثام قدّس سرّه من أنّه لا بدّ من أن يكونا استعملا النكاح في حقيقته، لكنّهما يظنّان أنّه يرتفع بالتحلّل، أو ينويان إيقاعه بعده، فلو أدخلاهما أو أحدهما في معنى النكاح لم يصحّ الأوّل؛ لما عرفت من خروجه عن حقيقة النكاح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 345

القسم الثاني من قسمي النكاح العقد المنقطع

و النظر فيه في مسائل يعمّ بها البلوى:

اشارة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 347

الأولى في كيفيّة إيقاعه و إجراء صيغته

اشارة

لا إشكال في أنّ إيقاع النكاح له كيفيّة عرفيّة مرسومة بين أهل العرف، و الترغيبات الواردة في الشريعة كلّها ناظرة إلى أصل إزعاج النفوس إليه مع السكوت سائلا و مسؤولا عن التعرّض لكيفيّة إيقاعه إيكالا لها على المرسوم المتعارف، و لهذا لم يرد في شي ء من الروايات السؤال عن كيفيّة إيقاع الدائم، مع وروده عن المنقطع، و ليس ذا إلّا لأجل كون النظر إلى ما هو المرسوم بينهم.

و لا يخفى أنّ صدق لغة البيع و النكاح لا يثمر بعد فرض انصراف الدليل إلى ما كان بتوسّط الأسباب المتعارفة بين أهل العرف، و من هنا لا يمكن رفع هذه الشكوك بأحلّ اللّه البيع و دليل حلّيّة النكاح، و أمّا آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقد مرّ غير مرّة الإشكال في ارتباطها بباب المعاملات و النكاح رأسا.

و أمّا قوله تعالى فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ. «1» فليس إلّا بصدد التوسيع من حيث عدد الأزواج إلى الأربع مع السكوت عن كيفيّة الإيقاع.

و الحاصل: ليس لنا إطلاق نأخذ به في مقام الإيقاع لعقد النكاح، و لكنّ

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 348

الظاهر عدم الإشكال في كفاية كلّ ما يراه العرف سببا، و لا يشكّ أحد أن يكون عندهم فرق بين الماضي و المضارع و في الألفاظ المفهمة للمطلوب بالدلالة اللفظيّة بين أقسامها من الحقيقة و المجاز و الكناية، و كذا في ترتيب الإيجاب و القبول بين تقديم الإيجاب على القبول و بين العكس.

و يشهد لما ذكر رواية أبان بن تغلب «1» عن الصادق عليه السّلام في المتعة أتزوّجك متعة. «فإذا قالت نعم فقد رضيت فهي امرأتك».

فإنّه مشتمل على تقديم القبول على الإيجاب و

على إتيان الإيجاب بلفظ نعم و على إتيان القبول بلفظ المضارع، نعم فيه مع ذكر الأجل و ذكر المبلغ ذكر عدم الوارثيّة و الموروثيّة، و لعلّه لأجل عدم غرور المرأة، لا لدخالته في الصيغة، بل و كذا لا فرق بين الملحون الغير المغيّر للمعنى و غيره.

و الإجماع في هذه المقامات لو كان موهون باحتمال الاستناد إلى الاقتصار في الخروج عن أصالة الفساد على القدر المتيقّن. نعم الظاهر تحقّق الإجماع بالنسبة إلى قيد العربيّة عند التمكّن.

بل يمكن أن يقال بالاكتفاء بالإيجاب فقط في ما صدر من شخص واحد مختار من الطرفين، سواء في البيع أم في النكاح، مثل جدّ الصغيرين إذا زوّج ابنة ابنه مثلا ابن ابنه الآخر، فإنّ العرف لا يتعبّد بلزوم ذكر «قبلت» عقيب قوله: «زوّجت هذه بهذا» فإنّه وليّهما، و كذا في الوكيل من الطرفين أو الأصيل و الوكيل من الطرف الآخر.

ثمّ على فرض تسليم الإجماع على لزوم الإيجاب و القبول في كلّيّة أبواب

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 349

العقود فلو شككنا أنّه لا بدّ من أن يتولّاها شخصان أو يكفي شخص واحد كالوليّ و الوكيل فأوّلا يمكن رفع الشكّ بمثل ما ذكرنا من المرسوميّة عند العرف و عدم الفرق في ما هو المرسوم بينهم بين تصدي شخص واحد أو شخصين، و لا خصوصيّة في نظرهم لتعدّدهما.

و ثانيا: يمكن دفعه أيضا بأدلّة الولاية؛ فإنّها منزّلة لفعل الوليّ منزلة فعل المولّى عليه، فكما أنّه لو صدر الإيجاب من هذا المولّى عليه و القبول من ذاك كان كافيا بلا إشكال، فكذا الإيجاب و القبول الصادران ممّن فعله فعلهما و كذا الوكيل.

اللهمّ إلّا أن يقال بالتفكيك

بين الجهة الراجعة إلى فعلهما فالمنزلة ثابتة، و بين الجهة الغير الراجعة إلى فعلهما فغير ثابتة، فإذا صدر الإيجاب و القبول منهما فهناك جهتان:

إحداهما: كونهما فعلين لهما وقعا باختيارهما، و الثانية: المغايرة بين الفاعلين، فدليل المنزلة إنّما يصلح الجهة الاولى و أنّ رضا هذا الشخص رضا ذينك، و لا يلازم هذا التعبّد بثبوت المغايرة أيضا، و المفروض دخالتها أو احتمال دخلها، فالعمدة هو التمسّك بالمرسوميّة.

و فيه أنّه مناف لعموم دليل الولاية بالنسبة إلى كلّ ما كان للمولّى عليه على فرض بلوغه و عقله؛ فإنّه لا شكّ في أنّ الصغير و الصغيرة كان لهما الإيجاب من الصغيرة و القبول من الصغير على الفرض المزبور، فلو لم يكن هذا لوليّهما كان تخصيصا أو تقييدا في دليل الولاية.

نعم لا بدّ من تعدّد اللفظ، لما عرفت من الإجماع على اعتبار الإيجاب و القبول في العقود، بل مفاد هذا عدم كفاية مطلق التعدّد ما لم يرجع إلى خصوص تعدّد الموجب و القابل، فلو قال: ملّكت هذا بذاك، و قال أيضا: ملّكت ذاك بهذا،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 350

أو قال مرّتين جعلتهما عوضين في الملك لا يكفي.

فيشكل الحال في المعاوضة المتعارفة المسمّاة في الفارسية بتاخت، حيث ليس فيها إيجاب و قبول، بمعنى أنّه لا يعتبر في مقام الإنشاء أحد الأمرين عوضا و بحذاء الآخر، و يقبل الآخر هذا المعنى، بل يعتبران معا عوضين و يتصالحان على هذا، فلا بدّ من القول بالبطلان على تقدير الوقوع بهذا الوجه، و بالجملة، بعد مراعاة هذا المعنى في الوليّ و الوكيل عن الاثنين لا وجه لاحتمال البطلان.

لا يقال: يمكن أن لا يلزم التخصيص المزبور، و لكن كان الواجب أن يختار الوكيل عن أحد الطرفين، كما

لو لم يعرف الصيغة بالعربيّة، فإنّه لا بدّ من تعيين الوكيل، و ليس هذا تخصيصا في دليل ولايته، فلم لا يكون المقام من هذا القبيل؟

لأنّا نقول: بعد ما فرضت عدم الجواز المباشرة لهما لا محلّ للوكالة أيضا؛ لأنّ الوكيل بمنزلة آلة الموكّل، فإذا لم يجز للموكّل التصدّي لأمر فلا مزيّة لآلته عليه، و أمّا العربيّة فيجوز له التصدّي، غاية الأمر مع مراعاة الشرط بأن يتعلّم العربيّة و يحسنها، و أمّا الأخرس فأوّلا الظاهر عدم لزوم التوكيل عليه و جواز مباشرته بالإشارة، و ثانيا هو أيضا وال على الصيغة، غاية الأمر لا يقدر عليها بنحو المباشرة، فلو قدر كان له المباشرة.

و هذا بخلاف الحال في ما نحن فيه؛ فإنّ قيد التعدّد لو كان فليس من شروط الصيغة كالعربيّة، بل من شروط الشخص المتصدّي لها، و الحاصل ليس قيد الفعل، بل قيد الفاعل، و مثل هذا يفهم من عموم دليل الولاية و الوكالة التنزيل فيه، بمعنى أنّه حيث إنّ المولّى عليه و الموكّل واجدان للعنوان المعتبر، فيكون لهما المباشرة، فالوليّ و الوكيل الفاقدان لذلك العنوان لو لم يكن لهما ذلك العمل كان ذلك تقييدا في دليليهما، بل مفاد الدليل تنزيل ذلك الفاقد بمنزلة الواجد و أنّ الفعل الصادر من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 351

الوليّ و الوكيل كأنّه الصادر من المولّى عليه و الموكّل المتّصفين بالعنوان.

هذا كلّه مضافا إلى ظهور مسلّميّة المطلب في وليّ الصغيرين، بل و في الوكيل عن الاثنين أيضا على ما حكاه الأستاذ دام ظلّه و إلى التمسّك بالمرسوميّة السابقة.

لا يقال: هذا بالنسبة إلى الدوام حسن؛ لأنّه مرسوم، و أمّا بالنسبة إلى المتعة فلا، لعدم المتعارف لها في العرف، بل هي من الحقائق الشرعيّة.

لأنّا

نقول: نعم، و لكن بعد إحاطة العرف على جهاتها و حدودها فهو لا يتحيّر في أنّ السبب الموجد لها من الألفاظ له كيفيّة خاصّة، و لا بدّ فيه مادّة و هيئة مخصوصة و كيفيّة كذائيّة، بل هو و الدوام بل و سائر المعاملات على حدّ سواء من حيث ذلك، فالمقصود بالتمسّك بالمرسوميّة هذا المعنى.

المعاطاة في النكاح

لا يقال: فعلى هذا يجوز بالمعاطاة أيضا لجوازها في المعاملات، و قلت بعدم الفرق بين باب النكاح و بابها، فلا يبقى حينئذ للزنا موضوع؛ إذا المراضاة متحقّقة من الجانبين على الجعل المعيّن و المرّة المعيّنة، و هذا انقطاع معاطاتي، فأين الزنا.

و ربّما يشهد له خبر نوح بن شعيب «1» عن عليّ عن عمّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال عليه السّلام: كيف زنيت؟ قالت: مررت في البادية فأصابني عطش شديد، فاستقيت أعرابيّا فأبى أن يسقيني إلّا أن امكّنه من نفسي.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 21 من أبواب المتعة، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 352

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تزويج و ربّ الكعبة».

لأنّا نقول أوّلا: لا نقول بثبوت المعاطاة هنا؛ لقيام الإجماع ظاهرا على اعتبار اللفظ و عدم كفاية الفعل، و ثانيا: على فرض القول به ففرق واضح بين إنشاء المزاوجة و العلاقة الخاصّة بين الزوج و الزوجة و المهر، حيث إنّ الانقطاع أيضا من هذا القبيل، و بين الجعل على العمل الخارجي بدون إنشاء تحقّق العلاقة المذكورة بينهما، فالزنا هو الثاني، و النكاح المعاطاتي هو الأوّل.

و أمّا الرواية فأوّلا: محمولة على أنّه كان مريدا للمزاوجة الانقطاعيّة بطلبه التمكين منها، فإنّ

القضيّة شخصيّة لا إطلاق فيها.

و ثانيا: أنّ الرواية قد رويت بطريق آخر و فيه: «قالت إنّه لمّا بلغ منّي أي العطش أتيته فسقاني و وقع علي، فقال عليّ عليه السّلام: هذه التي قال اللّه تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ* و هذه غير باغية و لا عادية، فخلّى عمر سبيلها و قال: لو لا عليّ لهلك عمر» «1».

و بالجملة، بعد البناء على اعتبار اللفظ و كونه بالعربيّة فالتقييد بخصوص الماضويّة و تقدّم الإيجاب لا وجه له ظاهرا؛ لعدم تفاوت ذلك بين العرف بعد الاستواء في الدلالة مع الأمر و المستقبل و مع تقدّم القبول.

و العجب الخدشة و الدغدغة مع وجود الرواية بقول الزوج: أتزوّجك متعة و قول الزوجة: نعم، و حيث إنّ الباب باب الفروج و الاحتياط فيه مطلوب فالأولى الاقتصار على المتيقّن.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الحدود، الباب 18 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 353

المسألة الثانية الزواج المنقطع بين المسلم و الكافر

اشارة

لا إشكال في عدم صحّة الانقطاع كالدوام بين المسلم رجلا كان أم امرأة و بين الكافر غير اليهودي و النصراني و المجوسي، كما أنّه لا إشكال في عدم انعقاده بين المسلمة و أحد هؤلاء الثلاثة، و أمّا بين المسلم و بين اليهوديّة أو النصرانيّة أو المجوسيّة فقد عرفت في ما تقدّم أنّا لو قلنا بالجواز في الدوام فكذلك في المتعة، و لو قلنا بالمنع فيه نقول بالجواز في المتعة، لمكان سلامة الأخبار فيها عن المعارضة الثابتة بينها في الدوام، فراجع و لا حظ.

نعم قد اختلف الأخبار في خصوص المجوسيّة، لكن مقتضى الجمع هو الجواز أيضا مع الكراهة.

ثمّ في بعض الأخبار قال الإمام عليه السّلام: «إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة و النصرانيّة؟ فقال الراوي:

يكون له فيها الهوى، قال عليه السّلام: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة» «1».

فهل قوله: إن فعل فليمنعها، محمول على الوجوب الشرطي بمعنى اشتراط

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 354

ذلك في صحّة النكاح إمّا بمعنى اشتراط اشتراطه في ضمن العقد و إلّا يبطل، و إمّا بمعنى كون الشرط نفس المنع الخارجي بحيث لولاه كشف عن الفساد من الأوّل، أو صار سببا للانفساخ من الحين، أو على الوجوب النفسي من غير مدخليّة له في الصحّة، أو على الاستحباب؟

لا يخفى بعد احتمال الوجوب الشرطي: بجميع أنحائه، فيدور بين الوجوب النفسي و الاستحباب، و يمكن استظهار الثاني بملاحظة سياق الرواية و كونها في مقام الحكم بالكراهة، و إلّا لم يجز بمجرّد الهوى.

و أيضا يشهد بها قوله عليه السّلام في الذيل: إنّ عليه غضاضة في دينه، بل يظهر منه أنّ الكراهة في تزويج اليهوديّة و النصرانيّة ذات مرتبتين، الاولى: شديدة، و هي قائمة باليهوديّة و النصرانيّة المرتكبة لشرب الخمر و أكل لحم الخنزير، و الثانية:

الكراهة الأخفّ من تلك و هي قائمة باليهوديّة و النصرانيّة الممتنعة من ذلك.

فقوله عليه السّلام في الأوّل: ما يصنع. إلخ، لأجل الحفظ عن أصل الكراهة، ثمّ لمّا فرض السائل وجود الهوى رخّصه و لكن صار بصدد الحفظ عن شدّتها فقوله:

فليمنعها، لأجل رفع شدّة الكراهة، و من المعلوم أنّ الرافع للأمر المكروه لا يصير واجبا.

في حكم التمتّع بين فرق المسلمين

ثمّ التمتّع بين المسلمين جائز من غير فرق بين فرقهم المتشتّتة باستثناء المحكوم بكفرهم، فإنّه لا يجوز التمتّع للمسلم و لا المسلمة معهم، و أمّا غير المحكوم بالكفر

من سائر الفرق المخالفة لمذهب أهل الحقّ فلا مانع لأهل المذهب الحقّ رجلا كان أو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 355

امرأة أن يتمتّع معهم، و الحال في المتعة من هذه الجهة هو الحال في الدوام؛ للقطع بوحدة الملاك فيما بينهما و لو فرض قصور اللفظ و هذا واضح.

إلّا أنّ في مرسلة الفقيه على ما في الجواهر عن الرضا عليه الصلاة و السلام:

«المتعة لا تحلّ إلّا لمن عرفها و هي حرام على من جهلها» «1».

و مقتضاها بملاحظة أنّ المزاوجة لا يمكن الحكم بفسادها من طرف دون آخر أن لا ينعقد المتعة بين المؤمن و المخالف.

و قد يقال: إنّه لو كانت مشروعيّة المتعة مختصّة بمن عرفها كان دورا.

و لكنّه مدفوع أوّلا: بما هو الجواب في غيره من أمثاله من إمكان التخصيص بوجه لم يستلزم الدور بأن يكون مخصوصا بعنوان من يعرف في المستقبل، لا مقيّدا بالعرفان الخارجي، و المستلزم للدور هو الثاني، و ثانيا: يمكن الدفع في خصوص المقام بجعل محلّ الاختصاص خصوص الشيعة، و هو عنوان ملازم لمن يعرف، و لا يلزم الدور كما هو واضح.

و قد يقال: يمكن حمل الخبر على أنّ المخالف لاعتقاده عدم المشروعيّة لا يتمشّى منه الجدّ في الإنشاء بمعناه المعتبر في العقود؛ فإنّ التشريع متمشّ و هو أيضا مقرون بالجدّ، و لكن لا بالمعنى المعتبر في العقود؛ فإنّه عبارة عن قصد ترتّب الأثر واقعا.

مثلا من يشرع بإتيان العمل المباح مثلا بقصد أنّه واجب لا يتمشّى منه القربة به على وجه يتمشّى منه في إتيان الصلاة، فكذلك من يعتقد بعدم المزاوجة عقيب هذا الإيجاب و القبول فهو لا يتمشّى منه و إن شرع الجدّ بحصول المزاوجة، و المعتبر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح،

الباب 1 من أبواب المتعة، الحديث 11.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 356

في الإنشاء هو هذا. لكن فيه أنّ الجدّ متمشّ، و لهذا شرع الثاني عليه اللعنة في قوله:

«و أنا أحرّمهما» و كان ذا جدّ بمدلول قوله لا صرف لقلقة اللسان.

و لا يبعد أن يكون المراد الجهل بحقيقة المتعة و عدم تصوّر معناها، و إنّما كان لافظا بالكلمة من غير شعور لمعناها، و لم يكن للحكم على هذا اختصاص بالمخالف؛ لعدم الإشارة في العبادة إلى هذا الاختصاص، بل المقصود أنّ كلّ من لم يلتفت معنى هذه اللفظة بحدوده كان واقعا في الحرام؛ إذ لم يتمشّ منه القصد إلى حقيقته، و لم يتّضح معنى أقرب من هذا الوجه للرواية و إن كان فيه أنّه على هذا لم يتحقّق الموضوع، و ظاهر العبارة أنّ الموضوع متحقّق و محكوم بالحرمة، و أيضا يكون من قبيل توضيح الواضحات؛ فإنّه بمنزلة أنّ الإنشاء محتاج إليه، و إلّا فلا يتحقّق الحلّيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 357

المسألة الثالثة المهر و الزوجان من أركان المتعة

اشارة

لا إشكال في أنّ المهر هنا من أركان العقد كالأجل و الصيغة و الزوج و الزوجة، فلا يكون كالدوام، حيث يصحّ مع عدم المهر، بل هو هنا من الأركان، فهو من هذه الجهة كالإجارة حيث يكون تقوّمها بالعوضين، و من جهة التقوّم بالزوج و الزوجة مخالف معها و مع البيع، فإنّ المؤجر و المستأجر و البائع و المشتري ليسا بركنين هناك، و لهذا لو كان المنظور شخص الرجل الخاصّ في البيع منه أو الإجارة منه ثمّ تبيّن أنّ المالك غيره لم يضرّ بصحّة العقدين؛ لأنّهما مبادلة المالين من دون نظر إلى المالكين.

و أمّا هنا فالنظر إلى الشخصين نظر الركنيّة، بل مقتضى ملاحظة العوضيّة للبضع في المهر

كالأجرة في الإجارة للمنفعة جريان جميع لوازم العوضيّة هنا التي منها ما عرفت من الركنيّة، و منها أنّه لا يتصوّر وصول المعوّض إلى غير من خرج عن ملكه العوض، فلو كانت عين شخصيّة ملكا لزيد و جعلها عمرو و لو بإذنه مهرا لامرأته فلا يجوز، و كذا لا يجوز جعل المهر في ذمّة زيد و لو بإذنه، كما لا يجوز ذلك في البيع و الإجارة.

و حيث إنّ الشخص هنا أيضا ملحوظ ركنا فلا محيص عن وقوع العقد لو فعل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 358

هكذا باطلا؛ لعدم ملك العاقد للمهر و عدم كون المالك عاقدا، فلا يمكن القول بوقوعه حينئذ فضوليّا عنه، كما في البيع و الإجارة، لما عرفت من قبولهما الصحّة بلحوق الإمضاء؛ لأنّ الشخصين خارجان عن الطرفيّة فيهما، و أمّا هنا فمأخوذان من الأطراف و الأركان، فلا يصحّ بالإمضاء، هذا.

في عدم كون النكاح من المعاوضات

و لكن كلّ ذا مبنيّ على تسليم العوضيّة و المعوّضيّة في المقام، و لكن لا يساعده العرف، فلا يعدّون البضع من جملة المنافع، و لا يرون حقيقة الإجارة و الاستئجار فيه.

و من هنا يعلم أنّ قوله عليه السّلام: «هنّ مستأجرات» «1» أيضا ليس على سبيل الحقيقة، بل في مقام التشبيه في الانقضاء بالأجل، كما في قولك: الحياة عارية، في مقام عدم الثبات و الدوام.

نعم إثبات الأثر الأوّل أعني: الركنيّة و بطلان العقد بفواته يمكن بالإجماع و النصّ، و هو قول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «لا يكون متعة إلّا بأمرين، بأجل مسمّى و أجر مسمّى» «2».

و أمّا الأثر الثاني أعني أنّه لا يمكن جعل المهر على ذمّة غير الزوج أو عينا مملوكة لغيره فلا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق النصّ المزبور جواز ذلك؛

______________________________

(1)

الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 359

لصدق الأجر عليه.

و على هذا فلا إشكال في صورة الإذن السابق، و أمّا إذا لم يسبق الإذن و جعل عين الغير مهرا أو في ذمّته فكفاية الإمضاء اللاحق و عدمها مبنيّان على جريان الفضولي في غير العقود من الإيقاعات، و حيث قالوا بعدمه في غير العقود حتّى مثل القبض و الإقباض فلا يكفي قبض غير من له الحقّ و لو لحقه إمضاؤه، فلا يكفي هنا أيضا لحوق رضاه بعد ذلك، لأنّه و إن كان المهر جزءا في العقد، لكنّه بالنسبة إلى هذا الشخص ليس إلّا إيقاعا؛ لأنّه خارج عن كلا طرفي الإيجاب و القبول، فلا حقّ له بالعقد.

و على كلّ حال لا يشترط فيه أن يكون عينا، بل يكفي المنفعة، و الحقّ كحقّ التحجير مثلا، بل يمكن أن يقال: إنّه يجوز أن يجعل المسلم حقّ الاختصاص و الأولويّة الثابتة له في الخلّ الذي كان ملكه فصار خمرا مهرا و يصير ملكا للزوجة إذا كانت كتابيّة.

أمّا الجواز فلأنّه من قسم الحقوق، و أمّا الصيرورة ملكا للزوجة فلأنّه لا قصور في الكافرة في قبولها التملّك لها، و إنّما القصور كان للمسلم.

و الحاصل: القصور إنّما هو من طرف الشخص، لا من طرف العين، فالحقّ المطلق كان للمسلم متعلّقا بهذه العين، و لمّا لم يكن له شي ء من التصرّفات إلّا التفويت و التخليل لم ينتزع في حقّه الملك، بل عبّر عن سلطنته بالحقّ، فإذا انتقلت العين إلى ذلك الشخص و المفروض عدم ممنوعيّته من عامّة التصرّفات فيها تحقّقت في حقّه الملكيّة.

ألا ترى أنّ الخلّ عند

المسلم إذا صار خمرا ثمّ انقلب خلا كان ملكا له، مع أنّ السبب الأوّل للملك قد بطل بتخلّل الخمريّة و لم يتجدّد سبب آخر، فليس ذلك إلّا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 360

لأجل أنّ العلاقة صارت ضعيفة حتّى سمّيت حقّا بواسطة قصور المسلم عن التصرّفات، فإذا ارتفع هذا القصور عنه صارت تلك العلاقة قويّة فسمّيت ملكا، فكذا في مقامنا، إلّا أنّ الفرق أنّ المالك واحد في المثال و متعدّد في المقام، و هو غير فارق في الحكم.

ثمّ إنّهم ذكروا أنّ المهر إذا كان علينا فلا بدّ أن تكون مملوكة، فلا يصحّ مهر الخمر، فقد يتوهّم أنّ هذا مناف مع ما ذكرنا، و لكنّه ليس كما يتوهّم، فإنّ مورد كلامهم ما إذا جعل نفس المائع منتقلا إلى المرأة بعنوان المهر، فحينئذ يشترط كونه ملكا، و حيث إنّ الخمر ليس ملكا للمسلم فلا يصحّ له جعله مهر امرأته، و ما ذكرنا إنّما هو جعل الحقّ المتعلّق بذلك المائع منتقلا إلى المرأة بعنوان المهر، نظير حقّ التحجير المتعلّق بالأرض، و قد صرّحوا بجواز جعل الحقّ مهرا كالمنفعة و العمل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 361

المسألة الرابعة اعتبار المعلوميّة في المهر إجمالا بخلاف البيع

يشترط في المهر المعلوميّة، فلا يصحّ جعل المجهول مهرا.

قالوا: فرق بين العلم في هذا الباب و بينه في باب البيع و الإجارة، فإنّه يصحّ المشاهدة هنا في المكيل و الموزون و المعدود، و لا يعتبر خصوص التقدير بأحد الثلاثة كما كان في ذلك الباب.

و لعلّ السرّ في ما قالوه أنّ الدليل الدالّ على اعتبار التقدير بالأمور المذكورة حديث الغرر و الأخبار الخاصّة كلّها بأبواب البيوع و المعاملات بحيث لا يشمل المقام، فينحصر المرجع في المقام في ما ورد في خصوصه و هو خبران:

في أحدهما

اعتبار كون المهر مسمّى، و في الآخر كونه معلوما، و يكتفي في صدق هذين العنوانين المعلوميّة بالمشاهدة و لو لم يقدّر المكيل أو الموزون أو المعدود، و يخرج عن صدق المجهوليّة عرفا.

بل يمكن القول بالصدق و لو مع الجهل بالصفات، كما لو كانت حنطة محسوسة، و لكن لم يعلم أنّها ممّا سقي سيحا أو بالعلاج، أو نحو ذلك ممّا يختلف باختلافه الرغبات، فإنّه يصدق أنّ المهر شي ء مميّز معلوم عمّا عداه مشار إليه في الخارج.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 362

و كذلك لو كان كيس معلوم القطر مملوّ من الدراهم، و لكن كان مردّدا بين أعداد كالخمسين و الستّين مثلا أمكن أن يقال بكفاية معلوميّة القطر، و الحاصل أنّ المدار على الصدق العرفي بعد عدم الدليل على اعتبار شي ء أزيد منه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 363

المسألة الخامسة المهر يملك بالعقد أو بالتمكين

مقتضى القاعدة حصول الملكيّة للمهر بنفس تمام الإيجاب و القبول بلا ترقّب لشي ء آخر؛ إذ هذا معنى صحّة العقد المتضمّن لإنشاء التمليك، كما أنّ الزوج يستحقّ البضع بنفس ذلك، و كما أنّه الحال في باب الإجارة، فإنّه بنفس العقد يملك تمام الأجرة.

و لا ينافي هذا حصول البطلان في الأثناء بالنسبة إلى بقيّة المدّة بسبب من الأسباب، فإنّه كان ملكا إلى زمان حصول السبب، و من هذا الحين يطرأ البطلان و يعود إلى ملك المالك الأوّل بقيّة الآجرة، فالسببان كلاهما مؤثّران.

و حينئذ فنتكلّم في أنّه للمرأة أن يطالبه سواء كان عينا أم دينا و يجب عليه الدفع بمطالبتها؟ أو أنّ هذا مختصّ بما عبد التمكين التامّ؟ أو أنّ ذلك مبعّض على الأزمان ففي كلّ زمان يلاحظ التمكين بالنسبة إليه، فالمطالبة و وجوب الدفع تابع لتحقّق التمكين في ذلك الجزء و عدمه؟

لا

إشكال أنّ مقتضى القاعدة كما هو المتحقّق في البيع و الإجارة أيضا عدم الاستحقاق للمطالبة و عدم وجوب الدفع ما لم يمكّن و يسلّط الطرف الآخر صاحبه على العوض أو البضع، فإنّه إنّما أقدم ببذل المال بإزاء المال فليس وفاء هذا القرار

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 364

حصول الدفع من طرف بدون الإقباض.

و كذا في المقام إنّما أنشأ و جعل بذل المال ملكا بإزاء العلاقة الخاصّة، فليس الوفاء بهذا دفع المال من طرف الزوج بلا تمكين الزوجة من نفسها في الخارج.

و أمّا القول بأنّه يعتبر في كلّ جزء تمكين نفسها في ذلك الجزء حتّى يتحقّق استحقاق المطالبة بالنسبة إلى سهم ذلك الجزء فلا وجه له ظاهرا، فإنّه متى تحقّق التمكين التامّ من الزوجة فقد سلّط الزوج على نفسها و الاستمتاع منها في جميع المدّة.

ألا ترى أنّه بتسليم العين المستأجرة يستحقّ تمام الأجرة لجميع المدّة و لا يحتاج إلى حضور كلّ جزء من الزمان مع التسليم حتّى يتحقّق استحقاق سهمه؟ فكذا في المقام، هذا حسب مقتضى القاعدة.

و أمّا ما ورد في خصوص المقام فهو بين طائفتين:

الأولى: ما فرض فيه تخلّف المرأة ببعض المدّة في الأثناء، و الحال أنّ الصداق لم تأخذه المرأة كما هو المرسوم من عدم تعجيلهنّ بمطالبة الأزواج بالمهر، و بقائه عندهم، و من المعلوم أنّ هذه الطائفة لا يمكن استفادة خلاف تلك القاعدة منها؛ إذ لا منافاة بين استحقاقها تمام المهر، و لكن لو خالفت ببعض المدّة استحقّ الزوج الاسترجاع بمقدار ما تخلّفت.

فلا تعرّض في هذه الطائفة عن بيان الحال من حيث استحقاق المطالبة و عدمه، و إنّما المفروض فيها ترك المطالبة كما هو المرسوم، فالحكم بجواز الحبس بعد وقوع الخلف لا قبله

خوفا من حصوله.

و الثانية: ما ورد باختلاف النسخة من خبر عمر بن حنظلة «1»، قال: قلت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 365

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة شهرا فتريد منّي المهر كملا، و أتخوّف أن تخلفني؟

«قال عليه السّلام: يجوز أن تحبس ما قدرت عليه، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك».

و يظهر من الجواهر أنّ الموجود في أكثر النسخ: لا يجوز أن تحبس. إلخ.

و هذه الرواية و إن كانت صريحة في عدم انقضاء المدّة و خوف الخلف في المستقبل، لا تحقّقه كما كان هو مورد الطائفة الاولى، و لكن النسخة مختلفة، فإن ثبت صحّة النسخة الأولى كان مقتضاها خلاف مقتضى القاعدة التي ذكرناها، و إلّا فمقتضى القاعدة هو المتّبع.

و حاصل الكلام أنّه بعد ما ملكت بالعقد و سلّمت نفسها تحقّق وجوب الدفع و استحقاقها المطالبة حسب القاعدة، و ما ورد في المقام لا يصلح للتعبّد بجواز الحبس مع ذلك خوفا لفوات مقدار من الوقت بدون الاستمتاع.

أمّا غير الرواية المختلف في ضبطها من روايات الباب فمفروض كلام السائل في تمامها صورة حصول التفويت، و أجاب عليه السّلام بالتقاصّ من المهر جبرانا لما فوّتته من المدّة، و أين هو من حبس المهر من الأوّل خوفا لتحقّق التفويت منها.

نعم في خبر واحد من تلك الأخبار و هو خبر آخر لعمر بن حنظلة سأل السائل عن الحبس في ابتداء المدّة؛ لقوله: أتزوّج المرأة شهرا أ فأحبس عنها شيئا؟

و لكنّ الجواب لم يرد بجواز الحبس من الأوّل، بل أجاب بالأخذ بمقدار التخلّف عند حصوله؛ لأنّه عليه السّلام قال: «نعم خذ منها بقدر ما تخلّفك، إن كان نصف شهر

فالنصف، و إن كان ثلثا فالثلث» «1»، بل هذا الجواب قرينة على إرادة السائل أيضا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 366

هذا المعنى، أعني: الحبس بعد التخلّف.

فهذه الروايات بأجمعها ساكتة عن الذي نحن بصدده من إثبات عدم استحقاقها المطالبة بعده تسليم نفسها في ابتداء المدّة قبالا لما تقتضيه القاعدة.

و أمّا الرواية المختلفة الضبط التي حكي ضبطها في مرآة العقول للمجلسي بإثبات كلمة «لا» و أنّه قال: تدلّ هذه الرواية على عدم جواز الحبس، فيعلم أنّ نسخة المجلسي كانت مشتملة على «لا» فقد قال شيخنا الأستاذ دام ظلّه: كلّ من نسختيها يبعّده شي ء.

أمّا نسخة «لا يجوز» فلا يناسبها كلمة الفاء في قوله عليه السّلام: فإن هي أخلفتك. إلخ؛ لأنّ الظاهر كونها للتفريع، و لا يناسب تفريع هذه القضيّة على عدم جواز الحبس، بل هو مناسب مع جوازه.

لا يقال: إنّه حينئذ ليس أخذا منها؛ لأنّ المهر لم ينتقل بالفرض إلى يدها حتّى يتحقّق الأخذ منها.

لأنّا نقول: يكفي كونه في ملكها في صدق الأخذ و لو كان في يد الزوج الآخذ، و الحاصل أنّ المناسب مع عدم الجواز الإتيان بكلمة «ثمّ».

و أمّا نسخة «يجوز» فيبعدها قوله عليه السّلام: ما قدرت عليه، فإنّه مع عدم الجواز يكون مناسبا، فإنّه لا يجوز التأخير مع القدرة، و ما دامها، و أمّا مع الجواز فلا مناسبة لقولنا: ما دمت قادرا، إلّا أن يكون للإرشاد إلى أنّه إذا انجرّ إلى هتك العرض و أمثاله ممّا ينفي معها القدرة عرفا، فلا يتحقّق الداعي، و أمّا إذا قدرت و شئت جاز لك الحبس.

و كيف كان فهذه الرواية أيضا لا تصرفنا عن مقتضى القاعدة من الحكم باستحقاق

المطالبة بواسطة هذا الاختلاف.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 367

المسألة السادسة [في الامتناع بعض المدة]

اشارة

بعد ما استحقّت المهر بالعقد و التمكين لو امتنعت في بعض المدّة و فوّتته على الزوج فمقتضى القاعدة عدم جواز الأخذ من مهرها شيئا و إن كانت عاصية بذلك، لكنّ المهر صار من جملة أمواله يستحقّ مطالبته، و لا يجوز انتزاعه، و لكن ورد النصّ في خصوص المقام في ما إذا أخلفت و فوّتت على زوجها بعض مدّتها بجواز أن يحبس الزوج بمقدار إخلافها و يتملك من مهرها، و إن دفعه إليها يسترجع هذا المقدار منها.

و قد تقدّم في المسألة السابقة الإشارة إلى هذه الروايات، و لا بأس بالتيمّن بذكر بعضها الآخر هنا.

فمنها: خبر ثالث لعمر بن حنظلة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة شهرا بشي ء مسمّى، فتأتي بعض الشهر و لا تفي ببعض؟ «قال عليه السّلام: يحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنك إلّا أيام حيضها، فإنّها لها» «1».

فإنّها صريحة في مكافأتها بمثل عملها و الحبس عنها من مهرها، كما حبست

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 368

هي عنك من بعضها، و هذا لا كلام فيه، إنّما الكلام في بعض فروعه.

و منها: هل يتعدّى في المستثنى أعني: أيام الحيض إلى كلّ عذر كالمرض و كصوم رمضان و نحو ذلك، أو أنّها باقية تحت المستثنى منه؟

الظاهر عدم إمكان التعدّي، بل يمكن أن يقال: إنّ أيّام الحيض بواسطة عموم البلوى بها في كلّ شهر مستثناة في قصد المتعاقدين، فليس حالها كالأعذار الاتّفاقيّة.

و منها: أنّ الحكم في المستثنى منه حيث عرفت كونه على خلاف القاعدة، فلا بدّ من الاقتصار على مقدار مدلول الرواية، فهل هو

شامل لكلّ تفويت حتّى ما كان بسبب عذر شرعي كصوم رمضان، أو بواسطة حبس جائر لها و منعها عن إتيانها إلى زوجها، بل و مثل النوم و السهو و الإغماء، بل و الموت، فيحكم بالتقاصّ المزبور في جميع صور الفوات و إن لم يكن بتفويت منها إلّا في ما إذا استند احتباسها إلى الحيض.

قد يقال: ظاهر قوله عليه السّلام: أخلفتك، و تخلفك، و قطعت من الشرط، و لا تفي ببعض، أن يكون التفويت باختيار منها و لو لعذر مثل شهر رمضان، أو لإكراه مكره، فلا يشمل صورة السهو و النسيان و الإغماء و ما إذا منعها مانع بالقهر و الحبس، نظرا إلى أنّ ظاهر الهيئة في هذه الكلمات هو الصدور الاختياري.

و يمكن أن يقال: إنّه و إن كان الظاهر ذلك، و لكن بواسطة المناسبات المقاميّة يمكن استظهار الأعمّ، بمعنى صدور الفعل عن قوّتها و لو لم يصدق كونه اختياريّا لها كما في صورة السهو و النسيان، نعم مع قهر القاهر ليس الفعل ناشئا عن قوّتها.

و هذا نظير ما يقال في قولهم: من أتلف. إلخ، فإنّه أيضا ظاهر هيئته هو الإتلاف عن عمد و اختيار، و لكنّ المراد هو الأعمّ منه و ممّا كان عن قوّته و لو في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 369

حال النوم أو السهو أو الاشتباه أو قصد ضرب يده على ماله فصادف اتّفاقا مال الغير فأتلفه.

نعم ما كان عن قوّة غيره و لو كان بآليّة يد هذا كما لو أخذ الغير يد هذا و ضربها بقوّة على مال الغير حتّى كسره فليس داخلا في العموم؛ إذ الفعل حينئذ لم يصحّ نسبته إليه، بل إلى ذلك الغير، فيقال: أتلف المال ذلك الغير

لا صاحب اليد، و هذا بخلاف حال النوم و أضرابه، فإنّه يقال: إنّه أتلف المال.

فهكذا الكلام في مقامنا يقال: إنّها قطعت من المدّة و أخلفت و لم تف و لم تأت في صورة الاستناد إلى قوّتها و لو لم تكن عامدة شاعرة ملتفتة، و لكن لا يقال هذه عند موتها أو قهر قاهر لها.

إن قلت: ما ذكرت من تصوّر الأنحاء الثلاثة و انصراف الصدور إنّما هو في الفعل الوجوديّ؛ فإنّه تارة بمعنى الصدور إمّا اختيارا أو غيره، و اخرى بمعنى مجرّد القيام الذي لا يصحّ و لا يقبل الإضافة الصدوريّة، فلا يقال: صدر الضرب من الرجل الذي رفع الغير يده و ضربه بقوّة على رأس أحد، بل يقال: صدر من ذلك الغير، و هذا واضح.

و أمّا العدمي مثل: ما ضرب، فهو أعمّ حتّى من الصدور فضلا عن الاختيار، فقولك: ضرب، يحتاج لا أقلّ إلى صدوره من قوّة زيد في المنام، و أمّا قولك: ما ضرب، فيكفيه أن يمنع الغير و يمسك يد زيد من وقوعها على رأس شخص بحيث يسلب الاختيار عن زيد رأسا. و لعلّ السرّ في ذلك أنّ النفي داخل على المادّة المتفاهم منها الصدور، فكأنّه قيل: الضرب ما صدر من زيد، فلا يعتبر الصدور بالنسبة إلى النفي بأن يكون المعنى عدم الضرب صادر من زيد.

و على هذا فنقول: كما وقع في مقامنا التعبير بالوجودي في الأخبار و هو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 370

عنوان الإخلاف و الحبس، كذلك وقع بالعدمي و هو عنوان عدم الوفاء، و هو صادق كما عرفت حتّى في مورد سلب الاختيار رأسا، مثل الموت و نحوه، و إذن فما وجه الأخذ بمقتضى الوجودي و عدم الحكم بمقتضى هذا

العدمي؟

قلت: نعم يقع بينهما التعارض، كما وقع في أخبار ردّ الشرط المخالف تعبير المخالفة و تعبير اللاموافقة، و الظاهر أنّ المخالفة أمر وجودي كالإخلاف في مقامنا، لا بمعنى احتياجه إلى فعل خارجي، بل و لو كان صرف الكفّ النفساني فليس عبارة عن صرف الترك في الواجب و النسبة بينهما العموم و الخصوص المطلق و الإطلاق و التقييد و المطلق و المقيّد المثبتان كما في المقامين و إن كان يمكن الأخذ بكليهما و الحكم بتعدّد المطلوب، و لكنّه في ما إذا لم يعلم بوحدة الملاك و قد علم في المقامين و حينئذ لا محيص عن حمل المطلق على المقيّد و الحكم على طبق المقيّد، و هو في ذلك المقام المخالفة، و في مقامنا عنوان الإخلاف و الحبس و قد عرفت عدم الصدق إذا لم يكونا صادرين.

نعم لا فرق ظاهرا بعد الصدور في قسميه من الاختياري و غيره، كما وقع في حالي السهو و النسيان و نحوهما، هذا تمام الكلام في المستثنى منه.

الامتناع عن التمكين لعذر

و أمّا المستثنى فقد وقع في الأخبار استثناء أيّام الحيض عن الحكم المزبور، فلو لم يكن في البين تعليل لكان اللازم الاقتصار عليه و عدم التعدّي إلى سائر الأعذار حتّى مثل النفاس و صيام شهر رمضان.

و أمّا بعد ملاحظة التعليل الوارد في بعضها بقوله عليه السّلام: لأنّها- يعني أيّام

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 371

الحيض- لها، و في بعضها تعقيب ذلك بقوله عليه السّلام: و لا يكون عليها إلّا ما حلّ له فرجها، فلا بدّ من معنى التعليل، ثمّ التعميم على حسبه.

فنقول: قوله: فإنّها لها، في حدّ ذاته مع قطع النظر عن تلك التتمّة تحميل وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد أنّ هذه الأيّام مختصّة بها

من باب أنّه لا يتعلّق حقّ للزوج بها و يكون فرجها فيها عليه حراما، و على هذا فلو كانت صائمة و الزوج مسافر فهي داخلة تحت المستثنى منه؛ لأنّ فرجها غير محرّمة على الزوج بعنوان الذات، كما هو المتبادر و إن فرض حرمته بالعنوان الطارئ كإفطار الصائم و نحوه.

و الثاني: أن يكون المراد أنّ هذه الأيّام مختصّة بها لأجل اشتغالها بوظائفها الشرعيّة من التجنّب عن تمكين الزوج و نحوه من المحرّمات على الحائض، و على هذا فيدخل المثال المذكور تحت التعليل.

ثمّ الظاهر من الوجهين بقرينة التتمّة المذكورة هو الوجه الأوّل، و عليه يمكن القول بأنّ مطلق حرمة فرجها عليه و لو بالعنوان الطارئ موجب لعدم التقسيط؛ فإنّ الحكم معلّق على الحرمة الفعليّة، فإنّها الظاهر بعد ملاحظة التعليلين أعني قوله عليه السّلام: هذه الأيّام لها، و قوله عليه السّلام: ليس فرجها عليه حلالا.

فجميع أعذار الزوج الشرعيّة المخرجة للوطي عن الحلّيّة، و كذا أعذار الزوجة كذلك بملاحظة سرايتها إلى الزوج أيضا من باب المعاونة على الإثم داخلة في الاستثناء، فالزوجة في جميعها مخلّفة لشرطها و حابسة لنفسها، إلّا أنّه يكون عن عذر، فلو لا الاستثناء كان الحكم هو التقسيط حسب عموم المستثنى منه، و لكن بعد ملاحظته يكون خارجا عنه و محكوما بحكم القاعدة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 372

المسألة السابعة [في هبة الزوج المدّة بعضا أو كلا]

لا إشكال في جواز هبة الزوج المدّة بعضا أو كلا بعد الدخول أو قبله، و الظاهر أنّ التعبير بالهبة أيضا من باب التسامح، و إلّا فليس الزوجيّة أمرا قابلا للهبة المصطلحة التي هي من العقود و مفتقرة إلى الإيجاب و القبول، كيف و هم يتأمّلون في جريانها في الدين و خصوصا على غير من هو عليه، فضلا عن

المنافع و الحقوق، و المسلّم جريانها في الأعيان مفروزة أم مشاعة.

هذا على فرض كون التمتّع من قبيل الحقوق، و لكنّك عرفت أنّه من الزوجيّة و هي غير قابلة عرفا للنقل و الانتقال و الإسقاط و الإبراء، فالتحقيق أنّ المطلب صرف التعبّد و التعبير بالهبة من باب التسامح.

و حينئذ نقول: لا إشكال في نفوذ هذا الإسقاط و التخلية إذا أثّرت في صيرورة المرأة خليّة بعدها، من غير فرق بين كونها قبل الدخول أو بعده متعلّقة بتمام المدّة إن فرض صحّة جعل المدّة زمانا منفصلا عن العقد، ضرورة عدم تصوّر هبة الكلّ في المتّصل أو ببعضها.

ثمّ لا إشكال أيضا في أنّه لو كان التخلية قبل الدخول أثّرت في تنصيف الصداق، و قد حكي الإجماع متعدّدا، و به موثّقة زرعة عن سماعة قال: سألته عن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 373

رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال عليه السّلام: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الرجل نصف الصداق» «1».

و لا يضرّ إضمارها بعد معلوميّة رجوع الضمير إلى الإمام عليه السّلام و أنّ هذا حصل بواسطة التقطيع، هذا بحسب السند.

و أمّا الدلالة أيضا فخالية عن الإشكال، بل ادّعى شيخنا الأستاذ دام ظلّه صراحتها، فإنّه قد صرّح فيها بخصوص المتمتّع بها، فدخولها تحت كلا الحكمين المذكورين يكون بالصراحة، أعني: حكم كون هبتها صداقها قبضا منها للصداق، و حكم أنّ التخلية قبل الدخول إذا وقعت بها ردّت النصف إلى الرجل، و إذن فلا إشكال في المسألة.

نعم هذا كلّه في ما كانت التخلية بحيث كانت المرأة خليّة

بعدها، و أمّا في غير هذه الصورة كما إذا تمتّع بها شهرين فوهبها أحد الشهرين، إمّا الأوّل فقط، و إمّا الثاني كذلك، فيقع الإشكال و الكلام أوّلا في جواز مثل هذه التخلية و نفوذها، و ثانيا على فرض النفوذ هل هي مشمولة لهذه الرواية أو لا؟

أمّا المطلب الأوّل فحيث عرفت أنّ المطلب أعني: تحقّق الانخلاء بالتخلية أمر تعبّدي و إلّا فليس الهبة المصلحة، بل و لا الإسقاط و الإبراء المصطلحان الجاريان في الحقوق و إن وقع التعبير بذلك مسامحة، فالمقصود أنّه يقدر على رفع اليد عنها و الإعراض عنها، و يصير بذلك خليّة، فلا بدّ من الاقتصار على مورد اليقين و هو صورة تحقّق الانخلاء عقيب التخلية، فيبقى غيرها تحت القاعدة من عدم ارتفاع

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 374

الزوجيّة بذلك، و الحاصل: ليس لنا إطلاق شامل للصورتين.

و أمّا المطلب الثاني، فعلى فرض تسليم استفادة النفوذ في كلتا الصورتين لا إشكال في عدم دخول الصورة الثانية تحت مورد الخبر في مقامنا؛ لأنّ ظاهر قوله عليه السّلام: خلّاها، إيجاد الخلاء في الخارج.

اللهمّ إلّا أن يدّعي مدّع أنّه و إن كانت العبارة و اللفظ قاصرا، و لكنّا نعلم بأنّ المناط مطلق حصول الافتراق و البينونة قبل الدخول، فلا بدّ أن نقول بالتنصيف في صورة الانقضاء قبل الدخول مع كونها ممكنة، و كذا في موت أحدهما قبله.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 375

المسألة الثامنة [في فساد العقد]

اشارة

لو تبيّن فساد العقد بأن تبيّن كونها مزوّجة للغير، أو أخت زوجة العاقد أو أمّها، أو نحو ذلك من موجبات الفساد، فإن لم يدخل بها فلا إشكال في عدم استحقاقها شيئا، و لو دخل فكذلك مع

عصيانها.

و أمّا مع الجهل و عدم العصيان فلا إشكال في أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، لكن يقع الكلام في أنّه المسمّى أو مهر المثل، و على الثاني مهر مثلها في هذا العقد أو في الدائم.

ثمّ بعد الكلام في الضابط الكلّي نتكلّم في مقتضى الأخبار الخاصّة الواردة في خصوص ما إذا تبيّنت مزوّجة و وجه الجمع بينها.

في بيان معنى قولهم عليهم السّلام: «له المهر بما استحلّ من فرجها»

أمّا الكلام في مقتضى الضابط المستفاد من القضيّة المتكرّرة في كلامهم في موارد عديدة كالعقد على المعتدّة و العقد الدائم على مزوّجة الغير و في موارد الفسخ بالعيب و غير ذلك أعني قولهم عليهم السّلام: لها المهر بما استحلّ من فرجها، فنقول: الباء في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 376

قوله: بما استحلّ، يحتمل وجهين: المقابلة، كما في بعت هذا بهذا، و السببيّة، كما في:

ضربته بسوء أدبه.

فإن كانت للمقابلة لا يستفاد القضيّة الكلّيّة؛ إذ غاية الأمر الحكم في المورد الشخصي بالمقابلة بين المهر و الاستحلال، و لا يقاس به غيره من سائر الموارد التي لم ينصّ فيها بتلك القضيّة.

و إن كانت للسببيّة صحّ استفادة الكلّيّة حينئذ؛ لأنّ خصوصيّة المورد ملغاة، كما في: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر، فإنّ رجوع الضمير نظير رجوعه في قولك:

لأنّه متغيّر بعد قولك: العالم حادث، و لا فرق بين اللام و الباء بعد الاشتراك في معنى العلّيّة.

ثمّ المراد من الاستحلال ليس ما يشمل وطي الشبهة الخالي عن العقد رأسا، كما لو تخيّل الأجنبيّة زوجته فوطئها.

و لا يشمل أيضا الوطي بالزنا، بل مخصوص بحال وقوع الوطي على المرأة المعلومة للواطي بعنوان استحلال فرجها، و هو لا يكون إلّا مع سبق عقد عليها و اعتقاد صحّته، فلا يشمل الموطوءة شبهة بتخيّل كونها زوجته، لأنّه لم يستحلّ

وطي هذه مثلا، و إنّما وطئ هندا بزعم أنّها زينب المستحلّة الفرج، فلم يقع وصف الاستحلال في وطي هند، كما أنّ الزاني أيضا لم يتّصف بالاستحلال.

بل ادّعى شيخنا الأستاذ دام ظلّه أنّه ملازم لاعتقاد كليهما بالصحّة، فلا يكفي في صدقه مجرّد اعتقاد الزوج صحّة العقد، و ذلك لأنّ الوطي أمر بين اثنين، فاستحلاله ليس إلّا مع اعتقادهما بحلّيّته.

ثمّ المراد بالمهر الظاهر أنّه المسمّى؛ لأنّه المتبادر بعد سبق العقد المشتمل على المهر، مضافا إلى أنّ في بعض الموارد كلمة الصداق بدل المهر، و هو أظهر

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 377

في المسمّى من كلمة المهر.

و على هذا فيثبت قاعدة كلّيّة من العبارة في كلّ مورد حكم ببطلان العقد مع جهلهما بالفساد بثبوت مهر المسمّى، و من جملتها ما إذا تبيّنت مزوّجة الغير، و لكن وردت فيها روايتان:

إحداهما: حسن حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بقي عليه شي ء من المهر و علم أنّ لها زوجا فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، و يحبس عنها ما بقي عنده» «1».

و الأخرى: مكاتبة ابن الريّان إلى أبي الحسن عليه السّلام: «الرجل يتزوّج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي ثمّ دخل بها، و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب عليه السّلام: لا يعطيها شيئا؛ لأنّها عصت اللّه» «2».

و لا يخفى ظهور الأخيرة- بملاحظة قوله عليه السّلام: عصت اللّه، و قول السائل:

و لها زوج مقيم- في حالة علم الزوجة، و ظاهرها أيضا عدم استحقاقها شيئا من المهر؛ فإنّ موردها و إن كان

الباقي من المهر، و لكن يفهم من العبارة عدم الاستحقاق بالنسبة إلى المقدار المدفوع أيضا.

و على هذا فنسبتها مع الاولى- حيث ليس فيها قرينة على كونها جاهلة أو عالمة- نسبة المقيّد مع المطلق، فيجب حمل المطلق على المقيّد.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 378

و لا يلزم الحمل على الفرد النادر؛ فإنّ مطلق تزويج المرأة نفسها مع كونها ذات زوج أمر نادر، سواء مع الجهل أم مع العلم، فليس تخصيص القضيّة المتعرّضة لهذا المقسم النادر بأحد قسميه من تنزيل المطلق على الفرد النادر.

و إذن فمقتضى الروايتين أنّ المرأة مع علمها لا يستحقّ شيئا من المهر، و مع جهلها يستحقّ ما أخذته، قليلا كان أو كثيرا.

فيبقى صورة جهلها و عدم أخذها شيئا، أو أخذها كلّ المسمّى، و هاتان الصورتان مشمولتان للضابطة الكلّيّة المتقدّمة، فيحكم فيهما باستحقاق تمام المهر المسمّى.

و أمّا في سائر موارد ظهور بطلان العقد فيفصل بين حالتي علمها بالفساد و جهلها، فمع العلم لا مهر، و مع الجهل يثبت لها المسمّى بالقاعدة المزبورة.

لا يقال: بل فيها أيضا يحكم بمثل ما حكم في الصورة المتقدّمة، و ذلك لأجل استفادة التعليل من قوله في الرواية المتقدّمة: ما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، بعين التقريب المتقدّم في قوله: لها المهر بما استحلّ من فرجها.

لأنّا نقول: الظاهر الفرق بين العبارتين في فهم الكلّيّة من الثانية دون الاولى، فراجع الرواية المتقدّمة و لا حظها، و كيف كان هذا كلّه على تقدير القول بالكلّيّة المذكورة.

و أمّا على عدم القول بها كما يظهر ذلك منهم حيث يظهر منهم عدم التزامهم في كلّ

مورد حكم ببطلان العقد بثبوت مهر المسمّى، فلا بدّ من الرجوع حينئذ إلى مهر المثل؛ لأنّ البضع لا يقع بلا عوض، و الظاهر أنّ المراد به ملاحظة المثليّة في جميع الخصوصيّات المشتمل عليها العقد الفاسد، فكما يلاحظ جميع خصوصيّات المرأة من الشرف و الضعة و غيرهما، فكذلك لا بدّ من ملاحظة خصوصيّات العقد؛ فإنّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 379

ذلك ممّا يختلف باختلافه المهر أشدّ اختلاف، فالعقد الدائم يخالف المنقطع، و المنقطع الأقلّ مدّة يخالف الأطول، فمع ملاحظة جميع هذه يلاحظ أنّ مهر مثلها ما ذا، فيحكم بثبوته لها في غير مورد النصّ على الخلاف.

و يمكن أن يكون نظر العلماء رضوان اللّه عليهم حيث لم يعملوا بالكلّيّة المذكورة في غير ما نصّ فيه بالعبارة المذكورة إلى أنّه لا يستفاد من القضيّة المعلّلة إذا انضمّ إليها قيد أو شرط فرض الفراغ عنها- كما لو قيل: يحرم على المريض، أو:

إذا مرضت يحرم عليك الرمّان لأنّه حامض- عموم الحكم المعلّل حتّى بالنسبة إلى فاقد ذلك القيد أو الشرط.

ففرق بين الزيد في قولنا: يجب إكرام الزيد لأنّه عالم، حيث يتعدّى منه إلى عمرو العالم، و بين المريض، فلا يتعدّى منه إلى السالم.

و الحاصل: إذا احتملنا مدخليّة ذلك القيد مع العلّة المذكورة في تحقّق الحكم فلا ظهور يدفعه، و ليس هذا كاحتمال مدخليّة سكر الخمر في قولنا: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر، و لعلّ هذا بحسب الكبرى غير قابل للخدشة و إن نوقش في بعض الأمثلة في كونه من هذا القبيل، فلا يضرّ بالكبرى المذكورة.

و حينئذ فإذا فرض مثلا في مورد كلام الإمام عليه السّلام أنّ المرأة نكحها رجل في عدّتها لزوجها و دخل بها، فقال الإمام عليه السّلام في

هذا المورد: لها المهر بما استحلّ من فرجها، فلقائل أن يقول: ليس إلغاء هذه الخصوصيّات من قبيل إلغاء خصوصيّة الخمر في مثال السكر، فإنّ الظاهر من العلّة في ذلك المثال عدم الخصوصيّة، حتّى لو قيل: ماء العنب إذا صار خمرا حرام لأنّه مسكر؛ فإنّ قيد الخمريّة لأجل تحقّق الإسكار.

و أمّا في المقام فمن قبيل ما لو قيل: شرب الخمر وقت الصباح حرام لأنّه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 380

مسكر، فهل ترى من نفسك التعدّي إلى الشرب وقت المساء؟ بل المتيقّن هو التعدّي إلى كلّ موضوع مسكر، لكن مع التقييد بشربه في الصباح.

فهكذا في مقامنا لو قيل: زينب لو نكحت في العدّة و دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها، فهل يمكن التعدّي إلى كلّ نكاح فاسد و لو لم يجتمع هذه القيود، أو أنّ المتيقّن هو التعدّي إلى هند و سائر النسوان، لكن مع مراعاة جميع القيود فيهنّ من النكاح، في العدّة مع الدخول؟

و هكذا متى قيل: إذا بان لها زوج و قد بقي عليه شي ء من المهر فلها ما أخذته؛ لأنّها مستحلّة الفرج، فغاية الأمر التعدّي إلى كلّ امرأة لو كان مورد الكلام خصوص امرأة شخصيّة، لكن مع هذه القيود، لا و لو مع انتفائها.

و بالجملة، فعلى هذا لا بدّ في الحكم باستحقاق المهر المسمّى في كلّ مورد حكم بفساد العقد من ملاحظة أنّه هل ورد هذه العبارة أو ما أدّى مؤدّاها في ذلك المورد أو لا، فإن ورد حكمنا به، و إلّا فاللازم الرجوع إلى مقتضى القاعدة من مهر المثل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 381

فصل [في الأجل]

اشارة

من جملة أركان عقد المتعة هو الأجل، فلا ينعقد بدونه، و هل ينعقد دائما أو لا ينعقد

هو أيضا فيصير باطلا؟

المسألة ذات شقوق أربعة، لأنّ الصيغة إمّا وقعت بلفظ متّعت، أو بلفظ أنكحت و زوّجت، و على كلّ من التقديرين إمّا يكون الإخلال بذكر الأجل لفظا و قصدا، بأن كان من الأوّل قاصدا، فغفل حين الإجراء عن هذا المعنى بالمرّة و أنشأ بلا قيد الأجل، و إمّا يكون الإخلال لفظا فقط، مع أخذه في القصد و النيّة، فهذه أربع صور.

و لا بدّ أوّلا من التكلّم في حكمها حسب القاعدة، فإن حكم بالجواز في الجميع فإن دلّ النصّ أيضا صار مؤيّدا، و لو قيل بالمنع و البطلان انقطاعا و دائما أو بالتفصيل بين تلك الصور فحينئذ نحتاج إلى النصوص الواردة و أنّه هل لها دلالة على المطلب أو أجنبيّة عنه، و على فرض الدلالة هل يعمّ جميع الصور المذكورة أو يختصّ ببعضها؟

فنقول: أمّا مقتضى القاعدة فهو التفصيل بين صورة الإيقاع بلفظ «متّعت» و صورة الإيقاع بلفظ «أنكحت» من غير فرق بين قسميهما، فالحقّ في الأوّل هو المنع، و في الثاني هو الصحّة دائما.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 382

أمّا المنع في الصورة الأولى فلأجل دخالة قيد الأجل بنحو الإهمال في مفهوم المتعة، فمعنى متّعت أنكحت نكاحا انقطاعيّا مؤقّتا، فالتوقيت في مفهومه مأخوذ، فلا بدّ من الحكم بالبطلان و عدم الوقوع لا منقطعا- لعدم تعيين الأجل و إبهامه- و لا دائما؛ لفرض قصد ضدّه.

و أمّا الصحّة دائما في الصورة الثانية فلأجل أنّ الإنشاء القلبي مع المظهر اللفظي قد تحقّق بالنسبة إلى حقيقة النكاح و لم يتحقّق بالنسبة إلى الأجل أمّا بكلا جزئية، و إمّا بجزئه اللفظي، فاللازم تحقّق النكاح الدائم؛ لعدم حاجته في التحقّق إلى أزيد من هذا؛ فإنّ سبب تحقّقه و إيجاده ليس إلّا

قصد تحقّق النكاح و المزاوجة و عدم ربطه بالوقت و الأجل، و لا حاجة إلى قصد الدوام.

لا يقال: و إن كان لا يحتاج إلى قصد الدوام، و لكن ينافيه قصد اللادوام، و هو بالفرض هنا مقصود.

لأنّا نقول: في صورة الغفلة و النسيان لم يقصد إلّا إنشاء حقيقة النكاح بدون تعلّق القصد إلى جعل الغاية، فهو أشبه شي ء بإيجاد جسم أبيض بخيال أن يسوّده بعد الإيجاد فنسي تسويده، فإنّه يبقى قهرا أبيض، فهنا أيضا جعل النكاح إنشاء و كان في داعيه أن يربطه بعد جعله بجعل الغاية، لكن لم يجعل، فيبقى قهرا حقيقة النكاح بلا غاية، هذا مع الغفلة و عدم جعل الغاية حتّى قصدا أيضا.

و أمّا مع قصده و عدم التلفّظ به فهو معنى مقصود على حده منحاز عن معنى النكاح، فهما مدلولان و لهما دالّان أتي بدالّ أحدهما و لم يؤت بدالّ الآخر، و ليس الثاني أعني الغاية من جزء مفهوم الأوّل أعني: معنى النكاح و المزاوجة، كما مرّ في معنى متّعت.

و إن شئت قلت: إنّ الفرق بين معنى متّعت و معنى أنكحت و ضميمته القصدي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 383

هو الفرق بين معنى الإنسان و معنى الحيوان الناطق، فإنّه حين أداء كلمة «حيوان» لم يتصوّر إلّا هذه الحصّة فقط، و الزيادة شي ء آخر و له دالّ آخر لا ربط له بتصوّر مفهوم الإنسان، فإنّه واحد قد اندمج فيه الجزئان.

إن قلت: و إن كان حصّة لفظة حيوان في المثال و أنكحت في المقام هو العامّ، و لكنّه إنّما قصد بحسب الجدّ الخاصّ، و لهذا لو علمنا أنّه أراد أن يقول: جئني بحيوان ناطق، فعرضه مانع عن التلفّظ بالناطق بعد قوله: جئني بحيوان، هل

ترى من عقلك أنّا لو أتينا بفرد من أفراد مطلق الحيوان و لو لم يكن ناطقا، كنّا ممتثلين لهذا الأمر و كان ما أتينا مرتبطا بمقصوده الجدّي؟ كلّا و حاشا عن ذلك، مع أنّه لا ريب في كونه مصداق ما وضع للفظة الحيوان. ففرق بين ما وضع له اللفظ و بين ما قصده المتكلّم منه جدّا، و معيار الإفادة و الاستفادة على المقصود الجدّي لا الاستعمالي.

قلت: ما أتيت قد قصده جدّا، نعم لم يقصده لبّا، بمعنى أنّه غير مطابق لغرضه اللبّي الجناني، و مقامنا أشبه شي ء بما إذا أراد مشي الفرسخ و مشى نصفه فمات، فإنّه قد صدر منه هذا النصف بإرادة و مشيّة حتّى بعنوان النصفيّة، فإنّه منتزع عن عدم تحقّق النصف الآخر و لا يحتاج إلى إعمال اختيار منه في هذا العدم في صدق المعنى المذكور، بل يكفي عدم إعمال اختيار، و هو حاصل بالفرض، فإذا قصد في المقام نحو مفهوم النكاح، فهو و إن كان في نيّته عازما على المقيّد منه بالانقطاع و الأجل، إلّا أنّه نحو هذه المهملة أيضا قاصد قصدا جديّا. و بهذا البيان صحّحنا البراءة في الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين.

نعم قد تخلّف الغرض اللبّي عن المقصود و هو شي ء غير عزيز و لا محذور، و الذي هو المحذور في باب العقود التي هي تابعة للقصود مخالفتها مع المقصود و هو غير حاصل؛ فإنّ المهملة قد قصدت جدّا، و حدّها الذي هو أمر عدمي لا يحتاج إلى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 384

قصد في اختياريّة المحدود، فيصدق أنّ المطلق وقع مقصودا بقصد جدّي و وقع على طبق هذا القصد أيضا اللفظ، فلا محالة يؤثّر أثره على حسب القواعد.

و مثال آخر

للمقام أن يقصد بالقالب المساوي لنصف الذراع رسم الخطّ المحاذي للذرع باعتقاد أنّه قالب الذرع التامّ، فإنّه يرتسم النصف باختيار من الضارب و إرادة، و لا ينافيه أنّه أراد الذرع التامّ لا النصف؛ لأنّه بتلك الإرادة أراد النصف أيضا، و حدّ النصفيّة لا يحتاج إلّا إلى عدم تحقّق علّة النصف الآخر، و لا يحتاج إلى اختيار آخر، فيكفي في مختاريّة النصف بهذا العنوان مختاريّة الذات، فإنّ عدم اختياريّة عدم شي ء آخر معدوم لا ربط له باختياريّة شي ء آخر موجود، فنحن نشير إلى ما وجد في عالم الخارج و الكون، دون ما بقي في العدم، فنقول: هذا الموجود وجد باختيار الفاعل و صدر عن إرادته، و لعلّ هذا بالتأمّل في الأمثلة يتّضح غايته إن شاء اللّه تعالى.

و من هنا يتّضح أنّ حديث تبعيّة العقود للقصود لا ينافي ما نحن بصدده، بل يؤيّده، كما أنّه لا ينافيه القول بصحّة البيع مع الأوصاف المتخلّفة أو الفاسدة بناء على عدم إفسادها للعقد، هذا كلّه هو الكلام على طبق القاعدة.

و أمّا على حسب الأخبار فلا بدّ أوّلا من التيمّن بذكرها ثمّ النظر في سندها و دلالتها.

فمنها: ما رواه في الوسائل عن الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد اللّه بن بكير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «إن سمّي الأجل فهو متعة، و إن لم يسمّ الأجل فهو نكاح باتّ» «1».

و هذه الرواية بحسب السند غير قابلة للخدشة، و أمّا بحسب الدلالة فقد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 385

خدش فيها بأنّها بصدد بيان ما هو التفاوت بين نحوي النكاح و اختلافهما

في كون أحدهما محدودا بالأجل المسمّى دون الآخر.

و أنت خبير بأنّ التعبير اللائق بهذا المقصود تعبير آخر، كأن يقال: الدائم غير محتاج إلى ذكر الأجل و المتعة محتاج إليه و نحو ذلك من التأديات عن اختلافهما في عالم المفهوم، و هذا غير الحكم على تسمية الأجل بأنّه متعة، و على عدمها بأنّه نكاح دائم، فإنّه ملائم مع ما نحن بصدده، فالإنصاف أنّ الظهور الصالح للاستناد في الحكم ثابت للرواية.

و منها: ما رواه في الوسائل أيضا عن الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن إبراهيم بن المفضّل، عن أبان بن تغلب «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال عليه السّلام: تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما، و إن شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما، و تسمّى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فإذا قالت: نعم، فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها، قلت: فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيام، قال عليه السّلام: هو أضرّ عليك، قلت: كيف؟ قال عليه السّلام:

لأنّك إن لم تشترط كان تزويج مقام و لزمتك النفقة و العدّة، و كانت وارثا و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» «1».

و هذا و إن كان ضعيفا لجهالة إبراهيم بن المفضّل، إلّا أنّ الدلالة غير قابلة للخدشة، و إن خدشت أيضا بقوّة احتمال أن يكون السؤال عمّا إذا بدا له القصد إلى الدوام حياء عمّا يعتبر في قوام الانقطاع من اشتراط الأجل، فيقصد الدوام لذلك

______________________________

(1)

الوسائل: كتاب النكاح، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل، و الباب 20 من الأبواب نفسها، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 386

فيقع في لوازمه و أحكامه، فنبّهه الإمام عليه السّلام على ذلك، فإنّه أضرّ ممّا يرد عليه في ما يهمّه لو لا الاستحياء، مع احتمال أن يكون الأضرّيّة في مقام وقوع التنازع و الترافع.

و لكنّك خبير بأنّه أيضا خلاف الإنصاف، فإنّه في مقام تعليم صيغة المتعة و كيفيّتها بعد الفراغ عن إرادتها، ففرض حصول البداء و تبدّل القصد إلى الدائم خروج عن فرض السؤال و الجواب، مع أنّه أيضا ليس شيئا محتاجا إلى السؤال حتّى يسأله مثل أبان بن تغلب. فلو كان سند الرواية سليما لكان دالا على الانقلاب حتّى في مثل ما إذا كانت الصيغة بلفظ «متّعت» و ذلك لما ذكر في صدر الرواية من التصريح بلفظة المتعة في صيغتها.

و منها: ما رواه في الوسائل عن شيخ الطائفة بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن هشام بن سالم «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة، قال:

فقال عليه السّلام: ذاك أشدّ عليك، ترثها و ترثك و لا يجوز لك أن تطلّقها إلّا على طهر و شاهدين، قلت: أصلحك اللّه فكيف أتزوّجها؟ قال عليه السّلام: أيّاما معدودة بشي ء مسمّى مقدار ما تراضيتم به، فإذا مضت أيّامها كان طلاقها في شرطها، و لا نفقة و لا عدّة عليك» «1» الحديث.

و هذه أيضا و إن كانت ضعيفة، و لكنّ الدلالة تامّة حتّى بالنسبة إلى صورة إجراء الصيغة بلفظ «تمتّعت» و نحوه، و لعلّ المراد من قوله: مرّة مبهمة

أنّه عيّن كون الفعل مرّة لا أزيد، و لكنّه أبهم من حيث الأجل، فالعمدة هو الخبر الأوّل، و لا دلالة فيه على الصحّة بلفظ «متّعت» لعدم الإطلاق له من هذه الجهة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 387

المسألة العاشرة في تحديد الأجل قلّة و كثرة

لا إشكال في أنّ تقدير الأجل إليهما، فعلى أيّ مقدار تراضيا صحّ، كالسنّة و الشهر و اليوم، و الحاصل: ليس له تقدير شرعا لا من طرف الكثرة و لا من طرف القلّة.

نعم قد يقع الشكّ في بعض الأفراد من جهة غاية الطول كالخمسمائة سنة، و منشأ الشكّ عدم الداعي العقلائي مع فرض العلم بعدم بقائهما إلى تلك الغاية، فهو كما لو آجر إنسانا للخياطة مثلا في هذه المدّة أو وكّله فيها، فإنّ الجدّ في الإنشاء غير متحقّق؛ فإنّ الغرض العقلائي إذا لم يكن في تعيين هذه المدّة مطلقا فإنّ الاستمتاع مقطوع العدم و سائر الآثار من حصول المصاهرة متحقّقة باختيار أقلّ منها، فيبقى اختيارها لغوا و سفهائيّا، فلا يتمشّى الجدّ.

و الحاصل: لا عيب فيه غير هذا بحيث لو فرض فيه حصول غرض عقلائي خرج به عن السفهائيّة و صحّ، كما لو لم يحضر الوليّ العرفي للزوجة الذي لا يتمشّى العقد خارجا بدون حضوره و رضاه إلّا بالعقد بهذه المدّة و لم ترض بأقلّ منها، فإنّ الغرض حينئذ حاصل، فالجدّ متمشّ، فلا مانع عن الصحّة.

ففرق بين عدم تمشّي الجدّ لأجل عدم قابليّة المحلّ كالجدار، و بين عدمه لأجل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 388

عدم الغرض، فالأوّل لا يكفيه وجود ألف غرض، و أمّا الثاني فيكفي في حصول الجدّ حصول غرض واحد، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ المرأة

قابلة للانقطاع و لو بقيد الخمسمائة سنة، و لكن عدم الجدّ لعدم الغرض في هذا القيد، فإذا حصل ارتفع المانع، هذا حال كثرة المدّة أزيد من المتعارف.

و أمّا عكس ذلك بأن جعلها في غاية القلّة كاللحظة الواحدة المضبوطة فهو أقلّ إشكالا؛ فإنّه و إن لم يمكن الاستمتاع من الزوجة في مقدار اللحظة، إلّا أنّ الأثر غير منحصر فيه، بل من الآثار حصول المصاهرة، فيمكن صيرورته غرضا، فيتمشّى الجدّ إلى الإنشاء، هذا حال المقام.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 389

في جواز عقد المتعة على الصغيرة أو غير القابلة للاستمتاع

اشارة

بقي الكلام في فرع ذكروه هنا استطرادا و هو جواز عقد المتعة على الصغيرة الغير القابلة للاستمتاع أو للصغير كذلك.

فنقول: منشأ إشكال عقد متعتهما أمور:

الأوّل: أنّ حالهما كالجدار لا يتمشّى الجدّ فيهما، و هو مخدوش بأنّ الواقع على خلافه، و خصوصا بعد ضمّ مقدار من زمان البلوغ أو ما يقرب منه من أزمنة قابليّة الاستمتاع، و لهذا لا إشكال في جواز عقد الدوام.

و الثاني: أنّه يشكّ في شمول دليل الانقطاع للصغير و الصغيرة، فإنّه بعد ما كان الانقطاع مخترعا للشرع فمن المحتمل أن يكون من شرطه البلوغ، و ما ورد في باب المتعة كلّها واردة في الكبيرين، و يمكن رفع هذا الشكّ أيضا بملاحظة ما ورد في نكاحها بالدائم، مع إمكان دعوى القطع بالمساواة بينه و بين المنقطع، لكنّه مبنيّ على تنقيح المناط القطعي.

و الثالث: أنّه يشكّ في كونه من الشؤون المقرّرة لوليّ الصغيرين، فإنّه إنّما يلي أمورهما ممّا يحتاجان إليه، و عقد الازدواج الانقطاعي ليس من ذلك، نعم الدوام كذلك.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 390

اللهمّ إلّا أن يفرض كون مدّة المنقطع طويلة كتسعين سنة مع عدم وجود الأصلح منه بالعقد الدائم، فإنّ الفرق بين هذا القسم

من المنقطع و بين الدائم في غاية البعد، فإنّه يعدّ من أموره حينئذ، فيدخل تحت ولايته و نفوذ تصرّفه.

و حيث إنّ المسألة مبتلى بها- حيث تعارف عقد الأولياء الصغيرة رجلا لأجل المحرميّة مع أمّها أو بالعكس- فاللائق بسط الكلام فيها، و قد أصرّ المحقّق القمّي قدّس سرّه الشريف في أجوبة مسائله في إبطال العقد المذكور.

و نحن نتكلّم في المسألة و نشير في طيّ الكلام إلى ما اعتمد هو قدّس سرّه عليه و إلى جوابه بعون اللّه تعالى و إمداد أوليائه صلوات اللّه عليهم أجمعين.

في بيان شرح ماهيّة الزوجيّة

فنقول أوّلا: لا بدّ من شرح معنى الزوجيّة و لو في الدائم و بيان ماهيّتها، فإنّها أمر عرفي و لها عند أهل العرف حقيقة و واقعيّته، فهل واقعيّته عندهم شي ء وراء سلطنة الاستمتاعات المعهودة بين الزوجين و يكون سلطنة الاستمتاعات من أثر ذلك الشي ء، أو هي عبارة عن نفس سلطنة هذه الاستمتاعات؟ أو منتزعة عن ذلك؟

الظاهر من الرجوع إلى العرف أنّها من القسم الأوّل، فكما أنّ الملكيّة شي ء، و جواز التصرّفات شي ء آخر، كذلك هنا أيضا الزوجيّة، و يعبّر عنها في الفارسيّة ب (زناشوئي) شي ء و جواز الاستمتاعات شي ء آخر، غاية الأمر أنّ الملكيّة لو فرض انتفاء جميع الآثار و التصرّفات المطلوبة من الملك في مال بالنسبة إلى شخص ليست بمنتزعة عرفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 391

و أمّا هنا فنرى العرف مساعدا على انتزاع الزوجيّة للزوج الغير القادر على شي ء من أنحاء الاستمتاعات، حتّى مثل القبلة، كالعنّين الخالي عن الشهوة و التلذّذ رأسا، فنراهم يعتبرون إنشاء الزوجيّة بينه و بين امرأة، نعم لا بدّ من تحقّق غرض ليتحقّق الجدّ، و لو عرض في الأثناء لا يحكمون ببطلان الزوجيّة.

و كذا إذا تزوّج

رجل امرأة ساقطة عن كلّيّة الاستمتاعات و التلذّذات بواسطة تجاوزها عن حدّ اليأس و بلوغ سنّها إلى مائة و خمسين مثلا بمحض كونها من أهل بيت الشرف و تحقّق الانتساب في ما بينه و بين ذلك البيت نراهم يتمشّى منهم الجدّ إلى قصد الزوجيّة و النكاح.

و على هذا فلا مانع من جهة عدم إمكان شي ء من الاستمتاعات في حقّ الرضيعة عن صحّة نكاحها و تزويجها.

ثمّ هذا هو الكلام في كلّي الزوجيّة و لو في الدائم.

في بيان حقيقة التمتّع

بقي الكلام في التمتّع و أنّ حقيقته ما ذا؟ فهل هو عبارة عن ملك انتفاع البضع و السلطنة عليه باعتبار منافعه، كما في إجارة الأعيان المملوكة، فلا محالة إذا لم يتصوّر له منفعة و استمتاع كما في بضع الرضيعة لا يتصوّر للتمتّع فيه معنى.

أو أنّ حقيقته أيضا هو الزوجيّة و النكاح، و إنّما شبّه بالإجارة و الاستئجار.

أو أنّ حقيقته شي ء آخر لا نعلمه؟

الظاهر من هذه الوجوه هو الوسط، فإنّه إذا راجعنا عرف المتشرّعة نراهم لا يقصدون بقولهم: «تمتّعت» معنى تلذّذت و أدخلت بضع المرأة تحت تلذّذاتي،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 392

و لهذا يسمّون المال مهرا و صداقا، لا اجرة و جعلا كما في باب الإجارة و الجعالة.

و يردّ الوجه الأخير أنّه لو كان الأمر هكذا، أعني: لا نعلم ما حقيقته عند الشارع، فأوّلا ما ذا يقصد عند الإيجاب و القبول؟ و ثانيا بأيّ دليل يحكم بحرمة أمّ المتمتّع بها على المتمتّع و كذا أختها و ابنتها، مع أنّ المحرّم أمّ الزوجة و أختها و ابنتها.

و القول بإثبات ذلك بالإجماع كما ترى، فإنّا نقطع أنّهم بهذا الملاك يحكمون بالحرمة، لا بملاك آخر.

ثمّ ما يترتّب على النكاح بين طائفتين: الأولى: ما هو

غرض للشارع في تشريعه النكاح و هو النسل، و الثانية: ما هو فائدة مترتّبة عليه و إن لم يكن غرضا للشارع، كحرمة أمّ الزوجة.

فاللازم لتحقّق قصد الجدّ في الإنشاء تحقّق غرض للمنشئ، و يكفي كون غرضه منحصرا في الطائفة الثانية، و لا يلزم أن يكون غرضه في إنشائه مطابقا لغرض الشارع في تشريعه، كما يظهر من المحقّق القمّي قدّس سرّه، فإنّ الجدّ إلى المعنى مشترك بين القسمين، فلا وجه للفرق بينهما.

ثمّ بعد ما تبيّن ممّا ذكرنا أنّ حقيقة الزوجيّة لا مانع من اجتماعها مع امتناع الاستمتاع برأسه يبقى الكلام في احتمال أن يكون البلوغ معتبرا شرعا في تحقّقها، بحيث لا ينتزعها الشارع من الصغير و الصغيرة، و ليس في أدلّة مشروعيّة المتعة أو كيفيّتها و لا في أدلّة نكاح الوليّ للصغيرين ما يستفاد منه جواز نكاح المتعة في الصغيرين.

و جوابه أنّ هذا الاحتمال حسن لو لا أخبار نكاح الوليّ للصغيرين، فإنّها و إن وردت في الدائم، لكن قد رفعت شكّنا المذكور، فعلمنا أنّه لا يكون البلوغ من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 393

مقوّمات الزوجيّة عند الشارع، و يمكن القطع بعدم حدوث مانع من ناحية الانقطاعيّة أيضا.

و أمّا ما تقدّم من الإشكال في عقد الوليّ للصغيرين متعة و الفرق بينه و بين عقدهما دواما بأنّ الثاني من أمورهما، و الأوّل ليس كذلك، ففيه أنّه مغالطة؛ لأنّ باب الولاية في الأب و الجدّ غير ولاية الحاكم التي لا دليل عليها غير كونه قدرا متيقّنا بالنسبة إلى الأمور التي نقطع بعدم رضا الشارع بتعطيلها، فتصدّيه دون غيره من باب أنّه القدر المتيقّن، فلا يجري في غير ما علم بعدم رضا الشارع بتعطيله، و منه المقام.

و أمّا ولاية الأب

و الجدّ فهي ولاية حقيقيّة، بمعنى كونهما صاحبي اختيار أمور الصغيرين، و معنى ذلك أنّ كلّ أمر كان لهما على فرض عدم قصورهما فهو لوليّهما و صاحب اختيار أمرهما في حال قصورهما، غاية الأمر مع رعاية عدم الفساد أو وجود الصلاح على الخلاف لا بدونه.

و حينئذ نقول: من الأمور التي كان لهما تصدّيه لو كانا بالغين هو العقد الانقطاعي، فيقوم مقامهما فيه مع عدم الفساد وليّهما، و إذن فالمسألة خالية عن الإشكال إن شاء اللّه تعالى.

و الاحتياط في المسألة إنّما هو بترك أصل العقد، لا بضمّ مقدار من زمان قابليّة الاستمتاع؛ فإنّه ليس له وجه على حسب ما علم من البيانات السابقة، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 394

المسألة الحادية عشرة

هل يجوز تأخير الأجل عن زمان العقد كابتداء الشهر الآتي أو لا؟

قد تقدّم سابقا أنّ مسألتنا بباب البيع أشبه منه بباب الإجارة، فالمنشأ فيه الزوجيّة للمرأة لا ملك انتفاع بضعها، و إذن فحال تعليقها بالأمر المستقبل حال تعليق البيع به لا تعليق المنفعة في باب الإجارة، و لا تعليق العمل في باب الوكالة؛ فإنّ منفعة الدار مثلا مقسّطة على أجزاء الزمان و هي معروضة للملكيّة لصاحب الدار في عرض واحد، فالملكيّة فعليّة و المملوك استقبالي، و كذا في الوكالة في البيع المستقبل الوكالة منجّزة حاليّة، و المتعلّق فعل استقبالي، فهذان خارجان عن محلّ كلامنا.

و الذي يشبه به أن ينشأ البيع في أوّل الشهر الآتي بحيث كانت الدار مثلا إلى أوّله ملكا للبائع و تحقّق البيع من ذلك الزمان بالقرار الفعلي، و كذا أن ينشأ الزوجيّة الدائمة حالا في أوّل الشهر الآتي.

و الكلام الكلّي في جميع ذلك أنّه قد ادّعي الإجماع على بطلان التعليق

و اشتراط التنجيز في العقود، فلو شرط نفس الوكالة مثلا على أمر غير حاصل يكون باطلا، و لو شرط العمل بالأمر الاستقبالي مع تنجّز الوكالة كان صحيحا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 395

مثال الأوّل: أن يوكّله، و يعلّق الوكالة بيوم الجمعة الآتي.

و مثال الثاني: أن يوكّله فعلا للبيع الصادر في يوم الجمعة الآتي، فلو باع يوم الخميس فليس عدم النفوذ لأجل عدم الوكالة، بل لأجل عدم إتيانه بما و كلّ فيه على نحو ما وكّل.

و لكن علّلوه بما صار خلافه الآن من البديهيّات من منافاة التعليق للجزم في الإنشاء، فإنّه لا يمكن فعليّة الإنشاء و تعليقيّة المنشأ، و قد ظهر خلاف هذا في هذه الأزمنة و أنّ الوجوب المشروط و الملكيّة المشروطة و الضمان المشروط و الإسقاط المشروط كلّها ممكن غير مستحيل عقلا، و بعض العلماء من هذه الدورة اكتفوا بالإجماع، و لكنّ الإنصاف أنّه لا يمكن الاستناد في الحكم إلى مثل هذا الإجماع و لا يكشف لنا رأي المعصوم عليه السّلام.

و الذي اعتمد عليه شيخنا الأستاذ دام علاه أنّه لا دليل على الصحّة في هذه العقود مع التعليق، فإنّه ليس مرسوما عند العرف بيع الدار بعد ستّة أشهر مثلا، و هكذا الضمان للدين الذي يحصل من بعد، أو إسقاط الدين الذي يحصل في ما بعد، و أدلّة نفوذ هذه العناوين منصرفة إلى فعليّاتها، كما أنّ الواجب ينصرف إلى المطلق دون المشروط.

نعم لو فرض في باب الوكالة مثلا تعارف القسمين من المطلق و المشروط قوى الحكم بالصحّة، كما أفتى به بعض السادة الأساطين قدّس سرّه، و كلّما شكّ فيه أو علم بعدم التعارف فالدليل قاصر عن شموله، فيكون باطلا بحكم الأصل.

نعم لو سلم دلالة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

«1» عن الخدشة و لم ينصرف إلى العقود

______________________________

(1) سورة المائدة: الآية 1.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 396

المتعارفة كان هو شاملا للمطلق و المشروط.

و حينئذ نقول: باب الزوجيّة أيضا لم يتعارف فيه دائما و منقطعا إنشائها معلّقا، فالقاعدة يقتضي فسادها، إلّا أنّ خبر بكّار بن كردم ورد في المتعة بالجواز مع صراحته في الدلالة.

فقد روى في الوسائل عن الصدوق عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن بكّار بن كردم، و عن الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن عمر بن عبد العزيز، عن عيسى بن سليمان، عن بكّار بن كردم، و عن الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد إلى آخر ما في الكافي:

قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يلقى المرأة فيقول: زوّجيني نفسك شهرا و لا يسمّى الشهر بعينه، ثمّ يمضي فيلقاها بعد سنين؟ فقال عليه السّلام: «له شهره إن كان سمّاه، فإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها» «1».

فإنّها صريحة في أنّ له السبيل بعد مضيّ السنين إذا عيّن الشهر في الشهر الذي اتّفق الملاقاة بعد السنين فيه.

فالعمدة فيه ملاحظة سند الرواية، فإن سلم عن الخدشة حكم بمضمونها، و قد حكي عن صاحب المستدرك توثيق بكّار، و يروي عنه ابن أبي عمير و يونس ابن عبد الرحمن، كما في رجال أبي علي، و قال فيه في حقّ محمّد بن سنان: إنّ الحقّ الحقيق بالاتّباع و إن كان قليل الأتباع أنّ الرجل كان من أقران صفوان و زكريّا و سعد، انتهى.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 35 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)،

ص: 397

ثمّ على تقدير القول بالصحّة هل يجوز للغير العقد عليها في ما بين العقد و الأجل بحيث كانت المدّة المتوسّطة وافية بأجل العقد الثاني و العدّة؟ الظاهر نعم؛ لعدم فعليّة الزوجيّة بعد، فتحلّ أختها و بنتها و أمّها للعاقد أيضا.

نعم لو لم تف المدّة بالأجل و العدّة لم يصحّ؛ لأنّ الشارع إذا صحّح العقد الأوّل فلازمه عدم تصحيح العقد الثاني للمنافاة بينهما و المضادّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 398

المسألة الثانية عشرة [في اشتراط المرّة و المرّتين]

اشتراط المرّة و المرّتين قد يكون بعنوان أن يكون نفس هذه هي أجل المتعة بدون جعل ظرف للمرّة أو المرّتين، و لازم صحّته أن تكون الزوجيّة باقية لو لم تتحقّق هذه الغاية في الخارج، نعم متى تحقّقت انقضت الزوجيّة، و هذه هي التي سمّيت بالمرّة المبهمة في الخبر المتقدّم في مسألة انقلاب المتعة دائما بالإخلال بالأجل.

و قد تكون أيضا بعنوان الأجل، لكن لا على وجه الإرسال و الإبهام، بل مقيّدا بمدّة معيّنة مثل يوم أو يومين، أو ليلة أو ليلتين، و لازم صحّة هذه أنّه متى فرغ من الجماع مرّة أو مرّتين انقضت الزوجيّة، و لو لم تنقض المدّة، و لو لم يتحقّق الجماع و انقضت المدّة قبله انقضت الزوجيّة بانقضاء المدّة، فيكون انقضاء الزوجيّة بأحد الأمرين و أسبقهما.

و قد تكون بعنوان الاشتراط مع تعيين مدّة المتعة بيوم و نحوه، و لازمه بقاء الزوجيّة إلى آخر المدّة و لو بعد الفعل، غاية الأمر حسب الشرط يحرم عليه الفعل ثانيا لو شرط المرّة و ثالثا لو شرط المرّتين، و هكذا لا كلام في القسم الأخير، و لا ربط له بمسألة الأجل، بل هو شرط سائغ في متن العقد.

إنّما الكلام هنا في الأوليين، أمّا الأولى المسمّاة

بالمرّة المبهمة فقد عرفت أنّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 399

مقتضى القواعد و إن كان بطلانه رأسا و عدم صحّته لا متعة؛ لعدم تعيين الأجل و عدم انضباطه و محروسيّته من الزيادة و النقصان، و لا دواما؛ لعدم القصد إلّا نحو الخاصّ نحو الإنشاء بصيغة التمتّع.

إلّا أنّ الخبر في كلا هذين عارض القاعدة و أوجب الحكم تعبّدا بالانقلاب دائما و إن لم يكن مقصودا للمنشئ على خلاف قاعدة تبعيّة العقود للقصود.

و أمّا الصورة الثانية فقد قوّى صاحب الجواهر قدّس سرّه البطلان فيها بملاحظة أنّ الأجل مردّد بين أمرين: إمّا الفعل و إمّا انقضاء المدّة المضروبة، فهو كما لو جعل الأجل اليوم على تقدير مجي ء زيد و اليومين على تقدير العدم، و لكن لم يستبعد شيخنا الأستاذ القول بصحّتها نظرا إلى الأخبار.

فمنها: ما في الوسائل عن الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل، عن ابن فضّال، عن القاسم بن محمّد، عن رجل سمّاه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتزوّج المرأة على عرد واحد، فقال عليه السّلام: «لا بأس و لكن إذا فرغ فليحوّل وجهه و لا ينظر» «1».

فإنّه لا بدّ من حملها على المرّة المحدودة دون المبهمة، جمعا بينها و بين ما تقدّم من الخبر المتضمّن للحكم بالبطلان متعة و الانعقاد دائما في المرّة المبهمة، و على كون المرّة أجلا للمتعة لا شرطا، بملاحظة حكمة عليه السّلام بتحويل الوجه عنها، فإنّه لا يتمّ هذا إلّا مع الأجليّة و انتهاء أمد الزوجيّة بإتمام الفعل، و إلّا فلو كان شرطا كان جواز النظر باقيا بعده لبقاء الزوجيّة إلى انقضاء المدّة، غاية الأمر حرمة الوطي.

و منها: ما فيه عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد

بن محمّد، عن ابن فضّال، عن

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 400

ابن بكير، عن زرارة، قال: قلت له: هل يجوز أن يتمتّع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال عليه السّلام: «الساعة و الساعتين لا يوقف على حدّهما، و لكنّ العرد و العردين و اليوم و اليومين و الليلة و أشباه ذلك» «1».

فإنّ الظاهر و لو بملاحظة الجمع مع ما تقدّم أنّ الساعة و الساعتين لقصرهما لا يصلح أن يجعلا ظرفين؛ إذ ربّما تنقضيان و لم يعلم الإنسان بذلك، و ربّما يكون مشغولا بالوطي حينئذ، فلهذا أمر بأن تجعل المدّة من الصبح إلى الغروب من هذا اليوم أو من غد أو من أوّل الليل إلى آخرها و يجعل ذلك ظرفا للعرد و العردين حتّى لا يبتلي بمثل ما يبتلي لو جعل المدّة ساعة و ساعتين.

و الحاصل: إن تمّت دلالة الخبرين و كان جمعا عرفيّا فهو، و إلّا فالمتّجه ما ذكره صاحب الجواهر لعدم المحروسيّة عن الزيادة و النقصان، و هل القاعدة حينئذ يقتضي فساده دواما أيضا أو لا؟

الوجه الأوّل لما تقدّم من أنّ قصد الأجل يصيّر النكاح خاصّا، و الذي صلح للدوام هو القصد إلى النكاح بلا هذه الخصوصيّة، بحيث يكون لهذا العدم مدخل في منشأ انتزاعه كانتزاع الوجوب عن إنشاء إرادة الفعل مع عدم إنشاء الترخيص في الترك و انتزاع الندب عن إنشاء إرادة الفعل و ترخيص الترك، و الرواية الواردة بالانقلاب أيضا لم ترد إلّا في إجراء الصيغة بلفظ المتعة و في صورة كون المرّة مبهمة، و كلاهما خارج عن مفروض بحثنا، فالمتّجه حينئذ فيه البطلان رأسا.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 25 من

أبواب المتعة، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 401

المسألة الثالثة عشرة [في كيفيّة الشروط السائغة في ضمن العقود اللازمة]

في مقتضى القاعدة في كيفيّة الشروط السائغة في ضمن العقود اللازمة التي منها النكاح بقسميه بعد عدم صدق عنوان الشرط على الابتدائي و إنّما هو وعد، أو مسلّميّة عدم لزوم الوفاء به، و كذا ما كان في ضمن الجائزة، فإنّه و إن كان عنوان الشرط يصدق عليه، إلّا أنّه يقع التهافت بين دليل جواز هذا العقد الذي صار الشرط خصوصيّة له و دليل لزومه خصوصيّته التي هي الشرط، فمقتضاه التفكيك بين جزئي العقد الواحد، و مقتضى الأوّل جوازه بتمامه بلا تفكيك.

و دعوى عدم التهافت نظرا إلى أنّ دليل الشرط لا يوجبه إلّا في تقدير وجود المشروط فإذا انعدم المشروط و زال فلا لسان له بالوجوب في هذا التقدير.

مدفوعة أوّلا: بأنّه لو كان الأمر كما ذكرت من كون الشرط في تقدير العقد المشروط فيه فاللازم الحكم بنفوذ الشرط و لزومه حتّى بعد زوال المشروط و فسخه؛ لأنّ عنوان الشرط قد انطبق عليه حال الانعقاد، فلا بدّ أن يشمله الحكم أبدا، إذ لا ينسلب عنه هذا العنوان إلى الأبد.

و ثانيا: بأنّ الشرط ليس شيئا مستقلا واقعا في ظرف المشروط، بل هو تتمّة و خصوصيّة لذلك العقد، فقد أوجد العقد المربوط، لا أنّه أوجد عقدا و أوجد في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 402

ضمنه شرطا بدون ارتباط لذلك العقد بالشرط، و لازم هذا أنّه لو حكم بالجواز على هذا العقد الخاصّ يسري الجواز إلى خصوصيّته أيضا.

نعم يجي ء على مبنى القائل بعدم إفساد الشرط الفاسد للعقد مجال للقول بإمكان لزوم الشرط مع كون المشروط جائزا، فإنّ الانفكاك بين الشرط و المشروط في الصحّة و الفساد و في اللزوم و الجواز

من واد واحد، إن كان مطابقا للقواعد في أحدهما كان كذلك في الآخر، و إلّا فليس كذلك فيهما.

و على كلّ حال، ليس المقصود بالبحث الآن إلّا كيفيّة الشروط في ضمن العقود اللازمة على حسب القاعدة أوّلا، ثمّ ملاحظة نصوص باب النكاح و أنّه هل يستفاد منها حكم على خلافها حتّى يمتاز هذا الباب عن سائر الأبواب أو لا؟

فنقول: أمّا الكلام من الجهة الاولى فلا إشكال في أنّه كما يكون الذكر اللفظي بنحو التصريح في متن العقد كافيا في صدق الشرط، كذلك الذكر اللفظي تصريحا في المقاولة قبله، بحيث صار قرينة على المراد في التلفّظ العقدي، نظير ذلك في الإخبار أنّك تقول في جواب من يسألك: كيف زيد؟ تقول: دنف، فيصير ذكر لفظ زيد في السؤال قرينة مغنية عن ذكره في الجواب، بحيث يشترك حكمه مع التصريح، فكلاهما إخبار عن الزيد.

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 402

ففي مقام الشرط أيضا إذا قاول قبل المبايعة مثلا بقوله: لا أبيع داري إلّا بشرط الخياطة، فقال المشتري متّصلا بهذا: بعها منّي، فقال: بعتكها، كفى ذلك في صدق عنوان الاشتراط، بل نقول: و كذا الحال في الثمن و المثمن في البيع و الأجل و المهر في المتعة، فلا فرق بين التصريح بذلك في متن العقد أو الإيكال على الذكر السابق، نعم يعتبر اتّصال الكلام بحيث يندرج في المتفاهم العرفي و الظواهر اللفظيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 403

و وجه الاكتفاء أنّ الخصوصيّة ملحوظة ذهنا و مدلول عليها بدالّ لفظي، فقد ثمّ كلا جزئي العلّة و السبب، هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

و أمّا الثانية: أعني

أنّه هل لباب النكاح خصوصيّة عن سائر الأبواب فلا بدّ من التيمّن بذكر النصوص الواردة فيه أوّلا، ثمّ التكلّم في ما يستفاد منها.

فنقول: روي في الوسائل عن الكافي عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه عن سليمان بن سالم، عن ابن بكير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة فرضيت به و أوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإن أجازته فقد جاز، و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح» «1».

و هذه كما ترى ظاهرة في عدم الاكتفاء بالمقاولة السابقة و رضاها فيها، بل لا بدّ عند إيجاب التزويج أعني: قول الرجل: أتزوّجك متعة على كذا بكذا أن يكرّر عليها ثانيا تلك الشروط فإن أجابت: نعم صحّ، و إلّا فلا، فالمراد بالنكاح في الموضعين هو إيجابه و إن كان الظاهر منه في نفسه هو المسبّب الحاصل بعد تمام الإيجاب و القبول، لكنّ القرينة هنا قائمة.

و أمّا حمل الرواية على صورة الفصل في ما بين المراضاة و بين العقد جمعا بينها و بين القاعدة المتقدّمة المقتضية لجواز الاكتفاء بالذكر السابق مع الاتّصال فخلاف الظاهر.

فالإنصاف أنّ الرواية يستفاد منها التعبّد، بخلاف تلك القاعدة و أنّه مع تحقّق عنوان الاشتراط بما ذكر لا يترتّب شرعا عليه الأثر إلّا مع التصريح به في متن العقد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 404

في خصوص هذا الباب، و يستفاد هذا المعنى أيضا من رواية فقه الرضا عليه السّلام التي حكاها في الجواهر، فراجع.

و لكن هل يختصّ ذلك بخصوص شروط المتعة في ضمن عقدها- و أعني بشروطها

الأجل و المهر- أو يعمّ كلّ شرط سائغ و كلّ نكاح متعة كان أو دائما، كما يقتضيه رواية أخرى رواها فيه عنه، عن أحمد بن محمّد عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن بكير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز» «1» الحديث.

و لكن يمكن أن يقال بأنّ المراد بالنكاح هنا أيضا خصوص النكاح المتعة بقرينة لفظ الشرط؛ إذ هو الذي يحتاج إلى شرط الأجل، و لعلّ المراد من هدم النكاح إيّاه أنّه يصير دائما إذا لم يصرّح بالأجل في متن العقد و اكتفى بتعيينه في المقاولة.

و يشهد لهذا ما رواه فيه عنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليهما السّلام في الرجل يتزوّج المرأة متعة: «إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنّما الشرط بعد النكاح» «2».

بناء على أنّ المراد بالشرط فيه هو شرط الأجل، يعني إذا أخلّا بذكره في متن العقد و اكتفيا بذكره في المقاولة ينقلب العقد حينئذ دائما، فيتوارثان، لا أنّ المراد بالشرط هو اشتراط عدم التوارث، و يكون قوله عليه السّلام: و إنّما الشرط. إلخ جملة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب المهور، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 405

مستقلّة، و أمّا على الأوّل يكون تمام الارتباط بينهما لكون الجملة الثانية بمنزلة العلّة للأولى.

و الحاصل: أنّه يمكن أن يقال باختصاص هذا التعبّد بخصوص المتعة و شروطها المتعارفة التي هي ركنها، فلا يجري في الدائم و

لا في الشروط الأخر و لو في المتعة، و لا أقلّ من الشكّ، فتكون القاعدة هي المرجع في ما عدا مورد اليقين، فإنّ هذه اللفظة لم ترد في باب النكاح الدائم.

و أمّا رواية الكافي عن العدّة عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ فقال عليه السّلام: «ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها و بشي ء يعطيها فترضى به» «1».

فهي أيضا واردة في المتعة؛ فإنّ الآية الشريفة في ذيل الآية الأخرى:

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(2) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 406

المسألة الرابعة عشرة [في العزل]

اشارة

يجوز العزل للمتمتّع و لا يقف على إذنها، و قد يتمسّك لهذا بأنّ المتعة ليست لأجل الولد، بل الغرض منها الاستمتاع.

و فيه أنّه مجرّد استحسان، فلو قيل بحرمة العزل في الدائمة للنهي الوارد عنه بدون التقييد بالدائمة فلا يمكن رفع اليد عن إطلاقه بمثل هذا.

فالعمدة معارضة ذلك النهي بأخبار أخر مرخّصة، و فيها: إنّ ذلك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء، و تحقّق الإجماع على الجواز في ما نحن فيه.

في أنّ المتعة أيضا فراش

و لكن يلحق الولد بالمتمتّع لو حملت و لو مع العزل؛ لاحتمال الجذب، فيجي ء مورد قاعدة: الولد للفراش و للعاهر الحجر، فإنّها أيضا فراش و إن كانت مدّتها قصيرة، فإنّه إذا اتّخذها زوجة في ساعة مثلا فقد اتّخذها فراشا له في هذه الساعة.

و هذا بخلاف الزنا و وطي الشبهة و ملك اليمين إلّا مع اتّخاذها فراشا، فإنّه لا يصدق الفراش فيهما؛ لعدم الاتّخاذ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 407

نعم قد ألحق وطي الشبهة بالنكاح تعبّدا، و كما أنّ هذه القاعدة بالنسبة إلى الغير جارية، كذلك بالنسبة إلى نفسه أيضا إذا شكّ أنّه منه أو لا؟ فلا يجوز له النفي للولد بمحض هذا الاحتمال، بل يحرم لقاعدة الفراش.

نعم لو علم فيما بينه و بين اللّه بانتفاء الولد عنه جاز له تكليفا نفيه عن نفسه، و أمّا غيره فإن علم أنّه آثم بهذا النفي إمّا بأن علم باللحوق و مع ذلك نفاه، أو شكّ و جرى في حقّه القاعدة فلا يؤثّر نفيه في الانتفاء.

و إن لم يعلم بإثمه و احتمل أنّه لم يأثم، لعلمه بعدم اللحوق فحينئذ هل يؤثّر هذا النفي في حقّه الانتفاء من دون حاجة إلى لعان أو لا؟

في عدم جريان اللعان في المتعة

لا إشكال في عدم جريان اللعان في حقّها؛ لإطلاق ما ورد من أنّه لا يقع بالمتمتّع بها اللعان، فإنّه إمّا أن يراد منه عدم الأثر الذي يؤثّره اللعان في الدائم، يعني أنّ الولد هنا ثابت حتّى مع اللعان، و إمّا أن يراد أنّ الانتفاء حاصل بمجرّد النفي، فلا حاجة إلى اللعان، و الأوّل مقطوع العدم؛ إذ يلزم أرفعيّة شأن المتعة عن الزوجة الدائمة، فالولد في الثانية ينتفي باللعان، و في الأول لا ينتفي حتّى باللعان، فيتعيّن الثاني.

نعم

النصّ الوارد بعدم اللعان مطلق من حيث السبب و أنّه كان القذف أو النفي؛ فإنّ النفي غير مستلزم للقذف كما هو واضح.

و الأولى نقل النصّ الوارد، فنقول: روي في الوسائل عن الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن ابن أبي يعفور،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 408

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتّع منها» «1».

و روى فيه عن الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال عليه السّلام: «لا يلاعن الحرّ الأمة و لا الذمّيّة و لا التي يتمتّع بها» «2».

فإن قلت: النهي في الروايتين إنّما هو عن الملاعنة المطلقة، سواء كانت لأجل القذف أم لأجل النفي، و نسبته مع الآية الشريفة الدالّة على اللعان في قذف الأزواج أعني قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ «3» الآية عموم من وجه، و كذلك بينه و بين ما دلّ من السنّة على ثبوت اللعان بين الزوج و الزوجة بنفي الزوج.

هذا إذا أريد بالنهي أنّه مع اللعان يثبت الولد و لا ينتفي، و لو أريد أنّه في انتفائه لا يحتاج إلى اللعان، بل ينتفي بمجرّد النفي فيقع بينه و بين قاعدة الفراش أيضا التعارض بالعموم من وجه.

قلت: الظاهر عدم ملاحظة النسبة بين هذا النفي و ما بقبالة من العموم و الإطلاق، لأنّه نفي الموضوع بلحاظ الأثر، و ليس المراد به التكليف، فيكون مثل قوله: «لا ضرر» فكما لا يلاحظ النسبة بينه و بين العمومات المثبتة بعمومها أو إطلاقها الحكم الضرري، فكذلك مقامنا أيضا لا بدّ أن لا يلاحظ

النسبة بين هذا النفي و بين العمومات المذكورة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب اللعان، الباب 10، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب اللعان، الباب 10، الحديث 2.

(3) سورة النور: الآية 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 409

فهذا النفي نظير «لا ربا بين الوالد و الولد» «1» و «فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ» لا على ما يوهمه ظاهر كلام المورد من كونه نهيا عن الملاعنة و إن كان هذا التركيب في «فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ» يفيد التحريم، و في مقامنا و في لا ربا يفيد نفي الأثر، و لكنّه ليس إلّا اختلافا مورديّا، و إلّا فالمعنى في الكلّ واحد و هو النفي بلحاظ نفي الأثر، غاية الأمر أنّ الأثر بحسب المقامات مختلف.

و حينئذ نقول: هذا النفي يحتمل وجهين:

الأوّل: أنّ الزوج المتمتّع القاذف لزوجته المتمتّع بها لا يحتاج إلى اللعان الدارء للحدّ؛ لأنّه لا حدّ عليه بالقذف حتّى يحتاج إلى الدارء، و كذا المتمتّع النافي لولد زوجته المتمتّع بها لا يحتاج في نفي ولده إلى اللعان باعتبار أنّه منتف بدونه.

الثاني: أنّ الملاعنة في المقامين لا يفيد في درء الحدّ و نفي الولد، يعني أنّ الحدّ حتّى بعد الملاعنة ثابت و الولد حتّى بعدها ملحق.

ثمّ إنّه يمكن القطع ببطلان الوجه الثاني بملاحظة الرواية الثانية، حيث إنّ الظاهر منها أنّ هذا حكم ناش عن قلّة الاعتناء بشأن الأمة و الذمّيّة و المتمتّع بها مع الزوج المسلم الحرّ، و الوجه الثاني يفيد شدّة الاعتناء بشأن هذه الثلاثة؛ إذ يلزم أن يكون ولد هذه الثلاثة ملحقا بأزواجهنّ و لو بعد الملاعنة، مع أنّ ولد الزوجة الحرّة المسلمة الدائمة ينتفي بسببها، و كذا يلزم أن يكون قذف هذه الثلاثة غير مدفوع حدّه و لو بعد الملاعنة، مع

أنّ قذف الحرّة المسلمة الدائمة يدرء حدّه بسببها.

لا يقال: لا نسلّم الأشدّيّة، في القذف؛ فإنّ حالها حينئذ حال الأجنبيّة حيث

______________________________

(1) الوسائل: كتاب التجارة، الباب 7 من أبواب الربا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 410

لا يدرء الحدّ عن قاذفها باللعان، فكذا هذه، فليس فيه ارتفاع شأن و درجة لهنّ، بل منقصة حيث تساوت مع الأجنبيّة.

لأنّا نقول: حال الزوجة الدائميّة لا يقاس بالأجنبيّة، فإنّه لا داعي للإنسان إلى القذف فيها بعد ما يعلم بعدم البيّنة له.

و أمّا الزوجة الدائميّة فإذا رآها يفجر بها رجل فالصبر على هذا شاقّ غايته، فإن لم يكن له البيّنة و كان حكمه حينئذ الحدّ على قذفه فلا بدّ أن يصبر على هذا الأمر الشاقّ حيث رأى الرجل فعل بحرمته الفسق و لم يتمكّن من قتله و لا تفضيحه، و الأمة و الذمّيّة في الرواية يراد بهما الزوجة الدائميّة.

و إذن فيتعيّن الوجه الأوّل أعني أنّ هذه لقلّة الاعتناء بشأنهنّ ليس نفي ولدهن محتاجا إلى اللعان و لا لقذفهنّ حدّ حتّى يدرء باللعان.

ثمّ لو فرض أنّ الثاني أعني كون القذف للمرأة المؤمنة الحرّة بلا حدّ مقطوع البطلان و غير محتمل، فلا بدّ من تخصيص نفي اللعان بالنسبة إلى المتمتّع بها بخصوص ما كان منه لأجل نفي الولد مع ثبوت ما كان منه لأجل القذف، كما هو المحكيّ عن السيّد المرتضى و الشيخ المفيد قدّس سرّهما.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 411

المسألة الخامسة عشرة [في الإيلاء]

قالوا: إنّ الإيلاء لا يقع على المتمتّع بها، و في وقوع الظهار تردّد المحقّق في الشرائع ثمّ استظهر الوقوع.

و تفصيل الكلام أمّا في الإيلاء فعموم آيته للمتعة مبنيّ على المسألة المعروفة في الأصول من أنّ رجوع الضمير إلى بعض أفراد العامّ يوجب إجمال ذلك

العامّ في البقيّة أو لا؟ فإنّه في آية الإيلاء قال عقيب قوله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ «1» إلخ:

وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ «2» و معلوم عود ضمير عزموا إلى الأزواج بالزوجيّة الدائميّة.

فعلى هذا المسألة مبنيّة على ترجيح أحد القولين في تلك المسألة الأصوليّة، و يمكن تقوية القول بعدم العموم نظرا إلى حكم الإمام عليه السّلام به في بعض جزئيّات المسألة و هو قوله باختصاص المحلّل في آيته بغير الزوج المستمتع استنادا إلى عود الضمير الغير الصالح إلّا للزوج الدائم.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 226.

(2) سورة البقرة: الآية 227.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 412

و آية المحلّل هذه فَإِنْ طَلَّقَهٰا «1» فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا «2».

فقد استدلّ على اختصاص قوله تعالى زَوْجاً، بالدائم بعود الضمير في:

«فَإِنْ طَلَّقَهٰا» إليه، و هو لا يصلح في غير الدائم، فيكون هذا دليلا على بطلان الوجه الذي قوّيناه في الأصول لتقوية القول بالعموم، فراجع.

لكن لا بدّ أن يعلم الثمرة في ما بين القولين في مسألتنا هذه، أعني أنّه بين شمول آية الإيلاء للزوج المتمتّع و عدمه هل تظهر ثمرة أو لا؟ فإنّه قد يتوهّم أنّا لو قلنا بالعدم فلا أقلّ من أنّه حلف، و مقتضاه الحنث بالوطي في المدّة و لزوم كفّارة اليمين عليه.

و قد قالوا في الإيلاء في موضع انعقاده بذلك أيضا، غاية الأمر أنّه في المرأة الدائمة يوجب جواز مرافعتها إلى الحاكم، فينظره الحاكم في مدّة أربعة أشهر، و بعد انقضائها و امتناعه من الطلاق و الفي ء يجبره على أحد الأمرين، فهذه المطالبة و المرافعة و الإلزام غير جارية في المتمتّع بها؛ لأنّها من توابع الحقّ، و لا حقّ لها بالوطي

حتّى في ما زاد على الأربعة أشهر، و أمّا لزوم كفّارة اليمين عليه متى اختار الوطي في أيّ جزء من المدّة فهو مشترك بينهما؛ و لا فرق في ترتّبه بين القول بانعقاد الإيلاء و عدمه.

و لكنّه مدفوع باختصاص الإيلاء عن مطلق اليمين في الدائمة بالانعقاد بالنسبة إلى ما زاد عن الأربعة أشهر الذي هو موضوعه، و قد كان أمرا حراما، و شرط

______________________________

(1) يعني الطلاق الثالث.

(2) سورة البقرة: 230.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 413

الحلف أن يكون مباحا، و بأنّ الوطي بعد الأربعة أشهر لا يكون حراما؛ لأنّه كيف يكون حراما مع أنّه مأمور به و مع ذلك يجب الكفّارة.

فحاصل الكلام أنّه لو انعقد الإيلاء بالنسبة إلى المتمتّع بها فنحكم بجواز الوطي، في ما زاد على الأربعة أشهر مع وجوب الكفّارة، و لو لم ينعقد و انعقد الحلف كان الوطي مطلقا حراما و موجبا للكفّارة، هذا كلّه في الإيلاء.

و أمّا الكلام في الظهار فالقول بعمومه للمتمتّع بها قويّ، لعموم الآية، و لا مانع هنا مثل ما كان في الآية المتقدّمة.

و أمّا الخدشة في شمول عنوان النساء للمتمتّع بها فموهونة بأنّ اللازم عدم شمول آية حرمة أمّ الزوجة و أختها و بنتها أيضا لها.

ثمّ الثمرة هنا في غاية الوضوح، فإنّ نفس الظهار على تقدير الانعقاد يكون أمرا محرّما و يصير الوطي بسببه محرّما قبل الكفّارة، و تصير الكفّارة رافعة لحرمته، و هذه الأحكام الثلاثة غير مترتّبة على تقدير عدم الانعقاد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 414

المسألة السادسة عشرة [في الإرث]

اشارة

هل يثبت التوارث في المتعة أو لا؟ في المسألة أقوال أربعة: ثبوت التوارث مطلقا، و عدمه كذلك، و ثبوته إلّا مع شرط السقوط، و عدمه إلّا مع شرط الثبوت.

و مجمل القول فيها

أنّ القول بالثبوت المطلق أو الثبوت إلّا مع شرط السقوط كلاهما لا يلائمان مع الأخبار الكثيرة الواردة الدالّة على أنّ من حدود المتعة و شروطها عدم الميراث و أنّه إذا ترك ذكر الأجل يصير دائما و يثبت بينهما التوارث، و معلوم أنّ المستند فيهما عموم آية ميراث الأزواج، و طرح هذه الأخبار أو تأويلها أو الجمع بينه و بين عموم: المؤمنون عند شروطهم، و خصوص موثّق ابن مسلم في الرجل يتزوّج المرأة متعة إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و إنّما الشرط بعد النكاح.

بتقريب أنّ الظاهر رجوع الاشتراط إلى التوارث، و حيث إنّ إرادة اشتراط الثبوت لا يناسب، إذ المعنى حينئذ أنّه إذا اشترطا أن يتوارثا فلا يتوارثان، و أمّا إذا لم يشترطاه فهما يتوارثان، فإنّ هذا المعنى لم يقل به قائل، فيحمل على إرادة عدم اشتراط السقوط، يعني إن اشترطا السقوط لا يتوارثان، و إلّا فالتوارث ثابت.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 415

لكن بعد عدم الوجه في طرح هذه الأخبار الكثيرة الممكن دعوى تواترها يعلم أنّ المراد من عموم الكتاب في إرث الأزواج خصوص الدائمي منها.

و أمّا موثّق ابن مسلم فبعد عدم إمكان حمله على ظاهره من عدم اشتراط ثبوت التوارث فالأمر دائر بين حمله على ما ذكره القائل من عدم اشتراط العدم، و بين الحمل على عدم اشتراط الأجل، و لا نسلّم أنّ الأوّل أظهر، فيوجب ذلك الإجمال المسقط عن الاستدلال.

و حينئذ يتردّد الأمر بين القولين الآخرين أعني أنّ عدم التوارث في المتعة هل هو على وجه الإطلاق أو مع عدم شرط الثبوت و معه يثبت.

فنقول: لو كنّا و هذه الأخبار الواردة في إخراج المتمتّع بها عن عموم آية إرث الأزواج لحكمنا بأنّ دليل: المؤمنون،

لا يفيد لإثبات التوارث مع الشرط؛ لأنّه شرط مخالف للسنّة، أعني: هذه الأخبار النافية، بل و للكتاب بعد أن علمنا أنّ المراد بالزوج و الزوجة فيه خصوص الدائمتين.

لا يقال: غاية ما استفيد أنّ المتمتّعين ليس فيهما المقتضي و لم يحرز فيهما المقتضي للعدم، و إذن فالشرط يصير مقتضيا كما في كلّ مقام.

لأنّا نقول: أسباب الانتقال بوجه الإرث منحصر في ما عدّه الشارع من الأمومة و الأبوّة و الزوجيّة الدائمة و غير ذلك، و ليس الشرط من أحدها، و أمّا الانتقال بغير وجه الإرث فليس سببه منحصرا في البيع و الصلح و الهبة و نحو ذلك، بل من جملتها الشرط.

و إن شئت قلت: إنّ الشارع في باب الإرث قد فرض السهام لأربابها، فتمام التركة على حسب تقسيمه قد قسّمت بين أشخاص ليس الزوجان في المتعة منهم، فتشريكهما مع أرباب السهام يوجب نقص سهامهم عمّا فرض اللّه لهم، و هذا معنى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 416

مخالفته للكتاب و السنّة، و من هنا لا يجوز اشتراط إرث الأجنبيّ، هذا.

و لكن هنا مطلبا و هو أنّه قد تقرّر في مبحث الشرط أنّ المراد بالمخالف للكتاب هو المخالف لظواهره، لا للمرادات الواقعيّة، فإنّ عدم نفوذ المخالف لها أمر واضح، فبيانه توضيح الواضح.

و أمّا على الأوّل فهو أمر ممكن التخصيص، و لهذا قد خصّص في بعض المواضع، كما في شرط الخيار بعد انقضاء المجلس، فإنّه قد ورد النصّ بثبوته مع أنّه شرط مخالف لعموم قوله عليه السّلام: فإذا افترقا وجب البيع «1»، بحيث لو لم يكن هذا النصّ لقلنا ببطلانه من هذه الجهة، كما أنّ شرط عدم الثبوت في المجلس أو في ثلاثة الحيوان نقول ببطلانه من هذه الجهة.

و إذن

فنقول: في مقامنا ورد نصّان صحيحان بنفوذ شرط الميراث:

أحدهما: صحيحة البزنطي عن الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه، قال عليه السّلام:

«تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث، فإن اشترطت الميراث كان، و إن لم تشترط لم يكن» «2».

و الثانية: صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه الصلاة و السلام في حديث: «و إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» «3».

و أمّا حمل هذين على الوصيّة بمقدار سهم الزوجيّة فممّا يأباه الخبران و خارج عن المتفاهم اللفظي عند أهل العرف، فهو بمنزلة الطرح و عدم العمل،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 417

و لا وجه له بعد اعتبار السند و عدم الإعراض، فمقتضاهما أنّ شرط إرث الزوجيّة هنا نافذ و إن كان على خلاف عموم الكتاب و السنّة، بمعنى مخالفته لهما صورة، و إلّا فلبّا لا يمكن المخالفة كما في كلّ تخصيص، فإنّه إنّما هو صوريّ، و أمّا اللبّ فلا يتحقّق فيه إلّا التخصّص.

بل يمكن أن يقال بزيادة هذا المقام على سائر المقامات بأنّه في سائر المقامات عنوان العامّ- مثل أكرم العلماء- محفوظ في الفرد المخصّص، و أمّا هنا فنعلم بعد التخصيص بأنّه لم يكن فردا كما في النهي عن أكل المال بالباطل، حيث ليس المراد الباطل الحقيقي، و إلّا لم يكن قابلا للتخصيص، بل العرفي، لا بمعنى أنّ العرفيّة قيد، بل بمعنى أنّ النظر إلى المصاديق نظر عرفي، و لازم هذا أنّه متى شكّ يصحّ التمسّك بأصالة العموم، و لكن لو علم بالخروج في مصداق ممّا عيّنّاه

مصداقا نعلم أنّ تعييننا كان خطأ.

فكذا في مقامنا ليس المراد مخالفة الكتاب و السنّة واقعا، بل بالنظر الظاهري، بحيث ما لم يعلم الخلاف يحكم بأصالة العموم و بعده يعلم أنّه ليس مصداقا لمخالفة الكتاب.

خطابات الشرع محمول على المصاديق العرفيّة

و حاصل الكلام أنّه قد تعلّق الحكم على الباطل الواقعي فمتى شكّ أنّ هذا باطل واقعي مع القطع بكونه باطلا عرفيّا من باب احتمال خطأ العرف في رؤيته باطلا لزم أن لا يمكن التمسّك بإطلاق الدليل، و قد يعلّق على الباطل العرفي، و لازم هذا أن يصحّ التمسّك به في المورد المزبور لكنّه يمكن بنحوين

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 418

بأحدهما يكون موارد تجويز الشارع لارتكاب شي ء يراه العرف باطلا، تخصيصا في دليل تحريم الباطل، مثل أكل المارّة. و بالآخر يكون ذلك تخصّصا.

أمّا الأوّل: فهو أن يقيّد الباطل بوصف كونه عرفيّا، و هذا أمر ركيك، فإنّ كلّ متكلّم قال هذا باطل، فلا يحمل كلامه على أنّه باطل بنظري أو بنظر غيري، بل ذات الباطل بحاقّه و واقعه مراده. فالشارع أيضا من أحد المتكلّمين فلا بدّ أن يحمل كلامه على الإطلاق دون التقييد الركيك.

نعم، لو حملناه عليه كان موارد الباطل العرفي الذي رخّص الشارع في ارتكابه، تخصيصا في دليل تحريمه.

و الثاني: أن لا يقيّد الدليل كما في سائر المتكلّمين، لكن كلّ متكلّم لا محالة يحمل المحمول على المصاديق التي يعتقده هو لموضوع حكمه، لا على ما يراه غيره مصداقا، و لكنّه لا يقيّده أيضا بما هو معتقده.

فنقول: الشارع بنى بناءه في تكلّماته على أن يخطاب أهل العرف على مقدار فهمهم في تشخيصات المصاديق للعناوين المتعلّقة لأحكام الشارع. مثل عنوان البيع و الباطل. و نحوهما، بمعنى أنّه، كأنّه واحد من أهل العرف حين

تكلّمه و قد قلنا أنّ العرف لا يقيّد العنوان بالمصاديق المعتقدة لنفسهم بل يحكم على نفس العنوان، لكن نظره نظر مخصوص إلى الأفراد.

فعلى هذا البناء المسلّم من الشارع يتحقّق أصل مرجوع إليه في كلّ مقام شكّ (مع القطع بالباطل العرفي) في كونه باطلا شرعا، أو لا. فإنّه بحسب هذا الأصل يتمسّك بعموم نهيه عن أكل الباطل.

و أمّا إذا رأينا موضعا قد حكم على الباطل العرفي بالرخصة، نستكشف أنّه ليس بباطل لا أنّه باطل و رآه الشارع أيضا باطلا و مع ذلك حكم بجواز ارتكابه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 419

فإنّ الباطل الواقعي لا يحكم الشارع بجواز ارتكابه، و لا أنّه باطل و لم يفهم الشارع، حيث رآه حقّا. فإنّه تكذيب للشارع. فلا يبقى إلّا تخطئة أنفسنا في الحكم بالباطليّة.

فإذا فرضنا تخطئة نفسنا و تصديق الشارع بأنّ هذا الشي ء ليس باطلا، فلا محالة يكون خطابه بتحريم الباطل محفوظا غير وارد عليه التخصيص. و إنّما خرج المورد عنه موضوعيا.

إذا عرفت ذلك فنقول: هكذا الكلام في النهي عن الشرط المخالف للكتاب و السنّة. فإنّه أيضا محمول على المصاديق العرفيّة، لكن لا بنحو التقييد المفهومي، بل بنحو يكون المحمول عليه نفس واقع المخالف. لكن النظر نظر عرفي. فلهذا متى علمنا أنّ هذا مخالف عرفي، و لم يعلم بتخطئة من الشرع، فعموم الكلام أصل يرجع إليه في رفع الشكّ. و أمّا لو ورد في مورد، ترخيص الشرط المخالف العرفي، نستكشف منه أنّه ليس مخالفا للكتاب واقعا، و إنّ ما حكمنا به كان كاذبا و خطأ. و إلّا فالمخالف الواقعي للكتاب، غير قابل للترخيص.

التشاجر بين إمامي الفنّ المحقّق الخراساني و السيّد الأصفهاني

ثمّ إنّ شيخنا الأستاذ دام ظلّه قال: «لا بدّ من الإشارة إلى مطلب آخر، له دخل في فهم

المراد و إتمام المراد في هذا المقام و قد وقع محلا للتشاجر بين إمامي الفنّ، الأستاذ الخراساني، و أستاذ استاذنا السيّد النحرير الأستاذ الأصفهاني طاب مضجعهما، و هو أنّه: قد ذهب الأوّل قدّس سرّه إلى أنّ خطابات الشرع لا بدّ أن يحمل بحسب المفاهيم على متفاهم العرف دون العقل. و أمّا بحسب المصاديق، فلا محالة لا بدّ من تعيينها بالدقّة و لا يعتبر التعيينات العرفيّة. فمثل اللون الباقي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 420

من الدم بعد الغسل. و مثل الماء المتغيّر الزائل تغيّره من قبل نفسه، يكون الاختلاف فيهما بين العرف و العقل في مفهوم الدم و في مفهوم نقض اليقين بالشكّ دون المصداق.

و قد ذهب الثاني قدّس سرّه إلى أنّ المفهوم لا يتفاوت بين العقل و العرف في شي ء من المقامات. فليس مفهوم الدم عقلا و عرفا إلّا واحدا. و كذلك مفهوم النقض و مفهوم اليقين و مفهوم الشكّ. بل الاختلاف دائما في المصاديق.

ثمّ المتكلّم الحكيم إذا جعل مفهوم الدم مثلا عبرة لأفراده الخارجيّة مثل عبرويّة من في الصحن، بحيث يرى به نفس الأفراد الخارجيّة بما هي هي، لا بما هي حصص الطبيعة، يشير في هذا النظر إلى ما عيّنه العرف مصداقا.

و الحاصل: قد يقال: إنّ النظر لا يعبر عن الطبيعة حتّى في لحاظها باعتبار الوجود الساري إلى غيرها. و إنّما تتخصّص الطبيعة و تتجزّى و لا يرى غير الطبيعة المتخصّصة، فيبقى التطبيق على الخارجيّات على عهدة مقام آخر، فقال الأستاذ المتقدّم أنّ المرجع فيه هو التدقيق لا المساحة العرفيّة. غاية الأمر أنّه جعل التفاوت بين العرف و العقل في أصل المفهوم.

و ربما يقال بعد وحدة المفهوم أنّه مقيّد بكونه على حسب ما يعيّنه

العرف، و هذا التقييد إنّما هو بواسطة أنّه أطلق المقام و لم يعيّن لتعيينها طريقا. و يعلم أنّه أوكله إلى نظر المخاطبين. فكلّ ما فهموه، هو الموضوع حقيقة و إن كان خطأ في إصابة الموضوع.

و بعد وضوح بطلان الوجه الأوّل أعني تفاوت المفهوم عند العقل و العرف، و بطلان الثاني لركاكة التقييد، يتعيّن المصير إلى ما قلنا.

و حاصله أنّ المفهوم ليس محلّ الخلاف بين العقل و العرف، لكنّ المصاديق

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 421

بهويّاتها محلّ للتعرّض بمرآتية الطبيعة، غاية الأمر أنّ الحكم قد نشأ من الطبيعة إلى تلك المرئيّات بها و ليس حاله كحال من في الصحن، حيث إنّه ليس الحكم فيه إلّا بمناشى ء في أنفس المحكيّات بلا دخالة الكون في الصحن رأسا و هذا معنى أنّ الأصل في العنوان أن يكون موضوعا لا معرفا صرفا، لا أنّه لا يشار به إلى الأفراد و لا يحكي عن الإفراد أصلا و حينئذ فالأفراد المرئيّة المحكيّة ندّعي أنّها المصاديق التي عيّنها العرف لبرهان نقض الغرض فنفس الخطاب بلا واسطة متعرّض لحال المصاديق، غاية الأمر بعبرويّة العنوان فبرهان نقض الغرض جار بالنسبة إلى المصاديق.

و أمّا احتمال حمل الألفاظ على مفاهيمها المتّحدة عند العقل و العرف بدون المرآتيّة لأفرادها بل بنحو تقدّم من جعلها حصّة حصّة ثمّ الالتزام بجعل آخر مستقلّ متعلّق بطريقيّة نظر العرف في تشخيص الحصص و تطبيقها إلى المصاديق الخارجيّة ففيه أنّ اللازم منه أنّ الحكيم الذي أقام البرهان على خطأ نظر العرف في مورد، كما في اللون، لا بدّ على هذا أن يفتي بالنجاسة لفهمه خطأ الطريق و جعل الطريق إنّما هو ما دام الشكّ و لا معنى له في حقّ العالم بالوفاق أو

بالخلاف.

فتحقّق أنّ الوجوه في المسألة أربعة: اختلاف المفهوم، و اتّحاده مع التقييد بقيد التعيين العرفي، و اتّحاده مع جعل مستقلّ آخر لطريقيّة التعيين العرفي، كلّ هذا مع عدم جعل الطبيعة إلّا عبارة و حكاية عن حصصها بلا حكاية عن شي ء آخر ما وراء الحصص.

و الوجه الرابع ممّا هو الحقّ من الاتّحاد مع كون النظر عابرا عن الطبيعة إلى نفس الأشخاص الخارجيّة كأنّه وضع يده على رأس كلّ واحد واحد منها.

إذا عرفت هذا فنقول: المدّعي أنّه في هذا النظر العبروي إنّما ينظر بنظر عرفي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 422

و لا ينظر بنظر دقّي فلا محالة يرى ما يراه العرف. فإذا بيّن في موضع خطأ العرف، يرجع العرف بعد بيانه، عن الحكم بالمصداقيّة، و يصدّقه في أنّه ليس بمصداق للعامّ، و هذا معنى كونه تخصّصا، فأمّا ما لم يبيّن فإنّه يتمسّك بالعموم بواسطة البيان المتقدّم.

ثمّ الحمل على ظاهرهما من نفوذ الشرط لا يوجب طرح الأخبار النافية المصرّحة بأنّ من حدودها عدم الإرث، فإنّه يقال: إنّ ماهيّة المتعة في حدّ نفسها لو خلّيت و ذاتها ليس فيها اقتضاء الإرث، فلا ينافي ثبوته من أجل الشرط.

و بالجملة، ليس هذا الحمل خلاف متفاهم أهل العرف، بخلاف الحمل الأوّل أعني: التصرّف في ظاهر هذين النصّين لأجل تلك الأخبار بحملهما على الوصيّة، فإنّه ممّا يأباه ذهن كلّ أحد.

و أمّا معارضة هاتين الصحيحتين بصحيحة سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و لم يشترط الميراث؟ قال عليه السّلام:

ليس بينهما ميراث اشترطا أو لم يشترطا» «1».

فإنّ ظاهرها أنّ قول الإمام عليه السّلام: اشترطا أو لم يشترطا ناظر إلى قول السائل: و لم يشترط الميراث،

يعني أنّ ما توهّمت كونه نافعا غير نافع، نظير من سأل عن تطهير يده بالماء الملوّن بكذا، فأجاب بأنّ الماء مطهّر سواء كان بذاك اللون أم لا، فيكون مفاد هذه الرواية معارضا مع تينك الصحيحتين الصريحتين في ثبوت الميراث باشتراطه.

فيمكن دفعها بأنّ هنا وجه جمع مقبول ظاهرا، و هو حمل هذه الصحيحة على

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 7، و فيه: اشترط أو لم يشترط.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 423

عدم كون إطلاق كلام الإمام عليه السّلام مربوطا بالسؤال، بل بالجواب، يعني لمّا أجاب بعدم التوارث في ما فرضه السائل من صورة عدم شرط الميراث، فكأنّه يتوهّم متوهّم أنّه لم يشترط العدم أيضا، فقال: لا يحتاج في عدم التوارث عند عدم شرط الثبوت إلى شرط السقوط، بل هو ساقط، سواء شرط السقوط أم لا.

و هذا الحمل و إن كان خلاف الظاهر، إلّا أنّه إذا دار بين حمل الأوليين على الوصيّة و هذه على هذا يترجّح الأخير قطعا، بل يمكن دعوى القطع بعدم إرادة الوصيّة من الأوليين، و أمّا إرجاع الإطلاق إلى الجواب في الأخيرة فلا يوجب خروج الكلام عن قانون المحاورة العرفيّة.

فإن قلت: قد كان عند السائل مفروغا عنه حال شرط الإرث و حال شرط عدمه في ثبوت الإرث في الأوّل و عدمه في الثاني، و إنّما شكّه في فرض الخلوّ عن الشرطين، و مع هذا فكيف يصحّ إرجاع الإطلاق إلى كلام الإمام عليه السّلام، فإنّه يكون أمرا مستغنى عنه بالنسبة إلى حال شرط العدم، و هذا بخلاف ما أرجعناه إلى السؤال، فإنّه ردع لما فرضه مفروغا من الإرث في حال شرطه.

قلت: هذا أيضا تقريب لظهور كون الشرط راجعا إلى ما

قاله السائل، و نحن لا ننكر ظهور الكلام ابتداء و قبل ملاحظة المعارض في ذلك، و لكن بعد رؤية المعارض و نصوصيّته أو كالنصوصيّة في تأثير شرط الإرث في التوارث لا بدّ لنا أن نحمل الكلام على الإضراب عن التعرّض لحال شرط الإرث و إبقاء ما فرضه السائل مفروغا بحاله، فأجاب في تقدير عدم شرط الثبوت بعدم الإرث، ثمّ ذكر أنّ عدم الإرث ثابت سواء وقع تحت الجعل و القرار أو لم يقع، و أنّ الذي يحتاج في النفوذ إلى إدراجه تحت القرار و الشرط إنّما هو الثبوت، و أمّا العدم فلا حاجة فيه إلى ذلك.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 424

و الحاصل أنّ كلمة السائل حيث ذكر لفظ الميراث عقيب قوله: و لم يشترط، يكون نصّا أو كالنصّ في إرادة شرط وجود الميراث، و لا يمكن حمله على شرط العدم بقرينة ما في الأخبار من أنّ الشرط في المتعة أن لا يكون وارثة و لا الزوج وارثا، فإنّه نظير أن يحمل كلام المتكلّم الذي قال عقد الرجل بيعا و لم يشترط الخيار على شرط عدم الخيار بملاحظة تعارف شرط عدمه بين المتعاملين، فإنّه ليس حملا مرضيّا عند العرف.

و لكنّ قول الإمام عليه السّلام خال عن ذكر الميراث عقيب قوله: اشترط أو لم يشترط، فهو مثل أن يقال: لا خيار في البيع وقع تحت الشرط و القرار أو لا، فإنّه ليس خارجا عن الجمع المرضيّ حمله على التسوية بين وقوع هذا الأمر السلبي تحت القرار أو لا، و لعلّ المطلب بعد التأمّل واضح إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّ القدر المتيقّن هو شرط الميراث على حسب ما قرّره الشرع في إرث الأزواج، كما أنّه ما دام بقاء

الزوجيّة، و هذا واضح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 425

المسألة السابعة عشرة [في العدة]

عدّة المتمتّع بها

في عدّة المتمتّع بها، و قد اختلفت الأخبار في هذا المقام.

ففي بعضها: حيضتان، و في آخر: حيضة، و في ثالث: حيضة و نصف، و في قول رابع و إن لم يظهر له مدرك: طهران.

و يمكن الجمع بين الكلّ بخبر عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه المرويّ عن كتاب الاحتجاج أنّه كتب إليه في رجل تزوّج امرأة بشي ء معلوم إلى وقت معلوم و بقي له عليها وقت فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها و قد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها ثلاثة أيّام، أ يجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشي ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة، أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه الصلاة و السلام: «يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأنّ أقلّ العدّة حيضة و طهرة تامّة» «1» و عن بعض النسخ:

و طهارة تامّة.

وجه الجمع أنّه إذا كان اللازم حيضة مستقلّة و طهر تامّ فلا محالة لا بدّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 22 من أبواب المتعة، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 426

من دخول جزء من الحيض الثاني لتيقّن تمام الطهر، بل و مضيّ ثلاثة أيّام منه حتّى يستقرّ الحكم بحيضيّته، و كذا لا بدّ من ملاحظة مقدار من الطهر السابق على الحيضة المستقلّة لحصول اليقين بتمام الحيضة، فيتحقّق حيضتان و لو كانت إحداهما تامّة و الأخرى ناقصة، و كذا حيضة و نصف بإرادة القطعة من النصف، و كذا تحقّق الطهران و لو يكون أحدهما بقدر المسمّى و الآخر تامّا، و كذا يصدق الحيضة بملاحظة انحصار المستقلّة في الواحدة، و لكنّه يحتاج

إلى ضمّ قيد و هو:

طهر تامّ.

فإن كان ما ذكرنا جمعا عرفيّا بين أخبار الباب فهو، و إلّا فلا بدّ من معاملة التعارض، لأنّ المتروكيّة و الشذوذ و الندرة لم يثبت، و حينئذ فالأحوط ممّا بين هذه الأخبار بناء على لزوم الأخذ به كما هو المرجّح في بعض الأخبار العلاجيّة هو الأخذ بالحيضتين كما هو واضح.

هذا كلّه في من تحيض، و أمّا من لا تحيض و هي في سنّ من تحيض فعدّتها شهر و نصف، أعني: خمسة و أربعون يوما، و قد دلّت عليه الأخبار.

هذا كلّه في عدّة المتعة في انقضاء أجلها، أو هبته حال حياة زوجها.

في عدّة الوفاة للمتمتّع بها

و أمّا عدّتها عند وفاة الزوج فتارة نتكلّم في الحرّة و اخرى في الأمة، و في الحرّة أيضا تارة نتكلّم في الحائل و اخرى في الحامل.

أمّا الحرّة الحائلة فعدّتها أربعة أشهر و عشرة أيّام، لعموم قوله تعالى في سورة البقرة وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 427

وَ عَشْراً «1».

و يدلّ عليه أيضا الأخبار المعتبرة.

و لكن يعارضها خبران:

الأوّل: خبر عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام: «قال: عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة و أربعون يوما» «2».

و الثاني: خبر الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها، ما عدّتها؟ قال عليه السّلام: «خمسة و ستّون يوما» «3».

و الخبر الأخير مطروح بواسطة اشتمال سنده على عليّ بن الحسن الطاطري، و قد قيل في حقّه: شدّة التعصّب على المذهب الفاسد.

و أمّا الأوّل فيحتمل أن يكون المراد من قوله: تمتّع بها، الفراغ عن التلذّذ و التمتّع، فيكون الموت

في أثناء عدّتها، و لا أقلّ من كونه وجه جمع بينه و بين ما تقدّمه، لصراحة الأخبار في آية العدّة أربعة أشهر و عشرا في ما إذا مات الزوج في المدّة.

و أمّا الحرّة الحاملة فإطلاق الآية و الأخبار منصرفة عنها، كما أنّ قوله تعالى في سورة الطلاق وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «4» ظاهرها عدّة

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 234.

(2) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 3.

(3) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4.

(4) سورة الطلاق: الآية 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 428

الطلاق، لذكرها في عداد آياتها، فنرجع في حكمها إلى إطلاق الأخبار الواردة في مطلق الحامل المتوفّى عنها زوجها بأنّ عدّتها أبعد الأجلين من وضعها و أربعة أشهر و عشرا، فإنّ ادّعاء انصرافها إلى الدائمة لا وجه له.

و لو فرض قبول هذا الانصراف فالمرجع إلى الاستصحاب، و هو يقتضي الاستمرار إلى أبعد الأجلين، إلّا أن يعارض بالاستصحاب التعليقي بأن يقال: إنّه لو مات زوجها قبل تحقّق حملها كان عدّتها أربعة أشهر و عشرا، و الآن كما كان.

لكنّ الظاهر كما عرفت عدم وصول النوبة إلى الاستصحاب بواسطة إطلاقات أخبار أبعد الأجلين بعد منع انصرافها إلى الدائمة.

كما أنّه بناء على منع انصراف آية وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ* «1» الآية إلى الدائمة أو إلى غير الحامل و منع اختصاص قوله تعالى وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ الآية بخصوص عدّة الطلاق، قد يقال: إنّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بأبعد الأجلين في كلّ من الدائمة و المتمتّع بها، و ذلك بواسطة اقتضاء كلّ من عنواني وفاة الزوج و الحامليّة للتربّص في مدّة خاصّة بنحو الحكم الحيثي، فيجمع بينهما، و لازمه الحكم بأبعد الأجلين.

نعم

لو كانا بصدد الحكم الفعلي لوقع التعارض بينهما، فيرجع إلى الأقوى إن كان، و إلّا فيتساقطان عن درجة الاعتبار.

و حاصل الكلام في الحرّة المتوفّى عنها زوجها. أمّا إذا كانت حاملا فهو انقضاء العدّة بأبعد الأجلين، و أمّا إذا كانت حائلا، سواء كانت مدخولة أو غيرها، يائسة أو غيرها فهو أنّ الأخبار فيها متعارضة، فبين ما هو نصّ في أنّ عدّتها أربعة

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 234.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 429

أشهر و عشرا، و هو: صحيحتان لزرارة، و بين ما هو كالنصّ في أنّه على النصف من هذا المقدار، و هو: موثّق الطاطري، و هو و إن كان فاسد العقيدة، لكنّه من الثقات على ما يظهر من الرجال.

و ليس الحمل على الاستحباب جمعا عرفيّا، فلا محيص عن الرجوع إلى المرجّحات لو كانت، و إلّا فالتخيير، و ما دلّ على الأربعة و العشر موافق لعموم القرآن، كما أنّ ما دلّ على نصفه موافق لعموم السنّة المنزّلة للمتعة بمنزلة الأمة، بعد البناء في الأمة على كون عدّتها في الوفاة شهرين و خمسة أيام، لكن فيه كلام يأتي عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

هذا حال الحرّة.

و أمّا الأمة فإن كانت حاملا فعدّتها أبعد الأجلين من الوضع، و العدد المختار فيه في حال كونها حائلا من الأربعة و العشر أو الشهرين و الخمسة، و أمّا إذا كانت حائلا فقد تعارضت فيها النصوص، فبعض دلّت على أنّ عدّتها أربعة أشهر و عشر، و بعض دلّ على أنّها شهران و خمسة، و ليس بينهما جمع عرفي مع صحّة إسنادهما.

و توهّم كون الجمع بحمل الاولى على الأمة التي هي أمّ ولد لسيّدها، و الثانية على غيرها، مدفوع بنصوصيّة بعض أخبار الطائفة الاولى

في غير أمّ الولد، فراجع.

فلا محيص عن الرجوع إلى المرجّحات، و الطائفة الأولى موافقة لعموم القرآن، و الثانية لعموم السنّة الدالّة على أنّ عدّة الأمة على النصف من الحرّة، فنرجع إلى المرجّح من غير جهة موافقة الكتاب و السنّة.

و قد ادّعى السيّد الطباطبائي في تتمات عروته بأنّ الطائفة الأولى مخالفة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 430

للعامّة، لذهاب جماعة منهم إلى التنصيف، فيصير هذا وجه ترجيح لتلك الطائفة إن لم يعارض بشهرة فتوائيّة على طبق الثانية، بناء على التعدّي من المرجّحات المنصوصة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 431

[و يلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة]

[النظر الأول ما يرد به النكاح]

[المقصد الأول في العيوب]

اشارة

القول في ما يردّ به عقد النكاح و من جملته العيوب

مسألة الجنون

قالوا: لا خلاف في ثبوت الخيار للمرأة بتبيّن جنون الزوج قبل العقد أو مقارنا له، من غير فرق فيه بين كونه بحدّ لا يعقل أوقات الصلاة أو لا، و أمّا المتجدّد بعد العقد ففي ثبوت الخيار به للمرأة في الجملة أيضا لا خلاف، و لكن وقع في تقييده بعدم عقل أوقات الصلاة و عدمه، فبعضهم خصّه بخصوص ما انتفى معه العقل المذكور، و بعضهم أطلقه.

و العمدة النظر في أخبار الباب.

فمنها: ما رواه في الوسائل عن شيخ الطائفة بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد، عن الحسين، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، قال:

سئل أبو إبراهيم عليه السّلام عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوّجها، أو عرض له جنون؟ «قال عليه السّلام: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت» «1».

و التقييد بما بعد التزويج غير ظاهر في مدخليّته للحكم، بل الظاهر بقرينة المناسبة بين الحكم و الموضوع إلغاء قيد البعديّة، و لعلّ السرّ في الإتيان به ليس لأجل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 432

دخله في الحكم، بل لأجل أنّ الابتلاء به غالبا لا يتحقّق إلّا بعده، لندرة العلم بتحقّقه قبل العقد، مع فرض الحكم بوقوع عقده صحيحا، و بالجملة، فالمدّعى فهم الإطلاق من الخبر عرفا، لا مجرّد عدم صلاحيّته لتقييد مطلق لو كان.

و منها: ما رواه فيه عن الصدوق قال: روي أنّه إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما، و إن عرفت أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد بليت

«1».

و الظاهر إرادة المتجدّد بقرينة أنّه رواه عقيب رواية الخبر المتقدّم، مضافا إلى موافقته مع الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السّلام:

إذا تزوّج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ منه مبلغا حتّى لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما، و إن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة فقد ابتليت «2».

فإنّ الظاهر أنّه مأخذ قول الصدوق، كما حكي أنّه غالبا يروي روايات الفقه المذكور بعين عباراته، و قد عدّه بعضهم من أمارات موثوقيّة الفقه المذكور.

و على كلّ حال فيحصل من ضمّ هذا القيد إلى المطلق المتقدّم التفصيل بين الجنون البالغ مرتبة عدم معرفة أوقات الصلاة و غيره، من غير فرق أيضا بين المتقدّم على العقد و المتجدّد، فإنّ القيد هنا أيضا يجري فيه ما تقدّم من أنّ العرف يفهم سقوطه و عدم مدخليّته في الحكم و أنّه معلّق على المطلق.

و منها: ما رواه فيه عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيحة عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء و لم

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 3.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 31.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 433

يبيّنوا له، قال عليه السّلام: لا تردّ و إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل، قلت: أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال عليه السّلام: المهر لها بما استحلّ من فرجها و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها «1».

و قد خدش في الاستدلال به في جنون الرجل بأمور:

منها: أنّ موردها عيب المرأة، فلا ينعقد الإطلاق بالنسبة إلى الرجل.

و منها: ذكر العفل، و هو لا يوجد إلّا

في المرأة.

و منها: ذكر كلمة ردّ النكاح، فإنّ الموجب في النكاح هي المرأة، و القابل هو الرجل، فالمناسب للردّ هو الرجل، دون المرأة التي هي بمنزلة معطي العطيّة.

و منها: تردّد الأمر بين كون صيغة «يردّ» بالمعلوم، فلا يشمل عيوب الرجل، أو بصيغة المجهول فيشملها، و إذا جاء التردّد بطل التمسّك.

و منها: أنّ القضيّة سيقت لأجل النفي عن مورد السؤال و حصر مورد الردّ في الأمور الأربعة، و أمّا أنّ الردّ بها بأيّ وجه و هل هو مطلق أو مشروط، و على الثاني ما شرطه، فليس بصدد بيانه.

و لا يخفى ضعف الوجوه الثلاثة الأول؛ فإنّ خصوصيّة المورد لا يوجب خصوصيّة الوارد إلّا على مذاق من يجعل القدر المتيقّن في مقام التخاطب قادحا في التمسّك بالإطلاق، و قد بيّن ضعفه في الأصول.

و كذا ذكر العفل لا يمنع من الأخذ بإطلاق النكاح بالنسبة إلى ما عداه.

و كذا ذكر الردّ لا ينافي مع إرادة الأعمّ، فإنّ العقد أمر بين اثنين، فيصحّ نسبة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 434

ردّه إلى كلّ من طرفيه؛ لأنّ نسبته إلى كلّ واحد منهما نسبة واحدة.

و أمّا التردّد في الصيغة بين المعلوم و المجهول فمدفوع بظهور كونه بصيغة المجهول، كما لا يخفى.

كما أنّ احتمال عدم سوقه إلّا لبيان الحكم السلبي دون الإثباتي خلاف الظاهر.

نعم عدم ذكره شيئا من عيوب الرجل المختصّة به مثل الخصاء و العنن و الجبّ، ممّا يبعد كونه ناظرا إلى الأعمّ، و يكون ما تقدّم من خصوصيّة المورد و ذكر العفل أيضا مؤيّدا له.

فتحصّل من المجموع ارتفاع الظهور أو استبعاد أن يكون المراد من الحديث الشريف المعنى الأعمّ، فعلى هذا

لا يعدّ من أدلّة الباب.

و لكن لو فرض تماميّة دلالته لكان اللازم من ملاحظته مع ملاحظة خبر ابن أبي حمزة و المرسل و الرضوي هو الحكم باختصاص التفصيل بين معرفة الأوقات و عدمها بما إذا تجدّد الجنون بعد العقد دون السابق و الرجوع في السابق على العقد إلى عموم هذا الحديث.

فيكون المحصّل أنّ الجنون السابق موجب للفسخ، سواء وصل إلى الحدّ المزبور أم لم يصل، و أمّا اللاحق ففيه تفصيل.

فإن قلت:

ما وجه تخصيص التفصيل بالمتجدّد بعد العقد، و الحال أنّك قلت سابقا:

إنّا نفهم من مناسبة الحكم و الموضوع إلغاء هذا القيد و إسراء الحكم إلى الفاقد و الواجد معا و أنّ النكتة في إتيانه هو الغلبة، فما وجه رجوعك هنا عمّا اعترفت به هناك.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 435

قلت:

وجه الرجوع ثبوت مطلق بحسب الصورة غير مقيّد بقيد ما بعد العقد هنا، و عدم ثبوت ذلك المطلق هناك؛ فإنّ المطلق هناك إنّما أخذ من جهة مناسبة الحكم و الموضوع و إلغاء القيد المأخوذ في مرحلة الإنشاء، و في مثله يكون المتفاهم عند العرف إيراد المفصّل على المقيّد و لحاظهما بمنزلة دليل واحد ورد مقيّدا بقيد ما بعد العقد، و قد فصّل فيه بين معرفة الأوقات و عدمها.

فكما أنّه يحكمون بمناسبة الحكم و الموضوع بإلغاء قيد ما بعد العقد و يحكمون بسراية حكم التفصيل إلى كلتا الحالتين أعني: ما قبل العقد و ما بعده، فكذلك حكمهم لورود دليلان: أحدهما مقيّد و لا تفصيل فيه بين المعرفة للوقت و عدمها، و الآخر مقيّد و مفصّل، فإنّه بعد ضمّهما و وضع أحدهما بجنب الآخر يعاملون معهما معاملة الدليل الواحد المشتمل على التقييد و التفصيل، فيحكمون أيضا بسراية التفصيل إلى

كلتا الحالتين ممّا قبل العقد و ما بعده.

و هذا بخلاف الحال لو ورد دليل مطلق غير مذكور فيه التقييد بما بعد العقد، و لا التفصيل بين المعرفة و غيرها، ثمّ لاحظوا الدليل المقيّد المفصّل، فإنّه ليس حكمهم حينئذ بسراية التفصيل إلى كلتا الصورتين، بل يقتصرون فيه على خصوص صورة لحوق الجنون للعقد تحكيما لذلك المطلق الدالّ بإطلاقه على أنّ مطلق الجنون سبب للخيار في مطلق الأحوال، فيرفع اليد عن إطلاقه بالنسبة إلى حال المعرفة في خصوص فرد واحد من الجنون و هو اللاحق منه للعقد، و يعمل بإطلاقه لكلتا الحالتين بالنسبة إلى الفرد الآخر، أعني: الجنون السابق.

و أمّا الدليل على أنّ القيد في هذه الصورة مأخوذ و غير ملغى، و لهذا لا يحكم بالتفصيل في جميع أفراد المطلق، و في الصورة السابقة غير مأخوذ و يحكم بجريان

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 436

التفصيل في جميع الأفراد؛ إذ يمكن القول فيه أيضا بمثل ما قلنا في هذا، بأن يقال:

بعد أن الغي القيد في سؤال خبر ابن أبي حمزة فالجواب فيه يصير بمنزلة مطلق، و يكون مقتضى الجمع فيما بينه و بين دليل التفصيل الذي هو المرسل و الرضوي ما ذكرت من تخصيص التفصيل بفرد واحد من المطلق أخذا بإطلاقه بالنسبة إلى فرده الآخر.

فهو الرجوع إلى العرف و عرض الأمثلة و النظائر العرفيّة على الذهن، فإنّه لا مرجع في الباب غير هذا، فإنّها تشهد بأنّ معاملة العرف ليس في الثاني بإلغاء القيد أوّلا عن خبر ابن أبي حمزة و فرضه كأنّه ورد من الأوّل مطلقا ثمّ إيراد المرسل و الرضوي عليه، بل يوردهما عليه قبل إلغاء القيد، ثمّ بعد ضمّهما معا يلغي القيد منهما معا، فتصير نتيجته

ما ذكرنا من جريان التفصيل في كلا الفردين من الجنون، أعني: السابق على العقد و اللاحق له.

ثمّ هذا كلّه بعد جبر ضعف المرسل و الرضوي بالعمل، و إلّا فإن لم يحصل الوثوق سقطا معا عن درجة الاعتبار، و ينحصر المدرك في المسألة في خبر ابن أبي حمزة، فيكون الحكم حينئذ هو سببيّة الجنون المطلق في كلا الحالين.

و يمكن أن يقال بذلك أيضا مع القول بجبر المرسل و الرضوي بأن يقال: إنّ المراد من معرفة أوقات الصلاة هو تنبيه السائل على طريق فهمه المجنون الذي يسقط عنه التكليف عن غيره، و لو فرض إطلاق المجنون عليه بنحو من المسامحة بواسطة خروج بعض أطواره عن ديدن العقلاء فالمقصود هو إراءة الطريق إلى تمييز المجنون عن غيره، لا التفصيل بين أفراد المجنون، فالجنون بجميع أفراده محكوم بكونه سببا للفسخ.

و لعلّ السرّ في الفرق بين المقامين أنّ الظهورات التي يؤخذ من مناسبة الحكم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 437

و الموضوع يكون عقد حجّيّتها معلّقا على عدم ورود بيان من المتكلّم، و لو كان في أدنى مرتبة من الظهور بخلافه، و لو كان منفصلا فإنّه بملاحظته يرفع اليد عن ذلك الظهور المأخوذ من المناسبة، و يؤخذ بذلك الأدنى، فإنّ بيان نفس المتكلّم لمرام نفسه من كلامه مقدّم على ما نحكمه نحن بالمناسبات التي في ذهننا و مرتكزة عندنا.

فحال هذا الظهور الارتكازي بالنسبة إلى البيان المنفصل الوارد من المتكلّم كحال الأصل بالنسبة إلى الدليل، فالإطلاق ظهور لفظي مستقرّ بواسطة اجتماع شروطه من عدم البيان المتّصل؛ إذ ليس معلّقا في عقد موضوع حجّيّته الذاتيّة على عدم البيان المنفصل، و أمّا الظهور المنتزع من الارتكاز ففي عقد موضوع حجّيّته مأخوذ عدم البيان من

ناحية المتكلّم لا متّصلا و لا منفصلا، فلا يبقى بينهما معارضة أصلا.

و قد تقرّر هنا نظير الدور الذي أورد على التمسّك بالآيات الناهية للردع عن السيرة على العمل بخبر الواحد، فكما يقال هناك: إنّ رادعيّة الآيات متوقّفة على عدم حجّيّة السيرة؛ إذ هي على تقدير حجّيّتها مخصّصة لعموم الآيات، فإذا كان عدم حجّيّة السيرة أيضا بتوسّط رادعيّتها لزم الدور.

كذلك نقول هنا: إنّ رادعيّة الإطلاق الوارد عن المتكلّم عن الارتكاز موقوفة على عدم حجّيّة الظهور الارتكازي؛ إذ هو على تقدير حجّيّته مقدّم على ذلك الإطلاق و مقيّد له، فإذا كان عدم حجّيّته أيضا متوقّفة على رادعيّة الإطلاق لزم الدور.

و الجواب في كلا المقامين واضح؛ فإنّ العموم و الإطلاق حجّة مستقرّة جامعة لشروطها، فنحتاج في رفع اليد عنها إلى معارض أقوى، و مع فرض أنّ عقد حجّيّة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 438

ما نريد أن نجعله معارضا كالسيرة هناك و الارتكاز هنا مقيّد بعدم نشوء الظهور و لو في أدنى مرتبة من ناحية المتكلّم كان ظهور العموم و الإطلاق مقدّما لا محالة، لأنّه حجّة ذاتيّة بالفرض، و ليس له معارض أصلا، فضلا عن كونه أقوى، فيكون حجة فعليّة قهرا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 439

مسألة الفور و التراخي
اشارة

قالوا في مسألة أنّ الخيار في كلّيّة المقامات فوريّ أو على التراخي: بأنّه للعالم بأصل الخيار يكون فوريّا، و للجاهل يمتدّ إلى زمان حصول العلم، فيكون فوريّا من هذا الحين، فلو أخلّ به بعد العلم فلا خيار له.

و يشكل هذا الحكم بأنّ الواقع لا يخلو من أمرين لا ثالث لهما، إمّا يكون جعل الخيار للأعمّ من الجاهل و العالم مقيّدا بالفور، و إمّا يكون مطلقا؛ لوضوح عدم تصوّر جعل المهملة.

فعلى الأوّل لا وجه

للقول بالتراخي للجاهل إلى زمان علمه، و على الثاني لا وجه للقول بالفور في زمان العلم، و هذا لوضوح أنّ العلم بالشي ء لا يمكن أن يكون محدثا له، فلا يمكن تقييد واقع الخيار أو وصف فوريّته بالعالم به للزوم الدور، فلا محيص عن ثبوته مع قطع النظر عن العلم و الجهل، و هو لا يخلو عن حالين كما ذكرنا.

و بعبارة أخرى: بعد عدم إمكان تعلّق الجهل بالمهملة لا يخلو الحال إمّا أن يجعل الخيار المطلق لجميع المكلّفين سواء العالم و الجاهل، و إمّا أن يجعل المقيّد لجميعهم كذلك، و إمّا أن يجعل الخيار المقيّد للعالم به إمّا ذاتا و إمّا مع قيده، و المطلق لمن جهله مطلقا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 440

فعلى الأوّل يلزم أن يكون العلم بالشي ء رافعا له، و هو ممكن و لكنّه غريب، و على الثاني يكون منافيا مع قولهم بالتراخي في حقّ الجاهل، و على الثالث يلزم الدور، لتوقّف الشي ء على العلم بنفسه.

و يمكن حلّ الإشكال بما ذكره شيخنا الأستاذ دام ظلّه العالي، و هو أنّ في الخيارات التي مدركها قاعدة لا ضرر ليس الخيار مغيّى بالعلم بنفسه حتّى يقال:

العلم بالخيار المطلق كيف يكون رافعا له، و بالمقيّد بالفور قد انتفى قيده إذا فرض حصول العلم متأخّرا، بل هو مغيّى بشي ء آخر يلازم العلم و لا ينفكّ عنه، نظير ما يقال في توجيه دخل قصد الأمر في المأمور به من أنّ المعتبر ليس هذا المعنى حتّى يشكل بالدور، بل شي ء آخر يلازم هذا، و هو قيد كون العمل لا بالداعي الشهودي و الغير الإلهي.

و توضيح نظير هذا في مسألتنا أن يقال: إنّ الخيار مجعول في حقّ من لا محيص له عن

الضرر و ورد فيه من غير اختيار، و قد سدّ عليه طريق التخلّص منه حكم الشارع بلزوم العقد.

و أمّا من استند الضرر إلى اختياره بأن وجد علاجا للتخلّص، فتركه باختياره فليس الخيار مجعولا في حقّه.

فنقول: صدق هذا المعنى أعني: استناد الضرر إلى اختياره منوط بالعلم بتحقّق موضوع الضرر في العقد و العلم بأنّ الشرع جعل له الفسخ فلم يفسخ اختيارا و لو كان لأجل التروّي، فلو جعل الشارع في الآن الثاني حكم اللزوم لما كان حكما ضرريّا في حقّ من لا يجد المخلص منه و بقي متحيّرا، فإنّ هذا شخص رفع الشارع تحيّره في الآن الأوّل و ما فعل بقدرته.

فكما أنّ من شاهد الضرر في معاملة فدخل عامدا عالما ليس جعل اللزوم في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 441

حقّه منافيا لقاعدة لا ضرر، كذلك في حقّ هذا الذي التفت إلى أنّ الشارع جعل له الفسخ فترك في الآن الأوّل، فإنّهما مشتركان في أنّ الضرر ورد عليهما بمدخليّة قدرتهما.

و هذا بخلاف الغافل عن أصل الضرر أو عن حكمه أعني الخيار، فإنّه وارد في الضرر و ليس مستندا إلى قدرته، فالحكم عليه باللزوم مناف لقاعدة لا ضرر.

و الحاصل: يقتصر في تقييد دليل اللزوم و رفع اليد عن إطلاقه بمقدار مدلول لا ضرر، و نرجع في ما عداه إلى إطلاقه، و ليس مقدار مدلول لا ضرر إلّا أنّ الحكم الناشئ منه الضرر منفيّ إلى أن يصير لقدرة المكلّف مدخل في وجود ذلك الضرر.

و ليس معناه أنّ الشارع لا يضرّ بالمكلّفين حتّى يقال: بعد فرض جعل الشارع الخيار و لو في حقّ الجاهل القاصر أو الغافل صدق أنّه لم يضرّ بالمكلّف، بل الضرر مستند إلى جهل المكلّف أو غفلته.

بل

المقصود أنّه متى لم يصدق أنّه أضرّ بالمكلّف بنفسه و لو لم يصدق أنّ الشارع أيضا أضرّ به، بل نسب إلى غفلته و جهله، فاللزوم منفيّ إلى أن يتحقّق صدق إضراره بنفسه، و ليس المراد بإضراره بنفسه إقدامه على الضرر، بل و لو كان مثل ترك الفسخ في الآن الأوّل من التفاته بالموضوع و الحكم لأجل التروّي؛ فإنّه باختياره و رضاه يكون الضرر موجودا في هذا الآن، هذا كلّه في الخيارات التي مدركها لا ضرر.

و أمّا غيرها، مثل خيار المرأة في المسألة المتقدّمة، أعني: صورة جنون الزوج فيمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت. مفادها ليس بأزيد من جعل الخيار للمرأة التي بقيت بلا علاج لما وقعت فيه من بلاء مزاوجة المجنون.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 442

و أمّا التي ليست هكذا، يعني كان لها مفرّ و مع ذلك رضيت بالمزاوجة المذكورة و لو في آن لأجل التروّي في ما بعده فلا يندرج تحت إطلاق الكلام كما ذكرنا في لا ضرر.

و على فرض القول بالإطلاق يمكن القول بأنّ هذا الذي ذكرنا مسقط لخيارها المطلق بواسطة الإجماع، أعني: أنّ الخيار مطلق، و لكنّ الإجماع قام على أنّها متى قدرت على الفسخ و رضيت بتركه كان هذا الرضا الآتي مسقطا لخيارها.

و حاصل ما ذكرنا يرجع إلى أحد الأمرين، إمّا أنّ الخيار مجعول لمن لا يرى لنفسه مخلصا من الضرر، فإذا رأى و لم يعمل فالضرر مستند إلى اختياره، و في مثله لا دلالة للاضرر و لا لدليل آخر مثبت للخيار في المورد الخاصّ، و إمّا أنّه مجعول في جميع الأحوال و لكنّ الاختيار المزبور، و بعبارة أخرى الرضا الآني ببقاء العيب

و الضرر مسقط لذلك الخيار المطلق.

لا يقال: يلزم على الأوّل أن يكون الاختيار المسبّب عن نفس الدليل غاية رافعة للحكم المستفاد منه بالنسبة إلى فرد آخر منه، فإنّ الخيار المجعول في الساعة الأولى بمقدار من الزمان يسع الفسخ، موضوع لارتفاع الخيار بالنسبة إلى الساعة الثانية، و هو خلاف الظاهر، بل الظاهر أن يكون المكلّف المبتلى بالضرر من غير ناحية هذا الدليل موردا للضرر على نفسه.

فإنّه يقال: لا بأس به بناء على القضيّة الطبيعية كما يقولون في الاستصحاب في الشكّ السببي و المسبّبي، فإنّ قد وقع فرد منه غاية بالنسبة إلى فرد آخر، و السرّ أنّ الغاية طبيعة اليقين بخلاف الحالة السابقة من أيّ سبب حصل، و هنا الغاية طبيعة إيراد المكلّف على نفسه الضرر من أيّ سبب وجد.

هذا كلّه بالنسبة إلى إمكان جعل العلم بأصل الخيار غاية له من دون لزوم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 443

محذور عقلي منه و استظهاره من الأدلّة.

و أمّا جعل العلم بالفوريّة غاية بأن يكون العلم بأصل الخيار مع الجهل بالفوريّة سواء اعتقد التراخي أم شكّ غير مضرّ ببقاء الخيار، فهل يمكن أن يتصوّر له وجه حتّى يحمل عليه قوله: لا ضرر، أو يجعل الخيار مطلقا و يجعل ترك الفسخ مسقطا له كما ذكرناه في أصل الخيار؟

الظاهر عدم جريان شي ء منهما.

أمّا الأوّل فلا ندري على أيّ معنى يحمل قوله: لا ضرر حتّى تسع دائرته هذا الفرد الشاكّ في الفوريّة و العالم بأصل الخيار.

فإن قلت: يمكن أن يجعل الغاية الرضا الأبدي لا الآني كما جعلت، إذ هذا ينطبق على العالم بالفوريّة لا محالة.

قلت: الرضا الأبدي معناه إسقاط الخيار، و لا شكّ في كونه مسقطا، و كلامنا في المسقط التعبّدي.

و أمّا الثاني:

فلأنّ المفروض كون الخيار بحسب عالم الثبوت مطلقا، فكيف يجعل العلم بفوريّته على نحو الجهل المركّب مسقطا له.

[فرعان]

بقي الكلام في فرعين آخرين:

الأوّل: إنّ الظاهر بحسب بعض أخبار خيار العيب في مسألتنا أعني: قوله في بعض أخبار خصاء الزوج: أنّه يفرّق بينهما إن شاءت، أنّ محض مشيّة المرأة أعني:

كراهيّتها للزوج و إظهارها لذلك كاف في الانفساخ و حصول التفرقة بينهما، فإنّ معنى الكلام المزبور أنّه يقع التفرقة بمحض كراهة الزوجة للزوج الخصيّ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 444

و على هذا يرد الإشكال بأنّ ما ذكره العلماء رضوان اللّه عليهم من كون الخيار للعالم على الفور و للجاهل على التراخي لا يبقى له مورد؛ إذ هو إنّما ينحصر مورده في ما إذا احتاج الفسخ إلى إنشائه، لا أن يكون الفاسخ مجرّد عدم رضا الزوجة بالزوج؛ إذ هو يجتمع مع كراهتها للمفارقة؛ إذ ربّما لا تحضر نفسها للمفارقة و إن كانت في شدّة الكراهة من الابتلاء بالزوج المزبور؛ إذ حينئذ نقول: لا يخلو حال المرأة بعد اطّلاعها بجنون الزوج أو خصائه أو عننه إمّا أن يرضى خاطرها به أو تكره و تظهر بقول أو فعل دالّ على كراهته، و لا ينفكّ غالبا عن أحد الأمرين، فلا يبقى للكلام المزبور إلّا المورد النادر و هو ما إذا لم يظهر من حالها لا قولا و لا فعلا أحد الأمرين، و هو في كمال الندرة.

اللهمّ إلّا أن يحمل قوله: «شاءت» على مشيّة التفريق، كما هو المستفاد من قوله في الخبر المتقدّم: لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت.

و لكنّ الأمر دائر بين حمل قوله: يفرّق بينهما، على الفسخ حتّى يستقيم الأخبار التي ذكر فيها هذه الكلمة بدون قيد المشيّة، و لكنّه

خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر منه البطلان، و بين حمل قوله: يفرّق، على ظاهره، و حمل شاءت، على ما ذكرنا، و الوجه في الأخبار المطلقة أنّ الغالب حصول الكراهة للزوجة.

و ربّما يقال: إنّ الأظهر و لو بملاحظة سائر الأخبار المعلّقة على الرضا و الإباء هو المعنى الذي ذكرنا.

الفرع الثاني: بناء على الاحتياج في الانفساخ إلى إنشاء الفسخ إذا علم ذو الخيار بالضرر أو العيب و بالخيار، و لكن منعه مانع عن التلفّظ بلفظ فسخت، مثل أن وضع يده

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 445

على فيه، أو أكرهه مكره على تركه، أو توقّف إثبات الضرر أو العيب إلى المرافعة، فهل التأخّر إلى زمان رفع المنع و الإكراه و زمان الإثبات عند الحاكم مضرّ ببقاء الخيار أو لا؟

أمّا في القسم الأوّل فواضح أنّه لم يحصل له اختيار إلى الفسخ، فليس تركه باختياره، فلو لزم عليه العقد بعد رفع المنع كان منافيا للاضرر، و هكذا الكلام في الإكراه.

و أمّا في مسألة الاحتياج إلى الترافع فقد يقال: إنّه علم بالموضوع و بالحكم، فهو مختار في الفسخ، غاية الأمر أنّه محتاج في انتزاع العين، أو في ترتيب الثمرة الخارجيّة إلى الإثبات، فإذا لم يفسخ في الآن الذي حصل العلم فقد صدق أنّه أورد الضرر على نفسه.

و لكن يمكن أن يقال: إنّه بملاحظة عدم علمه بترتّب الثمرة الخارجيّة على فسخه؛ إذ لعلّه يعجز عن الإثبات عند الحاكم، يكون عند العرف غير واصل اليد إلى الفسخ، و بعبارة أخرى: لا ينافي هذا الاختيار لجريان لا ضرر في حقّه أو القول بمسقطيّة الاختيار الآني بعد الإثبات في حقّه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 446

مسألة [في كون الرجل خصيّا]

و من جملة العيوب التي في الجملة توجب خيار المرأة كون

الرجل خصيّا أيّ:

مسلول الخصيتين، و لا إشكال في كونه موجبا لفسخ المرأة، و لكن هل الخيار من جهة التدليس أو العيب، حتّى يظهر الثمر فيما إذا لم يكن تدليس، كما إذا لم يعلم الرجل بالعيب في نفسه، أو تخيّل كون المرأة عالمة بعيبه.

و أمّا إذا علم بكونه معيوبا و علم بجهل المرأة بعيبه، و مع ذلك أقدم على المزاوجة معها بدون إظهار، فهل يكون هذا أيضا تدليسا؟ يحتمل العدم؛ لأنّ المرأة مغرورة بأصالة السلامة التي تخيّلتها، و لم يصدر من ناحية الرجل شي ء، و يحتمل الثبوت، فإنّ نفس تعريض النفس لأجل التزويج أمارة و إبداء، لأنّه قادر على الجماع كسائر الرجال.

و كيف كان فالعمدة هو الاستظهار من الأخبار أنّ الخيار من أيّ الجهتين؟

فنقول: المورد في جميع الأخبار الواردة في المسألة هو الخصيّ الذي دلّس نفسه لامرأة، و ذكر في بعض الأخبار عقيب قول السائل ذلك قوله: يفرّق بينهما و تأخذ منه صداقها و يوجع ظهره كما دلّسه.

فربّما يقال لأجل ذلك أوّلا: لا دليل في غير مورد التدليس، و ثانيا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 447

قوله عليه السّلام: كما دلّسه، إمّا راجع إلى جميع الفقرات التي منها فقرة: يفرّق بينهما، فيكون علّة التفريق هو التدليس، و إمّا أنّه من قبيل الاستثناء الواقع عقيب الجمل يوجب إجمال الجميع.

و على كلّ حال ليس لنا مطلق نتمسّك به لغير مورد التدليس، فنرجع فيه إلى أصالة اللزوم، بل و إلى ما ورد في خصوص باب النكاح في ذيل بعض أخبار العنن من قوله: و الرجل لا يردّ من عيب، فإنّ المستفاد منه قاعدة كلّيّة نرجع إليها في مورد الشكّ.

و فيه أنّ الظاهر من قوله: كما دلّسه، رجوعه إلى الفقرة الأخيرة

فقط، كأنّ متوهّما يتوهّم أنّه إذا فرّق بينه و بين زوجته، فهذا يكفيه، فما وجه إيجاع ظهره و ضرب السوط على ظهره؟ فأجاب عن هذا التوهّم بأنّه لأجل تدليسه، فإذا كان ما بإزاء التدليس هذا فيصير التفرقة لا محالة بإزاء أصل الخصاء، فتكون الرواية ظاهرة في كون مطلق الخصاء و لو الغير المقرون بالتدليس موجبا لخيار المرأة.

و أمّا قولك: إنّه إذا فرض الإجمال فالمرجع أصالة اللزوم و عموم قوله عليه السّلام:

و الرجل لا يرد من عيب، فنقول: أمّا الرجوع إلى أصالة اللزوم فمتين.

و أمّا إلى العموم المزبور ففيه أنّه وقع في ذيل بعض أخبار العنن، و صدره هكذا: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في العنّين: إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما، و إذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما، و الرجل لا يرد من عيب «1».

و لا يخفى أنّه لا يصحّ في الكلام ذكر العموم مع مخصّصة متّصلا بغير نحو الاستثناء، مثل قولك: أهن زيد العالم و العالم يجب إكرامه.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 14 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 448

و الذي يمكن لدفع هذا الإشكال أن يقال: إنّ قوله: و الرجل. إلخ، لدفع أن يتوهّم متوهّم بعد حكمه عليه السّلام في صورة الوقعة الواحدة بعدم التفرقة بأنّه لا فرق بينه و بين العنين في كونهما معيوبين، فأجاب بأنّه ليس البناء على المعاملة مع الرجل في النكاح معاملة الأمتعة في المعاملات حتّى يردّ بكلّ عيب.

و من هنا يعلم أنّ تخصيص الرجل بالذكر من باب كونه محلّ السؤال، و إلّا فلا فرق بينه و بين المرأة، و المقصود التفرقة بينهما و بين الأمتعة، و

على هذا فيسقط هذا القول عن المرجعيّة في كلّ مورد شكّ في جواز الفسخ بوجود عيب مخصوص، فإنّ مفاد الرواية لا ينافي ثبوت الفسخ فيه، بمعنى أنّه لا يكون فيه الفسخ من حيث كونه عيبا، و إنّما يكون لأجل خصوصيّة خاصّة به دون سائر العيوب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 449

مسألة [في كون الرجل عنينا]

و من جملة العيوب التي ورد الأخبار المستفيضة بثبوت الخيار فيه للمرأة في الجملة كون الرجل عنينا، و حيث قد ورد التعبير في الأخبار تارة بهذا اللفظ، و اخرى بعنوان عدم القدرة على الجماع، فلا نتيجة في البحث عن الاختلاف الواقع في مفهوم العنين و أنّ المعتبر فيه قيد واحد، و هو كونه يعجز عن إتيان النساء، أو قيدان: هذا مع زيادة كونه لا يشهي النساء، فإنّه على فرض كونه مأخوذا فيه عدم الشهوة ليس مقيّدا للخبر الثاني الذي ورد تعليق الحكم فيه بمطلق من لا يقدر على إتيان المرأة.

فالعمدة هو الرجوع إلى القيود المستنبطة من الأخبار و هي أمور:

أحدها: أن لا يكون الرجل من حين عقده على هذه المرأة إلى عروض هذه الحالة واقعا عليها و لو مرّة واحدة، فلو وقع مرّة فلا خيار لها.

و ثانيها: أنّه يعتبر عجزه عن إتيان مطلق النساء غير هذه المرأة، فلو عجز عن هذه و لم يعجز عن غيرها و لو وقعة واحدة فلا خيار لها.

و ثالثها: أنّه لا بدّ أن ترافع المرأة أمرها إلى الحاكم، و يؤجّل الحاكم سنة من حين المرافعة، ثمّ عند انقضاء السنة إذا لم يقدر في أثنائها يحصل الخيار للزوجة،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 450

هذا مجمل القيود.

و أمّا تفصيلها، فنقول:

هل القيد الأخير و هو التأجيل و ضرب المدّة بعد رفع الأمر إلى الحاكم

يعتبر مطلقا حتّى لو علم من الابتداء أنّه لا يقدر و لو بعد السنة، فيجب مع ذلك رفع الأمر و لا يستحقّ الردّ بدونه، و كذا لو حصل هذا العلم للحاكم فلا يجوز الحكم بجواز الفسخ، بل لا بدّ من تأجيل الأجل، فيكون هذا قانونا كلّيّا روعي فيه حصول العلاج في أثناء السنة على وجه الحكمة؟

ظاهر إطلاق الخبر الدالّ على هذا القيد هو هذا، فلا وجه لرفع اليد عنه بعد اعتبار السند بشهادة عمل جمع من العلماء به، و إطلاق ما دلّ على الخيار بدون ذكر هذا القيد منزّل على عدم الورود في مقام البيان، كما هو الشأن في كلّيّة المطلقات مع المقيّدات، هذا حال القيد الأخير.

و أمّا الوسط، أعني: كونه لا يأتي النساء الأخر، فإن علم أنّه لا يأتي أو يأتي فلا كلام، و إن شكّ فالأصل يقتضي عدم كونه قادرا لثبوت هذا العدم عند الولادة، فالأصل بقاءه في ما بعد، هذا لو كان القيد واقع عدم القدرة، كما وقع به التعبير في بعض الأخبار، و أمّا لو كان هو العلم بعدم الإتيان كما وقع به التعبير في بعض آخر فالظاهر أيضا جريان الأصل المزبور، لكون العلم طريقيّا لا وصفيّا، فيقع الاستصحاب و الأمارة مقامه.

مع إمكان أن يقال: إنّ هنا أمارة عرفيّة على ثبوت هذا الأمر العدمي و هو أنّه بعد كون المفروض عدم النقص من طرف هذه المرأة من الرتق و نحوه، و إنّما النقص من ناحية عدم انتشار آلة الرجل و ضعفه عن ذلك، فهذا أمارة عرفيّة على أنّ حاله مع كلّ امرأة حاله مع هذه المرأة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 451

و أمّا القيد الأوّل و هو عدم الوقوع من حين العقد

إلى زمان الفسخ و لو وقعة واحدة على هذه المرأة فإن علم الوقوع أو عدمه فلا كلام، و إلّا فالأصل عدمه، فيترتّب عليه أثره.

و ليعلم أنّ عدم الوقوع على هذه المرأة يعتبر من حين العقد، فلو وقع بعد العقد حين سلامته مرّة واحدة فعرض عليه المرض المزبور لا يجوز لها الفسخ و الردّ.

و أمّا عدم الإتيان بالنسبة إلى النساء الأخر فلا عبرة به إلّا بعد عروض المرض، فلو وقع على الغير وقعة بعد العقد على هذه المرأة بدون الوقوع عليها، ثمّ عرض عليه حالة لا يقدر معها على إتيان مطلق النساء ثبت لها الخيار.

و بالجملة، القيدان العدميّان اللذان اعتبر انضمامهما في الحكم بثبوت الخيار عبارة عن عدم الوقوع في طرف هذه المرأة و عن عدم القدرة في جانب سائر النساء، فكلّ من هذين متى انقلب بالوجود إمّا عدم الوقوع تبدّل بالوقوع، أو عدم القدرة بالقدرة ارتفع الحكم، غاية الأمر أنّه في الأوّل لا يمكن عود الأمر العدمي ثانيا و في الثاني يمكن بأن يعرضه عدم القدرة على سائر النسوان.

و على هذا فلو تحقّق قيد عدم الوقوع من حين العقد إلى الحال ثمّ لم يقدر على هذه المرأة مع قدرته على سائر النسوان، بل و فعله بالنسبة إلى بعضها، ثمّ عرض عدم القدرة بالنسبة إليها أجمع، يتحقّق حينئذ تمام قيود الموضوع، لأنّه مرأة لم يقع عليها من حين العقد إلى الحال و لا يقدر زوجها على سائر النساء، و كذا لو فرض أنّه لم يقدر أوّلا على سائر النساء مع قدرته على امرأته، لكن لم يفعل بها ثمّ طرأ العجز عن امرأته أيضا تحقّق حينئذ تمام القيود.

ثمّ الظاهر أنّ العبرة بعدم الوقوع على امرأته في هذه

الزوجيّة، فلو كان سابقا بينهما مزاوجة اخرى انقطاعا أو دواما ثمّ انفصلت و تجدّدت المزاوجة الثانية و كان

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 452

واقعا على المرأة في المزاوجة الأولى غير واقع في الثانية لم يضرّ الوقوع في الأولى في ثبوت الخيار؛ لأنّ ظاهر الأخبار اعتبار عدم الوقوع في أزمنة هذه الزوجيّة و من حين عقدها من غير نظر إلى ما قبل العقد.

ثمّ اعتبار هذين القيدين العدميين مصرّح به في العنن، و أمّا في مطلق عدم القدرة على المباشرة و لو لم يندرج تحت اسم العنن لو فرض عدم التصريح بهما، أو عدم صحّة سند الخبر المصرّح فالقاعدة يقتضي الاقتصار في اعتبارهما على خصوص العنن و الرجوع في غيره إلى إطلاق ما دلّ على ثبوت الخيار في مطلق عدم القدرة، و هذا إنّما هو لو لم نقل بأنّ العنن أيضا مرادف لعدم القدرة، بأن قلنا: إنّه يعتبر في مفهومه مع ذلك عدم الاشتهاء إلى النساء.

و أمّا لو قلنا بعدم اعتباره هذا القيد الزائد و أنّ ما في كلام بعض اللغويين من زيادة هذا إنّما هو لبيان لازم القيد الأوّل، لا للاحتراز الثاني، فلا إشكال في عموميّة القيدين في تمام أقسام عدم القدرة.

ثمّ إنّ هنا بعضا من أفراد عدم القدرة غير مدلول للكلام، مثل ما إذا شرب الرجل دواء يوجب عجزه عن المباشرة، أو جبّ نفسه، فإنّ الإطلاق منصرف عن هذين، فهل يحكم في الجبّ بثبوت الخيار من باب الأولويّة بملاحظة عدم قابليّته للزوال أو البرء، بخلاف عدم قدرة العنّين، فإنّه في معرض الزوال، أو من باب تنقيح المناط.

و يرد على الأوّل بأنّ الأولويّة المفيدة هو أن تصير بحدّ تعدّ دلالة لفظيّة، كما في فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا

أُفٍّ «1» حيث يستفاد من اللفظ حرمة الضرب، بل قد لا يكون

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية 23.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 453

المدلول الابتدائي مقصودا مثل الكناية.

و أمّا إذا لم تصر بهذا الحدّ فلا اعتبار بها، و في المقام لا نسلّم استفادة حكم المجبوب من لفظ الخبر الدالّ على أنّ غير القادر على الوقاع حكمه خيار امرأته في فراقه، كما يستفاد في الأمثلة المعهودة.

و يرد على الثاني أنّه لو فرضنا عروض حمّى لازم على الرجل بحيث سقط عن قوّة الوقاع رأسا بواسطة شدّة استيلاء الضعف و بطؤ المرض فأيّ فرق بين هذا المثال و ما ادّعيت فيه تنقيح المناط القطعي؟

و حاصل الكلام في المجبوب أنّ إثبات الحكم فيه بالأولويّة المسمّاة بفحوى الخطاب غير جائز؛ لأنّ المراد بفحوى الخطاب و الأولويّة اللفظيّة أن يكون الكلام مسوقا لأجل إفادة المعنى الذي هو الأولى من المنطوق، و هذا غير موجود في مقامنا؛ لعدم كون سوق الخبر لأجل بيان حكم المجبوب.

و مثل هذا في الفساد أيضا القول بأنّ خصوصيّة العنن و أخذه الزوج أعني:

مسحوريّته ملغاة، و إنّما هي توطئة لأجل بيان عدم القدرة على المباشرة، فالموضوع في الحقيقة هو هذا، و هو متحقّق في المجبوب، وجه فساد هذا أنّه ينقّح منه باب لا يقولون به، للزوم التعدّي إلى بعض الأمراض المزمنة المنتهية إلى العجز عن المباشرة.

و بعد بطلان هذين الطريقين يبقى دعوى القطع أو الاطمئنان من حكم الشارع على الخصي و العنين بثبوت الخيار بأنّه ليس المجبوب الذي ليس له آلة أصلا بأقلّ من ذينك في نظر الشارع، فإن أمكن دعوى أحد هذين فهو، و إلّا فالحكم مشكل بعد أصالة اللزوم في العقد.

ثمّ على تقدير القول بالخيار في الجبّ فلا

شكّ أنّ الحكم في الفرع لا يزيد على

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 454

أصله، فإن فهمنا حكمه من الخصي فلا بدّ أن يفرّق فيه بين ما قبل العقد و ما بعده؛ إذ هو الذي لم يستفد أزيد منه من الأخبار في خصوص الخصي، لأنّ تمامها واردة في ما قبل العقد، و إن فهمناه من العنين فلا بدّ أن نحكم فيه بالقيد الذي اعتبرنا فيه من عدم وقوعه عليها بعد العقد، فلو وقع بعد العقد قبل الجبّ ثمّ جبّ فلا خيار لها.

نعم اشتراط التأجيل سنة يمكن القطع بعدمه هنا، للقطع بلغويّته و لو فرض القول بتعبّديّته هناك مثل العدّة في المطلّقة، فإنّه في موضع محفوظيّة القابليّة العقليّة نظير المقام أن تصير المرأة المعتدّة في أثناء عدّتها رجال، فإنّا نقطع بعدم وجوب إتمام العدّة عليه، فكذا في المقام.

و أمّا عيب كون الرجل خنثى واضحا قد علم بالأمارات رجوليّته فلا دليل على خيار المرأة، كما لا دليل على خيار الرجل في طرف كون المرأة خنثى واضحا قامت الأمارة على أنوثيّتها، نعم الخنثى المشكل يبطل العقد معه من رأس لأصالة عدم تحقّق الأثر للشكّ في تحقّق شرط تأثير العقد مع عدم أصل منقّح لوجوده و إن لم يكن أصل منقّح لعدمه أيضا.

[مسألة] من العيوب الموجبة للردّ- البرص و الجذام

بقي الكلام في البرص و الجذام و هما مذكوران في صحيحة الحلبي المتقدّم إليها الإشارة في مسألة الجنون، و استفادة حكم الرجل منها مبنيّة على استفادة العموم من الجواب، و هي في محلّ الشكّ، و الأولى نقل الصحيحة لزيادة البصيرة.

فنقول: هي ما رواه المشايخ الثلاثة رضوان اللّه عليهم بطرق صحيحة عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم،

فإذا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 455

امرأته عوراء و لم يبيّنوا له؟ قال عليه السّلام: «لا تردّ و إنّما يردّ النكح من البرص و الجذام و الجنون و العفل، قلت: أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال عليه السّلام:

المهر لها بما استحلّ من فرجها، و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها» «1».

و أنت خبير بأنّ استفادة حكم الرجل من الكلّيّة المذكورة في كلام الإمام أعني: قوله عليه السّلام: و إنّما يردّ النكاح. إلخ مشكلة، لا لمجرّد كون المورد هو السؤال عن المرأة حتّى يقال: إنّ وجود القدر المتيقّن غير مضرّ بالأخذ بإطلاق الكلام، بل لأجل وجود ما يصلح للقيديّة، و هو قوله: لا تردّ، فإنّ الفاعل في هذه الصيغة هو الرجل، و المعنى أنّه لا تردّ الرجل المرأة العوراء، و حينئذ فمن المحتمل قريبا أن يكون هكذا الحال في فاعل قوله عليه السّلام: و إنّما تردّ النكاح. إلخ، يعني إنّما يردّ الرجل النكاح في هذه المواضع الأربعة، و إذن فالمرجع فيهما إلى أصالة اللزوم، هذا تمام الكلام في عيوب الرجل.

و أمّا عيوب المرأة فهي أمور:

منها: الجنون، و لا إشكال في سببيّته للفسخ، إنّما الكلام في أنّه عامّ للجنون السابق و للمتجدّد، أو خاصّ بالأوّل؟ الأخبار الواردة بين مطلق و بين ما ذكر فيه الرجوع في المهر إلى الوليّ المدلّس، فما كان من الأخير واضح عدم شموله للمتجدّد، و أمّا ما كان من المطلق الذي لم يذكر فيه اسم المهر، فيمكن الدغدغة في وروده في هذا المقام، و إنّما هو في مقام تعداد العيوب الموجبة للردّ، و أمّا إنّها أعمّ ممّا قبل العقد و ما بعده فليست في مقام البيان

من هذه الجهة.

و القدر المتيقّن منها ما قبل العقد، و ليس التعدّي إلى ما بعده حينئذ جائزا،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 456

و لا يجري ما تقدّم هنا في جنون الرجل من التعدّي ممّا بعد العقد الذي هو كان مورد النصّ هناك إلى ما قبله، لأنّ التعدّي ممّا قبل العقد لا يمكن، لإمكان الفرق، و أمّا العكس فلا.

و منها: الجذام، و منها: البرص، و المراد بالأوّل ما يقال بالفارسيّة (خوره)، و بالثاني: ما يقال له بالفارسيّة: (پيسى)، و هو بحسب المرتكز في الأذهان عبارة عن بياض يعرض الجلد و يصل إلى العظم، بحيث لو أدخل إبرة لا يخرج دم، و بهذا يفترق عن مرض آخر مسمّى بالبهق بعد الاشتراك في أصل البياض، و المراد بالبياض الواقع في بعض الأخبار هو المعهود، و هو البرص، لا كلّ بياض.

و بالجملة، فينقل عن بعض أنّ من البرص ما يكون بدل البياض سوادا، و على هذا فالمتيقّن منه هو القسم الأوّل منه، و القسم الآخر مشكوك باق تحت الأصل.

و منها: القرن و العفل، و قد ورد بكلّ منهما التعبير في الأخبار، و في بعضها:

تفسير القرن بالعفل، و ليس لهذا اللفظين في العرف الفعلي لفظ مرادف حتّى نفهم منهما شيئا، و الذي يوجد من أهل اللغة هو الاختلاف في تفسيره، فبعض يقول: إنّه عظم نابت في الرحم، و بعض أنّه لحم نابت، و بعض يقول: إنّه في ظاهر الفرج منه أثر ظاهر، نظير الأدرة في الرجال.

و يمكن استظهار هذا الأخير من بعض الأخبار، و هو ما ذكر فيه أنّه ينقبض زوجها من مجامعتها، فإنّ ظاهر انقباض الزوج أن يكون

لأجل رؤية شي ء بارز في البدن، فينطبق مع الأخير الذي هو أن يكون شبه الأدرة في الرجل ذا أثر ظاهر، و أمّا أنّه العظم أو اللحم أو الأعمّ فلا يعلم، فإن كان في مرأة كلا الأمرين فهو المتيقّن من مورد الخيار، و إلّا فباق تحت الأصل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 457

هذا حال هذه العيوب الأربعة التي وردت في الأخبار المستفيضة، بل و مفادها حصر السبب المجوّز فيها و نفيه عن غيرها، و حينئذ يقع التعارض بينها و بين الأخبار المثبتة لغيرها من العيوب مثل الإفضاء و العرج و العمى، فلا بدّ من التكلّم في علاج هذا التعارض أوّلا، ثمّ التكلّم في تفاصيل تلك العيوب الزائدة على هذه الأربعة.

هل المستفاد من النصوص حصر العيوب الموجبة للفسخ؟

فنقول: المذكور في صحيحة الحلبي المتقدّمة كلمة «إنّما» و هي قد ينكر دلالتها على الانحصار، و غاية الأمر أنّ تأكيدها أزيد من تأكيد «إنّ» الخالية عن «ما»، و ربّما يشهد تعبيرنا في الفارسية عن معناها بقولنا: (اين است و جز اين نيست)، فإنّه لا يستفاد منه إلّا زيادة تأكيد بدون استفادة الانحصار، و لكن في خصوص المقام القرينة قائمة على إرادة الانحصار و هو أمران:

الأوّل: وقوعه في تلك الصحيحة عقيب السؤال عن حال العوراء، فأجاب بأنّها لا تردّ، و إنّما يردّ النكاح. إلخ، و هذا الجواب إنّما ينطبق على ذلك السؤال إذا أريد الحصر، و إلّا فلا ربط بينهما.

و الثاني: أنّه في بعض النصوص وقع بعد ذكر هذه الأربعة قوله: و لا يردّ بما سوى ذلك.

و بعد هذا فنقول: قد يتوهّم في الحصر المستفاد من لفظة «إلّا» نحو: جاءني القوم إلّا زيدا، أنّه من مجموع الإخراج المستفاد من إلّا و العموم المستفاد من المستثنى منه؛ فإنّ الحاصل

من هذين انحصار الخارج في زيد و أنّ ما عداه داخل في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 458

القوم و محكوم بحكمه، فليس في البين إلّا عامّ قد خصّ بفرد و هو زيد، فيمكن أن يرد عليه تخصيصات بغيره أيضا.

و لكنّ الحقّ أنّ الحصر مستفاد من نفس إلّا، فكأنّه يقول: الزيد خارج و ليس غيره، و حينئذ فورود دليل على خروج غيره ينافي مع هذا الحصر أيضا، كما ينافي مع عموم المستثنى منه، و لا يتوهّم أنّه أيضا عموم؛ لأنّه عنوان الحصر المنحلّ إلى العموم، لا أنّه ابتداء عموم.

و على هذا فنقول في كلمة إنّما في مقامنا: إنّ الحصر المستفاد منه ليس بمنزلة عامّ ورد بأنّ ما عدا هذه الأربع غير موجب للردّ حتّى يكون الدليل الوارد بغيرها مخصّصا له، بل المفاد الأوّلي هو الانحصار، و إن كان بالمآل ذاك العموم فالدليل معارض له و مناف معه؛ إذ هو مثل أن نقول: الموجب للردّ منحصر في الأربع، ثمّ نقول: هذا و هذا أيضا موجب له؛ فإنّهما كلامان غير متلائمين.

و حينئذ فقد يقال في مقام العلاج بحمل الحصر على الإضافي بالنسبة إلى ما عدا العيوب المنصوصة في الأخبار.

و فيه أنّ الحصر الإضافي إنّما يصحّ في مورد توهّم تعلّق الحكم بالمطلق، فأجيب بأنّه إنّما يتعلّق هذا الحكم بالطبيعة مع قيد كذا، أو أريد دفع توهّم عدم الاحتياج إلى القيد، لا نفي بدليّة قيد آخر لذلك القيد المذكور في الكلام، و أمّا إذا كان السائل أيضا عالما بأنّ الطبيعة في ترتّب الحكم يحتاج إلى القيد، لكن أخطأ في تعيين ذلك القيد، فذكر «إنّما» في هذا المقام و ذكر قيد آخر أو قيود أخر عقيبه في غاية الظهور في أنّه

للحصر الحقيقي في هذه المذكورات.

فالأولى أن يقال في مقام الجمع بحمل قوله عليه السّلام: إنّما يردّ النكاح. إلخ على حصر الجواز الغير المشوب بالكراهة في هذه الأربعة، فلا يستفاد منه في ما عداها

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 459

إلّا انتفاء الجواز بدون الكراهة، و هو يلائم مع الجواز مع الكراهة، كما في العيوب الأخر المنصوصة، و مع عدم الجواز رأسا كما في مورد سؤال الراوي أعني: العوراء.

و بالجملة، حيث إنّ مورد النفي و الإثبات هو الردّ الذي هو فعل المكلّف و ليس المفاد الابتدائي هو الحكم الوضعي و إثبات الحقّ و نفيه فيكون للحمل المذكور مجال؛ فإنّ الوضع على هذا يستفاد من التكليف، كما في: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

فلا يستفاد من هذه الكلمة بالنسبة إلى سائر العيوب إلّا ثبوت المرجوحيّة المطلقة الملائمة مع عدم المنع عن النقيض، فإن لم يكن في البين نصّ على الجواز و الرخصة فالمرجع في ذلك العيب إلى أصالة اللزوم، و إلّا كان ذلك النصّ الدالّ على الرخصة مقتضاه مع مقتضى هذه الصحيحة و ما يفيد مفادها من الحصر جواز الردّ في ذلك العيب مع ثبوت الكراهة، هذا حاصل الكلام في بيان التعارض و بيان علاجه.

أمّا تفصيل الكلام في العيوب الأخر غير الأربعة المذكورة:

فمنها: العرج، و قيّده بعضهم بوصوله إلى حدّ الإقعاد، استنادا إلى روايتين ذكر فيهما لفظ الزمانة، فحملوها على الإقعاد و جعلوه قيدا للعرج الواقع في إحداهما، و الأولى نقل الروايتين ليتّضح حال هذا الحمل، فنقول:

إحداهما: ما رواه في الوسائل عن الكليني قدّس سرّهما، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب عن

أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: في رجل تزوّج امرأة من وليّها، فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها، قال: فقال عليه السّلام: «إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق و يأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 460

بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه و تردّ على أهلها» «1» الحديث.

و الثانية: ما رواه فيه عن الشيخ قدّس سرّهما بإسناده عن الحسين بن سعيد و محمّد بن عليّ بن محبوب جميعا، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال عليه السّلام: «تردّ على وليّها، و إن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها» «2».

قال شيخنا الأستاذ دام علاه: يمكن أن يقال: إنّ المقصود من الزمانة الظاهرة في الرواية الأولى العاهة، و لكن إرادتها بقول مطلق مقطوع الخلاف، فلا بدّ من كونها إشارة إلى العيوب الخاصّة و هي غير ما تقدّمها و هو الجذام و العمى و العرج، و الشاهد على هذا أنّ السائل لم يسأل عن العيوب ما هي، بل بعد الفراغ عن أنّها ما هي سأل عن أنّ إيجابها للردّ يعمّ لما قبل الدخول و ما بعده، أو يختصّ بالأوّل، فأجاب الإمام عليه السّلام بما قاله عليه السّلام.

و المقصود من التقييد بالظاهرة؛ لأجل ترتّب التدليس و تحقّقه حتّى يكون توطئة للمحمول الذي يحمله عليه السّلام عليه و هو قوله عليه السّلام: و يأخذ الزوج المهر من

وليّها الذي كان دلّسها.

و أمّا المراد بقوله في الرواية الثانية: و إن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها، فهو بيان مرحلة إثبات العيوب التي توجب الفسخ، فكأنّه قيل: العاهات التي توجب الفسخ إن كانت بحيث لا يراها الرجال مثل العفل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 9، و ذيله في الحديث الأوّل من الباب 4 من هذه الأبواب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 461

أجيزت شهادة النساء عليها، و على كلّ حال فقد علم أنّ المراد بالزمانة في الروايتين ليس عيبا وراء العيوب المعهودة، بل هي إشارة إليها، هذا ما ذكره دام ظلّه.

و للفقير في ما ذكره تأمّل، و ذلك لأنّا لو سلّمنا مجي ء الزمانة بمعنى مطلق العاهة- كما يظهر من مجمع البحرين- فلا إشكال في مجيئه بمعنى الإقعاد أيضا، و الظاهر أنّه المراد بقول بعض أهل اللغة: آفة في الحيوان أو مرض يدوم في زمان طويل، و يشهد به أنّه قد فسّر في المجمع المقعد بأنّه الزمن الذي لا يستطيع الحركة للمشي، و يدلّ عليه كلمات العلماء ممّن تقدّم على صاحب الجواهر على ما يظهر من الجواهر.

و على هذا فالمراد بالزمانة الظاهرة في الرواية الأولى هو الإقعاد البارز الفاحش، و ما ذكره دام ظلّه من كون ذكره لأجل تفريع حكم الرجوع بالمهر على الوليّ، فيه أنّه يغني عنه ذكر قوله: «دلّست» فإنّ لازم معنى التدليس كون العيب معلوما لدى المدلّس، و المراد بالرواية الثانية تعيين مقام الإشهاد و الإثبات؛ فإنّ الإقعاد قد يصل إلى حدّ لا تخرج عن بيتها فلا يراها الرجال.

ثمّ إن أبيت

فلا أقلّ عن الإجمال المسقط للاستدلال، فلا يبقى في البين إطلاق يتمسّك به لوجود ما يصلح للقيديّة في الكلام.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 462

[المقصد الثاني في أحكام العيوب] ثمّ إنّ هنا مسائل:

الاولى [في عيوب المرأة]

قد عرفت أنّا في جانب عيب الرجل قد عثرنا على دليل يعمّ ما بعد العقد كما في جنونه و عننه، و أمّا في عيوب المرأة فلم نعثر على خبر واحد ثمّ دلالته على هذا التعميم، بل القدر المتيقّن أو الظاهر و النصّ منها هو ما قبل العقد، أمّا ما كان مشتملا على التدليس فظاهر، و كذا ما كان مشتملا على السؤال عن التدليس بالعوراء، فأجاب عليه السّلام بأنّها لا تردّ و إنّما يردّ النكاح. إلخ، فإنّه بعد تصدّره بذلك السؤال لا يبقى له ظهور في الأعمّ.

بل قال شيخنا دام ظلّه: و كذا ما ليس فيه اسم التدليس أصلا، و لكن ذكر فيه تعداد العيوب المجوّزة للفسخ، أو ذكر أنّ المرأة تردّ من كذا و كذا، أو أنّ المرأة الكذائيّة تردّ.

أمّا الأوّل فلأنّه ظاهر في كونه واردا في مقام تعداد العيوب و ليس في مقام بيان أنّها يعمّ ما قبل العقد و ما بعده.

و أمّا الثاني و الثالث فللفرق بين التعبير المذكور و تعبير أنّ النكاح يردّ من كذا و كذا؛ فإنّ الأوّل ظاهر في كون العيب متقدّما؛ فإنّه نظير أن نقول: يردّ المبيع المعيوب، فإنّه لا إشكال في ظهوره في كون عيبه سابقا على المعاملة، بخلاف يردّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 463

البيع من عيب كذا، فإنّه ليس له ذكر الظهور.

ثمّ إنّه ظهر بما ذكرنا أنّ إظهار الجزم بعدم الشمول بالنسبة إلى ما بعد العقد و الوطي و التردّد بالنسبة إلى ما بعد العقد و ما قبل الوطي كما في الشرائع

لم يظهر له وجه؛ فإنّا إن سلّمنا وجود الإطلاق فلا فرق فيه بين ما قبل الوطي و ما بعده في الشمول و إن لم نسلّمه فلا فرق بينهما في عدم الشمول فالفرق لم يظهر له وجه.

و أمّا ما وقع في بعض الروايات من تقييد الحكم بالفسخ بقوله: ما لم يدخل بها، فإذا دخل بها فلا، فليس ناظرا إلى صورة تحقّق العيب قبل الدخول أو بعده، بل إلى صورة تحقّقه سابقا على العقد، و المراد بقرينة بعض الأخبار الأخر أنّه إن علم بالعيب و دخل فلا خيار له، و إن لم يعلم و دخل ثمّ علم فحينئذ له الفسخ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 464

الثانية [في عدم كون الفسخ بالعيب طلاقا]

لا إشكال في عدم كون الفسخ بالعيب طلاقا، فلا يجري عليه أحكامه من المعدوديّة من الثلاث، و من تنصيف المهر لو كان قبل الدخول، بل القاعدة هنا يقتضي عدم المهر رأسا، نعم في خصوص العنن قد ورد في الأخبار أنّه منصّف للمهر مع أنّه لم يدخل بها، كما أنّه ورد الأخبار أيضا بثبوت تمام المهر في العيوب الأخر إذا فسخ أو فسخت بعد الدخول.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 465

الثالثة مهر الزوجة عند الفسخ بعد الدخول
اشارة

لا إشكال في أنّه متى فسخت الزوجة أو فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر للزوجة إلّا في العنن، فإنّ فيه نصف المهر، و إن كان بعد الدخول استحقّت تمام المهر المسمّى بمقتضى قوله عليه السّلام في بعض الأخبار: لها المهر بما استحلّ من فرجها «1»، و لولاه لكان مقتضى قاعدة الفسخ الرجوع إلى مهر المثل.

ثمّ إن لم يكن مدلّس لا من الزوجة و لا من وليّها الذي زوّجها فلا كلام، و إن كان مدلّس إمّا بأن كان الوليّ عالما بعيب المرأة و أخفاه، أو بأن كان هو جاهلا و لكنّ المرأة علمت و أخفت ففي كلتا الصورتين يرجع الزوج إلى المدلّس وليّا كان أم زوجة، و هذا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه هل يمكن فرض اجتماعهما في المدلّسيّة؛ الذي قوّاه شيخنا الأستاذ دام ظلّه العالي، العدم. لظاهر الأخبار، حيث حكم فيها في صورة علم الوليّ بالرجوع إليه و لم يقيّد بصورة جهل المرأة، بخلاف الرجوع إليها، فإنّه قد قيّد فيها بصورة جهل الوليّ، فيعلم من ذلك أنّ مع علم الوليّ لا رجوع إلّا إليه، سواء

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 466

كانت الزوجة عالمة أيضا أم

لا، و مع جهله يرجع إلى الزوجة.

هذا مع أنّه لو سلّم أنّه لا يستفاد من الأخبار إلّا الرجوع إلى المدلّس، غاية الأمر عيّن بعض المصاديق له، فلو فرض كونهما مدلّسين لا يستفاد من الخبر ترتيب في ما بينهما لكن يمكن أن يقال حينئذ بعدم تصوّر موضوع التدليس في حقّهما إلّا مرتّبا بتقريب أنّه إن كان المتصدّي للتزويج أعني الوليّ عالما أسند التدليس إليه عرفا دون المرأة و إن كانت عالمة فيقال: هو الذي أوقع الزوج في المكروه، و إن كان هو جاهلا لا يدري بعيب الزوجة فحينئذ يسند التدليس إلى المرأة حيث لم يخبر بعيبها الباطني فيقال: هي التي أوقعته في مكروهه، و حيث لا يمكن اجتماع الفرضين فلا يمكن اجتماع المدلّسين، فهما مدلّسان طولا، لا عرضا.

إذا عرفت هذا فنقول: لو رجع الزوج إلى الوليّ و طالبه بالمهر بدعوى كونه المدلّس فأنكر علمه بالعيب و لم يقم الزوج بيّنة فحلف الوليّ على إنكاره سقط حقّ الزوج عنه، و إذا رجع حينئذ إلى الزوجة و طالبها بالمهر بدعوى أنّها المدلّسة فهذا له صورتان:

الأولى: أن يكون صرف دعوى للمدلّسيّة غير مقرون بالنفي و الإثبات للدعوى الأولى.

و الثانية: أن تكون مقرونة بأنّه سهى و اشتبه في دعواه المدلّسيّة على الوليّ و أنّه لمّا حلف علم بخطإ نفسه في زعم التدليس في حقّه، فإن كانت بالصورة الأولى فهذا يعدّ إنكارا بعد الإقرار الذي اتّفقت كلمتهم ظاهرا على عدم سماعه بمعنى أنّه لا يطالب بالبيّنة في موردها و لا باليمين في محلّها، بل يردّ قوله من أوّل الأمر، و وجه كونه إنكارا أنّه حين ادّعى على الوليّ كونه مدلّسا فقد أقرّ بمدلوله الالتزامي بأنّ الزوجة غير مدلّسة، فالدعوى الثانية رجوع

عن هذا الإقرار، فهو مأخوذ بإقراره

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 467

الأوّل، و لا يسمع منه هذا الرجوع.

و أمّا إذا كانت بالصورة الثانية فهو كما لو ادّعى المقرّ بقبض الدين أنّه كان على حسب رسم القبالة، أو أنّه كان خوفا من ظالم، أو أنّه كان قد اشتبه في اسم الشخص فأراد أن يقول: زيد، قال: عمرو مثلا و نحو ذلك من رجوع الدعوى إلى الإقرار السابق، فإنّ له حقّ ذلك، و يكون كلامه مسموعا، بمعنى أنّه إن ساعده أمارة أو أصل طولب منه اليمين، و إلّا طولب بالبيّنة.

في بيان معنى قولهم: الإنكار بعد الإقرار غير مسموع

و الحاصل: فرق بين قوله ثانيا: ما قبضت الدين من زيد، عقيب قوله أوّلا:

قبضت، فإنّ مفاد الكلام الثاني لا يتعلّق بالكلام الأوّل، و إنّما هو مناقض معه، و بين قوله: تعمّدت الكذب في القول الأوّل أو اشتبهت أو نحو ذلك ممّا يكون الكلام الثاني نافيا و مثبتا في الكلام الأوّل، فالذي اتّفقت الكلمة ظاهرا على عدم سماعه هو القسم الأوّل، و أمّا الثاني فلا، و على هذا فلا بدّ من الفرق بين الصورتين في ما نحن فيه.

و حينئذ نقول: هنا مسألتان: الأولى: لو رجع الزوج إلى الوليّ فردّ الوليّ الحلف إلى الزوج فحلف و غرمه المهر فهل للوليّ أن يطالب به الزوجة و يقول لها: هذا الذي غرمته كان الحقّ أن تطالب أنت به؛ لأنّك كنت المدلّسة و أنا كنت جاهلا، أو ليس له حقّ هذه الدعوى؟

الثانية: لو حلف الوليّ للزوج فرجع الزوج على نحو الصورة الثانية من الصورتين المتقدّمتين إلى الزوجة و حلف لها اليمين المردودة و غرمها المهر، فهل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 468

للزوجة أن ترجع إلى الوليّ و تطالبه و تقول: أنت كنت

مدلّسا فكان الحقّ أن يؤخذ منك المهر و قد أخذ منّي، فهل لها هذه الدعوى أو لا؟

الحقّ في كلتا المسألتين أن يقال بعدم الحقّ؛ فإنّ الزوجة في المسألة الاولى و الوليّ في الثانية لا تقصير من ناحيته في اشتغال ذمّة المدّعي، بمعنى أنّه لم يوجد السبب لتغريمه المهر، و إنّما السبب له عدم حلف نفسه و ردّه اليمين إلى الزوج.

و الحاصل: لا موجبيّة للغرور حتّى يقال بقاعدة رجوع المغرور إلى من غرّ:

إنّ الذي اغترم المهر يرجع إلى الذي لم يغترمه، و هذا من غير فرق بين القول في اليمين المردودة أنّها بمنزلة إقرار المنكر، أو بمنزلة بيّنة المدّعي، أو شي ء مستقلّ لا يلحق بهذا و لا ذاك.

و توضيح الحال في المسألة الثانية أنّ الزوج بعد ما حلف له الوليّ على نفي التدليس و رجع إلى الزوجة بادّعاء أنّها المدلّسة، فلا يخلو الحال إمّا أن تنكر الزوجة هذه الدعوى بدون ذكر لمستند الإنكار، و إمّا أن تنكر مع ذكر المستند، و على الثاني إمّا تقول: إنّي أعلمتك، أو تقول: أعلمت الوليّ، فعلى كلّ واحد من هذه التقادير لا يكون ارتباط في خصومتها بالوليّ.

أمّا على الأوّل فواضح، فإنّا إمّا نقول بصحّة اجتماع المدلّسين في عرض واحد و لكنّهما مترتّبان في حكم الرجوع بمقتضى الأخبار، و أمّا نقول: إنّ موضوع التدليس فيهما مترتّب.

فعلى الأوّل مرجع دعوى الزوج أنّ موضوع استحقاقي للرجوع موجود فيك، و على الثاني مرجعها أنّ موضوع التدليس متحقّق فيك، و هي في كلتيهما منكرة لتحقّق هذا في نفسها، فلا يرتبط شي ء من الدعوى و الإنكار بالوليّ، و كذا الحال على التقدير الوسط كما هو واضح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 469

و أمّا على الأخير و هو

انقلاب الدعوى إلى دعوى الزوجة أنّها أعلمت الوليّ و أنكر الزوج و الوليّ ذلك، فهل المنكر لها الذي يحكم بيمينه إذا لم يكن لها بيّنة هو الزوج أو الوليّ؟

ربما يظهر من الجواهر أنّه الوليّ، فحكم بأنّه يحلف، ثمّ استشكل قدّس سرّه في صورة نكول الوليّ أو ردّه اليمين إلى الزوجة فحلفت بأنّ المسألة حينئذ داخلة في جزئيّات المسألة المعروفة من أنّ اليمين المردودة هل هي كإقرار المنكر بعد إنكاره و حلفه فيسمع فيرجع الزوجة بالمهر إلى الوليّ فيأخذه منه و يدفعه إلى الزوج؟ أو أنّه بمنزلة بيّنة المدّعي بعد حلف المنكر؟ فلا يسمع.

ثمّ قال: و لعلّ الأولى من ذلك القول بأنّ لها الرجوع لا له كي يتأتّى الخلاف، انتهى.

و استشكل عليه شيخنا الأستاذ دام ظلّه بأنّ الطرف لها في هذه الدعوى إنّما هو الزوج، فاليمين متوجّه إليه، و مجرّد أنّه لو توجّه إلى الوليّ فربّما يردّ اليمين إلى الزوجة فينتفع هي بذلك بواسطة القول بأنّ حلفها بمنزلة إقرار المنكر، أو بواسطة أنّها هي الراجعة و ليس للزوج التصدّي للرجوع لا يوجب جواز توجيهها الدعوى إلى الوليّ بعد عدم تحقّق موضوع إتلاف منه بالنسبة إليها، فإنّ المتلف عليها عدم بيّنتها و حلف الزوج و لا ربط لشي ء منهما بالوليّ، و هل هذا إلّا مثل أن يوجّه الزيد دعوى الدين نحو عمرو فيوجّه العمرو دعوى كون مديونه خالدا نحو الخالد بواسطة أنّه إذا ثبت ذلك يتركه زيد و يتعرّض لخالد؟

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 470

الرابعة [في علم الزوج بالعيب قبل الوطء]

لو علم الزوج قبل العقد بحال الزوجة أو بعده و وطئها عالما فلا خيار له، أمّا الأوّل فلأنّ مورد الأخبار صورة الجهل، و أمّا الثاني فلتصريح بعض الأخبار بأنّه إذا جامعها بعد

العلم بعيبها فقد رضي بها، و هذا نظير ما وقع في سقوط خيار الحيوان بالتصرّف من التعليل بأنّه رضي، فيجي ء فيه مثل الكلام فيه.

فنقول: لهذا الكلام وجهان:

الأوّل: أن يؤخذ بإطلاق المجامعة عقيب العلم بالنسبة إلى حال اقترانها بالقرائن العلميّة الدالّة على إرادته الفسخ بعدها، مع عدم منافاتها للفور العرفي، و يحمل قوله: فقد رضي بها، على صرف التعبّد و التنزيل.

و الثاني: أن ينزّل الإطلاق المذكور على صورة احتمال كونه راضيا، فيكون معتبرا من باب الكشف النوعي عن الرضا، و شأن الكاشف أن لا يكون معتبرا مع كشف الخطأ، و لعلّ الظاهر من الوجهين هو الثاني.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 471

فصل

[المقصد الثالث] في التدليس

اشارة

اعلم أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة في باب النكاح هل هو تحقّق الخيار في الأوصاف المشترطة المتخلّفة أو الواقعة تحت التوصيف كذلك و يكون موارد لا يحكم فيها بالخيار خارجة بالدليل، أو أنّ الأمر بالعكس، بمعنى أنّ القاعدة و لو الثانوية عدم تحقّق الخيار بذلك و يكون موارد الحكم به محتاجة إلى إقامة الدليل؟

الظاهر هو الثاني؛ فإنّ فتح هذا الباب يلزم منه الفقه الجديد، فكما أجمعوا على عدم تأثير اشتراط الخيار هنا، كذلك الظاهر منهم أنّه لو شرط وصفا كماليّا أو براءة عن عيب غير العيوب المخصوصة المتقدّمة في أحد من الرجل و المرأة ثمّ ظهر خلافه، أو ذكر بطريق التوصيف ثمّ ظهر الخلاف فلا نراهم يلتزمون بثبوت الخيار، بل اقتصروا على موارد وصل إليهم الدليل بثبوته و نفوه عن غيره.

و لعلّه لعموم قولهم: إنّما يردّ النكاح. إلخ، حيث إنّ ظاهره أنّ ردّ النكاح منحصر في العيوب الخاصّة و هو و إن لم يكن حاضرا لجميع موجبات الردّ من العيوب و غيرها، و لكن بعد إخراج

ما خرج منه يكون عامّا و حجّة في الباقي و إن تقدّم منّا الخدشة في التمسّك بهذا العموم تارة من جهة عدم الجزم بعمومه من حيث

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 472

الرجل، و اخرى من جهة أنّ مفاد «إنّما» هو الحصر، و هو غير العموم و إن كان مستلزما له.

و على هذا فطريق الجمع بينه و بين أدلّة الخيار في المواضع الأخر بحمله على الأعمّ من الكراهة و الحرمة، فيسقط عن الاستدلال في موارد الشكّ إلّا في إثبات أصل الكراهة.

و على كلّ حال الظاهر أنّ المسألة عندهم مسلّمة كما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذا المقام، و حينئذ فلا بدّ من التماس الدليل في كلّ مقام قالوا فيه بثبوت الخيار بتوصيف أو اشتراط وصف مفقود، و نذكر ذلك إن شاء اللّه تعالى في ضمن مسائل:

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 473

مسألة لو تزوّجها على أنّها حرّة فبانت أمة

كان له الفسخ، ثمّ إن كان قبل الدخول فلا مهر، و إن كان بعده استحقّت المهر إن قلنا باستحقاق الأمة و إن كانت محجورة، و إلّا استحقّها مواليها ثمّ يرجع الزوج به إلى المدلّس إن كان.

و محلّ الكلام ما لو اجتمع شروط الصحّة من إجازة الموالي و كون الزوج ممّن يجوز له تزويج الأمة، و الدليل على ثبوت الخيار منحصر في رواية واحدة ذات وجهين، بأحدهما دليل على المطلب، و بالآخر أجنبيّ عنه و إن كان ربّما يستظهر منه الوجه المفيد للمدّعي، و لا بدّ أوّلا من التيمّن بذكره ثمّ التكلّم في بيان وجهيه.

فنقول: هي ما رواه في الوسائل عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العبّاس بن

الوليد، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلّست نفسها له؟ قال عليه السّلام: إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال عليه السّلام: إن وجد ممّا أعطاها شيئا فليأخذه، و إن لم يجد شيئا فلا شي ء له، و إن كان زوّجها إيّاه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 474

وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذت منه و لمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا، و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحلّ من فرجها، قال عليه السّلام: و تعتدّ منه عدّة الأمة، قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال عليه السّلام: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي «1».

أمّا الاحتمال الأوّل: أن يكون المراد بالوليّ هو الوليّ العرفي كالأب و نحوه، و المقصود من التفصيل بيان حال المهر بعد فرض وقوع النكاح بغير إذن الموالي و كونه فاسدا، فالفرق حينئذ أنّه إذا لم يكن المزوّج بغير إذن الموالي وليّا بأن يكون أجنبيّا، فما يوجد عينه من المهر يأخذه الزوج، و ما أتلفته فلا شي ء له، بمعنى أنّه لا يمكنه أن يغرمه ممّا تحت يدها من أموال مولاها إن كان، أو يغرم مولاها، و إنّما هو شي ء لا بدّ أن يتبع به رقبتها بعد العتق.

و أمّا إذا كان المزوّج بغير الإذن وليّا لها رجع إليه بما أعطاها، و على كلّ حال يكون عليه للموالي عشر القيمة أو نصف عشرها، و هذا كما ترى لا يرتبط بالمدّعى.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بالوليّ هو المتولّي الوالي على العقد، و لكن من غير الموالي، بأن

كان وكيلا أو مأذونا من قبلهم في مطلق تزويج الجارية، فدلّس الرجل في إخباره أنّها حرّة فزوّجها على أنّها حرّة، فإنّ العقد حينئذ صحيح، و يكون هذا الوكيل هو المدلّس دون الموالي و دون الأمة.

و لا ينافي اشتراطه خلاف الواقع صحّة العقد بأن يقال: إنّه خلاف ما وكّل فيه؛ لأنّ الفرض أنّه وكيل في التزويج المطلق، و لا يوجب هذا كون المدلّس هو

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 475

السيّد كما هو واضح.

و بالجملة، فمعنى الرواية حينئذ أنّ العقد- حيث إنّ من المفروض كراهة الزوج و عدم رضاه كما يشهد به أنّه صار بصدد السؤال و استفسار العلاج لما وقع فيه- يكون منفسخا بعد وقوعه صحيحا، فيكون المهر ملكا لأرباب الأمة، فإنّ من المسلّم صيرورة مهر الأمة ملكا لمولاها و إن قلنا بملك العبد و الأمة و أنّه مثل مال الإجارة حيث يدخل بلا واسطة في ملك موالي العبد و الأمة المستأجرين دون أن يملكاه، و يملكه المولى بتوسّطهما، فإذا دفع الزوج ذلك إليهم أو إلى أمتهم بإذنهم يرجع إلى ذلك الوكيل المدلّس على قاعدة الغرور و التدليس.

لكن ينافي هذا حكمه بثبوت العشر و نصف العشر للموالي؛ فإنّ من المسلّم أيضا في ما بينهم أنّه لا يجتمع ملك السيّد على مهر الأمة و على العقر معا.

إلّا أن يقال برجوع هذه الفقرة أعني: حكم العقر إلى صورة فساد العقد أعني: صورة كون المزوّج غير المولى و غير المأذون منه، فيدور حينئذ الأمر بين ارتكاب هذا المخالف للظاهر و بين الحمل على المعنى الأوّل، و ارتكاب خلاف ظاهر آخر و هو أنّ الظاهر كون قوله

عليه السّلام: و إن كان زوّجها إيّاه وليّ لها، عدلا لقوله عليه السّلام: إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها.

و لا يخفى أنّ العبارة الأولى تشمل ما إذا كان المتصدّي وليّا عرفيّا أو غيره، مع أنّ فرض التدليس في كليهما ممكن كفرض عدمه في كليهما، فالظاهر أنّ المراد من الفقرة الثانية كون المزوّج منصوبا من قبل الموالي و كونه وليّا على العقد، فيكون المقابلة حينئذ صحيحة، فالحمل على الوليّ العرفي خلاف الظاهر من هذه الجهة.

و أيضا قوله عليه السّلام: ارتجع على وليّها بما أخذت منه، ظاهر في عدم استحقاقه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 476

للمأخوذ و أنّه وقع في محلّه، سواء كان شي ء منه موجودا أو أتلفته، غاية الأمر يرجع إلى المدلّس، و على المعنى الأوّل لا بدّ من التصرّف في هذا الظاهر إمّا بحمله على خصوص التالف أو بحمله على أنّ عهدة الاسترداد على الوليّ و هو المؤاخذ به، و كلاهما خلاف الظاهر جدّا.

و الحاصل: أمر الرواية مردّد بين احتمالين، بأحدهما يثبت المدّعى، و بالآخر أجنبيّ عنه، و شيخنا الأستاذ دام ظلّه رجّح في مجلس بحثه الشريف الاحتمال المساعد نظرا إلى ملائمته مع جميع ظهورات أجزاء الرواية، إلّا في خصوص إرجاع إثبات العشر و نصفه إلى صورة الفساد، و هو أيضا ليس بذلك البعيد، بعد أنّ الكلام كان ابتداء في بيان حال تلك الصورة، و إنّما عدل إلى الصورة الثانية أعني الصحّة استدراكا لما ذكره من حكم المهر و أنّه يأخذ ما وجد منه و لا شي ء له فيما لا يجد منه.

فكأنّه قال: نعم إن كان الذي زوّجها وليّا لها من قبل مواليها- فاللازم حينئذ صحّة العقد- صحّ له بحسب إظهاره الكراهة الموجب

لانفساخ العقد أن يرجع بما أعطاه من المهر سواء الموجود منه و التالف إلى الوليّ المزوّج، ثمّ عدل إلى بيان تتمّة حكم الصورة السابقة بقوله: و لمواليها عليه عشر ثمنها. إلخ، و ليس هذا على فرض كونه خلاف الظاهر بمثابة ما يلزم على التقدير الآخر.

و بالجملة، قوله عليه السّلام: و إن كان زوّجها إيّاه وليّ لها، ظاهر ظهورا قويّا في أنّه عليه السّلام فرض ذلك قبالا لما ذكره أوّلا من حيث الصحّة و الفساد، بمعنى أنّه فرض اجتماع شرائط صحّة العقد لكونه صادرا من الوليّ، إلّا أنّه قد تمحّض نظره في بيان حال المهر على هذا التقدير، و المفروض أنّ الزوج طالب للافتراق و كاره للازدواج، و مظهر ذلك أيضا قولا أو فعلا، فيعلم نفوذ فسخه من بيان رجوعه بالمهر إلى الوليّ،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 477

و يستكشف منه استكشاف الملزوم من اللازم.

و كذلك قوله عليه السّلام: ارتجع على وليّها بما أخذت منه، ظاهر أيضا ظهورا قويّا في استحقاق ما أخذت و كونه لها، و إنّما يغرم الوليّ عوضه بعد استحقاقها ما أخذته، و غير هذا المعنى خلاف ظاهر العبارة.

و بعد هذا فيبقى قوله عليه السّلام: و لمواليها عليه عشر. إلخ، حيث إنّ الترتيب الذكري يقتضي عوده إلى هذا الموضوع، أعني: ما إذا زوّجها الوليّ، و لكن بعد ملاحظة أنّ صدر الكلام مشتمل على التعرّض لصورة فساد العقد لوقوعه من غير وليّ الأمر يرتفع استيحاش رجوع هذه الفقرة أيضا إليه، فإنّه إنّما تخلّل ذكر صورة الصحّة لأجل بيان حال المهر، ثمّ بعد الفراغ عن حاله شرع في بيان حكم آخر لتلك الصورة الأولى التي صدّر الكلام بها، كما أنّه بعد ذلك يسأل الراوي عن حال

الأولاد، فيجيب أيضا بجواب يرجع إلى تلك الصورة، و على هذا فدعوى ظهور الصحيحة في مدّعى المشهور غير بعيدة، و اللّه أعلم بالصواب.

بقي في المقام فروع:
الأوّل [في تدليس الأمة]

الصحيحة و إن لم يتعرّض إلّا لصورة تصدّي الوليّ الغير المولى، و لكن يعلم منها حال تصدّي المولى، فإنّه ظاهر أنّ وجه اختصاصه إنّما هو لأجل رجوع الزوج إليه بالمهر، فيعلم منه حال تصدّي المولى و أنّ الزوج معه أيضا بالخيار، و يرجع في حكم المهر حينئذ إلى القواعد المستفادة من النصوص السابقة و غيرها، بمعنى أنّه إن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر، و إن كان بعده فلسيّدها المهر، فإن كان المدلّس غيره أخذ السيّد المهر و يرجع الزوج إلى ذلك الغير، فإن كان غير الزوجة فواضح،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 478

و إن كانت هي نفسها المدلّسة يرجع عليها بعد عتقها و لا يسلّط عليها ما دامت مملوكة، و إن كان المدلّس نفس السيّد فلا وجه للقول بأنّه يأخذ ثمّ يعيد، فيتعيّن القول بأنّه يسقط حقّه.

نعم في صورة تصدّي المولى إن كان قبل التزويج أنشأ عتق أمته ثمّ أنشأها أو أقرّ بأنّها حرّة و احتمل في حقّه الصدق فلا حقّ للزوج في الفسخ، فالكلام المتقدّم مفروض في ما إذا علم أنّه لم ينشأ العتق و لا أقرّ به، أو أنّه و إن أقرّ، و لكن علم كذب إقراره.

الفرع الثاني [في تدليس العبد]

لو عكس المسألة بأن تزوّجت المرأة رجلا على أنّه حرّ فبان أنّه عبد كان للمرأة الفسخ مع استجماع العقد شرائط الصحّة، و قد ورد بهذا الحكم صحيح محمّد ابن مسلم، و يكون ظاهر الدلالة، بل صريحها، فلاحظ.

الفرع الثالث [في تبيّن كون المرأة مبعّضة أو الرجل مبعّضا]

لو تبيّن كون المرأة في المسألة الأولى مبعّضة و كون الرجل في الثانية مبعّضا، فهل يجري هنا ما تقدّم في صورة تبيّن مملوكيّة الكلّ أو لا؟ الكلام مبنيّ على أنّ الخيار يكون على حسب القاعدة في باب النكاح عند تخلّف الشرط أو الوصف، كما يكون كذلك في باب البيع، أو يكون بالنصّ الخاصّ.

فعلى الأوّل لا شكّ في ثبوت الخيار، لأنّ الشرط أو الوصف كان هو الحرّيّة و قد تخلّف، و هو المعيار لثبوت الخيار، لا صدق كونها أمة أو كونها مملوكا.

و أمّا لو بنينا على الثاني فالظاهر عدم استفادة حكمه من النصّ، فإنّه قد تكفّل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 479

لصورة تخلّف الشرط أو الوصف بكونها أمة أو كونه مملوكا، و هذا لا يصدق عليها الأمة و لا عليه المملوك، كما لا يصدق عليهما الحرّ، فهما مسكوت عنهما في الصحيحتين، و لا تنقيح قطعي حتّى نحكم به، فلا محيص عن الرجوع إلى أصالة اللزوم.

ثمّ الحقّ من المبنيين هو الثاني، فإنّ العمدة من أدلّة ثبوت الخيار في باب البيع إنّما هو السيرة العرفيّة على أن للشارط أو الموصوف له حقّ الرجوع إذا تخلّف الشرط أو الوصف مع ضميمة عدم الردع من الشرع، و هذه الطريقة غير تامّة في باب النكاح بعد حصرهم عليهم السّلام ردّ النكاح في عيوب مخصوصة، و القول بأنّه حكم حيثي ناظر إلى خصوص أبواب العيوب، فلا يشمل أوصاف الكمال المفقودة الواقعة تحت الاشتراط أو التوصيف،

مدفوع بإطلاق الكلام.

و قد يقال بإمكان التطبيق على القاعدة من جهة قوله عليه السّلام: المؤمنون عند شروطهم؛ فإنّ فائدة الشرط في الأوصاف الفاقدة هو التسلّط على الفسخ.

و فيه أنّا لا نستفيد من هذا الكلام إلّا الشروط التي لنفسها العمل و لو مثل شروط النتائج، و لا نفهم منها حال هذه الشروط المفقودة؛ لا لأجل عدم تصوّر الشرطيّة فيها؛ فإنّها أمر عرفيّ نرى أهل العرف يعتبرونها في الأمور الغير المقدورة كالمقدورة بلا تفاوت، بل لأجل ما ذكر من عدم تبادر الفسخ عند التخلّف من العمل المستفاد من الحديث.

و قد يقال أيضا بإمكان استفادة حكم الخيار هنا من قاعدة أنّ المغرور يرجع إلى الغارّ، حيث إنّ الزوج قد خدع، حيث بذل المهر الكثير بإزاء بضع الأمة، أو المرأة قد بذل بضعها بإزاء المهر القليل من المملوك، فقاعدة الغرور هنا مصحّحة للفسخ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 480

في بيان معنى قاعدة الغرور

و فيه أنّ القاعدة المذكورة إنّما موردها ما إذا تلف من المغرور مال بواسطة تدليس الغارّ و لم يعوّض مكانه شي ء، كما في المثال المعروف، أعني: ما إذا أقدم أحد إلى أحد طعاما على أنّه ملك نفس الآكل أو المقدم، فتبيّن أنّه لغيرهما، حيث إنّ باب الغرامة ليس باب المعاوضة، و لا يلتزمون بها في غير المورد المذكور.

مثلا: لو قال أحد لأحد أنّ في البلد الكذائي يقسّمون المال مجّانا، فتحمّل الشخص الثاني مخارج كثيرة لكرائه المركب إلى ذلك البلد و سائر اللوازم لمسافرة ذلك البلد، فتبيّن أنّه خدعه، فلا يلتزمون بأنّ له الرجوع إلى الغارّ بشي ء من تلك المخارج.

و ما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّه و إن كان قد أعطى المال الكثير بإزاء البضع القليل، أو البضع الغالي بإزاء المهر

اليسير، و لكنّه كما إذا تجاوز المتعارف في كري المركب إلى ذلك المحلّ لكثرة شوقه إلى نيل ذلك المقصد فإنّه غير خارج عن كونه بذل مال بإزاء عوض، فلا وجه للتمسّك بقاعدة الغرور.

نعم بعد إثبات الخيار من الخارج في مسألتنا و فسخ ذي الخيار يتحقّق المورد لتلك القاعدة، فإنّه قد فات منه المهر لاستحقاقها إيّاه بعد الدخول و يكون بلا عوض أيضا؛ إذ الفرض زوال الزوجيّة بالفسخ، و لكن إثبات مورد القاعدة بنفسها مستلزم للدور.

و قد يقال أيضا باستفادة الحكم من أخبار الفسخ بالعيوب السابقة معلّلا له بالتدليس، حيث إنّ مقتضى عموم التعليل التعدّي إلى فقدان الأوصاف الكماليّة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 481

عند تعلّق التدليس بها.

و فيه أنّه لم يتقدّم في الأخبار السابقة ما كان مشتملا على الحكم بالفسخ معلّلا له بالتدليس، نعم كان في بعض أخبار عيب الخصاء من عيوب الرجل من أنّه يفرّق بينهما و يوجع ظهره كما دلّس نفسه. و قد مرّ أنّ الظاهر رجوع التعليل إلى الجملة الأخيرة، و لا أقلّ من الإجمال، و القدر المتيقّن هو الرجوع إلى الأخيرة، فيبقى الرجوع إلى الأولى بلا دليل.

في استفادة حكم الموارد التي ليس مشمولا لنصّ الدليل من باب شمّ الفقاهة

و حيث انجرّ الكلام إلى هنا لا بأس بالإشارة إلى بعض المسائل المشاكلة لهذه المسألة.

فمنها: مسألة جواز كشف الأمة رأسها في الصلاة و وجوب ستر الحرّة فكانت امرأة مبعّضة، فهل تكليفها في الصلاة هو الستر أو يجوز لها الكشف.

و منها: ما بلغ الصبيّ في أثناء الوضوء أو الغسل أو التيمّم أو الصلاة و قلنا بمشروعيّة عبادات الصبيّ، فإنّ هذا العمل الواحد الذي بعضه في حال عدم البلوغ و بعضه في حال البلوغ غير مشمول لأدلّة الطرفين.

و منها: ما إذا شرع المسافر في السفينة في

الصلاة فبلغ قبل السلام حدّ الترخّص فأتّمها أربع ركعات، فهذه الصلاة أيضا قد اتي ببعضها في حال السفر و ببعضها في حال الحضر، و أدلّة الطرفين قاصرة عن شمولها.

و منها: لو شرع من أدرك من الوقت أنقص من ركعة في الصلاة التي فات

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 482

وقتها و لم يدرك ركعة منها حتّى أتى ببعض ركعتها الاولى في الوقت و بالباقي في خارجه، فهذه الصلاة بعضها في الوقت و بعضها خارجه، و لا يشملها شي ء من أدلّتي الأداء و القضاء، فإنّ القضاء عبارة عن العمل خارج وقته المضروب له بتمامه.

و منها: ما إذا اجتمعت في صلاة واحدة جهات متعدّدة لإسقاط شروط متعدّدة كسقوط طهارتها المائيّة بفقدان الماء، و سقوط السورة بالاستعجال، و سقوط الستر لعدمه، و سقوط الطهارة الخبثيّة لعدم الماء أو التضرّر باستعماله، فإنّ هذه الصلاة الجامعة للأمور الأربعة مثلا غير مشمولة لشي ء من أدلّة سقوط هذه الشروط، فإنّ دليل سقوط كلّ منها إنّما هو مع فرض وجود باقي الشرائط.

و بعبارة أخرى: يكون حكما حيثيّا و لا نظر له إلى الجهات الطارئة، فهذه الصلاة غير مدلول لشي ء من الأدلّة المزبورة.

و كلّي الكلام في جميع هذه المسائل و ما ضاهاها أنّه إمّا يكون هنا عموم لفظي في أحد الطرفين و يكون الخارج منه عنوانا غير منطبق على هذا الفرد المبعّض، فلا محالة نحكم فيه بحكم العامّ و إن لم يندرج تحت العنوان الضدّ لذلك العنوان الخارج أيضا، و ذلك مثل المسألة الأولى؛ فإنّ عموم وجوب ستر المرأة رأسها في الصلاة يكون هو المرجع في المبعّضة و إن لم يصدق عليها الحرّة، و كما في مقامنا حيث قلنا:

إنّ الأصل في كلّ عقد هو اللزوم،

فإنّه المرجع في المبعّض و إن لم يصدق عليه كونه الحرّ.

و إمّا لا يكون في البين عموم لفظي، بل قد علّق الخطاب على عنوانين و لم يصدق أحدهما على هذا الفرد المبعّض، ففي هذه الصورة أيضا قد يمكن أن يستفاد من أدلّة الطرفين أو من دليل خارج إجزاء هذا المبعّض و إن لم يستفد كونه امتثالا للأمر، نظير ما يقوله المنكرون للترتّب القائلون بكفاية قصد إتيان الفعل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 483

بداعي الجهة الراجحة.

و ذلك مثل سائر المسائل الأخر؛ فإنّا قد استفدنا من قوله عليه السّلام: «رفع القلم عن الصبيّ» «1» أنّ المرفوع عنه هو صرف الخطاب و التكليف مع بقاء المقتضي بحاله، و بعبارة اخرى: إنّ قيد البلوغ قيد الهيئة لا المادّة، و إذن فالصلاة الواقع بعضها في حال الصغر واجدة لعين المأتي في حال الكبر بلا فرق، فإذا تمّم بالبعض الباقي كانت صلاة تامّة خالية عن النقص، فيكون مسقطا للمأمور به و إن لم يكن من مصاديقه.

و كذلك قد استفدنا من أدلّة السفر و الحضر أنّ الصلاة الناقصة و التامّة ليستا بحقيقتين مختلفتين، بل هما متمايزتان بصرف الفصل بالسلام، لا أنّ ما يؤتى به قبل السلام من المقصورة متباينة حقيقة مع تلك الذوات إذا أتى بها في حال الحضر، بل المميّز منحصر في الفصل بالسلام، و لهذا قلنا: إنّ العدول في أثناء الصلاة في أماكن التخيير على حسب القاعدة.

و بعد هذا نقول: إنّ المقدار الذي أتى به المسافر المزبور قبل حدّ الترخّص لا نقص فيه أصلا عن الصلاة المأمور بها، و كذلك التتمّة اللاحقة به بعد الوصول إلى حدّ الترخّص، فيكون المنضمّ منهما صلاة تامّة خالية من المنقصة، فتكون مجزيا و إن

كان خارجا عن مصداق: قصّر أيّها المسافر، و كذلك عن مصداق: أتمم أيّها الحاضر.

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 483

و كذلك قد استفدنا من دليلي الأداء و القضاء أنّ خارج الوقت ليس بمثابة الوقت قيدا في المطلوب، بل الحكمة في انقضاء إنّما هو الإسقاط عن قيد الوقت الذي

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطهارة، الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 11.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 484

فات، و إذن فلا تكون هذه الصلاة التي بعضها في الوقت أسوء حالا من التي تمامها خارج الوقت.

و كذلك الصلاة التي اجتمعت فيها جهات مسقطة بعده من شرائطها الاختياريّة، فإنّا قد استفدنا أنّه لا ينقص في هذه الصلاة من جهة فقد الطهور المائي من جهة أدلّة التيمّم، و كذلك من جهة فقد الستر، لدليل كفاية صلاة العاري عند الاضطرار، و هكذا بالنسبة إلى الجهات الأخر، فإذا لم يوجب كلّ واحدة من هذه الجهات بانفرادها فلا يوجب انضمامها أيضا منقصة، فتكون صلاة مجزية و إن كانت ليست مصداقا للمأمور به لا بالأمر الاختياري و لا بالأوامر الاضطراريّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 485

مسألة في عدم جريان خيار تخلّف الشرط في باب النكاح

لو تزوّج رجل امرأة على أنّها بنت مهيرة، فبانت بنت أمة فقد حكم في الجواهر بثبوت الخيار ثمّ إجراء أحكام التدليس بالنسبة إلى المهر، و لكن لم يرد بهذا نصّ مخصوص، و ما توهّم ارتباطه به غير مرتبط أعني: النصّ الوارد في المسألة الآتية إن شاء اللّه تعالى.

فالحكم فيها على القواعد، و قد تقدّم شطر من الكلام في مقتضاها و أنّه لا يمكن استفادة خيار تخلّف الشرط من قولهم عليهم السّلام: المؤمنون عند شروطهم،

و أنّ العمدة في إثباته في باب البيع هو جريان بناء العقلاء و ديدنهم بضميمة عدم الردع من الشارع، و هذا غير جار في المقام، فإنّه يكفي في الردع عموم ما دلّ على حصر ردّ النكاح في الأشياء الخاصّة.

و إن أبيت عن وفاء العموم بردع ذلك البناء و الديدن فنقول: هو خلاف المستفاد من الفقهاء، فإنّهم اقتصروا على ذكر عدّة موارد و لم يقنعوا بذكر جامع كلّي يشمل شتاتها بأن يقولوا بثبوت الخيار بتخلّف الشرط كلّيّة كما فعلوا في كتاب البيع، فهذا أقوى شاهد على عدم التزامهم بجريان خيار تخلّف الشرط على نسق جريانه في باب البيع في هذا الباب، و كفى به تخطئة لبناء العرف و ديدن العقلاء، و اللّه العالم بحقيقة الحال.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 486

مسألة لو تزوّج بنت مهيرة فلمّا كان ليلة الدخول أدخل عليه أبوها بنته من أمة

فلا إشكال في أنّه لو وطئها و الحال أنّهما جاهلين فمقتضى القاعدة استحقاقها منه المهر و رجوعه به إلى الأب الغارّ، كما أنّ زوجته تردّ إليه و يعتزلها حتّى تنقضي عدّة أختها، و لكن قد وردت هنا روايات ظاهر بعضها و صريح الآخر ثبوت المهر المسمّى لبنت الأمة و ثبوت مهر آخر لبنت المهيرة على الأب.

و حملها صاحب الجواهر قدّس سرّه على صورة مساواة مهر المسمّى لمهر المثل و مهر بنت المهيرة لمهر بنت الأمة، فينطبق على القاعدة؛ إذ حينئذ يدفع الزوج مهر المثل إلى بنت الأمة، فيرجع به إلى الأب، فيأخذه منه، فيدفعه إلى بنت المهيرة.

و لكن هذا الحمل ليس مفهوما عرفيّا من الرواية، بل مفادها ما ذكرنا من ثبوت المهر المسمّى زائدا كان عن مهر المثل أم ناقصا، عينا كان أم دينا لبنت الأمة، و ثبوت مهر بنت المهيرة على الأب، فإن كان بهذا

المضمون قائل أمكن إثبات هذا الحكم بالرواية تعبّدا، و إلّا فلا محيص عن العمل على القاعدة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 487

مسألة [في تبين عدم البكارة]

لو شرط بكارة الزوجة في عقدها، أو عقد عليها بهذا العنوان ثمّ تبيّن أنّها ثيّبة، فقد ورد في هذا الباب روايتان لا دلالة في شي ء منهما على حكم الخيار إثباتا و نفيا، و إنّما هما في مقام حكم آخر.

إحداهما: ما رواه في الوسائل عن ثقة الإسلام، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد ابن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن سعد بن سعد، عن محمّد بن القاسم بن فضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر، فيجدها ثيّبا، أ يجوز له أن يقيم عليها؟ قال: فقال عليه السّلام: قد تفتق البكر من المركب و من النزوة «1».

قول السائل: أ يجوز له أن يقيم عليها، يحتمل أن يراد به السؤال عن الحكم الوضعي و هو الصحّة و الفساد بواسطة تخلّف هذا الشرط، و لكن لا يناسبه الجواب، فإنّ المناسب له أن يقول: من المحتمل تجدّد ذلك بعد العقد، و ليس هذا في الكلام، و إنّما ذكر احتمال فتق البكارة بتلك الأمور، سواء كان قبل العقد أم بعده، فهذا يناسب الاحتمال الآخر و هو أن يكون المراد به السؤال عن الحكم التكليفي بعد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 488

الفراغ عن صحّة العقد، فكأنّه سأل عن أنّه هل يليق به أن يقيم معها مع كونه ظنينا في حقّها الفجور أو لا يليق و تكون الإقامة مع هذه الحزازة الباطنيّة في حقّها محرّمة؟

فأجاب عليه السّلام بإبداء احتمال يرفع تلك الحزازة و أنّه

لا ينحصر سببه في الفجور، فمن المحتمل تحقّقه بالأسباب الأخر.

و أنت خبير بأنّ الرواية بكلا احتماليها غير متعرّضة لحكم الخيار ثبوتا و نفيا.

و الثانية: ما رواه فيه أيضا عنه، عن عبد اللّه بن جعفر، عن محمّد بن جزك، قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن رجل تزوّج جارية بكرا فوجدها ثيّبا، هل يجب لها الصداق وافيا أم ينتقص؟ قال عليه السّلام: ينتقص «1».

و هذه أيضا كما ترى راجعة إلى حكم المهر و أنّه ينتقص بسبب ذلك منه شي ء أو لا؟ من دون تعرّض لحكم الخيار أصلا.

و أمّا مقدار النقص فقد قيل فيه وجوه: الأوّل: أنّه السدس؛ لأنّ الشي ء في باب الوصيّة محمول عليه، و فيه ما لا يخفى من البعد.

و الثاني: الإحالة إلى نظر الحاكم، و فيه أيضا بعد؛ لأنّ اختيار التقدير إليه في مثل باب التعزيرات التي هي فعل له فيكون منوطا بنظره له وجه، و أمّا مثل حقوق الناس بعضهم على بعض فلا وجه لاختيار تعيينه بنظره.

و الثالث: أنّه النصف بملاحظة أنّ الشارع قد حكم في الأمة في مورد ثبوت العقر بالفرق بين البكر و الثيّب بالنصف، فجعل العقر في الأولى العشر، و في الثانية نصفه، فعلم أنّ التفاوت في ما بين البكر و الثيّب مطلقا يكون بنظره بمقدار النصف،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 489

و هذا أيضا يحتاج إلى تنقيح قطعي.

و الرابع: ما اختاره شيخنا الأستاذ دام ظلّه من أنّه النسبة الحاصلة فيما بين مهري هذه المرأة الشخصيّة بأوصافها و خصوصيّاتها في حال كونها بكرا و في حال كونها ثيّبا، فما كان نسبة التفاوت و التفاضل في ما بين

المهرين إلى مهر البكر يكون مقدار النقص عن مهر المسمّى، إن كان سدسا فسدس، و إن كان نصفا فنصف و هكذا.

و ذلك لأنّ هذا هو المتبادر من الكلام و أنّه قد كان عند السائل مفروغا عنه، و لهذا لم يسأل عن المقدار، بل عن أصل الانتقاص

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 490

مسألة [في تعويض الزوجتين]

لو تزوّج رجلان بامرأتين فأدخلت امرأة هذا على ذاك و امرأة ذاك على هذا، فلا إشكال في غرامة كلّ منهما للموطوءة شبهة مهر المثل و رجوعه به إلى المدلّس لو كان، و أنّه يرجع كلّ امرأة إلى زوجها و تعتدّ من الواطي، إلّا إذا كان الوطي زنا منهما.

و لو ماتتا أو إحداهما في العدّة، أو مات الزوجان أو أحدهما كذلك ثبت للحيّ من الزوج و الزوجة الميراث عن الميّت، و في انتصاف المهر بذلك إشكال مذكور في محلّه.

و التعرّض لهذا الفرض بخصوصه في كلام الأصحاب إنّما هو لأجل اختصاصه بورود الرواية فيه، و هي روايتان:

إحداهما: ما رواه في الوسائل عن الصدوق قدّس سرّهما بإسناده عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهما السّلام، قال: سألته عن رجلين نكحا امرأتين فأتى هذا امرأة هذا، و هذا امرأة هذا؟ قال عليه السّلام: تعتدّ هذه من هذا و هذه من هذا، ثمّ ترجع كلّ واحدة إلى زوجها «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 491

و الثانية: ما رواه فيه أيضا بإسناده عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال في أختين أهديتا لأخوين فأدخلت امرأة هذا على هذا و امرأة هذا على هذا، قال عليه

السّلام: لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان، و إن كان وليّهما تعمّد ذلك اغرم الصداق، و لا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة، و إذا انقضت العدّة صارت كلّ امرأة منهما إلى زوجها الأوّل بالنكاح الأوّل، قيل له عليه السّلام: فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟ قال عليه السّلام: يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما فيرثانهما الرجلان، قيل: فإن مات الزوجان و هما في العدّة؟

قال عليه السّلام: ترثانهما و لهما نصف المهر و عليهما العدّة، بعد ما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها «1».

و تمام ما اشتملت عليه هذه الرواية مطابق للقواعد، و ليس فيه ما يخالف العمل، نعم في الحكم بتنصيف المهر بموت كلّ من الزوجين قد يقال: إنّه خلاف العمل، و لكن فيه أنّه أيضا قد ورد به الأخبار، كما ورد في مقابله، و العامل أيضا- كما حكاه الأستاذ الاعتماد- موجود، و على تقدير العدم لا يضرّ في الأخذ بباقي الرواية، و هذا لا كلام فيه.

إنّما الكلام فيما لو اشتبه المرأتان و لم يتميّز من تزوّجه أحد الرجلين ممّن تزوّجها الآخر، فهل الحكم في هذه الصورة ما ذا؟ قد اختار في الجواهر الحكم بالقرعة، و لكنّه مشكل: بأنّها لكلّ أمر مشكل غير ذي علاج لا من العقل و لا من الشرع، و هذا له علاج، إذ أوّلا لهما أن يطلّقا زوجتهما الواقعيّة، ثمّ يختار كلّ منهما أيّة منهما شاء بعقد جديد و مهر كذلك، و يرتفع الإشكال، بل قد يقال بجريان

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 492

استصحاب عدم الزوجيّة للشخص المعيّن من الزوجين بالنسبة إلى الزوجة المعيّنة

من الزوجتين إذا كانت الأخرى خارجة عن محلّ ابتلائه، فيجوز بذلك له إجراء العقد عليها و لو لم يتقدّم الطلاق منه و من صاحبه.

و لكنّ الإشكال فيه أنّ القطع حاصل بلغويّة هذا العقد نظير ما قاله شيخنا المرتضى في المائع المردّد بين الماء و البول من أنّه لو توضّأ به فهو محكوم ببقاء الحدث و طهارة البدن من الخبث، فيجب عليه التوضّي ثانيا بماء مقطوع المائيّة.

فإنّه يرد عليه بأنّ هذا الوضوء مقطوع اللغوية؛ إذ إمّا أنّ الأوّل وقع في محلّه، و إمّا أنّ الأعضاء نجس، فكيف يمكن العمل بهذا الاستصحاب الثاني أعني:

استصحاب الحدث بالنسبة إلى هذا الأثر؟

ففي مقامنا أيضا نقطع بأنّ هذا العقد إمّا واقع على الزوجة أو على ذات البعل، فعلى كلّ حال يكون غير مؤثّر، فلا يمكن جريان الاستصحاب لإثبات تأثيره، هذا إذا لم يطلّقا معا.

و أمّا إذا طلّق أحدهما و لم يطلّق الآخر فالذي لم يطلّق يجوز له تزويج المرأة المعيّنة منهما؛ لأنّها إمّا زوجته و إمّا مطلّقة صاحبه، و أمّا الذي طلّق فلا يجوز له التزويج لواحدة منهما؛ إذ يحتمل كونها ذات بعل.

و أمّا إذا طلّقا معا فالتزويج حينئذ جائز لكلّ منهما بالنسبة إلى كلّ واحدة من المرأتين.

و حينئذ يقع الكلام في أنّه إذا تزوّج واحدة منهما ثمّ طلّقها، ثمّ تزوّجها، ثمّ طلّقها فيحتمل حينئذ كونها مطلّقة ثلاثا و محتاجة إلى المحلّل، و ذلك إذا كانت هي زوجته السابقة المطلّقة بالطلقة الاولى، و يحتمل أنّها مطلّقة اثنتين بأن كانت زوجة صاحبه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 493

فقد يقال: إنّ المرجع عمومات الحلّ، و لكن فيه أنّ هذا تمسّك في الشبهة المصداقيّة، فالأولى أن نرجع في إثبات الحلّ إلى الاستصحاب بأحد من ثلاثة

تقادير.

الأوّل: استصحاب عدم زوجيّة هذه المرأة المشخّصة لهذا الشخص إلى زمان إيقاع العقد الأوّل من العقدين؛ فإنّ من آثار عدمها إلى ذلك الزمان أنّه يجوز له إجراء العقد عليها و الطلاق لها ثلاث مرّات، فقد بقي مرّة أخرى، و هذا الاستصحاب و إن لم يبيّن حال الطلقة التي صدرت منه في الابتداء بالنسبة إلى الزوجة الواقعيّة، فلا يثبت أنّها ما وقعت على هذه، و على تقدير الوقوع على هذه يلازم الزوجيّة قبل العقد الأوّل من العقدين و كون الطلقة الثانية من الطلقتين ثالثة الطلقات الواقعة عليها، و لكن كلّ هذا ملازمات واقعيّة يمكن التفكيك في مرحلة الظاهر بينها، فلا عيب في هذا التقرير إلّا معارضته بالمثل في المرأة الأخرى، فلا بدّ من فرض كونها غير محلّ ابتلاء هذا الشخص.

الثاني: استصحاب بقاء هذه المرأة على ما كانت عليه قبل هذه الطلقة الأخيرة من جواز الرجوع عليها و جواز تطليقها بعد الرجوع، فإنّه يشكّ في ارتفاع هذه الحالة عنها و عدمه فيستصحب.

الثالث: استصحاب عدم تحقّق الموضوع المحرّم في هذه المرأة من الطلقة الثالثة، فإنّ الطلقة الثالثة قد حكم عليها بحكمين، أحدهما الاحتياج إلى المحلّل، و الآخر انتهاء جواز الإمساك إليها، فباستصحاب عدمها ينتفي كلا الحكمين، فنقول بعدم الحاجة إلى المحلّل و بجواز الرجوع و الإمساك.

و هذا الاستصحاب لا إشكال في جريانه مع خروج المرأة الأخرى عن مورد ابتلائه ككونها زوجة غيره، و أمّا إذا كانت هي أيضا في حبالته أو لم يكن في حبالة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 494

أحد بحيث كانت في مورد ابتلاء هذا الشخص فحينئذ هنا صورتان:

الاولى: أن يكون معلوما من الأمارات الخارجيّة أنّ وقوع مثل هذا التقدير الذي تحقّق في المرأة الاولى أعني:

الطلاق مرّتين بعد إجراء عقدين عليها سيتحقّق في المرأة الأخرى أيضا، أعني أنّه إمّا عقدها، أو سيعقدها ثمّ سيطلّقها و يعقدها ثانيا و يطلّقها كذلك.

الصورة الثانية: أن يكون تحقّق ذلك في حقّها مشكوكا.

ففي الصورة الاولى لا إشكال في المعارضة، فإنّه يعلم بتحقّق التكليف إليه إمّا في هذه المرأة فعلا و إمّا في المرأة الأخرى في المستقبل عند حصول شرطه، و قد تقرّر في الأصول أنّ التكليف المشروط بعد العلم بتحقّق شرطه يكون كالمطلق، فكأنّه علم بأحد التكليفين المطلقين و كان هناك ترخيصان على خلاف كليهما، فإنّه لا إشكال في معارضتهما.

و أمّا الصورة الثانية أعني صورة الاحتمال فالظاهر عدم المعارضة.

بيان ذلك أنّ التكليف المشروط بشي ء إذا كان معلوما بالتفصيل فإن كان حصول شرطه مقطوعا كان كالتكليف المطلق في الفعليّة و التأثير و التحريك العقلي، و إن كان شرطه مشكوك الحصول فيكون مجرى للبراءة، و العقاب عليه عقاب بلا بيان و هذا واضح.

فإذا وقع هذا التكليف المشروط طرفا للعلم الإجمالي بأن علم بتكليف مطلق في طرف أو مشروط في آخر أو في كليهما بمشروط و كان الشرط مشكوك الحصول فلا تنجيز لهذا العلم الإجمالي أيضا حتّى فيما إذا كان أحد طرفيه تكليفا مطلقا بالنسبة إلى ذلك الطرف الذي يحتمل فيه التكليف المطلق، فإنّ العلم الإجمالي ليس بأعلى شأنا من التفصيلي، و قد عرفت عدم منجّزيّته فضلا عنه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 495

و إذن فلا مانع من إجراء الأصل بالنسبة إلى هذا الطرف ثمّ لو ارتكبه بمقتضى الأصل المرخّص ثمّ فرض حصول الشرط للطرف الآخر، فحينئذ إن بقي من استعمال الطرف الأوّل أثر باق إلى الحال مثل ما لو كان نجسا و لاقاه ثوبه و هو باق فعلا،

فالعلم الإجمالي حينئذ حاصل بالتكليف المطلق بملاحظة ذلك الأثر، فلا يجوز ارتكاب ذلك الطرف عند حصول شرطه.

و إن لم يبق منه أثر في اللاحق أصلا فلا مانع من إجراء الأصل بالنسبة إلى ذلك الطرف الذي تجدّد حصول شرطه، لأنّ العلم حاصل بينه و بين شي ء لا أثر للعلم بالنسبة إليه أصلا.

فهو نظير ما لو علم بنجاسة أحد الإناءين و قد كان أحدهما حال العلم و قبله خارجا عن محلّ الابتلاء، فشرب من الإناء الذي في محلّ ابتلائه، و بعد ذلك اتّفق دخول الآخر أيضا في محلّ ابتلائه و لم يبق من الأوّل أثر مبتلى به، فإنّه لا إشكال في جريان الأصل الشرعي بالنسبة إليه أيضا، فيجوز له الشرب منه أيضا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 497

فصل

[النظر الثاني] في المهور

[الطرف الأول في المهر الصحيح]

و فيه مسائل:
الاولى [في جواز جعله كلّ شي ء قابل لأن يملكه المسلم]
اشارة

لا إشكال في جواز جعله كلّ شي ء قابل لأن يملكه المسلم، عينا، أم منفعة، أم حقّا، أم عملا؛ لعموم قوله عليه السّلام بعد السؤال عن المهر ما هو؟ فقال عليه السّلام: ما تراضى عليه الناس «1»، فكما لا حدّ له قلّة و كثرة كذلك لا تحديد له من الحيثيّات المذكورة.

نعم في جواز جعل المهر لغير المرأة من أبيها و غيره منع، فإنّه و إن كان لا مانع منه عقلا؛ إذ المهر ليس أحد طرفي المعاوضة كالعوضين في البيع حتّى يمتنع دخوله في غير كيس من خرج عنه المعوّض، بل المعتبر إنّما هو مطلق العوضيّة الصادقة بذلك.

و لكنّه قد ورد المنع عنه في النصوص مثل ما رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة قدّس اللّه أسرارهم عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يحلّ النكاح اليوم في الإسلام بإجارة، بأن يقول: أعمل عندك كذا و كذا سنة على أن

تزوّجني

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 498

ابنتك أو أختك، قال: حرام؛ لأنّه ثمن رقبتها و هي أحقّ بمهرها «1».

و يعارضها ما رواه فيه عن ثقة الإسلام عن العدّة، عن سهل بن زياد و عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: قول شعيب عليه السّلام إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أيّ الأجلين قضى؟ قال عليه السّلام: الوفاء منهما أبعدهما عشر سنين، قلت: فدخل بها قبل أن ينقضي الشرط أو بعد انقضائه؟

قال عليه السّلام: قبل أن ينقضي، قلت: فالرجل يتزوّج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: إنّ موسى عليه السّلام قد علم أنّه سيتمّ له شرطه، فكيف لهذا بأن يعلم أن سيبقى حتّى يفي، و قد كان الرجل على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتزوّج المرأة على السورة من القرآن و على الدرهم و على القبضة من الحنطة «2».

فإنّ ظاهر العلّة أنّه يجوز ذلك مع العلم بالبقاء إلى آخر المدّة، و هو ينافي مع التعليل في الخبر المتقدّم من أنّه ثمن رقبتها، فلا يجوز جعله لغيرها و لو مع العلم بالبقاء إلى آخر المدّة، و أيضا كيف يستقيم هذه العلّة مع ذيل الرواية من تجويز جعل تعليم السورة من القرآن مهرا، مع أنّ مقتضاها عدم جواز جعل كلّ عمل تدريجي الوجود المحتاج إلى مضيّ زمان مع عدم العلم بالبقاء إلى آخر المدّة، و منه التعليم المذكور، لاحتياجه أيضا إلى مضيّها.

و قد دفع هذه المعارضة

شيخنا الأستاذ دام ظلّه الشريف بأحد من ثلاثة وجوه:

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 22 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 499

الأوّل: أن يكون السؤال و الجواب راجعين إلى مسألة الدخول قبل انقضاء المدّة المشترطة، كما يؤيّده الوقوع عقيب السؤال عن أنّ موسى على نبيّنا و آله و عليه السلام هل دخل بها قبل مضيّ الشرط أو بعده، و الجواب بدخوله قبله.

و على هذا فلا يرتبط بما نحن فيه، بل المستفاد منه أنّ المهر إذا كان عملا ذا مدّة فالدخول على المرأة قبل إتمام العمل في المدّة المشترطة منهيّ، من غير نظر إلى أنّ المجعول له هل هو المرأة أو أبوها مثلا.

نعم قد يقال باستفادة جواز ذلك من تقرير السائل، و لكنّه ممكن الدفع أيضا بأنّ الكلام لعلّه كان بعد التسليم و البناء على صحّة ذلك، فلا يستفاد منه التقرير.

و هذا و إن كان خلاف الظاهر، لكن في مقام الجمع لا بأس به.

ثمّ النهي أيضا محمول على الكراهة بملاحظة أنّ عدم العلم غير مضرّ على ما هو المسلّم عندهم، و يدلّ عليه ما في بعض أخبار جعل المهر تعليم السورة من قوله عليه السّلام: ما أحبّ أن يدخل حتّى يعلّمها السورة «1».

و أمّا ما ذكر في الذيل فالظاهر منه- بملاحظة رديفيه أعني: الدرهم و القبضة من الحنطة- تعليم السورة القصيرة، مثل سورة التوحيد و إنّا أنزلناه، و تعليم هذه للمرأة العربيّة غير محتاجة إلى زمان.

الوجه الثاني: أن يحمل السؤال و الجواب على ما حملا عليه في الوجه المتقدّم، لكن مع فرض إرادة السائل من قوله: يشترط لأبيها إجارة شهرين، ما لا ينافي اشتراط

كون المهر لنفس الامرأة على ما صرّحت به الرواية المتقدّمة بأن يكون المراد جعل خدمة الزوج لأب الزوجة مهرا عائدا إليها من حيث كونها من مصالح

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 7 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 500

نفسها و مهامّها، و ينوي الأب في ذلك نيابته أو ولايته على ابنته.

و على هذا فيحصل التوفيق بين الروايتين مع عدم لزوم إشكال التقرير أو لزوم البناء و التسليم للمذهب الغير المختار.

الثالث: أن يكون السؤال و الجواب راجعين إلى ما نحن فيه، أعني: أصل جواز جعل الإجارة شهرين لأب الزوجة لا لنفسها، كما هو ظاهر السؤال، و يحمل الجواب على بيان حكمة التشريع لا لبيان العلّة، أعني: أنّ حكمة تشريع المنع من جعل المهر لغير الزوجة عدم العلم بالبقاء إلى أن يفي بالمدّة المشروطة، و الحكمة لا يلزم اطّرادها، كما أنّه لا يلزم أن نعلم و نفهم سرّها، بل هو كسائر الحكم و العلل التعبّدية.

مثلا: لو قال المولى: أكرم زيدا لأنّه أسود، لا يلزم أن نفهم المناسبة فيما بين لون السواد و وجوب الإكرام، و هكذا ما نحن فيه، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 501

مسألة

هل المهر يكون على عهدة الزوج كائنا ما كان و لو غير مملوك، أو مستحقّا للغير، فإذا أصدقها خمرا أو مال الغير كان عليه أن يؤدّي إليها قيمة الخمر عند مستحلّيها أو قيمة ذلك المال؛ لأنّ ذلك من لوازم العهدة، أو أنّ المستفاد من الأدلّة صرف الملكيّة؟ فلا بدّ أن يقتصر في موردها على المحلّ القابل، فمع عدم القابليّة إنّما يستحقّ مع الدخول مهر المثل و إن تفاوت مع قيمة المجعول مهرا بالزيادة و النقصان،

و كذا لو تلف قبل القبض فلا ضمان؛ لأنّه أيضا من لوازم العهدة.

و ليعلم أوّلا أنّ من المسلّم عدم بطلان عقد النكاح ببطلان المهر، و علّلوه بأنّه ليس من الأركان، و لكنه غير تامّ؛ لأنّ الشرط الفاسد في العقد أيضا ليس من الأركان و مع ذلك قال بعضهم بإفساده للعقد، فما وجه التسالم في المهر، فإنّه لا أقلّ من كونه مربوطا كربط الشرط، و إلّا فليس جعلا مستقلا في عرض إنشاء النكاح حتّى لا يرتبط أحدهما بالآخر، و على هذا فيكون في المقام سؤالان:

الأوّل: ما وجه هذا التسالم هاهنا و الاختلاف في الشرط الفاسد، و ما وجه الفرق بين المقامين على حسب القاعدة؟ و أيضا قد اختلفوا في الصحّة و البطلان فيما لو جعل المسلم الخمر و الخنزير مهرا عالما بالموضوع و إن جهل الحكم، فقال

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 502

بعضهم بصحّة العقد و بعض ببطلانه، و لم يختلفوا في الصحّة فيما إذا جعل مال الغير عمدا أو جعل الخمر أو الحرّ بظنّ الخلّيّة و العبديّة، مع أنّ المسائل الثلاث من باب واحد، فإن صحّ ما علّلوه من أنّه: ليس بركن، جرى في الكلّ، و إلّا فلا يجري كذلك.

و الثاني: على فرض القول بالصحّة و عدم سراية الفساد إلى النكاح، ما وجه تضمين قيمة الخمر أو المال الغير المستحقّ أو الحرّ أو مهر المثل بحيث يثبت استحقاق ذلك بنفس العقد؟

فإذا قال: زوّجتك بهذا الدنّ من الخلّ مشيرا إلى دنّ من خمر، أو بهذا العبد مشيرا إلى حرّ، فأوّلا: ما وجه صحّة النكاح عند القائل بالبطلان بالشرط الفاسد، و ثانيا: ما وجه الحكم بأنّ الثابت في ذمّة الزوج قيمة هذا الخمر عند مستحلّيه و قيمة

هذا الحرّ لو كان مملوكا و رقّا، أو خلّ مثل الخلّ المظنون.

و ما في بعض الكلمات من أنّ الرضا بالجزئي رضا بالكلّي، فإذا لم يسلم الخصوصيّة ينتقل إلى الكلّي، فيه: أنّ الموجود في ضمن الجزئي مهملة غير قابلة للانطباق على غيره و إلّا فاللازم القول بمثله في البيع و لا يلتزمون به.

نعم لو تزوّج النصراني مثلا النصرانيّة بدنّ من خمر أو بخنزير فأسلما فالحكم حينئذ بضمان الزوج لقيمة الخمر عند مستحلّيه مطلب آخر؛ لأنّ العقد قد صحّ، و كذلك المهر و الإسلام بمنزلة التلف السماوي على مال الزوجة في يد الزوج، فيكون مضمونا عليه.

و قد ورد الخبر أيضا في خصوص جعل الخمر و الخنزير مهرا في الذمّيّين بالانتقال عند إسلامهما إلى القيمة «1»، فيمكن استكشاف الكلّيّة من هذا الخبر في كلّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 503

مورد جعل المهر عينا شخصيّة لا يمكن تملّكها مثل الحرّ و مال الغير، و أمّا بالنسبة إلى الكلّيّ مثل أن يجعل الذمّي مهر زوجته الذمّيّة منّا كلّيّا من الخمر ثمّ أسلما فلا يمكن استفادة الضمان فيه من الخبر.

و يمكن أن يتشبّث في توجيه الضمان في جميع المقامات حتّى في ما إذا كان كلّيّا بقوله تعالى في سورة النساء وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ «1» و قوله تعالى فيها أيضا:

وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «2» و ذلك بتقديم ثلاث مقدّمات:

الاولى: أنّه ليس الآية في مقام تشريع أصل الصدقة مثل قوله تعالى:

آتُوا الزَّكٰاةَ* بل مفادها أنّ ما جعلتم لهنّ صداقا فادفعوه إليهنّ، و لا يخفى أنّ عنوان الصدقة يتحقّق حقيقة بجعل شي ء قابل لأن يملك صداقا للمرأة.

نعم لا يصدق بجعل مثل الكواكب، و أمّا

الحرّ و الخمر و مال الغير فالقابليّة العرفيّة فيها محفوظة، فإذا ضمّ إليها الجعل مهرا في ضمن العقد يصدق عليه أنّها صدقة الزوجة و لو لم يتحقّق الملكيّة.

المقدّمة الثانية: أنّ الآية مطلقة، فكلّما إذا صدق عنوان الموضوع جرى عليه الحكم بالإيتاء و الإقباض، و معلوم أنّ مفاد هذا الأمر هو العهدة، يعني: إنّكم متعهّدون بإيتاء و دفع و إيصال ما جعلتموه صدقة نسائكم إليهنّ و عليكم عهدة ذلك.

المقدّمة الثالثة: أنّ العهدة متى تعلّقت بشي ء و لم يمكن دفع نفسها فلا جرم ينتقل إلى أقرب الأشياء إليها و هو القيمة في القيميّات و المثل في المثليات، و أمّا تعذّر

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 4.

(2) سورة النساء: الآية 24.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 504

دفع نفس الخمر و الخنزير و الحرّ و مال الغير بدون إذن فمن الواضحات في شريعة الإسلام.

و مثل هذا التشبّث التمسّك بقوله تعالى في سورة البقرة لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1».

بناء على تفسير الجناح بالمهر أو ما يعمّه، فالمفاد- و اللّه العالم- أنّ المهر منتف مع انتفاء الجماع و انتفاء فرض الفريضة التي هي أيضا مفسّرة بالمهر، و المفهوم منها أنّ المهر ثابت بوجود أحد الأمرين إمّا المسّ و إمّا فرض الفريضة، و لا شكّ أنّ عنوان الفرض أيضا أعمّ من أن تملكه الزوجة أو لا، نعم يشترط كونه قابلا لأن يملك و يتموّل، فالحبّة من الحنطة و كواكب السماء خارجة، هذا.

و لكن يستشكل في كلا التمسّكين بأنّ الآيتين ليستا بصدد بيان الإطلاق في جنس الصدقة و الفريضة، بل المتبادر منهما هو الأمور التي يتملّكها المرأة بالجعل صداقا.

و على هذا فيبقى الكلام في كلّ من

مرحلتي الصحّة و تعيين المهر؛ إذ على صحّة التمسّك كنّا فارغين عن الصحّة أيضا، و أمّا على العدم فيبقى الإشكال من جهة أصل صحّة النكاح أيضا، فضلا عن ثبوت عهدة القيمة أو المثل بعد ثبوت أصل الصحّة.

و حينئذ فقد يعتمد في الصحّة في المسألتين الأخيرتين من الثلاث المشار إليها متقدّما، أعني: صورة جعل الخمر أو الحرّ مهرا بظنّ الخلّيّة و العبديّة و صورة جعل مال الغير بدون إذنه مهرا على إجماع الأصحاب، و لكنّه أيضا مشكل بعد وجود

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 236.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 505

التعليل المتقدّم في كلامهم، فلم يعلم أنّ الاستناد إليه أو أنّهم ذكروه لا لغرض الاستناد، في وجوب ذلك الوهن في الإجماع.

و أمّا الكلام على حسب القاعدة فلا شبهة في جريان كلام الشرط الفاسد في النكاح أو البيع في المهر الفاسد لو لم يكن المهر من أفراد الشرط؛ إذ لا أقلّ من ثبوت ربط و ارتباط في ما بينه و العقد، و ليس عقدا مستأنفا بلا شكّ.

في مقتضى شرط الفاسد

و قد استشكل شيخنا الأستاذ دام ظلّه في صحّة العقد مع بطلان الشرط و حاول الفرق بينه و بين تخلّف الشرط الصحيح، و على هذا فيسري الإشكال هاهنا أيضا في جميع المسائل الثلاث.

إلّا أنّ الذي ربما يسهّل الخطب وجود الأخبار في الشرط الفاسد في ضمن النكاح ببطلان الشرط و صحّة النكاح و إن كانت معارضة بأخبار دالّة على البطلان، لكن لو عالجنا تلك المعارضة و حكمنا بمفاد الطائفة الأولى ربما أمكن إلحاق المقام أيضا بذلك إمّا لكونه من أفراد الشرط، أو لاستفادة العموم من التعليل المذكور في تلك الأخبار.

ثمّ على فرض الفراغ من صحّة النكاح بهذا الوجه لا يبقى وجه للحكم باستحقاق

الزوجة شيئا ممّا ذكروه بمجرّد العقد و إن لم يتحقّق الدخول، بل الغاية صيرورتها حينئذ بمنزلة المفوّضة المهر في أنّها لو ماتت قبل الدخول فلا شي ء لها، و إن دخل بها و طلّقت فلها مهر أمثالها، من غير فرق في ذلك كلّه بين المسائل الثلاث المتقدّمة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 506

و يمكن استفادة هذا من الآية المتقدّمة أعني قوله تعالى لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ. الآية بناء على ما تقدّم من عدم الإطلاق لقوله تعالى أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1» لمثل هذا الفرض بواسطة الانصراف إلى الفريضة التي يدخل في ملك الزوجة، فإنّه يقع حينئذ جميع الفروض الثلاثة داخلة في منطوق الآية من عدم الجناح و المهر عند عدم الوطي و ثبوته عند الوطي، و حيث إنّ المنساق من ثبوته مع عدم تعيين المهر هو عوض البضع، فلا محالة يثبت لها مهر مثلها، هذا على تقدير هذا الاحتمال في الآية.

و أمّا لو بنينا على الاحتمال الآخر المتقدّم فيها أعني إطلاق قوله تعالى:

أَوْ تَفْرِضُوا. الآية لمثل هذه المقامات فيمكن أن يقال في ما إذا ظنّ ظرفا من الخمر خلا و أشار إليه و قال: زوّجتك بهذا المنّ من الخلّ بأنّ الثابت في ذمّته حينئذ منّ من خلّ؛ فإنّه إذا فاته الخلّ الخاصّ الذي ظنّه و فرضه مهرا فمن أثر تعهّده بالفريضة الانتقال إلى أقرب الأشياء إليه، فإنّه قد فرض هذا المنّ من الخمر بعنوان أنّه خلّ مهرا، و أقرب الأشياء إلى هذا هو المنّ من الخلّ.

و الظاهر أنّ هذا الاحتمال محطّ نظر صاحب المسالك قدّس سرّه، حيث قد استدلّ مستدلّ على ما ذكرنا من ثبوت مثل الخمر خلا بأنّه إذا تعذّر الجزئي الذي تراضيا عليه، ينتقل إلى الكلّي؛

لأنّهما بتراضيهما على الجزئي تراضيا على الكلّي أيضا.

فاستشكل عليه المحقّق الشيخ علي الكركيّ بأنّ التراضي إنّما هو على ذلك الشخص الخاصّ، و الفرد الآخر لم يقع تحت التراضي لا أصلا و لا تبعا، و دفعه دفع لشي ء أجنبي.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 236.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 507

و صاحب المسالك قدّس سرّه يكون بصدد الإصلاح مع تسليمه أنّ قضيّة التراضي على فرد ليس دفع فرد آخر مبائن معه.

و لكن وجه لزوم القول به مع ذلك أنّ الأمر دائر بين أحد أمور ثلاثة، إمّا الرجوع إلى مهر المثل، أو قيمة الخمر عند مستحلّيه، أو مثله خلا، و لا سبيل إلى شي ء من الأوّلين، فيتعيّن الثالث؛ لأنّ العقد يقتضي ثلاثة أشياء: الأوّل: بالدلالة المطابقيّة ذلك المعيّن، و الثاني: إرادة الخلّ الكلّي بالالتزام، و الثالث: إيجاب دفع المهر بحيث لا ينفكّ المرأة عن استحقاقه، حتّى لو طلّق كان لها نصفه، أو مات أحدهما فجميعه، فإذا فات أحد الثلاثة و هو الأوّل يجب المصير إلى إبقاء الأخيرين بحسب الإمكان، انتهى محصّل ما حكي عنه في مقام التوجيه.

و أنت خبير بأنّه في هذا الكلام مسلّم أنّ مجرّد وجود الكلّي في ضمن الجزئي لا يقتضي ثبوت فرد آخر غير ذلك الجزئي، و لهذا احتاج إلى ضمّ المطلب الثالث أعني: اقتضاء العقد إيجاب المهر، و قد عرفت تماميّته على الاحتمال الأخير في الآية أعني: إطلاق أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ. لمثل فرض هذا المعيّن على أنّه خلّ؛ فإنّه إذا دخل هذا تحت الآية فلا محالة يكون مقتضاها ثبوت خلّ آخر؛ لأنّه أقرب الأشياء إلى ما فرض، كما في باب ضمان اليد.

و أمّا قيد الخمر فلم يقع الخمر تحت الفرض حتّى ينتقل إلى قيمته، و أمّا

مهر المثل فلأنّه إنّما يصار إليه مع عدم الفرض، و الحال أنّه موجود، هذا.

و لكنّه قدّس سرّه قد ذيّل كلامه بما لا يخلو عن مناقشة؛ فإنّه بعد أن ساق الكلام إلى ما تقدّم نقله بالمعنى تمسّك أيضا بقوله عليه السّلام: لا يسقط الميسور بالمعسور، و عموم:

إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، إذ لا يخفى عدم ارتباط الحديثين بما نحن فيه ممّا يعدّ مباينا مع المأمور به، فلا يعدّ مبائن الشي ء ميسورا له، و ما نحن فيه من هذا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 508

القبيل كما هو واضح.

و الحاصل أنّ الكلام قبل هذا التذييل تامّ غير محتاج إليه، و كأنّه أراد استئناف استدلال آخر لا تتميم الاستدلال الأوّل.

و الحاصل أنّ صدر الكلام تامّ الانطباق على الاحتمال المزبور، بل يمكن أن يقال عليه: إنّه يتعيّن عليه إن أمكنه جعل هذا الخمر خلا بعلاج ذلك؛ لأنّه أقرب إلى ما جعل مهرا من خلّ آخر، هذا، و لكنّ العمدة عدم حصول الاطمئنان بإرادة هذا العموم و الإطلاق من الآية كما تقدّم الإشارة إليه.

إذا جعل الذمّي المهر خمرا أو خنزيرا

بقي الكلام في مسألة أخرى و هي ما إذا تزوّج الذمّيّان أو الحربيّان و جعلا المهر خمرا أو خنزيرا ثمّ أسلما، أو أسلم أحدهما قبل القبض، فهل يحكم ببراءة الزوج؛ لأنّ العين موجودة و إنّما امتنع الإقباض و القبض، أو أحدهما، أو يحكم بضمانه لأنّه تلف سماوي ورد عليه؟

و عليه فهل الضمان معاوضي، بمعنى أنّه يفرض التلف في ملك الزوج و ينفسخ عنوان مهريّته و يصير لا مهر، فيحكم عليها بحكم من لم يعيّن لها مهر و هو الرجوع إلى مهر المثل مع الدخول و لا شي ء مع عدمه، أو واقعي فيرجع إلى قيمة الخمر

و الخنزير عند مستحلّيهما؟

الذي سهّل الخطب وجود الخبر في خصوص هذا الفرع، و هو خبران:

أحدهما: خبر عبيد بن زرارة، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: النصراني يتزوّج النصرانيّة على ثلاثين دنّا من خمر أو ثلاثين خنزيرا ثمّ أسلما بعد ذلك و لم يكن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 509

دخل بها «1»؟ قال عليه السّلام: ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنازير و يرسل به إليها، ثمّ يدخل عليها و هما على نكاحهما الأوّل «2».

و ثانيهما: خبر طلحة بن زيد، سأل الصادق عليه السّلام عن رجلين من أهل الذمّة أو من أهل الحرب تزوّج كلّ منهما امرأة و أمهرها خمرا أو خنازير ثمّ أسلما؟

فقال عليه السّلام: النكاح جائز حلال و لا يحرم من قبل الخمر و لا من قبل الخنازير، قلت: فإن أسلما قبل أن يدفع إليها الخمر و الخنازير؟ فقال عليه السّلام: إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها الخمر و الخنازير، و قال: إذا أسلما حرم عليهما أن يدفعا إليهما شيئا من ذلك يعطياهما صداقهما «3».

و الرواية الأولى كالصريحة في ضمان القيمة، و احتمال أنّ تعيينها بملاحظة موافقتها غالبا مع مهر المثل فيحمل عليه جمعا بينها و بين الأخيرة الحاكمة بإعطاء صداق المرأة الظاهر منها مهر المثل يدفعه بعد ذلك الاحتمال في جنب الاحتمال الآخر أعني: رفع اليد عن ظاهر الأخيرة من مهر المثل و حملها على قيمة الخمر و الخنزير إمّا بجعلها غير ناظرة إلى مقام تفصيل المهر و إمّا بجعل قوله عليه السّلام: «يعطياهما صداقهما» بمنزلة التعليل و التتمّة لقوله عليه السّلام: إذا أسلما حرم عليهما أن يدفعا إليهما شيئا من ذلك، فكأنّه قال: الذي على عهدتهما الصداق و هذا ليس

بصداق.

مضافا إلى أنّ موضوع الأخيرة صورة إسلام الزوج فقط، و الأولى صورة

______________________________

(1) قيد ما قبل الدخول في سؤال السائل لا مدخليّة له في حكم الضمان، و لعلّه ذكره لتوهّم فساد أصل النكاح. منه عفي عنه.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 510

إسلامهما، فيمكن حمل كلّ منهما على ظاهره في موضوعه و عدم التعدّي إلى الموضوع الآخر.

و على كلّ حال فلا فرق بين كون المهر شخصيّا أو كليّا في الحكم المذكور بواسطة ترك الاستفصال في الرواية.

لكن يبقى حكم بعض الفروع الأخر غير داخل تحت الروايتين، أعني: ما إذا تلف المهر الشخصي الصحيح في يد الزوج قبل قبضه تلفا سماويّا، أو كان كليّا و سقط عن الماليّة رأسا قبل قبضه، أو كان في يد غاصب حين جعله مهرا، فهل الحكم في جميع ذلك التعهّد بالقيمة أو المثل الذي هو ضمان اليد، أو الرجوع إلى مهر المثل بالدخول؟

لا شبهة في أنّ قاعدة التلف قبل القبض و إن ادّعي أنّها جارية في غير البيع حتّى المهر إلّا أنّه لم يقتض ذلك دليلها؛ فإنّه خاصّ بالمبيع، فلا يشمل ثمن البيع أيضا فضلا عن غيره.

و بعد هذا فالمدرك للضمان يمكن أن يكون أحد أمور بعضها خاصّ ببعض الفروع المزبورة و بعضها عامّ للجميع.

أمّا الذي يخصّ البعض فهو دعوى شمول قاعدة ضمان اليد، أعني: قوله عليه السّلام:

على اليد ما أخذت، المهر الشخصي الذي ورد عليه التلف في يد الزوج قبل تسليمه إلى الزوجة إذا لم يقع منها استئمان و إن لم يجب عليه الدفع أيضا ما لم تطالب، لكنّ الضمان لا يلازم وجوب

الأداء.

نعم لو فرض في بعض الصور صدق عنوان الإحسان مثل ما لو نقل المال من مكان إلى مكان آخر من جهة حفظه عن الرطوبة أو الحيوان المؤذي فتلف في طريق النقل لم يبعد نفي الضمان من جهة عنوان الإحسان، و لا نعلم شمول فتاوى الأصحاب

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 511

أيضا لمثل هذا الفرض.

و على كلّ حال فلا يجري هذا الوجه في الفرعين الآخرين؛ إذ الكلّي غير مشمول للقاعدة المذكورة، و المغصوب المفروض لا يد للزوج عليه من أوّل وقوعه مهرا إلى حين ورود التلف عليه.

فيحتاج إلى الوجه الآخر و هو أن يدّعى أنّ الضمان قضيّة التعهّد الضمني بالدفع و التسليم؛ فإنّ الزوجة أقدمت على تسليم بضعها بإزاء المهر على أن يقع في يدها، و قد قبله الزوج، فهو قد تعهّد و قبل على عهدته إيصال المهر إلى يد الزوجة، فهو مأخوذ على حسب هذا التعهّد الضمني، و مقتضى التعهّد بدفع المال أنّه إن تعذّر عينه يرجع إلى بدله و هو المثل أو القيمة، و هذا كما ترى جار في جميع الفروع الثلاثة.

و مثله التمسّك للضمان بقوله تعالى وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ و قوله تعالى:

أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فإنّ مقتضاهما أنّ ما جعل صداقا أو فرض مهرا يكون الزوج متعهّدا شرعا بإيتائه و إيصاله؛ فإنّ هذا الأمر ليس لمجرّد التكليف، بل الأزيد و هو عهدة العمل، و مقتضى العهدة بإتيان الشي ء كما مرّ إتيان أقرب الأشياء إليه عند تعذّره، و مقتضى هذا الوجه أيضا هو الضمان الواقعي في جميع الفروع المسطورة، و أمّا المعاوضي بمعنى رجوع المهر غير مهر ثمّ استحقاق الزوجة بالدخول مهر المثل كسائر من لم يفرض لها مهر فقد عرفت أنّه مبنيّ

على فهم المناط من قاعدة التلف قبل القبض التي دليلها خاصّ بالبيع، و دون إثباته خرط القتاد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 512

مسألة في ضمان المهر قبل القبض
اشارة

لا إشكال عندهم في ضمان المهر لو تلف قبل قبضه، و ظاهرهم أنّه ضمان العوضي الواقعي للتالف لا مهر مثل الزوجة، و الكلام في التماس الدليل على هذا الضمان.

و قد يقال: إنّه قوله عليه السّلام: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي، ببيان أنّ ما أخذت أعمّ من ثبوت اليد السابق و من حدوثه بعد سبق خلوّه، و أعمّ أيضا من الثبوت على وجه الظلم و العدوان أو على غيره؛ فإنّ قيد الظلم غير مذكور في اللفظ و لا قام عليه قرينة خارجيّة.

نعم يد الأمين خارجة إمّا انصرافا و إمّا بالدليل الخارجي و يبقى الباقي، و أمّا الحدوث المستفاد من «أخذت» فمن المعلوم عدم مدخليّته بمعنى كفاية البقاء لليد السابقة أيضا.

و على هذا فإنّ جعل الزوجة المهر بيد الزوج أمانة فلا ضمان، و أمّا إن لم يتحقّق منها إلّا مجرّد عدم المطالبة فلا رافع للضمان عنه مجرّد عدم لزوم الأداء عليه، فإنّ قوله: حتّى يؤدّي لا يستفاد منه وجوب الأداء، و إنّما المستفاد حكم وضعي أعني: الغائيّة للضمان و لو لم يكن محكوما بالتكليف و كان التأخير جائزا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 513

نعم لو فرض تحقّق عنوان الإحسان في حقّ الزوج دخل في قوله تعالى:

مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ لكن لا بدّ أن يعلم أنّ مجرّد حمل المال إلى صاحبه مع سكوته عن المطالبة و رضاه بالتأخير لا يسمّى إحسانا إليه، بل في صورة المطالبة أيضا إيصال مال الشخص إليه لا يسمّى إحسانا إليه، فمثال الإحسان أن يكون هناك خوف تلف أو سرقة و

كان النقل إلى صاحبه موجبا لحفظه، فحينئذ لو نقله إليه يسمّى ما دام في طريق النقل محسنا، فيرتفع عنه الضمان؛ لأنّ المال يكون في حفظه و حراسته و أمانة شرعيّة بيده، هذا كلّه في ما إذا كان المهر عينا شخصيّة في يد الزوج.

و أمّا إذا كانت شخصيّة في يد غاصب حين يجعل مهرا ثمّ تلف في يد الغاصب أو كان كلّيّا في ذمّة فاتّفق خروجه عن وصف الماليّة قبل تسليم المصداق إلى الزوجة فلا يخفى أنّ التمسّك بقوله عليه السّلام: على اليد. إلخ، في كلتا هاتين الصورتين لا وجه له؛ إذ لا عين شخصيّة في الثاني حتّى يتحقّق استيلاء اليد عليها، و لا يد للزوج في الأوّل.

و قد يتمسّك للضمان فيهما أيضا بأنّ مقتضى العقد ليس مجرّد إنشاء الزوجيّة و تمليك المهر بلا إنشاء تعهّد بتسليم ما ملك كلّ لصاحبه؛ فإنّ هذا خلاف المتفاهم من المتعاقدين في أبواب العقود المعاوضيّة، بل المتفاهم علاوة على إنشاء التمليك و التملّك لكلّ من العوضين بالنسبة إلى كلّ من الشخصين إنشاء تعهّد من كلّ منهما أيضا بتسليم ما ملكه على ما ملكه، أعني: أن يسلّم و يتسلّم كما ملّك و تملّك، و هذا مفهوم عرفي من لفظهما و إنشائهما لعقد المعاوضة، و من هنا يتّجه للزوجة أن يمتنع من تسليم بضعها إلى أن يتسلّم المهر و لكلّ من صاحبي العوضين في البيع و غيره الامتناع من تسليم عوضه إلى أن يتسلّم المعوّض.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 514

ثمّ لازم هذا التعهّد واضح عند تلف العين، و أمّا عند بقائها و تلف وصف الماليّة كالجمد الذي هو مال في الصيف و لو بقي إلى الشتاء يسلب عنه الماليّة فقد يقال: ليس

مقتضى التعهّد بأداء العين إلّا تسليم نفسها مع الإمكان و بدلها مع التعذّر، و في هذه الصورة تسليم نفسها ممكن، فما وجه ضمان البدل.

في حكم ما إذا ذهب المالية عن المهر رأسا

دون ما إذا تنزّلت القيمة السوقيّة و يمكن أن يقال: إنّ إنشاء التمليك و التملّك و التعاوض بين المالين أو بين البضع و المال إنّما يكون بجنبة الماليّة بحيث تكون هذه الحيثيّة تقييديّة في لحاظ المنشئ، و إذا فرضنا أنّ إنشاء المعاوضة قد تعلّق بالموضوع مقيّدا بالماليّة فالتعهّد الضمني الذي هو تابع لذلك الإنشاء و يكون في ضمنه أيضا يكون متعلّقا بذلك المقيّد، و لازم هذا ضمان أصل الماليّة، فإذا ذهب الماليّة رأسا أو ما يعدّ منزلة الذهاب الرأسي فعليه التدارك بمقتضى تعهّده.

و أمّا إذا بقي من الماليّة مقدار معتنى به فليس عليه إلّا دفع الموجود؛ إذ لم تقع مراتب الماليّة تحت عهدة التسليم؛ لعدم وقوع المعاوضة إلّا على المال لا عليه مقيّدا بكونه بمرتبة التقوّم بكذا، و على فرضه يكون مقيّدا بالتقوّم بها في وقت وقوع المعاوضة من غير اعتبار بقائها عليها فيما بعد؛ لأنّ السوق لا يبقى على حال، بخلاف الأوصاف مثل الصحّة و الكمال الموجب لاختلاف القيمة؛ فإنّها قابلة للتعهّد و واقعة تحته.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 515

مسألة تلف وصف الصحّة أو الكمال قبل القبض

قد عرفت حال تلف عين المهر شخصيّا أو كليّا و أنّه مضمون بالقيمة، بقي الكلام في ما إذا لم يتلف عينه، و لكن وجدت به عيبا أو فقدت عنه وصف كمال قد شرطته معه.

فنقول: تارة نفرض وجود العيب أو فقدان الصفة حال العقد، و اخرى نفرض طروّ ذلك بعده و قبل قبض المهر، ففي الفرض الأوّل حكم الفقهاء رضوان اللّه عليهم من غير خلاف يعرف- على ما في الجواهر- بالتخيير بين ردّ المهر المعيب و أخذ قيمته، و بين إمساكه مع أرشه، و في الثاني اتّفقوا على ثبوت الأرش، و قال بعضهم بثبوت التخيير

كالأوّل. و العمدة النظر في مقتضى القواعد.

قال شيخنا دام ظلّه: الذي يقتضيه التدبّر في الفرض الأوّل صحّة المهر؛ لأنّ الموضوع العرفي منه محفوظ و عدم لزوم قبول المرأة له بحال العيب؛ فإنّ هذا خلاف قضيّة اشتراط وصف الصحّة في المهر؛ فإنّ مقتضاه عدم ملزميّتها بقبول المعيب، بل مع الإطلاق يكون الأمر كذلك، لانصرافه إلى الصحيح.

و أمّا أنّ الحكم حينئذ هو الأرش مع قبول المهر، أو أخذ قيمة العين مع ردّ المهر، أو أخذ مهر المثل كذلك فلا يقتضي شي ء من القواعد شيئا من ذلك.

أمّا الوسط و الأخير فواضح؛ لأنّ المقتضي الأوّلي للفسخ كما هو الحال في عقد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 516

البيع و نحوه هو رجوع كلّ عوض إلى صاحبه، و مقتضى ذلك هنا بطلان النكاح، و هما ممّا لا يقولون.

و أمّا بقاء أصل النكاح و بطلان خصوص المهر ثمّ استحقاق مهر المثل فعلا أعني: و لو لم يدخل، أو استحقاق القيمة كذلك، أو استحقاق مهر المثل بعد الدخول فكلّ ذلك أجنبيّ عن مقتضى الفسخ.

و أمّا الأوّل: أعني: قبول المهر مع الأرش فلأنّ العين لم تنتقل إليها إلّا فاقدة للصحّة و الوصف، فكيف نحكم على الزوج بضمان هذا الذي لم ينتقل، و هل هو إلّا كالحكم بضمان نفس المبيع لو ظهر تلفه حين العقد؟ فالضمان فرع أن ينتقل إليه شي ء ثمّ ورد عليه التلف قبل القبض.

و أمّا إذا لم ينتقل شي ء فلا ضمان أيضا؛ فإنّ عمدة ما فهمناه من دليل الضمان في المقام و أمثاله هو التعهّد بالتسليم، و لا شكّ أنّ المملّك للشي ء في عقد النكاح أو عقد المعاوضة إنّما تملّكه من صاحبه ثمّ يتعهّد له بهذا الذي ملّكه في تقدير ملكيّته له،

لا تعهّدا مطلقا في عرض الملكيّة، فإذا فرضنا عدم الملكيّة يبقى التعهّد بلا موضوع.

و إذن فنقول: إذا ملك العين المتّصفة و تعهّد بأدائها متّصفة و فرض أنّها حين هذا التملّك غير متّصفة، فلا محالة صار المملوك العين الفاقدة الوصف، فالتعهّد بالنسبة إلى ذات المتّصف يكون له الموضوع، و أمّا بالنسبة إلى الاتّصاف لا موضوع له، فعلم أنّ الأرش أيضا لا ينطبق على قاعدة، هذا كلّه في الفرض الأوّل.

و أمّا الفرض الثاني فقد عرفت ممّا مرّ في الأوّل انطباق الحكم بالأرش فيه على القاعدة؛ لأنّه مقتضى التعهّد بالأداء؛ إذ كما أنّ مقتضاه عند تلف العين أداء قيمتها كذلك عند تلف الوصف مقتضاه أداء ما به التفاوت في ما بين الواجد و الفاقد الذي هو في الحقيقة قيمة كونها متّصفة، فمقتضى التعهّد بأداء الاتّصاف عند تعذّر نفسه أداء عوضه و قيمته.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 517

مسألة جواز امتناع التسليم قبل تسلّم المهر

قضيّة التعهّد الذي أشرنا إليه كما يكون الضمان قبل القبض كذلك يكون جواز امتناع كلّ من الطرفين من تسليم ما ملّكه إلّا بعد تسلّم ما تملّكه؛ لأنّه ملك قبالا للتملّك و تعهّد بالوفاء بمقتضى هذا الإنشاء في الخارج، و مقتضاه خارجا ليس إلّا وصول كلّ عوض إلى صاحب الآخر، فالوصول من طرف دون آخر خارج عن مقتضاه، و لا يكون وفاء و خروجا عن عهدة ما أنشأه حتّى يكون محكوما شرعا أو عرفا بحكم الوجوب، و على هذا فيصحّ لكلّ من الزوجين الامتناع من التسليم حتّى يتسلّم، فللزوجة الامتناع من تسليم البضع حتّى يتسلّم المهر، و كذا للزوج العكس، و العمدة في دليل هذا ما ذكرنا.

و قد يتوهّم أنّ دليله بعض الأخبار الدالّة على أنّه لا يحلّ الدخول بالزوجة قبل تسليم

مهرها، و لكنّه ليس كما توهّم؛ فإنّ هذه الأخبار طوائف، و مقتضى الجمع بين جميعها أنّها بصدد مطلب آخر أجنبيّ عمّا نحن بصدده، و هو أنّه يستحبّ أن لا يدخل الزوج على عروسه إلّا بعد إعطائه إيّاها شيئا، أمّا مهرها أو بعضه أو شيئا آخر كما حكي عن مولانا الباقر صلوات اللّه عليه أنّه أعطى شيئا آخر و دخل ثمّ أعطى المهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 518

مسألة لا تقدير للمهر

لا إشكال في أنّه لا تقدير للمهر من طرف القلّة، و قد ورد في الأخبار أيضا، و أمّا في جانب الكثرة فنصّ الآية الشريفة في سورة النساء وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «1». عدم التقدير فيه أيضا؛ فإنّ القنطار و إن اختلف في تفسيره، لكن من المعلوم على جميع تفاسيره أزيديّته من خمسمائة درهم.

و ليس في البين إلّا قول سيّدنا المرتضى قدّس اللّه نفسه الزكيّة حيث ذهب على ما حكي عنه إلى تقدير المهر بخمسمائة درهم، و أنّه لو زاد عليه يردّ إليه متمسّكا برواية مفضّل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له:

أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه، قال: فقال عليه السّلام: السنّة المحمّديّة صلّى اللّه عليه و آله خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك ردّ إلى السنّة و لا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم، فإنّ أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثمّ

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 20.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 519

دخل بها فلا

شي ء عليه، قال: قلت: فإن طلّقها بعد ما دخل بها؟ قال عليه السّلام:

لا شي ء لها، إنّما كان شرطها خمسمائة درهم، فلمّا أن دخل بها قبل أن يستوفي صداقها هدم الصداق، فلا شي ء لها، إنّما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي ء لها «1».

و هذه الرواية مشتملة على حكمين: أحدهما كون الدخول هادما للصداق، و قد ورد بهذا المضمون أخبار أخر أيضا، و الثاني و هو المختصّ بها عدم جواز الزيادة في المهر على الخمسمائة درهم.

أمّا الأوّل فيمكن حملها على مقام التنازع و أنّه لمّا كان دعوى الزوجة بعد الدخول و الغالب المتعارف في زمان صدور الخبر كان إعطاء المرأة مهرها كاملا ثمّ الدخول بها، فلهذا كان قولها على خلاف الظاهر و لا يقبل قولها إلّا بالبيّنة.

و أمّا المضمون الآخر المختصّ به أعني: عدم جواز الزيادة بالمهر على مهر السنّة فقد عرفت أنّه خلاف نصّ القرآن، فإذن لا محيص عن طرحه أو حمله على معنى لا ينافيه، و إن فرضنا عدم نصوصيّة الآية و احتمال إرادة النحلة لا المهر من قوله تعالى وَ آتَيْتُمْ. و إن كان بعيدا، فإنّه عليه لم يكن فرق بين هبة القليل و هبة الخطير، كان الرواية معارضة بصحيحة الوشّاء عن الرضا عليه السّلام قال: سمعته يقول عليه السّلام: لو أنّ رجلا تزوّج المرأة و جعل مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا، و الذي جعله لأبيها فاسدا «2»، ثمّ بعد التعارض يرجّح الصحيحة بالآية الشريفة المتقدّمة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 14.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب المهور،

الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 520

مسألة لو عقد على امرأتين بمهر واحد

فهنا كلام في أصل صحّة العقد، ثمّ في المهر، ثمّ في كيفيّة توزيعه.

أمّا العقد فالظاهر عدم الإشكال في صحّته، فإنّه بمنزلة العقد على المالين بثمن واحد، فإنّ المهر معلوم، و من هنا يعلم صحّة المهر أيضا، و احتمال فساده بالجهل مدفوع أوّلا بابتنائه على لزوم توزيعه على حسب لياقة كلّ من المرأتين بحسب الشأن، و يجي ء فساده، و أمّا لو قلنا بظهوره في التنصيف كما لو قيل: أعط هذا المال لهذين الرجلين و كان أحدهما وضيعا و الآخر شريفا فلا جهالة.

و ثانيا: على فرض حمله على الاختلاف حسب شأن كلّ من المرأتين أيضا لا جهالة كما في الثمن الواحد للمالين.

و أمّا كيفية التوزيع فقد يقاس حال المقام بالبيع للمالين بثمن واحد حيث يوزّع عليهما حسب قيمة مثلهما.

و لكن يمكن أن يقال: مقام البيع مقام إنشاء المبادلة بين المالين، و كما يقع التبادل بين الكلّين يقع قهرا بين أجزاء هذا و أجزاء ذاك، و أمّا في المقام فلا إنشاء معاوضة و مبادلة في البين؛ إذ لا يجعل البضع إنشاء في مكان المهر، بل يكون بالشرط أشبه، حيث لا يقسّط الثمن عليه إنشاء، و على هذا فلا يبعد أن يكون الظاهر من جعل مال بينهما كونه بينهما بالمناصفة من غير ملاحظة حالهما ضعة و شرفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 521

مسألة تعيين المهر جنسا و وصفا و قدرا

هل لنا قاعدة عقلائيّة أو شرعيّة قاضية في كلّيّة أبواب العقود من المعاوضات و غيرها بلزوم تعيين الجنس و الوصف و المقدار و إضرار الجهل بذلك، أو ليس لنا؟

الإنصاف أنّا بعد الفحص لم نجد عند العقلاء مانعا عن الجهل بهذه الأمور، كما لو نكحت المرأة على مهر أختها مع جهالة مهر الأخت رأسا.

و أمّا المنع الشرعي ففي

خصوص باب النكاح مفقود، بل ربما يقال بوجود المجوّز و هو قولهم عليهم السّلام في مقام تحديد المهر: هو ما تراضيا عليه من قليل أو كثير «1».

و ما ورد في جعل المهر خادما، أو دارا، أو بيتا مع اختلاف أفراد ذلك اختلافا فاحشا من صحّة ذلك و حمله على الوسط، مع أنّ الوسط أيضا له عرض عريض.

و ما ورد في مفوّضة المهر أعني: من يكون فرض المهر لها في ضمن العقد، لكن على حكم الزوج فيما بعد أو الزوجة كذلك من الحكم بصحّة ذلك، غاية الأمر التقييد في طرف الزوجة بعدم مجاوزتها عن مهر السنّة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 522

بل و ما ورد في تزوّج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امرأة من رجل خطبها بعد السؤال عنه أنّه ما ذا يمهرها؟ فأجاب بعدم مال له، ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله: هل تعلم شيئا من القرآن؟

قال: نعم، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: زوّجتكها على ما تعلم من القرآن «1».

و في قبال ذلك عموم النبويّ: نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الغرر «2»، و هو أيضا موهون دلالة على فرض تسليم السند بأنّ اللازم على تقدير الأخذ بعمومه التعدّي إلى كلّ باب حتّى الهبة و الصداقة و الوصيّة و النذر و أمثال ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به و لا بورود هذا المقدار من التخصيص في عمومه، فلا محيص إلّا عن التزام اختصاصه بخصوص باب البيع أو خصوص المعاوضات، فلا يرتبط بمثل النكاح الذي مرّ أنّه غير معاوضة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب عقد النكاح

و أولياء العقد، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب التجارة، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 523

مسألة [في جعل المهر مهر السنة]

إذا أمهر زوجته و قال: أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فقد ورد الرواية بأنّ عليه مهر السنّة خمسمائة درهم، و مقام الكلام موضعان:

الأوّل: بل المستفاد من هذه العبارة ما ذا؟ الثاني: المستفاد من الرواية ما ذا؟

أمّا الأوّل فله ثلاثة احتمالات:

الأوّل: إرادة النكاح في قبال السفاح، فتكون مفوّضة البضع.

و الثاني: أن يكون المراد على ما قرّر في الكتاب و السنّة، فيكون في جملة ما قرّر في السنّة أنّ المهر خمسمائة درهم و من جملته النفقة و غير ذلك.

و الثالث: أن يكون المراد خصوص المهر المقرّر في الكتاب و السنّة، هذا احتمالات العبارة، و أمّا أنّ أيّا منها يستظهر منها فغير معلوم.

و أمّا الثاني أعني: المستفاد من رواية الباب، فالأولى نقل الرواية أوّلا ثمّ التكلّم في مضمونها.

فنقول: روى الشيخ المحدّث الحرّ العاملي أعلى اللّه في الفردوس مقامه عن محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن عثمان ابن عيسى عن أسامة بن حفص و كان قيّما لأبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قلت له

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 524

رجل يتزوّج امرأة و لم يسمّ لها مهرا و كان في الكلام: أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فمات عنها، أو أراد أن يدخل بها، فما لها من المهر؟ قال عليه السّلام: مهر السنّة.

قال: قلت: يقولون لها مهور نسائها، فقال عليه السّلام: مهر السنّة، و كلّما قلت له شيئا فقال عليه السّلام: مهر السنّة «1».

و هذه الرواية كما

ترى يكون المفروغ عنه عند سائلها إرادة المهر من العبارة في كلام الزوج و أنّه قال ذلك في مقام المهر، فكأنّه قال: على مهر سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لكن وقع الاختلاف و الشكّ في أنّ المهر الذي سنّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله ما ذا؟ فإنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سنّ في بعض المواقع مهر نسائها أعني: مهر أمثالها، و سنّ أيضا مهر السنّة، فذهب أهل المرأة أو غيرهم إلى الأوّل، و أجاب الإمام عليه السّلام باختيار الثاني كما هو الظاهر من العبارة على تقدير إحراز كونها في مقام تعيين المهر خصوصا أو عموما.

و على هذا فلا يستفاد من الرواية حكم تعبّدي فيما إذا صدر من الزوج في عقد النكاح العبارة المسطورة و اشتبه أنّ مراده أيّ من الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة و أنّه يحكم عليه قهرا بثبوت مهر السنّة، بل المستفاد تعيين مفهوم عرفي من العبارة المسطورة على تقدير قيام القرينة على كونها في مقام بيان المهر، و هو أيضا ما نفهمه أيضا منها في هذا المقام.

نعم ربّما يقال: يستفاد من إطلاق الرواية و ترك الاستفصال فيها أنّه لو فرض جهل الزوج بمقدار مهر السنّة و أنّه خمسمائة و مع ذلك قال هذا الكلام يكون أيضا صحيحا، فيكون بواسطة هذا الإطلاق شاهدة على المسألة المتقدّمة، أعني: عدم اعتبار المعلوميّة في المهر، هكذا أفاده شيخنا الأستاذ أطال اللّه بقاه.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 525

مسألة لو تزوّج المرأة و جعل لها مهرا و لأبيها شيئا

فللمسألة ثلاث صور:

الاولى: أن يكون جعل شي ء للأب شرطا للزوجة على الزوج، غاية الأمر شرطت وصول مال إلى أبيها.

الثانية: أن يكون ما يجعل

للأب جعلا مستقلا غير مربوط بالنكاح و يكون حقّ جعالة له على عمله و رتقه و فتقه في معاملة النكاح.

و الثالثة: أن لا يكون الأوّل و لا الثاني، بل كان الأب في عرض البنت، فكما يجعل للبنت مهرا يشترط للأب أيضا شيئا من دون أن يكون الشارط هو الزوجة، و لا أن يكون بعقد جعالة مستقلّة، بل بصورة الشرط في ضمن عقد النكاح.

فالصورة الاولى لا إشكال في صحّتها على القاعدة، و كذا الثانية.

و أمّا الثالثة ففي صحّتها على القواعد إشكال من حيث إنّ دليل العقد لا يتكفّل نفوذ مثل هذا الشرط الذي ليس في ما بين المتعاقدين؛ فإنّه إنّما يتكفّل لما لأحدهما على الآخر، و هذا ليس من هذا القبيل، بل يكون على أحدهما لأجنبيّ، فلا يشمله دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فيكون حال هذا الشرط حال الشروط الابتدائيّة و التي في ضمن العقود الجائزة، فيكون فساده لأجل عدم الدليل على نفوذه لا لفساد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 526

في نفسه، فلا يكون من صغريات الشرط الفاسد حتّى نتكلّم في أنّه مفسد للعقد أو لا.

و الرواية التي وردت في هذا المورد لا يبعد استظهار الصورة الثالثة منها، و قد حكمت بجواز المهر و فساد ما جعله للأب، و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يمكن إدراجها في أدلّة القول بعدم مفسديّة الشرط الفاسد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 527

مسألة إذا تزوّج امرأة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه

صلّى اللّه عليه و آله فتارة نتكلّم في تعيين المراد من هذه الكلمة و أنّه مرتبط بتعيين المهر إمّا خصوصا بأن يكون المراد: على مهر سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أو عموما بأن يكون المراد على جميع ما قرّر في الكتاب و السنّة في ما بين

الزوجين حتّى يشمل المهر و غيره كالنفقة، أو غير مرتبط به رأسا و إنّما أريد به كونه نكاحا غير سفاح و قد رغب فيه الكتاب و السنّة.

و الحقّ عدم ظهور للعبادة في شي ء من هذه المعاني الثلاثة.

و اخرى نتكلّم في موضوع الرواية الواردة في هذه المسألة و أنّه أيّ من هذه الصور.

و لا يخفى على المتأمّل أنّ موضوعها صورة إرادة المهر إمّا خصوصا و إمّا عموما، و ذلك بواسطة قول السائل فيها: فما لها من المهر إذا مات عنها أو أراد أن يدخل بها؟ فإنّ المناسب لهذا المفروغيّة عن أصل الجعل، و إنّما الشكّ في تعيين المجعول، و لو كان المراد صورة عدم تعرّض المهر لما وقع السؤال عن المهر عند الموت قبل الدخول و عند إرادته قبله، مع أنّ مفوّضة البضع ليس لها مهر إلّا بالدخول، فحيث سأل السائل و أجاب الإمام عليه السّلام بثبوت المهر في هذين الفرضين علم أنّها

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 528

ليست مفوّضة البضع، كما ليست مفوّضة المهر على ما هو واضح.

و حينئذ نقول: لو كان حال اللفظة المذكورة مفهوما و مصداقا مبيّنا حال العقد و ما بعده لما وقع السؤال، فالسؤال كاشف عن وقوع اشتباه إمّا في مفهومها بأن يردّد المهر الذي سنّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله بين مهر السنّة و مهر المثل، و إمّا في مصداق مفهومها بأن علم أنّ مفهومها مهر السنّة، و لكن شكّ في أنّ مقدار مهر السنّة ما ذا، و إمّا في مراد العاقد مع وضوحه حال العقد.

و لا يخفى أنّ المناسب للأخير هو ذكر السؤال بصورة المنازعة، فالمناسب للسؤال عن نفس الواقع هو أحد الوسطين أعني: الاشتباه في المفهوم و

الاشتباه في المصداق.

و على كلّ حال تكون الرواية شاهدة على اغتفار هذا المقدار من الجهل في باب المهر و إن كان العلماء رضوان اللّه عليهم لا يلتزمون به، حتّى اقتصروا في مورد الخادم و الدار و البيت، و لم يتجاوزوا إلى غيرها، مثلا لا يجوّزون جعل المهر مثلا ثوبا أو مهر فلانة، و مقتضى هذه الرواية جواز ذلك، نعم لا يمكن استفادة ما إذا جعل المهر شيئا.

و الحاصل: لم نقف على مدرك لما ذهبوا إليه و إن نقل عن دعائم الإسلام رواية ناصّة باشتراط المعلوميّة في المهر، و لكنّ الكلام في سنده.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 529

مسألة لو جعل للزوجة شيئا و لأبيها أو لأجنبيّ أيضا شيئا

فللمسألة صور:

الاولى: أن يكون المجعول له و المشروط له هو الأب أو ذلك الأجنبي.

و الثانية: أن تكون هو الزوجة، فتكون هي المطالبة بالشرط و إن كان نفعه عائدا إلى غيرها، و كلّ من هاتين على قسمين: إمّا يكون فعلا، مثل خياطة الثوب، و إمّا مالا، مثل ألف درهم، فهذه أربع صور.

و مجمل القول في حكمها على حسب القواعد أنّه إمّا صورة كون المشروط له غير الزوجة بقسميها فالظاهر بطلان الشرط؛ لكونه غير مربوط بطرفي العقد فيكون شرطا ابتدائيا و فيه كلام مذكور في محلّه، و إمّا صورة كون المشروط له هو الزوجة.

فإن كان المشروط فعلا مثل خياطة الثوب لأبيها فلا إشكال في نفوذ هذا الشرط و صحّته.

و إن كان مالا فصحّته مشكلة بملاحظة أنّ شرط نقل المال بنحو شرط النتيجة غير معلوم أنّه مشروع، بمعنى أنّا و إن لم نستشكل في مطلق شرط النتيجة- كيف و شرط الخيار منه- و لكن في خصوص هذا أعني شرط نقل المال من القريب

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 530

أن يكون من

المسبّبات التي عيّن الشارع لها أسبابا خاصّة، و ليس شرط أحدها كالنكاح و المبادلة و الانفساخ، هذا حاصل الكلام على قواعد المسألة.

و أمّا نصّها أعني صحيح الوشّاء عن الرضا عليه السّلام: «لو أنّ رجلا تزوّج امرأة و جعل مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا، و الذي جعله لأبيها فاسدا» «1» فلا يشمل شرط الفعل رأسا، و أمّا شرط المال فالظاهر شموله لكلا قسميه أعني: كون المشروط له هو الأب و كونه الزوجة، فإنّ المجعول لنفعه في كليها هو الأب، و يصحّ إطلاق جعل لأبيها في كلتا الصورتين.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 9 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 531

مسألة لو تزوّج المرأة بمهر سرّا و بآخر جهرا

فللمسألة صور:

الاولى: أن يعقد لها عقدا على مهر أقلّ سرا و يعقد عقدا آخر بأزيد منه جهرا، و هذه لا إشكال في أنّ العبرة بالعقد السري و لا اعتبار بالجهري.

الثانية: أن يكون العقد واحدا جهريّا من دون صدور عقد آخر سرّا، و لكن تواطئا و توافقا سرّا على أنّهما عند التلفّظ بلفظ الألفين مثلا يريدان استعمالا غلطا الألف، و هذه الصورة إن اشترطنا في المهر كالنكاح الصيغة و الألفاظ الخاصّة و أنّه لا يجوز الألفاظ المغلوطة كما لا يصحّ إنشاء النكاح بلفظ «بعت» و لو مع سبق التواطؤ بينهما كان المهر باطلا؛ فإنّ الألفين ملفوظ و غير منوي، و الألف منويّ و غير ملفوظ بلفظه الصحيح، ثمّ يقع الكلام في صحّة العقد و فساده.

الثالثة: أن يكون العقد أيضا واحدا في الجهر و كان المراد استعمالا أيضا معنى لفظ الألفين مثلا، و لكن تواطئا سرّا على عدم الجدّ بالنسبة إلى ما زاد عن الألف، و هذه أيضا كسابقه، أعني:

لو قلنا باعتبار التلفّظ بالمهر باللفظ المفهم له عرفا فهنا هذا المطلب مفقود بالنسبة إلى الألف، و بالنسبة إلى الألفين؛ لعدم الجدّ في الثاني و عدم اللفظ في الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 532

الرابعة: أن يكون العقد واحدا و المراد جدّا و استعمالا أيضا مدلول الألفين، و لكن تواطئا على عصيانه في مقام الإيفاء و الخروج عن العهدة بالنسبة إلى ما زاد عن الألف، و هذه أيضا كالسابقتين، أعني: إن قلنا: إنّ هذا التواطؤ شي ء غير مربوط بالعقد و المهر فلا إشكال في الصحّة، و أمّا إن قلنا- كما مرّ تقويته سابقا-:

إنّ العقد متضمّن عرفا التعهّد بالتسليم و الإيفاء فهذا التواطؤ يوجب التناقض في مرحلة الإنشاء، فيوجب ذلك بطلان المهر، و يقع الكلام في بطلان أصل النكاح، هذا حكم المسألة على القاعدة.

و أمّا نصّها: و هي رواية زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام في رجل أسرّ صداقا و أعلن أكثر منه «فقال عليه السّلام: هو الذي أسرّ و كان عليه النكاح» «1» فلا يخفى ظهوره في العقد السري على صداق و العقد الجهري على أزيد منه الذي هو الصورة الأولى، فإنّ لفظ الصداق ظاهر في ما وقع في ضمن عقد النكاح و خصوصا مع قوله عليه السّلام:

«و كان عليه النكاح».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 15 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 533

مسائل متعلّقة بامتناع الزوجة عن التمكين حتّى يقبض المهر
[المسألة] الأولى

قد أشرنا إلى أصل مدركه في ما تقدّم إجمالا و قلنا: إنّ ما في كلمات بعض الأعلام في هذا المقام من الاستدلال بالأخبار الكثيرة الواردة كلّها في حكم استحبابي و هو أن لا يدخل الزوج على معقودته إلّا بعد أن يقدّم إليها شيئا و لو سويقا أو تمرا أو زبيبا،

من دون إشارة في هذه الأخبار إلى امتناع الزوجة عن التمكين، بل إطلاقها شامل لما إذا حضرت و رضيت و مكّنت قبل قبض شي ء، و كذا بعضها صريح في أنّ هذا الحكم غير مخصوص بالمهر، بل يتأدّى بأداء شي ء أجنبيّ عن المهر قد وقع في غير محلّه.

و العمدة في الباب هو ما اقتضاه طبع المعاوضة بين البضع و المهر، حيث إنّ المتعاوضين أوّلا ينشآن زوجيّة المرأة للرجل بإزاء أن يكون المهر من مال الرجل للمرأة و يتعهّدان بحسب لازم هذا الإنشاء عرفا بالتسليم عند التسلّم و بالتسليط لما أعطاه كلّ منهما بإزاء تسلّطه على ما تلقّاه منه، و بعبارة أخرى: بعمليّة ما أنشئاه في الذهن على نحو ما أنشئاه في الخارج، فكما أنّها لم ينشأ الزوجيّة المطلقة للرجل، بل بإزائه أن تملك منه المهر، كذلك لم تتعهّد بتسليم نفسها إليه قبل أن تتسلّم منه المهر؛ لأنّه خلاف ما أنشأته، و كذلك في طرف الزوج.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 534

و بالجملة، ينتزع من هذا التعهّد المفهوم عرفا من القضيّة حقّ لكلّ منهما بأن يمتنع من الإقباض حتّى يقبض، فيكون ذلك على طبق القاعدة لا نحتاج في إثباته إلى التماس دليل.

ثمّ تقابضهما دفعة لو امتنع كلّ من المتعاوضين في غير باب النكاح ممكن، و قد استصعب عليهم الحال في المقام بملاحظة أنّ البضع لا يقع تحت اليد إلّا بالوطي، فلو امتنعا جميعا من الإقباض إلّا بعد القبض فما الحيلة.

حتّى التجأ بعضهم إلى أنّ الجمع بين الحقّين مقتض لإيداع المهر في يد أمين ثمّ يطأ الزوج الزوجة، ثمّ يدفع المهر إلى الزوجة.

و آخر إلى أنّ مقتضى الأخبار في هذا الباب أنّ على الزوج المبادرة بتسليم المهر و ليس

له الامتناع حتّى يقبض البضع، و قد عرفت عدم مساس الأخبار بالمقام و أنّها واردة في مورد حكم آخر.

و ثالث إلى الإيقاف حتّى يرضى و يقدم أحدهما بالتسليم قبل التسلّم.

قال شيخنا الأستاذ دام بقاه: ليت شعري ما الملجئ لهم طاب ثراهم إلى هذه الوجوه الحال أنّ التقابض و القبض و الإقباض لم يرد لغتهما في نصّ و رواية حتّى نتأمّل في صدقها في موضوع البضع بأيّ شي ء، بل المسلّم كما عرفت هو أنّهما بحسب لازم إنشائهما ملتزمان بإعمال ما ينشآنه في الخارج، فإعمال إنشاء الزوجيّة في الخارج ليس إلّا حضور الزوجة للعمل المخصوص بالنسبة إلى الزوج، و لا يحتاج إلى وقوع العمل منه، و إذن فالتقابض في مقامنا أيضا كسائر الأبواب في غاية السهولة و لا حاجة إلى الالتزام بشي ء من الوجوه الثلاثة المتقدّمة، فهم قدّس اللّه أسرارهم أعلم بما أفادوا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 535

المسألة الثانية [في كون الزوج معسرا و المهر حالّا]

لا إشكال في صورة كون الزوج موسرا و المهر حالّا، أمّا لو كان معسرا و كان المهر حالّا فهل لها الامتناع أيضا حتّى يحصل اليسار و يدفع إليها مهرها، أو يجب عليها التمكين؟

قال شيخنا الأستاذ دام بقاه: يمكن التفصيل في المسألة بين المانع الشرعي و العرفي، و بين المانع المرجوّ الزوال موقّتا و بين غيره، ففي ما إذا كان المانع من دفع الزوج عدم ثروته مع عدم رجاء ثروته في زمان قريب عادة لا يبعد أن يقال: ليس لها الامتناع من تسليم نفسها إذا كانت عالمة بالحال و أقدمت مع ذلك في العقد و المزاوجة معه، فإنّها حينئذ قد أسقطت حقّ تسلّم مهرها منه عند تسليم نفسها؛ إذ لو لم تسقط ذلك فمعناه أنّها أنشأت المزاوجة و تعهّدت و

التزمت بعدم المضاجعة معه إلى ما شاء اللّه، و هذا بعيد عن حال الطرفين، و إذا كان هذا غير ما تعاهدا عليه فمعنى هذا أنّها قد رفعت اليد عن حقّها.

لا يقال: كيف التوفيق بين قولك هذا و بين ما تقدّم منك من أنّه إذا توطئا قبل العقد على عصيان الزوج عن بذل مقدار من المهر فهذا يعدّ منافيا مع تمليكه، و لا يتمشّى منه قصد إنشاء التمليك، فإنّه كما يكون لازم قصد إنشاء التمليك تعهّد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 536

التسليم، كذلك لازم قصد إنشاء التمليك بالعوض تعهّد التسليم بالعوض، فتعهّد التسليم مجّانا أيضا يعدّ مناقضا مع الجدّ في إنشاء التمليك بالعوض.

لأنّا نقول: فرق بين المقامين، بمعنى أنّ تعهّد التسليم بالعوض، و بعبارة أخرى: حقّ أن تمسك عن التسليم إلى أن تقبض يكون من مقتضيات العقد لو خلّي و طبعه، بحيث يقبل السقوط بالإسقاط، نظير حقّ الخيار، حيث يصحّ اشتراط سقوطه في متن العقد مع أنّه من مقتضياته، لكن لا لماهيّته بحيث لا يقبل الانفكاك منه.

و ما تقدّم أعني: البناء على العصيان في دفع المهر أو قدر منه إلى الأبد مناف مع حاقّ قصد التمليك الجدّي، بل لطبعه لو لم يمنعه مانع، فيقبل السقوط بالإسقاط، فالمدّعى أنّ الزوجة متى اطّلعت على إعسار الزوج و مع ذلك أقدمت على المزاوجة معه فمعنى هذا أنّها أغمضت عن حقّ إمساكها الذي كان بمقتضى تبع العقد ثابتا لها، ثمّ هذا في طرف الزوج.

و هكذا الكلام في طرف الزوجة لو اطلع الزوج على مرض فيها مانع عن المواقعة غير مرجوّ الزوال عن قريب، فإنّه أيضا بإقدامه على المزاوجة و الحال هذه رفع اليد عن حقّ إمساكه.

نعم لو كان المانع موقّتا

قريب الزوال فلا يعدّ الإقدام دليلا على إسقاط الحقّ، و منه الإقدام على المزاوجة مع الصغيرة التي لا تقبل الاستمتاع كالرضيعة، أو إقدام المرأة على مزاوجة الصغير كذلك؛ فإنّ لهما الامتناع حتّى تكبر الصغيرة أو يكبر الصغير و يدفع ما عليها أو عليه.

إلّا أن يقال في الصغير و الصغيرة ممّا يكون المتعارف الصبر إلى زمان حصول القابليّة: إذا أقدم على المزاوجة فهو كما إذا أقدمت الزوجة بالمهر المؤجّل؛

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 537

فإنّ مقتضى إنشاء زوجيّتها بذلك بعضها فعلا قبل حلول الأجل، فكذلك حال الزوج مع صغر أحدهما أو كليهما، فلا يجوز تأخير المهر إلى زمان حصول القابليّة هذا.

ثمّ هذا في الموانع العادية عن التسليم، و أمّا المانع الشرعي مع الإمكان العادي فمع الاطّلاع على وجود المانع و العلم بحكمه أيضا لا يكون دليلا على الإغماض و الإسقاط المذكور، نظير تحريم المطالبة عن المعسر شرعا؛ فإنّ هذا النظر نظر متشرّعي لا يكفي و لو للعالم المتديّن في الإقدام بحسب طبع المعاملة الواقعة على الطبع العرفي، و لهذا قلنا: إنّ المقبوض بالعقد الفاسد مع علمه بالفساد شرعا و انتحاله للإسلام لم يقدم على إهدار ماله و إتلافه و تسليط الغير عليه بلا عوض و مجّانا، فإنّه و إن كان يقطع بعدم صيرورته مالكا لعوضه شرعا؛ إلّا أنّه حسب النظر العرفي ربّما يتكيّف بأنّه قد وصل بالثمن الأغلى.

و بالجملة، العلم بالحكم الشرعي غير موجب للإقدام على طبق مقتضاه بعد وقوع المعاملة على حسب طبعهما العرفي و نظرهما الارتكازي، فلا إقدام و لا إتلاف و لا تسليط على ماله بهذا النظر مجّانا أصلا، فلهذا يتحقّق الضمان في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد، و لا يوجب العلم بالحكم الشرعي مثل

تحريم المطالبة عن المعسر شرعا الإقدام على إسقاط حقّها عن الإمساك، فهي من حيث هذه الجهة غير مسقطة حقّها و إن كان من جهة نفس الإعسار الذي هو المانع الخارجي عن دفع المهر مسقطة متجاوزة عنه كما ذكرنا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 538

المسألة الثالثة لو أكره الزوج الزوجة على الدخول بها قبل إعطاء المهر إيّاها

فهل لها بعد زوال الإكراه الامتناع عن الدخول حتّى يقبض المهر، أو زال حقّها بالإكراه المزبور؟

قال شيخنا و عمادنا دام عمره الشريف بأنّ الظاهر بقاء الحقّ لها؛ فإنّ الحقّ كان ثابتا قبل الإكراه فنستصحبه بعده، و نظيره في باب البيع و سائر المعاوضات لو أكره أحدهما صاحبه على الدفع قبل القبض، أو أخذه من غير اطّلاعه، فإنّه أيضا لا وجه ظاهرا في سقوط حقّه عن الامتناع و الإمساك حتّى يقبض، و لا وجه للتمسّك بحديث: رفع ما استكرهوا عليه، إذ هو فرع كون أثر إسقاط حقّ الامتناع مرتّبا على الدخول، و ليس كذلك، بل من أثر رضاها و طيب نفسها المفروض عدم حصوله مع الإكراه.

و الحاصل، أنّ الدخول الاختياري يحصل عقيبه أمور:

الأوّل: سقوط استحقاق الامتناع بعد ذلك.

و الثاني: استحقاق النفقة.

و الثالث: استقرار تمام المهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 539

و الظاهر أنّ حديث الرفع لا مجرى له بالنسبة إلى شي ء من المذكورات.

أمّا الأوّل: فلما عرفت.

و أمّا الثاني: أعني النفقة، فلأنّه إمّا نقول بمانعيّة النشوز، و إمّا بشرطيّة التمكين، و على كلّ تقدير لا نفقة مع الإكراه لتحقّق النشوز و عدم تحقّق التمكين، إلّا أن يقال: إنّ النشوز المانع أو التمكين الشرط عبارة عمّا لم يكن مجوّز شرعي للنشوز و ترك التمكين، فإنّه حينئذ لا بدّ من القول بثبوت النفقة لو خالف زوجها و ترك طاعتها في ترك تمكين نفسها لأجل كونه مجوّزا له

شرعا لأجل التوسّل إلى قبض مهرها، و تحقيق هذا المطلب يأتي إن شاء اللّه تعالى في محلّه.

و أمّا الثالث: فشمول الحديث له موقوف على ثبوت أثر لعنوان الدخول، فإن قلنا: إنّ المهر لا يملك بتمامه بالعقد، بل إنّما يملك به و بالدخول فأكرهت الزوجة الزوج على الدخول و صحّ أن يقال برفع أثره المذكور، بخلاف صورة إكراه الزوج الزوجة؛ إذ لا امتنان حينئذ في الرفع؛ فإنّ الأثر للمكره بالفتح و هو الزوجة لا عليه.

و أمّا إن قلنا: إنّ المهر يملك بتمامه بالعقد و إنّما الطلاق قبل الدخول رافع لنصفه فالملكيّة بالنسبة إلى النصف متزلزل، فحينئذ يمكن أن يقال: إنّه لا أثر للدخول، بل المؤثّر هو العقد و الرافع للأثر هو الطلاق الواقع قبل الدخول، لقوله تعالى:

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ «1» و هذا لا يوجب سهيميّة الدخول مع الطلاق في الأثر حتّى يقال: إذا حصل الدخول عن إكراه يشمله الحديث بملاحظة سهمه من الأثر، فيكون الطلاق الواقع بعده في حكم الواقع قبله.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 237.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 540

ألا ترى أنّه لو قيل: يجب إكرام زيد قبل مجي ء عمرو فلا يقال: إنّ أثر مجي ء العمرو أنّه يجب إكرام الزيد قبله، بل الحكم متعلّق بموضوع الزيد و ينتهي بتحقّق مجي ء العمرو و ليس هنا حكم لمجي ء العمرو.

نعم لو كان العنوان غاية و رافعا لما تقدّمه من الحكم الشرعي كما في التفرّق الرافع لخيار المجلس و الحدث الناقض للطهارة أمكن أن يقال: إنّ الرفع و النقض أثر رتّبه الشارع، فيجوز أن يشمله الحديث، و لا يخفى أنّ مقامنا ليس من هذا القبيل؛ لأنّ الدخول ليس

غاية لحكم شرعي، و إنّما يكون مانعا عن تحقّق موضوع ذي أثر شرعي و هو الطلاق قبل الدخول.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 541

مسألة [في مقام تحديد المهر و الصداق]

مقتضى ما في كثير من الأخبار في مقام تحديد المهر و الصداق- من أنّه ما يرضى الناس عليه، أو تراضيا عليه من قليل أو كثير، و في بعضها عطف قوله: أو خمسمائة درهم على ذلك- أنّه لا تحديد في المهر لا في جانب القلّة و لا في الكثرة.

نعم يستفاد من العطف أنّه في صورة عدم التراضي و التواطؤ على تعيين المهر كما في مفوّضة البضع يكون المهر خمسمائة و سيجي ء فيه الكلام إن شاء اللّه تعالى.

إلّا أنّه ربما يعارض هذا الظاهر ما في خبر المفضّل بن عمر و ما عن تفسير العياشي عن عمر بن يزيد، ففي الأوّل: أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه؟ قال: فقال: السنّة المحمّديّة خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك ردّ إلى السنّة و لا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم «1».

و في الثاني: أخبرني عمّن تزوّج على أكثر من مهر السنّة أ يجوز ذلك؟

قال عليه السّلام: إذا جاز مهر السنّة فليس هذا مهرا، إنّما هو نحل؛ لأنّ اللّه تعالى يقول:

وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً إنّما عنى النحل و لم يعن المهر،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 14.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 542

ألا ترى أنّها إذا أمرها مهرا ثمّ اختلعت كان له أن يأخذ المهر كاملا، فما زاد على مهر السنّة فإنّما هو نحل كما أخبرتك «1».

و يمكن أن يقال في مقام الجمع: إنّ مفاد الاولى وقوع تمام ما تراضيا عليه ملكا للزوجة بالغا ما بلغ، و

مفاد الثانية أنّ عنوان المهر من هذا المقدار مقدار الخمسمائة، و ما زاد عليه ليس له عنوان المهر، بل له عنوان النحل حتّى يظهر الثمر في مورد رتّب الشارع على عنوان المهر حكما، فيكون هو مرتّبا على مقدار الخمسمائة لا أزيد، مثلا في الطلاق قبل الدخول نحكم بالتنصيف في هذا المقدار لا في الزائد، فحال الزيادة حال الشروط و حال ما لو صرّح بكونها نحلة، كما في تزويج مولانا الجواد صلوات اللّه عليه أمّ الفضل.

و الحاصل أنّ خبر المفضّل ليس فيه نفي ملكيّة الزوجة للزيادة، و إنّما حكم في مقام تحديد المهر بأنّه محدود بهذا الحدّ، و الأخبار السابقة حاكمة بأنّها تصير مالكة للجميع، فلا تنافي، و إطلاق اسم المهر فيها على المجموع يكون على ضرب من التسامح، و حينئذ فإن كان هذا الجمع لم يقم بخلافه إجماع فهو، و إلّا فلا بدّ من معاملة التعارض.

بقي الكلام في ما اشتمل عليه خبر المفضّل ممّا لم يقل بظاهره أحد من الأصحاب رضوان اللّه عليهم، و هو الحكم بأنّ الزوج إن اعطي من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر ثمّ دخل فلا شي ء عليه، حتّى لو طلّقها بعد ما دخل فلا شي ء لها، إنّما كان شرطها خمسمائة درهم، فلمّا أن دخل بها قبل أن يستوفي صداقها هدم الصداق فلا شي ء لها.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المهور، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 543

و هذا المضمون كما ترى، علاوة على أنّه غير معمول به مناقض صريح مع ما دلّ على أنّ الصداق يستقرّ بتمامه بالدخول، و من المعلوم أنّ كونه سببا للاستقرار و كونه هادما للصداق متناقضان.

و هذا المعنى لا يخصّ هذا الخبر، بل هو موجود

في عدّة أخبار أخر أيضا، فلا بدّ من التعرّض لرفع التهافت المزبور، و يأتي إن شاء اللّه تعالى عند ذكر الأدلّة على أنّ الدخول سبب استقرار المهر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 544

مسألة [في جواز امتناع كلّ من الزوجين عن حقّ صاحبه]

قد يقال: إنّ مقتضى القاعدة و إن كان جواز امتناع كلّ من الزوجين عن حقّ صاحبه إلى أن يقبض حقّه من صاحبه، فيجوز للمرء أيضا حبس المهر إلى أن يتسلّم البضع كالعكس خلافا لما يحكى عن صاحب الحدائق قدّس سرّه من تشديد الإنكار على ذلك و أنّه لا وجه لمقايسة باب النكاح بباب المعاوضات لعدم المعاوضة هنا، و ذلك لأنّه و إن لم تكن معاوضة هنا، لكنّه ليسا بعقدين مستقلّين غير مرتبطين، و بالجملة ملاك باب المعاوضة جار هنا كما تقدّم تقريبه.

إلّا أنّ هنا أخبارا تدلّ على أنّ حقّ المرأة أسبق من حقّ المرء، فلها الامتناع حتّى يقبض منه المهر و لا عكس، فلا يجوز مطالبة الدخول من الزوجة قبل تسليم المهر إليها، هذا ما يقال.

و قد جزم شيخنا الأستاذ دام ظلّه تبعا لما يحكى عن صاحب الحدائق بعدم ارتباط الأخبار المزبور بالمهمّ المزبور و إنّما هي وردت في مقام بيان حكم آخر و هو كراهة الدخول على الزوجة خلو اليد، بل يحمل «معه شيئا و لو كان سويقا أو زبيبا أو هدية» نعم لو كان بعضا من مهرها أو تمام مهرها كفى في حصول هذا المندوب، و هذا كما ترى لا ربط له بخصوص المهر و لا لامتناع الزوجة، و التعبير و إن وقع في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 545

بعضها بلا يحلّ، و لكن لا بدّ من حمله على الكراهة جمعا بينه و بين ما هو نصّ في الجواز بدون تقديم

شي ء.

و الأولى ذكر بعض من تلك الأخبار حتّى يتّضح صدق المدّعى المزبور.

فنقول: منها: خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا تزوّج الرجل المرأة فلا يحلّ له فرجها حتّى يسوق إليها شيئا، درهما فما فوقه أو هديّة من سويق أو غيره «1».

و منها: خبر سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، أ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال عليه السّلام: نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه «2».

و منها: خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في النصراني يتزوّج النصرانيّة على خمر و خنزير ثمّ أسلما؟ قال عليه السّلام: ينظر قيمة الخنازير و الخمر و يرسل به إليها ثمّ يدخل عليها «3».

و منها: خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر، فقال عليه السّلام: إنّما كان هذا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أمّا لغيره فلا يصلح هذا حتّى يعوّضها شيئا يقدّم إليها قبل أن يدخل بها قلّ أو كثر و لو من ثوب أو درهم، و قال عليه السّلام: يجزي الدرهم «4».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 7 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب المتعة، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

(4) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب أولياء العقد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 546

و المراد بقوله عليه السّلام في الأخير: حتّى يعوّضها: حتّى يعطيها شيئا لا أن ينشأ لها شيئا بعنوان المهر في عقد النكاح، كما أنّ المراد بقول السائل: ينكحها بغير

مهر يطأها: بغير مهر، فإنّ الذي من خواصّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما هو هذا، و أمّا النكاح بمعنى العقد مع إخلائه عن المهر فليس من مختصّاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فالمراد من الجواب- و اللّه العالم- أنّ هبة النفس مخصوصة به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّا غيره صلّى اللّه عليه و آله فلا يصلح له و لا يحلّ بضع امرأة بلا عوض و على وجه المجّان، بل لا بدّ من إعطاء عوض قبل الدخول و لو كان درهما، و هذا كما ترى أيضا أعمّ من المهر و من امتناعها عن بذلك نفسها، بل المفروض أنّها باذلة.

فالإنصاف أنّ هذه الأخبار و ما سيق مساقها أجنبيّة عن المرام المزبور فالحكم فيه على طبق القاعدة باق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 547

مسألة [في جواز إخلاء العقد عن المهر]

لا إشكال في أنّ إخلاء العقد عن المهر جائز، بل التصريح بعدمه في الحال مع السكوت عن الاستقبال أيضا جائز، نعم التصريح بعدمه حتّى بالنسبة إلى ما عبد الدخول خلاف الكتاب و السنّة، و يسمّى صورة الإخلاء و التصريح بالعدم الحالي بتفويض البضع، كما يسمّى صورة العقد على حكم أحد الزوجين بأن يسمّى المهر بما يشاءه بعد العقد بتفويض المهر.

و على كلّ حال لا إشكال في جواز الإخلاء المذكور، و لا في أنّه لو طلّقها أو مات عنها قبل الدخول فلا مهر لها، و قد دلّت على عدم المهر في صورة الطلاق الآية الشريفة لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1».

كما أنّه لا إشكال في ثبوت المهر لها بالدخول، و لكن هل الثابت لها ما ذا؟

المشهور على أنّ الثابت لها

مهر أمثالها من النساء ممّن تكون مماثلة لها في الجمال و الشرف و السنّ و البكارة و الثيبوبة و تدبير المنزل و الثروة و سائر ما له دخل في ترقّي المهر و تنزّله، فإن زاد مهر مثلها عن مهر السنّة و هو الخمسمائة درهم ردّ إليها

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 236.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 548

و لا يتجاوز عنها.

في بيان حكم مهر المثل

و استدلّ لهم لإثبات مهر المثل بأخبار:

منها: خبر الحلبي قال: سألته عن الرجل تزوّج امرأة فدخل بها و لم يفرض لها مهرا ثمّ طلّقها؟ فقال عليه السّلام: لها مهر مثل مهور نسائها و يمتّعها» «1».

و منها: خبر منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يتزوّج امرأة و لم يفرض لها صداقا «قال عليه السّلام: لا شي ء لها من الصداق، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها» «2».

و منها: خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و لم يفرض لها صداقها ثمّ دخل بها؟ «قال عليه السّلام: لها صداق نسائها» «3».

و استدلّ لعدم الزيادة على مهر السنّة بخبر أبي بصير قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي لها صداقا حتّى دخل بها؟ «قال عليه السّلام: السنّة، و السنّة خمسمائة درهم» «4».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 12 من أبواب المهور، الحديث 3.

(4) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 13 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 549

و قد استشكل على الاستدلال في كلا المقامين شيخنا الأستاذ العلّامة أدام اللّه أيّامه

أمّا في المقام الأوّل فللفرق بين عنوان ما قاله المشهور من اعتبار مهر المثل و بين ما اشتمله الأخبار المزبور من عنوان مهر نسائها؛ فإنّ المراد به مهر أقاربها، و ربما لا يكون أقاربها مما ثلاث لها في الجمال و الثروة و التدبير و سائر الجهات المرغّبة المؤثّرة في علوّ المهر.

و أمّا في الثاني فلوجهين:

الأوّل: قول السائل: فوهم أن يسمّي لها صداقا حتّى دخل بها. لا يبعد دعوى ظهوره بملاحظة كلمة «حتّى» في أنّه كان للتسمية إلى ما قبل الدخول محلّ، و هو لا يكون إلّا في مفوّضة المهر، فيكون المقصود أنّه تزوّج المرأة على حكم نفسه ثمّ نسي أن يسمّيه و يعيّنه قبل الدخول حتّى وقع الدخول، و على هذا فليس مربوطا بالمقام من مفوّضة البضع.

الثاني: أنّ مقتضى هذا الخبر هو تعيّن الخمسمائة درهم و هو شامل لصورة كون مهر الأمثال أو مهر النساء أدون من هذا المقدار.

و بالجملة، سلّمنا أنّ قول السائل: «فوهم» معناه أنّه نسي ذلك في العقد فأوقع العقد خاليا عن ذكر المهر حتّى يكون من أفراد المقام، لكن قول الإمام عليه السّلام بتعيين خمسمائة درهم كيف التوفيق بينه و بين ما ذكر في الأخبار المتقدّمة من قوله عليه السّلام: لها مهر نسائها.

فإنّ مقتضى الأوّل ثبوت الخمسمائة سواء زاد عن مهر المثل أم نقص، و مقتضى الثانية ثبوت مهر النساء سواء زاد عن الخمسمائة أم نقص، و أيضا قد تقدّم في بعض أخبار تحديد المهر بأنّه ما تراضيا عليه قليلا كان أو كثيرا عطف قوله: أو خمسمائة درهم على قوله: ما تراضيا عليه، و قد قلنا: إنّه محمول على صورة الإخلاء

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 550

عن المهر، فهي أيضا مطابقة

في المضمون مع هذا الخبر، و مقتضاهما معا ثبوت مهر السنّة، فتعارض تلك الأخبار المقتضية لثبوت مهر النساء.

اللهمّ إلّا أن يدفع التعارض بما رواه في الوسائل عن العيّاشي في تفسيره عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عمّن تزوّج على أكثر من مهر السنّة أ يجوز ذلك؟ «قال عليه السّلام: إذا جاز مهر السنّة فليس هذا مهرا، إنّما هو نحل؛ لأنّ اللّه تعالى يقول وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً «1» إنّما عنى النحل و لم يعني المهر، ألا ترى أنّها إذا أمهرها مهرا ثمّ اختلعت كان له أن يأخذ المهر كاملا، فما زاد على مهر السنّة فإنّما هو نحل كما أخبرتك، فمن ثمّ وجب لها مهر نسائها لعلّة من العلل، قلت: كيف يعطي و كم مهر نسائها؟ قال عليه السّلام: إنّ مهر المؤمنات خمسمائة و هو مهر السنّة، و قد يكون أقلّ من خمسمائة و لا يكون أكثر من ذلك، و من كان مهرها و مهر نسائها أقلّ من خمسمائة اعطي ذلك الشي ء، و من فخر و بذخ بالمهر فازداد على خمسمائة ثمّ وجب لها مهر نسائها في علّة من العلل لم يزد على مهر السنّة خمسمائة درهم» «2». حيث إنّه عليه السّلام قد شرح المراد بمهر نسائها بأنّه مهر المؤمنات الذي سنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأمّته.

ثمّ قال: و قد يكون أقلّ من خمسمائة و لا يكون أكثر من ذلك و أنّ من كان مهرها و مهر نسائها أقلّ من خمسمائة أعطي الأقلّ، لكن لا يعلم وجه عدم تمسّك الأصحاب بهذا الخبر في كتبهم، و إنّما ذكروا ما قبله ممّا عرفت حاله، و

اللّه العالم.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 20.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المهور، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 551

مسألة [في المتعة للمطلقة المفوضة البضع]
اشارة

قد أفتى الأصحاب رضوان اللّه عليهم على ما يستفاد من الجواهر بأنّ المطلّقة المفوّضة البضع إذا كانت غير مدخولة يجب لها المتعة، و إذا كانت مدخولة استحبّت لها المتعة مع ما مرّ من مهر المثل، و لكن لم يعلم مدرك ما ذهبوا إليه من هذا التفصيل؛ فإنّ بعض الأخبار في هذا المجال مطلقة في إثبات المتعة في المطلّقة من غير ذكر الاسم الدخول و عدمه، كما في رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل يطلّق امرأته؟ «قال عليه السّلام: يمتّعها قبل أن يطلّق، قال اللّه تعالى وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» «1».

و في رواية ابن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ متعة المطلّقة فريضة «2»، و من هذا القسم قوله تعالى وَ لِلْمُطَلَّقٰاتِ مَتٰاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ».

و قد وقع التصريح بهذا الإطلاق في بعض الأخبار مع ذكر لفظ الوجوب،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 48 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 552

و هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام «قال عليه السّلام: متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل بها و يمتّع قبل أن يطلّق» «1».

كما أنّه قد وقع التصريح بثبوتها في ما بعد الدخول في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى وَ لِلْمُطَلَّقٰاتِ مَتٰاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ قال:

«متاعها بعد ما تنقضي عدّتها عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ

عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ و كيف يمنعها في عدّتها و هي ترجوه و يرجوها و يحدث اللّه عزّ و جلّ بينهما ما يشاء» «2» الحديث.

و في صحيح الحلبي المتقدّم في مسألة إثبات مهر المثل للمفوّضة البضع لو طلّقت بعد الدخول، و فيه بعد الحكم بأنّ لها مهر مثل مهور نسائها عطف قوله عليه السّلام:

و يمتّعها.

و ليس بإزاء تمام هذه الأخبار و الآية إلّا توهّم دلالة آية وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ «3» على حصر مورد المتعة في ما قبل الدخول و الطلاق قبل فرض المهر.

و ليس كما توهّم؛ فإنّ الشرطيّة أعني قوله تعالى لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «4» إنّما هي متعلّقة بعدم الجناح و المهر، يعني أنّ عدم المهر إنّما هو مشروط بعدم الأمرين معا أعني: المسّ و الفرض، و أمّا أنّ ثبوت المتعة أيضا مشروط بانتفائهما فلا يستفاد من الآية، بل غاية ما يستفاد الحكم

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 50 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 50 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3) سورة البقرة: الآية 236.

(4) سورة البقرة: الآية 236.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 553

في موضوع «لا جناح» بثبوت المتعة، و أخذ المفهوم من هذا شبيه بأخذه من اللقب.

و الحاصل: أنّ ما تقدّم ذكره ظهورات محكّمة في الوجوب بالنسبة إلى ما قبل الدخول و ما بعده، و لا يمكن رفع اليد عنه بمثل هذا.

و لا يستفاد أيضا أنّ علّة ثبوت المتعة كونها بلا مهر حتّى يحكم بانتفائها مع عدم العلّة، كما لا يستفاد الحصر المذكور من تعليل بعض الأخبار المتعة، بأنّهن يرجعن بكآبة و حياء و همّ عظيم

و شماتة من أعدائهنّ، بضميمة أنّ المرأة التي عقدت بلا مهر ثمّ طلّقت قبل الدخول لو لم تعط شيئا كان لها خفّة و حقارة عظيمة، و أمّا إذا دخل بها فقد استحقّت مهر المثل و كفى به جابرا لهمّها، فإنّ الكآبة و الهمّ حاصل بنفس الطلاق مع كونها معقودة بلا مهر.

كما أنّ جعل قوله تعالى حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ و قوله تعالى حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ أمارة على الندب غير جائز بعد سبق ذكر اللام في قوله:

وَ لِلْمُطَلَّقٰاتِ و بعد ذكر لفظ الوجوب في الصحيح المتقدّم، و هو و إن أمكن حمله على الثبوت و اللام على الأعمّ من الاستحقاق و مطلق النفع، و لكنّه محتاج إلى قيام دليل قويّ يقاوم هذه الظهورات، بل يترجّح عليها حتّى يوجب صرفها، مع أنّه بناء عليه يلزم القول بالاستحباب مطلقا، فلا يبقى مجال للقول بالتفصيل بالوجوب في ما قبل الدخول و الاستحباب في ما بعده.

كما أنّ الحمل على التقيّة مع عدم داع إليه بمجرّد موافقة الخبر لمذهب بعض من العامّة ما لم يكن في البين تعارض لا وجه له.

اللهمّ إلّا أن يعارض جميع ما تقدّم بما رواه في الوسائل عن الشيخ رحمهما اللّه بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن أحمد بن أشيم قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن المطلّقة التي يجب على زوجها المتعة أيّهنّ هي؟ فإنّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 554

بعض مواليك يزعم أنّها يجب المتعة للمطلّقة التي قد بانت و ليس لزوجها عليها رجعة، فأمّا التي عليها رجعة فلا متعة، فكتب عليه السّلام: «البائنة» «1».

[تتميم]

ثمّ إنّ تنقيح الكلام في هذه المسألة يتمّ ببيان أمور: الأوّل: هل المتعة مختصّة بالمفوّضة المطلّقة،

أو جارية في مطلق المفوّضة و لو بغير الطلاق مثل الارتداد و الفسخ بالعيوب و الرضاع؟

لا وجه للقول بالتعميم بعد اختصاص الدليل بالطلاق من الآية و الروايات، و ليس في البين مناط منقّح، و ما ذكر في بعض الأخبار من كونها جبرا لهوانها، جار مجرى الحكمة، و لا يعلم كونه علّة حقيقيّة.

الثاني: مقتضى ظاهر قوله تعالى إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ الآية و قوله تعالى:

وَ لِلْمُطَلَّقٰاتِ و كذا ظاهر كثير من الأخبار المعلّقة للمتعة على عنوان الطلاق كون استحقاقها متأخّرا عن وقوع الطلاق، فلا استحقاق قبله، بل في بعض الأخبار التصريح بتأخير الدفع عن انقضاء العدّة، و لكن في بعض آخر التصريح بجواز الدفع قبل وقوع الطلاق أيضا بعنوان التمتيع، و يمكن الجمع بأحد نحوين:

الأوّل: أن يقال بأنّ الاستحقاق إنّما هو متأخّر عن الطلاق، و لكن لو أدّى قبله كان مجزيا و مسقطا، فهو نفل يسقط به الفرض.

الثاني: أن نتصرّف في ظاهر ما دلّ على كون الاستحقاق متفرّعا على وقوع الطلاق بحمله على نحو مجاز المشارفة على إرادة الطلاق، فيكون الدفع على هذا بعنوان الوجوب.

و على كلا التقديرين لو أعطاها بتخيّل الطلاق ثمّ ندم و لم يطلّق فهل يرجع

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 555

إلى المرأة بعين ما أعطاها إن كانت و ببدلها إن تلفت؟ أو لا يرجع إليها مطلقا؟ أو يرجع بالعين من دون البدل؟

رجّح شيخنا الأستاذ دام ظلّه في مجلس البحث الأخير، أمّا الرجوع مع وجود العين فلأنّ الطلاق من قبيل الشرط المتأخّر في الاستحقاق، فمع العدم ينكشف عدم الاستحقاق، و أمّا عدمه مع التلف فلأنّه لا وجه للضمان بعد فرض كون المالك هو الذي

سلّطه على إتلافه مجّانا، و مجرّد كونه إنّما أعطاه إيّها بتخيّل إيقاع الطلاق في ما بعد فتبيّن عدمه ليس إلّا من قبيل تخلّف الداعي، و لا يضرّ في تسليطه المجّاني الإنشائي.

الثالث: هل الثابت في المتعة مجرّد التكليف من دون حصول عهدة أو دين على الزوج و لا حقّ، أو ملك للزوجة، أو أنّ المستفاد من هذا الأمر هو العهدة للزوج و الحقّ للزوجة، أو أنّ المستفاد الدين الثابت في الذمّة بالنسبة إلى الزوج و المالكيّة لهذا بالنسبة إلى الزوجة؟

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 556

في بيان المستفاد من التكاليف المتعلّقة بالأموال أو بالعمل

قال شيخنا الأستاذ دام ظلّه: التكاليف المتعلّقة بالأموال أو بالعمل المتعلّق بالأموال كالتمليك أو بالعمل الذي هو مال يكون بحسب التصوّر على نحوين، بعد أنّه لا يستفاد منها مجرّد التكليف و لا كون المال أو العمل دينا ثابتا في الذمّة، بل المستفاد هو العهدة و الحقّ.

الأوّل: أن يكون بلحاظ تعهّد المخاطب للّه سبحانه بالمال أو العمل حتّى يكون المطالب هو اللّه، غاية الأمر أنّ المورد و المصرف هو الشخص المأمور بالدفع إليه.

و الثاني: أن يكون بلحاظ تعهّده لهذا الشخص بحيث كان هو المطالب.

و الحاصل: كما أنّه قد يكون التكليف بالإعطاء و البذل في الواجبات الكفائيّة الماليّة بعنوان حفظ ماليّة المال و العمل للعبد، فلا ينافي جواز أخذ الأجرة عليه مع وجوبه، كما في التكسبات الواجبة الكفائيّة، فإنّه بنظر أنّ المال ماله يأمره المولى بالدفع و البذل، و قد يكون بنظر أنّه مال نفس المولى و بعنوان فكّه عن العبد، حيث إنّ العبد و ما في يده كان لمولاه، و حينئذ يجب عليه البذل و لا يجوز أخذ الأجرة.

ألا ترى أنّ المولى الظاهري قد يرسل خادمه لكنس باب دار زيد بعنوان أنّ

هذا العمل مال نفس المولى يبذله لزيد، فلا يستحقّ الخادم حينئذ الأجرة على زيد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 557

و قد يأمره بأن يؤجر نفسه لزيد لكنس باب داره، و يظهر ثمرة هذين الوجهين في الواجبات الكفائيّة الماليّة نحو الأمور الراجعة إلى تجهيز الموتى بعد الاستظهار من دليلها، فإن استظهر الوجه الأوّل جاز أخذ الأجرة، و إن استظهر الثاني لم يجز، و إن شكّ فعلى كلام في محلّه.

كذلك في الإعطاء و البذل المأمور بهما للمكلّف الخاصّ لرعاية شخص آخر حيث قلنا: يستفاد منه العهدة لا الدين و لا التكليف المحض قد يكون المشروط له و المتعهّد له هو اللّه و الشخص الآخر مورد، فيكون من جملة حقّ اللّه سبحانه، و قد يكون بنظر أنّ المتعهّد له ذلك الشخص المرعيّ حاله، فيكون من جملة حقوق الآدميين، فيدخل ذلك الشخص في الضرب مع الغرماء.

و أمّا على الأوّل فيكون أيضا في حكم الديون بواسطة قضيّة الخثعميّة حيث حكم فيها بكون الحجّ دين اللّه، و هذا لا إشكال فيه ظاهرا، و باب النذر يكون من جملة حقّ اللّه؛ لأنّ مدخول اللام هو اللّه سبحانه و المنذور له مورد، كما أنّ نفقة الزوجة و تمتّعها من قبيل حقوق الناس.

إنّما الإشكال في جهة أخرى و هو أنّ ذلك المال و العمل الواقعين تحت العهدة إن كان محدودا و مضبوطا كعشرة دراهم مثلا فلا إشكال في حكمه من حيث تقدّمه على سهام الورثة و جريان الضرب مع الغرماء على هذا المقدار المحدود.

و أمّا إذا لم يكن له حدّ محدود واقعا كما في النفقة و المتعة فإنّ لهما في جانب الأقلّ أعني: أقلّ ما يكون به إقامة الصلب و ستر العورة في النفقة

و أقلّ ما يسمّى باسم المتعة حدّا محدودا مضبوطا، و أمّا في جانب الكثرة فليس له حدّ، فلا إشكال في أنّه في أوّل الوهلة مخيّر بين اختيار أيّة مرتبة شاء في مقام الامتثال، و أيّتها فعل كان مصداقا للامتثال، لا امتثالا و شيئا زائدا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 558

و أمّا لو عصى و لم يفعل فعند الضرب مع الغرماء أو اعتباره مع سائر الديون في تركة الميّت هل التخيير المزبور هنا أيضا ثابت للورثة، فلهم أن يعيّنوه في أيّة مرتبة شاءوا ثمّ يعتبر الضرب مع الغرماء بالنسبة إلى ما عيّنوه، أو أنّه يعيّنوه في أيّة مرتبة شاءوا ثمّ يعتبر الضرب مع الغرماء بالنسبة إلى ما عيّنوه، أو أنّه يتعيّن في المرتبة الأقلّ، أو يتعيّن في المتعارف، مع أنّ مفهوم المتعارف أيضا ليس له حدّ واقعا معيّن عند اللّه، و ليس كالقيمة السوقيّة؛ فإنّ لها واقعا معيّنا، و لهذا قد يدركونه و يصلون إليه.

و الحاصل: لا يحضرنا في هذه الجهة من كلمات القوم تعيين شي ء من هذه الوجوه.

لا يقال: لا يعقل التردّد في الدين بين الأقلّ و الأكثر، بل لا محالة يتعيّن في الأقلّ.

لأنّا نقول: نعم في الدين الأمر كما ذكرت، و لكن قلنا: إنّ المقام ليس من قبيل الدين المحض، و لا التكليف المحض، بل برزخ بينهما يعبّر عنه بالعهدة و ثبوت الحقّ للطرف المقابل، و هذا المعنى يتصوّر تعلّقه بالمردّد بين الأقلّ و الأكثر كالتكليف المتعلّق بالطبيعة المشكّكة.

و بالجملة، تحقيق حال هذه الجهة يحتاج إلى مزيد تتبّع في كلمات الأصحاب و ما ذكروه في باب نفقة الزوجة التي قالوا بصيرورتها دينا مع عدم الأداء.

الرابع: الظاهر أنّ المرجع في تعيين المتعة موكول إلى حال أشخاص

الأزواج، و هو مختلف حسب اختلافهم في اليسار و الإعسار، و المرجع فيه العرف، فربّ شخص يكون إعطاء الدرهم منه في مقام الإحسان إلى فقير مثلا نقصانا عن قدره، و ربّ شخص يكون زيادة على قدره، و ربّ شخص يكون مساويا لقدره، بل يمكن أن يقال: إنّ حال المعطى له أيضا دخيل في هذا المعنى، فربّ شخص يكون إعطاء

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 559

الدرهم إيّاه من هذا المعطي- بالكسر- نقصانا عن قدر المعطي- بالكسر-؛ لأنّ مثله لا يليق أن يعطي مثل هذا المقدار، و ربما يكون زائدا على قدره، و ربّما يكون مساويا، فالمعتبر إذن حال كلا الزوجين بحسب الشرافة و الضعة و اليسار و الإعسار، و اللّه العالم بحقائق الأحكام.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 560

مسألة [في امتناع المفوضة لها من دخول الزوج بها قبل فرض المهر]

من جملة ما حكموا في هذا المقام و لم يعلم وجهه أنّهم ذكروا أنّ المفوّضة لها أن تمتنع من دخول الزوج بها و تطالبه فرض المهر لها قبله.

أمّا أصل جواز فرض المهر بعد إخلاء العقد عنه فيمكن إثباته بمطلقات فرض الفريضة و أنّ المهر ما تراضيا عليه؛ فإنّها شاملة للفرض بعد العقد كالفرض فيه، و كذلك جواز امتناع الزوجة من الدخول بها حتّى يتسلّم المهر بعد فرضه أيضا يمكن بناؤه على ما تقدّم بيانه في الفرض في ضمن العقد، فإنّ الفرض المتأخّر أيضا يلاحظ فيه عنوان العوضيّة و المقابلة للبضع الذي ملكه الزوج بالعقد، فيجي ء الكلام المتقدّم.

و أمّا أنّ للزوجة الامتناع حتّى يفرض الزوج مهرها قبل الدخول فلا نجد له دليلا و مأخوذا بعد فرض عدم اقتضاء العقد شيئا للمرأة و إنّما ملك الزوج البضع منها، و قد حكم الشرع أيضا باستحقاقها لمهر المثل بعد الدخول، فلا حقّ

لها تطالب به قبله.

و الرواية الدالّة على أنّ الزوج لا بدّ أن يعوّض الزوجة شيئا يقدّمها إليه قبل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 561

الدخول «1» قد عرفت عدم مساسها بباب المهر و أنّه متعرّض للتعويض الخارجي دون الإنشاء و الجعل المهري، و يكون متّحد السياق مع الأخبار الكثيرة الواردة في استحباب إعطاء شي ء قبل الدخول و لو كان سويقا أو زبيبا، و قد تقدّم الإشارة إليه.

و العجب من صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذا المقام حيث يظهر من عبارته أنّه في مقام تطبيق هذا الحكم على القواعد قائلا أنّها بالعقد ملكت: أن تملك المهر من زوجها، و أنت خبير بأنّه مصادرة واضحة.

ثمّ على فرض القول بأنّ لها حقّ التمليك، فليس المملّك- بالفتح- هو المهملة التي لا يكون اختيار تعيينها بيد واحد من الزوج و الزوجة، بل لا بدّ إمّا أن يكون ذا تعيّن واقعي كمهر المثل و مهر السنّة، و إمّا مفوّضا في تعيينه إلى واحد منهما أو إليهما معا، و لا يجوز أيضا أن يكون أمر اختياره مفوّضا إلى أحدهما أو إليهما؛ إذ للزوج حينئذ أن لا يتجاوز عن الفلس، و للزوجة أن لا تتنزّل عن الكرور، و ليس للحاكم إجبارهما؛ لأنّ الحقّ يكون بهذا النحو، فلا بدّ أن يكون ذا تعيّن واقعي حتّى يقبل إجبار الحاكم على فرضه و تمليكه، فيقال: إنّ الزوجة يصير بالمطالبة مالكة لأن يملك هذا المقدار المعيّن الواقعي الذي هو إمّا مهر السنّة و إمّا مهر المثل.

و حينئذ فلا يبقى وجه للقول بعدم استحقاقها شيئا لو مات الزوج بعد المطالبة و قبل الفرض و قبل الدخول، بل اللازم القول بأداء الورثة هذا الحقّ في جملة ديون الميّت؛ لأنّه حقّ

ماليّ يحسب دينا، بل و كذا لو طلّقها بعد المطالبة و قبل الفرض و قبل الدخول؛ لأنّ المتيقّن من عدم المهر و ثبوت المتعة إنّما هو قبل المطالبة، و أمّا بعدها

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 7 من أبواب المهور، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 562

و حدوث الحقّ المذكور بسببها فمشكوك الدخول تحت الآية، فيكون داخلا تحت القاعدة.

ثمّ بعد ما عرفت من صحّة فرض الزوجين للمهر قبل الدخول فهل لفرض الأجنبيّ أيضا تأثير أو لا؟

فاعلم أنّه تارة يفرض المهر على ذمّة الزوج أو من أعيان أمواله، و اخرى في ذمّة نفسه أو من أعيان أمواله، ففي القسم الأوّل إن تراضي الزوجان بما فرضه، فلا إشكال في صحّته و جريان حكم المهر عليه.

و أمّا القسم الثاني فإن قلنا باعتبار خروج المهر الذي هو العوض عن ملك من دخل في ملكه المعوّض فلا بدّ من بطلانه، و ما ورد في خصوص جعل أب الصغير مهر الصغير من ماله تعبّد مخصوص بمورده و إن قلنا بعدم بطلانه، فالظاهر أنّه بحكم المهر في ملكيّة الزوجيّة، و أمّا في التنصيف بالطلاق قبل الدخول فكونه كالمهر محلّ الكلام، حيث إنّه يحتمل كونه خاصّا بما يكون مفروضا للزوج و من ماله.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 563

مسألة [في حكم مهر الأمة التي اشتراها زوجها من سيدها]

لو اشترى الزوج زوجته الأمة من سيّدها فتارة تكون مفوّضة البضع، و اخرى يكون لها مهر مسمّى، فالكلام بعد بطلان علاقة الزوجيّة و تبديل سبب حلّيّة الفرج من النكاح إلى ملك اليمين في حكم مهرها و أنّه يبقى على ذمّة الزوج أو في ماله أو لا؟

فنقول: أمّا المفوّضة التي وقع شراؤها قبل الدخول و قبل الفرض فلا إشكال في عدم استحقاقها شيئا على مولاها الثاني،

و أمّا هي بعد الدخول فحيث إنّ مهر المثل يثبت على الزوج للسيّد الأوّل فيكون باقيا كما كان.

و يبقى الكلام في صورة تأخّر الشراء عن التسمية و التعيين للمهر، و حينئذ إمّا أن يكون المهر على ذمّة الزوج، أو يكون عينا خارجيّا، و على كلّ حال إمّا نقول بملكيّة الرقّ، غاية الأمر يكون كنفسه تحت ولاية المولى، و إمّا نقول بأنّه مستقيما ملك مولاه.

ثمّ إمّا أن نقول: وقوع الشراء يوجب انفساخ النكاح، و إمّا أن نقول: إنّه كالرضاع يوجب البطلان.

فإن قلنا بالانفساخ فلا بدّ أن نقول في الجميع برجوع المهر إلى الزوج؛ لأنّه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 564

قضيّة الانفساخ.

و إن قلنا بالثاني فلا وجه لبطلان المهر، أمّا إن قلنا بأنّ الرقّ لا يملك، و إنّما يملكه السيّد مستقيما فواضح، و أمّا إن قلنا بتملّك نفس المملوك فلا كلام في العين الخارجي أيضا، و أمّا الثابت في الذمّة فلا بدّ من سقوطه؛ إذ لا يعقل ملك العبد على ما في ذمّة سيّدة؛ إذ لا يعقل ملكيّة ما في ذمّة يكون ولايته تحت يد صاحب الذمّة.

بقي الكلام في وجه بطلان الزوجيّة عند حدوث الرقّيّة للزوجة بالنسبة إلى زوجها.

و الذي يحكى عن صاحب المسالك قدّس سرّه تعليل ذلك بوجهين:

أحدهما: بقوله تعالى إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ* «1» فإنّ العطف بأو يقطع الاشتراك بين المتعاطفين.

الثاني: أنّه لو لم يبطل لزم اجتماع العلّتين المستقلّتين على المعلول الواحد الشخصي و هو محال، و كونهما لغوين مقطوع البطلان، فيلزم تأثير الثاني أعني الملكيّة و بطلان الزوجيّة، و شي ء من الوجهين لم نفهمهما.

أمّا الأوّل، فبعد تسليم ظهور «أو» في هذه المقامات التي لبيان تعداد أسباب المسبّب الواحد، كما تقول: إن

كان كذا أو كذا كان كذا، بحيث يكون النظر ممحّضا في تعداد الأشياء المؤثّرة من دون نظر إلى عدم اجتماعهما في التأثير في منع الجمع، فغاية الأمر ظهور الكلام في امتناع جمع الشيئين في التأثير، و هو غير امتناع جمعهما في الوجود الذي هو المقصود بالإثبات في المقام.

فمن الممكن تحقّق كلا الأمرين في مقامنا أعني: الزوجيّة و الملكيّة، و لكن كان

______________________________

(1) سورة المؤمنون: الآية 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 565

المؤثّر في حلّيّة الوطي واحدا منهما دون جمعهما؛ إذ فرق بين قولنا: المرأة إمّا زوجة و إمّا ملك يمين، فهذا ظاهر في منع جمع العنوانين في الوجود، و بين قولنا: لا يجوز وطي امرأة إلّا الزوجة أو ملك اليمين.

فهذا معناه أنّ المحلّل للوطي أمّا هذا العنوان أو ذاك، فيستحيل اجتماعهما في المحلّيّة دون الوجود، و مفاد الآية الشريفة هو الثاني دون الأوّل، كيف و إلّا يلزم كون التقسيم غير حاصر، لعدم انحصار المرأة الموجودة في العالم في هذين العنوانين، بالجملة لم نفهم كيف استفادة بطلان الزوجيّة عند طروّ الملكيّة من الآية الشريفة.

و أمّا الوجه الثاني: فظاهر الشهيد قدّس سرّه تسليم تماميّته على تقدير تسليم كون المقام من باب العلل الحقيقيّة، و إنّما إشكاله في كونه من هذا الباب، بل هو من باب المعرّف، و لا محذور في تعدّده على المعرّف الواحد الشخصي و لكن لم نفهم تماميّته على التقدير الأوّل أيضا؛ فإنّ غاية الأمر من كونهما علّتين مستقلّتين أن يجتمعا في التأثير عند طروّ أحدهما بعد الآخر، و ليس هنا مقام ترجيح أسبق العلّتين؛ لأنّه في ما إذا كان حدوث المعلول فقط محتاجا إلى العلّة دون بقائه، كما في باب الحدث و الخبث مع عدم

قبوله الشدّة و الضعف، و أمّا إذا كان في البقاء أيضا محتاجا إلى المؤثّر فاللازم اشتراك كلتا العلّتين.

لا يقال: هذا خلف في مفاد الدليل الدالّ على العلّيّة الاستقلاليّة لكلّ من العنوانين، و إن كان الملحوظ هو الاستقلال في حال الانفراد و الاشتراك في حال الانضمام لزم اجتماع اللحاظين.

لأنّا نقول: مفاد الدليل إنّما هو الاستقلالية في التأثير، و كونهما جزئين إنّما هو بحكم العقل الحاكم في كلّ علّتين مستقلّتين إذا اجتمعا على معلول واحد، نظير هذا دليل الواجب التخييري، حيث إنّه مثبت للتخيير، و مع هذا إذا عجز المكلّف عن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 566

أحد الأطراف صار الآخر واجبا تعيينيّا و لا يلزم اجتماع اللحاظين؛ لأنّه بحكم العقل.

ثمّ لو فرض قيام الدليل على رفع هذا المعنى أعني الاشتراك و أنّهما دائما منفردان في مقام التأثير فأيّ معيّن لترجيح الثاني في مقام التأثير، بل هنا احتمالان آخران أحدهما لغويّة كليهما، و الثاني لغويّة الثاني و مؤثّريّة الأوّل، فأيّ مرجّح للأوّل أعني: لغويّة الأوّل و مؤثّريّة الثاني على هذين الأخيرين كما هو مفروض الاستدلال، فلا بدّ من إقامة إجماع على بطلان لغويّة كليهما، و إجماع آخر على بطلان لغويّة الثاني و تأثير الأوّل، و ليس هذا بأولى من دعوى الإجماع أوّلا على لغويّة الأوّل و تأثير الثاني، فلا حاجة إلى هذه الإطالة.

و بعد هذا كلّه لا يستفاد من هذه البيانات انقطاع علقة الزوجيّة عن البين، بل نهاية الأمر بطلان تأثيرها في حلّيّة الوطي، و أين هو عمّا نحن بصدده، فالمتعيّن هو التمسّك فيه بالإجماع.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 567

مسألة في شمول ولاية الأب و الجدّ لكيفيّة جعل المهر على أنحائه

لا إشكال في أنّ دليل ولاية الأب و الجدّ كما يشمل أصل نكاحهما للصغيرين، كذلك يشمل كيفيّته من

كونه على وجه تفويض البضع أو بدون مهر المثل، نعم لا بدّ من وجود المصلحة أو عدم المفسدة كما في كلّ أمر من أموره التي يتصدّاه الوليّ، و لا خصوصيّة لهذا المقام على سائر المقامات، حتّى أنّه لا يعلم وجه ذكر الفقهاء رضوان اللّه عليهم له بالخصوص في هذا المقام.

و لو فرض عدم المصلحة أو وجود المفسدة في النكاح بهذه الكيفيّة فهل يحكم بأحد الأمور الثلاثة من البطلان أو الفضوليّة أو الخياريّة إلى أن تدرك الصغيرة و تمضي أو تردّ بالنسبة إلى أصل العقد أو بالنسبة إلى خصوص الكيفيّة دون أصل النكاح؟ الظاهر الثاني، يعني بالنسبة إلى الخصوصيّة.

و على هذا فإذا زوّج الوليّ الصغيرة على أحد الوجهين مع كونه خلاف صلاحها فإن قيل بالبطلان بالنسبة إلى الكيفيّة أعني كونه على نحو التفويض أو بأقلّ من مهر المثل و طلّقها الزوج قبل الدخول و قبل تعيين المهر فلها المتعة، و إن طلّقها بعده فلها مهر المثل.

و إن قيل بالفضوليّة إلى إدراك الصغيرة فكذلك الحال في الطلاق قبل الدخول

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 568

و بعده بالنسبة إلى ما قبل الكمال، و ليس لها بعد الكمال إجازة المهر الذي هو دون مهر المثل؛ إذ لا محلّ للإجازة بعد الطلاق، و أمّا بعد الكمال فإن أجازت فعل الوليّ عومل معاملته، و إلّا فإن عيّنت شيئا كان هو المهر، و إلّا كان لها حكم المفوّضة.

و إن قيل بالخيار فإن طلّقها قبل الكمال و قبل الدخول فلها المتعة في الصورة الاولى أعني: التزويج بطريق التفويض، و في الثانية أعني: التزويج بدون مهر المثل كان لها نصف هذا الذي جعل لها مهرا، و لا محلّ للفسخ بعد الكمال، و إن تأخّر

الطلاق إلى ما بعد الكمال روعي رضاها و فسخها، فإن رضيت ثمّ طلّقت كان الحكم كما ذكر، و إلّا فإن عيّنت مهرا فهو، و إلّا كانت بحكم المفوّضة.

لكن في المسالك في هذه الصورة عند عدم رضاها و فسخها حكم بثبوت مهر المثل، بمعنى أنّه ينصّف قبل الدخول و يستحقّه تماما بعده، و لم يعلم له وجه و إن كان تفصيله بين ما قبل الكمال و ما بعده بثبوت ما عيّنه الوليّ في الأوّل كما ذكرنا حقّا بعد حمل كلامه على الخيار و إن استشكله في الجواهر، لكنّه غير وارد؛ لما عرفت من عدم المحلّ للإجازة و الفسخ بعد وقوع الطلاق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 569

«فصل»

[الطرف الثاني في التفويض]

[القسم الثاني] في تفويض المهر، و فيه مسائل:
مسألة لا إشكال في جواز تفويض أمر المهر و جعله إلى أحد من الزوجين
اشارة

بأن يفرضه في ما بعد حسب نظره، و له تصويران:

الأوّل: أن ينشأ العقد مشتملا على المهر الغير المعيّن، و يشترط فيه تعيينه في ما بعد بنظر أحدهما، و هذا داخل في المهر المجعول، و ليس من قبيل إخلاء العقد عن المهر حتّى يرجع إلى مفوّضة البضع.

و الثاني: أن يكون العقد خاليا عن جعل المهر، فلا يشتغل ذمّة الزوج بشي ء بعد العقد، بل يتشارطان أصل جعل المهر و قراره في ما بعد موكولا إلى نظر أحدهما، و هذا بعينه تفويض البعض، غير أنّه مشتمل على اشتراط فرض المهر بنظر أحدهما أو بنظر كليهما، و تفويض البضع خال عن هذا الشرط أيضا، و هذا ليس فيه مهر مجهول.

و القسم الأوّل حسب القواعد مع قطع النظر عن الدليل الخاصّ محكوم بالبطلان، بل قد يقال: و كذا الثاني، خلافا لشيخنا صاحب الجواهر أعلى اللّه مقامه حيث اختار إمكان تطبيقه على القواعد بملاحظة اندراجه تحت دليل مفوّضة البضع، غاية الأمر يتمسّك لصحّة شرطه بعموم: «المؤمنون

عند شروطهم» فإنّ فرض المهر

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 570

أمر جائز مشروع، فيجوز أن يشترطاه في العقد لأحدهما معيّنا، أو لأحدهما مخيّرا، أو لهما جميعا، بل و لأجنبيّ إن قلنا بصحّة فرض الأجنبيّ في معوّضة البضع.

و لا دليل على بطلان مثل هذا العقد و لو لم نقل بإطلاق أدلّة تشريع النكاح؛ إذ يكفي إطلاق ما دلّ على صحّة التزويج مع عدم فرض المهر بضميمة دليل المؤمنون، بعد فرض أنّ هذه الصورة أيضا داخل تحت عنوان عدم الفرض.

في الفرق بين النكاح و البيع في مبطليّة الغرر

نعم لو فرض ذلك في الثمن في البيع لم يكن فرق في البطلان لأجل الجهالة بين الصورتين، أعني صورة أن يبيع بثمن في ذمّته و يشترط تعيين مقداره في ما بعد بنظر أحدهما، أو بنظرهما، و صورة أن يبيع و يشترط تأخير تعيين الثمن في ما بعد؛ فإنّ كلا منهما بيع غرري، فيحكم ببطلانه.

اللهمّ إلّا أن يقال في المقام أيضا بأنّه و إن لم يدخل القسم الثاني في المهر الفاسد لأجل الجهل، و لكن ليس خاليا عن الجهل بالمرّة، فلا أقلّ من كونه من قبيل ما لو اشترط في ضمن عقد النكاح أمرا مجهولا كخياطة ثوب مجهول؛ فإنّ الحكم بصحّة مثل هذا الشرط مشكل، و يسري منه الإشكال إلى نفس العقد أيضا؛ لاحتمال كون الشرط الفاسد مفسدا.

و على كلّ حال لا نحتاج إلى تجشّم القاعدة بعد وجود النصّ الخاصّ في نفس المسألة، و ظاهره القسم الثاني، و لا بدّ أوّلا من التيمّن بذكره.

فنقول: روى في الوسائل عن الكليني أعلى اللّه مقامه، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن جميعا عن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 571

ابن

محبوب، عن هشام بن سالم، عن الحسن بن زرارة، عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر عليهما السّلام عن رجل تزوّج امرأة على حكمها؟ «قال عليه السّلام: لا يجاوز حكمها مهور آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله، اثنتي عشرة أوقية و نشا، و هو وزن خمسمائة درهم من الفضّة».

قلت: أ رأيت إن تزوّجها على حكمه و رضيت بذلك؟ قال: «فقال عليه السّلام:

ما حكم من شي ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا»، قال: فقلت له: فكيف لم تجز حكمها عليه و أجزت حكمه عليها؟ قال: «فقال عليه السّلام: لأنّه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تزوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السنّة و لأنّها هي حكمته و جعلت الأمر إليه في المهر، و رضيت بحكمه في ذلك، فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا» «1».

و بالإسناد عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهما السّلام في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السّلام: «لها المتعة و الميراث و لا مهر لها». قلت: فإن طلّقها و قد تزوّجها على حكمها؟ قال عليه السّلام: «لم يتجاوز بحكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضّة؛ مهور نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و الكلام تارة في سند الرواية الاولى، و اخرى في توجيه التعليل فيها، فإنّه شبه مصادرة، حيث يسأل الراوي عن وجه حكم الإمام بعدم نفوذ حكومة المرأة عند تحكيمها إلّا محدودة بمهر السنّة و نفوذ حكومة الرجل عند تحكيمه بغير حدّ، فأجاب بنفس هذا المعنى بدون

زيادة، و ثالثة في أنّ المستفاد منها أيّ من الوجهين؟

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 21 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 572

أمّا السند فالظاهر الاعتماد عليه؛ إذ ليس فيه إلّا الحسن أو الحسين ابنا زرارة و قد دعا لهما مولانا الصادق صلوات اللّه عليه في الرواية الصحيحة بقوله عليه السّلام:

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 572

رعاهما اللّه و كلأهما و حفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين، الظاهر بقرينة التشبيه بالغلامين في الدعاء لهما بأن يرثا الكنز الذي عند أبيهما من آل محمّد صلوات اللّه عليهما، و هذا يكشف عن ثبوت مقام لهما و شأن.

و أمّا توجيه التعليل، فالذي أفاده شيخنا دام ظلّه أنّ الكلام مبنيّ على كبرى مطويّة هي أنّ المرأة إذا صارت حاكمة فلا مروّة لها و تجحف في حكمها بإثبات المهر الثقيل على الزوج، فلا بدّ أن يثبت لها حدّ، و الشارع جعل هذا الحدّ مهر السنّة. و إمّا الزوج عند تحكيمه فهو لا يتعدّى في طرف الكثرة؛ لأنّه لا يجحف بنفسه، و أمّا في طرف القلّة فلا يتجاوز و لو غالبا عن مقدار مهر أمثال المرأة، و لا يجحف بحالها؛ لأنّه يريد أن يستأنس بها، فلا يفعل ما يوجب النفرة و الكدورة، فلهذا نفذ حكمه في القليل و الكثير، و ليس لها الاعتراض عليه بعد رضاها بحكميّته.

و أمّا وجه الاستفادة لشي ء من الوجهين فالظاهر من الرواية الأخيرة الحاكمة بعدم المهر عند موت الحاكم قبل الحكم و قبل الدخول هو الوجه الثاني.

ثمّ هل الحكم

يعمّ خصوص الزوجين، أو يشمل الأجنبيّ، و فيهما أيضا يعمّ أحدهما لا بعينه و هما معا، أو يختصّ بواحد منهما معيّن؟ قوّى شيخنا الأستاذ التخصيص في كلا المقامين، نظرا إلى أنّ أصل حكم فرض المهر بعد العقد بحيث يصير كالجزء من العقد حتّى يسري إليه الانفساخ بفسخ العقد خلاف القاعدة؛ لأنّه شي ء مستقلّ، و ربما يقع بعد أزمنة متمادية من زمان العقد، فلا بدّ من الاقتصار فيه على مورد النصّ و هو فرض أحد الزوجين معيّنا، و أمّا فرضهما معا فإن كان الشرط مجرّد ولايتهما فهو تحصيل الحاصل، و إن كان لزوم إقدامهما عليه كان فائدته العصيان بالتخلّف، فلا بأس به.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 573

المسألة الثانية [في الحكم في الطلاق بالمتعة و عدم المهر]
اشارة

هل الحكم في الطلاق قبل الحكم سواء دخل أم لا بحسب مقتضى القواعد هو المتعة و عدم المهر بحكم الآية الشريفة في الطلاق قبل الدخول؛ لأنّه طلاق قبل المسّ و قبل الفرض، و في الطلاق بعده هو مهر الأمثال بحكم الأخبار الحاكمة بذلك في مفوّضة البضع، حيث إنّها أيضا داخلة في موضوعها من عدم فرض المهر؟

الظاهر، بل المتعيّن ابتناء الحكم على الوجهين السابقين، فعلى الثاني منها لا محيص عن الرجوع إلى القواعد، و لا مجرى لاستصحاب الحكومة الثابتة قبل الطلاق؛ لأنّه محكوم الدليل، و لا لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «1» لأنّ شرط الحكومة حتّى بالنسبة إلى ما بعد الطلاق شرط مخالف للكتاب بالنسبة إلى الطلاق قبل الدخول، و للسنّة بالنسبة إلى الطلاق بعد الدخول.

و على الأوّل منهما فالمرأة مطلّقة بعد فرض المهر، فيكون لها نصف ما فرض لو طلّقت قبل الدخول و تمامه لو طلّقت بعده، و حيث يتوقّف ذلك على تعيين المقدار كان حكم الحاكم حينئذ معيّنا لمقداره،

و ليس فيه حينئذ مخالفة كتاب و سنّة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 574

و ممّا ذكرنا يعلم حال موت الحاكم منهما قبل الحكم، فإنّه على الوجه الثاني يتعيّن عدم المهر أو مهر الأمثال؛ لأنّه موت قبل الفرض.

و على الأوّل له حكم الموت بعد الفرض، فمن قال فيه بالتنصيف إن كان قبل الدخول يقول به هنا كذلك، و من قال بالتمام يقول به كذلك، غاية الأمر لا بدّ في تعيين مقداره إلى طريق، إمّا تعيين الحاكم أو الرجوع إلى مهر المثل أو مهر السنّة.

الإنصاف أنّ قوله تعالى لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1» شامل لكلّ من مفوّضة البضع و مفوّضة المهر التي هي موضوع الأخبار؛ فإنّ ظاهر قولنا: تزوّج رجل امرأة بحكمه أو بحكمها هو كون الحكومة في أصل جعل المهر لا في تعيينه بعد جعل أصله مبهما؛ فإنّهما و إن اشتركا في أنّه لم يحضر نفس الزوجة للمجّانية و البذل بلا مهر، و لكن يفترقان عرفا في أنّ العقد وقع خاليا عن المهر أو مشتملا عليه.

فالثاني هو العقد بمهر يعيّنه الفلان، و الأوّل هو العقد بلا جعل المهر و اشتراط أن يكون جعله لفلان، فالمهر لم يدخل تحت الجعل على الثاني.

و هذا هو الظاهر ممّا في الأخبار من عنوان التزويج بحكومة أحد الزوجين، فالمدّعى أنّ الآية حاكمة بإطلاقها في هذا القسم أيضا بعدم الجناح الذي هو المهر؛ إذ الفرض أنّها ممّا لم يفرض لها مهر، هذا في ما قبل المسّ.

و أمّا بعد المسّ فالإنصاف شمول الأخبار الواردة؛ فإنّ الدخول مع عدم فرض المهر يوجب مهر الأمثال، فمقتضى

إطلاق الآية و إطلاق تلك الأخبار هو

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 236.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 575

الحكم ببطلان الحكومة في المطلّقة المفوّضة المهر، سواء قبل المسّ أم بعده و ثبوت المتعة مع عدمه و ثبوت مهر الأمثال مع ثبوته. هذا مقتضى القاعدة.

و لكن عارضها ذيل رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام حيث إنّه بعد اشتمال الصدر على السؤال عن الموت قبل الحكم و قبل الدخول و الجواب بعدم المهر و ثبوت المتعة و الميراث سأل عن الطلاق قبل حكومة الزوجة الحاكمة، فأجاب ببقاء حكومتها و عدم مجاوزتها عن مهر السنّة «1»، فيعلم أنّه غير محكوم بما هو مقتضى القواعد من عدم المهر أو مهر المثل.

و لكنّ الكلام في تعميم الرواية بالنسبة إلى كلا حالي ما قبل المسّ و ما بعده أو اختصاصها بإحداهما أو إجمالها بالنسبة إليهما؟

قد يقال: إنّ النسبة بينها و بين كلّ من الآية و الأخبار المشار إليها عموم من وجه، فإنّ كلا من الآية و الأخبار شامل للمفوّضة المهر و المفوّضة البضع، و هذه مختصّة بالأوّل، و هذه شاملة لكلّ ممّا قبل المسّ و ما بعده، و كلّ من الآية و الأخبار مختصّ بواحد منهما، أمّا الآية فبما قبل المسّ، و أمّا الأخبار فبما بعده، فيتحقّق الإجمال للجميع، لعدم وجود الأظهر، فالمرجع هو القواعد و الأصول.

و لكنّ الحقّ خلاف ما يقال، بل الظاهر أنّ الرواية إمّا متعرّضة لخصوص ما قبل المسّ فلا تعرّض لها بالنسبة إلى ما بعده، و ذلك لظهور أنّ الموضوع المفروض في الفقرة السابقة من الرواية بتمام قيوده محفوظ في الفقرة الثانية.

فكما أنّ السؤال كان في موضوع مفوّضة المهر و الآن أيضا يكون الكلام فيه، فكذلك

في قيده، أعني: كونها غير مدخول بها، و لا أقلّ من الشكّ و تحقّق الإجمال،

______________________________

(1) تقدّمت آنفا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 576

و لا شكّ أنّ ما قبل الدخول حينئذ يكون قدرا متيقّنا بحسب مقام التخاطب، فلا يمكن إخراجه عن الكلام.

و على هذا فالرواية خاصّة بالنسبة إلى الآية مخصّصة لها، و لا تعرّض لها بالنسبة إلى الأخبار المتعرّضة لما بعد الدخول، فلا صارف لها عن إطلاقها و عمومها بالنسبة إلى المقام، فيكون المطلّقة المفوّضة المهر التي لم يدخل بها محكومة بثبوت نصف ما حكم به الحاكم، و التي دخل بها محكومة بمهر الأمثال، و لا مناط محقّق و لا عموم في اللفظ حتّى يتعدّى في القسم الثاني أيضا، فلا محيص عن العمل بعموم الأخبار، هذا بالنسبة إلى صورة كون الحاكم هو المرأة.

و أمّا في صورة كونه الرجل فإن ثبت عدم القول بالفصل كما ادّعاه الجواهر فهو، و إلّا فمقتضى الآية و الأخبار فيه بطلان الحكومة في كلتا صورتيه أعني ما قبل المسّ و ما بعده و الرجوع إلى مقتضى إطلاق الآية و الأخبار.

بقي الكلام في أنّه لو قلنا على خلاف التحقيق بأنّ الرواية ظاهرة في الإطلاق بالنسبة لما قبل المسّ و ما بعده و وقوع التعارض بينها و بين كلّ من الآية و الأخبار و فرض المساواة و الإجمال فهل المرجع ما ذا؟

و مجمل الكلام من هذا الحديث أنّا لو بنينا على إطلاق الرواية لما قبل المسّ و ما بعده فقد يرفع التعارض بينها و بين الآية و سائر الأخبار بحمل الآية و الأخبار على غير مفوّضة المهر و إدخالها في مفروضة المهر، فإنّه يرتفع التعارض حينئذ.

و يبعّد هذا الاحتمال في الآية قوله تعالى بعد تلك

الآية وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ «1» إذ على الاحتمال

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 237.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 577

المزبور لا بدّ من جعل مفوّضة المهر من قسم هذه الآية، و لا ينطبق عليه قوله:

فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ بل المناسب أن يقال: و إن كنتم تعيّنونه من بعد فنصف ما تعيّنونه، فحيث لم يقع هكذا علم أنّ مفوّضة المهر داخلة في غير المفروضة و محكومة بلا جناح.

و الحاصل: أنّ المراد بالفرض الواقع في الآية عدمه ليس الأعمّ من التعيين و من جعل الحاكم بدليل الآية الثانية، و أنّ الفرض شي ء يتصوّر معه النصف و الربع و نحو ذلك، و في جعل الحاكم لا يتصوّر ذلك، فهذا شاهد على عدم دخول جعل الحاكم في الفرض لا في الآية و لا في الخبر، و حينئذ يبقى التعارض بين الآية و سائر الأخبار و بين الرواية بحاله.

و يمكن أن يقال أمّا بالنسبة إلى الآية: إنّ النسبة و إن كان على هذا عموما من وجه إلّا أنّ لها حكم العموم و الخصوص المطلقين بملاحظة نصوصيّة الرواية بالنسبة إلى ما قبل الدخول، هذا حالها مع الآية.

و أمّا مع سائر الأخبار فالنسبة عموم من وجه، و تخصّص الأخبار بغير المفوّضة المهر بعيد كما مرّ في الآية.

و حينئذ فإن أمكن القول بأقوائيّة ظهور الرواية في العموم لما بعد المسّ بالنسبة إلى ظهور الأخبار في العموم لمفوّضة المهر أو بالعكس فهو، و إلّا فالمرجع حينئذ هو الأصول دون الترجيح السندي، على ما هو الحقّ من اختصاصه بالمتباينين على وجه الكلّيّة.

و الأصل الذي هو المرجع حينئذ أصالة بقاء الحكومة الثابتة قبل الطلاق.

و أمّا عموم: المؤمنون،

فالمفروض كونه مخصّصا بعدم المخالفة للسنّة، و هذا مشكوك الاندراج تحت هذا العنوان أو ضدّه، فيكون من الشبهة المصداقيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 578

و قد يتوهّم أنّه يمكن إحراز عدم المخالفة بالأصل، لمكان تحقّق العدم المزبور أزلا، فيستصحب.

و لكن فيه: أنّه مبنيّ على أخذ العنوان المانع أمرا وجوديّا على نحو مفاد كان التامّة، لا أن يكون عنوانا عرضيّا محمولا على موضوع مفروغ الوجود، فإنّه على الثاني ليس له حالة سابقة، و ما كان قبل وجود الموضوع سالبة منتفية الموضوع، و لا بدّ من النظر إلى الموضوع بالتجرّد عن الوجود كما في قولنا:

زيد موجود أو معدوم، فقولنا: زيد ليس بقائم، بهذا اللحاظ غير قولنا: زيد ليس بقائم على نحو الفراغ عن الوجود، فإنّ هذا يحتاج إلى وجود الموضوع بخلاف القسم الأوّل.

و ما قاله المنطقيّون من الفرق بين الموجبة و السالبة بأنّ الأولى مفتقرة إلى وجود الموضوع دون الثانية مقصودهم الافتقار في صدق القضيّة، فصدق الموجبة متوقّف على وجود الموضوع، و أمّا السالبة فلا يتوقّف صدقها على وجوده؛ لإمكان كونها سالبة منتفية الموضوع، لا أنّ كلّ قسم من السالبة كذلك.

فإنّ التي تكون مع عناية الوجود يكون في الصدق أيضا محتاجة إلى وجود الموضوع كالموجبة، فلو قال القائل: زيد ليس بقائم، بهذه العناية و لم يكن زيد موجودا فهو كما لو قال: زيد قائم و لم يكن الزيد موجودا في كونه كاذبا فيهما بلا فرق. هذا بحسب مقام الثبوت.

في إجراء استصحاب عدم المخالفة للكتاب و السنّة أزلا عند الشكّ

أمّا مقام الإثبات فالظاهر الفرق بين ما إذا أخذ في طرف العنوان المانع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 579

العرض أو العرضي، فالأوّل كما في قوله: «لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه» «1» فلم يقل: إلّا مالا كذا، و

كما في قوله: «كلّ دم تراه المرأة إلى الخمسين فهو حيض إلّا أن تكون قرشيّة» «2»، و الثاني كما في قوله: «كلّ شرط جائز إلّا شرطا خالف الكتاب و السنّة» «3».

فإن كان المأخوذ نفس العرض فالظاهر هو الثبوت الذي مفاد كان التامّة، و إن كان الثاني فالظاهر هو الثبوت الحملي الذي هو مفاد كان الناقصة، أمّا الاستظهار الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأجل أنّه و إن كان يمكن تشكيل القضيّة الحمليّة بنحوين، إلّا أنّه يمكن ادّعاء أنّه في القضايا التي مفادها سلب العوارض اللاحقة عقيب الوجود، لا مثل نفس الوجود و العدم الظاهر لدى العرف هو النظر بعناية الوجود، و أمّا التجريد عن الوجود فهو ممكن، لكنّه يحتاج إلى المئونة، و لا يتبادر إليه الذهن.

فتحقّق من جميع ما ذكرنا أنّ استصحاب الحكومة جار بلا حكومة دليل اجتهادي عليه.

إلّا أن يقال بأنّه محكوم لإطلاق الأخبار الدالّة على مهر المثل بالنسبة إلى صورة حكومة الزوج المفروض عدم تعرّض الرواية لها و سلامة ذلك الإطلاق بالنسبة إليها، فإنّه بعد ثبوت مهر المثل بمقتضى الإطلاق السليم عن المعارض في هذه الصورة نحكم بمقتضى الإجماع على الملازمة و عدم الفصل بينها و بين حكومة المرأة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الصلاة، الباب 3 من أبواب مكان المصلّي، الحديث الأوّل.

(2) راجع الوسائل: كتاب الطهارة، الباب 31 من أبواب الحيض.

(3) راجع الوسائل: كتاب التجارة، الباب 6 من أبواب الخيار.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 580

في الحكم بثبوته في حكومة المرأة أيضا، فيكون هذا دليلا اجتهاديّا و لا مجال معه للاستصحاب المزبور.

اللهمّ إلّا أن يقال: هذا إنّما يتمّ لو كان الإجماع على الملازمة بين الصورة في الحكم مخصوصا بالواقع، و أمّا لو كان على الملازمة في

الأعمّ من الواقع و الظاهر، و معناه أنّه لا يصدر من الشارع إنشاء في أحد الموضعين إلّا و يصدر سنخه في الموضوع الآخر، و لا يصدر خلافه منه.

فحينئذ يمكن أن يقال بوقوع المعارضة بين إنشاء وجوب اتّباع الظاهر الذي هو إنشاء حكم ثبوت مهر المثل في حكومة الرجل و بين إنشاء بقاء حكومة المرأة، إذ نعلم إجمالا بكذب أحد هذين الإنشاءين، إمّا إنشاء: اتّبع هذا الظهور، و إمّا إنشاء: لا تنقض هذا اليقين.

و ليس هنا مقام تقديم الأمارة على الأصل؛ فإنّه إنّما يكون فيما إذا كانت الملازمة بين الواقعين، فإذا قامت الأمارة على ثبوت أحدهما كانت حاكية عن ثبوت الآخر قهرا، و بذلك يرتفع الشكّ الذي هو موضوع الأصل، فلا يبقى مجال للأصل الجاري في الآخر و لو فرض القول بالأصل المثبت، أو كانت الملازمة شرعيّة مثل طهارة الماء و الثوب المتنجّس المغسول به على وجه التطهير؛ فإنّ أمارة نجاسة الثوب حاكمة على استصحاب طهارة الماء.

و أمّا إذا كانت الملازمة بين نفس الإنشاءين من غير نظر إلى الواقع و الظاهر، و معناه أنّه لا ينقدح من الشارع إنشاءان متخالفان في هذين الموضوعين من دون ارتباط بين نفسهما بحسب الواقع مع قطع النظر عن الإنشاء و الجعل الشرعي أصلا فالإنشاء الناشي من عموم اتّباع الظهور يعارض حينئذ لا محالة مع الإنشاء الناشي من عموم دليل الاستصحاب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 581

فإنّا نعلم إجمالا أنّ الشارع لا يجامع بين هذين القولين أعني: اتّبع هذا الظاهر، و لا تنقض هذا اليقين، فترجيح أحد العمومين على الآخر ترجيح بلا مرجّح، و ليس تقديم عموم: اتّبع الظهور رافعا للشكّ بالنسبة إلى عموم:

لا تنقض اليقين، فإنّه بالنسبة إلى نفس المدلول يكون

الشكّ محفوظا، و الإجماع إنّما انعقد على المرتبة المتأخّرة عن الحكم و الإنشاء و الجعل، فالملازمة حكم نفس الإنشاء، لا لما هو مدلول الإنشاء حتّى يكون الإنشاء في جانب الأمارة بحكايته رافعا لموضوع الإنشاء في طرف الأصل، هذا محصّل ما ربما يقال.

و لكنّ الإنصاف يقتضي خلافه، فإنّه بعد ما كانت الملازمة سارية إلى مرتبتي الواقع و الظاهر و حكم الأمارة ناظر إلى الواقع في موضوعها فبحكم الملازمة يرفع الشكّ عن موضوع الأصل، و لا يبقى مجال لتولّد الإنشاء في الموضوع الآخر حتّى يعارض مع حكم الأمارة.

و حاصل الكلام في المسألة من أوّل البحث إلى هنا مع تنقيح زائد أنّ الاحتمالات بحسب مقام الثبوت يدور بين أمور:

الأوّل: أن لا يكون الآية و الأخبار متعرّضة لحال مفوّضة المهر.

و الثاني: أن لا يكون رواية المقام متعرّضة لما بعد الدخول، و كانت الآية و الأخبار متعرّضة لحال مفوّضة المهر.

و الثالث: أن يكون الآية و الأخبار عامّة لمفوّضة المهر، و هذه الرواية عامّة لما بعد الدخول كما قبله.

فالتعارض غير متصوّر على الأوّل، و كذا على الثاني فيما بينها و بين الأخبار، و أمّا فيما بينها و بين الآية فالرواية خاصّة بالنسبة إليها، فتكون مخصّصة لها.

و أمّا على الثالث فالنسبة بينها و بين كلّ من الآية و الأخبار عموم من وجه،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 582

فإن كان بين الطرفين أظهر فهو المحكم على غير الأظهر، و إن فرض التساوي في الظهور فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل.

و قد يتوهّم أنّه استصحاب بقاء الحكومة السابقة للزوجة، سواء قبل الدخول أم بعده، و لكنّه مخدوش؛ لأنّ الإجماع ثابت على اشتراك الحكم فيما بين حكميّة الرجل و حكميّة المرأة، فإن كان الحكم في أحدهما

شيئا في الآخر يكون هذا الشي ء، لا ضدّه و خلافه، و لا شكّ أنّ الأخبار الدالّة على مهر المثل في طرف الرجل سليمة عن مزاحمة رواية المقام، و بعد إثبات مهر المثل بإطلاق تلك الأخبار في الرجل يثبت بحكم الإجماع على اتّحاد الصورتين في الحكم في المرأة أيضا، فيكون هذا دليلا حاكما على الأصل المزبور. هذا إن كانت الملازمة و الاتّحاد في مرحلة الواقع فقط.

و أمّا إن كان الإجماع على الملازمة في الأعمّ من الظاهر و الواقع فيقع التعارض بين عموم دليل اتّباع الظهور و عموم دليل الأصل؛ فإنّ كلا من العمومين يكذب الآخر بحسب موطن الثبوت، و لا مرجّح لأحدهما على الآخر.

فإن قلت: بل المرجّح موجود و هو أنّا لو قدّمنا عموم حجّيّة الدليل كان موضوع دليل الأصل و هو الشكّ أو عدم الطريق مرتفعا تعبّدا أو وجدانا، بخلاف العكس، فإنّه بتقديم دليل الأصل لا بدّ من ارتكاب التخصيص في عموم اتّباع الدليل، فالأمر دائر بين التخصيص و الحكومة، أو التخصيص و التخصّص.

قلت: حكاية رفع الموضوع تعبّدا أو حقيقة فرع ثبوت إنشاء الحكم و جعله في طرف عموم اتّباع الدليل سالما عن المزاحم؛ فإنّه إذا سلم بحسب مقام الإنشاء عن المزاحم كان اللازم من العلم به ارتفاع موضوع الإنشاء الآخر؛ فإنّ الإنشاءين لو لا العلم الإجمالي بكذب أحدهما لا مزاحمة بينهما بحسب الذات، فإنّ الجعل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 583

الطريقي ليس بأعلى من جعل نفس الحكم الواقعي الأوّلي، فكما اجتمع هو مع الحكم الظاهري فكذلك الحكم الطريقي مع الحكم الأصلي يجتمعان في موطن الثبوت.

نعم في مقام الإثبات و العلم يكون العلم بالحكم الطريقي رافعا للموضوع عن الحكم الأصلي، كما أنّ العلم بالحكم الواقعي

الأوّلي رافع للموضوع عن الحكم الطريقي، فالورود أو الحكومة إنّما ينشآن في عالم إثبات الحكمين، و أمّا في عالم ثبوتهما مع قطع النظر عن تنجيزهما و الالتفات و العلم بهما صغرى و كبرى فهما ملتئمان مجتمعان ليس بينهما حكومة و لا ورود.

و حينئذ إذا علمنا إجمالا بأنّ أحد هذين الإنشاءين كذب و الآخر صدق فلا محالة لا ترجيح في البين بمجرّد كون أحدهما عموما طريقيّا و حكما أوّليّا أو ثانويّا، و الآخر ثانويّا أو ثالثيّا؛ إذ قد عرفت أنّ هذا ينفع بمقام الإثبات لا بمقام الثبوت.

و أمّا بحسب الثبوت فالأمر دائر بين التخصيصين: إمّا رفع اليد عن عموم صدّق الظهور مع تحقّق موضوعه، و إمّا رفع اليد عن عموم: لا تنقض كذلك، و مجرّد أنّ العلم بالعموم الأوّل سليما عن المزاحم لو تحقّق يرفع موضوع الثاني، لا ينفع بعد أنّ المفروض أنّه مبتلى بالمزاحم في مقام الثبوت.

فإن قلت: بعموم دليل الأمارة نستكشف الحكم الواقعي في الرجل، و بحكم الملازمة بين الواقعين نحكم بمثله في المرأة بحسب الواقع، و بعموم دليل الأصل نستكشف الحكم الظاهري في المرأة، و بحكم الملازمة بين الظاهرين نحكم بمثله في الرجل، فلا مخالفة بينهما في الحكم؛ لاتّحاد حكمهما ظاهرا و هو حكومة الحاكم، و واقعا و هو مهر المثل.

قلت: المقصود من الإجماع على الاتّحاد أنّ الشارع لم يجعل و لم يصدر منه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 584

إنشاء في واحد من الرجل و المرأة لا واقعا و لا ظاهرا مخالفا لإنشاء صادر منه في الآخر إمّا واقعا و إمّا ظاهرا.

و معنى هذا أنّه لا يصدر منه إنشاء ظاهري في أحدهما في صورة مجعوليّة خلافه واقعا في الآخر، و كذا بالعكس، و

إذا ثبت الإجماع على هذا المعنى تحقّق ما ذكرناه من التعارض بين دليلي الطريق و الأصل، هذا تمام الكلام في الطلاق قبل حكومة الحاكم.

في موت الحاكم قبل حكومته

و أمّا الموت قبل حكومته فتارة نفرض موت الحاكم قبل الحكومة، و اخرى موت المحكوم عليه كذلك، و على كلّ تقدير إمّا يكون الحاكم الرجل و إمّا المرأة، فهذه أربع صور.

و حينئذ نقول: الاحتمالات في الرواية في فقرتها المتعرّضة لحكم الموت تدور بين أشياء:

الأوّل: أن تكون متعرّضة لجميع هذه الصور.

الثاني: أن تكون متعرّضة لخصوص موت الحاكم و ساكتة عن موت المحكوم عليه.

الثالث: أن يكون الأمر بالعكس.

الرابع: أن نشكّ في كونها متعرّضة لأيّ الموتين.

و هنا مطلقات دالّة على أنّ المرأة الغير المفروض لها المهر إذا لم يدخل بها و مات زوجها أو ماتت هي فلا مهر لها، فراجع الوسائل في أواخر أبواب المهور،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 585

فإمّا أن نقول بدخول مفوّضة المهر قبل التعيين في عموم هذه الأخبار و إمّا لا.

فإن قلنا بالدخول فالأمر سهل على جميع التقادير السابقة؛ فإنّه على الأوّل أعني: شمول رواية المقام لجميع الصور تكون متّحدة المفاد مع المطلقات في أنّه ليس لها مهر، و على احتمال تعرّضها لخصوص موت الحاكم و سكوتها عن موت المحكوم عليه كان موت المحكوم عليه مستفادا من المطلقات، و على العكس يكون الأمر بالعكس، و على تقدير الإجمال يكون الحكم في كلا الموتين عدم المهر بحكم المطلقات.

إنّما الإشكال فيما لو لم نقل بدخول المفوّضة المهر في تلك الإطلاقات و اختصاصها بمفوّضة البضع و بنينا على الاحتمال الرابع أعني: الإجمال في هذه الرواية من حيث تعرّضها لأيّ الموتين؛ إذ على الأوّل لا إشكال، و على كلّ من الثاني و الثالث نحكم في

صورة بعدم المهر، و في أخرى ببقاء الحقّ بحكم الاستصحاب، أعني: استصحاب بقاء الحكومة، و هو في صورة حياة الحاكم سواء كان رجلا أم امرأة، واضح.

و أمّا مع موته فوجه جريانه أنّه من المحتمل كون الحكومة حقّا باقيا للميّت بعد موته قائما به ميّتا، كبعض الحقوق المتروكة التي لا تنتقل إلى الورثة مثل حقّ الدفن في موضع مخصوص و نحوه، فإنّه حقّ للميّت و ليس لوارثه، فمن الممكن أن يكون حقّ الحكومة أيضا كذلك، و حيث يتعذّر الرجوع إليه قام الحاكم مقامه، فإن كان الحاكم الميّت مرأة فما يحكمه الحاكم الشرعي أوّلا ينتقل إليه، ثمّ إلى الورثة، و إن كان رجلا كان ما يحكمه الحاكم الشرعي من جملة ديونه خارجا من أصل تركته.

و بالجملة، فالإشكال ينحصر في الاحتمال الرابع، إذ نعلم إجمالا بأنّ الحكم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 586

إمّا في موت الحاكم و إمّا في موت المحكوم عليه هو عدم المهر، و قد كان مقتضى الاستصحاب ثبوت المهر في كليهما على النحو السابق قبل الموت، فيلزم المخالفة العمليّة، و ليس الأمر هنا كما في مسألة واجدي المني في الثوب المشترك؛ فإنّ المكلّف في تلك المسألة اثنان، و المجتهد أيضا يفتي بتكليفهما الظاهري أعني: أنّ المتيقّن السابق الشاكّ اللاحق يبني على الطهارة، و قد فرض أنّهما متيقّنان بالطهارة سابقا، شاكّان فيها لا حقا.

و أمّا هنا فالشبهة حكميّة، و في الشبهات الحكميّة يكون اليقين و الشكّ ملحوظين في حقّ المجتهد، لا بمعنى أنّ عنوان المجتهد قد أخذ في الدليل، بل بمعنى أنّ اليقين و الشكّ بمجموعهما لا يتحقّقان إلّا في حقّه، فهو مخاطب بعدم نقض اليقين بالشكّ، و العمل المتصوّر في حقّه هو الإفتاء بأنّ حكم

كلّ الناس يكون على طبق القضيّة السابقة، فيحدث في حقّه المخالفة العمليّة من هذه الجهة؛ لأنّه يعلم إجمالا بأنّه أفتى في واحد من الموردين بخلاف حكم اللّه الواقعي.

نعم إن أحدث في حقّ المقلّد اليقين السابق و المفروض تحقّق الشكّ فيه أيضا و هكذا بالنسبة إلى المقلّد الآخر، ثمّ أخبرهما بحكم الاستصحاب، لم يكن فيه مخالفة عمليّة كما في الشبهة الموضوعيّة، لكن رسم المجتهدين لم يستقرّ على هذا في الشبهات الحكميّة، بل على الإفتاء بمضمون المستصحب بدون إعلام على الحكم السابق و إيجاد علم سابق في المقلّدين، و على هذا فالمخالفة العمليّة لا محيص عنها.

إلّا أن يقال في هذه الصورة أيضا بأنّ العلم الإجمالي ممكن الانحلال بملاحظة صحيحة الأحول الواردة في خصوص موت الرجل مع حكومة المرأة و أنّه حينئذ ليس لها صداق و هي ترث، و بضميمة عدم الفصل بين حكومة الرجل و حكومة المرأة نحكم في مطلق موت المحكوم عليه بعدم المهر، فينحلّ العلم الإجمالي؛ إذ فهمنا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 587

أنّ الصورة التي يكون حكمها عدم المهر هو ثبوت المحكوم عليه، فيكون موت الحاكم محكوما بحكم الاستصحاب بلا مزاحمة مزاحم.

لكن يبقى الكلام في معارضة هذه الصحيحة مع المطلقات الواردة بثبوت مهر الأمثال مع الدخول و عدم فرض الفريضة الذي قلنا: إنّ ما نحن فيه من أفراده، فإنّ النسبة عموم من وجه، لاختصاص هذه الصحيحة بمفوّضة المهر، و تلك أعمّ منها و من مفوّضة البضع، و من اختصاص تلك بما بعد الدخول، و عموم هذه له و لما قبله، فيتعارضان في مفوّضة المهر بعد الدخول، و قبل الحكم فمقتضى تلك، ثبوت مهر المثل، و مقتضى هذه عدم المهر.

و يمكن أن يقال بترجيح تلك

المطلقات بملاحظة ندرة عدم تعيين المرأة الحاكمة مهرها إلى تحقّق الدخول بها، فيكون المنصرف منها صورة عدم الدخول، فيبقى في ما بعد الدخول تلك الأخبار سليمة عن المزاحم.

نعم يشكل الحال لو فرض عدم منشئيّة هذه الندرة ظهور الخبر في عدم الدخول في المرجع بعد تساقطهما؛ فإنّ استصحاب الحكومة هنا مقطوع الخلاف تفصيلا، لاتّفاق الروايتين على بطلان الحكومة إمّا بثبوت مهر المثل، و إمّا بعدم المهر رأسا فتأمّل.

«تتمّة»

في صورة الطلاق قبل الدخول و قبل الحكم التي قلنا بأنّ الحكومة باقية حسب مفاد الخبر، لا وجه للقول بتنصيف ما يعيّنه الحاكم بعد الطلاق، بل ظاهر الخبر أنّ ما حكمته المرأة الحاكمة نافذ بشرط عدم الزيادة عن مهر السنّة، أمّا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 588

بالنسبة إلى مقدار مهر السنّة فحكمها نافذ، لا أنّه يحكم بالاستحقاق آنا مّا ثمّ ينصّف، فإنّه ممكن عقلا، لكن خلاف الظاهر.

و أمّا الأدلّة الدالّة على منصّفيّة الطلاق قبل الدخول فليس فيها عموم يشمل المقام، فإنّ الآية الشريفة مشتملة على قوله وَ قَدْ فَرَضْتُمْ و صريحها سبق الفرض على وقوع الطلاق، و لا نعلم مناطا محقّقا مشتركا بين هذه الصورة و صورة تأخّره عن الطلاق، و مع كون الحكم على خلاف القاعدة كيف يمكن التعدّي، و أمّا الأخبار فكلّها كما يعلم من مراجعتها متعرّضة لحال المهر الذي سبق فرضه على الطلاق أيضا كالآية، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 589

القول في لواحق المهور،

[الطرف الثالث في الأحكام] و فيه مسائل:

الأولى في عدم إسقاط المهر بمجرد الدخول قبل أدائه

المشهور بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم أنّ المهر لو أخّر أداءه عن الدخول كلا أم بعضا، طالت المدّة أم قصرت، لا يسقط بمجرّد الدخول قبل أدائه، بل يبقى دينا على ذمّة الزوج، و لكن ورد في هذا المقام أخبار مختلفة المفاد.

فطائفة كثيرة دالّة على صيرورته دينا كما ذكرنا، و كثيرة أخرى دالّة على هدم الدخول الصداق، حتّى أنّه إن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثمّ دخل بها فلا شي ء عليه، و قد أشكل الأمر في الجمع بينها على العلماء الأعلام.

و الذي اختاره شيخنا الأستاذ أطال اللّه بقاه حمل الأخبار الأولى على بيان الواقع مع قطع النظر عن مرحلة المرافعة و

الإثبات، و الثانية على مقام المطالبة و المرافعة و الإثبات.

و ذلك لأجل قرائن في نفس تلك الأخبار يشهد بهذا الوجه، بحيث يخرج الكلام به عن التناقض و يندرج في المحاورة المقبولة العرفيّة.

فمنها: ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج حيث سأل الراوي عن هلاك الزوجين جميعا و مطالبة ورثة الزوجة مهرها من ورثة الزوج، فقال: و قد هلكا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 590

و قسّم الميراث؟ فقال: نعم، فقال: ليس لهم شي ء «1».

و المراد بقرينة ما بعد هذه الفقرة أنّه بعد هذه المدّة الطويلة من البعيد بقاء المهر على ذمّة الزوج، فالأمارة قائمة على بطلان مدّعاهم، فليس لهم شي ء من هذه الجهة، و إلّا فإن كان الدخول مسقطا للمهر لكان اللازم أن يقول قبل ذكر قوله: و قد هلكا و قسّم الميراث بقوله: لا شي ء لهم.

و كذلك سأل بعد هذا أنّه إن كانت المرأة حيّة فجاءت بعد موت زوجها تدّعي صداقها، فقال عليه السّلام: لا شي ء لها و قد قامت معه مقرّة حتّى هلك زوجها، يعني أنّها لم تطالبه في هذه المدّة، و هذه قرينة على أخذها منه المهر، و إلّا فأيّ فائدة في مطالبتها بعد عدم الحقّ لها.

و كذلك سأل بعد هذا أنّه إن ماتت و هو حيّ فجاء ورثتها يطالبونه بصداقها فقال: و قد أقامت حتّى ماتت لا تطلبه، فقال: نعم، قال: لا شي ء لها، إذ من البعيد عدم الدخول في هذه المدّة، فالمطالبة تكون بعده قطعا، و لو لم يكن لها حقّ فأيّ ثمرة في وجود هذه المطالبة و أيّ ضرر في عدمه.

ثمّ سأل أنّه إن طلّقها فجاءت تطلب صداقها؟ فقال: و قد أقامت لا تطالبه حتّى طلّقها لا شي ء لها.

ثمّ سأل

أنّه متى حدّ ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال عليه السّلام: إذا أهديت إليه و دخلت بيته ثمّ طلبت بعد ذلك فلا شي ء لها.

و الوجه في هذا الأخير ظاهرا ما حكي عن العلّامة في المختلف و الكاشاني في الوافي أنّه كانت العادة في الزمن الأوّل أن لا يدخل بالمرأة حتّى يدفع المهر، نظير

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 591

ما يسمّى في عادة الآن بالفارسيّة ب «رونما» فكما أنّه لو ادّعت بعد الدخول هذا المسمّى ب «رونما» يكون دعواها على خلاف الأمارة، فإنّ الرسم الجاري فيه هو الأخذ قبل الدخول، فكذلك الحال بالنسبة إلى المهر في العرف السابق إلّا مع الشرط و التأجيل؛ فإنّ دعواها حينئذ ليس على خلاف الظاهر.

ثمّ علّل عليه السّلام قوله في الفقرة الأخيرة: لا شي ء لها، يعني بعد الدخول بقوله:

«إنّه كثير، لها أن تستحلف باللّه ما لها قبله من صداقها قليل و لا كثير»، و هذا أيضا مؤكّد قويّ لما استفدناه من الفقرات السابقة؛ لأنّه إمّا يحمل على معنى أنّ استحلافها زوجها باللّه أي طلبها الحلف منه على أنّه لم يبق من صداقها عنده قليل و لا كثير يكفيها، بل يزيد عن حقّها، و هذا كناية عن أنّه لا حقّ لها بإقامة البيّنة، كما ربما يتوهّم المتوهّم على ما هو قضيّة القاعدة في كلّ دائن يطالب مديونه، فيدّعي المديون دفع الدين و أدائه، و ينكره الدائن؛ فإنّ على المديون إقامة البيّنة و على الدائن اليمين.

فمقصوده عليه السّلام دفع هذا التوهّم هنا و أنّه ليس الأمر هنا كما في سائر المقامات بواسطة وجود الأمارة على صدق دعوى المديون هنا، فالمديون هنا منكر

و عليه اليمن، و على الدائن أعني: الزوجة إقامة البيّنة، و قد صرّح بهذا في خبر آخر.

و إمّا يحمل على معنى أنّه كثير، يعني زائد عن حقّها أن تحلف في هذا المقام كما هو الشأن في سائر المقامات، و قوله: ما لها حينئذ، قضيّة مستقلّة مؤكّدة لما سبق، يعني بواسطة وجود الأمارة ما لها قبله من صداقها شي ء، و هذا أيضا كالأوّل بحسب المآل.

و منها: أنّ جميع الأخبار الدالّة على صيرورة المهر دينا لو أخّر أداءه عن الدخول متعرّضة لحال الزوج و أنّه هل يجوز له التأخير عن الدخول أو لا، فهي في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 592

مقام تعيين تكليفه و أنّه لا بأس و يصير دينا على ذمّته.

و أمّا الأخبار الدالّة على الهدم و السقوط فكلّها متعرّضة لحال مطالبة المرأة صداقها من الرجل، فهذه أيضا شاهد على ورود الثانية بمقام الإثبات و المرافعة، و الاولى بمقام نفس الواقع.

ألا ترى أنّه لو قال لك قائل: إنّ لي على فلان خمسمائة مثلا و لم آخذ منه شيئا، أو أخذت درهما واحدا و بقي عليه باقيها، و لكن ليس لي عليه بيّنة فأجبته:

ما لك شي ء و انقطع يدك، ما كان قولك هذا شيئا منكرا.

فالأخبار التي وردت في هذا المقام التي ظاهر بعضها أنّه فرض الإمام عليه السّلام عدم استيفاء تمام المهر و مع هذا الفرض حكم عليه السّلام بأنّه ليس لها شي ء بعد الدخول محمول على مساق قول هذا القائل، يعني إنّه ليس له في مقام الظاهر شي ء، و قد انقطع يده عن العلاج.

و هذا المعنى و إن كان خلاف الظاهر ابتداء قطعا، بل الظاهر هو السقوط واقعا، لكن بعد ملاحظة القرائن التي ذكرناها يكون قريبا

و جمعا عرفيّا، و الاختلاف في هذا المقام أشبه شي ء بالاختلاف الآخر الواقع بين طائفتين أخريين من الأخبار.

إحداهما: دالّة على أنّ الدخول موجب للمهر.

و الأخرى: على أنّ الموجب إرخاء الستر على المرأة؛ فإنّ من الواضح حمل الثانية على مقام الإثبات و الظاهر، يعني إرخاء الستر قرينة على الدخول، فلا يسمع معه دعوى عدم الدخول.

و ممّا ذكرنا تقدر على وجه الجمع بين خبري الفضيل و المفضّل مع سائر الأخبار.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 593

أمّا خبر المفضّل ففيه قوله: «فلمّا أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق فلا شي ء لها، إنّما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي ء لها» «1»، حيث قد عرفت أنّه بمقام أنّه و لو في الواقع لم تستوف حقّها، و لكنّه ليس لها في الظاهر عليه شي ء بعد الدخول، فإنّه نظير تأخير أخذ المسمّى ب «رونما» بعد الدخول، حيث إنّ الأمارة مع الزوج المدّعي إعطاؤه.

أمّا خبر الفضيل ففيه قوله عليه السّلام: و أمّا الصداق فإنّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلته و دخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك «2».

فإنّه أيضا يظهر حاله بالمقايسة ب «رونما» بعد ما ذكرنا أنّ حال المهر في الزمان السابق كان كحال «رونما» في زماننا، فكما أنّه لو عيّن شيئا لأجل «رونما» ثمّ في وقت الدخول أعطى أنقص منه فقبلته الزوجة و سلّمته نفسها كان هذا أمارة على رضاها بهذا الناقص و إغماضها عمّا بقي فادّعاؤها فيما بعد، خلاف هذه الأمارة، فكذا الحال بالنسبة إلى

المهر حسب جريان تلك العادة.

الثانية: هل للخلوة موضوعيّة في إثبات المهر و استقرار تمامه كالدخول؟

لا بدّ قبل التكلّم فيه من تقديم مقدمة و هي أنّ السببين المقدّم أحدهما على الآخر زمانا أو رتبة يكون أسبقهما هو الأقدم في التأثير و يبقى الآخر المؤخّر لغوا و بلا أثر.

و حينئذ فنقول: قد ورد في المقام طائفتان من الأخبار كلاهما كثيرة.

إحداهما: دالّة على أنّ الوقاع و التقاء الختانين و الإيلاج و الإدخال على

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 14.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 13.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 594

اختلاف التعبير فيها متى تحقّق يوجب المهر، و في بعضها: إنّ غير ذلك لا يوجبه.

و الثانية: دالّة في بادئ النظر على أنّ الخلوة و إرخاء الستر على الزوجة يوجب المهر.

و لا يخفى التعارض بينها بملاحظة المقدّمة المذكورة؛ فإنّ الدخول بالزوجة غالبا لو لم يكن دائما يكون مسبوقا بإرخاء الستر و نحوه من مقدّمات الخلوة.

و حينئذ فلو كان الخلوة أحد السببين كان إسناد التأثير إلى الدخول المتأخّر منه زمانا بلا وجه و غير صحيح.

فالجمع بين الطائفتين بأنّ كلا منهما سبب مستقلّ غير صحيح، و إذا بطل هذا يبقى الأمر مردّدا بين موضوعيّة الدخول و أماريّة الخلوة، و العكس، و حيث إنّ العكس مقطوع البطلان تعيّن الأوّل، و في بعض أخبار الطائفة الثانية شواهد على هذا الجمع، أعني: موضوعيّة الدخول و أماريّة الخلوة.

منها: ما وقع في بعض الأخبار الحاكية من هذه الطائفة لقضيّة مولانا أبي جعفر الباقر صلوات اللّه و سلامه عليه من لفظ الابتلاء، و الأولى نقل الرواية، و هي صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

قال: سألته

عن الرجل يطلّق المرأة و قد مسّ كلّ شي ء منها، إلّا أنّه لم يجامعها، إلها عدّة؟ فقال عليه السّلام: ابتلي أبو جعفر عليه السّلام بذلك، فقال له أبوه عليّ بن الحسين عليهم السّلام: إذا أغلق بابا و أخرى سترا وجب المهر و العدّة «1».

وجه الاستشهاد بهذه الفقرة أنّه بناء على الحمل على الموضوعيّة لا يبقى معنى لهذه الكلمة إلّا ما يتعارف استعماله في محاوراتنا من أنّ فلانا ابتلي بالقضيّة و صرت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 595

محلّ ابتلائه، و يقال ذلك في ما إذا تحيّر في حكمه و تردّد في مسألته، و هذا ممّا لا يرضي المؤمن من التفوّه به في حقّ مولانا باقر علوم الأوّلين و الآخرين.

و أمّا بناء على الأماريّة و الحكم به على طبق الظاهر كما يحكى عن الراوي الجليل ابن أبي عمير رضى اللّه عنه أنّه قال: إنّما معنى ذلك أنّ الوالي يحكم بالظاهر، و أمّا المرأة إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها في ما بينها و بين اللّه إلّا النصف «1»، فحينئذ يكون لهذه الفقرة معنى مناسب لمقام الإمامة، و هو أنّه عليه السّلام وقع في معرض المرافعة و التحاكم عند الوالي و المحكوميّة بواسطة أنّ الامرأة المذكورة- على ما في الأخبار الأخر- بادرت إلى الباب فأغلقته، و إلى الستر فأرخته حتّى يصير الإمام محجوجا في مرحلة الظاهر بأداء المهر.

و لهذا ورد في بعض تلك الأخبار أنّه عليه السّلام قال عند ذلك: لا تغلقيه، لك الذي تريدين «2»، و في بعضها: افتحوا و لكم ما سألتم، فلمّا فتحوا صالحهم «3».

و حينئذ يكون المقصود من جواب السائل أنّ مثل أبي

جعفر سلام اللّه عليه قد ابتلي بمثل ما سألت و لم ينفعه عدم الجماع الواقعي بواسطة قيام الأمارة الظاهريّة على الوقوع.

و منها: قوله عليه السّلام في بعض الأخبار الحاكمة بتمام المهر بإغلاق الباب و إرخاء الستر: و خلائه بها دخول.

فإنّ هذا الكلام محتمل لكون الأثر للدخول و أنّه موجب للاستقرار، فإن

______________________________

(1) راجع ذيل الرواية في الوسائل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 7.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 8.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 596

حملنا قوله: «دخول» على التنزيل منزلته كما في قوله: رجعة، بالنسبة إلى التقبيل و اللمس في زمان عدّة الرجعيّة لكان الدخول بمعزل عن الأثر كما تقدّم، و هذا بخلاف ما لو حملناه على الكاشفيّة، كما في قولنا: تصرّف ذي الخيار فيما اشتغل عنه فسخ، فإنّه له معنى حينئذ.

و منها: قوله عليه السّلام في بعض هذه الأخبار في جواب السؤال عن الزوج و الزوجة الذين أنكرا الدخول مع إغلاقهما الباب و إرخائهما الستر: «لا يصدّقان» «1»، إذ لو كان لنفس الإغلاق و الإرخاء الذين فرض حصولهما موضوعيّة، فمعنى ذلك أنّه مع القطع بعدم الدخول أيضا لهما الأثر، سواء أخبرا بالعدم أم لا، فلا مدخليّة في تصديقهما و تكذيبهما في ذلك، فذكر هذه الكلمة أقوى شاهد على أنّ للخلوة سمة الكاشفيّة و الأماريّة.

و منها: عطف العدّة على المهر في الصحيحة المتقدّمة الحاكية لقضيّة مولانا أبي جعفر عليه السّلام؛ إذ من الواضح أن ثبوت العدّة و جعله و تشريعه لحكمة عدم خلط المياه، و هذا لا أقلّ فيه من معرّضيّة ذلك، و أمّا مع تحقّق الخلوة الخالية عن المسّ فلا وجه لجعلها و تشريعها أصلا، فهذا أيضا

شاهد على الأماريّة. هذا.

مضافا إلى مطابقة هذا الجمع مع مفاد قوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ «2» فإنّه بعد القطع بأنّه ليس المراد بالمسّ مطلق ما صدق عليه هذا الاسم و لو بإصبعه على رأسها مثلا يتعيّن الحمل على كونه كناية عن الدخول.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 56 من أبواب المهور، الحديث 3.

(2) سورة البقرة: الآية 237.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 597

الثالثة: قيل: إنّ من لم يسمّ لها مهرا إذا طلّقها زوجها بعد الدخول و قدّم إليها شيئا قبله فليس لها المطالبة بشي ء، و كان ما قدّمه مهرها، نعم لو لم يقدم كان محكوما بحكم الأخبار بثبوت مهر المثل.

و لم نجد لهذا مدركا سوى الشهرة و الإجماع المنقول في كلام ابن إدريس و سوى ما توهّم دلالته و لو بملاحظة الجمع من صحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليهما السّلام في رجل تزوّج امرأة و دخل بها، ثمّ أولدها، ثمّ مات عنها فادّعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم و تطلب الميراث، فقال عليه السّلام: أمّا الميراث فلها أن تطلبه، و أمّا الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلت و دخلت عليه به، و لا شي ء لها بعد ذلك «1».

بحمل صداقها على ما يثبت شرعا لها من مهر المثل، لا ما ثبت بالتسمية و الجعل في العقد أو بالجعل المستقلّ، فينطبق على مفوّضة البضع، فقد حكمت الرواية في هذا الموضوع بأنّ الذي أخذت هو الذي حلّ به فرجها للزوج إذا هي قبلته و دخلت

عليه به، و لا شي ء لها بعد ذلك.

و لكن لا يخفى بعد هذا الحمل؛ فإنّ الظاهر القريب من الصراحة إرادة الصداق المسمّى من كلمة: شيئا من صداقها. فالحمل على مهر المثل الثابت في مفوّضة البضع التي معناها أنّه فوّضت نفسها إليه مجّانا و بلا شي ء بإزاء بعضها من قبل نفسها بعيد في الغاية. و من هنا قال المحقّق في الشرائع: و هو- يعني القول المذكور- تعويل على تأويل رواية و استناد إلى قول مشهور.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 13.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 598

لا يقال: الرواية لا يمكن العمل بظاهرها كيفما كان؛ فإنّ المهر المسمّى إذا أخذ شي ء منه قبل الدخول بقي ما بقي منه على ذمّة الزوج، فإمّا يحمل على هذا المعنى الذي هو خلاف الظاهر، و إمّا يحمل- كما صنعته سابقا- على إرادة مقام الإثبات و أنّ الأمارة قائمة على أخذ الزوجة مهرها المسمّى قبل الدخول، فدعواها بقاء شي ء من صداقها خلاف الظاهر لا يقبل منها إلّا بالبيّنة، كما يشهد بذلك رواية أخرى دلّت على أنّ البيّنة على الزوجة و اليمين على الزوج «1»، و كلا الحملين مشتركان في التأويليّة.

لأنّا نقول: الفرق أنّ المرأة إذا جعلت لنفسها المهر في العقد أو خارجه ثمّ رضيت بشي ء قبل الدخول فهذا منها أمارة كاشفة عن رضاها بهذا القدر عن تمام المجعول، و إلّا لم تسلّم نفسها ما لم تأخذ التمام، و أمّا إذا لم تجعل، بل بذلت نفسها، لا بمعنى أنّها دفعت حكم الشارع بمهر المثل، بل بمعنى أنّها بذلت بضعها مجّانا من قبل نفسها، و كان مهر المثل محض حكم شرعي، فهي بحسب طبعها العرفي إذا سلّمت نفسها و أخذت

منه شيئا لا يدلّ ذلك على مصالحتها عمّا حكم لها الشارع بهذا القدر، فلا يجري ذلك التقريب في هذا الفرد أعني: مفوّضة البضع، بل خاصّ بالمفروضة و المفوّضة المهر.

و الحاصل: أنّه مع كمال بعد تعميم قوله: شيئا من صداقها، على وجه يشمل مهر المثل لا يجري ذيل الرواية إلّا في غير مفوّضة البضع، فبين الحملين بون بعيد، فلا يبقى في البين إلّا الشهرة، و لا يمكن الاستناد إليها لا في جبر الدلالة و لا في جبر السند؛ إذ الأخير فرع الضعف، و الأوّل أيضا فرع قابليّة الحمل للإسناد إلى المشهور، و قد عرفت عدمها، و الشهرة بنفسها أيضا غير مدرك.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 599

المسألة الرابعة [في أنّ تمام المهر هل يملك بالعقد]
اشارة

من المسائل المهمّة المبتلى بها أنّ تمام المهر هل يملك بالعقد، ثمّ الطلاق قبل الدخول يعيد نصفه إلى الزوج، أو أنّ العقد ليس سببا إلّا بالنسبة إلى النصف، و النصف الآخر إنّما تملكه الزوجة بالدخول، و ثانيا بعد اختيار كلّ من الشقّين ما وجه الحكم بضمان الزوجة لو تلف المهر في يدها أو نقص نقصانا عينيّا أو قيميّا، و كذا لو زاد في يدها زيادة متّصلة، فما وجه القول بأنّ الزيادة لها.

و الكلام في كلّ من المقامين تارة على حسب القواعد مع قطع النظر عمّا يقتضي خلافها، و اخرى على حسب ما يستفاد من الأدلّة الخاصّة.

أمّا مقتضى القواعد في المقام الأوّل فلا شكّ أنّه القول بملكيّته بتمامه بسبب العقد؛ فإنّه مفاد قولها: زوّجتك نفسي بكذا، أو على كذا، و قوله: قبلت؛ فإنّ المهر إمّا شرط و إمّا عوض، و على كلّ تقدير مقتضاه الملكيّة الفعليّة، فإذا نفذ هذا الجعل شرعا

فلا بدّ من حصول الملكيّة للزوجة بالنسبة إلى تمام المهر، هذا في المقام الأوّل.

و أمّا مقتضاها في المقام الثاني، فإمّا أن مختار كون المهر بتمامه مملوكا للزوجة بالعقد و إمّا أنّها تملك نصفه به و نصفه الآخر بالدخول.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 600

فإن قلنا بالأوّل فلا وجه لضمان الإنسان مال نفسه التالف في يده لغيره، إذ المفروض أنّ المهر في يدها حال تلفه كان ملكا لها، فما الموجب للحكم بضمانها لنصف قيمتها إذا كانت قيميّة، أو لنصف مثلها إذا كان مثليّة عند طلاقها قبل الدخول؟

و إطلاق قوله تعالى فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ بالنسبة إلى صورة التلف لا يقتضي الحكم بالضمان؛ فإنّ «ما فرضتم» إنّما هو الشي ء المعدوم، لا المثل أو القيمة، فمقتضاه ليس إلّا تنصيف المعدوم، فالضمان غير مستفاد منه، و كذا الحال في تلف الصفة الذي هو النقص، و أمّا لو زاد زيادة متّصلة مثل سمن الشاة فمقتضى الآية أن يتّصف العين الموجودة مع زيادتها؛ لصدق «ما فرضتم» على العين الزائدة، فإنّه لم يتغيّر الموضوع و لم يرتفع الوحدة العرفيّة عن البين.

و أمّا إنّ قلنا بأنّ نصفه يملك بالعقد و نصفه الآخر بالدخول فمقتضى القاعدة أيضا عدم الضمان؛ لأنّ يدها و إن كانت بالنسبة إلى النصف ثابتة على ملك الغير، إلّا أنّه سلّطها على ماله و جعلها أمانة عندها، و ليس على الأمين إلّا اليمين.

و تفصيل المقام أنّ هنا صورا: الاولى: أن يكون المهر دينا على ذمّة الزوج، و لا شكّ في براءة ذمّته عن النصف لو طلّقها قبل الدخول.

الثانية: أن يكون عينا في يد الزوج و لم يسلّمها إلى الزوجة، فطلّقها قبل الدخول.

فإن كانت باقية بحالها فلا كلام في اشتراكها بينهما أنصافا، و كذا

لو زادت قيمته السوقيّة أو نقصت، لعدم تعلّق الضمان بالقيمة السوقيّة.

و إن كانت تالفة فعلى الزوج غرامة نصف المثل في المثلي، و نصف القيمة في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 601

القيمي؛ لما مرّ في ما تقدّم من كون الزوج متعهّدا بأداء المهر، و معنى العهدة هو الضمان.

و إن كانت ناقصة نقصا يوجب الأرش كالعور و سائر العيوب فعليه أرش العيب لها، و لكن عند الطلاق يرجع إليه نصف العين فقط، و لا وجه لرجوع نصف الأرش؛ لعدم كونه ممّا فرض.

و إن كانت زائدة بزيادة عينيّة فالزيادة لها، و لا يمكن فصلها عن العين ثمّ تنصيف العين، فلا بدّ من الرجوع إلى القيمة و تنصيفها أعني: قيمة العين خالية عن هذه الزيادة الممحّضة للزوجة، سواء كانت الزيادة بفعل اللّه سبحانه، أم بفعل الزوج؛ لأنّه بالنسبة إلى هذا التصرّف غاصب.

و على هذا يكون الحكم في رواية عليّ بن جعفر الآتية في نظير المسألة إن شاء اللّه تعالى على طبق القاعدة.

و يمكن أن يقال بأنّها و إن زادت كالسمن و الكبر، إلّا أنّها لم تخرج عن صدق أنّه المسمّى و المهر، فيكون محكوما بحكم الآية بالتنصيف، فيرد التنصيف على مجموع العين و الزيادة، و على هذا فالرواية المزبورة واردة على خلاف القاعدة لا يمكن التعدّي عن موردها.

الثالثة: و هي المعضلة العظمى، و هي ما إذا كان المهر عينا و دفعها إلى الزوجة فلا إشكال مع بقائها في يدها بلا تغيير في يدها أصلا لا عينا و لا قيمة أو مع التغيير في قيمتها السوقيّة فقط في أنّه يصير مشاعا بينهما نصفين.

و أمّا إن كانت تالفة فالمعروف، بل الظاهر منهم إرساله إرسال المسلّم الحكم بضمانها لنصف الزوج، سواء كان

التلف بإتلاف منها أو بتلف سماوي، و المشهور في كيفيّة الضمان في المثلي هو المثل، و في القيمي هو أقلّ القيم ممّا بين العقد و القبض.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 602

و علّلوا الحكم الثاني بأنّه إن كانت زيادة القيمة وقت العقد قبل التسليم ثمّ نقصت عنده فهي في ضمان الزوج، فكيف يضمّن الزوجة شيئا هو ضامن له، و إن كانت وقت القبض و التسليم فهو شي ء حدث في ملكها، فلا تضمن ما هو ملك لها.

و إتمام كلّ من الحكمين على القاعدة في غاية الصعوبة؛ إذ أوّلا ما وجه الحكم بضمان الزوجة سواء قلنا بأنّه تملكه تماما بالعقد- كما هو الحقّ- أم قلنا بملكيّة النصف به و النصف الآخر بالدخول؛ إذ حينئذ الحكم بالضمان مع الإتلاف صحيح، و أمّا مع التلف السماوي فلا وجه له بعد فرض استئمان الزوج إيّاها.

و أمّا قوله تعالى فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ و كذا الأخبار الدالّة على أنّ لها نصف ما فرض أو عليه نصف ما فرض لو طلّقها قبل الدخول «1» فكلّها في مقام تحديد ما لها عليه، و ليست بصدد جعل حقّ للزوج على عهدة الزوجة حتّى يستفاد الضمان من هذه العهدة. و الحاصل لا يستفاد من هذه العبائر تعهّد الزوجة لنصف الزوج.

نعم في خصوص الإتلاف يمكن التمسّك بالأخبار الواردة في إبراء الزوجة ذمّة الزوج عن الصداق أو هبتها الخمسمائة درهم الحاكمة بأنّ عليها أن تردّ إليه الخمسمائة الباقية.

و الأولى التبرّك بذكر الأخبار.

فمنها: ما رواه في الكافي و التهذيب عن محمّد بن مسلم في الموثّق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فأمهرها ألف درهم و دفعها إليها، فوهبت له خمسمائة درهم و ردّتها عليه، ثمّ

طلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السّلام: «تردّ عليه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 51 من أبواب المهور.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 603

الخمسمائة درهم الباقية؛ لأنّها إنّما كانت لها خمسمائة فوهبتها له، وهبتها إيّاها له و لغيره سواء» «1».

و منها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة، قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها، ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، أ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال عليه السّلام: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، و إن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق» «2».

و هاتان الروايتان كما ترى يصلح الاستشهاد بهما لمطلق الإتلاف، و أمّا التلف السماوي فالتعدّي إليه قياس.

اللهمّ إلّا أن يقال: يمكن استفادة الضمان فيه أيضا من هاتين الروايتين بتقريب أنّ قوله في الاولى في مقام التعليل: «لأنّها إنّما. إلخ» يحتمل وجوها:

الأوّل: أن يراد باللام في قولها: «لها» الاختصاص الملكي.

و الثاني: أن يراد استقراره، يعني يكون لها الخمسمائة مستقرّا، و على الأوّل يكون شاهدا لابن الجنيد القائل بملكيّة نصف المهر بالعقد، و النصف الآخر بالدخول.

و الثالث: أن يراد أنّ ما يكون لها التصرّف فيه بلا تبعة ضمان إنّما يكون هو النصف، يعني أنّ النصف الآخر يكون على عهدتها، و تكون مأخوذة بالتصرّف المتلف أو الناقل فيه، و لهذا لو تصرّف في النصف و بقي النصف الآخر لزم عليه الخروج عن عهدة النصف المطلق الثابت عليه بأداء هذا الذي بقي في يدها.

______________________________

(1) عنهما الوسائل: كتاب النكاح، الباب 35 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 604

و هذا كما ترى

يوجب ارتباط العلّة بالمعلّل أعني تعيّن الباقي للزوج و إن كانت العلّة أمرا تعبّديّا مثل: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر؛ فإنّه على هذا يكون المعنى:

المقدار الذي يكون بلا ضمان و بلا تعهّد إنّما هو مقدار الخمسمائة ليس إلّا، و قد وهبتها للزوج، و هو مثل ما لو وهبتها لغيره، فلا محالة يكون الباقي للزوج؛ إذ المفروض أنّها بالنسبة إلى النصف ضامنة و متعهّدة له.

و أمّا على الأوّلين فلا ربط بينهما أصلا، أمّا على الأوّل فاللازم بطلان الهبة؛ لأنّه تصرّف في المال المشترك، فلا ينفذ الهبة إلّا في نصف النصف و قد حكم بنفوذها في تمام النصف، فلا يوجب الإشاعة و تصرّف أحد الشريكين في النصف المفروز تعيّن النصف الآخر للشريك الآخر. و أمّا على الثاني فلأنّ مجرّد كون الملك الاستقراري خاصّا بالنصف لا يوجب الحكم بردّ تمام الخمسمائة الباقية إلى الزوج، بل يلائم مع كون البقاي بينهما نصفين، هذا تقريب استفادة التعهّد من الرواية الاولى.

و أمّا الثانية: فتقريب الدلالة أنّ ذكر قوله: و إن خلّاها. إلخ عقيب قوله:

«فقد قبضته منه» يفيد تفريع القضيّة الثانية على الاولى، فقد رتّب على حصول القبض أمرين: الأوّل: جواز دخول الزوج على الزوجة، و الثاني: أنّه إن خلّاها فالمرأة ضامن للزوجة.

فيعلم منه أنّ من خاصّيّة قبض المرأة المهر كما يكون رفع كراهية الدخول بلا دفع شي ء، كذلك يكون ضمان المرأة نصف المهر للزوج لو طلّقها قبل الدخول، و بالجملة، فالمورد في الروايتين و إن كان خاصّا بالإتلاف، و لكنّ العلّة يستفاد منها التعميم بالنسبة إلى صورة التلف؛ لاستفادة التعهّد و الضمان المطلق من العلّة المذكورة فيهما، هذا محصّل الكلام في حكمهم بأصل الضمان.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 605

في ضمان يوم التلف أو يوم الأداء

و أمّا

حكمهم بأقلّ القيم فلم نعلم أيضا وجهه؛ فإنّ قاعدة باب الضمانات ليست بخارجة عن أحد أمرين: إمّا ضمان قيمة يوم التلف، و إمّا ضمان قيمة يوم الأداء؛ لأنّه إمّا أن يفسّر التعهّد بأنّ العهدة مشغولة بتدارك الخسارة الواردة من ناحية العين على صاحبها، و لا يخفى أنّ الخسارة و التضرّر إنّما هو بقيمة يوم التلف، و أمّا القيم التي بعد التلف فلا بدّ من فرض الوجود، و أمّا بدونه فلا خسارة و لا ضرر، و قد قوّينا هذا الوجه في محلّه.

و إمّا أن يفسّر بأنّ العهدة مشغولة بنفس العين، فدائما يتقاضى المضمون له من الضامن حماره مثلا، فالمعتبر حينئذ قيمة يوم الأداء؛ لأنّه الخروج عن عهدة الحمار، و حيث إنّ المختار هو الوجه الأوّل فلا بدّ من القول به في المقام.

و الذي يتصوّر مانعا عنه أمران: الأوّل: إنّ التلف متقدّم على الطلاق الذي هو زمان الاستحقاق، فالمناسب قيمة يوم الطلاق لا يوم التلف.

و الثاني: رواية عليّ بن جعفر الواردة في الوصيف الذي يكبر عند المرأة حيث قال: «عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها، لا ينظر في زيادة و لا نقصان».

و كلاهما مدفوع، أمّا الأوّل: فلأنّ خسارة يوم التلف إلى حين الطلاق واردة على الزوجة، و بعد الطلاق يصير الزوج شريكا لها في نفس هذه الخسارة المتقدّرة بقدر يوم التلف.

و أمّا الثاني: فلأنّ مورد الرواية إنّما هو الزيادة و النقيصة في الأوصاف التي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 606

لها مدخليّة في زيادة القيمة و الرغبة، و كلامنا في الزيادة و النقيصة بحسب القيمة السوقيّة، فاختلف الموردان.

و على هذا فلا يبقى وجه لما ذكره المشهور من أقلّ القيم، خصوصا مع ما علّلوه له من أنّ زيادة يوم

العقد مضمونة على الزوج لها، فلا يضمّنها ما هو ضامن لها؛ إذ القيمة السوقيّة لا ضمان لها في شي ء من المقامات حتّى في الغاصب.

و أمّا وجه تعيين يوم الدفع فليس إلغاء التغيّر الحاصل بين العقد و الدفع، بل لأجل أنّ الغالب عدم فصل معتدّ به يوجب حصول زيادة و نقص في ما بين العقد و القبض، ألا ترى إلى قوله: يتزوّج المرأة على وصيف فيكبر عندها؟ هذا حاصل الكلام في التلف الحقيقي.

الكلام في انتقال المهر بنقل لازم أو جائز

و أمّا لو انتقل بنقل لازم أو جائز، فتارة: نتكلّم في ما إذا حصل قبل الطلاق العود إلى المرأة بناقل جديد أو فسخ أو إقالة، ثمّ وقع الطلاق، و اخرى: فيما إذا وقع الطلاق أوّلا، ثمّ وقع العود.

و الكلام في مسألتنا مع مسألة فسخ ذي الخيار و قد انتقل ماله عند غير ذي الخيار بناقل لازم أو جائز و عاد إليه قبل ذلك أو لم يعد بعد مشترك.

فهل الحكم في كلا المقامين لزوم دفع العين إلى المطلّق و الفاسخ إن عاد، و إن لم يعد فاللازم تحصيله، أو أنّ الحقّ ينتقل من العين إلى القيمة في القيميّات و إلى المثل في المثليّات؟

و بعبارة أخرى: يشتغل ذمّة المفسوخ عليه أو الزوجة عند الفسخ أو الطلاق

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 607

بأحد الأمرين و يصير دينا عليهما، و بعد صيرورته دينا لا دليل على عوده إلى الخارج؛ فإنّ العين الخارجيّة ليست هي المملوكة للمرأة بالملك الصداقي و لا للمفسوخ عليه بالملك البيعي الواقع بينه و بين الفاسخ. نعم لا إشكال في ما إذا عاد قبل الطلاق و الفسخ بتوسّط الفسخ أو الإقالة؛ فإنّه عين الملك السابق، فيجب ردّه دون بدله.

الظاهر من كلامهم في هذا المقام-

حيث عطفوا على التلف الحقيقي البيع و العتق و الهبة اللازمة- أنّه لو انتقل عن ملكها بنقل جائز فليس حاله حال التلف سواء عاد إليها حال الطلاق أم لم يعد بعد، فإن عاد لزم عليها دفعها، و إلّا فالواجب عليها الفسخ ثمّ دفعها.

و قد استشكل على مقالتهم هذه بالنسبة إلى الشقّ الثاني شيخنا الأستاذ دام بقاه بأنّ مقتضى القاعدة أن يقال: إن كان العين عائدة إلى المرأة و المفسوخ عليه حال الطلاق و الفسخ بفسخ العقد الخياري لا بنحو الرجوع في الهبة الجائزة؛ فإنّه سبب جديد، كان المتعيّن دفع العين.

و أمّا لو لم ينتقل فالحال بعينه هو الحال في البيع اللازم، فكما أنّ الذمّة في الثاني تصير مشغولة بالبدل، فكذلك هنا أيضا؛ فإنّه قد تلف عن ملك المرأة و المفسوخ عليه، و حكم التالف هو الانتقال ببدله إلى الذمّة، و بعد صيرورة الحقّ متعيّنا في الذمّة لا وجه لعوده ثانيا إلى الخارج متعلّقا بالعين لو فرض عودها و لو بالفسخ للعقد الخياري، سواء كان بعد أداء البدل أم قبله.

هذا بناء على القول في التعهّدات المتعلّقة بالأعيان باشتغال الذمّة بالبدل عند تلفها كما هو المشهور و صيرورته من جملة الديون الثابتة في الذمّة.

و أمّا لو قلنا بأنّ معنى التعهّد أنّه متعهّد بتدارك الخسارة و جبران الضرر

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 608

الوارد على صاحب المال من جانب المال، و دفع البدل من باب أنّه مصداق هذا العنوان، لا أنّه من باب الاستقلال و الموضوعيّة، فالثابت عليه أوّلا ليس الدرهم و الدينار الكلّيّين في الذمّة، بل عليه عنوان التدارك للخسارة، و ليس هو الدرهم و الدينار، نعم قد يكون محقّقه ذلك، و قد يكون محقّقه غير الدرهم

و الدينار.

مثلا لو فرض أنّ قيميّا معلوم القيمة عند كلّ أحد وجد له على سبيل الندرة و الاتّفاق مثل في جميع الصفات و الخصوصيّات كان المتعيّن حينئذ أداء هذا المثل؛ لأنّه أقرب إلى الشي ء و إلى تداركه من القيمة، بل و على هذا لا بدّ و أن نقول بأنّ اللازم في ما انتقل عنه العين المتعهّد بها بنقل لازم، و كان ابتياعه سهلا عليه هو الابتياع؛ لأنّه نفس المتدارك، و لا شي ء أقرب إليه من نفسه.

و أمّا أنّه ملك جديد و ليس بالملك السابق، ففيه أنّه ليس في البين دليل إلّا على لزوم التدارك و جبر كسر المالك و رفع ضرره، فكلّ شي ء كان أقرب إلى هذا المعنى كان هو المتعيّن.

و بالجملة، إن قلنا في باب التعهّدات الأعيانيّة بهذا المبنى كان اللازم في العقود الجائزة تحصيل العين بالفسخ و الرجوع، و كذا في اللازمة التي يمكن بمقدّمة سهلة ارتجاع العين بسبب مستقلّ أو إقالة.

و إن قلنا- كما قاله القوم- باشتغال الذمّة بالبدل مستقلا فاللازم عدم الفرق أيضا بين النقل اللازم و الجائز في أنّه في كليهما يتعيّن الحقّ في الذمّة، حتّى لو انتقل العين إليه بالفسخ في العقد الخياري أيضا فلا يجب عليه دفعها.

و لا يخفى أنّ رواية البغلة في قضيّة أبي ولّاد، و رواية السفرة المطروحة في الطريق، و رواية عليّ بن جعفر الواردة في المهر- المتقدّمة- ليست دالّة على المبنى الأخير، أعني: أنّ البدل ينتقل في الذمّة ابتداء؛ لأنّ تعيين القيمة في هذه الروايات

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 609

يمكن أن يكون لأجل ندرة المثل لهذه الأشياء على وجه لا يكون مغايرا في شي ء من الخصوصيّات، إلّا أن يقال: إنّه على كلّ حال

يكون أقرب من القيمة.

الكلام في ما إذا نقص المهر في يد الزوجة

الصورة الرابعة من صور المسألة: أن يكون المهر عينا في يد الزوجة و نقصت بنقصان العين، ففي المسألة أقوال ثلاثة:

الأوّل: التخيير للزوجة بين أداء نصف القيمة؛ لأنّ العين بواسطة النقص و التعيّب كأنّها خرجت عن صدق كونه المفروض، فينتقل إلى البدل، و بين أداء نصف العين المعيوبة بدون الأرش بملاحظة أنّها لم تخرج عن كونها مفروضا، و لمّا كان التعيّب في ملكها لم يضمن الأرش.

القول الثاني: الرجوع بنصف العين مع الأرش؛ لأنّ ذلك مقتضى عدم خروج العين عن حقيقتها، و كون القبض موجبا لضمان الزوجة لذاتها و وصف صحّتها و جزئها، كما في سائر موارد الضمان المتعلّق بالعين.

و القول الثالث: التفصيل بين ما إذا كان النقص بفعل اللّه سبحانه أو بفعلها فالتخيير كالقول الأوّل، و بين ما إذا كان بفعل أجنبيّ فالمتعيّن أخذ القيمة يوم القبض، و لم نعلم وجه للقول الأوّل و لا الأخير، و القاعدة تقتضي القول الوسط.

في حكم زيادة عينيّة في المهر

الصورة الخامسة: الصورة بعينها، إلّا أنّ العين زادت في يدها زيادة عينيّة إمّا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 610

متّصلة كالكبر و السمن، و إمّا منفصلة كالولد و اللبن و الثمر و كسب المملوك.

أمّا الزيادة المتّصلة فهنا كلام في تحقيق الحقّ في نفس المسألة، و كلام في النظر في عبارة المسالك في هذه المسألة.

أمّا تحقيق الحقّ في نفس المسألة فهو إنّه قد أغنانا النصّ الموجود فيها بلا معارض عن تجشّم التكلّم فيها على حسب القواعد، و هو رواية عليّ بن جعفر عن أخيه عن أبيه أنّ عليّا صلوات اللّه عليهم، قال في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف فيكبر عندها و يريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها، قال عليه السّلام: «عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها

لا ينظر في زيادة و لا نقصان» «1».

و هي كما ترى صريحة في أنّه مع الزيادة المتّصلة يتعيّن القيمة بدون ملاحظة تلك الزيادة الحاصلة عندها، بل ملاحظة قيمتها الكائنة لها يوم الدفع المفروض فيه عدم الكبر، فيعلم منه الحال في كلّ زيادة متّصلة و أنّه يفرض العين منفكّة عن تلك الزيادة و يلاحظ قيمته مع هذا الفرض ثمّ تشطير تلك القيمة.

و أمّا كلام المسالك فإنّه أراد تطبيق هذا المرام أعني سقوط حقّه عن مطالبة نصف العين على القاعدة، فقال ما معناه: إنّ الزيادة حدثت في ملك الزوجة، فهي خارجة عمّا فرض، و لا يمكن فصلها في الملكيّة، فلا محيص عن الرجوع إلى القيمة إلّا أن تسمح الزوجة ببذل العين مع الزيادة لزوجه.

لا يقال: فما تقول في الفسوخ، حيث إنّ للفاسخ الاستقلال بالرجوع إلى عينه و لو كانت مشتملة على زيادة متّصلة حادثة عند صاحبه، فإنّ ذلك لا يمنع عن الرجوع إلى عينه.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 611

لأنّا نقول: فرق بين باب الفسوخ و باب الطلاق، حيث إنّ الفسوخ شبيهة بالعقود، فكما لو تعلّق العقد بالعين المشتملة على النماء المتّصل يتبعها نماؤها في الانتقال، فكذلك الفسوخ تكون الزيادة تابعة للأصل فيها أيضا، و هذا بخلاف هذا الباب، فإنّ الطلاق منصّف ابتدائي وارد على ما فرض صداقا، و الزيادة خارجة عن الفرض، فلا يرد عليه تنصيف الطلاق.

و فيه أوّلا: أنّه لا حاجة مع وجود النصّ الصريح في المسألة إلى هذه التجشّمات.

و ثانيا: لا يخلو العين إمّا يكون بسبب الزيادة خارجة عن حقيقتها التي بها صارت صداقا، و إمّا يكون على حقيقتها و اسمها الأوّلي، فعلى الأوّل لا

بدّ من الرجوع إلى القيمة.

و على الثاني مقتضى القاعدة لو لا النصّ هو الرجوع إلى العين و الزيادة أيضا تابعة، و لا فرق في تبعيّتها بين كون السبب المملّك هو العقد و ما يشبهه من الفسخ، أو كان هو الطلاق، فالنماء تابع للأصل في الملك مطلقا.

و يمكن أن يوجّه كلام المسالك بأن يقال: إنّ النماء المتّصل مثل الكبر و خصوصا زيادة الصناعة، مثل كتابة العبد لا يوجب خروج العين عن حقيقتها الأوّليّة التي كانت عليها حين فرضها صداقا، بمعنى أنّها ليست غيرها بالمباينة، و لكن صارت غيرها باختلاف الحدّ و الزيادة و النقيصة، و الملكيّة الصداقيّة كانت قائمة بالحدّ الناقص، لا بمعنى أنّه أخذ في موضوعها عدم الزيادة حتّى يرجع إلى التباين، بل بمعنى أنّ الملكيّة لم تحتو على أزيد من ذلك الحدّ.

فإذن يكون المفروض في ضمن هذا الذي اشتمل على الذات و على الزيادة الحادثة، فالزيادة خارجة عن الفرض، فلا يشملها دليل تنصيف الفرض، و إذا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 612

خرجت عن التنصيف تبقى متعلّقة لحقّ الزوجة، فيصير العين بعد الطلاق مجمعا لحقّين: حقّ للزوج و هو النصف من الذات الخالية عن هذه الزيادة المتجدّدة، و حقّ للزوجة و هي تلك الصفة الزيادة القائمة بالذات، و لا وجه لإجبار الزوجة على رفع اليد عن حقّها إمّا مجّانا، و إمّا مع العوض، فيتعيّن الأمر في أفراد كلّ بماله، أعني الزوج بنصف الذات بدون الوصف، و الزوجة بالنصف الآخر مع كلّ الوصف، و حيث إنّ الوصف لا يقبل هذا الانفكاك عن الذات في التقويم و الماليّة فينحصر المحيص في الرجوع إلى قيمة الذات بلا وصف.

نعم إن رفعت الزوجة اليد عن حقّها فبمقتضى كون العين هي

نفس ما فرض فلا حقّ للزوج في الامتناع و وجب عليه القبول؛ لأنّه حقّه مع زيادة. و الحاصل:

المانع حقّ الزوجة، و مع رضاها يزول، فيؤثّر المقتضي أثره، هذا حال الطلاق الذي هو المملّك الابتدائي.

و أمّا الفسخ حيث نقول برجوع العين و لو مع الزيادة المتّصلة الحادثة في يد المفسوخ عليه ممّا لم يحصل بتكسّب منه، بل كان مثل الكبر الذي يكون من فعل اللّه سبحانه فالوجه في رجوع العين مع الزيادة إلى الفاسخ، أمّا بناء على أنّه من الأصل فواضح، لأنّه إعدام لما وقع و جعله غير واقع حقيقة، و من المعلوم أنّ مقتضاه قلب الآثار المتوسّطة بين الفسخ و العقد حتّى بالنسبة إلى النماءات المنفصلة.

و أمّا بناء على أنّه من الحين فلأنّ معناه حينئذ البناء في الحال على عدم انقطاع ملك المالك الأوّل عن هذه الرقبة و عدم الدخول في ملك المالك الجديد.

فدعوى المالك الجديد أنّ هذا النماء قد حدثت في ملكي للرقبة الذي كان ثابتا بالأمس و المملّك الجديد لا يرفع الملكيّة السابقة، فاللازم بقاء حقّي على النماء، ينافي مع البناء المذكور؛ إذ مقتضاه عدم ترتيب الآثار من هذا الحين على تلك

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 613

الملكيّة السابقة المتخلّلة بين العقد و الفسخ و إلصاق ملكيّة المالك الأوّل من هذا الحين إلى آن وقوع العقد، و هذا معناه ترتيب آثارها، فيتناقضان.

لا يقال: مقتضى هذا القول الحكم بملكيّة النماءات المنفصلة أيضا للفساخ بعين هذا التقريب؛ فإنّ ذمّة الحكم بملكيّة المفسوخ عليه إنّما هو تبعيّتها لملك أصلها الثابت قبل الفسخ للمفسوخ عليه، و قد كان مقتضى الفسخ البناء على عدمه.

لأنّا نقول: الفرق بين المتّصل و المنفصل أنّ المتّصل تابع في الملكيّة للأصل بكيفيّة أخرى

وراء المنفصل؛ فإنّ المنفصل يصير ملكا مستقلا لمالك أصله، و صيرورته ملكا كذلك له يكون بتبعيّة أصله.

و أمّا المتّصل فكما أنّ أصل ملكيّته يكون بتبعيّة ملكيّة الأصل ليس له ملكيّة أيضا مستقلّة، بل هو في الملكيّة أيضا تابع الأصل، فليس للمالك هنا ملكان أحدهما الأصل و الآخر مثلا الكبر، نظير أنّه ليس لمالك الدابّة ملكان، أصلها و ذنبها، فذنبها ملك له إلّا أنّه بعين ملكيّة الدابّة، لا بملكيّة اخرى استقلاليّة.

إذا عرفت هذا فالمملّك الجديد إذا ورد على الذات و لم يحط بالنماء المتّصل فهو يقتضي رفع هذه التبعيّة عن النماء المتّصل و جعله يملك مالك الرقبة استقلالا و انفصالا.

و أمّا النماء المنفصل فلا يقتضي في حقّه شيئا؛ لأنّه من بدو حدوثه كان ملكا مستقلا، فالفسخ مقتضاه البناء على العدم في ما يقتضيه السبب المملّك و هو استقلال النماء المتّصل، لا بالنسبة إلى ما لا اقتضاء له.

و بعبارة أخرى: الفسخ و إن كان بحسب اللبّ سببا جديدا، و لكن بالنسبة إلى التأثير الحاليّ الثابت للسبب الجديد يكون بحكم عود الملك و عدم تحقّق ما وقع، لا بالنسبة إلى ما لا تأثير له، و النماء المتّصل يكون انفصاله من أثره الفعلي، و أمّا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 614

المنفصل فانفصاله كالكون من قبل نفسه، و الآن أيضا كما كان.

إن قلت: غاية ما يتحقّق من بيانكم هو الفرق بين الملك الجديد و الفسخ، و لكن نقول بعد الطلاق يجتمع في المال حقّان لا يمكن إفراز أحدهما عن الآخر، فكما أنّ حقّ الزوجة بالزيادة مانع عن أخذ الزوج نصفه حتّى لو قال: أعطيك بدل حقّك فإنّ ملزميّتها بقبول البدل منافية لسلطنتها، كذلك حقّ الزوج بالنصف مانع للزوجة عن الأخذ

بحقّها و لو ببذل عوض النصف للزوج، فما الوجه في قولكم بالاختيار للزوجة في الامتناع عن دفع العين و إعطاء البدل و عدم هذا الاختيار للزوج و الحال أنّ كليهما ذو حقّ في العين.

نعم لو سمحت الزوج ببذل النصف مع الاشتمال على الزيادة بلا مطالبة عوض فلا إشكال في أنّه ليس له الامتناع؛ لأنّه حقّه مع زيادة، و ليس في قبوله تحمّل منه، لأنّ له دفع المنّة بدفع بذل الزيادة و عدم قبولها منه مجّانا.

كما أنّه لا إشكال في أنّه لو لم تسمح بالبذل و لو مع العوض و كذا الزوج أيضا أبى إلّا عن أخذ نصفه بلا بذل شي ء بإزاء الزيادة ينتقل حقّ الزوج إلى البدل؛ إذ مع هذا التقدير الذي فرضنا لا يمكن الوصول إلى العين، و البدل هو المتعيّن عند هذا.

و أمّا أنّه بالنسبة إلى حصّته يصير شريكا في العين إمّا في الربع أو في الثلث أو غير ذلك على حسب اختلاف الكسر و الانكسار بين الحقّين.

ففيه أنّه ليس إعطاء لنفس الحقّ، بل هو معاوضة جديدة؛ فإنّ الحقّ إنّما هو النصف، فإذا تعذّر يتعيّن القيمة، و لا دليل على المجبوريّة بقبول هذه المعاوضة، و بالجملة، لا كلام في حكم هاتين الصورتين.

إنّما الإشكال و الكلام في حكم الصورة الثالثة و هي: صورة حضور كليهما في بذل العوض عن حقّ صاحبه، فلأيّ وجه حكمتم في هذه الصورة أيضا بتعيّن حقّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 615

الزوج في العوض و لا عكس؟ أعني: لا يتعيّن حقّ الزوجة في العوض حتّى يصير نصف العين بتمامها للزوج، و الحال أنّ قاعدة السلطنة بالنسبة إلى كليهما جارية، لتعلّق الحقّ لكلّ في نفس العين، فترجيح إحدى السلطنتين على الأخرى

ترجيح بلا مرجّح.

في جواب شيخنا الأستاذ

قلت: الذي أجاب به شيخنا الأستاذ دامت أيّام بركاته عن هذه العويصة:

أنّ المرجّح حينئذ تعهّد الزوجة لحقّ الزوج دون الزوج لحقّ الزوجة، فإنّه إذا صار مآل أمر المال إلى هذا الحال أعني: لا يحضر أحد من الشخصين بالإغماض عن حقّه بالعوض، و الفرض أنّ تخليص أحد الحقّين عن الآخر خارجا غير ممكن فكلّ من الشخصين يتعذّر وصوله إلى حقّه، لمزاحمة حقّ صاحبه الذي جعل له الشارع عدم رفع اليد عن حقّه، و بعد تحقّق موضوع التعذّر في حقّهما يكون له الحكم في حقّ الزوج أعني: الانتقال إلى البدل على ذمّة الزوجة، و لا حكم له في حقّ الزوجة.

فلو بذل الزوج جاز للزوجة أن تمتنع عن القبول، و أمّا لو أعطيت الزوج التدارك الذي جعل له الشارع بحكم الضمان ليس للزوج الامتناع عن قبوله، لوقوع المبادلة القهريّة الشرعيّة بين ماله و بين العوض الواقعي.

و لعلّ نظير المقام حكم المشهور في مسألة خيار الغبن بثبوت الخيار للمغبون و لو مع بذل الغابن للتفاوت، الذي استشكل على هذا الإطلاق شيخنا المرتضى قدّس سرّه.

فنقول في توجيه كلامهم: إنّ بذل الزيادة لا عنوان له إلّا الهبة المستقلّة؛ لعدم دخالته في شي ء من طرفي المعاوضة، و حينئذ فإن كان هنا حكم من الشارع على

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 616

الغابن ببذل التفاوت، لم يكن للمغبون الامتناع عن قبوله، و بواسطته يصير لزوم العقد غير ضرري، و أمّا لو لم يكن في البين إلّا مجرّد حضور الغابن للبذل فالتدارك غير حاصل إلّا بعد قبول المغبون؛ إذ مع عدم قبوله لا يدخل الملك في ملكه، فيبقى ضرريّة اللزوم بحاله.

نعم لا إشكال مع القبول و ليس هو مورد كلامهم، و إنّما

هو في صورة الامتناع عنه و اختيار الفسخ؛ فإنّ لزوم العقد حينئذ لا إشكال في ضرريّته، فنحكم بارتفاعه بمقتضى القاعدة.

ثمّ من الكلام في صورة الزيادة المحضة و النقيصة المحضة يظهر الكلام في الزيادة من جهة و النقيصة من اخرى، كما لو سمن العبد و صار أعور؛ فإنّه لو بذلت نصف السمين و أغمضت عن حقّها في سمنه و تداركت نقصانه من جهة العور ببذل الأرش فقد أعطت حقّه، فليس له الامتناع عن القبول؛ إذ المفروض أنّه عين ما فرض صداقا، و نقصه مجبور بالأرش. و أمّا لو لم تسمح بالزيادة تعيّن الرجوع إلى القيمة، أعني قيمة نصف العين خالية عن الزيادة و النقيصة.

إن قلت: ما ذكرت من تقديم قاعدة السلطنة في جانب الزوجة عليها في جانب الزوج، بملاحظة ثبوت التعهّد للزوجة لنصيب الزوج، دون الزوج لحقّ الزوجة، فيه: أنّه لا يصلح للمرجّحيّة؛ إذ كما قدّمت سلطنة الزوجة، فحكمت بتعذّر وصول الزوج إلى نصيبه، ثمّ الانتقال إلى بدله، لنا أن نعكس و نقدّم سلطنة الزوج و نحكم بتعذّر وصول الزوجة إلى حقّها، و حيث نقطع بأنّه لا ينتقل إلى الزوج بلا عوض و مجّانا، نحكم بثبوت بدله في ذمّة الزوج.

قلت: الفرق أنّه إن قدّمنا سلطنة الزوجة فسلطنة الزوج ساقطة و سقوطها عن العين و الانتقال إلى البدل حينئذ أثر شرعي، و أمّا سقوط سلطنة الزوجة عند

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 617

تقديم سلطنة الزوج، فيكون بالملازمة، لا بترتيب الحكم على موضوعه، بمعنى أنّا نعلم أنّه لا يصير العين مع الزيادة إلى الزوج إلّا مع بذل للزوجة في ذمّة الزوج، فلسلطنة الزوجة حكومة على سلطنة الزوج.

إن قلت: كلامك في النماء المتّصل في باب الفسخ و إن لم

يرتبط بمسألتنا إنّما يصحّ في ما إذا لم يحصل بعمل من المفسوخ عليه، و أمّا النماء الذي حصل بسعي منه و عمل فلا يمكن الالتزام فيه أيضا بعوده إلى الفاسخ، و ضياع العمل على المفسوخ عليه و لو بلغ العين بواسطة عمله في ترقّي القيمة ما بلغ.

قلت: يمكن أن يقال بالفرق بين النماء الحاصل بفعل اللّه سبحانه و بين ما يحصل نتيجة لعمله و سعيه، ببقاء الثاني على ملك المفسوخ عليه و عود الأوّل إلى الفاسخ.

أمّا الثاني فبالتقريب الذي مضى، و أمّا الأوّل، فلأنّه لا يتشبّث في تملّكه بالملكيّة السابقة حتّى يقال: إنّ الفسخ قد وصل اللاحق بالسابق و جعل الملكيّة المتخلّلة بحكم العدم، و لا باحترام عمله، لأنّه لا يقتضي شركته في عين مال الفاسخ، أي هو و غيره سواء بالنسبة إلى هذا العمل، فأيّ ترجيح له على غيره؟ إذا المفروض أنّه عمل العمل في ماله حال العمل، مع أنّ اللازم حينئذ ملاحظة أجرة العمل، و هو قد يتفاوت مع قيمة الزيادة الحاصلة بواسطته، بل هو متشبّث في تملّكه بأنّه نتيجة عمله المشروع المباح له و لو لم يكن في ملكه. فإنّ الإنسان متى عمل عملا له خاصيّة ماليّة فإن كان لسبق أمر من الغير كان معناه أنّ العمل يقع بعنوان ذلك الغير، فلا محالة يدخل النتيجة في ملكه، و عوض العمل على ذمّة الآمر، و إن لم يكن بسبق أمره، بل وقع في ملك الغير بدون إذنه فهو غاصب لا حقّ له.

و أمّا إذا لم يكن بسبق أمر الغير، بل عمل العمل لأجل انتفاع نفسه بنتيجته

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 618

و كان العمل مشروعا مباحا، سواء كان في ملك نفسه أو في

غير ملكه فهذه النتيجة تابعه في الملكيّة ملكيّة العمل، كالنتاج لملكيّة الامّ، و هذا أمر عرفي مقطوع به غير محتاج إلى نصّ و تعبّد من الشارع، و لازم كونه كذلك أنّه لو انتقل العين الذي فيها تلك النتيجة إلى غيره بالفسخ صار النتيجة منفصلا و صاحبه شريكا بنسبة القيمة، و ليس هذا لأجل حدوثه في ماله حتّى يقال: إنّ الفسخ إبطال الملكيّة الحادثة المتخلّلة، بل لأجل أنّه وليدة عمله و خاصّيّته.

و الحاصل: التبعيّة للأصل في النماء المتّصل قاضية بعد الفسخ بكونه ملكا للفاسخ في القسم الذي لم يحصل، بتوسيط عمل من المفسوخ عليه، و أمّا ما كان منه كذلك فهو بعد الفسخ يخرج عن تبعيّة الأصل و يصير بمقدار قيمته سهما مشاعا في العين، و قد صرّحوا بهذا أعني: الشركة في العين بقدر ما زاد بالعمل في باب المفلس، إذا رجع الغريم بعين ماله و قد زاد بواسطة عمل المفلّس فراجع.

هذا حاصل الكلام في النماء المتّصل.

و أمّا النماء المنفصل ففيه روايتان متعارضتان:

الاولى: موثّق عبيد بن زرارة، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل تزوّج امرأة على مائة شاة، ثمّ ساق إليها الغنم، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها و قد ولدت الغنم؟

قال عليه السّلام: «إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها و نصف أولادها، و إن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها و لم يرجع من الأولاد بشي ء» «1».

و هذه الرواية كما ترى صريحة في أنّ النماء المنفصل الحادث بعد دخول العين في ملك المرأة (الذي هو المراد بقوله: عندها، كما أنّ المراد بقوله: عنده. قبل حصوله

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 619

في ملك المرأة

و عند كونها ملك الرجل) يكون غير ملحوظ فيه التنصيف، فيكون بتمامه باقيا على ملك المرأة.

و لكنّ الإشكال في الفقرة الاولى من الرواية أعني: حكمها في صورة الحمل عنده بورود التنصيف على الأولاد أيضا؛ فإنّه في هذه الجهة معارض لرواية عليّ بن جعفر السابقة الحاكمة في مثل هذا الموضع أعني: ما إذا كبر المهر عند المرأة بلزوم نصف القيمة قبل حدوث الزيادة، و لا يخفى أنّ الحمل الذي جعل من المهر قد زاد عند الولادة، فكيف يحكم بتنصيف نفس الأولاد.

نعم لو قيل: إنّ الحمل ما دام حملا ليس بمال، كالكرش في الجوف، فإذا انفصل حيّا يكون من هذا الحين مالا، فجعله من المهر حينئذ يكون بلحاظ حال انفصاله حيّا، نظير عزل سهم الولد في الميراث معلّقا على انفصاله حيّا، ارتفع إشكال زيادة حال الولادة عن حال الحمل.

و لكن يستشكل حينئذ بأنّ الأولاد في مفروض الرواية كانت كثيرة، و من البعيد حصول ولادة الكلّ متّصلا بالطلاق و عدم فصل بين بعضها مع بعض، و حينئذ فالبعض المقدّم في الولادة كان أزيد منه حال الطلاق.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الرواية ليست بصدد البيان من هذه الجهة، أو يقال: إنّ المراد النصف من قيمة الأولاد، و كلاهما بعيد، فلا محيص عن القول بتخصيص تلك الرواية بهذه.

و كيف كان فالرواية الثانية المعارضة لهذه رواية أبي بصير سئل الصادق عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف و له غلّة كثيرة ثمّ مكث سنين لم يدخل بها ثمّ طلّقها؟ قال عليه السّلام: «ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه و يعطيها نصف البستان إلّا أن تعفو فتقبل منه و يصطلحا على شي ء

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 620

ترضى به منه، فإنّه أقرب للتقوى» «1».

فإنّ المراد من غلّة البستان ثماره الحاصلة من أشجاره؛ فإنّ إطلاق الغلّة على الرطب و العنب شائع، كما في الغلّات الأربع التي أحد الأصناف الزكويّة، و لو لم يكن قوله: ثمّ مكث سنين، أمكن الحمل على الثمار الموجود حال العقد حتّى يندرج في المهر، و لكن هذا الكلام صريح في أنّ النماء المتجدّد بعد العقد أيضا يرد عليه التنصيف، فيكون معارضا مع الرواية السابقة، كما أنّها تدلّ على مذهب ابن جنيد من عدم ملكيّة نصف المهر إلّا بالدخول.

فما عن السيّد السند صاحب المدارك من إنكار الدلالة لم يعرف وجهه، و ليس في الرواية إلّا وجود أبي بصير في السند، و هو مشترك بين الليث المرادي الثقة و بين غيره، و هو يوجب القدح بنظر القوم، فإن خدش فيها من هذه الجهة فهو، و إلّا فالأمر في المسألة في غاية الإشكال.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 621

تنبيهات
الأوّل هل الحمل من جملة التوابع في النواقل أو لا؟
اشارة

لو أصدق حيوانا حاملا فهل التنصيف وارد على الام و الولد معا، أو يختصّ بالأمّ، و هل فرق في ذلك بين ما قبل الوضع و ما بعده أو لا، و التكلّم في ذلك تارة بحسب مقتضى القاعدة، و اخرى بحسب مقتضى النصّ الخاصّ.

أمّا الأوّل: فاعلم أنّه وقع الخلاف في كون الحمل من جملة التوابع التي تدخل مع الأصل في النواقل كالبيع و الصداق، أو ليس منها فيحتاج في إدخاله تحت النقل إلى الشرط، فمع عدم الشرط يبقى على ملك الناقل.

و المقصود من التبعيّة أنّه يدخل في ملك المنقول إليه قهرا و لو لم يخطر بخاطرهما و لم يقع تحت

اللحاظ الإنشائي أصلا و لو مثل وقوع أجزاء المبيع، فإنّ الأجزاء أيضا يتّصف بصفة المبيعيّة و النقل، لكن بتبع الكلّ، و التبعيّة فيها غير التبعيّة هنا.

فالمقصود بها هناك أنّها لم تقع تحت النظر و اللحاظ الاستقلالي الإنشائي، بل للناقل نظر واحد و إنشاء واحد متعلّق بالمجموع و الجزء أيضا في ضمن الكلّ يتعلّق به

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 622

تبعا للكلّ ذلك اللحاظ الواحد المتعلّق بالكلّ و إن لم يتعلّق بكلّ واحد لحاظ تفصيلي استقلالي.

و المقصود بها هنا أنّه يدخل في الملك و لو لم يكن أصل وجوده ملتفتا إليه فضلا عن أن يكون داخلا تحت الإنشاء و لو بنحو التبعيّة في باب الأجزاء، و لهذا لو كان وجوده مجهولا فضلا عن جنسه و وصفه لم يكن البيع غررا، بخلاف الأجزاء؛ فإنّ جهلها يوجب غرريّة البيع، و لعلّ الوجه في التبعيّة المذكورة في هذا القسم أعني: مثل المفتاح و أشباهه هو العرف الحاكم بذلك في جميع أبواب النواقل.

ثمّ لازم هذه التبعيّة أن يكون داخلا مع الملك مطلقا، سواء كان المملّك مثل الفسخ أم مثل الطلاق، و لكن ما دام لم يحصل له الاستقلال و الانفصال، و أمّا بعد ذلك فيحصل له الحكم المستقلّ.

إذا عرفت ذلك فإن قلنا في الحمل بكونه من التوابع للامّ بالمعنى الذي ذكرنا في مثل المفتاح و كان الطلاق قبل وضع الامّ إيّاه فاللازم ورود التنصيف عليه، و إن كان الطلاق بعد وضعه و انفصاله عن الامّ و صيرورته شيئا مستقلا فهو كما لو غيّر هيئة الجلّ و جعله فرشا أو لباسا فإنّه لا يرجع نصفه بطلاق و لا بالفسخ إلى الزوج.

ففي ما نحن فيه لا بدّ على هذا من الفرق بين

ما قبل الوضع و ما بعده بورود التنصيف على الامّ و الولد معا في الأوّل، من غير فرق بين حدوثه عند الزوج أو عند الزوجة، و عدم التنصيف إلّا في الأمّ في الثاني، من غير فرق بينهما أيضا، هذا على تقدير اختيار التبعيّة كما حكي عن بعض.

و أمّا لو اخترنا عدمها و أنّ الاندراج يحتاج إلى الاشتراط فمقتضى القاعدة ورود التنصيف على الامّ و الولد معا، سواء قبل الوضع أم بعده إذا كان حدوث الحمل عند الزوج و اشترط كونه مع الأمّ في الصداق.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 623

و أمّا إذا لم يشترط فالتنصيف وارد على الامّ و تمام الولد للزوج، كما أنّه لو حدث عند الزوجة فالتنصيف على الامّ و تمام الولد للزوجة، هذا مقتضى القاعدة.

و أمّا مقتضى النصّ الخاصّ و هو روايتان موثّقتان و في كلتيهما التفصيل بين صورة حمل الأغنام عنده فالنصف من الامّ و الأولاد يرجع إلى الزوج، و بين صورة حملها عندها فنصف الأمّ خاصّة.

و أنت خبير بأنّ هذا المضمون مخالف لمقتضى القاعدة على كلّ من المذهبين المتقدّمين في الحمل أعني: التبعيّة، كما نسب إلى بعض، و عدمها، كما نسب إلى المشهور، فإنّهما بإطلاقهما شاملان لما قبل الوضع و ما بعده، بل يمكن دعوى ظهورهما، بل صراحة إحداهما في وقوع الطلاق بعد الوضع و الولادة فراجع، و كذا لما إذا لم يتعرّضا لاشتراطه في الصداق، بل و لم يلتفتا إلى أصل وجوده.

و لا ريب أنّ المتعيّن الأخذ بمقتضى الخبرين و تخصيص القواعد الكلّيّة بهما، فلا وجه لما في المسالك من التكلّم في المسألة على القاعدة و تشقيق الشقوق و عدم ذكر للخبرين أصلا.

بقي الكلام في تعارض الخبرين مع ما تقدّم

من خبر عليّ بن جعفر حيث إنّ مقتضاهما التنصيف و لو مع الاشتمال على الزيادة، و قد كان مقتضاه في الوصيف الذي كبر عندها تعيّن الرجوع إلى القيمة يوم القبض بلا زيادة و لا نقصان.

و قد يجمع بينهما باختلاف المورد؛ فإنّ مورد خبر عليّ بن جعفر هو الوصيف المنفصل عن الامّ، و مورد هذين هو الحمل الذي صار منفصلا عند الزوجة، فيلتزم بالفرق بين الموردين.

و هذا بعيد، بملاحظة أنّ خبر عليّ بن جعفر و إن كان مورده الوصيف و لا يتبادر الذهن منه إلى الحمل، و لكن بعد ما فهم أنّ الحمل أيضا يصحّ جعله مهرا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 624

فالعرف يفهم من الكلام المذكور عدم الفرق بينهما في الحكم المزبور، و الحاصل أنّ الندرة لا يوجب الانصراف.

و الأولى في الجمع أن يقال: إنّ هاتين الروايتين إنّما هما بصدد أصل تشريع استحقاق الزوج لنصف الأولاد كاستحقاقه لنصف الأمّ في قبال اختصاص استحقاقه بالأمّ.

و أمّا كيفيّة استحقاقه فهي محوّلة إلى الخارج من هذا الكلام، فكما أنّ الأمّ لو ازداد عند الزوجة فلا ينافي هذا الكلام انتقال الزوج إلى قيمته كما حكم به خبر عليّ ابن جعفر، فكذلك الحال بالنسبة إلى الأولاد، هذا.

ثمّ لو فرض حدوث نقص و هزال في الأمّ بواسطة الوضع فلا بدّ كما مرّ من تدارك نقصه و إن كان قد ازدادت بسبب اللبن و قد كان زيادة القيمة الحادثة من اللبن مطابقا أو أكثر من نقصان القيمة الحادث من جهة الهزال، فإنّ نقصان الهزال شي ء برأسه، و لا وجه لملاحظة الكسر و الانكسار في القيمة مع الزيادة من جهة اللبن، فإذا كان هو نقصا مستقلا لحقه حكم النقص و هو الأرش، كما

أنّه يلحق الزيادة أيضا حكمها و هو الانتقال إلى قيمة يوم القبض من دون نظر إلى زيادة و نقصان.

ثمّ إنّ هنا مطلبا و هو أنّ الظاهر أنّ المراد بتعيين القيمة يوم القبض في رواية عليّ بن جعفر ليس بالقياس إلى تفاوت القيمة السوقيّة، بل بالنظر إلى ما طرأ على العين من الزيادة و النقصان، فلا منافاة فيها مع مقتضى القاعدة في كليّة باب الضمانات في اختلاف القيمة السوقيّة من أنّه القيمة يوم التلف أو يوم الأداء.

و يتفرّع على هذا أنّه لو كان يوم قبض الوصيف قيمة الصغير خمسة قرانات و قيمة الكبير عشرة قرانات، و صار يوم الطلاق الذي هو يوم الانتقال إلى البدل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 625

و تعذّر العين قيمة الصغير عشرة قرانات و الكبير عشرين قرانا كان عليها عشرة قرانات؛ إذ هي قيمة العبد الخالي عن الزيادة و النقيصة في يوم الطلاق و إن كان هي قيمة الكبير يوم القبض.

في بيان احتمال المراد من يوم المخالفة في رواية أبي ولّاد

و من هنا يحتمل أن يكون المراد بتعيين يوم المخالفة و الغصب في رواية أبي ولّاد حيث سأله: أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال عليه السّلام:

«نعم قيمة بغل يوم خالفته» «1» هو الإشارة إلى أنّه لو طرأ على البغل بواسطة المسافرة به عيب ثمّ تلف فلا ينظر إلى قيمته في حال العيب، بل إلى حال سلامته و هو يوم المخالفة.

فالنكتة في تعيينه ذلك، دون النظر إلى اختلاف القيمة السوقيّة، كما أنّ الزيادة في العين غير حاصلة مع وجود المسافرة و الركوب عليه، فهو في معرض حدوث النقصان و الهزال ثمّ التلف، دون السمن و الزيادة.

و على هذا فالتمسّك بتلك الصحيحة على تعيّن قيمة يوم الغصب

كما فعلوه غير متّجه.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 626

التنبيه الثاني لو أبرأته من صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول

لا إشكال في أنّه لو أبرأته من صداقها ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الصداق، و هذه المسألة بعد ورود النصّ فيه يكون التكلّم فيه خاليا عن الجدوى، فالمهمّ التكلّم في ما عطفه المحقّق في الشرائع عليه من مسألة الخلع و هو أنّه لو خلعها بتمام الصداق يرجع أيضا عليها بنصف الصداق.

و ربّما يستشكل فيه- مضافا إلى كون الخلع خاصّا بالمورد الذي أمكن للزوج الرجوع إليها لو رجعت إلى فديتها و بذلها و هو منحصر في الطلاق الذي لو لا البذل كان رجعيّا و للزوج فيه الرجوع ما دام العدّة فلا يجري في غير المدخولة التي طلاقها من البائن مع قطع النظر عن البذل- بأنّ في خصوص هذا الفرد من البائن إشكالا خاصّا به و هو أنّ الطلاق يقتضي هنا أثرين متضادّين لا يجتمعان في الوجود، أحدهما بقضيّة كونه خلعا انتقال تمام المهر إلى الزوج، و الآخر بقضيّة كونه طلاقا قبل الدخول انتقال نصفه إلى الزوج، و حيث لا ترجيح فلا بدّ من الحكم بالبطلان.

و فيه أنّ أثر انتقال الكلّ مقدّم في الرتبة على الأثر الثاني، فإنّ الأوّل ليس أثرا للطلاق، بل هو عوض له كالثمن في البيع، فكما ليس ملكيّة الثمن من آثار المثمن، فكذا هنا ليس ملكيّة المبذول من أثر الطلاق، بل هما حاصلان كلاهما في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 627

عرض واحد بالإيجاب و القبول، و لو فرض أنّ بابهما ليس باب المعاوضة، و لكنّه لا أقلّ من كونه كباب المهر في النكاح حيث يحصلان معا بسببيّة العقد، فهما من هذه الجهة متّحدان مع العوض

و المعوّض.

و حينئذ ففي رتبة حصول الطلاق يحصل ملكيّة تمام المهر للزوج، فينحصر المخلص في الرتبة الثانية التي هي محلّ تأثير الطلاق في تمليك النصف في الرجوع إلى البذل.

ثمّ إنّه لو سلّمنا أنّ المقام من قبيل ما لو تصادق عنوانان على شي ء واحد لكلّ منهما الاقتضاء و السببيّة، لكن لا نسلّم التهافت و التنافي بينهما؛ إذ ليس اقتضاء أحدهما أعني: الطلاق قبل الدخول إلّا انتقال النصف إلى الزوج لا على وجه كونه بشرط لا و لا بشرط كونه مجّانا و بلا عوض، و اقتضاء الآخر أعني: الخلع ليس إلّا انتقال الكلّ بالعوض، و هذان ممّا يجتمعان و يتلائمان.

إلّا أن يقال: إنّ المستفاد من قوله تعالى فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ هو الانتقال على وجه المجّانيّة؛ إذ حينئذ يصير المقام نظير ما لو وهب الشخص و باع وكيله أو بالعكس في زمان واحد؛ فإنّ انتقال المال الواحد بوجه المجّانيّة و بوجه المعاوضة ممّا لا يجتمعان.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 628

التنبيه الثالث [في تنصيف الصداق]
اشارة

لا إشكال في أنّه لو نقلت إليه الصداق بوجه المعاوضة إمّا بيعا أو صلحا أو غيرهما فالتنصيف إنّما يعتبر بالنسبة إلى المعوّض لا العوض، كما أنّه لا إشكال في أنّه لو كان الصداق أمرا كلّيّا فطبّقة على مصداقه الحقيقي الخارجي فالتنصيف وارد على هذا المصداق الخارجي، إذ كما أنّ المعروض يتعيّن فيه، كذلك و صفة الذي هو المفروضيّة، فهذا الشي ء يصير كلّيّه الثابت في الذمّة الذي كان مفروضا و صداقا، فيرد عليه حكم التنصيف.

إنّما الإشكال في مقامين:

في أنّ الوفاء بغير الجنس معاوضة مستقلّة أو لا؟

أحدهما: لو أعطى غير الجنس بعنوان الوفاء لا بعنوان المعاوضة فهل لهذا حقيقة أخرى؟ أو لا بدّ من انتهائه إلى المعاوضة المستقلّة، فحقيقة الوفاء هو الإتيان الخارجي بمصداق ما في العهدة، فإن كان ما في العهدة هو حقيقة المجي ء مثلا فليس الوفاء إلّا العمل الخارجي للمجي ء، و لا يقوم غيره من الأعمال مقامه، و لكن لو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 629

حصل التراضي بين المتواعدين بقبول غيره مقامه فهل هذا التراضي يوجب صدق عنوان الوفاء على ذلك العمل الأجنبي؟ أو أنّ غاية الأمر أنّ خاصّيّة التراضي المذكور، أن يترتّب على ذلك العمل خاصّيّة المجي ء من براءة الذمّة، و أمّا لو كان هنا أثرا مرتّبا على عنوان الوفاء فهو غير مرتّب؟

الذي قوّاه شيخنا الأستاذ دام علاوة هو الثاني.

و على هذا ففي مقامنا و إن سلّمنا أنّ حقيقة هذا التراضي على الوفاء بغير الجنس ليست براجعة إلى المصالحة بين ذلك الجنس و هذا الغير حتّى يفيد أثر الإسقاط، أو إلى المصالحة بين الإبراء و بين ذلك الغير، بل هي حقيقة برأسها تفيد فائدتهما في براءة الذمّة، و لكن لا نسلّم أنّ غير المصداق يتّصف حينئذ بعنوان الوفائيّة و كونه مفروضا

و صداقا، فلا يحكم بالتنصيف إلّا بالنسبة إلى نفس المهر، لا هذا المدفوع وفاء جعليّا.

حكم ما لو دفع مصداق المعيب وفاء

الثاني: انصراف المهر إلى الصحيح كما في باب البيع و غيره بمنزلة التقييد بالصحيح، فلو جعل المهر الحنطة الكلّيّة فهو بمنزلة جعله الحنطة الصحيحة، و حينئذ فأداء الحنطة المعيبة دفع لما ليس بمصداق، لا أنّه مصداق حتّى يكون للمدفوع إليه في باب البيع خيار الردّ و الأرش، بل البيع لازم و لم يملك المدفوع.

نعم يمكن أن يقال: حيث إنّ وصف الصحّة ليس بنظر العرف ممّا يوجب تغيير الموضوع بنظر العرف فلو رضيت بالمعيب عالمة بعيبه فهذا مصداق حقيقي للمهر، و قد أغمضت في صفته، فيكون المدفوع المعيب بعد هذا الإغماض عين ما هو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 630

المفروض، فيكون التنصيف ملحوظا بالنسبة إليه بهذا الحال الذي كان عليه من العيب، و لا حقّ له في مطالبة الأرش.

و هذا بخلاف ما لو كانت جاهلة، فحينئذ يحكم ببقاء المعيب على ملك الزوج و بقاء المهر دينا على ذمّة الزوج، فيجب عليه دفع نصف الحنطة الصحيحة إليها، و هذا خلاف ما يظهر منهم قدّس اللّه أسرارهم في هذا الباب و باب البيع، فلاحظ كلماتهم قدّس سرّهم.

و حاصل الكلام في المقامين، أمّا في المقام الأوّل فهو أنّه لا يبعد أن يقال: إنّ في صورة أداء غير الجنس و التراضي عليه و إن لم يكن بينهما صيغة و قول مفاده المعاوضة إمّا بين ذلك الغير و بين نفس المال الذي في العهدة، و إمّا بينه و بين البراءة؛ إلّا أنّ الإعطاء الخارجي بهذا القصد كاف في تحقّقها، فليس له عنوان آخر غير المعاوضة بأحد النحوين كان عبارة عن الإيفاء، غاية الأمر أنّ الإيفاء له

مصداقان: أحدهما انجعالي، و الآخر جعلي، و على هذا ففي كمال الوضوح عدم ورود التنصيف على هذا الغير عند الطلاق قبل الدخول.

و أمّا في المقام الثاني فهو أنّه قد حقّق في محلّه سواء في باب الفسخ الذي يعتبر فيه عود الثمن و المثمن، أم في باب الاستصحاب الذي يعتبر فيه إبقاء الحكم في الموضوع السابق بدون حدوث تغيّر في حقيقته و ماهيّته أنّه يكون بين العين الشخصيّة المركّبة أو المقيّدة عند فقدان بعض أجزائها أو قيودها، كالفرس العربي عند فقدان وصف عربيّته، و بين الكلّي المركّب أو المقيّد إذا اعتبر فقدان بعض أجزائه أو قيوده فرق بحسب الفهم العرفي.

فلا يفهمون في الأعيان تفاوتا بحسب الماهيّة، بل يرون الذات باقية، و إنّما تبدّل حال من أحوالها، فلهذا يحكم عند الفسخ بالرجوع إلى عينه و تغريم صفته الفائتة، و كذا في الاستصحاب يحكم بجريانه في مثله.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 631

و هذا بخلاف الحال عندهم في المفاهيم الكلّيّة، فالفرس الأسود عندهم مغاير لمفهوم الفرس الأبيض، فلا يجوز في باب الفسخ ردّ الأسود في مقام الأبيض الكلّي- و إن صدر خلافه عن بعض السادة الأعاظم في حاشيته على مكاسب شيخنا المرتضى قدّس سرّهما في مسألة خيار الرؤية- و لا يجري الاستصحاب أيضا في مثله كما حقّق في الأصول في مسألة الميسور و المعسور.

و على هذا نقول في المقام: إذا أعطى المعيب مكان الكلّي الصحيح فإن كانت جاهلة فهو لم يعط المصداق، بل المعيب باق على ملكه، و لو طلّق قبل الدخول يجب عليه ردّ نصف مصداق الصحيح إليها، و عليها ردّ الفرد المعيب إليه إن كان موجودا، و إلّا فلا وجه لضمانها، لأنّها مغرورة له و لا يضمن

المغرور لمن غرّه.

و أمّا إن كانت عالمة و رضيت به مع عيبه ثمّ طلّق قبل الدخول فهل يحكم بالتنصيف على هذا المعيب، بأن يقال: إنّه نفس ذات المفروض، و إن كان فاقدا لوصفه فالمفروض كان مشتملا على ذات و وصف، فهذا عينه ذاتا، و إن كان غيره وصفا، فمن جهة عينيّة الذات نحكم برجوع نصفه إلى الزوج، و من حيث مفقوديّة الوصف نحكم برجوعه إلى بدل ذلك الوصف، كما في ما لو أبرأته عن بعض الصداق و أخذت منه بعضه، حيث إنّه يرجع إليها ببعض المأخوذ و بدل البعض الموهوب؟

أو أنّه يحكم بأنّ حال الوصف ليس كحال الجزء، فإنّ الجزء يكون جزءا في المعاوضة، و أمّا القيد فلا يكون داخلا فيها، بل طرف المعاوضة هو الذات المخصوصة، و هي مباينة مع المخصوصة بالخصوصيّة المباينة، فحاله حال التراضي على غير المصداق الذي قد تقدّم الكلام فيه في المقام الأوّل، فيحتاج إلى معاوضة جديدة، و مع الطلاق قبل الدخول يرجع إليها بنصف الفرد الصحيح، دون هذا المعيب الذي قد عوّض به الصحيح؟

و الظاهر من الوجهين هو الأخير.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 632

التنبيه الرابع لو جعل المدبّر مهرا لزوجته

لو دبّر مملوكا ذكرا أو أنثى، ثمّ جعله مهرا لزوجته فمقتضى القاعدة بطلان المهر إن كان التدبير لازما، و صحّته و بطلان التدبير إن كان جائزا؛ لأنّه وصيّة، فكما أنّ الوصيّة جائزة فكذا هو.

و أمّا القول بصحّة كليهما فليس على طبق القاعدة؛ فإنّ المهر نفس الرقبة لا منفعتها و خدمتها و لا ملكيّتها الموقّتة، فإذا صار مهرا صار ملكا طلقا للزوجة، و هذا مفوّت للمحلّ عن التدبير، فإنّ التدبير عبارة عن الانعتاق عن ملك المدبّر بموته، فلا يجتمع الحقيقتان.

نعم لو كان في البين دليل خاصّ

بصحّة كليهما فيمكن القول بأنّ الانعتاق حينئذ يرد على ملك الزوجة قهرا عليها، فالعمدة في المقام إنّما هو فهم هذا من النصّ الذي أوردوه في المسألة.

و هو ما رواه الشيخ عن المعلّى بن خنيس، قال: سئل أبو عبد اللّه و أنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة على جارية له مدبّرة قد عرفتها المرأة و تقدّمت على ذلك فطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: فقال عليه السّلام: «أرى للمرأة نصف خدمة المدبّرة و يكون للمرأة يوم في الخدمة، و يكون لسيّدها الذي كان دبّرها يوم في الخدمة» قيل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 633

له: فإن ماتت المدبّرة قبل المرأة و السيّد، لمن يكون الميراث؟ قال عليه السّلام: «يكون نصف ما تركته للمرأة و النصف الآخر لسيّدها الذي كان دبّرها» «1».

و أنت خبير بأنّه ليس في الرواية تعرّض لبقاء التدبير بحاله و عدمه؛ فإنّ ما اشتمله من التنصيف عند الطلاق قبل الدخول و تقسيم التركة لو ماتت المدبّرة قبل الزوجين مشترك بين القولين، نعم لا يخلو قول السائل: تقدّمت على ذلك.

و قول الإمام عليه السّلام: المدبّرة. عن إشعار بالبقاء.

و الذي يتوهّم لأجل إثبات الدلالة أن يقال: إنّ السائل كان من المفروغ عنه عنده صحّة كلّ من المهر و التدبير، و لهذا فرض كونها عالمة بالتدبير، و إنّما سؤاله عن حكم الطلاق قبل الدخول في هذا الموضوع.

و لكن قال شيخنا الأستاذ دام بقاه: يحتمل غير بعيد أن يكون غرض السائل السؤال عن حكم هذا المهر و أنّه صحيح أو باطل، فلعلّه توهّم أنّ المدبّر بواسطة تشبّثه بالحرّيّة لا يصحّ جعله مهرا، فإذا أقدمت المرأة على جعله مهرا مع هذا الحال فقد فوّضت بضعها مثل ما لو أقدمت على

جعل المهر خمرا، و حيث إنّ الغرض إطلاقها قبل الدخول فلم يتحقّق استحقاق مهر المثل في حقّها أيضا بواسطة عدم الدخول، فأجابه الإمام عليه السّلام بما يستلزم صحّة المهر، و أمّا صحّة التدبير و عدمه فلم يظهر منه حالهما.

و على هذا فينحصر الأمر من هذه الجهة في مقتضى القاعدة، و لا شبهة أنّ التدبير كالبيع و الوصيّة و الهبة من التصرّفات التي يتصرّفها الإنسان في ماله متقوّما بكونه ماله، و ليس من قبيل بعض الأسباب الموجبة في المال شيئا في أيّ ملك دخل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 23 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 634

مثل الجناية في العبد.

و لا إشكال أيضا في أنّ التدبير و إن لم يكن وصيّة، و لهذا يجوز التدبير معلّقا بموت غيره، إلّا أنّه في مورد تعليقه على موت نفسه يكون بمنزلة الوصيّة- كما وقع التعبير به في بعض الأخبار- يخرج من ثلث المال و يجوز الرجوع فيه.

و على هذا فإتيان ما ينافيه من مثل البيع و الهبة و المهر، بل التعريض بمعرض ذلك إذا كان مع الالتفات يكون فسخا فعليّا و لو فرض فساد البيع و نحوه، كما أنّه مع عدم الالتفات يكون الانتقال عن الملك بأحد الأنحاء مفوّتا للموضوع، فإنّ التدبير يقتضي وقوع العتق في ملك المدبّر، فإذا فات الملك فات الموضوع، فالأقوى حينئذ صحّة المهر و بطلان التدبير.

و أمّا ما ذكروه من صورة شرطه على المرأة، فإن كان المقصود حصول العتق في ملك المرأة بعد موت الزوج فلا بأس به، و إن كان المقصود حصول العتق عن ملك الزوج بأن يرجع إليه من ملك الزوجة آنا ما ثمّ ينعتق- كما قالوه- في: أعتق عبدك

عنّي. فهذا مبنيّ على صحّة شرط الملكيّة على نحو شرط النتيجة، و لم يعلم التزامهم رضوان اللّه عليهم به.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 635

المسألة الخامسة في الشروط الفاسدة في ضمن النكاح
اشارة

في حكم الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح، سواء كان تحليل أمر حرام، أم تحريم أمر حلال جائز و لو بعد الشرط، مثل التزويج على الزوجة و التسرّي عليها، حيث إنّهما جائزان و لو بعد الشرط، فشرط عدمهما على الزوج شرط مخالف للسنّة، فيكون فاسدا.

و الكلام في المقام تارة في مقتضى القاعدة و لو في غير باب النكاح و أنّه هل الحكم ببطلان العقد الذي وقع في ضمنه الشرط الفاسد بيعا كان أم نكاحا أم غيرهما؟ أو أنّه الحكم بصحّته و فساد الشرط؟ و حينئذ أيضا هل يحكم بجواز العقد و خياريّته أو لزومه؟ و اخرى في ما يستفاد من نصوص المقام.

[الكلام في مقتضى القاعدة]
اشارة

فنقول و على اللّه التوكّل و بآل الرسول صلّى اللّه عليه و آله الاستغاثة و التوسّل: قد يقال:

مقتضى القاعدة هو البطلان؛ لأنّ العقد لم يقصد و لم يقع تحت التراضي إلّا بعد أخذ الشرط معه، فإذا لم ينفذ الشرط فلازمه عدم نفوذ العقد؛ لعدم المراضاة بدونه.

و بالجملة، ما وقع- أعني: بدون الشرط- لم يقصد، و ما قصد- أعني: مع الشرط- لم يقع، فاللازم الحكم بالفساد.

لكن يستشكل حينئذ الفرق بين الشروط الفاسدة و بين الشروط و الأوصاف

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 636

الصحيحة المفقودة، حيث ذهب المشهور فيها بصحّة العقد و خياريّته؛ فإنّ عين هذا التقريب جار فيها أيضا، فما وجه التفرقة بين المقامين، حيث إنّ المشهور في الشروط الفاسدة حكموا بالإفساد، و حكموا في الصحيحة المتخلّفة بالصحّة و الخيار، فاللازم إمّا الحكم في كليهما بالصحّة و الخيار، و إمّا في كليهما بالبطلان.

و الذي ربما يقال في تصحيح هذه التفرقة: إنّ الشرط ليس تقييدا في نفس العقد، بمعنى أن يكون العقد مبتنيا على تقديره،

كما هو الحال في الشرط الأصولي، و إلّا كان مرجعه: بعت إن كان كذا. و هذا تعليق و باطل، و كذلك ليس تقييدا في المعقود عليه، بمعنى أنّ العبد الذي وقع عليه المبايعة مقيّد بالكتابة، فمع انتفاء الكتابة يكون المبيع و هو المقيّد بما هو مقيّد منتفيا، فيكون من باب تخلّف المبيع، غاية الأمر لا بذاته، بل بقيده، و هما مشتركان في جهة البطلان، بل الشرط كما يؤخذ من عبارة أهل اللغة التزام في التزام.

في أنّ الشرط الفقهي التزام في التزام

فهنا التزامان: أحدهما و هو البيع مثلا، و هو واقع على الذات بلا قيد لا في جانب البيع، و لا في متعلّقه، و الآخر و هو الشرط، و هو واقع على الوصف، لكن ليس الثاني غير مرتبط بالأوّل و بحياله و منحازا عنه، بل مندرج فيه، بمعنى أنّ القصد الاستقلالي لم يتوجّه نحو شي ء من الالتزامين، بل كليهما منطو تحت قصد استقلالي واحد، نظير وقوع أجزاء المركّب تحت قصد استقلالي واحد و عدم توجّه القصد إلى واحد واحد إلّا بنحو التبعيّة و الضمنيّة، فكذلك هنا أيضا لم يتوجّه إلى البيع و لا إلى الشرط قصد إلّا بنحو التبعيّة و الضمنيّة، غاية الفرق أنّه في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 637

أجزاء المركّب جميع الأجزاء في عرض واحد في الوقوع تحت ذلك القصد الواحد الأصالي.

و أمّا هنا فهما مختلفان، فأحدهما أصل و الآخر فرع و تبع له، و بعبارة أخرى:

أحدهما ظرف و الآخر مظروف له.

ثمّ الالتزام الشرطي و التعهّد في الأمور الغير الاختياريّة المحتملة الحصول، و الوقوع أمر شائع بين العقلاء، و لا يزال يلتزمون في بيوعهم بوجود بعض الأوصاف في مبيعاتهم، مع أنّه ليس أمره باختيارهم، فيبيعون البطّيخ مثلا بشرط الحلاوة

و هكذا، ليس مآله إلى شرط الخيار عند تخلّفه، بل الخيار فرع لحقّ ثابت عندهم للمشروط له على المشروط عليه، بمعنى أنّهم ينتزعون من الشرط حقّا للمشروط له بوجود ذلك الوصف في مبيعه، فيرونه ذا حقّ على المطالبة به لو كان ممكن الحصول، و الّا فله أن لا يفي بالمعاملة و لا يقبل المثمن و لا يدفع الثمن، و يفسخ المعاملة، و كلّ هذا من آثار ذلك الحقّ الذي له على وجود الوصف الذي هو من آثار الالتزام الشرطي.

و حينئذ فمعنى نفوذ الشرط شرعا ليس إلّا جعل ذلك الحقّ و هو مؤثّر في الخيار عند تعذّر الوصول إلى الوصف و مؤثّر في المطالبة عند إمكانه، كما لو كان مثل سواد الخيط و كان قابلا للتسويد، هذا في الأوصاف المشروعة الجائز اشتراطها و توصيفها في ضمن العقد.

و أمّا إذا كانت غير مشروعة فاشتراطها عند الشرع في حكم العدم و لا يبيح شيئا، و العرف و إن كان حاكما أيضا بتحقّق ذلك الحقّ، إلّا أنّ الشرع قد ردعه، فيبقى الأمر بعد بطلان الاشتراط بين أحد أمرين، إمّا بطلان البيع و إمّا صحّته مع لزومه؛ إذ لا وجه للخيار بعد كونه من توابع الحقّ الذي فرضنا أنّه لم يتحقّق بنظر

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 638

الشرع المخطّئ للعرف، و لا وجه آخر له غيره، و حيث إنّ الحكم باللزوم حكم عليه بما لم يقصده أصالة- إذ قد عرفت أنّ القصد الأصالي محيط بالمجموع لا بكلّ واحد وحده، و القصد الضمني و إن تعلّق، لكنّ الحكم تابع للقصد الأصالي في العقود دون الضمني- فلا محيص عن البطلان.

نعم لو كان الحقّ ثابتا له، ثمّ إنّه بملاحظة ولايته على حقّه أسقطه،

كان العقد لازما حينئذ، و لكن أين هذا من عدم ثبوت الحقّ له أصلا و من الابتداء، هذا.

الفرق بين شروط الفاسدة و الصحيحة المتخلّفة و تبعّض الصفقة

و لكنّ المسألة بعد محلّ إشكال؛ لعدم معلوميّة كون الخيار مرتّبا على ثبوت الحقّ عندهم، و إنّما المعلوم أنّهم يرونه مستحقّا للرجوع في المعاملة عند فقدان الشرط الذي شرطه، و أمّا أنّه من توابع الحقّ أو أنّه في عرضه- و كلاهما من آثار نفس الالتزام- فغير معلوم، فمن المحتمل كونه كذلك.

و عليه فلا فرق بين الشرط المفقود الصحيح أو الشرط الفاسد، فإنّ الالتزام في كليهما متحقّق مع عدم وصوله إلى شرطه خارجا.

مضافا إلى سؤال الفرق بين الشروط الفاسدة و باب تبعّض الصفقة حيث إنّ ظاهرهم الجري على القاعدة في الحكم بالصحّة بالنسبة إلى المقدار المتملّك، مع أنّه أيضا غير مقصود إلّا تبعا و في ضمن الكلّ.

و الذي ربما يقال أيضا في مقام إتيان مقتضى القاعدة في جميع الأبواب: إنّه لا إشكال في أنّ لنا قصدا عقديّا إنشائيّا، و هو حاصل، في المكره و من تخيّل ماله مال غيره، فإنّهما منشئان المعاملان بدون قصور في قصدهما و إنشائهما، و طيبا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 639

نفسانيّا و هو المفقود فيهما.

و لنا أيضا صحّة فعليّة و لو مقرونا مع الخيار، و بطلانا و صحّة تأهّليّة بمعنى قابليّة لحوق طيب النفس بالإنشاء كما هو الحال في العقد الفضولي قبل الإجازة و الردّ.

فالأوّل مضافا إلى القصد الإنشائي محتاج إلى طيب النفس و لا بدّ في الثاني من فقد القصد الإنشائي، كما أنّ الثالث مرتّب على وجود الإنشائي مع فقد طيب النفس، كما في الفضولي و المكره.

و لا إشكال في أنّه قد وقع الذات الخالية عن الوصف سواء في الشروط المتخلّفة أم

الفاسدة، أو عن الجزء، كما في باب تبعّض الصفقة في خصوص ما إذا لم يكن فقده موجبا للمباينة الحقيقيّة عرفا، بل كان داخلا في الزائد و الناقص عندهم تحت القصد و الاختيار الإنشائي.

ألا ترى أنّه لو ذهب أحد خمسة فراسخ قاصدا إلى حدّ عشرة فراسخ، ثمّ مات على رأس الخمسة يصدق في حقّه أنّه جاء هذه المسافة بقصده و اختياره، بخلاف ما إذا اشتبه الخمسة فتخيّل طريق بلده بطريق اخرى فسلكها، فإنّ ما سلكه حيث إنّه مبائن و مغاير مع المقصود لا يكون بما هو هذا الخاصّ مقصودا و مختارا.

و بالجملة، لا نقول: إنّ مقصوده كان هو الخاصّ، و هذا غير الخاصّ فلا مقصود في البين، بل المقصود حاصل فيما إذا كان المبيع عينا شخصيّة و الوصف من الأوصاف العرضيّة، لكن مع هذا لا يصدق في حقّه أنّه طيّب النفس بهذا الفاقد الصحفة، و المفروض أنّه شرطها في ضمن العقد.

فيصير نتيجة ذلك أن يقال بصحّة البيع تأهّلا، بمعنى أنّه إنّ رضي و طاب نفسه بالفاقد كان البيع و كذا النكاح- حيث إنّه مشترك مع البيع في الاحتياج إلى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 640

طيب النفس- صحيحا فعليّا من هذا الحين، و إلّا بطل من أصله، و هذا مبائن مع ما يقولونه من إثبات الصحّة مع الخيار في الأوصاف المفقودة و كذا في تبعّض الصفقة.

و بالجملة، فالإنصاف أنّ المسألة كما اعترف به إمام الفنّ شيخنا الأجلّ المرتضى قدّس سرّه في باب الشروط الفاسدة محلّ إشكال. هذا محصّل الكلام على القاعدة.

مقتضى النصوص الخاصّة
اشارة

و أمّا الكلام في مقتضى النصوص الخاصّة فاعلم أنّه ليس في الأخبار الواردة في خصوص اشتراط عدم التسرّي و عدم التزويج خبر مشتمل على ذكر شرط

مسلّم الفساد و حكم فيه إمّا بصحّة العقد أو بفساده، بل الأخبار بين طائفتين:

اشتراط عدم التسرّي و عدم التزويج
اشارة

الاولى: ما ظاهره وقوع هذين الشرطين إمّا في المقاولة المبنيّ عليها العقد، و إمّا في نفس العقد، و لكن حكم بأنّه يجب عليه أن يفي بشرطه؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم.

و الثانية: ما ظاهره الحلف بالطلاق و العتاق و صدقه ما يملك على ترك التزويج و التسرّي، و فعل ذلك مستقلا غير مربوط بالعقد، كما كان مثل هذا الحلف مشروعا عند العامّة و من دأبهم، فردعه الإمام عليه السّلام بأنّه ليس بشي ء، و لا يلزمه بواسطة هذا شي ء، فليذهب و ليتزوّج و ليتسرّ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 641

و حاصل الكلام بعد أنّ الشرط ليس معناه تعليق البيع على كذا، و لا معناه:

بعتك هذا الخاصّ، بل معناه: بعتك هذا الشي ء و التزمت في بيعه بكذا، و بعبارة أخرى: بابه باب الزائد و الناقص، لا باب المتباينين، و بعد بداهة أنّ القصد و الاختيار متى تعلّق بالحدّ الزائد فمنع عن وصول الحدّ مانع خارج عن الاختيار، فوقف الفعل على الحدّ الناقص، يكون هذا الفعل ناشئا عن الاختيار و معدودا من الأفعال القصديّة العمديّة.

و بعبارة أخرى: لو كان القصد الجناني القلبي فعلا خارجيّا لكان محطّه و محلّ وقوعه هذا الموجود الفاقد قطعا، فلا شبهة في أنّه محلّ للقصد و متعلّق له، فلا وجه للبطلان الرأسي، كما أنّ عدم حصول طيب النفس أيضا من أبده البديهيّات، و لهذا ربّما يكره نفس المسافر- إلى عشرة فراسخ لو مكث في الخمسة و منعه مانع عن طيّ البقيّة- مكثه في هذا المنزل و لا يطيب خاطره أصلا، و مع ذلك لا

ينافي مع وجود هذه الحركة منه باختيار و قصد، و لازم هذا، الإيقاف على الرضا، كما في الفضولي و المكره على القواعد، لو لم يكن حديث الرفع.

بيان شيخنا الأستاذ

قال شيخنا الأستاذ دام بقاه: و لا أستبعد أن يكون مراد العلماء حيث عبّروا بالخيار في تخلّف الشرط و الوصف هذا المعنى، أعني: أنّه إن رضي بفاقد الشرط و الوصف لم يحتج إلى عقد مستأنف و إلّا فيردّه إلى صاحبه، لا الخيار المصطلح، فإنّه ليس في المسألة نصّ أعني: مسألة تخلّف الوصف و الشرط و مسألة الشرط الفاسد، و كلّما نقول أو قالوه فهو كلام على حسب القواعد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 642

و يشهد- بأنّه ليس إجماعا و مطلبا تعبّديّا- احتمال العلّامة قدّس سرّه في بعض مواضع التذكرة عين هذا الذي ذكرنا على ما نقله عنه شيخنا المرتضى قدّس سرّه في باب الشرط الفاسد في مسألة أنّه على القول بإفساد الشرط الفاسد لو أسقط الشرط فهل ينفع في صحّة العقد أو لا؟ و حيث إنّه قدّس سرّه بنى عنوان المسألة على ما ذكر من القول بالإفساد، كان الاحتمال في غاية الوهن، و لكنّ العلّامة قدّس سرّه يظهر منه عدم بنائه عليه و كونه بصدد أصل تحقيق المسألة، و هذه عبارته التي نقلها شيخنا قدّس سرّه:

قال: يشترط في العمل المشروط على البائع أن يكون محلّلا، فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمرا لم يصحّ الشرط و البيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري عن البائع و الرضا به خاليا عنه، و هو المانع من صحّة البيع و من اقتران البيع بالمبطل، و بالجملة، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي

صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، أو إيقاف البيع، فإن لم يرض بدونه بطل و إلّا، صحّ. انتهى كلام العلّامة أعلى اللّه مقامه.

و قال عقيب نقله شيخنا قدّس سرّه: و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف.

انتهى.

في شرط عدم التسرّي و التزويج و الهجر بحسب الاعتبار

و أنت خبير بأنّ ما ذكرنا له وجه وجيه، هذا تمام الكلام في مقتضى القواعد.

و أمّا بحسب النصّ الخاصّ فالأولى التيمّن بذكر بعض أخبار المسألة، أعني

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 643

مسألة اشتراط عدم التزويج و عدم التسرّي.

فنقول: من جملة ما استدلّوا به على بطلانه رواية محمّد بن مسلم المحكيّة عن تفسير العيّاشي عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة تزوّجها رجل و شرط عليها و على أهلها إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سريّة فهي طالق، فقال عليه السّلام: شرط اللّه قبل شرطكم، إن شاء وفى بشرطه، و إن شاء أمسك امرأته و تزوّج عليها و تسرّى و هجرها إن أتت بسبب ذلك، قال اللّه تعالى فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ و قال تعالى:

و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم!!! و قال تعالى وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية» «1».

و منها: رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السّلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى عليه السّلام في ذلك: «إنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بما اشترط، و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها و نكح عليها».

و بإزاء ذلك روايتان:

إحداهما: ما حكي عن الكافي عن بزرج، قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام و

أنا قائم: جعلني اللّه فداك، إنّ شريكا لي كانت تحته امرأة فطلّقها فبانت منه فأراد مراجعتها، فقالت المرأة: لا و اللّه لا أتزوّجك أبدا إلّا أن تجعل للّه لي عليك إلّا تطلّقني و لا تزوّج عليّ، قال عليه السّلام: و قد فعل؟ قلت: نعم قد فعل جعلني اللّه فداك، قال عليه السّلام: «بئسما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه في جوف الليل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 644

و النهار، ثمّ قال عليه السّلام: إمّا الآن فقل له: فليتمّ للمرأة شرطها؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: المسلمون عند شروطهم» «1».

و الثانية: رواية أخرى حكيت عن تهذيب الشيخ قدّس سرّه عن بزرج عن عبد صالح عليه السّلام متّحدة المضمون مع السابقة.

و هاتان و إن كانتا ظاهرتين في النذر أو العهد، و لكن يشكل بعدم تعلّقهما إلّا بالراجح، فلا يكفي مجرّد الإباحة.

و حينئذ فإمّا كان هذا في المقاولة السابقة على التزويج و كان هو واقعا مبتنيا عليها، و إمّا كان نفس هذا هو الصيغة، و على تقدير عدم كونه شرطا ضمنيّا فلا أقلّ من التمسّك بعموم التعليل، حيث علّل وجوب الوفاء بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المؤمنون.،

فيعلم منه أنّه مشمول و لو كان على نحو الشرط الضمني الاصطلاحي، و بالجملة، دلالتهما على نفوذ شرط نفس التروك ممّا لا ينكر.

و أمّا رواية محمّد بن قيس فلا يوجب وحدها رفع اليد عن ظاهر هاتين؛ لأنّ صدرها ظاهر في أنّ الشرط الضمني كان هو القضيّة التعليقيّة، أعني تفرّع الطلاق على فعل أحد الأمور، لا أنّه كان نفس تركها، فإنّه الظاهر من

القضيّة حتّى في ما كان من باب الزجر، مثل ما يقال في الفارسيّة: «اگر چنين نكنم نامردم» فإنّه أيضا ليس التزاما بعدم الفصل، بل بعدم الرجوليّة عند الفعل، و الغرض اطمئنان الطرف بعدم صدور الفعل، حيث إنّه لا يحضر نفس أحد لعدم الرجوليّة.

و بالجملة، لا ينكر ظهور هذه القضيّة أيضا فيما ذكرنا، فلو كان هذا الصدر بدون ذيل لما كان فيه منافاة مع تينك الروايتين؛ لاختلاف موضوعهما، و لكن ذيل

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 645

هذه الرواية ظاهر في كون الشرط نفس ترك التزوّج و التسرّي و الهجر، بدليل أنّه قال: إن شاء وفى لها بما اشترط و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها و نكح عليها، فالمقصود من الوفاء بقرينة مقابله المذكور في الكلام عدم اتّخاذ السريّة و عدم النكاح على المرأة، و قد سمّاه وفاء بالشرط.

فيقع التعارض بين ظهور الصدر و الذيل، فإن قلنا: إنّ الصدر أظهر فلا بدّ من التصرّف في الذيل بجعل المراد من الوفاء عدم المخالفة؛ فإنّ القضيّة التعليقيّة لها نحوان من عدم المخالفة، أحدهما الكفّ عن إتيان المعلّق عليه، و الآخر الالتزام بالمعلّق عند حصول المعلّق عليه، فالمراد هنا هو الفرد الأوّل، فسمّي الكفّ عن حصول المعلّق عليه وفاء للشرط و الالتزام المتعلّق بالقضيّة التعليقيّة.

و هذا و إن كان خلاف الظاهر، لكنّه أهون من حمل الصدر على اشتراط نفس التروك المذكورة و جعل ذكر الطلاق لغوا، أو حمله على التزام آخر على تقدير مخالفة الالتزام الأوّل. ثمّ لو سلّمنا عدم الأظهريّة فلا أقلّ من المساواة، فتبقى الرواية مجملة لا تصلح للمعارضة مع الروايتين، هذه حال رواية محمّد بن قيس.

و

أمّا رواية محمّد بن مسلم المحكيّة عن تفسير العيّاشي فالإنصاف أنّها بملاحظة اشتمالها على تمسّك الإمام عليه السّلام بالآيات كالصريحة في أنّ الشرط هو نفس التروك و إن كان يحتمل بعيدا توجيهها على وجه يلائم مع شرطيّة سببيّة الأفعال للطلاق بأن يقال: إنّ قوله تعالى فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ بإطلاقه شامل لحال الشرط المذكور، و الاثنينيّة معه ينافي مع صحّته؛ فإنّ لازم صحّة الشرط أن تخرج الامرأة الأولى عن حبالته، فلا يجتمعان تحته في زمان واحد، و مقتضى الآية جواز نكاح الاثنين في جميع الحالات، و كذلك قوله تعالى أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ ظاهر في أنّ جعل ذلك

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 646

لأجل الترفيه و التوسعة في أمر النكاح، و لو كان النكاح زائلا بمحض التسرّي كان منافيا لذلك.

و كذا قوله تعالى وَ اهْجُرُوهُنَّ ظاهر في أنّ الغرض منه تأديب الزوجة، و إذا كان ذلك سببا لانطلاقها فلا تأديب.

و لكنّ الإنصاف إباء الرواية عن هذا التأويل كما اعترف به شيخنا المرتضى في باب الشروط من مكاسبه، فجعل الرواية كالصريحة في شرطيّة نفس التروك، فتكون هي معارضة مع الروايتين المتقدّمتين.

ثمّ بعد المعارضة المذكورة لا تسقط الرواية الأخيرة الدالّة على صحّة العقد مع الاشتمال على هذا الشرط الفاسد بالنسبة إلى دلالته هذه و إن كانت بالنسبة إلى دلالة على فساد الشرط المذكورة معارضة، فيمكن استفادة أنّ الشرط الفاسد غير مفسد للعقد من هذه الرواية.

و هذا نظير ما يقال في الصحيحة الثالثة لزرارة المذكورة في أدلّة الاستصحاب المشتملة على أنّ «من شكّ بين الثلاث و الأربع قام فأضاف إليها أخرى و لا شي ء عليه و لا ينقض اليقين بالشكّ». حيث

إنّ ظاهرها إضافة الركعة المردّدة متّصلة بلا فصل تسليم، و هو على خلاف مذهب الخاصّة و موافق لمذهب العامّة، و لكن قد يقال: نحن نأخذ بتطبيق القاعدة المذكورة و إن كانت الرواية بالنسبة إلى تعيين صغراها ساقطة، لكن سقوط جزئها لا يوجب سقوط جزئها الآخر، فكذا فيما نحن فيه.

و من الأخبار الدالّة على صحّة العقد مع بطلان الشرط ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السّلام في الرجل يتزوّج المرأة إلى أجل مسمّى، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، و إن لم يأت بصداقها إلى

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 647

الأجل فليس له عليها سبيل، و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوا، فقضى عليه السّلام للرجل أنّ بيده بضع امرأته و أحبط شرطهم «1».

و عن محمّد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: قضى عليّ عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و أصدقها و اشترطت أنّ بيدها الجماع و الطلاق، قال عليه السّلام:

«خالفت السنّة و ولّت الحقّ من ليس بأهله، قال: قضى عليّ عليه السّلام أنّ على الرجل النفقة و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنّة» «2».

و دلالة هاتين أيضا على صحّة العقد المشتمل على الشرط الفاسد ممّا لا ينكر، إلّا أنّه يعارض الرواية الأخيرة ما رواه في الكافي و التهذيب عن هارون ابن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ فقال عليه السّلام: «ولّى الأمر من ليس أهله و خالف السنّة و لم يجز النكاح» «3».

قال شيخنا الأستاذ دام ظلّه:

يمكن حمل الرواية الأخيرة و لو بملاحظة المتقدّمة على عدم

جواز النكاح بالوجه الذي عقداه من اشتماله على الشرط، فلا ينافي ما أثبته الرواية المتقدّمة من جواز النكاح على وجه السنّة تعبّدا و بخلاف ما قصداه بأن يجعل اللام في قوله:

«النكاح» للعهد، و هو و إن كان بعيدا في نفسه، لكن بعد ضمّ الرواية الأولى يرتفع عنه البعد.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 10 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 29 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

(3) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 41 من أبواب الطلاق، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 648

تذييلان
هل بطلان الشرط مع عدم كونه مفسدا للعقد مستلزم لفساد المهر أم لا؟
الأوّل: في كلّ مورد حكم بصحّة النكاح مع بطلان الشرط

فهل يحكم بفساد المهر المسمّى و ثبوت مهر المثل بالدخول أو بصحّته؟

قد يقال بالأوّل بملاحظة أنّ النصّ إنّما حكم بصحّة النكاح، و لا يعلم منه حكم صحّة المسمّى، فيكون هو باقيا تحت القاعدة، و مقتضاها البطلان، لأنّ المراضاة كانت مقيّدة بصورة الشرط و قد فرض بطلانه، و نحن و إن ألقينا هذا التقيّد بالنسبة إلى أصل النكاح للنصّ، و لكن لا ملازمة بين إسقاطه من جهة النكاح و بين إسقاطه من جهة المهر، و لأنّ الشرط إن كان من طرف الزوجة مثل شرط عدم تزوّج الزوج و عدم تسرّيه، فهو ضميمة مع الصداق، و المجموع- من النقد مثلا، و هذا الشرط- صداق و إن كان من طرف الزوج، مثل شرط أن تعمل الزوجة له الخمر، فالصداق موزّع على البضع و ذلك الشرط معا، فإذا بطل الشرط و المفروض أنّ قيمته مجهولة كان الصداق في الأوّل مجهولا و كان نصيب البضع من الصداق في الباقي مجهولا، فيكون باطلا لأجل الغرر، و إذا بطل كان المرجع عمومات مهر المثل.

و لكنّ الإنصاف عدم تماميّة شي ء من الوجهين.

أمّا الأوّل: فلأنّ المفهوم من النصّ صحّة التزويج و

المهر معا و إحباط الشرط فقط.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 649

و أمّا الثاني: فللفرق بين الشي ء الذي يجعل جزء للصداق مثل الفرس مع مائة دينار مثلا، فإذا ظهر مستحقّا للغير مثلا يرجع إلى قيمته، و إذا جهلت قيمته فالجهل و إن كان يسري إلى الصداق، إلّا أنّ الجهل الطارئ غير مضرّ، و بين الشي ء الذي يجعل قيدا سواء في المهر أم في باب البيع، فلا يقسّط بإزائه شي ء من الثمن و المثمن و إن كان دخيلا في زيادة أحدهما و قلّة الآخر، لكن في مقام الإنشاء ليس داخلا في شي ء من المتقابلين في البيع و في الصداق في ما نحن فيه.

فإذا دلّ الدليل على أنّ ما يسمّى صدقة أو مفروضا يجب أداؤه أو أداء نصفه إلى الزوجة، فما الذي يصرفنا عن هذا الذي جعله صدقة و مفروضا إلى مهر المثل.

[الثاني:] الأصل عند الشكّ في مخالفة الشرط للكتاب و السنّة

الثاني: أنّك عرفت من التكلّم في الأخبار المتقدّمة مطلبين:

الأوّل: إمكان استفادة الكلّيّة، أعني: أنّ الشرط الفاسد في باب النكاح غير مفسد للعقد، و أنّه لو كان بحسب الصغرى تعارض بين خبرين، فلا منافاة مع الدلالة على هذه الكلّيّة.

الثاني: وقوع التعارض بين الأخبار في شرط عدم التزويج و التسرّي و عدم قبول المعارض للتأويل.

و حينئذ نقول: كلّما ثبت أنّ الشرط فاسد بدليل غير معارض كما في شرط عدم الافتضاض- حيث ورد فيه الرواية مع إطلاقها للدائم و المنقطع من دون معارضته بشي ء- فلا وجه لعدم الأخذ به، و كلّما ثبت أنّه صحيح نافذ يحكم به.

و يبقى لنا موردان:

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 650

الأوّل: ما ورد فيه المتعارضان.

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح

(للأراكي)؛ ص: 650

و الثاني: موارد الشكّ في أنّه هل الحكم الثابت في الكتاب على وجه يكون الشرط مخالفا له، أو يكون بوجه لا يكون مخالفا. ففي هذه المواضع هل لنا أصل ينقّح موضوع عدم المخالفة حتّى نحكم بنفوذ تمام موارد الشكّ، أو لا، حتّى نتوقّف عن الحكم؛ لكونها شبهة مصداقيّة لدليل الشرط.

الحقّ أن نقول بثبوت الأصل المنقّح؛ لعدم المخالفة، سواء فسّرنا المخالفة على وجه فسّرها شيخنا المرتضى قدّس سرّه، أم فسّرناها على وجه اخترناه.

توضيح الحال: أنّه ورد الاستثناء عن عموم دليل: المؤمنون عند شروطهم.

لصورة كون الشرط مخالفا للكتاب و السنّة، و الذي اختاره شيخنا المرتضى قدّس سرّه في معنى المخالفة أنّ الحكم الوارد على طبيعة كذا في الكتاب أو السنّة إن كان حكما حيثيّا غير ناظر إلى الطواري و الحالات، بل ناظرا إلى حكم نفس الطبيعة من حيث هي فالشرط الوارد على خلافه ليس مخالفا لذلك الحكم، و إن كان الحكم بحسب مقام ثبوته فعليّا و ناظرا إلى الطواري حتّى عنوان الشرط و نحوه كان الشرط على خلاف مؤدّاه مخالفا له.

و قد استشكلنا على هذا البيان بإشكالين:

كلام الشيخ في تفسير شرط المخالف للكتاب و ردّه أحدهما: ما وجه عدم تفرقتكم في باب الواجبات و المحرّمات و عدم النظر إلى أدلّتها و أنّه متكفّل للحيثي، حتّى يحكم بنفوذ شرط ترك الاولى و فعل الثانية، أو للفعلي حتّى يحكم بعدمه، بل تحكمون بطريق الإطلاق بفساد الشرط؟

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 651

و الثاني: أنّ الكلام حينئذ يكون لغوا و توضيحا لأمر واضح؛ إذ من الواضح أنّه مع إطلاق الحكم إلى موضوع الشرط لا يجعل ذلك الحاكم خلافه في هذا الموضوع؛ لأنّه من التضاد و التناقض، هذا إن جعلنا الكتاب نفس الأحكام و المجعولات

الواقعيّة كما هو الظاهر، و إن جعلناه نفس الظواهر اللفظيّة بمعنى أنّه كلّما كان الحكم بحسب الظهور و مقام الإثبات من القبيل الأوّل كان شرط خلافه غير مخالف، بخلافه لو كان من قبيل الثاني، فهذا مخالف للظاهر و إن كان سليما عن الإشكال الثاني.

بيان شيخنا الأستاذ في تفسير المخالفة لم يسبقه أحد

و الذي اختاره شيخنا الأستاذ دام ظلّه و قال: لم أر من تعرّض له أن يقال:

فرق بين ما لو كان جعل الشارع حكما من جهة وجود المقتضي و المصلحة الداعية إلى جعله، و بين ما إذا كان من جهة عدم المقتضي لجعل خلافه، فكلّ ما كان من قبيل الأوّل- كما لعلّه منه جعل الإيجابات و التحريمات- فالشرط المخالف يعدّ مخالفا للشرع.

و كلّ ما كان من الثاني- كما في بعض من المباحات- حيث إنّ جعل الإباحة فيها لأجل عدم المقتضي لجعل الإيجاب و لا لجعل التحريم، ففي مثله يكون الشرط و الالتزام بالفعل أو الترك غير مخالف للشرع.

و على هذا فلو فرضنا الحكم مجعولا بتبع المقتضي و كان حيثيّا- أعني:

غير ناظر إلى عنوان الشرط- حكمنا بفساده، و إن كان غير مجعول بتبع المقتضى له و كان فعليّا- أعني: ناظرا إلى عنوان الشرط- حكمنا بصحّته، فإنّ العرف مساعد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 652

على صدق المخالفة مع وجود ميل من الطرف المقابل، و على عدم صدقها في صورة اللاميل.

بيان أصالة عدم المخالفة للكتاب و السنّة

إذا عرفت هذا على كلّ من المذاقين يحصل لنا موارد الشكّ في تطبيق عنوان المخالفة، فإن أجرى أصل عدم المخالفة استشكل فيه بما في نظيره من استصحاب عدم قرشيّة المرأة البالغة خمسين سنة لإثبات عدم كون دمها حيضا، و هو أنّ الحكم مرتّب على المرأة المفروغ عن وجودها إذا كانت قرشيّة أو غير قرشيّة، و هذه المرأة الشخصيّة من أوّل وجودها مشكوك الحال، و استصحاب عدم الانتساب و إن كان له حالة سابقة، لكنّه مثبت لا يثبت حال هذه المرأة، فلا بدّ في إثبات هذا الأصل من استظهار القسم الثاني من دليل تقسيم المرأة إلى القرشيّة و غيرها.

فمثل

هذا الإشكال جار في ما نحن فيه؛ لأنّ الشرط الخارجي من أوّل وجوده مشكوك الحال، و استصحاب عدم المخالفة لا ينفع بحال هذا الشرط، إلّا أن يثبت كون الحكم مرتّبا على عنوان عدم المخالفة و وجودها لا على الشرط الذي خالف أو لم يخالف.

و يمكن أن يقال: إنّه و إن استظهر كون الموضوع بالوجه الثاني الذي يعبّر عنه بمفاد كان الناقصة كان لنا إثبات عدم المخالفة الأزلي الكائن في الأزل قبل تكوين المكوّنات و تشريع الديانات، لكن لا في موضوع الشرط و الالتزام الخارجي عقيب الفراغ عن وجوده الخارجي حتّى يستشكل بعدم الحالة السابقة، بل في موضوع مفهوم الالتزام و الشرط الكلّي.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 653

فنقول: التزام عدم التزويج و التسرّي مثلا من حيث هذا المفهوم مع قطع النظر عن تحقّق المصداق له خارجا كان من الأزل غير مخالف للكتاب و السنّة، و الآن كما كان بأيّ معنى اعتبرنا و فسّرنا المخالفة، سواء بالمعنى الذي اعتبره الشيخ أم بما ذكرنا، فإنّه على كلّ حال على تقدير تحقّقه أمر حادث و ليس بقديم.

بخلاف مفهوم الالتزام و الشرط؛ فإنّ المفهوم قديم و لم يتحقّق معه عنوان المخالفة و إن كان ربما يصدق بنحو الاستقبال أنّه سيخالف، و لكن بعنوان الحال و أنّه مخالف فعلا، فلم يكن متحقّقا قطعا، فيستصحب هذه الحالة فيه، ثمّ إذا أثبتنا في الكلّي ذلك فالحكم في مصداقه الخارجي بثبوت هذا العنوان ليس من الأصل المثبت؛ لأنّ تسرية الحكم من الكلّي إلى جزئياته من لوازم الأعمّ من الواقع و الظاهر.

فإن قلت: القضيّة الحقيقيّة على ما ذكروه يكون الحكم فيها مرتّبا على الموضوع المقدّر الوجود المنطبق على المصداق الخارجي دون المفهوم الكلّي.

مثلا قولك: الدواء

الكذائي مضرّ بالمرض الكذائي، معناه أنّ ما لو وجد و كان دواء فهو مضرّ.

و كذا في مقامنا: الشرط المخالف حكمه كذا. معناه أنّ ما لو وجد و كان شرطا مخالفا كان حكمه كذا، فليس الحكم على المفهوم المعرّى عن الوجود و العدم، كيف و المفهوم من حيث هو ليس إلّا هو و لا يعرضه شي ء.

و على هذا فالاستصحاب المذكور محتاج إلى تقدير الوجود، أعني: إنّا نتيقّن بأنّه كان في الأزل قضيّة تعليقيّة و هي أنّه لو وجد الالتزام الكذائي لم يكن مخالفا، فالآن كما كان، و هو من الاستصحاب التعليقي الموضوعي، و الإشكال فيه هو الإشكال فيه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 654

القضيّة الحقيقية لا ترجع إلى القضيّة التعليقيّة

قلت أوّلا: لنا أن نمنع رجوع القضيّة الحقيقيّة و إن كان موضوعها مقدّر الوجود إلى القضيّة التعليقيّة؛ للفرق بين تقدير الوجود فيها و بين تقديره في القضيّة التعليقيّة.

بعبارة أخرى: فرق بين قولنا: الصوم مضرّ، و بين قولنا: لو وجد الصوم كان مضرّا، فليست الاولى قضيّة تعليقيّة، بل فعليّة، بخلاف الثانية، و السرّ أنّ اعتبار الوجود في الأوّل بملاحظة أنّ المفهوم ما لم يلحظ معه الوجود لا يعتريه شي ء، و أمّا الثانية فمشتملة على أزيد من ذلك، أعني: على الفراغ عن الوجود علاوة على اعتبار الخارج، ففي الأولى الاعتبار بالنحو اللافراغي الملائم مع المفهوم الكلّي، و في الثانية بالنحو الفراغي الغير المنطبق إلّا على المصداق.

و هكذا الكلام في جانبي الكتاب و السنّة، فهما أيضا يراد بهما مفهومهما باعتبار الوجود لا فراغه، فإنّ معنى اعتبار الوجود أنّه إذا قيل مثلا: الطهارة شرط في الصلاة، لا يشكّ أحد أنّ المراد وجودها، لا عدمها، و لهذا يكون السؤال عن ذلك ركيكا جدّا، و أين هذا من اعتباره

بنحو الفراغ الذي هو المتحقّق في القضيّة التعليقيّة؟

فالشرط الغير المخالف للكتاب و السنّة بما هو هذا المفهوم باعتبار الوجود الخارجي كان في القديم أيضا متحقّقا و إن كان باعتبار الخارج المفروغ عنه يكون حادثا و ليس له حالة سابقة إلّا بنحو التعليق.

و ثانيا: سلّمنا أنّ الملحوظ هو الوجود الخارجي المفروغ عنه، لكنّه إنّما هو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 655

في جانب الشرط، و لا نسلّمه في جانب الكتاب، بمعنى أنّه ليس المعنى أنّ الشرط و الكتاب إذا تحقّقا في الخارج و تحقّق بينهما المضادّة و المخالفة، بل المسلّم إنّما هو الاعتبار الفراغي في جانب ما هو الموضوع في القضيّة، دون سائر متعلّقات النسبة الحكميّة.

ألا ترى أنّك لو قلت: زيد إن لم يجلس مقابل الأعلم فحكمه كذا. فهذا يصدق و لو لم يكن الأعلم بموجود في الدنيا.

و حينئذ نقول: لنا أن نستصحب هذه القضيّة التعليقيّة، و لا يرد الإشكال الوارد في التعليقي الموضوعي؛ لأنّ هذا ليس موضوعيّا، بل حكميّا؛ فإنّ المخالفة للكتاب و عدمها كنفس الكتاب تحت اختيار الشارع و جعله، كما في المطابقة للمأمور به و عدمها، حيث إنّهما مجعولان بتبع منشأ انتزاعهما أعني: أجزاء المأمور به، فكما أنّ استصحاب الصحّة ليس موضوعيّا، بل حكميّا و معناه التصرّف في الظاهر في المنشأ، فكذلك هنا أيضا استصحاب عدم المخالفة حكمي، و معناه التصرّف في المنشأ، أعني: الحكم الكتابي و البناء في مرحلة الظاهر على عدم كونه على نحو الفعليّة أو على نحو الاقتضاء على الوجهين المتقدّمين.

و حينئذ لا يرد عليه إشكال الاستصحاب التعليقي في الموضوع، أعني: أنّ الحكم مرتّب على الوجود الفعلي، و ترتّب الفعليّة على التعليقيّة عند وجود المعلّق عليه أمر عقليّ، فإنّه فيما إذا

كان المستصحب نفس المجعول الشرعي غير وارد؛ لأنّ الأثر و إن كان عقليّا، لكنّه لازم نفس الحكم و لو كان استصحابيّا، لا أنّه لازم الواقع المستصحب.

ثمّ قد تلخّص ممّا ذكرنا إمكان التمسّك بأصالة عدم المخالفة في موارد الشكّ في المخالفة و العدم، لكنّه فيما إذا لم يكن هناك نصّان متعارضان، و إلّا فاللازم إعمال

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 656

قواعد التعارض بينهما بعد عدم الجمع الدلالي، كما كان هو الحال في شرط عدم التزويج و التسرّي.

فاللازم أوّلا ملاحظة المرجّحات، و بعد فقدها الرجوع إلى التخيير و إن كان ربما ينجرّ إلى بقاء التشاجر بين الزوجين، كما لو كانا مجتهدين أو مقلّدين لمجتهدين أحدهما آخذ بأحد الخبرين و الآخر بالآخر، كما أنّه لو كان التخيير للمقلّد كان ذلك أوضح.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 657

المسألة السادسة شرط عدم الافتضاض

لو شرطت الزوجة أن لا يفتضّها ففي المسألة أقوال:

لزوم العقد و الشرط في الدائم و المنقطع، و بطلان العقد و الشرط في الدائم، و صحّتهما في المنقطع، و فساد الشرط خاصّة في الدائم و المنقطع.

و في المسألة روايات ثلاث، في واحدتين منها قرينة على الانقطاع؛ للتصريح به في إحداهما، و لقولها في الأخرى: أخاف الفضيحة.

نعم في الثالثة لا اسم عن الانقطاع و الدوام، و لكن السؤال ليس عن أصل جواز هذا الشرط، بل بعد الفراغ عن جوازه عن أنّها لو أذنت في الوطي جاز أو لا؟ فأجاب بالجواز: فليس لشي ء منها ظهور محكم في الإطلاق بالنسبة إلى الدوام.

و إذن فنقول: هذا الشرط بعد ملاحظة أنّ لها الإذن في الفعل يكون مآله إلى جعل الاختيار في أمر الوقاع إلى يد الزوجة، لأنّ لها الاختيار التامّ، فمتى شاءت رخّصت، و متى شاءت منعت.

و قد

دلّت عدّة أخبار تقدّم الإشارة إليها على أنّ مثل هذا الشرط أعني:

جعل أمر الجماع بيد الزوجة مخالف للسنّة، فمقتضى هذه العدّة بطلان هذا الشرط

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 658

مطلقا، و مقتضى إطلاق الخبر الأخير- لو سلّمنا ظهوره على خلاف التحقيق في الإطلاق- صحّته، فيكون الخبران المصرّحان بالجواز في موضوع المتعة شاهد جمع بينهما، فيكون الحكم على كلّ تقدير هو التفصيل بين الدوام و الانقطاع، بالبطلان في الأوّل، و الصحّة في الثاني.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 659

المسألة السابعة في ما إذا جعل الصداق مردّدا بين أمرين

لو تزوّجها على مائة إن خرجت معه إلى بلاده، و على خمسين إن لم تخرج معه، فمضمون الرواية الحسنة بإبراهيم بن هاشم: أنّه إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك يعني كان بلاده بلاد الشرك فلا شرط له عليها و لها مائة دينار، و إن أراد أن يخرج بها إلى بلد المسلمين و دار الإسلام فله ما اشترطها عليها، و المسلمون عند شروطهم، و ليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتّى يؤدّي إليها صداقها، أو ترضى من ذلك بما رضيت به.

و هذه الرواية من حيث السند في غاية الاعتبار، نعم ربّما تكون الرواية مع قوّة السند معرضا عنها بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم، فهذا يوجب الوهن في أصلها الجهتي و يوجب ذلك التوقّف عن العمل، و هذا أيضا مفقود، فلا إعراض عن الرواية المسطورة، و لا خدشة فيها من حيث الدلالة أيضا، و مجرّد اشتمالها على مخالفة قاعدة أو قواعد لا يوجب رفع اليد عنها، بل الواجب تخصيص تلك القواعد بسببها، حيث ليست قطعيّة بحيث يفيد القطع في كلّ مورد مورد شخصي.

فمن جملة تلك المخالفات أنّ الظاهر كون الصداق، الأمر المردّد بين المائة على تقدير، و

الخمسين على آخر، و هذا نظير ما ورد في باب البيع من الرواية

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 660

المشتملة على تصحيح البيع مع الترديد في الثمن بين كونه إلى أجل بكذا و نقدا بكذا، و هذا مخالف لاعتبار معلوميّة المهر و العوضين في البيع. هذا ما ذكروه.

و لكن يمكن الخدشة في كون هذا مخالفة للقاعدة في هذا الباب؛ إذ لم يعلم من الشارع في هذا الباب مثل تلك المداقّة التي عهدت منه في البيع، و لهذا صحّ هنا الاكتفاء بالمشاهدة في المهر الذي من المكيل و الموزون مع أنّه غير صحيح في البيع.

و من جملتها: أنّه حكم فيها بأنّه إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك يجب أن يدفع المائة، مع أنّه بحسب قراره غير ملزم إلّا بدفع الخمسين في صورة عدم خروجها إلى بلاده، من غير تقييد بكون بلاده بلاد الإسلام، و لا انصراف في ذلك و لا ملازمة بين حرمة الخروج عليها و بين استحقاقها المائة، فإنّه شرط شرطا أصوليّا أنّها إن خرجت معه فالمهر مائة، و إلّا فالمهر خمسون، ففي تقدير عدم الخروج و لو كان واجبا شرعا يكون المهر خمسين، فالحكم بثبوت المائة خلاف القاعدة.

و من جملتها: الحكم بأنّه على تقدير إرادة الخروج بها إلى بلاد الإسلام ليس له أن يخرج بها حتّى يؤدّي إليها صداقها؛ فإنّ أداء الصداق إنّما هو تكليف مستقلّ يصحّ لها الامتناع عن التمكين قبل تسلّمه، و ليس له ربط بالخروج معه إلى بلاده بحيث كان جواز الخروج منوطا و مربوطا بأدائه، سواء دخل بها أم لم يدخل، و سواء طالبته منه أم لم تطالب، كما هو ظاهر الرواية، حيث إنّه إناطة الخروج من حيث أنّه

خروج على أداء تمام المهر أو مقدار ما رضيت به منه.

هذه جملة ما عدّوه من مخالفات القواعد، و لكنّها كما عرفت ليست موجبة لطرح الرواية بعد عدم عيب لا في سندها و لا في جهتها، و لا في دلالتها.

نعم لو فرض الإلجاء إلى طرح ظاهرها أمكن تأويلها بما يخرج عن جميع هذه المخالفات.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 661

و هو أن يقال: أمّا الجهة الأولى: فالمهر أمر معلوم و هو المائة، و إنّما شرط الزوج عليها أنّها إن نشزت و خرجت عن طاعته الواجبة عليها التي منها أمر الخروج معه إلى بلاده فإنّ له حقّ إكراهها على الخروج، فينقص عن مهرها خمسون، و هذا شرط غير جائز غير مرتبط بالمهر.

و أمّا الجهة الثانية فإنّه إذا أراد أن يخرج بها إلى دار الكفر فلا يجب عليها طاعته في هذا، فلا يحصل لها النشوز بهذا التمرّد، فيكون مهرها الذي هو المائة ثابتا غير ناقص منه شي ء.

و أمّا الجهة الثالثة: فالمقصود ليس إثبات حقّ لها بسبب إرادة الخروج في قبض تمام المهر، بل المقصود أنّه ما دام متزلزل الحال، و يكون في معرض من المقام و الخروج، فلا يعلم حقّها المستقرّ و أنّه تمام المائة أو ينقص منه الخمسون.

و أمّا إذا خرج عن هذا التزلزل و استقرّ الحقّ على التمام، فلا حقّ له في المماطلة في أداء تمام المهر بعد فرض كونها مطالبة له بتمامه منه، بقرينة قوله عليه السّلام: أو ترضى من ذلك بما رضيت.

فبذلك تخرج الرواية عن تمام تلك المخالفات، لكنّك عرفت أنّ تمام هذا بعد فرض الإلجاء إلى طرح ظاهر الخبر، و لكنّ القواعد القابلة للتخصيص لا توجب الإلجاء، فالعمل بظاهر الخبر و تخصيص تلك القواعد

هو المتعيّن.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 662

المسألة الثامنة لو وهبت نصفا مشاعا من المهر ثمّ طلّقها
اشارة

لو وهبت نصفا مشاعا من المهر العيني من زوجها، ثمّ طلّقها زوجها قبل الدخول فهل النصف الباقي يرجع إليه بتمامه أو بنصفه الذي هو ربع المهر و يرجع في الربع الآخر إلى البدل؟

الكلام في هذه المسألة في الجملة متّحد مع الكلام في مسألة من ملك نصف الدار و باع نصفها، و لو قلنا هنا بأنّ المرأة لا يملك بالعقد إلّا نصف المهر، و النصف الآخر إنّما يملك بالدخول كانت المسألتان من باب واحد، و لكن على ما هو الحقّ من تملّكها تمام المهر بالعقد غاية الأمر ملكا متزلزلا في نصفه و مستقرّا في الآخر فهذه المسألة نظير لتلك.

و ينبغي الإشارة إلى

الشقوق المتصوّرة
اشارة

في تلك المسألة بحسب مقام الثبوت مع قطع النظر عن مقام الإثبات، ثمّ ملاحظة حكم كلّ واحد، ثمّ مقايسة الكلام في هذه المسألة.

من ملك نصف الدار و باع نصفها

فنقول: الذي يملك نصفا مشاعا من الدار الشخصيّة و يبيع نصفها لا يخلو

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 663

حاله بحسب مقام الثبوت عن أربعة أنحاء:

لأنّه إمّا يشير إلى نصفها المضاف إلى ملك نفسه، و إمّا يشير إلى إضافته إلى ملك شريكه، و إمّا يشير إلى الإشاعة السارية في الحقّين و لا محالة يسير ربعا في نصف نفسه و ربعا في نصيب شريكه، و إمّا يشير إلى ذات النصف بلا نظر إلى شي ء من الخصوصيّات الثلاث، بل يلحظ ذات الدار و يضيف إليها النصف من غير لحاظ عروض الملكيتين عليها، فلا إشكال في الشقوق الثلاثة الأول.

و أمّا الشقّ الأخير فربّما يقال: حيث إنّه أطلق النصف فنسبته إلى كلّ من الحصّتين على السواء، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فاللازم هو التوزيع.

و لكن لا يخفى أنّ التوزيع أيضا خصوصيّة ثالثة يحتاج إلى ملاحظة السريان في الحصّتين، فترجيحه على الخصوصيّتين الأخريين بلا مرجّح.

و حينئذ ربّما يقال ببطلان أصل البيع بملاحظة أنّه مبادلة مال بمال بأن يخرج كلّ من المالين عن مالك معيّن و ينتقل إلى مالك آخر كذلك، و ها هنا ليس للنصف المبيع مالك كذلك حتّى ينتقل عن ملكه؛ لأنّه مردّد بين ثلاثة وجوه.

أو يقال: بالصحّة بملاحظة عدم اعتبار الخروج عن المالك في حقيقة البيع و إن كان يعتبر الدخول في ملك المالك المعيّن، مثلا بيع الحنطة التي كانت من المباحات الأصليّة قبل حيازتها و كذلك بيع الحنطة الكلّيّة قبل اعتبار وجودها في العهدة، نعم بواسطة نفس المبادلة البيعيّة يحدث تعهّد للبائع، فيكفي في

بيع الكلّي هذا التعهّد و الوجود في العهدة التي ينشأ من قبل البيع، حيث إنّ مفهوم الحنطة مع قطع النظر عن الوجود الخارجي الفراغي أو الوجود الذمّي التعهّدي ليس متّصفا بالماليّة.

و بالجملة، لا يعتبر النقل عن المالك المعيّن، و إذن فاللازم منه الصحّة في هذه

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 664

المسألة و في مسألة من باع ثمّ ملك و أجاز، و بعد صحّة البيع في النصف يصير مشاعا في كلا النصيبين لا محالة، فيقع في ربع العين منجّزا و في ربعه معلّقا على إجازة الشريك الآخر، هذا كلّه في مسألة البيع.

و أمّا مسألتنا فالكلام فيها هو الكلام في تلك لو قلنا بأنّ المهر لا يملك بالعقد إلّا نصفه، فيجري فيه جميع ما تقدّم حتّى الإشكال في صحّة الهبة حسب الوجهين المتقدّمين في صحّة البيع و بطلانه، كما أنّه على القول بالصحّة لا وجه لتعيّنه في نصيب الزوجة حتّى يتعيّن النصف الباقي للزوج، بل الوجه شيوعه في كلا النصيبين.

و أمّا إن قلنا بأنّ المهر كلّه ملك المرأة بالعقد فيجي ء حينئذ الكلام في أنّها حين هبتها النصف لزوجها إن قصدت النصف المشاع الذي هو متزلزل أو النصف الذي هو مستقرّ، أو الشيوع في كليهما فلا يخفى اتّباع قصدها و إن لم تقصد إلّا النصف المضاف إلى العين الخارجيّة من دون إضافتها الكسر إلى أحد من العناوين المذكورة، فالقاعدة حينئذ تقتضي الحكم بصحّة الهبة؛ لأنّها في الملك حسب الفرض.

و أمّا إذا طلّقها بعد هذا زوجها قبل الدخول فمقتضى القاعدة في النصف الذي يملكه الزوج بهذا الملك الجديد أن يكون شائعا في النصف الموهوب و غيره، و ذلك لأنّ العين على حالها التي هي عليها حال الطلاق من ورود

الهبة على نصفها المشاع لا بدّ من اعتبار ورود نصفين عليها في عرض واحد، نصف للزوجة و نصف للزوج، و لا محالة يوجب هذا سريان كلّ من نصفيهما إلى الموهوب و غيره، لكنّ الزوج غير متعهّد لنصف الزوجة، و أمّا الزوجة فمقتضى تعهّدها أن يؤدّي إليه نصف ما في ملكها من نصف العين المشاهدة و بذل النصف الآخر إن كان قيميّا، فقيمته و إن كان مثليّا فمثله، هذا كلّه فيما إذا كان عينا شخصيّا مشاهدا، أو كان كليّا، و لكن عيّن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 665

في المصداق الخارجي المشاهد.

و أمّا إذا كان كلّيّا في الذمّة فإن كان قيميّا كعبد كلّي في ذمّة الزوج فوهبت الزوجة نصف ذلك العبد الذمّي مشاعا ثمّ طلّقها قبل الدخول فلا بدّ حينئذ من القول بأنّه بالطلاق يرجع ربع ذلك إلى الزوج و يبقى ربعه الآخر في ذمّته دينا للزوجة، كما أنّ ذمّة الزوجة مديونة له بقيمة ذلك الربع الآخر، و إن كان مثليّا كالحنطة و الدراهم فبسبب الطلاق الواقع عقيب الهبة المذكورين يرجع ذلك المثلي إلى الزوج و يبقى بالنسبة إلى الربع الآخر من ذمّتي الزوج و الزوجة مشغولة للآخر به فيحصل التهاتر كما هو واضح، فتدبّر.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 666

المسألة التاسعة حكم المهر فيما لو طلّقها بعد الدخول ثمّ تزوّجها في العدّة ثمّ طلّقها

لو طلّقها بائنا بعد ما دخل بها ثمّ تزوّجها في عدّتها لو كان طلاقها البائن ذا عدّة كما في المختلعة و المبارأة و المطلّقة ثلاثا ثمّ طلّقها بعد هذا التزويج الجديد قبل الدخول فلا إشكال في أنّه يرجع إليه نصف المهر الجديد، و لا يعدّ هذا الطلاق من الطلاق بعد الدخول، نظرا إلى أنّ هذا التزويج الجديد حيث وقع في العدّة فهو بمنزلة الرجوع في العدّة، حيث

إنّ الرجوع إعادة للزوجيّة السابقة، و المفروض حصول الدخول فيها، فالطلاق الواقع عقيب هذا التزويج أيضا كالطلاق الواقع عقيب الرجوع يكون طلاقا بعد الدخول، فيحكم بتمام المهر للزوجة و إن كان حكي هذا قولا لبعض العامّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 667

المسألة العاشرة اشتراط الخيار في ضمن النكاح

لو شرطا في ضمن عقد النكاح خيارا لأحدهما أو لهما فلا إشكال في بطلان هذا الشرط و هو من المسلّم عندهم، بل صحّة العقد أيضا محلّ النظر بينهم.

و حاصل الكلام أنّا لا نجد وجها حسب مقتضى القواعد، لعدم قابليّة النكاح لجعل الخيار فيه بعد ما رأينا وجود الفسخ بالعيوب فيه، بل و قولهم بالخيار في تخلّف شرط البكارة مع عدم دلالة النصّ إلّا بنقيصة المهر دون الخيار، و ما ذكر وجها له من كون النكاح ليس كباب المعاملات، بل فيه شائبة العبادة أيضا لم نفهمه، فإنّ موارد الفسخ بالعيوب نقض لهذا الكلام.

مضافا إلى أنّا لم نفهم ما وجه الملازمة بين شوب العباديّة و عدم جريان الخيار.

و أغرب من هذا الميل إلى بطلان العقد معلّلا في كلام بعضهم بأنّ القصد لم يتوجّه إلّا إلى المقيّد، فمع عدم حصول القيد لا وجه لوقوع المطلق؛ لعدم دخوله تحت المراضاة، فإنّك عرفت أنّ البناء هنا في الشروط الفاسدة على عدم إسراء فسادها إلى العقد.

و أغرب منه ما استدلّ به صاحب الجواهر قدّس سرّه- و إن تأمّل فيه في آخر

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 668

الكلام- من منافاة هذا الشرط مع مقتضى العقد، فإن أراد أنّ عدم الخيار مقتضى إطلاقه فلا ينفع، و إن أراد أنّه مقتضى طبعه- حتّى يصير الإنشاء مع هذا الشرط راجعا إلى إنشاء المتناقضين كما في: بعتك بشرط أن لا تملك، أو أنّه مقتضى مضمونه

و لازمه الذي لا ينفكّ عنه بنظر العرف حتّى يؤول أيضا إلى التناقض في مقام الإنشاء كما في: بعتك بشرط أن لا تتسلّط عليه- فلا نفهم كيف صار حال عدم الخيار في باب النكاح بهذا المنوال مع ما ورد فيه من الفسخ بالأسباب الخاصّة.

اللهمّ إلّا أن يفرّق بين الفسخ بتلك الأسباب و بين الخيار و يقال بأنّ المنافي نفس الخيار، و هذا أيضا ممّا لا نفهمه.

فالعمدة في المسألة بالنسبة إلى بطلان الشرط هو الإجماع لو ثبت، و دلالة ما تقدّم من الأخبار في باب العيوب من حصر سبب الردّ في الأشياء الخاصّة إن سلّم عدم كون الحصر إضافيّا و بالإضافة إلى العيوب كما لعلّه لا يبعد دعواه و لو في بعض تلك الأخبار فراجع، هذا كلّه في اشتراط الخيار بالنسبة إلى أصل النكاح.

و أمّا بالنسبة إلى المهر فلا أرى مانعا من صحّته؛ لأنّ المهر ليس كالثمن و المثمن ممّا يكون به قوام العقد حتّى يكون شرط الخيار فيه منافيا مع مقتضى العقد، و لهذا يصحّ النكاح مع الإخلاء عن المهر، و كذا لو عقد على مهر الخمر يصحّ النكاح و يرجع إلى مهر المثل بالدخول.

و إذن فلا مانع من القول بنفوذه، غاية الأمر متى فسخ يرجع إلى مهر المثل بالدخول.

و القول بأنّه إذا خلى عن ذكر المهر ليس من أركانه و إذا ذكر صار ركنا كالثمن و المثمن، يكون واضح الضعف، إذ على تقدير التعرّض له يكون قد فعل فعلين:

أحدهما إيجاد الزوجيّة، و الآخر تمليك المهر، فهو يشترط الخيار في الفعل الثاني دون الأوّل، و بالجملة، لا تحتاج المسألة إلى كثير تكلّم.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 669

المسألة الحادية عشر هل المهر يملك تماما بالعقد أو لا يملك إلّا نصفه؟

هل المهر يملك بالعقد تماما كما هو المشهور،

أو لا يملك به إلّا نصفه، و نصفه الآخر يملك بالدخول، كما حكي عن الإسكافي، و يظهر الثمر بين الوجهين في صورة الإبراء و الهبة و في النماء المتجدّد بين العقد و الطلاق.

أمّا الثاني: فواضح، حيث إنّه على مذهب الإسكافي ينصّف النماء كالأصل، و على مذهب غيره لا تنصيف إلّا بالنسبة إلى الأصل.

و أمّا الأوّل: فيصحّ على المشهور هبة الكلّ و الإبراء عن الكلّ، و يرجع الزوج بعد الطلاق إلى بدل النصف، كما دلّ عليه الخبر، و كذا في صورة هبة النصف و الإبراء عن النصف، و أمّا على قول الإسكافي فلا حقّ له بالرجوع إلى النصف، نعم في صورة هبة النصف حيث إنّه مشاع في الحصّتين يرجع إليها بربع المهر كما هو واضح.

و العمدة الاستدلال على أصل المطلب، و لا يخفى مطابقة القول المشهور مع القواعد مع نصوصيّة الخبر الوارد في مهر الغنم، حيث فصّل بين وجود الحمل عند الزوج فينصّف، أو عندها فلا ينصّف.

و استدلّ للإسكافي برواية أبي بصير التي عبّر عنها في الجواهر بالصحيح سئل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 670

الصادق عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف و له غلّة كثيرة، ثمّ مكث سنين لم يدخل بها، ثمّ طلّقها؟ قال عليه السّلام: «ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه و يعطيها نصف البستان، إلّا أن يعفو فيقبل منه و يصطلحان على شي ء ترضى به منه، فإنّه أقرب للتقوى» «1».

و يمكن أن يقال: إنّ المراد بغلّة البستان في قوله: ينظر إلى ما صار. إلخ هو الغلّة الكثيرة التي أشار إليها السائل في سؤاله حيث قال: و له غلّة كثيرة، و المقصود أنّه إذا

أصدق البستان حال كون أشجاره حاملة بالأثمار كانت الأثمار أيضا من جزء المهر، فعند الطلاق لا بدّ من تنصيفها كأصل البستان، و الحال فيها كحال الأغنام التي حكمت في الرواية الأخرى بكون حملها من المهر إذا حملن عنده، و إن كانت حملن عندها فهي نتاج ملكها و لا نصيب للزوج فيها.

و المقصود من قوله: من يوم تزوّجها، أنّه لا بأس بما أكل الرجل من تلك الغلّة قبل حين التزويج، و أمّا ما بعده فكلّما صار إليه في المدّة المتمادية المتداولة فيها أخذ الثمار و الغلّة من البستان باختلاف أوان اقتطافها إلى أن يصير البستان خاليا من الغلّة رأسا في تلك السنة الأولى فالتنصيف وارد على مجموع ذلك، حيث إنّ جميع تلك الغلّة كانت عند التزويج حملا على الأشجار.

و بالجملة، فالرواية غير متعرّضة إلّا للغلّة الموجودة في السنة الأولى، فقوله:

و له غلّة كثيرة. يراد به وجود الغلّة فعلا، لا بحسب الشأنيّة و الاستعداد.

و أمّا قوله: ثمّ مكث سنين لم يدخل بها. فهو مذكور في سؤال السائل دون كلام الإمام عليه السّلام، و لا مدخليّة له في الحكم، و ليست الرواية بصدد حكم غلّة تلك

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 30 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 671

السنوات و أنّها في ملك من يدخل.

و الإنصاف أنّه إن لم يكن هذا المعنى ظاهرا فلا أقلّ من كونه أولى في مقام الجمع مع خبر الأغنام الذي عرفت صراحته في أنّ النماء للزوجة من الحمل على الاستحباب، أو على المزارعة و المساقاة على أن يكون الكلّ من العامل و صاحب الأرض و الشجر النصف.

نعم ربّما يدّعى أنّ قوله عليه السّلام: ينظر إلى ما صار إليه من غلّة

البستان من يوم تزوّجها. إلخ، ليس فيه إشارة إلى تلك الغلّة الموجودة، بل الظاهر منه طبيعة غلّة البستان و كون المنتهى يوم الطلاق، لا يوم إتمام أخذ الغلّة من البستان في السنة الواحدة، و لكن غايته أن يكون هذا المعنى خلاف الظاهر الأوّلي، و لكن في مقام الجمع لا شبهة في كونه هو الجمع المقبول العرفي.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 672

المسألة الثانية عشر موت أحد الزوجين قبل الدخول منصّف للمهر أو لا؟

لو مات الزوج قبل الدخول أو ماتت الزوجة كذلك فهل هو أيضا كالطلاق قبل الدخول منصّف للمهر أو لا؟

لا إشكال في أنّ مقتضى القواعد على القول بأنّ المهر يملك تماما بالعقد غاية الأمر أنّ الطلاق قبل الدخول مملّك للنصف من الزوج هو عدم التنصيف، كما أنّه على القول بعدم ملكيّتها إلّا النصف، غاية الأمر أنّ الدخول مملّك للنصف الآخر هو ملكيّة النصف.

لكنّ العمدة هو النظر في أخبار المسألة؛ فإنّه قد ورد أخبار كثيرة لا يبعد ادّعاء بلوغها- بملاحظة كثرتها و ورودها في مواضع متفرّقة كما يعلم بمراجعة الحدائق- حدّ القطع بالصدور بالتنصيف، و هي بين ما دلّ عليه في خصوص موت الزوج و بين ما دلّ عليه فيه و في موت الزوجة. و بإزائها أيضا أخبار أخر و هي أيضا صريحة في ثبوت المهر كلا، و لكنّها بأجمعها خاصّة في موت الزوج.

و منها: رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل تزوّج امرأة و سمّى لها صداقا، ثمّ مات عنها و لم يدخل بها؟ قال عليه السّلام: «لها المهر كاملا و لها الميراث» قلت: فإنّهم رووا عنك أنّ لها نصف المهر، قال عليه السّلام: «لا يحفظون عنّي،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 673

إنّما ذلك للمطلّقة» «1».

و قد يقال بملاحظة كثرة روايات

التنصيف و كون رواتها أجلّاء و ثقات بحيث لا يتطرّق إليها احتمال الجعل و الاشتباه في النقل: إنّه يتعيّن حمل هذا الكلام، أعني:

قوله: لا يحفظون. إلخ على كونه صادرا للتقيّة، كما نقل أنّ مذهب جمهور العامّة على ثبوت الجميع في هذه المسألة، أو على إرادة أنّهم لا يقدرون على حفظ لسانهم و عدم إفشاء الأسرار المودعة عندهم، بمعنى أنّ إفتاء النصف كان حقّا و واقعا، و لكن كان عليهم أن لا يفشوه، و لكن لم يتمالكوا ألسنتهم حتّى رووه عند غير الأهل، و أمّا الآن فإنا أفتيك بأنّ التنصيف مختصّ بالمطلّقة، فاروه عنّي لمن شئت، فكأنّه قال عليه السّلام: لستم بأهل إلّا للفتوى بخلاف الواقع.

و على هذا فروايات التنصيف يجب العمل بها في موت كلّ من الزوج و الزوجة، كما هو المحكيّ عن الصدوق قدّس سرّه في المقنع و إن كان صاحب الحدائق قدّس سرّه أنكر وجود ذلك في النسخة التي كانت عنده من كتاب المقنع.

و قد يقال: إنّه لم يثبت لنا كون الجميع موافقا لمذهب العامّة، و إذن ففي كلّ من الجانبين أخبار صحاح صراح و إن كان إحداهما أكثر عددا من الآخر، لكنّ الكثرة العدديّة لا عبرة بها، و حيث إنّ المعارضة خاصّة في موت الزوج فيعمل فيه بأخبار الجميع؛ لموافقتها مع عموم الكتاب، أعني: قوله تعالى وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً، و لكن بالنسبة إلى موت الزوجة لا مانع من الأخذ بأخبار التنصيف فيقال بالتفصيل بين الموتين كما هو المحكيّ عن الشيخ رحمه اللّه.

لا يقال: إذا فرض أنّك رجّحت أخبار الجميع على أخبار التنصيف فقد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 22.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 674

أسقطتها عن

الحجّيّة بالنسبة إلى موت الزوج و لا يبقى لحجّيّتها بالنسبة إلى موت الزوجة وجه؛ إذ ليس لنا خبر في خصوص موتها بالتنصيف.

لأنّا نقول: هذا حقّ إن كان معنى الترجيح الخدشة في صدور هذه، و ليس كذلك، بل الأعمّ منها و من المخدوشيّة في جهة الصدور، كيف و قد عرفت أنّ أخبار التنصيف ممّا لا يقبل الدغدغة في أصل صدورها، و الذي لا يقبل التفكيك فيه بين فقرات الخبر الواحد إنّما هو الصدور، و أمّا جهة الصدور بعد الفراغ عن أصله كما هنا، فلا مانع من التفكيك فيه، هذا.

و لكنا الإنصاف أنّه لا يمكن الجرأة على الفتوى بطبق أخبار التنصيف، حيث إنّه لم يذهب إليه من علمائنا من الصدر الأوّل أحد مع صراحتها و وضوح دلالتها و صحّة أسانيدها و تظافرها.

نعم إنّما حكي عن الصدوق مع دغدغة صاحب الحدائق كما عرفت، و عن الشيخ رحمه اللّه في التهذيب، و هذا يوجب وهنا في الأخبار الدالّة على التنصيف، فيبقى الأخبار الدالّة على الجميع سليمة عن المعارض الحجّة.

مع أنّه يمكن تطبيق القول بالتمام في كلا الموتين مع قاعدة الجمع الدلالي بأن يقال: قوله عليه السّلام في رواية منصور بن حازم المتقدّمة بعد عرضه عليه: إنّهم رووا عنه النصف: إنّهم لم يحفظوا عنه، إنّما ذلك في المطلّقة، له نظر الشارحيّة إلى أخبار التنصيف، و بعد مقطوعيّة عدم تطرّق الجعل و الاشتباه إلى رواة تلك الأخبار يتعيّن حمل هذا الكلام على إرادة أنّهم خلطوا بين الحكم الجدّي و الصوري الصادر عن التقيّة، فما قلته للتقيّة تخيّلوه حكما جدّيّا و رووه عنّي و لم يلتفتوا إلى الإشارات المفهمة أنّه صادر تقيّة، و إنّما الحكم الجدّي الواقعي اختصاص النصف بالمطلّقة.

فتكون هذه الرواية

شارحة لحال تلك الروايات و مبيّنة للحكم الواقعي،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 675

و هي غير معارضة في مرتبتها بشي ء، فلا وجه لعدم الأخذ بها، نعم لا بدّ من الفحص عن أنّ القول بالنصف هل كان مذهبا للعامّة حتّى يصحّ التقيّة فيه، أو لا؟

فإن كان مذهبا لهم كان هذا الوجه أوجه وجه في رفع اختلاف أخبار المسألة.

فإن قلت: كما أنّ الكذب العمدي و الاشتباه مستبعدان، بل مقطوع العدم بالنسبة إلى هؤلاء الأجلّاء الرواة لأحاديث التنصيف من مثل محمّد بن مسلم و زرارة و الحلبي و ابن أبي يعفور و عبيد بن زرارة و أبي عبيدة الحذّاء و أبي العباس فضل بن عبد الملك البقباق و جميل بن صالح، كذلك يبعد عنهم كمال البعد الخلط بين الحديث الجدّي و الغير الجدّي، مع أنّه قد حكى في الحدائق نقل جملة من أصحابنا كون التمام مذهبا لجمهور العامّة، و كذا يظهر من الوسائل أيضا مطابقة أخبار التمام لمذهب العامّة، فكيف يتمّ ما ذكرت؟

قلت: أمّا ما ذكرت من الاستبعاد فيرفعه أنّ اثنين من هؤلاء الأجلّة و هما زرارة و الحلبي نقلا حديث التمام أيضا كما نقلا حديث التنصيف، فتكرار السؤال منهما و عدم اعتراضهما على الإمام بمخالفة قوليه ربّما يقرب أنّهما ممّن حفظا الحديث بحقيقته فاعتراض الإمام إنّما هو مختصّ بمن روى النصف و لم يرو التمام و أمّا نقل جملة من الأصحاب كون التمام موافقا للعامّة، فلا يوجب علما بالحال؛ إذ ربّما يكون المذهب المنقول إلينا من أكثر رؤسائهم هو التمام، و لكن كان في عصر صدور أخبار التنصيف واحد متنفّذ منهم قائلا بالتنصيف و كان التقيّة منه و لم ينقل النقلة قوله؛ لتفرّده بذلك، و لكن كان ممّن

يتّقى منه.

و بالجملة، بعد عدم القطع بعدم المحمل الصحيح لمضمون هذه الرواية و المفروض كونه شارحا لسائر الأخبار و عدم المعارض له في هذا المضمون- بمعنى أنّه لم يرد خبر بأنّ رواة النصف حفّاظ في هذا النقل- لا وجه لعدم الأخذ بها،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 676

و صرف كونه موافقا لمذهب العامّة على حسب ما نقل لا يوجب حمله على التقيّة؛ إذ من المقرّر في محلّه أنّ الخبر الغير المعارض بشي ء يجب الأخذ بمفاده و لو كان مطابقا للعامّة.

و من هنا يعلم أنّ ظاهره أيضا متّبع و لو كان في أدنى مرتبة الظهور، فقوله:

إنّما ذلك في المطلّقة. ظاهر في أنّ حكم التنصيف إنّما يكون في المطلّقة، فمورد السؤال و إن كان خاصّا بموت الزوج، و لكن يعلم منه الحكم في موت الزوجة أيضا.

نعم لو كان في مرتبة الخبر الحاكم الشارح معارض وجب إعمال قواعد المعارضة، كما وقع ذلك بالنسبة إلى أخبار تحديد وقت الصلاة و الصوم بالغروب، حيث ورد خبر شارح للغروب بأنّه ذهاب الحمرة، و خبر آخر أيضا شارح له بأنّه الاستتار عن النظر.

و الحاصل: بعد اندراج هذه الرواية في الموثّق كما لعلّه يعلم بمراجعة الرجال و عدم المعارض في مرتبتها لا وجه لعدم الأخذ بها، و لعلّه السرّ في تجشّم العلماء رضوان اللّه عليهم و كونهم بصدد التأويل لأخبار التنصيف، و إذن فالقول بالتمام في كلتا المسألتين لا يخلو عن قوّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 677

المسألة الثالثة عشر هل يجوز الإبراء بلفظ العفو كما في الآية؟
اشارة

قد عرفت أنّ الطلاق قبل الدخول منصّف للمهر، لكن في الآية الشريفة الاستثناء عن هذا الحكم بقوله تعالى إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ «1» و الكلام في هذا المقام يقع في مواضع.

الأوّل: لا صراحة و لا ظهور لقوله تعالى إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ

في وقوع الإنشاء بهذا اللفظ حتّى يقال بصحّة جريانه في العين و عدم احتياجه إلى القبول تعبّدا، بأن يكون التلفّظ بلفظ: عفوت، و لو كان المهر عينا خارجيّة مع إنشاء معنى العفو مملّكا تعبّديّا لحقّ الزوجة منها إلى الزوج بدون حاجة إلى قبول منه، و ذلك لأنّ من المحتمل قريبا أن يكون المراد بهذا اللفظ نظير ما هو المراد في قوله تعالى:

فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «2» حيث يراد من التسريح إيجاده بأسبابه الخاصّة، فلا ينافي أنّه لا يكفي فيه التلفّظ بلفظ: سرّحتك، و كما في قولك للمرأة:

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 237.

(2) سورة البقرة: الآية 229.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 678

النصف من المهر إلّا أن تخلّص زوجها عن هذا النصف حتّى يصير له خالصا، حيث لا تريد بهذا إلّا الخلاص بأسبابه المقرّرة.

فإن كان المهر دينا ثابتا في الذمّة فإسقاطه بلفظ الإبراء و بلفظ المصالحة و بلفظ الهبة على كلام في الأخير، حيث إنّه مختصّ عرفا بما إذا كان المتعلّق عينا خارجيّا، فلو أطلق في الدين كان تجوّزا مرادا به الإبراء فلا يحتاج إلى القبول.

و إن كان المهر عينا خارجيّة فيصحّ بلفظ الهبة مع قبول الزوج و قبضه و بلفظ المصالحة المجّانيّة و هكذا.

و بالجملة، فإن لم تكن الآية الشريفة ظاهرة في إرادة هذا فلا أقلّ من الإجمال و عدم الظهور في الأوّل الذي هو التأسيس لحكم مخالف للقواعد، و مع الإجمال أيضا لا محيص عمّا يقتضيه القاعدة من احتياج

التمليك إلى الأسباب الخاصّة و عدم كون واحد منها في العين الخارجيّة إنشاء العفو.

الموضع الثاني- في بيان من بيده عقدة النكاح:

فاعلم أنّه قد ورد في أخبار مستفيضة تفسيره بالأب و الأخ و الموصى إليه و من يبيع مال المرأة و يشتريه لها.

و في بعض آخر تفسيره بوليّ أمرها.

و في ثالث هو الأب و من يوكّله المرأة و يولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما.

و ليعلم أوّلا أنّه قد نسب إلى رواية تفسيره بالزوج، و لكن لم يثبت لها مأخذ صحيح، و إنّما الموجود إرسالها، و لا يخفى أنّه بالنظر إلى الآية نفسها خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر كون العطف في قوله أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي الآية، لاتّحاد المعطوف مع

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 679

المعطوف عليه في الاستثناء عن حكم ثبوت النصف للزوجة، كما هو الحال على المعنى الآخر؛ إذ يكون الثابت في صدر الآية الحكم بنصف الفريضة للمطلّقة قبل الدخول، و المستثنى عن هذا الحكم فردان: أحدهما: صورة عفو المرأة نفسها، و الثاني: عفو من له ولاية عليها إمّا إجبارا و إمّا اختيارا.

و أمّا على إرادة الزوج فالمناسب له سبق الحكم بثبوت النصف للزوجة و النصف الآخر للزوج حتّى يكون استثناء عفو الزوجة من الحكم الأوّل و عفو الزوج من الحكم الثاني.

لا يقال: حينئذ أيضا لا مناسبة لإسناد العفو إلى الزوج؛ لأنّه المعطي، و العفو إنّما يناسب بالنسبة إلى الآخذ و المطالب.

لأنّا نقول: المناسبة ثابتة بالنسبة إلى بعض الصور و هو صورة دفع الزوج عند العقد تمام المهر إلى الزوجة، فإنّه يطالب منها نصفه بعد الطلاق، فالعفو صحيح منه حينئذ، كما أنّه يصحّ إسناده إلى الزوجة في صورة العكس، أعني: ما إذا تأخّر الدفع إلى ما بعد الطلاق، حيث تطالب النصف

منه حينئذ الزوجة، فباعتبار هذين الموردين صحّ إسناده العفو إليهما على وجه الإطلاق.

و بالجملة، الآية ليست بظاهرة إلّا في ما اشتملت عليه المستفيضة، فلا وجه للعدول عنه، و حينئذ فلا بدّ من صرف عنان الكلام إلى شرح المراد منها و باللّه المستعان و عليه التكلان.

فنقول: قد يقال في توجيه معنى هذه الروايات: إنّ المراد بالأب إنّما هو المثال للولاية القهريّة بالنسبة إلى الصغيرة، كما أنّ المراد بالأخ و الموصى إليه و الذي يبيع و يشتري في مال المرأة هو المثال للولاية الاختياريّة، كما عبّر عنه في بعض الروايات بقوله: هو الأب و من يوكّله المرأة من أخ أو قرابة أو غيرهما، و النكتة في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 680

ذكر هذه العناوين أعني: الأخ و الموصى إليه و الرجل يبتاع و يشتري. إلخ، كونها غالبا إنّما توكّل أحد هؤلاء.

فالمراد بجملة الصلة في قوله تعالى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ «1» هو الأعمّ من الولاية الإجباريّة الثابتة في الأب و الجدّ في الصغيرة، و الاختياريّة الثابتة في الوكيل في الكبيرة، كما أنّ المراد بالامرأة المعفوّ عنها التي بيد الوليّ عقدة نكاحها الأعمّ من الكبيرة و الصغيرة.

و قد اختار هذا المعنى شيخنا المرتضى قدّس سرّه في ما كتبه في النكاح و اختار بهذا البيان عدم استفادة الولاية الإجباريّة في الوصيّ في باب النكاح؛ إذ بعد ما كان المقصود من ذكره هذه الأمثلة التمثيل للوليّ بالمعنى الأعمّ فلا يعلم أنّ الموصى إليه هل هو من قبيل الأخ الذي ولايته اختياريّة، أم من قبيل الأب الذي ولايته إجباريّة.

و علّل ترجيح هذا المعنى على إرادة خصوص الإجباريّة بأنّه يلزم على ذلك التقدير مخالفة الأصل و الظاهر، و مراده ظاهرا أنّ الولاية

الإجباريّة غير ثابتة إلّا للأب و الجدّ الأبي دون غيرهما من الأخ و من يتولّى أمور أموال الصغيرة؛ فإنّ الإجماع قائم على أنّ الأب و الجدّ لا يزاحمهما غيرهما عند وجودهما، و بعد فقدهما ليس لأحد ولاية إجباريّة على الصغير و الصغيرة في أمر النكاح؛ لأنّه ليس من حوائجهما المعطّلة.

نعم يكون بالنسبة إلى إصلاح ماله، فإنّ الشارع لا يرضى بتعطيله، فأوّلا يتصدّيه الحاكم، و بعده عدول المؤمنين، و بعدهم فسّاقهم.

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 237.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 681

و لا يخفى أنّ المناسب لهذا الذي عليه الفقهاء ليس إلّا ما اختاره من المعنى من أنّ الأمثلة المذكورة إنّما هي للولاية الاختياريّة، لغلبة تطبيقها عليهم.

و لكن قال شيخنا الأستاذ دام بقاه: لا يخفى أنّ حمل الأخبار على ما ذكره في غاية البعد؛ فإنّه لو كان المراد ما ذكره لكان المتعيّن أن يقول: هو الأب و من توكّله المرأة من الأخ و كذا و كذا، ثمّ يعدّ سائر الأمثلة، لا أن يقول بنحو الإطلاق: هو الأب و الأخ، فيجعل عنوان الأخ عدلا لعنوان الأب، فإنّه في غاية الظهور في أنّه أيضا كالأب يكون بنفسه متولّيا و لو لم يكن في عرضه، بل بعد فقده.

و أمّا ما جعله مانعا عن إرادة هذا المعنى من كونه مخالفا للإجماع فالظاهر عدم كونه مخالفا له؛ فإنّ العلماء و إن اقتصروا في باب الولاية القهريّة على الحاكم و على غير النكاح من سائر أمور الطفل، و هكذا بعد الحاكم أيضا اقتصروا على غير النكاح في ولاية العدول و بعدهم في ولاية الفسّاق، إلّا أنّ الظاهر أنّ كلّ ذلك ليس إلّا لأجل مقدّمتين:

الاولى: القطع بأنّ الشارع لا يرضى ببقاء أمواله بلا محافظ و

مصلح، و ليس هذا القطع في أمر نكاحه.

و الثانية: أنّه يحتمل أنّ الشارع جعل المساواة فيه بين آحاد المكلّفين كالأمور الحسبيّة التي كلّ من باشرها جاز، بأن كان هذا الشأن في زمن عدم بسط يد السلطان الحقيقي ساقطا عن الاختصاص به، و إنّما هو من آثار السلطنة الفعليّة و بسط اليد، و يحتمل أنّه مع هذا أيضا راعى جانبه، فليس لأحد التصدّي إلّا لمن هو أقرب الناس إليه و هو الفقيه.

فالفتاوى إنّما استقرّت من أجل هاتين المقدّمتين على هذا الترتيب في باب الولاية، فإذا وجدنا دليلا ظاهرا في مقام الإثبات دلّ على اشتراك جميع المكلّفين في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 682

هذه الأمور، بل و أمر النكاح فلا يعدّ مخالفا للإجماع.

و قد عرفت أنّ الرواية ظاهرة في الحكم بثبوت الولاية القهريّة كالأب في حقّ الأشخاص الذين جعلتهم في عرضه و بمنزلته، فيكون ذكر الأخ من باب أنّه أحد المكلّفين، إلّا أنّه لكونه أقرب إليها خصّ بالذكر، و لهذا قيّده في رواية إسحاق بن عمّار بقوله: إذا كان يعني الأخ يقيم بها و يقوم عليها، يعني إذا لم يتصدّها الأخ فالأجنبي المتصدّي لاموراتها.

و يدلّ على هذا المعنى ذكر اليتيمة عقيب عنوان من ينفذ أمره في المال في بعض الأخبار، فإنّه على ما ذكره قدّس سرّه لا يتمّ ولاية من يتولّى أمور المرأة إلّا في حقّ الكبيرة.

و لا ينافي ما ذكرنا قوله في بعض الأخبار: هو الأب و من توكلّه المرأة. إذ غاية ما يلزم أن يكون المراد بالموصول في قوله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي الآية الأعمّ من الوليّ الاختياريّ و الوليّ الإجباريّ.

فالفرق بيننا و بين شيخنا المرتضى قدّس سرّه أنّه جعل الموصول أعمّ و حمل أخبار

ذكر الأخ و الموصى إليه و من يتولّى أمور المرأة من قبيل المثال للوليّ الاختياريّ، و لكنّا حملناها على التمثيل للوليّ القهري.

و يرد عليه قدّس سرّه بالنسبة إلى خصوص ما ذكره في عنوان الموصى إليه لأجل تخريب الولاية القهريّة فيه- من أنّه يحتمل كونه كالأخ-: أنّا و إن سلّمنا ما ذكره بالنسبة إلى الأخ و من يتولّى الأمور، و لكن لا نسلّمه بالنسبة إلى الموصى إليه، فهو على كلّ حال لا بدّ من حمله على المثاليّة للولاية القهريّة، إذ الغلبة التي ذكرها في جانب الأخ و متصدّي الأمور غير موجودة في وصيّ الأب، فلا تجعله البنت وكيلا لنفسها في أمر التزويج؛ لأجل المنافرة عنه، حيث يتصدّى لتقسيم التركة المتخلّفة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 683

من أبيها و صرف الثلث في مواضعه.

و الحاصل: أنّ ظاهر الأخبار هو الولاية الأخباريّة، و لا يمنع من هذا الظاهر إلّا شيئان:

الأوّل: عدم ذكر الحاكم في عداد الأولياء، و الحال أنّ ولاية العدول فضلا عن الفسّاق ليست إلّا بعد عدم التمكّن منه.

و الثاني: إثبات الولاية في النكاح أيضا كما في المثال للأخ و من يتولّى المال.

فإن أمكن لأحد دعوى أنّه ليس بحسب مقام الثبوت إجماع على خلاف المطلبين، و إنّما انعقد من جهة أصالة عدم الولاية لأحد على مال غيره و عدم وجود الدليل في غير ما ذكر- فصار المتيقّن هو الحاكم مع إمكانه، و لم يعلم أيضا توسعتها بالنسبة إلى النكاح، فصار المتيقّن هو المال، فالإجماع مبناه الأصل و عدم الدليل، فإذا وجدنا الدليل فلا مانع من الأخذ به- و حينئذ فينتظم معنى جميع الروايات الواردة في الباب، حيث يعلم منها أنّ الحاكم و غيره في عرض واحد، كما ربّما

يستفاد من الصحيحة الواردة في القيّم على الصغار، حيث قال عليه السّلام: إذا كان القيّم مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

و كذلك يعلم منها أنّه كما أنّه ليس لها الاعتراض في أمر المال، ليس لها الاعتراض في أمر النكاح، يعني أنّه في كلتا الجهتين يكون للوليّ الحسبي الولاية الحسبيّة.

و يصحّ تقييد الأخ في رواية إسحاق بن عمّار بكونه القائم بأمورها، فإنّه إذا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب التجارة، الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 684

كان هو الوليّ الحسبي بواسطة تصدّيه اموراتها نفذ أمره في نكاحها، و إلّا فالولاية لمن تصدّى أمورها.

و كذلك يستقيم معنى الرواية التي عطف فيها على الوليّ من توكّله في أمرها، فإنّ الغرض فيه التعميم إلى الوليّ الإجباري و الاختياري.

و أمّا لو قلنا بأنّ الإجماع قائم في مرحلة الثبوت على خلاف كلا الأمرين حتّى لا يمكننا حينئذ حفظ ظهور هذه الروايات بالنسبة إلى عنواني الأخ و من يتولّى أمور المرأة فالإنصاف أنّ المتعيّن حينئذ هو طرح هذه الفقرة؛ إذ حملها على التوكيل يأبى عنه العبارة، فإنّ المتولّي للأموال أيّ ارتباط له بالتولية في العقد و العفو؟ و أيّ وجه لتأدية التوكيل في مقام النكاح بمثل هذه العبارة المؤدّية للتوكيل في الأموال.

و لا ملازمة بين التوكيل من جهة المال و التوكيل من جهة النكاح، و الحال أنّ الرواية في مقام تعداد من بيدهم النكاح، فلا يصحّ عدّ المتولّي للأموال في جملته، بخلاف الحال على المعنى الآخر، فإنّ ذكره حينئذ في كمال المناسبة لإثبات التلازم بين المال و النكاح، يعني أنّ من تولّى أمور ماله حسبة للّه فصار وليّا حسبيّا كان له الولاية على النكاح و

ليس للمرأة بعد البلوغ عدم الإجازة لتصرّفه النكاحي، كما ليس له عدم الإجازة لبيعه و شرائه.

فالمقصود أنّها كما يثبت عليها الولاية في أمر أموالها يثبت أيضا في أمر نكاحها مع صغرها، و هذا معنى مناسب كما يناسبه ذكر اليتيمة أيضا في بعض الأخبار، بخلاف الحمل على التوكيل.

الموضع الثالث- الفرق بين الوكيل و الوليّ في مقدار العفو:

لا إشكال في أنّ الوكيل إنّما يصحّ له العفو بالمقدار الذي و كلّ فيه، فلا يجوز له

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 685

التخطّي عن مقدار التوكيل، و أمّا بناء على الولاية الإجباريّة فلا يخفى أنّ ظاهر الآية حيث عطف عفو الوليّ على عفو المرأة كظاهر إطلاق كثير من الأخبار، بل و تصريح خبرين منها جواز العفو للوليّ و لو كان على خلاف المصلحة للصغيرة؛ فإنّ الحمل على صورة المصلحة حمل للمطلق على الفرد النادر.

نعم في بعض الأخبار أنّه ليس للوليّ العفو عن كلّ النصف، و إنّما له العفو عن بعضه، و هو و إن كان ظاهرا في النفي الوضعي، لكن بقرينة التصريح في الخبرين يتعيّن حمله على الأولويّة التكليفيّة، يعني: يستحبّ له أن لا يعفو عن الكلّ.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 686

[المسألة] الرابعة عشر

قد عرفت الحال في جانب زيادة عين المهر عند المرأة و أنّه عند الطلاق قبل الدخول يكون لها الخيار بين ردّ نصف العين إلى الزوج بذلا للزيادة مجّانا، و بين إعطاء قيمة النصف الخالي عن الزيادة، و قلنا بأنّ الحكم في خبر الوصيف بأنّ عليها القيمة يوم الدفع لا ينظر في زيادة و لا نقصان.

الظاهر أنّه لأجل الإرفاق بالزوجة في جانب الزيادة، لا أنّه الحكم عليه بتعيّن القيمة.

فاعلم أنّه يعرف من هذا، الحال في طرف النقيصة، فيصير الأمر بالعكس، أعني: أنّ الخيار حينئذ إلى الزوج، فإن شاء أخذ نصف العين بدون مطالبة الأرش، و إن شاء أخذ قيمة النصف الخالي عن النقيصة، فإنّ الظاهر أنّ الحكم في الخبر بالقيمة إنّما هو في طرف النقيصة يكون لأجل الإرفاق بالزوج، فيكون له إسقاط حقّه عن النقيصة، و حينئذ فحيث إنّ نصف العين مصداق لنصف «مٰا

فَرَضْتُمْ» كان هو عين ما يستحقّه، فيجوز له مطالبته.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 687

[المسألة] الخامسة عشر

لو باعت دينارا و تزوّجت نفسها من شخص واحد بدينار واحد بحيث كان الدينار المأخوذ من ذلك الشخص مهرا و ثمنا، فحكم المحقّق قدّس سرّه في الشرائع ببطلان البيع و المهر و صحّة النكاح.

أمّا بطلان البيع فلأجل زيادة أحد المتجانسين و هو المثمن على الآخر بالزيادة الغير المجانسة و هو النكاح، و لا فرق في لزوم الربا بين كون الزيادة مجانسا للعوضين أم غيره، من قبيل العين أو المنفعة أو الوصف أو النكاح.

و أمّا صحّة النكاح فلأجل أنّ صحّته غير متقوّمة بصحّة المهر، و لهذا لا يبطل لو جعل المهر خمرا أو خنزيرا، غاية الأمر أنّها ترجع إلى مهر المثل بالدخول، هذا محصّل ما ذكره مع توضيح.

و قد استشكل فيه شيخنا الأستاذ دام ظلّه تبعا للمسالك و المحكيّ عن القواعد بأنّه بعد عدم التعبّد في كلّي المعاملة الربويّة ببطلان خصوص الزيادة حتّى تكون النتيجة في ما نحن فيه بطلان الزيادة التي هي النكاح، و كذا عدم التعبّد في خصوص ما إذا كان الزيادة من غير الجنس بوقوع المعارضة بين تلك الزيادة و بين الطرف الآخر الغير المجانس لها و بطلانها في ما عداهما كما ورد في ما إذا كانت الضميمة من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 688

غير الجنس في كلا الطرفين حتّى تكون النتيجة فيما نحن فيه وقوع النكاح بمقابل تمام الدينار و بطلان بيع الدينار لا محيص عن التكلّم على حسب القواعد.

فنقول: أمّا البيع الربوي فظاهر الأخبار الواردة فيه بطلانه من رأس، لا بطلان خصوص الزيادة و إن لم نفهم من الآية إلّا خصوص تحريم الزيادة، لكنّ الأخبار الواردة كافية

في إثبات المطلوب، نعم في باب القرض الربوي في خصوص ما إذا كانت الزيادة بصورة الشرط اختار السيّد الطباطبائي طاب ثراه صحّة القرض و بطلان الشرط بناء على عدم إفساد الشرط الفاسد، و على كلّ حال فلا كلام في بطلان البيع بحكم الأخبار.

و أمّا النكاح فحيث إنّه حقيقة أخرى غير حقيقة البيع- و إن كان قد جمعهما عقد واحد- فلا مانع من القول بصحّته أو التفكيك بين أجزاء العقد الواحد بعد اختصاص المانع عن النفوذ- و هو الأخبار المانعة عن بيع الربا- بالجزء البيعي منه و تحقّق المقتضي مع عدم المانع بالنسبة إلى الجزء النكاحي؛ إذ ليس إلّا التفكيك و هو غير عزيز، فلا بدّ على هذا من القول بالتجزئة في الدينار أيضا و القول بوقوع مقدار منه يقسّط على مهر المثل مهرا للزوجة و بطلان مقدار منه يقسّط على ثمن المثل.

و الحاصل: أنّ الزيادة الواقعة في أحد طرفي البيع الربوي إن كانت من قبيل شرط الفعل أو النتيجة، فبعد بطلان البيع حيث لا دليل على لزوم الشرط الابتدائي، تقع تلك الزيادة فاسدة قهرا.

و أمّا إذا كانت من قبيل إيقاع حقيقة النكاح التي لا يجري فيه دليل الربا و يكون لنفسه دليل النفوذ مستقلا فبعد بطلان البيع لا مانع من الأخذ بدليل نفوذها، و مجرّد التفكيك في أجزاء العقد الواحد غير مضرّ، كما أنّ الجهل بمقدار المهر أعني:

مقدار ما يوازي من العوض المجعول في العقد مهر المثل غير مضرّ أيضا، كيف

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 689

و كلاهما موجود في موارد الحكم بتبعّض الصفقة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ تبعّض الصفقة في الموارد الأخر كان موجبا للخيار في حقّ من تبعّضت عليه، و في مقامنا لا

يمكن الحكم بثبوت الخيار للمرأة في أصل النكاح، لعدم قبوله الخيار، و الخيار في المهر خاصّة أيضا لا وجه له بعد عدم كونه عقدا مستقلا، و إنّما هو من تتمّة عقد النكاح.

و حينئذ فيدور الأمر بين القول بلزوم التبعّض عليها و إن كان على خلاف ما قصدته و رضيت به، و بين القول بالبطلان في خصوص المهر؛ إذ النكاح غير باطل بواسطة بطلان المهر؛ لأنّ العوض الذي تبعّض على الزوجة إنّما هو الدينار، و أمّا النكاح فهو و إن كان بعض المعوّض المنتقل إلى الزوج، و لكنّه لا يقبل خيارا، و المسألة محلّ إشكال.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 690

[المسألة] السادسة عشر في الطلاق أو الفسخ بعد عقد الجائز على المهر

لو أصدقها مملوكا فدبّرته ثمّ طلّقها قبل الدخول ففي الشرائع نسب إلى القيل الحكم بتخيير الزوجة بين تسليم نصف المملوك و بين أداء نصف قيمته.

و الأولى الإشارة إلى كلّي موارد حصول الفسخ أو السبب المملّك مثل الطلاق قبل الدخول بعد حصول عقد جائز في العين و أنّ الحكم هو الانتقال إلى البدل، أو يجب عليه أن يرجع إلى العين ثمّ يردّه إلى الفاسخ أو الذي تحقّق له سبب مملّك، ثمّ التكلّم في حكم مسألتنا و إن كان التدبير لا يوجب الخروج عن الملك.

فنقول: لو فسخ ذي الخيار أو طلّق الزوج قبل الدخول و قد خرج العين عن ملك المفسوخ عليه أو الزوجة إمّا بعقد خياري أو هبة جائزة أو عقد لازم، و لكن أمكن لهما إعادة الملك السابق بإقالة فلا شكّ أنّه لا بدّ أن يصير الفاسخ و الزوج في الآن المتعقّب للفسخ و الطلاق صاحب مال و مالكه حسب قضيّة للفسخ و مملّكيّة الطلاق، فلا يمكن القول بأنّ الحاصل بسببها مجرّد تعهّد الطرف لهما بالعين

بأن يعيدها إلى ملكه أوّلا ثمّ إليهما، فإنّ العهدة أمر وراء الملك و المال، فيكون أجنبيّا عن مقتضى الفسخ و الطلاق.

و حينئذ فإن كان من الاعتبارات العرفيّة اعتبار ملكيّة العين الخارجيّة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 691

و ماليّتها ثانيا على عهدة أحد و إن كان غير مالكها، بأن يملك زيد على عهدة عمرو نفس المال الخارجي الذي مملوك خالد- كما ربما يساعد كونه من الاعتبارات العرفيّة الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك- فلا مانع من أن نقول بحصول الملك في العهدة للفاسخ و الزوج لنفس العين الخارجيّة حتّى يكون لها مالكان، أحدهما باعتبار الوجود في الخارج، و الآخر باعتبار الوجود في العهدة.

فإن قلت: مقتضى الفسخ ردّ كلّ عوض على نحو وقع تحت المعاوضة إلى صاحبه، و لا شكّ أنّه لم يقع تحت المعاوضة إلّا باعتبار الوجود الخارجي، لا العهدي.

قلت: الأمر دائر بين الانتقال إلى البدل لكونه أقرب الأشياء، و بين إثبات المبدل بالنحو الذي ذكرنا، و لا يخفى أنّ نفسه أقرب إلى نفسه، بل التعبير بالأقربيّة أيضا مبنيّ على المسامحة، و إلّا فهو هو، فلا مجال معه إلى البدل، هذا.

و لكن لم نعثر للملك بهذا النحو على قائل، فإن أوجب ذلك الجزم بعدم صحّة الاعتبار المزبور و عدم عرفيّته و أنّهم لا يرون لملك شخصي مالكين، فلا محيص- بمقتضى ما ذكرنا من أنّ قضيّة حصول الفسخ حصول الملك- من القول بثبوت البدل في ذمّة المفسوخ عليه و الزوجة، و لا وجه حينئذ للقول بوجوب الفسخ و الرجوع عليهما، بل لو رجعا لا وجه لوجوب ردّ العين إلى الفاسخ و الزوج، سواء كان العود قبل أداء البدل أم بعده.

فإن قلت: هذا لا يستقيم مع المبنى

الذي اخترت لأجل أصل الانتقال إلى البدل من التمسّك بقوله عليه السّلام: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» فإنّه يتحقّق مصداق الأداء بعد العود، فيوجب ارتفاع موضوع البدل، فيكون البدل هاهنا نظير بدل الحيلولة، فما دام لم يرجع العين إلى ملكه بعين الملكيّة السابقة يثبت البدل في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 692

عهدته، فإذا عادت إليه بالملكيّة السابقة وجب عليه حينئذ ردّها و يعود إليه البدل.

قلت: ليس قضيّة على اليد إلّا جعل الخسارة بنحو القضيّة التعليقيّة، بمعنى أنّه لو تلف فخسارته على اليد، و قد عمل هذا العمل بواسطة فعليّة المعلّق عليه، و بعد تحقّق العمل منه مرّة فلا دلالة له مرّة أخرى، حتّى أنّه لو فرض حياة الحيوان الذي مات في يد الغاصب بخرق العادة فلا وجه للقول بوجوب ردّه بحكم على اليد، لأنّه قد عمل فيه عمله و باشتغال ذمّته بالقيمة لصاحب الحيوان قبل حصول الأداء.

و الحاصل: أنّا لو قلنا باعتبار الملكيّة في العهدة بالنسبة إلى العين فلازمه أداء العين، بل وجوب تحصيله، و أمّا إن قلنا بأنّ الثابت إنّما هو ملك أن يملك لا اعتبار ملكيّة فوق الملكيّة بالنسبة إلى نفس العين فالأمر منحصر في البدل، و بعد الانتقال إليه و حصول المعاوضة القهريّة الشرعيّة لا وجه للعهدة الثانية، و قد كان مفاد الدليل عهدة واحدة.

و أمّا بدل الحيلولة فليس هو أمرا ثابتا في الذمّة، بل عبارة عن إدخال المال الخارجي تحت سلطنته الخارجيّة حتّى ينتفع به عوض المال الذي له و قد حرم عن الوصول إليه.

و أين هذا من مقامنا المفروض فيه عدم موضوع المال في ملك المفسوخ عليه و المعتبر فيه إدخال مال في الملك عوض خروج مال آخر عنه،

فإنّ الفسخ عكس العقد، هذا حاصل الكلام في العقود الخياريّة و الجائزة المملّكة.

و أمّا العقد الجائز الغير المخرج عن الملك مثل التدبير فمقتضى القاعدة فيه أنّه بالفسخ و الطلاق ينتقل نفس العين، و به يبطل التدبير بواسطة ارتفاع موضوعه، غاية الأمر أنّ بناء العتق لمّا يكون على التغليب فإذا ماتت الزوجة في مسألتنا و تحرّر نصف المملوك، تحرّر النصف الآخر الداخل في ملك الزوج أيضا و يخرج

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 693

قيمته من تركه الزوجة، و ذلك لبداهة أنّ الحكم لا يكون حافظا لموضوعه، فلا يحدث من قبل التدبير مانع عن تأثير السبب المملّك.

نعم لو فرضنا أنّ التدبير عقد لا يرتفع أثره بغير الفسخ، حتّى أنّه لو تصرّف المدبّر بالكسر تصرّفا ناقلا من غير التفات منه إلى التدبير حكمنا ببطلان ذلك التصرّف جرى فيه ما ذكر في العقود الناقلة الجائزة من تعيّن الانتقال إلى البدل.

و على التقدير الأوّل أعني عدم تأثيره في محافظة الموضوع لو فرضنا أنّ هذا يعدّ نقصا في العرف بواسطة معرضيّته للحرّيّة بعد موت الزوجة جرى فيه ما تقدّم في كلّي النقص من ثبوت التخيير للزوج بين أخذ نصف العين بدون أرش و بين أخذ نصف قيمة العين بلا نقص، و على كلّ حال لا يتمّ ما نقله الشرائع عن القيل من الحكم بتخيير الزوجة بين الأمرين.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 694

[المسألة] السابعة عشر حكم المهر في ما لو زوّج الأب ولده الصغير
اشارة

لو زوّج الأب ولده الصغير، فإن ضمن المهر على عهدة نفسه كان عليه، سواء كان الولد غنيّا أم فقيرا، و إلّا فإن كان الولد غنيّا كان عليه و إلّا فعلى الأب.

و يدلّ عليه رواية الفضل بن عبد الملك البقباق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج

ابنه و هو صغير؟ قال: عليه السّلام: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الأب؟

قال: لا. قلت: على من الصداق؟ قال عليه السّلام: على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن، و قال عليه السّلام: إذا زوّج الرجل ابنه فذاك إلى ابنه، و إن زوّج الابنة جاز «1».

و هنا مطالب متعلّقة بالرواية:
الأوّل: وصف الرواية في المسالك و كذا الجواهر بالصحّة

، و استشكله الحدائق بوجود عبد اللّه بن محمّد بن عيسى أخي أحمد بن محمّد بن عيسى الملقّب ببنان في السند، و لم يرد في حقّه توثيق، فيكون داخلا في المجاهيل، و لعلّ نظر

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 695

الشهيد قدّس سرّه إلى أنّ الرجل ممّن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى و لم يستثن القمّيّون روايته عن رجال نوارد الحكمة و هذا كاشف عن وثاقته لو لم يقل عن عدالته و كذا رواية أخيه أحمد بن محمّد بن عيسى عنه كثيرا، مع سلوكه مع البرقي.

الثاني: قوله عليه السّلام في آخر الرواية:

إذا زوّج الرجل. إلخ، إن حمل على الابن الصغير و الابنة كذلك صحّ في الابنة، و لكنّه مناف مع ما حكم في الصدر بالنفوذ، و إن حمل على الكبيرين فمع احتياجه في الابنة إلى التقييد بالباكرة لا يلائم مع التصريح بقيد الصغر في الصدر.

قال شيخنا الأستاذ دام ظلّه: الذي يختلج ببالي أن يقال: إنّ المراد أنّ الابن يكون له المحيص، بعد الكبر عن تزويج أبيه بالطلاق لامرأته، و أمّا الصغيرة فلا مخلص لها عن تزويج أبيها، إذ لا خيار لها و ليس أمر الطلاق أيضا بيدها.

الثالث: في المقام بعض الروايات المطلق في ضمان الابن مع كونه ذا مال

، و بعض الأخبار المطلق في ضمان الأب، و مقتضى الجمع بينهما و بين الرواية المتقدّمة و ما بمضمونه من بعض الأخبار الأخر أن يقيّد إطلاق الطائفة الأولى بصورة عدم ضمان الأب، و إلّا فالضمان عليه، و إطلاق الثانية بغير صورة تموّل الابن و عدم ضمان الأب، فإنّ الضمان حينئذ على الابن، فيصير محصّل المجموع أنّ الابن إن كان ذا مال و لم يضمن الأب المهر فالمهر عليه، و إن ضمن الأب أو كان الابن فقيرا فالأب هو الضامن، و اللّه العالم.

الرابع: لا كلام في المهر المعيّن الشخصي
اشارة

، بل في ما إذا كان كلّيّا في الذمّة،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 696

و حينئذ فهل المراد بالضمان معناه المصطلح أعني: أن يجعل الأب المهر أوّلا دينا على ذمّة الصغير، ثمّ بالضمان ينقله إلى ذمّة نفسه، أو أنّ المراد به التعهّد، أعني: أن يجعله من الابتداء في عهدة نفسه؟

الظاهر هو الثاني، و على هذا يمكن أن يقال بشمول إطلاق الرواية لما إذا أطلق المهر و لم يصرّح بكونه في عهدة نفسه و لا في عهدة الصغير، فإنّ الإطلاق منصرف إلى الصغير؛ لأنّه الزوج المستوفي للمعوّض، فالظاهر اعتبار المهر الذي هو كالعوض في عهدته، بل و لما إذا صرّح بكونه في عهدة الصغير؛ فإنّ هذا التصريح أيضا بحكم ذلك الإطلاق و يفيد التأكيد لما اقتضاه الإطلاق، فنحكم بحكم الرواية بأنّ المهر في صورة إعسار الصغير ثابت على عهدة الأب شرعا.

و الحاصل: أنّ المفهوم ما لم يعتبر إضافته إلى عهدة أحد ليس له ماليّة و لا يعامل معه معاملة الأموال من جعله مهرا و ثمنا و نحو ذلك، فإذا وجب إضافته إلى الذمّة فلا محالة إمّا يضيفه الأب إلى ذمّة نفسه أو إلى ذمّة الصغير،

و الرواية حاكمة في صورة الإعسار بالثبوت على عهدة الأب في كلا التقديرين.

كما أنّها في صورة يساره فصّلت بينهما بأنّه على تقدير الجعل في ذمّة نفسه يكون هو الضامن، و في الأخرى يكون الصغير ضامنا، فليس لصورة التصريح بالتبرّي عن الضمان و الإثبات في ذمّة الصغير مزيّة على صورة الإطلاق، إلّا أنّه قد صرّح فيها بما يكون الإطلاق وافيا به، فيمكن الحكم باندراجها تحت عموم الرواية و الحكم شرعا عليه بالضمان.

و لهذا قال في المسالك معترضا على العلّامة في التذكرة حيث استثنى من ضمان الأب في صورة فقر الابن ما لو صرّح الأب بنفي الضمان بأنّه لا يخلو عن إشكال، قال على ما حكي: لأنّ النصّ و الفتوى متناول لما استثناه، و حمله على غيره يحتاج

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 697

إلى دليل نقلي يعارضه حتّى يوجب حمله على ذلك.

و قال سبطه السيّد السند في شرح النافع على ما حكي بعد أن نقل عن جدّه أنّ النصّ و الفتوى يتناول لما استثناه ما لفظه: و هو كذلك، لكن لا يبعد المصير إلى ما ذكره في التذكرة، لعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» «1» و الرواية لا تنافيه صريحا و لا ظاهرا، انتهى المحكيّ من عبارته.

قال شيخنا الأستاذ دام علاه: يمكن توجيه كلام صاحب المدارك و رفع التهافت عن كلامه حيث ساعد جدّه في ظهور الرواية في التناول لصورة اشتراط نفي الضمان، و مع ذلك قال: إنّ الرواية لا تنافيه صريحا و لا ظاهرا. بأنّ مراده بالظهور الذي سلّمه أوّلا و سالم فيه مع جدّه قدّس سرّهما إنّما هو الظهور في الحكم الحيثي الذي لا ينافي مع الحكم المخالف الوارد عليه بالاعتبار الطارئ و العنوان

الثانوي، كما هو مفاد دليل نفوذ الشرط على ما هو المختار لشيخنا المرتضى قدّس سرّه في تفسير قوله عليه السّلام: إلّا شرطا خالف الكتاب و السنّة، حيث فرّق قدّس سرّه بين أن يكون الحكم المذكور على خلاف الشرط في الكتاب و السنّة حكما حيثيّا، فلا مخالفة، أو فعليّا فالمخالفة ثابتة.

لكن قلنا في محلّه: إنّه بناء على هذا التفسير لا يبقى لنا مورد إلّا و لقائل أن يدّعي أنّ الحكم حيثي، فيجوز شرط خلافه، كما في قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار» «2» بل و كذا في أدلّة الواجبات و المحرّمات، مضافا إلى ما استشكلنا عليه قدّس سرّه من كون الاستثناء حينئذ شبيها بتوضيح الواضح.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

(2) الوسائل: كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 698

و لهذا عدلنا عمّا ذكره و قلنا بالفرق بين ما إذا كان الشرط مغيّرا لقرار شرعي جعله الشارع لأجل اقتضاء في المحلّ لذلك القرار، كما هو الظاهر من قوله عليه السّلام: البيّعان. إلخ، و قوله عليه السّلام: «الولاء لمن أعتق» «1»، و كما في مقامنا، حيث إنّ حكم الشارع بضمان الأب للمهر في صورة فقر الغلام ظاهر في كونه عن اقتضاء، فشرط نفيه مخالف للقرار الاقتضائي الشرعي و بين غيره، فلا مخالفة.

ثمّ إنّ الشرط في مقامنا يتصوّر على نحوين:
الأوّل: أن يشترط أن لا يكون له العهدة أصلا
اشارة

، و هذا هو الذي قلنا: إنّه شرط مخالف للسنّة، سواء فسّرنا الضمان في الرواية بالمعنى المصطلح أعني: نقل الدين من الذمّة إلى الذمّة، أو بالمعنى اللغوي، أعني: الجعل في عهدة نفسه ابتداء، فإنّ الشارع جعل الضمان بأيّ معنى فسّرناه به من المعنيين على الأب فشرط نفيه مخالف للشرع.

و الظاهر عدم ظهور الثمر بين المعنيين في

مسألتنا أعني: إطلاق الرواية لحال اشتراط عدم الضمان.

أمّا على المعنى الثاني فواضح كما تقدّم، و أمّا على الأوّل فلأنّ الرواية حكمت بأنّ الضمان على الأب في صورة فقر الابن، سواء ضمن الأب، أم لم يضمن، و مسألتنا داخلة في الشقّ الثاني، فإنّ عدم شرط الضمان أعمّ من شرط العدم و من السكوت، و معنى إطلاقه بالنسبة إلى حال الشرط مع كونه حكما حيثيّا أنّه لو فرض عدم وجود دليل نفوذ الشرط كنّا آخذين بهذا الإطلاق، فلا يقال:

إنّه ليس حكما فعليّا؛ فإنّ الإطلاق الحيثي غير ملازم للفعليّة كما وجّهنا به

______________________________

(1) الوسائل: كتاب العتق، الباب 37، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 699

كلام صاحب المدارك.

و الحاصل: لا يظهر الثمر بينهما في مسألتنا.

هل يجري حكم المعاوضات في المهر

نعم يظهر في ما لو قلنا بأنّ باب المهر كباب الأعواض في المعاوضات لا يمكن أن يدخل العوض في ملك شخص و يخرج المعوّض عن ملك شخص آخر، فإنّه حينئذ لا يجوز أن يجعل المهر شخص آخر- غير الزوج- على عهدته، إلّا إذا كان هو الأب، فإنّه يجوز له ذلك بحكم الروايات، بناء على حملها على الضمان اللغوي، و أمّا بناء على حملها على الاصطلاحي فلا خصوصيّة في صورة الضمان للأب؛ فإنّ الأجنبي أيضا له ذلك.

الثاني: أن يشترط أن يسقط عنه الضمان بعد ثبوته

، و هذا سالم عن إشكال مخالفة السنّة، نظير ما ذكرناه في شرط عدم الخيار في ضمن العقد، حيث قلنا إنّه إن رجع الشرط إلى شرط عدم الثبوت كان مخالفا لقوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار. إلخ» و إن رجع إلى شرط السقوط فلا مانع منه، و الإشكال بكونه إسقاطا لما لم يجب أيضا فرغنا عنه في محلّه فراجع.

الخامس: لو كان للابن مال، و لكن ليس له وجوب الدفع إلى الدائن

، مثل مستثنيات الدين أو المرهون، فهل له حكم من لا مال له من ضمان الأب، أو ينظر إلى وجود المال فيضمن هو المهر؟ الظاهر أنّ الشارع لم يجعل للمرأة الذمّة المجرّدة من الغلام، بل أحالها إلى المال الخارجي الممكن وصولها إليه، و عند عدم ذلك

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 700

أحالها إلى ذمّة الأب.

و بالجملة، حال فاقد ما عد المستثنيات حال الفاقد الرأسي في كون كليهما فقيرا شرعيّا مستحقّا للزكاة و سائر حقوق الفقراء، و لا يبعد دعوى انصراف الخبر إلى غير هذه الصورة.

السادس- لو كان الغلام مالكا لمقدار من المهر:

لو كان الغلام مالكا لمقدار من المهر دون تمامه، فهل الحكم ضمان الأب، بملاحظة انصراف وجود المال للغلام الموجب لارتفاع ضمان الأب إلى صورة وفاء ماله بالمهر دون ما إذا كان له قيراط مثلا؟

أو ضمان الغلام، نظرا إلى أنّه و إن لم يكن مشمولا لواجد المال، إلّا أنّه غير مشمول أيضا لمن لا يكون له مال، الذي حكم فيه بضمان الأب، فهو خارج عن الموضوعين و مسكوت عنه في الدليل على الطرفين، فيمشي فيه على حسب القواعد من كون ضمان مهر مرأة الإنسان على نفسه دون غيره؟

أو ضمانهما معا، أعني: الغلام بمقدار ماله و الأب بالمقدار الباقي، نظرا إلى أنّ الدليل و إن كان حسب التجمّد على المفاد اللفظي قاصرا، و لكنّه ممّا لا يرتاب العرف في فهم حكمه منه.

كما في الصلاة المركّبة من الأداء و القضاء، أعني: ما وقع أنقص من ركعة منها في الوقت و ما بقي منها في الخارج من الوقت؛ فإنّ الأدلّة حسب المفاد اللفظي بين متعرّض لما كان تمام ركعة منه في الوقت، و متعرّض لما وقع بتمام أجزائه في خارج الوقت، و أمّا ما

كان الركعة الأولى منه بعضها في الوقت و بعضها في خارجه فخارج عن المفاد اللفظي، و لكن يفهم العرف حكمه و أنّه ليس بأنقص من المقضيّة الخالصة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 701

الواقعة بتمامها في خارج الوقت.

و كما في الإناء المتّخذ من ذوب الذهب و الفضّة معا، حيث إنّه غير مشمول لشي ء من دليل الذهب و دليل الفضّة، و لكنّ العرف يفهم أنّ المتولّد من الاثنين أيضا له حكمهما، و بالجملة فلا يبعد الحكم في مقامنا أيضا بنظير ذلك بأن يقال: إنّ العرف يفهم من هذين الحكمين- أعني: أنّ من له المال ليس على أبيه ضمان، و من لا مال له فأبوه ضامن- أنّ من يملك بعض المهر و لا يملك بعضه له حكم القسم الأوّل بالنسبة إلى المملوك، و حكم القسم الثاني بالنسبة إلى غيره.

السابع- لو أدّى الأب المهر في موضع لا ضمان عليه:

لو أدّى الأب في موضع لا ضمان عليه شرعا إمّا ابتداء و بلا سبق ضمان، و إمّا بعنوان الضمان المصطلح فلا ريب في عدم رجوعه إذا كان كلّ من الأمرين لا بقصد الرجوع و تبرّعا، و أمّا إذا قصد بهما الرجوع فهل يجوز الرجوع أو لا؟

اختلف كلام العلّامة أعلى اللّه مقامه في موضعين من التذكرة في صورة الضمان، فقال في موضع بالرجوع معلّلا بأنّ قصده للرجوع بمنزلة إذن المضمون عنه في الضمان.

و قال في موضع آخر بعد الرجوع؛ لأنّه أدّى ما وجب عليه بأصل الشرع، و ظاهر هذا الأخير هو الفرق بين الأداء الابتدائي، حيث لا وجوب شرعي، فله الرجوع، و بين الأداء بعد الضمان، فإنّه أداء لما وجب شرعا بحكم ضمانه، فلا رجوع.

و استشكل عليه المسالك بأنّ في الفرق بين أدائه ابتداء و ضمانه نظرا، فإنّه إن قصد

الرجوع على الطفل و فرضنا كونه صلاحا بأن كان مديونيّة الابن لأبيه أسهل من مديونيّته لزوجته، أو لا فساد فيه- على اختلاف المسلكين- جاز الرجوع في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 702

كلّ منهما، كما أنّه إن لم يقصد الرجوع أو قصد و لكن لم يكن مقرونا بالصلاح، أو كان مقرونا بالفساد بأن كان مديونيّة الطفل لزوجته أسهل و أرفق بحاله من مديونيّته لأبيه، فلا وجه للرجوع في شي ء منهما، فلا وجه للتفصيل، انتهى بمحصّله.

و قد ارتضاه شيخنا الأستاذ دام ظلّه، فإنّه بعد صيرورة قصد الأب للرجوع بحكم ولايته نافذا جائزا و المفروض اشتماله على المصلحة أو خلوّه عن المفسدة يكون المقام كما إذا أذن الكبير المديون في ضمان شخص آخر دينه أو أداءه ابتداء بقصد أن يرجع، فإنّه لا إشكال في أنّ ذلك المأذون إذا ضمن و أدّى، أو أدّى ابتداء و قصد في كلتا الصورتين الرجوع كان له الرجوع.

فكذا في مقامنا؛ لأنّ ذلك مقتضى نفوذ عمل الأب و ولايته على الابن، و هذا واضح.

الثامن- لو أدّى الأب المهر ثمّ طلّق قبل الدخول:

لو أدّى الأب في صورة ضمانه في ضمن العقد أو شرعا، كما في صورة إعسار الولد ثمّ كبر الولد و طلّق قبل الدخول، فهل يرجع النصف من المهر المفروض أداءه إلى الزوجة تماما أو لا؟ و على فرض الرجوع فإلى من يرجع؟

أمّا بناء على أنّ المهر لا يملك بالعقد، بل بالدخول فلا إشكال؛ فإنّه لا رجوع حينئذ، بل الملك باق على ملك المالك الأوّل، و المفروض أنّه الأب.

و أمّا بناء على ما هو المشهور و المنصور من كونه ملكا بتمامه بالعقد و إنّما يرجع نصفه بالطلاق قبل الدخول فقد يقال: حيث لا نصّ خاصّ في المسألة بأنّ عموم آية التنصيف

و كذا الأخبار الواردة به خاصّ بما إذا اتّخذ الفارض و المطلّق، و إمّا بمقام المفروض فيه أنّ الفارض هو الأب و يفرضه في ذمّة نفسه أو يجعله الشارع كذلك

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 703

و المطلّق هو الابن، و منه يظهر الفرق بينه و بين الوكيل، حيث إنّ فرضه فرض الموكّل و يجعله على ذمّة موكّله، فداخل تحت مقتضى القواعد من بقاء ملك المرأة و عدم زواله بالطلاق قبل الدخول.

إلّا أن يقال: إنّ التقييد في الآية وارد مورد الغالب، و الحكم منوط بالأعمّ، نظير آية وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ «1».

و الحاصل: أنّ القيد الغالبي قد يوجب منع الإطلاق في الكلام، نعم لا يعارض الكلام الآخر الواجد للإطلاق، و قد يورث الشكّ في الإطلاق، و قد لا ينثلم به الإطلاق، فنحن نأخذ به، مثل ما لو لم يكن هذا القيد في الكلام، و آية:

وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ من هذا القسم الأخير.

و المدّعى أنّ الآية في مسألة التنصيف أيضا من هذا القسم، أعني: أنّه و إن قال تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ. «2» فأسند الفرض إلى المطلّق؛ إلّا أنّ ذلك لأجل الغلبة، و إلّا فالحكم منوط بعدم وقوع الدخول قبل الطلاق.

و لكنّ الإنصاف مع ذلك عدم الاطمئنان بالعموم في الآية، فالعمدة هو التمسّك في أصل ثبوت التنصيف بالإجماع.

و أمّا أنّ المرجوع إليه النصف هو الأب أو الابن فالمصرّح به في الحدائق أنّه الثاني، معلّلا بعموم الأخبار الدالّة على رجوع النصف إلى الزوج، و نحن لم نعثر في الأخبار على ما دلّ على العموم.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

(2) سورة البقرة: الآية 237.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 704

نعم في بعض

الأخبار مثل خبر حمل الأغنام و إخلال الصداق الحكم برجوع الزوج أو ردّ المرأة النصف إليه، و لكنّك خبير بأنّ لفظي الرجوع و الردّ يقتضيان كون البدء من الزوج، و لا أقلّ من عدم الإطلاق، فلا محيص عن الرجوع إلى مقتضى القواعد.

و الذي اختاره شيخنا الأستاذ أدام اللّه على جميع المستفيدين بركات إفاداته الشريفة أن يقال بالرجوع إلى الدافع، سواء كان الطلاق قبل الدفع أم بعده.

أمّا في الصورة الاولى فلأنّ ذمّة الأب قامت إمّا بضمان نفسه، أو حكم الشرع مقام ذمّة الزوج و تحمّل هو ثقله، و المفروض أنّ الثقل الذي على الزوج كان نصفه مستقرّا و نصفه متزلزلا، بمعنى أنّه كان يسقط عن ذمّته بالطلاق قبل الدخول، فإذا حكم بأنّ هذا الدين الذي على الابن يكون على الأب فلا يقتضي ذلك إلّا براءة ذمّته عن النصف، لا وجوب دفع النصف الآخر إلى الابن.

و أمّا في الصورة الثانية فلأنّ الدين بعد الدفع الخارجي لا يتبدّل حقيقة عمّا هو عليه، فهو على وصفه الذي كان قبل الأداء من استقرار نصفه و تزلزل نصفه، مثل الثمن في البيع الخياري، و لازم التزلزل أن يعود إلى ملك مالكه الأوّل، و كما أنّ لازم ارتفاع الملكيّة عن النصف في الذمّة هو براءة ذمّة من اشتغلت ذمّته، كذلك لازمه بعد الدفع عود نصف المدفوع إلى مالكه الأصلي.

و من هنا يظهر حال الأداء التبرّعي بدون سبق ضمان؛ فإنّ طبع الأداء هو وفاء ما في ذمّة الزوج، لا التمليك له أوّلا ثمّ الدفع إلى المديون.

و إذن فإذا كان تمام الدين أو بعضه متزلزلا و في معرض السقوط الرأسي كان الأداء أيضا كذلك متزلزلا؛ إذ لا مزيّة للفرع على الأصل، و اللّه العالم.

ثمّ هذا كلّه مع بقاء عين المهر في يد الزوجة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 705

و أمّا مع تلفها أو تعيّبها فالحكم بضمان الزوجة للأب كما قلنا به للزوج في صورة إعطائه المهر محلّ إشكال، و لا ملازمة بين الرجوع إلى الأب في حال الوجود بين كون الضمان له في حال التلف، فإنّ الضمان إمّا لأجل ثبوت اليد على ملك الغير و المفروض انتفاؤه في المقام، و إمّا لأجل الدليل الخاصّ الوارد به و هو مخصوص بما إذا كان معطي المهر زوجا، فلا يشمل ما إذا كان هو الأب، و إمّا لأجل الفسخ، و الطلاق ليس به.

فإن قلت: فقد اعترفت بعدم جواز الرجوع إلى الأب، لأنّك قلت: إنّه ليس فسخا، و معناه أنّه مملّك جديد، و المملّك الجديد لا ملازمة فيه مع الرجوع إلى المالك السابق، بل هو و الزوج بالنسبة إليه في حدّ سواء.

قلت: الاعتراف بعدم كونه فسخا لا يلازم كونه مملّكا جديدا، بل نقول:

ظاهر الدليل أنّه غاية لملكيّة النصف، فالملكيّة يثبت بالعقد للكلّ، لكن مغيّاة بالطلاق قبل الدخول بالنسبة إلى النصف، فيكون الطلاق المذكور مذهبا للملكيّة عن النصف، و قاعدة ذلك أن يعود الملك إلى مالكه الأوّل، و ليس فيه عناية الحلّ و الانفساخ، بل من باب قصور المقتضي إلّا إلى هذه الغاية.

و هذا معنى متزلزليّة النصف لأجل كون غايته في معرض الحصول، و ليس سنخ تزلزله سنخ التزلزل في العقد الخياري، بمعنى معرّضيّة العقد لوقوع الانحلال عليه بواسطة حدوث أمر من الأمور كتأخير ردّ مثل الثمن في البيع الخياري، بل الملكيّة محدودة و مغيّاة من أوّل وجودها بغاية مخصوصة و هو الطلاق قبل الدخول.

و لازم هذا ما ذكرنا من الرجوع إلى المالك الأصلي

عند حصول الغاية، فهو في هذه النتيجة مشترك مع الفسخ، و لكن يفترق عنه في عدم الحكم هنا على الزوجة بضمان التلف و الخسارة؛ لأنّهما واردان على ملك نفسها، و لا مقتضى لضمان الإنسان

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 706

ملك نفسه إلّا أن يقوم الدليل الخاصّ، كما قام بالنسبة إلى صورة إعطاء الزوج المهر، و المفروض عدم قيامه في المقام.

نعم لو فرض استفادة تعميم الضمان من الدليل فالقاعدة يقتضي أيضا كون المضمون له هو الأب.

و بالجملة، فالحكم بضمان المرأة نصف المهر إذا وهبته لزوجها أو غيره أو أبرأته أو أتلفته لا بدّ في توسعته و تضييقه من النظر إلى دليله، و على كلّ حال لا ربط له بمسألتنا هذه، و لا يمكن استفادة حكمها من تلك المسألة؛ لعدم الملازمة بين المسألتين.

فلو فرضنا القول بثبوت الضمان للزوج في تلك المسألة أيضا فلا يلازم ذلك القول بكون الرجوع في حال وجود العين أيضا إليه لا إلى الأب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 707

البحث في التنازع في المهر

[الطرف الرابع في التنازع] و فيه مسائل:

الاولى لو تنازعا في أصل المهر
اشارة

بأن ادّعت المرأة أنّ عليه المهر و أنكر ذلك الزوج، فإمّا يفرض ذلك قبل الدخول و إمّا بعده.

فإن كان الأوّل فلا إشكال في تقديم قول الزوج بيمينه؛ لأنّ أصل النكاح لا يقتضي اشتغال ذمّته ما دام لم يسمّ المهر أو يدخل بالزوجة، و الأوّل منتف بالأصل، و الثاني بالوجدان، فيكون المرأة بذلك داخلة تحت ما دلّ من أنّ المفوّضة لا مهر لها مع الطلاق أو الموت قبل الدخول، و هذا لا إشكال فيه.

و أمّا إن كان الثاني فقيل، بل حكي عن الأكثر أنّ المقدّم أيضا هو قول الزوج لمطابقته مع أصالة البراءة، كما في الفرض الأوّل، و ذكر في المسالك في

توجيهه أنّ العقد و الدخول بمجرّدهما أعمّ من إيجاب المهر، فلا يدلّ العامّ على الخاصّ، أمّا بيان الأعمّيّة فلأنّ الزوج الصغير المعسر الذي زوّجه أبوه و العبد الذي زوّجه المولى تحقّق في حقّهما العقد و الدخول و مع ذلك لا يشتغل ذمّتهما بشي ء، بل اشتغل ذمّة الأب و المولى.

و أورد عليه بأنّه مع احتمال أحد الأمرين في حقّ الزوج صحّ ذلك، و أمّا إذا لم نحتمل شيئا منهما فقطعنا بحرّيّة الزوج و أنّه تزوّج المرأة بالغا أو صغيرا موسرا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 708

فلا مجرى لما ذكر.

إن قلت: نعم، لكن مع ذلك يمكن إجراء أصالة البراءة عن المهر بواسطة احتمال أن يكون المسمّى عينا شخصيّة كانت في يد المرأة أمانة عندها قبل العقد، فإنّه حينئذ لم يحدث اشتغال ذمّة للزوج و لا استحقاق مطالبة و عهدة تسليم عليه حتّى يستصحب، و كذلك إذا كان للزوج قبل العقد دين على ذمّة الزوجة فتزوّجها بذلك الدين الذي في ذمّتها؛ إذ حينئذ أيضا لم يحدث من الابتداء شي ء من الاشتغال و العهدة، فعند احتمال ذلك يكون الأصل عدم اشتغال الزوج.

قلت: نعم لو لا أنّ التسمية تكون منفيّة بالأصل، و بعد انتفائها به تكون المرأة مشمولة لأخبار استحقاق مهر المثل بالدخول الواردة في من لم يسمّ لها مهر، فإنّ هذه المرأة ممّن لم يسمّ لها مهر بالأصل و تكون مدخولة بالوجدان، فالاستحقاق لها بالنسبة إلى أصل المهر ثابت.

إلّا أن يقال: إنّه مع ذلك يحتمل مصادفة هذا الاشتغال مع دين مساو له جنسا و قدرا للزوج في ذمّة المرأة؛ فإنّ اللازم حينئذ هو التهاتر، بمعنى أنّه لم يثبت ثبوتا استقراريّا، بل أنّا ما، نظير ما يقولونه في الملك التقديري

في بعض المقامات حفظا لبعض القواعد، كما في شراء أحد العمودين، فإنّ معنى هذا الملك هو الوجود الآني الذي لا يقبل غير الانعتاق، بل ليس بحقيقة الملك، و إنّما نزّل منزلته.

و بالجملة، لنا قسمان من الملك: أحدهما: الحقيقي الذي يكون منشأ لآثار شرعا و عرفا و يكون من آثاره استحقاق المطالبة و هو الملك المستقرّ.

و الثاني: هو الملك التقديري الثابت آنا ما، الذي نقوله حفظا للقواعد، و إلّا فليس بملك حقيقة، و ليس من آثاره استحقاق المطالبة، و حينئذ فالاستصحاب في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 709

الجامع بين القسمين عند الشكّ و تردّد الأمر بينهما و إن كان جاريا، إلّا أنّه ليس من أثر هذا الجامع استحقاق المطالبة، و لا يمكن بسببه إثبات كونه من القسم الحقيقي أيضا إلّا بالأصل المثبت، و نظيره استصحاب عدم مديونيّة المرأة، فإنّه أيضا بالنسبة إلى إثبات القسم المذكور مثبت.

لكن هذا كلّه كما ترى مبنيّ على تسليم ما ذكرنا من ثبوت القسمين للملك نظير ما قيل في الجواز و اللزوم أنّهما قسمان له.

و أمّا إن أنكرنا ذلك و قلنا: بل الثابت قسم واحد و هو الملك الحقيقي- غاية الأمر لا ثبوت له إلّا آنا ما، و الفرق بينه و بين الأوّل أنّ الأوّل ليس له استعداد البقاء في حدّ ذاته إلّا بمقدار آن ما و الثاني له الاستعداد المطلق الغير المحدود، و لكن ارتفع بورود القاطع الخارجي- فلا إشكال حينئذ أنّ الأصل موافق لقول المرأة، لثبوت أصل الاستحقاق بسبب الدخول الوجداني و عدم التسمية التعبّدي و بقائه إلى الحال بالاستصحاب.

و يمكن أن يقال: إنّ التهاتر- بمعنى أن يثبت في ذمّة الضامن و هو الزوج في المقام المهر أوّلا ملكا للزوجة،

ثمّ يعتبر في الآن الثاني حصول المبادلة القهريّة بينه و بين ما للزوج في ذمّة الزوجة، فينتقل إلى الزوج ثمّ يسقط في الآن الثالث- يكون على خلاف القاعدة و يحتاج إلى دليل.

فالذي تقتضيه القاعدة أن يقال: إنّ الزوجة يملك بواسطة الدخول مهر المثل من مال الزوج بوجه الكلّي، فإذا كان للزوج في ذمّتها مال كلّي يحاذي مهر المثل فيكون عين ما ملكته، فإنّه كان ذا قيدين، أحدهما النقد الكلّي، و الآخر كونه مالا للزوج، و كلاهما موجود في هذا الموجود في ذمّتها.

فهذا نظير ما إذا تحقّق لها سبب لملكيّة عين شخصيّة من أموال الزوج و كانت

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 710

هي في يدها حين تحقّق السبب، فإنّه لا يتحقّق لها بذلك استحقاق مطالبة عليه، فكذا في ما نحن فيه.

و أمّا كون الكلّي في ذمّة الزوج فلم يقم على اعتباره دليل، و كذا الحال في سائر الضمانات الشرعيّة كضمان اليد و الإتلاف.

و بالجملة فعلى هذا يحتمل أن يكون الزوج باقيا على عدم استحقاق المطالبة الرأسي الذي كان له قبل العقد و الدخول و لو مع نفي احتمال التسمية بالأصل و وجود الدخول بالوجدان و حكم الأخبار بثبوت مهر المثل في هذا التقدير.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأيّ معنى فسّرتم التهاتر يكون على خلاف الأصل، أمّا على الأوّل فواضح، و أمّا على الثاني الذي قوّيتموه فلأنّ الأصل عدم اشتغال ذمّة الزوجة بمال كلّي حتّى تكون نتيجته السقوط عن ذمّتها بلا اشتغال لذمّة الزوج بشي ء.

و حينئذ فاحتمال البراءة الأصليّة مدفوع بالأصل على كلّ تقدير، فالقول قول الزوجة على أيّ من التقديرين.

المدّعي و المنكر مفهومان عرفيّان

و الحقّ أنّ القول قول الزوج على التقديرين، بيانه يحتاج إلى تمهيد مقدّمة، و هي أنّ المدّعي

و المنكر مفهومان لا بدّ في تعيين حدّ مفهومهما من الرجوع إلى العرف كسائر الموضوعات العرفيّة، و العرف يطلقون عنوان المدّعي على من كان في مصبّ دعواه أصل أوّلي جار على خلاف ما يقوله و إن كان عند الحاكم أصل آخر جار في غير مطلب آخر أجنبيّ عن كلام المدّعي، و لكن كان له الحكومة على

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 711

الأصل الجاري في مورد كلامه.

إذا عرفت هذا فنقول: تارة نختار ما ذكرنا من المعنى للتهاتر اللازم منه احتمال صدق الزوج في البراءة الأصليّة، و اخرى نختار المعنى الآخر اللازم منه القطع بحصول الاشتغال بشي ء في ذمّة الزوج في زمان إمّا زمان العقد و إمّا زمان الدخول.

فإن اخترنا الأوّل كما قوّيناه فلا محيص عن القول بكون المنكر هو الزوج و المدّعي هو الزوجة، و مجرّد أنّ قول الزوجة مطابق لأصالة عدم التسمية مع قاعدة سببيّة الدخول لمهر المثل و أصالة عدم اشتغال ذمّة الزوجة لا يجعلها منكرا و الزوج مدّعيا، و ذلك لأنّ المدّعي و المنكر كما عرفت مفهومان عرفيّان لا بدّ في تشخيص موضوعهما من الرجوع إلى العرف، و لا شكّ أنّ العرف في ما نحن فيه يحكم بأنّ الزوج القائل بالبراءة الأصليّة المحتملة في حقّه هو المنكر عندهم، و الأصل المذكور كما لا يوجب فصل النزاع و حكم الحاكم على طبقه، كذلك لا يوجب قلب المنكر العرفي مدّعيا و المدّعي العرفي منكرا.

و الحاصل: بعد عرض صورة النزاع على العرف و احتمال الصدق في حقّ الزوج كما بيّنا يكون هو المنكر عندهم، و لا يوجب وجود الأصل و القاعدة المثبتين لمهر المثل جعله مدّعيا عندهم، كما لا وجه لجعل الأصل و القاعدة فاصلين للنزاع

بأن يحكم الحاكم بمجرّدهما على طبقهما، فلا محيص عن مطالبة البيّنة من الزوجة و اليمين من الزوج.

و لا فرق في ذلك بين إنكار الزوج للاستحقاق رأسا و بين تقديره المهر بأقلّ ما يتموّل، فإنّ التقدير المذكور لا يقتضي تغييرا في ما هو الحكم مع عدمه، فإنّه يكون قول الزوج بالنسبة إلى الدرهم الزائد فيما إذا ادّعى أنّه الدرهم مثلا مطابقا

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 712

للأصل الأوّلي كما عرفت في نفي الاستحقاق الرأسي.

بل و كذا الحال في عكس هذا، أعني ما إذا ادّعت الزوجة تقديرا كالألف و أنكر الزوج الاستحقاق رأسا، و كذا لو كان كلّ منهما مدّعيا لتقدير، كما لو ادّعت الزوجة الألف و الزوج الأقلّ.

و الحاصل أنّ هنا أربع صور للنزاع المتعلّق بالمهر في ما بين الزوجين:

الاولى: أن يكون في أصل الاستحقاق و العدم بدون ذكر للتقدير أصلا.

و الثانية: وجود التقدير في دعوى الزوج دون الزوجة و إنّما ادّعت الاستحقاق.

و الثالثة: عكس هذا، أعني: وجود التقدير في دعوى الزوجة دون الزوج و إنّما نفى الاستحقاق رأسا.

و الرابعة: وجود التقدير في دعوى كليهما، بأنّ ادّعت مقدارا و ادّعى هو أقلّ منه، و هذه هي مسألة الاختلاف في القدر التي يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ففي جميع الصور الثلاثة الأولى قد تبيّن بحسب ما قوّينا أنّ الأصل مع الزوج يقدّم قوله بيمينه، سواء تعلّق بنفي الاستحقاق أم بنفي القدر الزائد.

و حاصل تقريبه يكون بمقدّمتين: الاولى: ما تقدّم من معنى التهاتر و أنّه لا يستلزم اشتغالا للزوج أصلا، بل سقوط ما في ذمّة الزوجة، فينقدح منه احتمال صدق دعوى الزوج للبراءة الأصليّة.

[الثانية:] في تعريف المدّعي و المنكر

و الثانية: أنّ المدّعي عرفا عبارة عمّن كان قوله مخالفا للأصل الجاري في

كتاب النكاح

(للأراكي)، ص: 713

مصبّ دعواه و إن كان هناك عند الحاكم أصل جار في غير مطرح الدعوى و كان هو حاكما على الأصل الجاري في المطرح كما في مقامنا، حيث إنّ الأصل الأوّلي بناء على المقدّمة الاولى يكون مع الزوج، أعني البراءة الأصليّة، أو عن المقدار الزائد و إن كان للحاكم أصل حاكم على هذا الأصل و هو أصالة عدم التسمية و أصالة عدم اشتغال ذمّة الزوجة بدين للزوج حال الدخول، و قاعدة سببيّة الدخول لمهر المثل؛ فإنّ هذين الأصلين و تلك القاعدة لا يغيّران المدّعي عند العرف منكرا و المنكر مدّعيا.

هذا كلّه بناء على المختار من احتمال البراءة الأصليّة في حقّ الزوج على ما فسّرنا من معنى التهاتر.

و أمّا بناء على المبنى الآخر أعني: العلم باشتغال ذمّة الزوج بشي ء إمّا بالعقد و إمّا بالدخول فلا إشكال في صورتين من تلك الصور، أعني: ما إذا ادّعى الزوج قدرا و ادّعت هي أصل الاستحقاق، أو ادّعى هو قدرا و هي أزيد منه؛ فإنّه في الصورتين يكون الأصل أيضا مطابقا للزوج؛ لاحتمال عدم اشتغال ذمّته بأزيد ممّا اعترف.

و أمّا تشبّث الحاكم بأصالة عدم التسمية و قاعدة الدخول فقد تقدّم الإشكال في قلبه المنكر العرفي- المطابق قوله للأصل الأوّلي الجاري في مصبّ كلامه- مدّعيا.

إنّما الكلام في الصورتين الأخريين، أعني: ما إذا أنكر الزوج أصل الاستحقاق، سواء ادّعت هي أصله أم قدرا مخصوصا، فإنّه بناء على المبنى المذكور القطع حاصل للحاكم بكذب إنكار الزوج لأصل الاستحقاق، و أنّه إنّما استحقّ عليه شيئا إمّا بالعقد و إمّا بالدخول.

و القول بأنّه يتعيّن حينئذ أن يحكم عليه بأقلّ ما يتموّل، فيه أنّ المعلوم له

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 714

مردّد بين المتباينات؛

إذ يحتمل أن يكون المسمّى تعليم سورة و أن يكون متاعا، و أنّ يكون نقدا، و مع هذه الاحتمالات كيف يحكم عليه بما لا تعيين له؟

و القول بأنّ على الحاكم إجبار الزوج على تعيين هذا الأمر المبهم، فيه أنّ الزوج يدّعي القطع بالعدم رأسا و يزعم تعيين مطلق المهر كذبا و مجرّد قطع الحاكم بأصل الاستحقاق و بقائه بالأصل لا يجوز له أن يكذّب، و القول بأنّ الحاكم يعيّن هذا المبهم في مهر المثل بمقتضى الأصل و القاعدة المقرّرين عنده، فيه أنّه إنّما ينفع ذلك لمقام الفتوى إذا كان الزوجان شاكّين في الواقعة و أرادا أن يفهما حكم اللّه في حال الشكّ، و لا ربط له بمقام المرافعة و فصل الخصومة؛ إذ ربما كانت الزوجة قاطعة باستحقاق مهر المسمّى بالعقد، فكيف يحكم عليها باستحقاق مهر المثل بالدخول.

فالمطابق للقاعدة على هذا المبنى أن يقال: إنّ الحاكم يستفسر المقدار و الجنس من الزوجة، فكلّما ادّعته فهي في تعيين ذلك تكون مدّعية؛ إذ الزوج ينكر هذا الذي عيّنته، و قوله مطابق للأصل، فعلى هذا المبنى أيضا يكون مآل الأمر بالأخرة إلى تقديم قول الزوج في جميع الصور، كما كان كذلك على المبنى المختار، هذا.

و لكن في المسالك اختار في جميع الصور الثلاثة تقديم قول الزوجة اعتمادا على أصل عدم التسمية مع قضيّة الدخول، فيحكم لها بعد حلفها بمهر المثل في الصورتين منها، أعني: ما إذا ادّعت المهر و أطلقت و نفاه الزوج، و ما إذا ادّعت كذلك و سلّم الزوج بمقدار و به لو لم يكن ما ادّعته الزوجة أنقص منه، فيحكم بما ادّعته في الصورة الثالثة، أعني ما إذا ادّعت مثلا ألفا و قال هو: لا تستحقّ

شيئا.

و ما ذكره قدّس سرّه مبنيّ على أنّ الأصول الجارية في غير مصبّ الدعوى كانت معيارا لتشخيص المدّعي عن المنكر، و قد عرفت الخدشة فيه و أنّ الأصل الجاري في

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 715

مصبّ الدعوى على تقدير مع الزوج في جميع الثلاث صوره، و في تقدير آخر يكون كذلك بالأخرة في صورتين منها، أعني: ما إذا أنكر الزوج المهر رأسا، سواء أطلقت الزوجة دعواها أم قدّرتها بشي ء.

و أمّا إذا أقرّ الزوج بمقدار في جواب دعواها أصل المهر كما هي الصورة الثالثة فعلى التقدير الآخر يكون الأصل أيضا مع الزوج إن رجع النزاع إلى الزائد و الناقص، بمعنى أنّه لو استفسرت الزوجة قدّرته مثلا بألف و الزوج بدرهم فإنّ الأصل مع الزوج كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المسألة الآتية.

و أمّا إن رجع إلى المتباينين بأن تجيبه الزوجة عند قوله: نعم لك درهم: بل مهري مائة منّ من حنطة، فحينئذ لا وجه لتقديم قول الزوج على ما يقتضيه إطلاق كلام المحقّق أعلى اللّه مقامه في الشرائع؛ فإنّه قدّس سرّه قال: و لا إشكال (يعني في تقديم قول الزوج للبراءة الأصليّة) لو قدّر المهر و لو بأرزة واحدة، لأنّ الاحتمال متحقّق و الزيادة غير معلومة. انتهى.

و مقتضى القاعدة في هذه الصورة هو التحالف إن لم ترض الزوجة بقبول ما يقرّ به الزوج بعنوان التقاص، فإنّها بزعمها مستحقّة عليه حقّا لا يمكن لها إثباته، فتصير موضوعا لجواز التقاصّ فللحاكم دفعه إليها؛ للقطع بأنّه إمّا نفس حقّها، و إمّا تأخذه بعنوان التقاصّ.

بقي في المقام أمور ينبغي التنبيه عليها: منها: أنّه يستثني من صورة تقدير الزوجة و نفي الزوج ما إذا ادّعت استحقاق المقدار من جهة مهر

المثل، فإنّه حينئذ يكون القول قولها؛ لأنّ مصبّ الدعوى حينئذ ذكر السبب و هو الدخول مع عدم التسمية، و قد عرفت أنّ ذلك مطابق للأصل، و إنّما ذكرنا تقديم قول الزوج فيما إذا أهملت ذكر السبب و إنّما ادّعت

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 716

أصل استحقاق المقدار و نفاه الزوج، فإنّ البراءة جارية في مصبّ الدعوى.

و منها: لو ادّعت المقدار من جهة التسمية و نفى الزوج أصلها، فحينئذ لا إشكال في تقديم قول الزوج؛ لأنّ الأصل عدم التسمية، إلّا أنّه يشكل الحال في أنّ الحاكم بماذا يحكم للزوجة؛ فإنّه إذا حلف الزوج بنفي التسمية فمقتضى ذلك مع فرض وقوع الدخول هو مهر المثل، فإنّ كان هو و المقدار الذي تدّعيه الزوجة تسمية متوافقين مقدارا، بأن كان مدّعى الزوجة ألف دينار و كان هذا المقدار أيضا مهر أمثالها فلا كلام، و إنّما الكلام فيما إذا كانا متخالفي الجنس، كأن كان مدّعاها من جنس الحنطة مثلا، فحينئذ كيف يحكم بثبوت الألف دينار الذي هو مهر أمثالها مع أنّها معترفة بعدم استحقاقها إيّاه؟

إلّا أن يقال: إنّ للحاكم أن يدفع هذا المقدار من مال الزوج إلى الزوجة؛ لأنّه إمّا نفس حقّها إن لم تكن تسمية، و إمّا أنّ لها المقاصّة إن كان قيمة الحنطة التي تدّعيها مطابقة مع هذا المقدار.

و منها: أنّه يجري ما ذكرنا في اختلاف الزوجين في اختلاف ورثة الزوجة مع الزوج أيضا، و أمّا لو وقع الاختلاف بين الزوجة أو ورثتها و بين ورثة الزوج، فحينئذ لا كلام في تقديم قول ورثة الزوج بناء على ما أسلفنا من احتمال التهاتر بالمعنى الذي سبق.

و أمّا على الاحتمال الآخر الذي قلنا إنّ معه يحصل القطع بأصل اشتغال الزوج

مع أصالة عدم الإبراء و الدفع فلا يخفى أنّه لا مجرى لأصالة بقاء الدين ها هنا، بل في كلّ مقام علم بدين على الميّت في زمان حياته و يحتمل أداؤه أو إبراؤه، فلا يكون قول المدّعي لذلك الدين مطابقا للأصل، و ذلك لأنّ الأصل في هذا المقام مثبت؛ لأنّ بناؤه أنّ المدّعي للدين على الميّت إنّما يتوجّه دعواه على التركة بملاحظة أنّها حينئذ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 717

متعلّقة لحقّ الديّان دون الورثة، و تعلّق الحقّ بأعيان التركة موقوف على إثبات عنوان كون الميّت مات عن دين، و إثبات هذا العنوان بالأصل المذكور أعني:

استصحاب بقاء الدين إلى حال الموت فلا يصحّ إلّا على الأصل المثبت، نظير استصحاب حياة الوارث إلى حال موت المورّث، فإنّه لا يثبت به أنّه مات عن وارث حيّ.

و حينئذ نقول في مقامنا أيضا: إنّ ورثة الزوجة يدّعون تعلّق حقّهم بأعيان تركة الزوج، و هذا المعنى لا يثبت باستصحاب بقاء الاشتغال إلى ما بعد الموت.

لا يقال: يكفي بقاء الاشتغال الثابت في جميع مدّة الحياة، و لا يحتاج إلى ضمّ عنوان الموت إلى حال المديونيّة.

لأنّا نقول: بل اللازم هو الضمّ، و إلّا فلو فرض مقارنة زوال الدين مع حصول الموت بإبراء و نحوه فلا يتعلّق حقّ بالأعيان قطعا، و بالجملة، الظاهر أنّه لا إشكال في أنّ الموضوع هو دين الميّت أو الموت و الحال أنّ عليه الدين، و كلّ منهما لا يمكن إثباته بأصالة الاشتغال إلى حال الموت، فيكون الأصل مع ورثة الزوج، و على الزوجة أو ورثتها إقامة البيّنة مع اليمين الاستظهاري كما هو الحال في كلّ مدّع على الميّت.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 718

المسألة الثانية في اختلافهما في القدر بعد الاتّفاق على الأصل
اشارة

و له صور:

الاولى: أن يكون مدّعى الزوجة أنّ لي عليك من باب المهر مائة

، و يقول هو:

بل لك خمسون، من دون ذكر لاسم التسمية أو مهر المثل.

فإن بنينا على ما أسلفنا فلا إشكال في أنّ المقدّم قول الزوج بيمينه، كما أنّه كذلك على القول الآخر.

و أمّا على مبنى صاحب المسالك القائل بأنّ المعيار في تمييز المدّعي عن المنكر مخالفة الأصل الجاري عند الحاكم و لو في غير مصبّ الدعوى فلا بدّ من التفرقة بين ما إذا كان مدّعاها موافقا لمهر المثل أو أنقص، فالقول قولها، و بين ما إذا كان أزيد منه، فهي بالنسبة إلى الموازي له منكرة و بالنسبة إلى الزائد مدّعية، فإنّ هذا مقتضى أصالة عدم التسمية مع تعيّن مهر المثل بالدخول.

الثانية: أن يتّفقا على تسمية المقدار في العقد و اختلفا في مقداره

، فلا شبهة حينئذ أنّه لو كان الزائد و الناقص من جنس واحد في أنّ القول قول الزوج على جميع المباني الثلاث المتقدّمة؛ فإنّ أصالة عدم التسمية مقطوعة باتّفاقهما على التسمية، فيبقى الشكّ في القدر، و الأصل عدم التسمية في المقدار الزائد

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 719

عن القدر المتيقّن، هذا.

و لكنّ العجب من الشهيد الثاني، بل و العلّامة قدّس سرّهما حيث يظهر منهما اختيار أنّ مقتضى القاعدة في هذه الصورة هو التحالف و الرجوع إلى مهر المثل.

و لا يخفى أنّ التحالف فرع أن يكون اختلافهما في أمرين متباينين حتّى يصير كلّ واحد مدّعيا و منكرا باعتبارين، و الذي يتصوّر هنا لأجل تحقّق التباين هو وقوع الصيغة و العقد على المهر المائة أو على المهر الخمسين.

و لكنّك خبير أنّ كلّ دعوى و لو لم يترتّب عليها ثمرة مالكيّة ليست ميزانا، بل المعيار ما كان يترتّب عليه ثمرة كذلك و هو أصل استحقاق المائة أو الخمسين، و لا شكّ أنّ أصل استحقاق الخمسين مشترك بين

كلتا الدعويين، فلا وجه للرجوع إلى التداعي، نعم يجري ما ذكره في صورة تباين الجنسين، أعني: جنس ما يدّعيه المرأة مع جنس ما يدّعيه الرجل.

الثالثة: أن يتّفقا على عدم التسمية و تحقّق الدخول

، و مع ذلك اختلفا في أنّ الثابت بالدخول ما ذا، هل هو المائة أو الخمسون؟

و هذا تارة يكون راجعا إلى النزاع في أنّ مهر أمثال المرأة المشاركة معها في الجمال و الشرف و سائر الخصوصيّات الدخيلة في زيادة المهر و نقصانه أيّ المقدارين، فيدّعي الرجل أنّه الناقص؛ لكونها من القبيلة الوضيعة، تدّعي هي أنّه الزائد؛ لكونها من الطائفة الشريفة، و لا شكّ في أنّ القول حينئذ قول الزوج؛ لأصالة عدم اشتغال ذمّته بأزيد ممّا يقوله، من غير فرق بين المباني المتقدّمة كما هو واضح.

و اخرى: يكون راجعا إلى الاختلاف في تأدية المقدار الباقي، فيدّعيه الرجل و ينكرها المرأة، و لا شكّ أنّ القول قول المرأة حينئذ على جميع المباني

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 720

كما هو واضح أيضا.

لا يقال: من المحتمل بناء على المبنى الذي أسلفته في معنى التهاتر أن لا يكون ذمّة الزوج من الابتداء مشتغلة بالمقدار الزائد عمّا يدّعيه بواسطة وجود دين في ذمّة الزوجة بمقداره، و أصل عدم اشتغال ذمّتها أيضا على حسب ما أسلفت غير مفيد بحال تعيين المدّعي و المنكر؛ لأنّه غير مصبّ الدعوى.

لأنّا نقول: بل مفيد؛ لأنّه جار في مصبّ الدعوى؛ لأنّ قول الزوجة: إنّي مطالب منك مقدار المائة فعلا. معناه أنّه لم يكن بيني و بينك مطالبة قبل الدخول حتّى يسقط مطالبتك بواسطة ثبوت مهر المثل، و هذا و إن كان جاريا في صورة ادّعائها أصل الاستحقاق بدون ذكر السبب أيضا، إلّا أنّ المانع أنّها أهملت ذكر السبب، و إنّما قالت: إنّي

مستحقّة، و قال هو: لم تستحقّ، و من المعلوم أنّ الأصل مع القائل الثاني.

و أمّا هنا فقد صرّحت بذكر السبب و أنّها بواسطة الدخول استحقّت المائة الفعليّة، ففي نفس هذا المفاد الأصل جار مطابقا لقولها، فتكون منكرة.

ثمّ هذا مقتضى القواعد في هذه الصور الثلاثة مع قطع النظر عن النصّ الخاصّ.

و أمّا مقتضى النصّ الخاصّ و هو صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهما السّلام «1» المذكورة في الوسائل و هي ناصّة في الصورة الثانية، أعني: الاختلاف في مقدار التسمية، و قد حكمت بتقديم قول الزوج، كما هو مطابق للقاعدة على ما عرفت.

و العجب من صاحب المسالك قدّس سرّه حيث يظهر منه تعميم الحكم المستفاد من

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 18 من أبواب المهور، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 721

الرواية بالنسبة إلى جميع الصور الثلاثة، و الحال أنّها بواسطة تقييدها في السؤال بعدم الدخول ناصّة في كون النزاع في مهر التسمية، فلا شمول لها لصورتي الإطلاق أو التقييد بمهر المثل، فراجع الخبر حتّى يظهر صدق ما ادّعينا، مضافا إلى ظهور كلمة الصداق، بل المهر في المسمّى، و أمّا إطلاق المهر المثل فمعناه قدر توافق مهر الأمثال، فلم يطلق إلّا على مهر الأمثال، دون ما يبذل للمرأة المفوّضة المدخولة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 722

المسألة الثالثة لو اختلفا بعد الاتّفاق على وقوع عقدين و إنشائين بمهرين

في وقوع كليهما مؤثّرين في تزويج مستقلّ أو كون الثاني منهما تكرارا للأوّل أمّا لغرض الاحتياط كما هو المرسوم في زماننا هذا، أو لغرض إظهار الجاه إذا كان الأوّل وقع في الخفاء.

فقد يقال: إنّ الأصل مع الزوجة؛ لأنّها مدّعية لصحّة كلا الإنشائين، بمعنى ترتيب أثر الزوجيّة على كلّ منهما، و أمّا الزوج فمدّعاه لغويّة أحد العقدين لا محالة إمّا الأوّل و

إمّا الثاني إذا كان المقصود من التكرار هو الاحتياط و لغوية الثاني إذا كان المقصود إظهار العنوان.

و فيه أنّ الأصل المتصوّر هنا في جانب الزوجة غير خال عن أحد النحوين؛ لأنّه إمّا أصل جار في ألفاظ العقود، بل عامّة الألفاظ و هو كونها صادرة بغرض الجدّ بمعانيها دون أن يكون اللعب و العبث و غير ذلك.

و إمّا أصل جار في العقد من حيث إنّه عمل للعامل العاقل، و الأصل في أعماله استجماعها الشرائط و خلوّها عن النقص و الخلل، و كلّ منهما أجنبيّ عن إثبات المرام في المقام.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 723

أمّا الأوّل: فلأنّ المفروض اتّفاق الزوجين على أنّ الألفاظ مستعملة في معانيها الإنشائيّة و بغرض الجدّ، إنّما الكلام في أنّه هل الداعي الجدّي هو الجزم بوقوع المتعلّق أو الاحتياط، و لا أصل يعيّن أحدهما.

و أمّا الثاني: فلأنّ الأصل إنّما يفيد الصحّة التأهليّة التي هي سهم العقد بمعنى الإيجاب و القبول، و لا يتكفّل لغير هذه الجهة.

ألا ترى أنّ أصالة صحّة الإيجاب لا يفيد إلّا صحّته دون القبول، و كذلك صحّة الحمد لا يقتضي إلّا كونه بحيث يصحّ انضمام بقيّة الأجزاء إليه، و صحّة العقد المردّد بين الفضوليّة و الأصاليّة لا يقتضي إلّا قابليّته لانضمام الرضا المالكي إليه.

و بالجملة، إحراز قابليّة المحلّ خارج عن عهدة أصالة صحّة العمل العقدي.

إلّا أن يفرّق بين المقام و بين الأمثلة المزبورة بأنّ الأمر في المقام مردّد بين وقوع العقد من الابتداء صحيحا فعليّا، و بين وقوعه من الرأس باطلا، و أمّا في بعض الأمثلة فالأمر دائر بين وقوعه صحيحا بالصحّة الفعليّة و بين وقوعه صحيحا بالصحّة التأهّليّة، كما في تردّد أمر العقد بين وقوعه فضوليّا، أو صادرا من

المالك، و في بعضها بين وقوعه باطلا أو صحيحا تأهّليّا، كما في مثال الحمد و الإيجاب.

و بالجملة، كلّما كان المقابل للصحّة الفعليّة الصحّة التأهّليّة الانتظاريّة فلا نسلّم أنّ مقتضى الأصل هو الفعليّة، و أمّا كلّما كان المقابل للصحّة الفعليّة هو البطلان من رأس بحيث لا يقبل انضمام سائر الأجزاء فالأصل يقتضي الصحّة الفعليّة، كما لو شكّ في صدور العقد عن البالغ العاقل الرشيد، أو عن الصغير أو المجنون أو السفيه، فإنّ مقتضى الأصل حينئذ هو الصحّة، و في المقام أيضا يكون الأمر بهذا المنوال، هذا.

و الإنصاف أنّه إذا دار الأمر بين الصحّة المنجّزة و الصحّة التقديريّة فليس بناء

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 724

العقلاء على أصل الصحّة محرزا لو لم نقل أنّ عدمه محرز.

ألا ترى أنّك لو رأيت أحدا مشغولا بصلاة القضاء و لكن شككت أنّه يفعل القضاء الاحتياطي أو الجزمي فليس هنا أصل يعيّن الثاني، بخلاف ما إذا شككت في بطلان صلاته من جهة اختلال بعض الأجزاء أو الشرائط، فإنّك تبني على صحّة عمله من هذه الجهة بخلاف الجهة الاولى.

و إذن فلم نجد أصلا موافقا للزوجة كما ذكروه، و على تقدير صحّة ما قالوه فهنا احتمالات في استحقاق المهر:

أحدها: أن يكون المهران بتمامهما مستحقّين لها بأن حصل الدخول عقيب كلّ من التزويجين.

ثانيها: أن لا يكون شي ء منهما مستحقّا لها بأن يكون تحقّق الفراق بينهما في كلّ من التزويجين بسبب الفسخ بالعيب قبل الدخول.

ثالثها: أن يكون المستحقّ مهرا واحدا، نصفا من هذا، و نصفا من ذاك بأن تحقّق الطلاق قبل الدخول عقيب كلّ منهما.

و رابعها: أن يكون مهرا و نصفا، بأن يكون الطلاق قبل الدخول متحقّقا عقيب واحد دون آخر.

خامسها: أن يكون نصف مهر فقط،

بأن يكون الطلاق قبل الدخول متحقّقا عقيب واحد و الفسخ بأحد العيوب عقيب آخر.

و لا شكّ أنّه بناء على المختار من ملكيّة تمام المهر بالعقد يكون مقتضى الأصل هو الاحتمال الأوّل؛ لأصالة عدم تحقّق المزيل للكلّ أو النصف، و إنّما الثابت مطلق الفراق، و العامّ لا يدلّ على الخاصّ، فمن الممكن أن لا يكون بالطلاق قبل الدخول و لا بالفسخ قبله، هذا كلّه مع سكوته.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 725

و أمّا لو ادّعى الطلاق قبل الدخول أو الفسخ بالعيوب قبله فالذي اختاره شيخنا الأستاذ دام ظلّه هو التفصيل بين ما لو ادّعى ذلك بعد العقد الأوّل، أو ادّعاه بعد الثاني فلا يسمع منه في الأوّل؛ لأنّه بواسطة دعواه الاولى أنّه ما عقد عقدين بنحو الجدّ الجزمي مكذّب لدعواه هذه، فلا يسمع منه ما هو مكذّبه، و يسمع منه في الثاني و يطالب بالبيّنة، لكون قوله على خلاف الأصل أعني: أصالة عدم تحقّق السبب المزيل لملكيّة الكلّ أو المنصّف لها.

و لكن حكي عن المسالك في هذا المقام أنّه فصّل بين ما لو ادّعى الطلاق قبل الدخول فيقبل قوله بيمينه، و بين ما لو ادّعى الفسخ بأحد العيوب فلا يقبل من غير فرق في الصورتين بين ادّعاء ذلك في العقد الأوّل أو الثاني و نظره في قبول قوله بالنسبة إلى دعوى الطلاق بالمستودع، حيث إنّه بعد ثبوت الإيداع و سكوته يطالب بالوديعة، و إن ادّعى تلفا أو ردّا يقبل قوله بيمينه.

و استشكل دام ظلّه فيه أوّلا بأنّ إطلاق كلامه لصورة ادّعاء ذلك في العقد الأوّل لا وجه له كما عرفت.

و ثانيا بأنّه لا وجه لتقديم قوله في صورة ادّعاء الطلاق؛ إذ غاية توجيهه أنّ الطلاق أمره بيده

و عن اختياره، و الدخول يكون الأصل عدمه، كما أنّ وجه قبول قول المستودع في التلف و الردّ أيضا كون الأمر بيده.

و فيه أنّ مجرّد كون الأمر بيده لا يثمر في القبول، و إلّا فالمدّعي لردّ الدين أيضا لا بدّ من قبول قوله؛ لأنّ الردّ باختياره، و الدخول و إن كان الأصل عدمه، لكنّه بالنسبة إلى عنوان الطلاق قبل الدخول مثبت، فالحقّ أنّ هذا المقيّد أمر حادث و الأصل عدمه، و أمّا وجه تقديم قول المستودع فهو كونه أمينا و ليس عليه إلّا اليمين.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 726

[النظر الثالث في القسم و النشوز و الشقاق]

اشارة

القول في القسم و النشوز و الشقاق و الكلام الآن في

الأوّل [القسم]

اشارة

، و فيه موارد للكلام:

[الأمر] الأوّل:
اشارة

اعلم أنّ هنا بحسب التصوّر وجهين: الأوّل: أن يكون للمرأة على الزوج المبيت عندها في كلّ أربع ليال ليلة واحدة، و الثلاث الباقية له يضعها حيث يشاء، فلو كان له امرأتان كان عليه أن يبيت عند كلّ منها ليلة، فيبقى له ليلتان، و يكون بالخيار فيهما، إن شاء بات وحده، و إن شاء بات عند واحدة منهما حتّى يكون بيتوتته عندها ثلاث ليال.

و الثاني: أن لا يكون للمرأة حقّ، بل للزوج الإعراض عنهنّ رأسا و عدم البيتوتة عندهنّ أصلا، و لكن لو اختار البيتوتة عند واحدة كان مقتضى العدل و التسوية الواجب عليه مراعاته بينهنّ أن يبيت عند الأخرى أيضا ليلة، و على هذا يرد الإشكال في مقامين.

الأوّل: أنّه يلزم على هذا أن لا يجوز له البيتوتة ثلاث ليال عند واحدة و ليلة عند اخرى، كما هو مقتضى كلامهم من أنّه بالنسبة إلى ليلتين يكون بالخيار يضعها حيث يشاء.

و الثاني: أنّه لو كان ذلك بمقتضى العدل فما وجه التعيين في البيتوتة و المقام معها ليلا، فلم لا يجوز المقام نهارا عوض الليل؛ إذ العدل يحصل بهذا أيضا، أعني:

أن يبيت عند واحدة و يتبنّس مع الأخرى في النهار.

و قد أنكر جماعة منهم صاحب المسالك و الحدائق و الجواهر دلالة الأخبار على الوجه الأوّل أعني: الحق الابتدائي للمرأة و أنّ القدر المتيقّن إنّما هو ثبوت الحقّ

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 727

للمرأة الأخرى بعد الشروع في المبيت عند واحدة.

و قد ادّعى شيخنا الأستاد دام ظلّه إمكان استفادته من التعليل الواقع في خبر الحسن بن زياد قال: سألته عن الرجل يكون له المرأتان و إحداهما أحبّ إليه من الأخرى، إله أن يفضلها بشي ء؟

قال عليه السّلام: «نعم له أن يأتيها ثلاث ليال و الأخرى ليلة؛ لأنّ له أن يتزوّج أربع نسوة، فليلتاه يجعلهما حيث يشاء» قلت: فيكون عنده المرأة فيتزوّج جارية بكرا؟ قال عليه السّلام: «فليفضلها حين يدخل بها ثلاث ليال، و للرجل أن يفضل نساءه بعضهنّ على بعض ما لم تكن أربعا» «1».

فإنّه عليه السّلام قد علّل جواز التفضيل بجواز تزويج الأربع، و هو لا يصحّ علّة إلّا بعد مفروغيّة مطلب و هو أنّ للزوجة على الزوج المبيت في الليل؛ فإنّه إذا انضمّ إلى هذا الأمر المفروغ جواز تزويج الأربع يعلم منهما أنّ الحقّ الثابت للزوجة إنّما هو المبيت في ليلة من أربع ليال، فإذا كان حقّها من الأربع ليلة واحدة فكانت لذي المرأتين ليلتان، فهو فيهما بالخيار، فكما يجوز أن يبيتهما في المساجد و عند رفقائه، يجوز عند واحد من المرأتين.

إن قلت: بل يناسب التعليل على القول الآخر أيضا- أعني حدوث الحقّ بعد الشروع بالمبيت لواحدة- فإنّه يعلم أيضا أنّ الحقّ الثابت بعد الشروع إنّما هو ليلة من أربع ليال بدليل جواز تزويج الأربع.

قلت: إن كان الحقّ غير ثابت من الابتداء و إنّما يثبت بعد الشروع و الاختيار فلا شكّ أنّ المرأة الاولى لا حقّ لها، و إنّما يثبت للأخرى بملاحظة العدل و المساواة بينهما.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 728

و لا يخفى أنّ جواز تزويج الأربع لا يفهم منه جواز التفضيل و لا عدمه، و ذلك لأنّ من الجائز أن يجوز تزويج الأربع و مع ذلك لم يجز تفضيل البعض على البعض.

و هذا بخلاف ما إذا كان هناك حقّ مطلق للزوجة على

الزوج متعلّق بالمبيت، فإنّ جواز تزويج الأربع أوضح دليل و أصدق شاهد على تعيين مقدار هذا الحقّ و أنّه في كلّ أربع ليال ليلة؛ إذ لو كان أزيد من هذا لكان في تجويز الأربع تضييع لحقّ بعض الأربع، فهذا أوّل دليل على أنّ الزوج مالك لليلتين من أربع ليال إذا كان متزوّجا بزوجتين، فإذا كان مالكا لليلتين فله الخيار في وضعهما أينما شاء، و مالك لليلة واحدة إذا كان متزوّجا بثلاث، و لثلاث إذا كان متزوّجا بواحدة.

هذا مضافا إلى أنّ المفروض في الرواية هو عدم الشروع، و إنّما وقع السؤال عن رجل له مرأتان و إحداهما أحبّ إليه من الأخرى، ففي هذا المورد أجاب عليه السّلام بأنّ للمرأة الغير الأحبّ ليلة، فيبقى ثلاث ليال، فله صرف جميعها للمرأة الأحبّ، و ظاهره ثبوت الحقّ المطلق لكلّ مرأة بالنسبة إلى ليلة واحدة، لا المشروط بالشروع، فكأنّه كان المحتمل في ذهن السائل أنّ حقّ المرأة الغير الأحبّ يصير ضائعا بسبب التفضيل، فأجاب عليه السّلام: إنّما لها ليلة واحدة لا أزيد، فيجوز له أن يقيم مع الأحبّ ثلاث ليال بدون تضييع في البين أصلا.

و الحاصل أنّ ظهور الرواية من جهة التعليل و من جهة إطلاق الاختصاص المستفاد منها و من اللام في بعض الروايات الأخر في ثبوت الحقّ الابتدائي لعلّه غير قابل للإنكار.

نعم يبقى

التكلّم في معارضاته.
منها: أخبار حصر حقّ الزوجة في أشياء ليس منها حقّ القسم

، بل و لا حقّ الوطي في كلّ أربعة أشهر، و عمومها بأواسطه التأكّد بالقسم في بعضها و قول المرأة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 729

السائلة: ما تزوّجت أبدا، في آخر آب عن التخصيص.

و

منها: رواية اعتزال النبي صلّى اللّه عليه و آله عن نسائه

جمع مع أنّ مورث الغضب إنّما صدر من واحدة، فلو لا عدم وجوب القسم ابتداء لما وقع ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؛ لأنّه تفويت لحقّ الباقيات بغير تقصير موجب لذلك، نعم لا بدّ أن يكون ذلك صدر منه صلّى اللّه عليه و آله بعد تمام الدور لا في أثنائه، و إلّا ورد الإشكال على كلا القولين.

فإن قيل: لعلّ ذلك من مختصّاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قيل: الأصل في أفعاله اشتراكها بينه و بين أمّته، فإذا صدر منه صلّى اللّه عليه و آله ترك المضاجعة دلّ على عدم حرمته، فيستكشف بقاعدة الاشتراك عدم الحرمة بالنسبة إلى سائر الناس.

فإن قيل: قسمه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان بين تسع نساء في تسع ليال، و قسمنا في أربع ليال بين أربع نساء و أقلّ.

قيل: هذا اختلاف في الكيفيّة، و لا ينافي الاشتراك في الأصل، ألا ترى أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان ينفق على التسع، بخلافنا، فلا منافاة في هذا مع اشتراك أصل النفقة فيما بيننا و بينه، فكذلك الحال في القسمة.

و

منها: ما في الوسائل عن عقاب الأعمال عن رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله، قال صلّى اللّه عليه و آله:

«و من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه و ماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقّه حتّى يدخل النار» «1». باعتبار دلالته على عدم جواز التفاوت و التفرقة بين الزوجات، فيعارض هذا مع ما تقدّم ممّا دلّ على جواز التفريق.

و الإنصاف عدم صلاحيّة شي ء ممّا ذكر للمعارضة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 730

أمّا أخبار الحصر فهي كما

ذكر آبية عن التخصيص، إلّا أنّه من القريب أن يكون نظر السائل و المسؤول فيها ممحّضا في الحقوق المختصّة بالزوجة التي ليس للزوج فيها سهم و شكرة، بمعنى أنّ الزوجة إن أسقطت حقّه منها ليس للزوج المطالبة و الإجبار على إعماله و لا حقّ له فيه.

و ما نحن فيه و كذا حقّ الوطي في كلّ أربعة أشهر مرّة كلاهما حقّ اشتراكي يكون لكلا الزوجين فيهما حقّ و حظّ و نصيب؛ إذ للزوج على الزوجة حقّ المضاجعة، و كذا حقّ الوطي و الاستمتاع، فلو فرض أنّ الزوجة أسقطت حقّها عن المضاجعة و الوطي، لكن للزوج أن يطالبها بالمضاجعة، و كذا بالوطي، و ليس الحال هكذا في النفقة و الكسوة و السكنى؛ فإنّه لو أسقطت الزوجة إيّاها ليس للزوج إكراهها عليها.

و أمّا خبر اعتزال النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد حكي عن مجمع البيان في تفسير سورة الأحزاب في ذيل آية تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكَ «1» ما حاصله أنّ سبب نزولها أنّ زوجات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تكلّمن معه في نفقاتهنّ إلى أن غصب النبي صلّى اللّه عليه و آله و اعتزلهنّ شهرا، ثمّ نزلت آية التخيير أعني: قوله تعالى يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً «2».

فخيّرهنّ بين الطلاق و البقاء على زوجيّته صلّى اللّه عليه و آله، فإن أردن الثاني كنّ على

______________________________

(1) سورة الأحزاب: الآية 51.

(2) سورة الأحزاب: الآية 28.

كتاب

النكاح (للأراكي)، ص: 731

زوجيّتهنّ، لكن مع اشتراط أن يكون الأمر في النفقة و القسمة بيده صلّى اللّه عليه و آله يفعل فيهما بحسب ما يقتضيه نظره لا يكون لإحدى منهنّ عليه صلّى اللّه عليه و آله اعتراض، فصالحهنّ على ذلك، فقبلن منه صلّى اللّه عليه و آله، فيظهر منه أنّه صلّى اللّه عليه و آله بواسطة المصالحة و القرار أسقط حقّ قسمهنّ «1».

و أمّا اعتزاله صلّى اللّه عليه و آله قبل هذه المصالحة فأرباب القول بالحقّ المعلّق بالشروع يقولون: إنّه صدر منه صلّى اللّه عليه و آله بعد تمام الدور، فللقائل بالحقّ الابتدائي أن يقول: إنّه كان هناك مصلحة كان مراعاتها أهمّ من مراعاة حقوق الزوجات، و لا كلام مع وجود المزاحم الأهمّ في جواز الترك.

و بالجملة، ففي كلام المجمع الذي هو بمنزلة الرواية ظهور تامّ في كون القسمة واجبة عليه صلّى اللّه عليه و آله، و إنّما سقط عنه بالصلح و القرار معهنّ.

و أمّا الخبر الأخير فلا محيص عن حمله على الرجحان و الاستحباب؛ إذ العدل في النفس يشمل الميل القلبي أيضا و لا يجب العدل فيه قطعا، فهذا قرينة على كونه بمقام الرجحان، و لا ينافي الإيعاد بالنار؛ لوجود مثله في المستحبّات.

و حاصل الكلام من أوّل البحث إلى هنا أنّ ظهور عدّة أخبار مشتملة على تعليل جواز التفضيل لذي المرأتين اللتين إحداهما أحبّ إليه من الأخرى بجواز تزويج الأربع و الاستشهاد به على أنّ الحقّ الواجب للمرأة على الزوج إنّما واحدة من أربع ليال- فلا ينافيه تفضيل مرأة واحدة بليلتين، بل ثلاث ليال، لبقاء ليلة واحدة للمرأة الأخرى الغير المحبوبة- في غاية القوّة، بحيث لا يعارضها شي ء ممّا توهّم معارضتها له ممّا

ذكر.

______________________________

(1) مجمع البيان 4: 366.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 732

و يؤيّدها، بل يدلّ على ما دلّت عليه من ثبوت حقّ القسمة للزوجات على نحو الإطلاق لا الاشتراط، ما رواه في الوسائل عن الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام في حديث: «من تزوّج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة و القسمة، و لكنّه إن تزوّج امرأة فخافت منه نشوزا و خافت أن يتزوّج عليها أو يطلّقها فصالحت من حقّها على شي ء من نفقتها أو قسمتها، فإنّ ذلك جائز لا بأس به» «1».

حيث أردف القسمة مع النفقة، فكما أنّها حقّ مطلق ثابت مع الوحدة و التعدّد فكذلك القسمة.

و مثله ما رواه فيه عن شيخ الطائفة بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن العمركي، عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل له امرأتان، فقالت إحداهما: ليلتي و يومي لك، يوما أو شهرا أو ما كان، أ يجوز ذلك؟ قال عليه السّلام: «إذا طابت نفسها و اشترى ذلك منها فلا بأس» «2».

حيث جوّز المصالحة على حقّها في شهر، و هذا يدلّ على إطلاق حقّها و فعليّته؛ إذ لو كان تعليقيّا على الشروع فكانت قد صالحت على ما ليس لها فعلا، و إنّما سيتحقّق عقيب فعل يحتمل حصوله و يحتمل عدمه.

و يدلّ على إطلاق الحقّ بالصراحة ما رواه العلّامة النوري قدّس سرّه في مستدركه عن دعائم الإسلام أنّه قال: روينا عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه عن آبائه أنّ

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)،

در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

كتاب النكاح (للأراكي)؛ ص: 732

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث 7.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 733

عليّا صلوات اللّه عليهم قال: «للرجل أن يتزوّج أربعا، فإن لم يتزوّج غير واحدة فعليه أن يبيت عندها ليلة من أربع ليال، و له أن يفعل في الثلاث ما أحبّ ممّا أحلّه اللّه» «1».

و هذا صريح حيث حكم بالقسم في الامرأة الواحدة و هو لا يتمّ إلّا مع إطلاق الحقّ؛ إذ لا يتصوّر الحقّ مع الوحدة على القول بالاشتراط بالشروع و الاختيار كما هو واضح.

و يدلّ أيضا ما في الوسائل عن ثقة الإسلام قدّس سرّه عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج اخرى، كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال عليه السّلام: «ثلاثة أيّام، ثمّ يقسّم» «2» فإنّ قوله عليه السّلام: ثمّ يقسّم مطلق دالّ على وجوب القسمة بدون شرط.

و يدلّ أيضا عدّة أخبار وردت في تفسير قوله تعالى في سورة النساء وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ «3».

فمن جملتها ما تقدّم من رواية زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام.

و منها: حسنة الحلبي بابن هاشم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب القسم و النشوز و

الشقاق، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث 4.

(3) سورة النساء: الآية 128.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 734

اللّه عزّ و جلّ وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فقال عليه السّلام: «هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك، فتقول له:

لا تفعل، إنّي أكره أن يشمت بي، و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، و ما كان سوى ذلك من شي ء فهو لك و دعني على حالتي، فهو قوله تعالى فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً و هذا هو الصلح» «1».

و منها أخبار أخر مذكورة في الوسائل، من أراد فليراجعه.

الأمر الثاني- هل يجوز لصاحب الأربع أن يقسم بينهنّ ليلة ليلة أو لا؟

على كلّ من التقديرين أعني: سواء قلنا بثبوت حقّ القسم بالعقد و التمكين أو توقّفه على الاختيار و الشروع فهل يجوز بأزيد من ليلة ليلة، بأن يقسّم صاحب الأربع زوجات بينهنّ ليلتين ليلتين، أو ثلاث ثلاث، أو. رع أربع و هكذا، و كذلك صاحب الثلاث و الاثنين، أو يتعيّن أن يكون القسم الواجب بخصوص ليلة ليلة لا أزيد؟

قد علّلوا كلا من الطرفين بعلل عليلة، مثل تعليلهم الجواز بأنّه مقتضى إطلاق أوامر العشرة بالمعروف و أوامر العدل، و ربما كان ذلك أصلح بحالهما، خصوصا مع تباعد أمكنتهنّ، و تعليل العدم بأنّه في معرض تضييع حقّ المرأة المتأخّرة؛ لأنّ في التأخير آفات.

إذ في الأوّل أنّه كيف يمكن فهم أصل حكم القسم فضلا عن كيفيّته من الأوامر المذكورة؛ إذ ليس مقتضى العدل مخصوصا بالمبيت، بل يحصل بالكون النهاري

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 735

و بزيادة النفقة عوض

المبيت عند الضرّة، و بغير ذلك من كلّ أمر يوجب طيب نفس كلّ من المرأتين، فلو كنّا و هذه الأوامر ما كان لنا دليل على القسم.

فالعمدة هو النظر في الأخبار المتقدّمة الدالّة على المطلب.

فنقول: لا يستفاد منها أزيد من ثبوت حقّ ليلة من أربع ليال لكلّ امرأة إمّا ابتداء أو بعد الشروع بالنسبة إلى الباقيات، فلا بدّ من عدم مزاحمة الحقّ المذكور، فليس لصاحب الأربع نسوة غير القمسة ليلة ليلة إلّا برضا صاحبة الليلة، و كذا ليس لصاحب الثلاث نسوة إعطاء ثلاث ليال لواحدة؛ إذ هو موجب لتضييع حقّ إحدى الأخريين إلّا برضاها، و كذا ليس لصاحب الاثنين إعطاء الأربع لواحدة لما ذكر، نعم له أن يعطي اثنتين، بل ثلاث ليال من واحدة و الرابعة للأخرى.

الأمر الثالث- في كيفية الجمع بين جواز التفضيل و وجوب العدل:
اشارة

قد عرفت صراحة النصوص في جواز تفضيل من له مرأتان إحداهما أحبّ، تلك الأحبّ على صاحبتها بما عنده من الليلتين الباقيتين، و كذلك يدلّ بالنصوصيّة على الجواز قوله تعالى في سورة النساء وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ «1». فإنّ صريحها: أنّكم لا تقدرون على التسوية و التعديل بين الزوجات في جميع الأمور بحيث لا يبقى مزيّة لإحداهما على الأخرى أصلا و لو حرصتم على ذلك، و حينئذ فلا تميلوا إلى واحدة منهنّ كلّ الميل.

و المراد بقرينة قوله فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ أي كالمرأة التي ليست بذات بعل و لا بأيّم ترتيب أثر الميل، لا نفس الميل القلبي و لو لم يرتّب عليه الأثر؛ فإنّه بمجرّده

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 129.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 736

لا يوجب صيرورتها كالمعلّقة، و إنّما الموجب له هو الميل الموجب لترتيب الأثر، بمعنى أن يكون

تمام مبيته و نفقته و معاملات زوجيّته مع إحداهما دون الأخرى، فالآية صريحة على أنّ إكمال هذا المعنى بحيث لا تفضيل بينهنّ أصلا غير واجب، كما أنّ الإخلال به رأسا الذي فيه التضييع للحقّ الواجب حرام، فيتّحد مضمونها مع الروايات.

نعم يستفاد من الآية علاوة على الروايات استحباب التسوية؛ لأنّه المتبادر من قوله وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ.

و من هنا يظهر وجه الجمع بين هذه الآية و الروايات المذكورة و بين النبوي المرويّ في عقاب الأعمال أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «و من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه و ماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقّه حتّى يدخل النار» «1».

فإنّه يتعيّن بملاحظة الآية الشريفة حمل هذا النبويّ الشريف على الميل الكلّي الموجب لصيرورة الأخرى كالمعلّقة، و لعلّه يشهد بإرادة هذا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «مائلا شقّه» لأنّه كان ينصف ميله إلى إحدى المرأتين مطيعا و بالنصف عاصيا، فيكون بشقّه مائلا إلى النار لا بكلّه.

ثمّ بعد صراحة الأدلّة فيما ذكرنا و استفادة الاستحباب في التسوية لا يبقى شهادة في عمل النبي و الأئمة عليهم السّلام على الوجوب، بل كان النكتة فيه هو الاستحباب، كما استفيد من الآية، هذا.

و لكن هنا رواية ربما ينافي بظاهرها لما ادّعينا من صراحة الآية الشريفة في الميل العملي الخارجي دون خصوص القلبي المنفكّ عن الجوارحي.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 737

و هو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن نوح بن شعيب و محمّد بن الحسن، قال: سأل ابن أبي العوجاء هشام بن

الحكم فقال له: أ ليس اللّه حكيما؟

قال: بل هو أحكم الحاكمين، قال: فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً «1» أ ليس هذا فرض؟ قال: بلى. قال: فأخبرني عن قوله اللّه عزّ و جلّ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ أيّ حكيم يتكلّم بهذا؟

فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال عليه السّلام:

يا هشام في غير وقت حجّ و لا عمرة؟ قال: نعم جعلت فداك لأمر أهمّني، إنّ أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شي ء.

قال عليه السّلام: و ما هي؟ فأخبره بالقصّة، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أمّا قوله:

فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً يعني في النفقة، و أمّا قوله تعالى وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ «2» يعني في المودّة.

قال: فلمّا قدم عليه هشام بهذا الجواب و أخبره قال: و اللّه ما هذا من عندك «3».

و قد ذكر صاحب الحدائق في هامش الحدائق أنّه روى هذه القصّة عليّ بن

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 3.

(2) سورة النساء: الآية 129.

(3) الكافي 5: 362، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 738

إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر الأحول و أنّه سأله رجل من الزنادقة، ثمّ ساق الحديث مثل ما تقدّم في المعنى.

و لكنّك خبير بأنّه يمكن حمل المودّة أيضا على المودّة العمليّة كالميل في الآية، و ليس فيه التقييد بكونه قلبيّا فقط.

و أمّا قوله

عليه السّلام في الآية الأولى يعني في النفقة فيمكن حمله على إرادة أصل الإنفاق، بمعنى أنّه إن كان يخاف عدم الإنفاق على بعضهنّ رأسا بواسطة كثرة المئونة و عدم التمكّن عن الخروج عن العهدة فليقتصر على الواحدة، و ذلك لقيام الدليل على جواز التفضيل بين الزوجات في مقدار النفقة الزائد عن مقدار الواجب.

هل له اختيار تعيين من يبتدئ منهنّ أم يجب عليه القرعة؟

إذا عرفت جميع ما ذكرنا فاعلم أنّه سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء، أم بعد الشروع فلا دليل على لزوم تعيين من يبتدئ به منهنّ و سائر المراتب بالقرعة، بل اختيار ذلك موكول إلى مشيّعته؛ لأنّ الموجب لتعيين القرعة إمّا الفرار عن الميل إلى إحداهنّ أزيد من الأخرى، و قد عرفت عدم المنع عنه، و حمل النبويّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على المعنى الذي لا ينافي ذلك.

و إمّا العمل الصادر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث كان يقرع لتعيين من يستصحبها في سفره منهنّ، و هو أيضا بعد ما عرفت من استحباب العدل التامّ محمول على الاستحباب.

فإن قلت: فما الدليل على أنّ الاختيار بيد الزوج في تعيين الليلة من بين الليالي؟

قلت: لأنّ المخاطب هو، ألا ترى أنّه لو خاطب المولى أحدا بأن يعطي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 739

واحدا من أربع دراهم مسكينا يفهم منه أنّ الاختيار في تعيينه إليه، لا إلى ذلك المسكين، هذا، نعم لا كلام في جواز التعيين بالقرعة، بل رجحانه، لخلوصه عن إظهار الميل إلى بعضهنّ، إنّما الكلام في نفي إيجابه.

هل يجري القرعة في المبهم أم يختصّ بالمجهول؟

إن قلت: القرعة إنّما هي لتعيين المجهول، لا الأمر المبهم؛ إذ لا واقع له معيّن حتّى يستفهم بالقرعة، فما ذا يراد بالقرعة؟ مضافا إلى الاحتياج إلى الدليل على مشروعيّته في المبهم.

قلت: أمّا ما ذكرت من أنّه لا معنى لاستعمال القرعة إلّا في تعيين الواقع المردّد و لا معنى له في المبهم فنقول: معناه في المبهم هو استعلام موضع مشيّة اللّه تعالى: حيث إنّ القرعة سهم من سهام اللّه تعالى.

و أمّا الدليل على مشروعيّة القرعة في المبهم فهو ما ورد من قضيّة مولانا عبد المطّلب من قرعته

عليه السّلام لتعيين من يذبح من أولاده على التفصيل المذكور في محلّه «1».

و ما ورد في الوصيّة بعتق ثلث المماليك من القرعة في تعيينه، و هو ما رواه محمد بن مروان عن الشيخ يعني موسى بن جعفر عليهما السّلام عن أبيه قال: «إنّ أبا جعفر عليهما السّلام مات و ترك ستّين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت ثلثهم و أعتقت الثلث» «2».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب القضاء، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الحديث 12.

(2) الوسائل: كتاب الوصايا، الباب 75، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 740

في جواب إشكال ابن أبي العوجاء في تعارض الآيتين

بقي في المقام بيان وجه إشكال ابن أبي العوجاء في الخبر المتقدّم أوّلا، و بيان وجه قناعته بجواب الإمام عليه السّلام مع كونه ملحدا غير متعبّد بالدين ثانيا، و بيان تطبيق جوابه عليه السّلام على ما يستفاد من سائر ما ورد في باب النفقة من التصريح بعدم وجوب التسوية فيها بين الزوجات ثالثا.

أمّا الأوّل: فالظاهر أنّ نظره إلى ما توهّمه من التهافت بين مفاد آية فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا. حيث إنّه وجوب العدل المطلق بين الزوجات حتّى أنّه أوجب على الزوج الاقتصار على الزوجة الواحدة عند خوف عدم العدالة، و بين مفاد قوله تعالى في أواخر تلك السورة وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا. حيث إنّه الترخيص في ترك العدل الكلّي و إيجاب الجزئي بقوله تعالى فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ..

و أمّا الثاني: فوجه قناعته مع كونه طبيعيّا غير قائل بدين وجود القرينة في نفس الآيتين على ما ذكره الإمام عليه السّلام، و ذلك لوضوح عدم التعبير في مقام العدل في الإنفاق بمثل لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا لوضوح ثبوت الاقتدار و التمكّن كثيرا، فهذا دليل على أنّ المراد به الميل القلبي و الشهوة

الجنانيّة الذي ليس تحت اختيار الإنسان، فلا يقع تحت التكليف، و المراد بقوله تعالى فَلٰا تَمِيلُوا هو الآثار الخارجيّة لذلك الحبّ، و آثار الحبّ الواقع بين المتزاوجين من حيث هما متزاوجان هي الأمور المخصوصة المتداولة بينهما من المضاجعة و الاستئناس و أمثالهما، و ليس النفقة منها؛ إذ ليس هو من آثار الحبّ الناشي عن الزوجيّة.

و أمّا الآية الأخرى، فقوله تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ. قرينة على إرادة العدل

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 741

الاختياري، فإنّ الخوف يطلق في المقام الذي يدور أمره بين الوقوع و اللاوقوع، و هو الإنفاق، فهذا وجه قبول ابن أبي العوجاء و عدم اعتراضه مع عدم تعبّده بكلام الإمام عليه السّلام.

نعم يبقى الكلام في المقام الثالث، أعني أنّه قد قرّر هشام لابن أبي العوجاء في قوله: أ ليس هذا فرض، فيعلم منه أنّ العدل في الإنفاق واجب، و الحال أنّ في الخبر الآخر التنصيص بعدم الوجوب.

و يمكن الجواب بأنّه ليس في البين تقرير من الإمام عليه السّلام لهذا المعنى، و إنّما هو عليه السّلام في مقام دفاع خصمه، و هو يحصل بما ذكره من تعدّد موضوع الآيتين من غير فرق بين حمل الآية الأولى على الفرضيّة كما توهّمه الخصم، أو الندبيّة كما هو الواقع.

و بالجملة، ليس الإمام عليه السّلام بصدد تحقيق الواقع في مسألة عدل النفقة و أنّه واجب أو مندوب، و إنّما غرضه عليه السّلام دفع اعتراض الخصم بوجه كان هو معترفا به، و هو يحصل بما ذكره و إن كان الواقع حسب مقتضى الخبر الآخر هو أنّ العدل في الإنفاق مستحبّ لا واجب، فلا نأخذ بتقرير هشام في هذه الجهة.

[الكلام في النشوز]

القول في سقوط حقّ النفقة بالنشوز

اعلم أنّه قد ورد في عدّة أخبار كثيرة تعداد حقوق

كثيرة للزوج على الزوجة، كما أنّ في أخبار أخر تعداد لحقوق الزوجة على الزوج، و ليس في شي ء من الطرفين ذكر لأنّ الزوجة إن سامحت في أداء هذه الحقوق فللزوج المقاصّة بترك أداء حقوقها، حتّى كأنّه وقع في البين شبه معاوضة، لكن من المسلّم في ما بين العلماء أنّ الزوجة إذا لم تف بحقوق الزوج سقط عن الزوج حقّ نفقتها، كما أنّ من المسلّم فيما بينهم أنّ الزوج لو قصر عن أداء حقّ الزوجة مع تمكينها لا يسقط عنها شي ء من

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 742

حقوقه، و إنّما لها رفع الأمر إلى الحاكم.

فالمطلب الثاني مطابق للقاعدة، و أمّا المطلب الأوّل فهو خلاف إطلاقات تشريع حقّ النفقة للزوجة، فإنّها مطلقة للممكّنة و الناشزة.

إلّا أنّه قام الإجماع على السقوط عن الناشزة، و إنّما وقع الخلاف في اشتراط مطلب زائد، فإنّ التمكين عبارة عن حالة الحضور في مقام إرادة الزوج للاستمتاع، و كذا في مقام أداء سائر الحقوق الواجبة الشرعيّة، و النشوز عبارة عن الامتناع عن ذلك، فهل يكفي مجرّد تحقّق التمكين، أو لا بدّ من وجود لفظ دالّ عليه في كلّ غدوة و عشيّة، مثل قولها: سلّمت نفسي إليك؟

و كذا وقع الخلاف في أنّ التمكين شرط، أو أنّ النشوز مانع، و اللازم هو الرجوع إلى الدليل اللفظي الذي هو المدرك في الباب، فالمتّبع ما يستفاد منه فنقول: الذي عثرنا عليه في هذا الباب خبران لم يذكر غيرهما في الوسائل في باب عقده لسقوط النفقة بالنشوز.

أحدهما: ما رواه بإسناده عن المشايخ الثلاثة رضوان اللّه عليهم بإسنادهم إلى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أيّما امرأة خرجت من

بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع» «1».

و الثاني: ما رواه عن الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال في خطبة الوداع: «إنّ لنسائكم عليكم حقّا و لكم عليهنّ حقّا، حقّكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم و لا يدخلنّ بيوتكم أحدا تكرهونه إلّا بإذنكم و أن لا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإنّ اللّه قد أذن لكم أن تعظوهن و تهجروهنّ في المضاجع و تضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإذا انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهنّ

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 19 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 743

و كسوتهنّ بالمعروف» «1».

و المستفاد من الخبر الأوّل بانضمامه إلى ذكر هذا المطلب أعني: عدم الخروج من بيتها بغير إذنه في أخبار الحقوق، أنّ تعدّي الزوجة عن هذا الحقّ هو المسقط لنفقتها.

و حينئذ فيمكن رفع الإجمال عن هذا الخبر لو كان بواسطة ذلك الخبر الوارد في الحقوق، أعني: أنّا لو شككنا في هذا الخبر أنّ المراد بقوله: بغير إذنه، نظير ما ربّما يتعارف في تعبيره عند أهل العرف من إرادة الكراهة و المنع، أو ما هو المراد منه لغة الذي هو أعمّ من عدم التفات الزوج، أو التفاته و تردّده، نتشبّث بذيل ذلك الخبر في رفع هذا الشكّ.

فإنّ الظاهر في خبر ذكر ذلك من الحقوق هو إرادة الثاني، لأنّه أنسب بمقام الحقّ، كما هو الظاهر من قوله: و أن لا تصوم تطوّعا إلّا بإذنه، فكأنّه نوع احترام لاحظه الشارع للزوج بأن لا تصدر زوجته في هذين إلّا بإذنه.

و على هذا فيتحقّق التعدّي عن الحقّ الواجب بصرف الخروج و لو بلا سبق

منع من الزوج، فيتحقّق النشوز حينئذ و لو لم يصدق مخالفة الزوج.

الإطاعة و المعصية لا موضوعيّة لهما

و أمّا الخبر الثاني فالمستفاد منه أنّ الذي يوجب الإذن في الهجر عن الزوجات في المضاجع و الضرب لهنّ هو المسقط أيضا للنفقة، و هو الذي عبّر عنه في الآية بمطلق النشوز، و هو مطلق التعدّي عن الحقّ الواجب للزوج على الزوجة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب النفقات، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 744

بعنوان الزوجيّة.

فإن كان الحقّ مطلقا أي: غير مشروط بسبق مطالبة و أمر من الزوج- كما في عدم الخروج إلّا بإذنه- كان التعدّي غير ملازم لصدق عنوان مخالفة الزوج، و الوفاء غير ملازم لعنوان إطاعته.

و إن كان الحقّ مشروطا بصورة إرادة الزوج- كما في حقّ الاستمتاع، فإنّه قد علّق في الأخبار على إرادته، بمعنى أنّه متى أراد و كانت خالية عن العذر وجب عليها الإطاعة- فالإطاعة حينئذ يكون بما هي موردا لحقّ للزوج و وفاء بحقّه واجبا، و المخالفة بما هي تعدّيا عن حقّه الواجب شرعا نشوزا، فليس لإطاعته و معصيته بما هما هما موضوعيّة في تحقّق عنواني النشوز و عدمه.

و قوله في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «و أطعنكم» مبنيّ على الغالب في حقوق الزوج على الزوجة من كونها معلّقة على إرادته و أمره، لا أنّ المقصود أنّ لعنوان إطاعته موضوعيّة، فالحاصل المستفاد من هذا النبويّ الشريف أنّ كلّ شي ء يصدق عليه عنوان التخلّف عن الحقّ الواجب للزوج على الزوجة فهو كما أنّه نشوز و موجب لجواز الهجر و الضرب، كذلك هو مسقط للنفقة.

و أمّا تعيين مصداق هذا المعنى و أنّه أيّ شي ء مصداق و أيّ شي ء ليس به فمحتاج إلى مراجعة أخبار تعداد الحقوق.

فإن

كان من جملة الحقوق المجعولة بطريق الوجوب عرضها نفسها في كلّ غدوة و عشيّة و إظهارها له الحضور قولا، كان تركه أيضا موجبا لسقوط النفقة.

و أمّا إن لم يفهم من ذكره في بعض الأخبار إلّا مرتبة الكمال و الاستحباب دون الوجوب فالمتّبع مطلقات وجوب النفقة.

ثمّ بعد استفادة المطلب من الخبرين فلا مشاحّة في مقام التعبير في أن نقول

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 745

عدم التعدّي و النشوز شرط في وجوب النفقة، أو نقول: إنّ النشوز مانع، فلا يترتّب عليه فائدة.

ثمّ أنّه يظهر من كلمات العلماء تسلّم مطلب و هو أنّ لعدم النشوز مدخليّة في النفقة إمّا بطريق الشرطيّة، و إمّا بنحو المانعيّة، و مع ذلك بينهم خلاف في أنّه هل يثبت النفقة بالعقد أو به و بالتمكين، فيتوهّم في بادي النظر بين هذين تهافت.

و يمكن أن يقال و إن لم يساعد عليه كلماتهم: إنّ نظرهم في الخلاف المزبور إلى أنّ الأدلّة الواردة في باب حقوق الزوج على الزوجة أو حقوق الزوجة على الزوج كلّها بحسب الانصراف مختصّة بالزوجة الواردة في فراش الزوج و الداخلة تحت تصرّفه مع قابليّة التمتّع و الاستمتاع في ما بينهما.

ألا ترى أنّ قوله في عداد الحقوق: و أن لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، و أن تتطيّب بأطيب طيبها، و تلبس أحسن ثيابها، و تتزيّن بأحسن زينتها، لا يفهم منها المرأة الكائنة في بيت أبيها الغير الداخلة بعد على من خطبها و عقدها.

و كذلك ما ورد في جانب الزوج من حقوق الزوجة المتبادر منها المرأة التي لها معاشرة مع الزوج، فتخرج على هذه المخطوبة المعقودة في بيت أهلها، و كذا الزوجان الصغيران، و كذا ما إذا كان أحدهما صغيرا.

و حينئذ فمقصود

القائلين بأنّ السبب ليس هو مجرّد العقد أنّه علاوة عليه يحتاج إلى الدخول في الفراش و البكارة، فحينئذ تقع موردا للنفقة، و يجري فيها الكلام في مسقطيّة النشوز أو شرطيّة عدمه.

و مقصود القائل الآخر أنّ للأدلّة إطلاقا من هذه الجهات، فالحكم معلّق في الجانبين على مجرّد تحقّق الزوجيّة الحاصلة بنفس العقد، غاية الأمر مع اشتراط عدم النشوز أو مسقطيّة وجوده.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 746

و على هذا الذي ذكرنا يصحّ الفروع التي فرّعوها.

منها: عدم وجوب النفقة في الصغيرة و الصغير، و في المخطوبة في بيت أهلها.

و يظهر الفرق بينهما و بين الرتقاء و القرناء و الحائض و المسافرة سفرا واجبا مضيّقا، و المريضة التي تضرّ المواقعة بحالها، و كلّ معذورة بعذر شرعي مانع عن الاستمتاع، فإنّ كلّ هذه داخلة في مدلول أخبار النفقة مع عدم تحقّق النشوز الذي هو التعدّي عن الحقّ الواجب الشرعي فيهنّ، فلا وجه لعدم وجوب نفقتهنّ، بخلاف الأوليين، حيث إنّهما غير مشمولين للأدلّة المثبتة للنفقة رأسا.

و من هنا يظهر الحال في مورد النزاع، فلو ادّعى الزوج عدم تحقّق العنوان المنصرف إليه في حقّ الزوجة فالأصل معه، و لو اتّفقا على تحقّقه و اختلفا في تحقّق النشوز و عدمه فالأصل معها.

ثمّ إنّك عرفت أنّ العذر الشرعي المانع عن الاستمتاع غير قادح في استحقاقها النفقة، فاعلم أنّ منه ابتلائها بواجب مضيّق مزاحم مع إجابة الزوج، فإنّه لا حقّ للزوج و «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فيكون امتناعها حينئذ جائزا، و أمّا الواجب الموسّع فحيث إنّ الموسّع غير مزاحم للمضيّق فلا محالة كان عليها الإجابة و تأخير الموسّع إلى آخر وقتها.

و أمّا المستحبّات فهي على صنفين: أحدهما: ما كان بعنوانه مشروطا بإذن الزوج

و هو الصوم، إذ قد وقع في خبرين ذكره في عداد الحقوق، و في واحد منهما قد ذكر معه الحقوق الواجبة، و الظاهر منه أنّ الإذن محتاج إليه في جواز صومها و لو لم يكن مزاحما لحقّ استمتاعه، كما قلنا في عدم الخروج من بيتها، فإنّ كون قرار المرأة في البيت و عدمه تحت نظر الزوج، و كذلك صومها جعل حقّا للزوج.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 747

ففي مثل هذا لو فعلته وقع فاسدا و لو لم يرد منها الاستمتاع المنافي مع المستحبّ، لأنّ النهي عن العبادة مفسد لها.

ثانيهما: أن لا يكون بعنوانه مشروطا بالإذن، كدعاء كميل و قراءة القرآن و أمثالهما، ففي مثل هذا لا بدّ من مراعاة المزاحمة، فإن لم يزاحم حقّ الزوج فلا بأس به، و إلّا فلا يجوز لها الإقدام عليه.

في صوم المرأة تطوّعا مع منع الزوج

ثمّ لو قلنا: إنّ الصوم التطوّعي من هذا القسم الثاني و منع عن استمتاع الزوج و عصت و بقيت على صومها، فهل المسألة من باب اجتماع الأمر و النهي، أو من مسألة الضدّ.

أمّا تقريب الأوّل فهو أنّ عنوان معصية الزوج و عنوان الصوم اجتمعا في محلّ واحد و هو الإمساك عن المواقعة.

و تقريب الثاني على ما قوّاه شيخنا الأستاذ أدام اللّه أيّامه هو أنّ المعتبر في الصوم أمران: أحدهما القصد و العزم على الإمساك، و الثاني: الترك الخارجي للمفطرات، و المعتبر في الجزء الأوّل هو العزم بالنسبة إلى ما هو محلّ الابتلاء و يكون متعارف الوقوع.

و أمّا الأمور النادرة التي يطمئنّ الإنسان بعدم الابتلاء بها، فلا حاجة فيها إلى القصد، بل هي منتركة بنفسها.

فقاصد الصوم إنّما يترك الأكل للخبز و المطعومات المتعارفة بالقصد، و أمّا مثل الخشب و الحجر و التراب

فيحصل انتراكها بعدم تعارف أكلها لا بالقصد و إن

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 748

كان لو وقع بعض من هذه أيضا كان مفطرا، فإذا لم يحصل شي ء من المفطرات و كان القصد و القربة حاصلين بالنسبة إلى ما هو مورد الابتلاء منها كفى ذلك في تحقّق العبادة و وقوع الإمساك عن قصد قربي.

و حينئذ نقول: إذا فرض أنّ مطالبة الزوج في اليوم المعيّن خلاف المتعارف بحيث لا ينقدح احتماله في ذهن الزوجة فهي قاصدة من أوّل عزمها للصوم الإمساك عن المتعارف المبتلى به عندها من المفطرات التي ليس منها إجابة الزوج عند إرادته الوقاع، و بهذا يتمّ قصد قربتها من أوّل الشروع، ثمّ إذا وصلت في الأثناء و اتّفق إرادة الزوج على خلاف المعتاد فعصت فهي قد تحقّق منها التروك خارجا مع تحقّق القصد الإلهي منها من الأوّل.

فإن قلت: القصد الإلهي من الأوّل غير كاف ما دام لم يبق بحسب الاستدامة أيضا على وصف المقرّبيّة و الإلهيّة، و في هذا المقام و إن كانت كذلك في الابتداء، لكن في الأثناء خرج عن القربيّة، لأنّ نيّة ترك الوقاع لا يصلح به التقرّب مع فرض مطالبة الزوج.

قلت: لا تحتاج إلى هذه النيّة في الأثناء، بل النيّة الاولى مع الترك في الأثناء كافية، و لهذا نقول: إنّ نيّة المفطر ما لم يرتكبه غير مفطر، فإنّ العزم القربي الحاصل في النفس من الابتداء قد عملت في الجوارح و حرّكتها نحو الفعل من الابتداء، و هو المؤثّر فيها في الأثناء أيضا إلى أنّ يؤثّر المقتضى الضدّ، فما دام لم يؤثّر الضّد هو باق على تأثيره.

فالمرأة في ما نحن فيه متحرّكة بتلك النيّة الداعية الإلهيّة الحادثة في قلبها من الابتداء حتّى

الآن الذي يطالبها زوجها، و المفروض عدم وقوع الفعل منها أيضا، فقد تمّ كلا جزئي الصوم.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 749

و الحاصل: إنّ التروك التي تتمشّى من الصائم من ترك أكل الخبز و الرمان و ترك شرب الماء و ترك أكل التراب و الروث و السرجين و إن كان كلّها دخيلا في الصوم و معدودا من أجزائه، إلّا أنّ كلّها لا يشترط فيه وقوعها عن داع قربي إلهي، بحيث لا يجري وقوعها عن داع الشهوة النفسانيّة، بل المعتبر هو ذلك في خصوص ما هو المحلّ لابتلاء هذا الصائم.

ألا ترى أنّ المستقذرات و الخبائث من قبيل السرجين و نحوه و كذا السمّ لا ينقدح في ذهن صائم ترك أكلها بقصد القربة، بل إنّما تترك هي منه بانزجاره النفساني و عدم رغبته فيها طبعا، و القصد القربي إنّما هو بالنسبة إلى أكل الخبز و الفواكه و شرب الماء و سائر الأشربة.

و إذن فلا فرق بين وقوع هذا الترك لا بقصد القرب، بل بداع شهواني، و بين أن يقع مبغوضا، فإنّ غاية مدّعي المانع في مبحث اجتماع الأمر و النهي في بطلان العبادة المتّحدة مع مورد النهي إنّما هو عدم صلاحيّة المبغوض و المبعّد لأن يتقرّب به، فإنّ ما يقرّب إلى النار لا يمكن أن يصير مقرّبا إلى الجنّة.

و هذا المعنى لا يلزم فيما نحن فيه، فإنّ الذي نجعله مقرّبا غير هذا الترك الذي ينطبق عليه ترك إجابة الزوج الذي هو ترك الواجب، و هو كفعل الحرام في المبعّديّة، بل يكفي في وقوع الصوم عبادة النيّة الأوّليّة التي هي عبارة عن قصد الإمساك عن أشياء ليس منها تمكين الزوج، لأنّ الكلام فيما إذا كان ذلك ممّا لا يحتمل

عادة وقوعه ككون الزوج كبير السنّ مريضا، فالآن هي متحرّكة بهذا الداعي القربي، و هو موصلها إلى النهاية، و المفروض حصول التروك منها أيضا خارجا، فلا مانع عن الصحّة فيه.

فإن قلت: فما تقول: في باب الصلاة التي هي ممّا لا بدّ من وقوع تمام أجزائها

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 750

و ما يعتبر فيها بعنوان المقرّبيّة و مع ذلك بعض ما يعتبر فيه إنّما يتحقّق لا بقصد قربي، بل بالانزجار النفساني، مثل عدم كشف العورة و عدم لبس اللباس المستقذر كلّه بالنجاسة.

قلت: الأجزاء الصلاتيّة كلّها يعتبر فيها وقوعها بقصد القربة، و أمّا الشرائط الصلاتيّة فما اعتبر فيه بالخصوص كونه عبادة كالطهارات فهو، و إن لم يعتبر فيه ذلك فلا يضرّ وقوعه لا بقصد القربة، و إنّما المعتبر وقوع المقيّد بها، مثلا لو وقع في الماء البارد بقصد التبرّد فحصل بذلك طهارة بدنه و لباسه فلا مانع في صلاته مع هذه الطهارة، مع أنّه لم يحصّل القيد بقصد قربي، فالمعتبر إنّما هو تحصيل المقيّد بها قربيّا، و أمّا تحصيل نفس القيد فلا بأس بعدم قربيّتها.

و هذا بخلاف باب الصوم، حيث إنّ نفس التروك المركّب منها الصوم لا يعتبر في جميعها قصد القربة، بل ما كان منها محلّا لابتلاء الصائم من أوّل النيّة، و حينئذ فلو صار بعض ما هو خارج عن محلّ ابتلائه محلّا لابتلائه في الأثناء فهو حينئذ و إن كان محتاجا إلى اختيار و ترجيح لجانب عدمه على وجوده، و لكن يصدّق أنّه أتى بهذه التروك عن قصد إلهي كما ذكرنا في ترك أكل السرجين و السمّ و لو فرض أنّه في أثناء اليوم حضر عندهما و خطر بخاطره أكلها فتنفّر عنهما بجبلّته، فإنّه

لا شبهة في صحّة صومه، و اللّه العالم.

[النظر الرابع في أحكام الأولاد]

[القسم الأول في إلحاق الأولاد]

اشارة

الكلام في إلحاق الأولاد و اعلم أنّ ولد الموطوءة بالعقد ملحق بواطئها، بمعنى عدم سماع إنكاره إيّاه و نفيه له عن نفسه إلّا باللعان بشروط ثلاثة

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 751

الأوّل: كون الموطوءة معقودة بالعقد الدائم لا المنقطع.

و الثاني: الوطي الأعمّ من كونه في القبل أو في الدبر مع الإنزال أو بدونه، بل يكفي فيه إدخال الحشفة مع عدم الإنزال.

و الثالث: عدم أقلّيّة الزمان الذي بين وطئها و بين وضع الولد عن أقلّ مدّة الحمل و هو ستّة أشهر، و عدم زيادته على أكثر مدّته و هو التسعة أو العشرة أو السنة على الخلاف.

فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة في ولد فأنكره الزوج الواطي و نفاه عن نفسه فلا يقبل منه، بل يلحق به في الظاهر إلى أن يلاعن، و يسمّى هذا بقاعدة الفراش، و الدليل عليها ما يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» «1».

و ربّما يستشكل الشرط الثاني بأنّ مطلق الدخول بالمعنى الأعمّ لا مدخليّة له في المنشئيّة لاحتمال كون الولد من الواطي، بل خصوص ما كان في القبل مع الإنزال، فما وجه ما ذكره العلماء من اشتراطه بالمعنى الأعمّ.

و أيضا ففي موارد اللحوق لا يشترط العلم بالوصفين في المدّة الحائلة بين الوطي الذي حصل منه الولد و بين الوضع بحيث لو شكّ فيه لتوقّف عن الإلحاق، كيف و هو لا يحصل إلّا بالرؤية أو إقامة البيّنة و ضبط تأريخ الوقوع إلى زمان حصول الوضع، و هذا من بديهيّ البطلان.

و الذي تفصّى به شيخنا الأستاذ دام ظلّه عن كلا الإشكالين هو أنّ مقصودهم رضوان اللّه عليهم من

اشتراط الشرط الثاني ليس إحداث المنشأ للاحتمال حتّى يرد

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، الباب 15، الحديث 14.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 752

عليه ما ذكر، بل المقصود تحقيق موضوع الفراش، بمعنى أنّ مجرّد الزوجيّة بين الرجل و المرأة و لو لم يتحقّق فيما بينهما ما هو المرسوم بين الأزواج و زوجاتهم من المباشرة لا يصيّرها فراشا للرجل.

فإذا قيل: فلانة تحت فلان. لا يفهم منه عرفا مجرّد إيقاع عقد نكاح و لو لم يقع بينهما وطي و مواقعة أصلا، بل كانت في تمام المدّة في بيت أبيها بدون وصوله إليها و مباشرته لها، أو كانت منتقلة إلى بيته و لكن لم يدخل بها بعد، بل المفهوم من الكلام هو التحتيّة و الفراشيّة الفعليّة، و أقلّ ما يتحقّق به ذلك هو الدخول بالوجه الذي ذكره العلماء رضوان اللّه عليهم.

فمقصودهم من ذكره أنّه بدونه لا يتحقّق موضوع الفراش الذي علّق عليه الحكم باللحوق في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الولد للفراش. إلخ»، و أمّا تحقّق المنشأ لاحتمال كون الولد منه فهو أمر مفروغ عنه لا بدّ منه في كلّ قاعدة تعبّديّة مضروبة لأجل ضبط حال الجزئيّات.

فمتى جاءت المعقودة بالدوام ولدا لستّة أشهر فما فوقها إلى ما دون أقصى الحمل و تحقّق كونها فراشا للرجل و احتمل كون الولد منه إمّا بهذا الوطي أو بوطي آخر كان هذا الولد ملحقا بذلك الرجل، و لا ينتفي عنه بنفيه إلّا باللعان.

فاندفع بذلك الإشكال الثاني أيضا؛ فإنّ المقصود أنّه إذا علم إجمالا أنّه وقع وطي مّا في ما بين الرجل و مرأته بحيث تحقّق في البين عنوان الفراشيّة و كان الولد محتملا حصوله من وطيه مع الوصفين فهو ملحق به،

لا أنّه لا بدّ من إحراز الوصفين أعني: عدم النقيصة عن أقلّ الحمل و عدم الزيادة على أقصاه في خصوص الوطي الذي حصل منه هذا الولد.

كما أنّك عرفت أن ليس المقصود ظاهرا كفاية ثبوت الوطي بإدخال

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 753

الحشفة أو في الدبر مع عدم الإنزال مع القطع بعدم وطي سواه، كما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه ببيان أنّه حينئذ يحتمل أن يكون قد قذف من المحلّ شي ء من المني إلى رحم المرأة و لم يشعر به الزوجان، فإنّك عرفت أنّه بعيد، بل الظاهر أنّ اعتباره لأجل تحقّق الفراش، ثمّ بعد تحقّقه يصير موضوعا للقاعدة، و القاعدة لا بدّ في جريانها من تحقّق الاحتمال الصحيح العقلائي، فإذا تحقّق احتمال أن يكون الولد منه بوطي بينه و بين وضع الولد ليس بأدنى عن أقلّ الحمل و لا بأزيد من أقصاه كان القاعدة جارية و إلّا فلا.

فكما أنّ كون المرأة دائميّة من شرط جريان القاعدة، كذلك تحقّق مسمّى الوطي أيضا، فكما لا مجرى لها في المنقطعة، كذلك في ما لم يحرز فيه الوطي أو أحرز عدمه و لو طال زمان صحبتهما، مثلا لو كانت في بيت أبيها و احتملنا أنّ الزوج وطئها هناك بطريق الخفاء فلا مجرى للقاعدة، فالمجرى إنّما هو بعد انتقالها إليه و حصول العلم العادي بوقوع معاملة المزاوجة بينهما، أو علم وطي الزوج إيّاها في بيت أبيها و لو لم ينتقل إلى بيت زوجها، فحينئذ متى تولّد ولد مع الشرطين الآخرين و احتمل أنّه كان بوطيه كان ملحقا به.

و ليعلم أنّ هنا مطلبين: أحدهما: الحكم ظاهرا بإلحاق الولد و عدم سماع دعوى الزوج نفيه إلّا باللعان، و هذا هو الذي نتكلّم

في أطرافه.

و الآخر: حكم الزوج فيما بينه و بين ربّه و أنّه إذا احتمل عدم فجور امرأته و كون الحمل من مائه فلا بدّ أن لا يتّهم زوجته، و لا ينفي الولد عن نفسه، فلا ينافي ما ذكرنا من أنّه مع عدم الوطي أو وجوده و عدم الاحتمال العقلائي لا يحكم باللحوق بصرف الاحتمالات البعيدة، ما ورد في بعض الأخبار من إلحاق الولد مع كون الزوج شيخا كبيرا و بقاء زوجته على بكارتها بمحض احتمال انجذاب المني عند

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 754

استرساله على فرجها؛ فإنّ الظاهر أو المحتمل أنّ ذلك دستور للمقام الثاني، يعني أنّه لا بدّ للإنسان أن لا يبادر إلى قذف زوجته أو إلى نفي الولد عن نفسه، و الحال أنّه غير قاطع، و أمّا أنّه لو عصى و نفى الولد فالحكم حينئذ بحسب الظاهر هل هو سماع دعواه بدون اللعان، أو عدمه إلّا معه؟ فهذا الخبر من هذه الجهة ساكت، فلا منافاة فيه مع ما استفيد من غيره، هذا هو الكلام في الشرط الثاني.

في أقصى الحمل

و أمّا الشرط الثالث أعني: عدم الأنقصيّة عن أقلّ الحمل و عدم الأزيديّة عن أقصاه، فاعلم أنّه لا خلاف في تعيين أقلّ الحمل و أنّه ستّة أشهر من حين الوطي، و أمّا أكثر الحمل فقد اختلفت الأقوال فيه بسبب اختلاف الأخبار، بل اختلاف الأقوال أزيد من الأخبار، فإنّ الأخبار بين التسعة و السنّة، و أمّا الأقوال فهي بينهما و بين العشرة.

و كيف كان فالعمدة هو النظر في الأخبار، و الذي اختاره شيخنا الأستاذ في هذا المقام ترجيح السنة من زمان الوطي، و يحتاج شرحه إلى ذكر كلّ واحد واحد من أخبار الباب، ثمّ بيان أمارة هذا

القول في كلّ منها.

فنقول و على اللّه التوكّل: من جملة أخبار الباب مرسل عبد الرحمن بن سيابة عن أبي جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن امّه كم هو، فإنّ الناس يقولون ربّما بقي في بطنها سنتين، فقال عليه السّلام: «كذبوا أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر، و لو زاد ساعة لقتل امّه قبل أن يخرج» «1».

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 755

هذا الخبر أدلّ خبر استدلّ به للقول بالتسعة، و لكنّ التأمّل يقضي بدلالته على خلافه، وجهه أنّ ما ذكره القائل بالتسعة إنّما هو من مبدإ الوطي و قرار النطفة في الرحم إلى حين الوضع، فلو حملنا الخبر على هذا المعنى فكيف يستقيم قوله عليه السّلام:

و لو زاد ساعة لقتل امّة، و الحال أنّا نقطع بزيادة هذا المقدار مع عدم حصول القتل، فلا يمكن حمل الكلام عليه.

بل الظاهر أنّ المقصود هو التسعة من مبدأ و لوج الروح، فإنّه أوّل زمان تسميته ولدا و طفلا و أوّل زمان نموّه و ترقّي بدنه، و أمّا قبله فهو نطفة أو دم أو مضغة و لا نماء له، و من المعلوم أنّ المكث الذي لا نماء فيه لا مدخليّة له في قتل الأمّ، فإذا ولج الروح و هو على رأس أربعة أشهر من الوطي، ثمّ مضى عليه تسعة أشهر فهو في هذه المدّة لا يزال في النموّ و كبر الجسم، فهذا يناسبه أن يقال: لا يصلح أن يبقى الولد و يكبر و ينمو في بطن امّه أزيد من تسعة أشهر، و لو زاد ساعة لقتل امّه.

و أمّا الأوّل فيلزمه ضمّ ما لا مدخليّة فيه من

أيّام النطفة و العلقة و المضغة إلى ما له المدخليّة، و يلزم خلاف القطع و يلزم إطلاق الولد على أوّل زمان كونه نطفة، و أمّا ما ذكرنا فسالم عن جميع ذلك كما عرفت.

فإن قلت: فيلزم على هذا أن يكون أقصى الحمل ثلاثة عشر شهرا و هو ممّا لا قائل له و ينفيه الأخبار التي استدلّ بها للسنة.

قلت: غاية الأمر حينئذ أنّ الشارع تعبّدنا في صورة مضيّ مقدار السنة بعدم الاعتناء و ترتيب آثار العدم.

و من جملتها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج سمعت أبا إبراهيم عليه السّلام يقول:

«إذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلا انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت و إلّا اعتدّت

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 756

بثلاثة أشهر، ثمّ قد بانت منه «1».

و مثله خبر محمّد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، كم عدّتها؟ قال: ثلاثة أشهر قلت:

فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال عليه السّلام: عدّتها تسعة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال عليه السّلام: إنّما الحمل تسعة أشهر، قلت: تزوّج؟

قال عليه السّلام: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال عليه السّلام:

لا ريبة عليها تزوّج إن شاءت «2».

و خبره الآخر عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهما السّلام، قال: قلت له: رجل طلّق امرأته فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلا، قال عليه السّلام: ينتظر بها تسعة أشهر، قال: قلت: فإنّها ادّعت بعد ذلك حبلا، قال عليه السّلام: هيهات هيهات إنّما يرتفع الطمث من ضربين، إمّا حبل بيّن، و إمّا فساد من الطمث، و لكنّها تحتاط بثلاثة أشهر «3».

هذه الأخبار أيضا استدلّ بها للقول بالتسعة التي

مبدؤها من حين الوطي و استقرار النطفة في الرحم، و أمّا قوله عليه السّلام بالاحتياط ثلاثة أشهر بعد التسعة فهو من باب التعبّد بالعدّة مع القطع بعدم الحمل كما هو غير عزيز.

و لكنّك خبير بعدم ظهورها في هذا المدّعى، أمّا أوّلا فلأنّ الظاهر منها، بل صريح ما عبّر فيه بلفظ العدّة كون مبدإ التسعة من حيث الطلاق، و بملاحظة أنّ من شرط الطلاق أن يقع في طهر غير المواقعة يزيد المدّة من حين الوطي عن التسعة

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث الأوّل.

(2) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 2.

(3) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 5.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 757

أشهر بأيّام الحيض، و خصوصا مع ترك الاستفصال، مع أنّ كثيرا ما يتّفق أن يكون الوطي قبل الحيض بشهر و كان الطلاق أيضا في أواخر أوقات الطهر، و هذا يزيد على التسعة بأكثر من شهر، و مع ذلك قال عليه السّلام: صبرت تسعة أشهر من حين الطلاق، يعني: أنّها إن جاءت بالولد في هذه المدّة كان انقضاء عدّتها بذلك.

و أمّا ثانيا: فلأنّ التعبّد بالعدّة على ما ذكره ليس محتاجا إلى ادّعاء الزوجة ذلك، بل و لو لم تدّع، بل و لو قطعنا ببراءة الرحم من الولد كان محلا له، فهذا ظاهر غاية الظهور في أنّه أيضا لأجل احتياط الولد و أنّها إن جاءت به كان به انقضاء عدّتها.

و يبعّد الأوّل، بل يوجب القطع بعدمه أنّه قال: عدّتها تسعة أشهر، و هذا معناه الاكتفاء بهذا، فلو كان عليها العدّة بثلاثة أشهر أخر، لما قال ذلك أوّلا.

و أمّا قوله أوّلا بالانتظار إلى تسعة أشهر فلأجل أنّ

الغالب ارتفاع الشبهة بذلك لحصول القطع إمّا بالصدق و إمّا بالكذب، فالقول الثاني تعرّض للفرد النادر و أنّه لو ادّعت مع ذلك و ارتابت كان عدّتها ثلاثة أشهر أخر.

هذا كلّه مضافا إلى روايتين أخريين واردتين في أنّ أقصى الحمل هو السنة.

إحداهما: رواية غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال عليه السّلام: «أدنى ما يحمل المرأة لستّة أشهر و أكثر ما تحمل لسنة» «1» بناء على ما نقله في الحدائق و الجواهر، و حكي عن الوافي و إن حكي عنه أنّه قال: و في بعض النسخ: و أكثر ما تحمل لسنتين، بل لم ينقل في الوسائل إلّا هذه النسخة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 15.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 758

و الثانية: رواية ابن حكيم عن أبي إبراهيم أو أبيه عليهما السّلام أنّه قال في المطلّقة يطلّقها زوجها فيقول: أنا حبلى فتمكث سنة، فقال عليه السّلام: إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدّق و لو ساعة واحدة في دعواها «1».

و محصّل مجموع ما استفيد من هذه الأخبار أنّها تتربّص مع الاسترابة سنة من حين الطلاق، و هذا ربّما ينطبق على ثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر شهرا من حين الوطي، ثمّ بعد مضيّ السنة يحكم بانقضاء العدّة و جواز التزويج و إن احتمل مع ذلك كون الولد الذي أتت به بعدها من الزوج الأوّل بواسطة عدم مضيّ تسعة أشهر من زمان ولوج الروح، لكنّ الشارع ألغى هذا الاحتمال و حكم بانتفاء الولد، و هذا و إن كان لا ينطبق على شي ء من الأقوال الثلاثة المتقدّمة، لكن لا بأس به بعد مساعدة الأخبار عليه.

و أمّا ما ذكر في بعض

الأخبار من أنّ مريم عليها السّلام حملت بعيسى عليه السّلام تسع ساعات كلّ ساعة شهر «2»، و كذا ما روي في باب مبدأ النشوء من الكافي من أنّ للرحم ثلاثة أقفال و في كلّ قفل يمكث الولد ثلاثة أشهر، فلا يصلح جعلهما مؤيّدين لقول التسعة، فضلا عن الدلالة، و ذلك لأنّه ليسا بصدد بيان الحكم الشرعي، و إنّما كشف الأوّل منها عن حال قضيّة خاصّة، و الثاني ذكر ما هو الغالب، من دون إشارة في شي ء منهما على ترتيب حكم شرعي و هو انتفاء الولد على الأزيد من التسعة.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب الطلاق، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 3.

(2) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 759

الاختلاف بين الزوجين في مدّة الحمل

لو اختلافا في كون الولد لأقل من ستّة أو لأزيد من سنة، فادّعى الزوج ذلك، و الزوجة عدمه، سواء كان بينهما ترافع أو حصل الشكّ لهما أو لغيرهما مع عدم الترافع، فهل المعوّل في رفع هذا الشكّ ما ذا؟

أمّا قاعدة: الولد للفراش، فإن كانت أدلّة اعتبار مضيّ أقلّ الحمل و عدم التجاوز عن الأقصى تقييدا في هذه القاعدة بواقع الأمرين فالمورد شبهة مصداقيّة لها، و الأصل المنقّح للموضوع أيضا ليس في البين؛ لأنّ الولد من ابتداء حاله مشكوك، و ليس له حالة سابقة كان فيها بحيث يحمل عليه أنّه لستّة أو لأزيد، أو يحمل عليه أنّه ليس كذلك على نحو مفاد كان أو ليس الناقصتين.

و حينئذ فاللازم الرجوع إلى أصالة عدم تحقّق الموضوع الموجب للّحوق، أعني: المجموع المركّب من القضيّة الحمليّة التي علّق عليها الحكم، و هي كون الولد بين الستّة و السنة، فإنّه أمر حادث نشكّ في حدوثه، و

يلزم من ذلك أن يكون مورد قاعدة الفراش مخصوصا بما إذا علمنا أنّ مدّة الحمل من وطي هذا الزوج لهذه الزوجة كانت بين الحدّين، و من المعلوم أنّه في غاية القلّة بالنسبة إلى غير الزوجين، و الحال أنّ البناء على التمسّك بها لهما و لغيرهما.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 760

قال شيخنا الأستاذ العلّامة أدام اللّه على المسلمين و لا سيّما المحصّلين أيّامه:

الذي يترجّح في النظر أن يقال: إنّ الأدلّة الدالّة على اعتبار مضيّ الأقلّ و عدم مجاوزة الأقصى بالنسبة إلى القاعدة حالها حال الأدلّة الواقعيّة بالنسبة إلى أدلّة الأصول، بمعنى أنّ الشكّ في الحكم المستفاد من الأولى مأخوذ في موضوع حكم القاعدة.

فالمستفاد من الاولى أنّ الولد بحسب نفس الأمر إذا كان مدّة حمله من زمان وطي أبيه لامّه بالقدر الكذائي فهو محكوم بالولديّة الشرعيّة و لو فرض أنّه مع إحراز هذا الموضوع أيضا حصل لنا الشكّ في ولديّته من باب كمال شباهته برجل آخر محتمل لإصابته لأمّ الولد فجورا، كان حكم الشارع تعبّدا بعدم الاعتناء بهذا الشكّ و ترتيب آثار ولديّته لزوج امّه.

و أمّا مفاد قاعدة الفراش فهو أنّ الزوجة المتّصفة بالفراشيّة الفعليّة لزوجها التي قلنا بتوقّف تحقّقها ظاهرا على الدخول بالمعنى الأعمّ متى جاءت بولد و احتمل كونه لزوجها، و لم يقم أمارة معتبرة على عدم كونه منه فلا بدّ من الحكم بإلحاقه، و هذا يشمل مثل الشكّ الأوّل الذي فرضناه مع علمنا بمدّة الحمل لأجل قيام احتمال التهمة.

و يشمل أيضا الشكّ الناشي من جهة الشكّ في مدّة حمله و أنّه وصلت إلى الستّة أو لا، أو جاوزت عن السنة من الوطي أو لا، فالقاعدة في هذه الصورة أيضا ناطقة باللحوق.

نعم إن علمنا بأنقصيّتها

عن الستّة من الوطي أو عن أزيديّتها عن السنة منه كانت تلك الأدلّة حاكمة بعدم اللحوق، و هي حاكمة أو واردة على القاعدة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 761

و على هذا فربّما يكون الزوج عالما بأنّ المدّة أنقص أو أزيد، فليس في حقّه قاعدة الفراش، فيجوز له نفي الولد، و لكن لو ترافعا إلى الحاكم فحيث إنّه شاكّ كانت القاعدة في حقّه جارية، فلا يكون الولد بحسب الظاهر منفيّا عنه إلّا بلعانه، فالزوج في ما بينه و بين ربّه يحكم بالانتفاء قبل اللعان، و لكنّه في مرحلة الظاهر عند الحاكم لا ينتفي عنه إلّا باللعان.

و من هنا يتّضح الحال في رواية أبان بن تغلب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فلم تلبث بعد ما أهديت إليه إلّا أربعة أشهر حتّى ولدت جارية، فأنكر ولدها و زعمت هي أنّها حملت منه، قال: فقال عليه السّلام:

«لا يقبل منها ذلك، فإن ترافعا إلى السلطان تلاعنا و فرّق بينهما، ثمّ لم تحلّ له أبدا» «1».

و حاصل الكلام أنّ إحدى القاعدتين متعرّضة لحال الشكّ في الأخرى، و لا عكس، فالقاعدة الأخرى غير متعرّضة لحال الشكّ في قاعدة الفراش و لا للشكّ في نفسها، بمعنى أنّ قاعدة نفي الولديّة عمّن ولد في أقلّ من الستّة أو في أزيد من السنة غير متعرّضة للشكّ في موضوع قاعدة الفراش؛ لأنّ موضوعها أخصّ من موضوع قاعدة الفراش و غير متعرّضة أيضا للشكّ في موضوع نفسها، كما هو واضح.

و أمّا قاعدة الفراش فمتعرّضة للشكّ في موضوع تلك القاعدة، و هذا معيار تقدّم إحدى القاعدتين على الأخرى.

و على هذا فمتى شككنا بعد إحراز أصل موضوع الفراش الذي يعتبر فيه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب

النكاح، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 10.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 762

الدخول بالمعنى الأعمّ في تحقّق الولادة من الزوج بواسطة احتمال الوطي الموجب ليكون الولد من مائه، جرى هذه القاعدة و ليس لجريانها أزيد من ذلك مؤنة.

نعم لا يكفي صرف إحراز الوطي بمعنى غيبوبة الحشفة مع عدم الإنزال مع العلم بعدم وطي آخر؛ إذ هو ليس في البعد إلّا بمثابة قول العامّة المكتفين بصرف المزاوجة و لو علم بعدم تحقّق وطي بينهما أصلا.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 763

مسألة هل يجوز للحاكم إجراء قاعدة الفراش

مع القطع بانتفاء الولد بنظر الزوجين لو تصادق الزوجان على مجاوزة أقصى الحمل أو عدم مضيّ أقلّ الحمل فهل يحكم الحاكم بمجرّد اتّفاقهما بالانتفاء، بحيث يعدّ اتّفاقهما طريقا إلى النفي حاكما على قاعدة الفراش، أو أنّه مع حصول الشكّ للحاكم يعمل بالقاعدة فيحكم بلحوق الولد و وجوب إنفاقه و مؤنة رضاعه على الزوج إلّا أن يقيما بيّنة على ما ادّعياه؟

الذي اختاره صاحب المسالك قدّس سرّه هو الأوّل، مستدلّا عليه بأنّه يجب على الزوج مع علمه بالحال نفي الولد عن نفسه، و لا يجامع هذا الحكم مع جريان قاعدة الفراش في حقّ الحاكم؛ إذ لا يترتّب على النفي المزبور فائدة، لندرة وجود البيّنة على طبق مقاله، و لا سبيل أيضا إلى اللعان؛ لأنّه مع إنكار الزوجة، و أمّا مع تصادقهما فلا، كما هو واضح. فيبقى حكم وجوب النفي بلا فائدة، و أيضا لو لم ينتف الولد بمجرّد نفيه في هذه الصورة لزم الحرج و الضرر على الزوج.

و استشكل عليه شيخنا الأستاذ دام ظلّه أوّلا بأنّه بعد فرض تصادق الزوجين فما وجه دخالة الحاكم، و مجرّد أنّ الولد ذو حقّ في هذه الدعوى- فإنّهما ادّعيا نفي استحقاقه

المئونة على الزوج- لا يوجب ولاية الحاكم عليه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 764

و الحاصل: لا ولاية و لا خصومة في البين، فما وجه الدخالة؟

و ثانيا: لا نسلّم لغويّة الحكم المزبور لو فرض عدم تصديق الزوج في دعواه؛ إذ لعلّ الفائدة في إيجاب النفي أنّه مع إنكار الزوجة يكون له السبيل إلى اللعان، و مع موافقتها كثيرا ما يحصل للحاكم العلم بالصدق.

و أيّ فرق بين إيجاب النفي في مسألتنا و بين تحريم التمكين على الزوجة المنكرة للزوجيّة أو المدّعية للطلاق إذا أقام الزوج البيّنة على الزوجيّة، أو حلف على نفي الطلاق، حيث إنّها محكومة مع علمها بالحال بحرمة التمكين، و هو محكوم بوجوب الإنفاق، و مع ذلك لا يصدّق الزوجة في ادّعائها، فمن الممكن أن يكون إيجاب النفي في ما نحن فيه من هذا القبيل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 765

مسألة هل القذف و نفي سبب مستقلّ للّعان

و لو انفكّ عن الآخر أم لا؟

هذه المسألة و إن كانت بباب اللعان أنسب، لكنّها لا تخلو عن المناسبة للمقام.

و هي: من المسلّم في كلمات القوم رضوان اللّه عليهم أنّ للّعان سببين:

أحدهما: قذف المرأة المحصنة، و الآخر: نفي الولد، و مقتضى تقابلهما أنّ النفي موجب مستقلّ و لو انفكّ عن القذف، كما إذا اعترف بعدم زنا الزوجة، و لكن ادّعى مع ذلك انتفاء الولد عنه بواسطة وطي الشبهة، أو احتمل وقوعه في حقّها و احتمل الزنا، فلا يجزم بالزنا، و لكنّه جازم بانتفاء الولد.

لكن يشكل هذا بأنّ اللعان عبارة عن تلاعن الزوجين بعد شهادة كلّ منهما أربع شهادات، و فائدة الشهادات و اللعن في حقّ كلّ منهما درء العذاب و الحدّ، و هذا لا ينفكّ عن القذف؛ إذ النفي الخالي عن الرمي و القذف لا يوجب

حدّا لا في حقّ الزوج و لا الزوجة، فما معنى اللعان حينئذ؟

نعم يمكن بحسب التصوير أن يشهد الزوج أربع شهادات بالنفي، ثمّ يعقّبها باللعن من دون حاجة إلى شهادات المرأة بكذبه و تعقيبها بالغضب، و ذلك لأنّ المرأة إمّا تقصد بذلك درء الحدّ عن نفسها، أو إثبات الولد على زوجه، و الأوّل مفروض الانتفاء، و الثاني نقض للغرض؛ فإنّه مفيد لنفي الولد.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 766

اللهمّ إلّا أن تقصد دفع عار الكذب و وطي الشبهة عن نفسها.

و قد يحتمل أنّ المراد أنّه إذا خلى القذف عن النفي يحتاج اللعان إلى دعوى المشاهدة بأن يدّعي أنّي رأيت رجلا في ما بين رجليها، و أمّا إذا قارن النفي فلا يحتاج إلى دعوى المشاهدة، بل يكفي دعوى العلم و لو من سبب غير الرؤية.

و لكنّه أيضا مدفوع بأنّه لا يناسب التعبير بالسببيّة في قبال القذف، بل السبب حينئذ هو القذف فقط، غاية الأمر أنّ أحد الأمرين شرط تأثيره إمّا دعوى الرؤية و إمّا إنكار الولد.

و الذي اختاره شيخنا الأستاذ دام بقاه في هذا المقام أنّ للفظ اللعان معنى معهودا و هو الملاعنة الواقعة بين الزوجين المقصود بها في كلّ منهما درء العذاب عن نفسه، أمّا الزوج فحدّ القذف، و أمّا الزوجة فحدّ الزنا، فموردها مخصوص بالرمي و القذف، فلا مورد له مع النفي الخالي عن عن القذف، فمعه يحكم بإلحاق الولد و لا يعتنى بإنكاره إلّا أن يقيم البيّنة على طبق دعواه.

و أمّا دخالة النفي في اللعان فليس المراد بها الدخالة المستقلّة و لو انفكّ عن القذف، بل جزء الدخالة في مورد خاصّ، أعني: في ما إذا نسب الزنا إلى امرأته و كانت ذات ولد و كان

ولدها على تقدير صدقه محتملا كونه من ماء الزنا و كونه من ماء الزوج، ففي هذه الصورة لا يكفي القذف وحده في سببيّة اللعان حتّى ينضمّ إليه إنكار الولد، كما أنّ الإنكار وحده أيضا لا يكفي، فالسبب حينئذ هما منضمّين.

و هذا بخلاف ما إذا لم يكن لها ولد كذلك و نسب إليها الزنا، فإنّه يكون القذف حينئذ سببا مستقلا للّعان.

و الذي ربّما يتوهّم منه السببيّة الاستقلاليّة للنفي في عرض القذف روايتان من مجموع الروايات المذكورة في الوسائل في باب اللعان.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 767

إحداهما: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال عليه السّلام: «لا يكون اللعان إلّا بنفي ولد» و قال عليه السّلام: «إذا قذف الرجل امرأته لاعنها» «1».

و الأخرى: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عليه السّلام: «لا يقع اللعان حتّى يدخل الرجل بامرأته، و لا يكون اللعان إلّا بنفي الولد» «2».

و لكنّك خبير بأنّه ليس في قوله عليه السّلام: «لا يكون اللعان إلّا بنفي الولد» دلالة على السببيّة؛ إذ ليس هو إلّا مثل قوله: لا يقع اللعان حتّى يدخل الرجل بامرأته، و مثل قوله: إنّما اللعان باللسان، و مثل قوله: لا يكون لعان حتّى يزعم أنّه قد عاين، ممّا ورد في بيان شرائط اللعان و كيفيّته، مع كونه معهودا و مرادا به معنى واحدا في جميع الأخبار أعني: اللعان الطرفيني الذي يقدم عليه كلّ منهما لأجل درء العذاب.

فكأنّه قال: اللعان الذي يكون في مورد القذف لا يكون إلّا بكذا أو كذا و إلّا بنفي الولد، فكما أنّ من شرائطه الزوجيّة و الدخول و دعوى المشاهدة، كذلك من شرائطه في مورد خاصّ نفي الولد، أعني ما إذا

كان للمقذوفة ولد كان على تقدير صدق القاذف محتمل الأمرين، فكما لا يراد بتلك العبارات سببيّة الدخول و اللسان، فهكذا في هذه العبارة، فكأنّه راعى الشارع في مثل هذه الزوجة حرمة أزيد من غيرها، فلم يشرّع في حقّها اللعان و التفريق الأبدي بمجرّد القذف مع التصديق و الاعتراف بولدها، و إنّما شرّعها إذا قارنه بنفي ذلك الولد.

و إذن فلا يبقى لقوله عليه السّلام بعد الفقرة المذكورة إذا قذف الرجل امرأته لاعنها،

______________________________

(1) الوسائل: كتاب اللعان، الباب 9، الحديث الأوّل.

(2) المصدر، الحديث 2.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 768

أيضا ظهور في السببيّة الاستقلاليّة للنفي، فإنّ المراد به بحكم المقابلة أنّه إذا قذف الرجل امرأته و لم يكن في البين ولد مشكوك الحال على تقدير صدق القاذف كان أيضا موردا للّعان.

بقي الكلام في أنّ الشاهد على ما ادّعيناه في الأخبار ما ذا؟ بعد ما ذكر من معهوديّة معنى اللعان و اتّحاده في جميع المواضع و كونه إشارة إلى معنى واحد.

فنقول: هو ما رواه ثقة الإسلام و شيخ الطائفة قدّس سرّهما في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لاعن امرأته و هي حبلى قد استبان حملها و أنكر ما في بطنها، فلمّا وضعت ادّعاه و أقرّ به و زعم أنّه منه، قال عليه السّلام: «يردّ إليه ولده و يرثه و لا يجلّد، لأنّ اللعان قد مضى» «1».

وجه الاستشهاد أنّه عليه السّلام علّل عدم الجلد بمضيّ اللعان، و المفروض أنّ الرجل قذف امرأته و نفى ولدها، أمّا الأوّل فلظهور قوله: لاعن امرأته، و أمّا الثاني فلظهور قوله: فلمّا وضعت ادّعاه، في اختصاص ادّعائه بما بعد الوضع، فالإمام عليه السّلام حكم بأنّ الإنكار الأوّل لا ينقلب

عن واقعه بالادّعاء الثانوي و هو الشرط في نفوذ اللعان و صحّته، و إذا وقع صحيحا لا يطرأه الفساد بعده، و هذا كما ترى شاهد على اشتراط اللعان في مورد قذف الحبلى بنفي الولد.

إن قلت: فلعلّ مراد السائل رجوع الرجل عن أصل القذف لا بقائه عليه مع الرجوع عن إنكار الولد.

قلت: بل الظاهر هو الثاني؛ إذ ليس الحمل هو المستند في قذفه، لما عرفت من اشتراط دعوى المعاينة و أنّي رأيت رجلا بين رجليها، و حينئذ فلا ربط بين دعوى

______________________________

(1) الوسائل: كتاب اللعان، الباب 6، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 769

القذف و إنكار الولد، بل هما دعويان مستقلّتان، فظاهر الرواية أنّه باق على دعواه القذف، و لكنّه لمّا رأى شباهة الولد بنفسه أو محبّة له في قلبه دعاه ذلك إلى الإقرار به بعد الإنكار.

فالسؤال إنّما هو عن أنّ هذا الإقرار هل هو مضرّ باللعان حيث إنّ من شرطه الاقتران بنفي الولد، أو أنّ الإنكار الأوّلي كاف؟ فأجاب عليه السّلام بأنّه قد صحّ و مضى اللعان بواسطة الإنكار الأوّل، و هذا الإقرار الواقع لمّا وقع بعد المضيّ فلا يضرّ.

فالمفهوم منه أنّه لو وقع قبل اللعان كان مضرّا، و لو لم يكن له مدخليّة لم يبق للتعليل بالمضيّ وجه، بل المناسب أن يقول: وجوده و عدمه سيّان بعد فرض بقائه على القذف و الرمي.

[القسم الثاني في أحكام الولادة]

[و أما اللواحق فثلاثة]
[و أما الحضانة]
اشارة

القول في الحضانة و الكلام هنا في مواضع:

الأوّل هل حقّ الحضانة و التربية الثابت للامّ غير حقّ الإرضاع

، أو هما حقّ واحد؟

و يظهر الثمر في ما إذا أسقط حقّ إرضاعها بواسطة عدم إقدامها بأجرة تقدم غيرها فعلى الأوّل حقّ حضانتها باق بحاله، و على الثاني لا حقّ لها أصلا، و في المسألة قولان:

أحدهما للمحقّق في الشرائع و هو الثاني، و الآخر حكي عن ابن إدريس و هو الأوّل، و لا يبعد أن يقال بمقتضى الرواية الحاكمة بأنّ للأب نزعه من أمّها عند عدم

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 770

حضورها بالأجرة التي يتقبّلها غيرها: إنّه لا حقّ للأمّ في الحضانة أيضا في مدّة الرضاع.

الموضع الثاني هل حقّ الإرضاع يختصّ بالأمّ ذات اللبن أم يعمّ غيرها؟

هل حقّ الإرضاع خاصّ بما إذا كانت الامّ ذات لبن، أو يعمّها و غير ذات اللبن، بأن كان لغير ذات اللبن أن يدفعها إلى امرأة شاءت و كان المعتبر رضاها، لا رضي الأب؟ الظاهر هو الأوّل؛ فإنّه الظاهر من الأخبار الدالّة على سقوط حقّها إذا لم تتقبّل بأجرة غيرها.

و لكنّ الظاهر من صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل مات و ترك امرأته و معها منه ولد فألقته على خادمة لها فأرضعته، ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ؟ فقال عليه السّلام: «له أجر مثلها و ليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتّى يدرك و يدفع إليه ماله» «1» أنّ حقّ الإرضاع لها ثابت حتّى لو أرادت دفعه إلى مرضعة أخرى، فإنّه لو لم يكن ذلك عن حقّ لها، بل كانت أجنبيّة، غاية الأمر أنّ لها الحضانة لمّا كان لها حقّ أخذ الأجرة من الوصيّ، إذ هو مثل ما إذا أوجر أجنبي مالا له في حلق الصبي بقصد أن يرجع إلى الوصيّ بدون اطّلاع الوصيّ.

و يعلم من الخبر مطلب آخر أيضا و هو أنّ غاية

حضانة الأمّ في صورة موت الأب بلوغ الطفل.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 771

الموضع الثالث هل الولاية في مدّة الحضانة خاصّة بالأمّ أم لا؟

هل الولاية في مدّة الحضانة خاصّة بالأمّ و ليس للأب نصيب و إنّما نصيبه في الأمور الأخر مثل حفظ أمواله لو كان له مال و نحو ذلك، و أمّا من حيث الأمور الراجعة إلى الحضانة فليس له مزاحمة الأمّ، بل هو في ذلك كمزاحمة الأجنبي مع الوليّ في ما هو وليّ فيه، فلو ادّعى أنّ هذا اللبن مضرّ بحال الطفل فلا بدّ له من إثبات ذلك عند الحاكم؟ أو أنّ نظره دخيل أيضا و ولايته باقية، فالولاية بينهما بالاشتراك.

و معنى قولهم عليهم السّلام: الأمّ أحقّ بالولد ما دام لم يفطم أنّه إذا ساوت الامّ و غيرها في جهات المصالح بنظر الأب و كان الأمر دائرا بين تسليم الطفل إليها أو إلى غيرها فعند ذلك هي أحقّ من غيرها، لا أنّها أحقّ و أولى مطلقا، و إذن فلو ادّعى إضرار اللبن مثلا لم يحتج إلى الإثبات، بل يتوقّف و لا يرجّح جانب أحدهما حتّى يجتمع نظراهما على شي ء واحد؟

لا يبعد أن يقال بأنّ الثاني مقتضى الجمع بين رواية داود بن الحصين: «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة» و بين الروايات الأخر الدالّة على أحقّيّة الامّ، فالمراد بالثاني هو الأحقّيّة بالإضافة إلى النسوة الأخر، لا حتّى بالنسبة إلى الأب، و المقصود بالأوّل هو ما ذكرنا من دخالة نظريهما معا.

الموضع الرابع تعيين منتهى حقّ الحضانة

في تعيين منتهى هذا الحقّ الثابت للامّ سواء قلنا: إنّه اختصاصي أم اشتراكي

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 772

و أنّه الفطام كما يدلّ عليه بعض الروايات، أو بلوغ السبع سنين، كما يدلّ عليه بعض آخر أو ما لم يتزوّج الامّ كما دلّت عليه طائفة ثالثة، هذا بحسب الأخبار.

و أمّا الأقوال، فقيل بالفرق بين الابن، فبعد

الفطام يكون الأب به أولى، و بين البنت فيبقى ولاية الأمّ إلى السبع سنين.

و قيل: أحقّيّة الأمّ في الذكر إلى الحولين، و في الأنثى إلى تسع سنين.

و قيل: إنّها أحقّ بالولد ما لم تتزوّج.

و قيل: هي أحقّ بالبنت ما لم تتزوّج و بالصبيّ إلى سبع سنين.

و الذي اختاره شيخنا الأستاذ دام ظلّه أن يقال: إنّ الحدّ للحقّ الشرعي إنّما هو الحولان لا أكثر، و أمّا رواية: ما لم تتزوّج. فهي واردة في المطلّقة، و أمّا روايات السبع فهي في مساق الحكم الأخلاقي، أعني: أنّه ينبغي أن لا يفرق الطفل عن امّة في هذه السبع سنين، بل يخلّي سبيله مؤيّدا ببعض الروايات الواردة في إهمال الصبيّ سبعا، و ضمّه و لزومه للأب و تعليمه الكتاب سبعا و تعليمه الحلال و الحرام سبعا.

الكلام في أنّ الحضانة حقّ اختصاصي أو اشتراكي

و حاصل الكلام في مقام الجمع بين روايات هذا الباب إمّا من جهة كون الحضانة حقّا اشتراكيّا أو اختصاصيّا، و إمّا من جهة انتهاء زمان الحضانة أن يقال:

أمّا من الجهة الاولى فلا إشكال في أنّ ولاية الأب بالنسبة إلى البيع و الشراء في أموال الصبيّ و الصبيّة بحالها، و لا كلام لنا فيه.

و إنّما الكلام في أنّه هل له حظّ مع الأمّ في حقّي الرضاع و الحضانة أيضا، بمعنى أنّه لو ادّعى أنّ هذا اللبن مضرّ بمزاج الطفل يحتاج إلى إقامة البيّنة و يكون من باب

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 773

الأمر بالمعروف، لا من باب الأحقّيّة و الأولويّة، أو أنّ له الأولويّة و الاختيار و ليس تمام الاختيار بيد المرأة، فهما وليّان؟ و معنى ذلك أنّه لا بدّ من توافقهما و اجتماع نظريهما، و لا يمضي تصرّف أحدهما إلّا برضا الآخر.

قال شيخنا الأستاذ

دام علاه: كلّ ما ذكر في أخبار الباب من إثبات الأحقّيّة للامّ إنّما هي بالنسبة إلى المرضعات الأخر في صورة التساوي في الأجرة، بل يمكن إثبات الأولويّة من هذا الحيث لها بالنسبة إلى الأب أيضا، يعني أنّ الأب ليس له نزع الولد منها و دفعه إلى غيرها مع تساويها في الأجر و الصلاحيّة لمزاج الطفل.

و على هذا فيحصل الجمع بين سائر الأخبار المثبتة للأحقّيّة و الأولويّة للأمّ، و بين خبر داود بن الحصين المصرّح فيها بأنّ: «الولد ما دام في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة، فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ، فإذا مات الأب فالأمّ أحقّ به من العصبة، و إن وجد الأب من ترضعه بأربعة دراهم و قالت الامّ: لا أرضعه إلّا بخمسة دراهم فإنّ له أن ينزعه منها، إلّا أنّ ذلك خير له و أرفق به أن يترك مع امّه».

فإنّ معنى كونه بينهما بالمساواة أنّه لا يقدّم قول أحدهما عند المعارضة، بل يسوّي بينهما، فلا يمضي أمر الرضاع إلّا مع تراضيهما و توافق نظريهما، و ليس معنى التسوية أنّ الأجرة على الأب و الحقّ للأمّ، و لا أنّ للأب حقّ النزع في صورة اقتضاء الامّ أجرا زائدا، و للأمّ الحقّ في صورة اقتضائها الأجر المساوي لغيرها، فإنّ الظاهر مساواتهما في النظر في أمر الرضاع في موضوع واحد، و هو ما ذكرنا من اشتراك الحقّ بينهما.

و من هنا يعرف أنّ الثابت بالأخبار مجرّد ثبوت الحقّ للامّ بحيث لها إسقاطه و تخلية الولد إلى أبيه، لا أنّه ولاية حتّى يجب عليها الإقدام كسائر الولايات، فإنّه خلاف قولهم: هي أحقّ بالولد، هذا هو الكلام في الجمع من حيث الجهة الأولى.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 774

في تعيين غاية الحضانة

و أمّا الكلام في الجمع بين أخبار المسألة من حيث تعيين غاية الحضانة.

فاعلم أنّ ما دلّ غائية الحولين من قوله عليه السّلام في رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا طلّق الرجل و هي حبلى أنفق عليها حتّى يضع حملها و إذا وضعته أعطاها أجرها، و لا يضارّها إلّا أن يجد من هو أرخص أجرا منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه» «1» نصّ في أنّ الغاية هو الفطام.

لا يقال: إنّه في مقام تعيين الغاية للرضاع، و حقّ الحضانة غير حقّ الرضاع، فمن الممكن بقاء حقّ الحضانة بعد الحولين و إن ارتفع حقّ الإرضاع.

لأنّا نقول: لو سلّم ذلك في هذه الرواية، لكنّك عرفت في رواية ابن الحصين أنّه قال: «فإذا فطم فالأب أحقّ به من الامّ» «2» و معنى ذلك أنّ له نزعه من يدها، و هذا صريح في انتهاء مدّة الرضاع و الحضانة كليهما.

و أمّا سند رواية داود بن الحصين فقد رواها المشايخ الثلاثة، و ليس في السند من يحتمل الطعن في حقّه إلّا داود بن الحصين، و قد قال في حقّه النجاشي أنّه ثقة، و قال العلّامة في الخلاصة أنّه واقفي، و توقّف الميرزا في رجاله لأجل هذا.

و لكنّك خبير بأنّ الجمع بين الكلامين يقتضي كونه مثل الحسن بن فضّال من الواقفيّة الثقات، و مجرّد ذلك لا يوجب التوقّف في مقبوليّة رواياتهم، هذا حال هذه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.

(2) المصدر، الحديث 6.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 775

الطائفة.

و هنا طائفة أخرى دالّة على غائيّة السبع سنين، و هي روايتان:

إحداهما: عن أيّوب بن نوح، قال: كتب إليه بشر

بن بشّار: جعلت فداك، رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثمّ فارقها، متى يجب له أن يأخذ ولده، فكتب عليه السّلام:

«إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله، و إن تركه فله»، و الثانية عنه أيضا قال كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد و خلّيت سبيلها، فكتب عليه السّلام:

«المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، إلّا أن تشاء المرأة» «1».

و معنى قول السائل: متى يجب له نظير قوله في بعض الأخبار: إذا غابت الشمس وجب الإفطار- بعد وضوح عدم إرادة الوجوب بمعنى اللزوم- يكون مطلق الثبوت، و هو ظاهر في أنّه ليس للزوج مطلق استحقاق الأخذ في ما قبل السبع، فيكون ظاهرا في أحقّيّة الامّ قبله.

و لكن يمكن رفع اليد عن هذا الظاهر بقرينيّة ذلك النصّ بأن يقول: إنّ المراد أنّ ما بعد السبع هو الزمان الذي ليس في أخذ الولد عن أمّه مطلق البأس لا التحريمي و لا الحزازة الكراهيّة، فغاية ما يستفاد حينئذ كراهة الأخذ قبل السبع و الحزازة الأخلاقيّة مؤيّدا بما ورد في بعض الأخبار من تثليث أحوال الصبيّ و تقسيمها بين سبع و سبع و سبع.

و بالجملة، ليس هذا الجمع خروجا عن قانون المحاورة العرفيّة و الجمع العرفي.

و أمّا الجمع الذي ينسب إلى المشهور من حمل خبر: حتّى يفطم على الابن، و هذين الخبرين على البنت، فقال شيخنا الأستاذ دام علاه: إنّه و إن كان لا بعد فيه

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 7.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 776

بالنسبة إلى الشقّ الأوّل، و لكنّه غير بعيد غايته بحيث يخرج الكلام عن طريق المحاورة العرفيّة بالنسبة إلى الشقّ الثاني، فإنّ الخبرين قد

ذكر فيهما لفظ الولد، و هو إن لم نقل بانصرافه إلى الابن فلا أقلّ من كونه قدرا متيقّنا منه، فلا يمكن إخراجه منه.

و أمّا جعل الإجماع قرينة على هذا التصرّف كما يظهر من الجواهر فهو عمل بالإجماع مستقلا، و ليس عملا بالخبر؛ لعدم مقاومته لهذا الحمل، نعم يكون حملا تبرّعيّا، و إلّا فهو في الحقيقة طرح له.

بقي الكلام في طائفة الثالثة و هي ما جعل الغاية لأحقّيّة الامّ ما لم تتزوّج، و هي مرسلة المنقري عمّن ذكره قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطلّق امرأته و بينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج» «1».

فإن حملناها على حولي الرضاع بأنّ ادّعينا الانصراف إلى حال رضاع الولد فلا كلام في كونه تقييدا لما دلّ على بقاء الأحقّيّة إلى الحولين.

و أمّا إن جعلناها عامّة لما بعد الحولين، بمعنى أنّ هذا حكم الولد مطلقا و لو بعد الفطام فهذه الغاية مع غائيّة السبع يتعارضان مفهوما؛ لأنّ مفهوم غائيّة التزويج أنّه ما دام لم تتزوّج تكون الأمّ أحقّ و لو بلغ الطفل السبع و جاوز، و مفهوم الآخر أنّها أحقّ ما لم يبلغ السبع و إن تزوّجت، فيجري فيهما كلّي الكلام الجاري في كلّ منطوقين تعارضا بالمفهوم، مثل قضيّة: إذا خفي الأذان فقصّر، و إذا خفي الجدران فقصّر، و قد حقّق في محلّه بأنّ المتعيّن رفع اليد عن مفهوم كلّ من الكلامين بمقدار منطوق الآخر.

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 777

فيستفاد منهما استقلال كلّ من الأمرين في الأثر، فيكون السابق منهما مؤثّرا فعليّا لا محالة.

ففي مقامنا أيّ من التزويج و البلوغ سبع

سنين سبق على الآخر كان هو الغاية لانقضاء الأحقّيّة، فلو تزوّجت في الحولين فليس لها أحقّيّة لزوميّة و إن تزوّجت بعد الحولين قبل السبع فليس لها أحقّيّة أولويّة أخلاقيّة.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الحقّ اللزومي للامّ بحيث ليس للأب الإجبار على خلافه لا يستفاد من الأدلّة في الأزيد من حولي الرضاع، و بعدهما يكون في النزع و الأخذ حزازة و في الإبقاء تحت يدها أولويّة و استحسان إلى سبع سنين، من غير فرق في الحكمين بين الصبيّ و الصبيّة، و لكنّك عرفت أنّ هذا ممّا لا قائل به.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 778

مسألة هل تنتقل الحضانة بعد موت الأب إلى الوصيّ أو الأمّ؟

إذا مات الأب قالوا: إنّ الحضانة في المدّة التي كانت للأب على تقدير حياته ينتقل إلى الأمّ، فتصير هي نائبة عنه في شغل الحضانة، بحيث ليس للوصيّ معارضتها، و إنّما له الدخالة في سائر أمور الطفل من ماله و نكاحه.

قال صاحب الحدائق في هذا المقام ما معناه: إنّ للمسألة صورتين:

إحداهما: أن يكون موت الأب في مدّة الحولين أو في مدّة السبع سنين في الأنثى، فكان موته قبل انتقال حقّ الحضانة إليه.

و الصورة الأخرى: أن يكون بعد المدّتين و بعد انتقال الحقّ المزبور إليه، أمّا الصورة فخالية عن النصّ رأسا و لا تعرّض في النصوص لحكمه و أنّ الوصيّ هو الأولى أو الأمّ أو غيرهما.

و أمّا الصورة الأولى فالمقطوع من النصوص أنّ الأمّ باقية على حضانتها كحال حياة الأب، و ليس للوصيّ معارضتها في مدّة حضانتها، أعني الحولين في الذكر و السبع في الأنثى على قولهم، فإنّ الوصيّ نائب الأب، و النائب ليس بأقوى حالا من المنوب، فإذا كان الأب لا يمكنه نزع الطفل في هذه المدّة عن حجر الامّ فالوصيّ كذلك

بطريق أولى، هذا ما ذكره قدّس سرّه.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 779

و العجب منه قدّس سرّه حيث إنّ الظاهر أنّه عثر على صحيحة ابن سنان المتقدّمة المشتملة على موت الأب قبل انتقال الحضانة إليه، و مع ذلك حكمت بأنّه ليس للوصيّ نزع الطفل من حجر الأمّ إلى أن يدرك و يدفع إليه أمواله، فإنّه صريح في بقاء حضانة الأمّ إلى زمان الإدراك و هو البلوغ، بقرينة قوله: و يدفع إليه أمواله، فكيف قال قدّس سرّه: إنّه لا يستفاد من النصوص في هذه الصورة الأولى إلّا بقاء حقّ الحضانة في خصوص الحولين أو السبع.

و كيف كان فالعمدة هو التكلّم في مدرك المسألة، و قد عرفت أنّ لها صورتين و أنّ الصحيحة المزبورة وافية بحكم الصورة الاولى.

و أمّا الثانية أعني: صورة موت الأب بعد انتقال الحضانة إليه فيمكن الاستدلال فيها على أحقّيّة الأمّ إلى البلوغ من الوصيّ برواية ابن الحصين السابقة، فإنّ قوله عليه السّلام فيها: فإذا مات الأب فالأمّ أحقّ به من العصبة عقيب قوله عليه السّلام:

فإذا فطم فالأب أحقّ به من الامّ. ظاهر في أنّه فرض موت الأب عقيب الفطام و انتقال حقّ الحضانة إليه و مع هذا حكم بأحقّيّة الأمّ من العصبة.

و حينئذ نقول: وجه الاستدلال به على أحقّيّتها من الوصيّ إطلاق الرواية بالنسبة إلى صورة نصب الأب وصيّا و قيّما على الصغير و خصوصا مع ملاحظة أنّ ذلك هو الغالب في الناس، بحيث يكون الموت بلا تعيين وصيّ نادرا، فالمفهوم من الكلام أنّ الحقّ دائر بين الامّ و العصبة، و ليس للوصيّ حقّ مع وجودهما، و إنّما المحتاج إلى الترجيح أحدهما على الآخر، فحكم بأنّ المقدّم هو الأمّ.

فإن قيل: كما أنّ لهذه الرواية

إطلاقا بالنسبة إلى صورة نصب القيّم و الوصيّ، كذلك لأدلّة نفوذ الوصاية و القيمومة، أيضا عموما بالنسبة إلى أمر الحضانة كأمر المال و النكاح، و بين الدليلين عموم من وجه، فما وجه ترجيح هذا الإطلاق على تلك الأدلّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 780

قيل: يستفاد من كلام الجواهر عدم الفصل بين الصورتين أعني: صورة الموت قبل الانتقال و الموت بعده، حيث حكم بأنّ مقتضى الاستصحاب في صورة الأولي بقاء حضانة الأمّ، و بضميمة عدم القول بالفصل نحكم بالبقاء في الصورة الثانية و كلامه قدّس سرّه و إن كان فيه أنّ مقتضى أدلّة الوصاية و القيمومة في الصورة الثانية تقديم الوصيّ و بضميمة عدم القول بالفصل يحكم بتقديمه في الصورة الاولى، و هذا دليل اجتهادي لا مجال معه للاستصحاب، و لكنّ المقصود من نقل كلامه قدّس سرّه أنّ الفصل بين الصورتين مجمع على بطلانه.

و حينئذ نقول: قد عرفت نصوصيّة صحيحة ابن سنان على حضانة الأمّ و تقدّمها على الوصيّ في صورة الموت قبل الانتقال، و بضميمة عدم الفصل نحكم بذلك في الصورة الأخرى، و لا يعارض بالعكس بأن نعمل بعموم أدلّة الوصاية في الصورة الأخرى و ضميمة الأولى بعدم الفصل؛ لأنّه على هذا التقدير يلزم طرح صحيحة ابن سنان و لغويّتها رأسا، و على التقدير الأوّل لا يلزم إلّا تقييد أدلّة الوصاية بغير الحضانة من سائر أمور الطفل.

ثمّ على تقدير عدم تسليم الإجماع المزبور أيضا يمكن القول بترجيح إطلاق رواية ابن الحصين على إطلاق أدلّة القيمومة بملاحظة أنّ تقديم الثانية يستلزم تقييد الإطلاق الأوّل بالفرد النادر أعني: صورة موت الأب و لم يعيّن وصيّا و قيّما على صغاره، و تقديم الاولى سليم عن مثل ذلك، هذا.

و يمكن

استفادة أحقّيّة الأمّ من قولهم عليهم السّلام: «فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ» «1» فإنّ أفعل التفصيل و إن كان ليس هنا على حقيقته و إلّا كان الحقّ للامّ ثابتا

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث الأوّل.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 781

فعلا في حال وجوب الأب، و لكن يستفاد منه كون الامّ ليست بأجنبيّة صرفة بحيث لا حظّ لها و لا نصيب من الكفالة و الحضانة بعد مدّة الفطام أصلا كالأجانب، و لهذا لا يصحّ إطلاق كلمة «الأحقّ» بالنسبة إلى الأجانب الأباعد.

و بالجملة، يعلم منه أنّه بعد الأب ليس أحد أقرب إلى الولد من الامّ، و لهذا جعلها طرفا للإضافة في أحقّيّة الأب.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 782

مسألة في تعيين محلّ الحضانة بعد فقد الأبوين

لو فقد الأبوان ففي تعيين محلّ الحضانة حينئذ أقوال شتّى بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم.

فمنهم من قال بأنّها تكون للجدّ من الأب بملاحظة أنّ الولاية له، و من شؤونها الحضانة، و إنّما خرجنا عن مقتضاها حال حياة الأمّ بالنصّ، و أمّا مع فقدها فلا مانع عن العمل بها.

و منهم من جعلها بين الأقارب على حسب طبقات الإرث، فالمتقدّم منهم بالإرث متقدّم بالحضانة، مستندا إلى آية وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* «1» فإنّها عامّ بالنسبة إلى الإرث و الحضانة، فالأولى بميراث الطفل يكون أولى بحاضنته بحكم عموم الآية الشريفة.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه جعل الأحقّ بعد الجدّ للأب الوصيّ ثمّ الأرحام على حسب مراتبهم في الإرث، ثمّ الحاكم، ثمّ المسلمين كفاية، و نظره في الجدّ إلى عموم ولايته، و في الأرحام إلى الآية، و في الوصيّ- و مراده الوصيّ للأب و الوصيّ للجدّ

______________________________

(1) سورة الأنفال: الآية 75.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص:

783

إلى كونهما نائبين عنهما قائمين مقامهما، و الحاصل: إلى عموم نفوذ و وصايتهما في كلّ ما كان شأنا لموصيهما و منه الحضانة و التربية للطفل و السعي في مصالحه و مفاسده، و إشعار صحيحة ابن سنان المتقدّمة حيث قابل الامّ بالوصيّ و قال: ليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها، فيشعر هذا أنّ الوصيّ أيضا ذو حظّ من الحقّ المزبور و إن كان الأمّ أحقّ منه.

و ممّا أيّد كون الحقّ للأرحام ما رواه ابن الشيخ الطوسي في أماليه من قضاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بابنة حمزة لخالتها و قال صلّى اللّه عليه و آله: الخالة والدة، و قد طالبها أمير المؤمنين عليه السّلام و جعفر؛ لأنّها ابنة عمّهما، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: عندي ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هي أحقّ بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ادفعوها إلى خالتها، فإنّ الخالة أمّ «1»، و في المسألة أقوال أخر أيضا.

و الإنصاف أنّه لا دلالة في آية أولوا الأرحام و لا في رواية ابن الشيخ.

أمّا الأولى، فلأنن عمومها لغير الإرث غير معلوم.

و أمّا الثانية: فإنّها قضيّة في واقعة، فلعلّه كان من جهة الولاية الثابتة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث إنّه وليّ من لا وليّ له، و لا ينافيه قوله: الخالة والدة؛ فإنّه علّة فعله صلّى اللّه عليه و آله بمعنى أنّ وجه ترجيحه لها أنّها بها أمسّ، لأنّها كالأمّ.

كما أنّه ربّما يتوهّم أنّ حقّ الحضانة من الحقوق القابلة للإرث، لعموم قوله ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه، فإنّ فيه أنّا قد علمنا أنّه ليس جاريا مجرى المتروك الموروث؛ لأنّه بعد الأب صار للامّ، فليس

على نسق الحقوق الإرثيّة.

و الذي اعتمده شيخنا الأستاذ دام علاه في المقام أن يقال بالانتقال بعد موت

______________________________

(1) الوسائل: كتاب النكاح، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 784

الأبوين إلى العصبة؛ لأنّ هذا مستفاد من قوله عليه السّلام في رواية ابن الحصين المتقدّمة:

«فإذا مات الأب فالأمّ أحقّ به من العصبة»، و العصبة على ما يستفاد من اللغة بالتحريك قوم الإنسان الذين يتعصّبون له، و ليس العصبة هنا بضمّ العين؛ لأنّها بمعنى جماعة الرجال نحو العشرة.

و تقريب الاستفادة ما تقدّم الإشارة إليه في المسألة المتقدّمة من أنّ أفعل التفضيل و إن كان ليس على حقيقته؛ إذ ليس المراد أنّ للعصبة حقّا مع وجود الامّ، لكن يستفاد منه أنّهم غير خالين عن الحقّ رأسا كالأجانب الأباعد، فيعلم من هذا أنّهم مقدّمون على الجدّ و الوصيّ كما استفيد ذلك في الأمّ بواسطة الإطلاق.

نعم حيث ليست الرواية في مقام البيان من حيث كيفيّة قيام الحقّ بالعصبة و إنّما يستفاد منه قيامه بهم بعد الامّ على سبيل الإجمال فلا يعلم أنّه يرجع في تعيين المحلّ عند التعدّد إلى القرعة أو غيرها.

و أمّا ما نقل عن الجواهر قدّس سرّه من استفادته نحو هذا في الوصيّ ففيه أنّه ليس الرواية الواردة فيه إلّا رواية ابن سنان المتقدّمة، و ليس فيها لفظ أحقّيّة الأمّ من الوصيّ، و إنّما ذكر أنّه ليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها، و يكفي في صحّة هذا الكلام كون الوصيّ محلّا لتوهّم الأحقّيّة، و لا يلزم أن يكون ذا حقّ و لو في المرتبة المتأخّرة، و هذا بخلاف التعبير بالأحقّيّة من العصبة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 785

مسألة حقّ الإرضاع و حقّ الحضانة يرجعان إلى حقّ واحد أو لا؟

لا يخفى أنّه لا يستفاد من أخبار

الباب أنّ هنا حقّين متغايرين أحدهما: حقّ الإرضاع، و الآخر: حقّ الحضانة، بل الموجود فيها هو الأحقّيّة بالولد، و هي تعمّ الرضاع و الحضانة و خصوصا مع ملاحظة عدم مرسوميّة الانفكاك بينهما في الخارج، حيث إنّه لا يباشر الرضاع شخص، و التربية من لفّه في خرقته و حلّ خرقته و غسلها و إشراب الدواء إيّاه، و غير ذلك شخص آخر إلّا نادرا، فإذا قيل: الأمّ أحقّ بالولد فهم منه بالنسبة إلى جميع هذه الأمور.

و على هذا فالمستفاد حقّ واحد متعلّق بهذا المجموع المتعارف المرسوم، و أمّا إذا طالبت بالبعض و أسقطت البعض فلا دليل على ثبوت الحقّ لها بهذا الوجه، و هذا الحقّ الواحد منوط بعدم مطالبتها الأجرة الزائدة، فلو طالبت الزيادة فلا حقّ لها أصلا، فالقول بأنّه لو طالبت لأجل الرضاع أجرا زائدا يبقى حقّ حضانتها و يسقط حقّ رضاعها، لا وجه له، و خصوصا في خبر داود بن الحصين أنّه إن وجد الأب من ترضعه بأربعة دراهم و قالت الامّ: لا أرضعه إلّا بخمسة دراهم فإنّ له أن ينزعه منها، و ظاهره النزع من يدها لا في خصوص الرضاع.

و أيضا ظاهر بعض الأخبار هو الأجر المطلق، لا لخصوص الرضاع، فراجع.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 786

و بالجملة، فالظاهر من رواية ابن الحصين أيضا بملاحظة غلبة عدم الانفكاك بين الأمرين أنّ الأجر فيها أيضا لأجل مطلق أمور الطفل الملازمة غالبا مع رضاعه، فقولها: لا أرضعه إلّا بخمسة يكون المراد به الإرضاع مع توابعه الغالبيّة.

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 787

مسألة إذا سقط حقّ الامّ بالتزويج هل يرجع بالطلاق أو لا؟

قد عرفت أنّه قد جعل الغاية لحقّ الأمّ في بعض الأخبار تزويجها في أثناء حولي الرضاع، أو و لو بعدهما، لكنّ الكلام الآن في أنّه لو

تزوّجت و طلّقها الزوج الثاني فهل يرجع استحقاقها أو لا؟

قال شيخنا الأستاذ العلّامة أدام اللّه أيّامه أنّ هنا تصويرين في كلّ مقام جعل غاية الشي ء عدم فعل من الأفعال، كما لو قيل: أكرم زيدا ما لم يفسق.

أحدهما: أن يكون الغاية عدم صدور ذلك العمل، فالصدور و لو دفعة واحدة غاية للحكم، و بعده و لو لم يصدر ثانيا لا دليل على عود الحكم؛ إذا الغاية قد حصلت.

و الثاني: أن يكون المراد نفس عدم الاتّصاف بالصفة الكذائيّة، فالمراد في المثال: أكرم الزيد الغير الفاسق.

و لكنّ المناسبة المقاميّة في بعض المقامات تشهد بإرادة الثاني و منها المقام، فإنّ الظاهر بمعونة المقام أنّ وجه استثناء المرأة المزوّجة كونها مشغولة بحقّ زوجها الحديد، و هذا مانع عن الاشتغال بأمور حضانة الطفل، و بهذه القرينة يصير الكلام بمنزلة أن يقال: حقّ الحضانة ثابت للامّ الغير المزوّجة.

و على هذا فمتى تزوّجت خرجت عن الموضوع، و متى طلّقت عادت إليه،

كتاب النكاح (للأراكي)، ص: 788

فيعود الحقّ.

لكن على هذا يبقى الكلام في زمان العدّة في المطلّقة الرجعيّة و أنّها هي بحكم الزوجة في هذا الحكم أيضا، فلا حقّ لها، أو أنّ القدر المتيقّن من التنزيل غير هذا الأثر من حرمة الخامسة و الأخت و وجوب النفقة و السكنى.

قال شيخنا الأستاذ: ليس تعبير أنّها «زوجة» أو بمنزلة الزوجة واردا في خبر من الأخبار، و إنّما هو من كلام أصحابنا الأخيار، و لكن يمكن أن يقال:

يستفاد من الأخبار أنّها و إن كانت ليست بزوجة حقيقة بمعنى أنّه ليس الطلاق مشروطا بانقضاء العدّة، غاية الأمر سقوط حقّي القسم و المضاجعة تعبّدا، بل هي مطلّقة بنفس الصيغة كما هو مفادها، و لكنّها باقية على جميع أحكام الزوجة،

حتّى أنّه لو قبّلها أو وطئها لا بقصد الرجوع أيضا جاز.

و أيضا يستحبّ لها أن تتزيّن نفسها و إبداء زينتها للزوج لعلّه يرغب فيها و يعامل معها معاملة الأزواج مع زوجاتهم.

و على هذا فسقوط حقّي القسم و المضاجعة يكون على خلاف هذا الأصل الثانوي و ثابتا على نحو التعبّد.

فالعمدة ملاحظة هذه الأخبار، فإن أمكن استفادة عموم المنزلة منها بحيث يشمل المقام فهو، و إلّا فلا، و لا يخفى أنّ الملاك في حقّ الرجعيّة أتمّ من المزوّجة، فإنّها علاوة على عدم انقطاع علقتها بالمرّة عن الزوج الثاني يكون بمقام تحصيله أيضا، و الحضانة منافية له كما لا يخفى، بخلاف المزوّجة، فإنّها غير محتاجة إلى التحصيل، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

و قد وقع الفراغ من تحرير هذه الأجزاء في السبت العاشر من شعبان المعظّم من سنة 1348 و صلّى اللّه على نبيّنا و آله الطاهرين

________________________________________

اراكى، محمد على، كتاب النكاح (للأراكي)، در يك جلد، نور نگار، قم - ايران، اول، 1419 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.